كتاب منزل في صقلية - الفصل الثامن - كونستا
بيت في صقلية | تأليف: دافني فيليبس | الناشرون: كارول وغراف المحدودة | ترجمة أميمة الزبير | الفصل الثامن- كونستا
***********
ازدادت قدرة ماريا على الطبخ بما يكفي لإطعام أعداد أكبر مما اعتادت عليه في أيام دون روبيرتو، ولكنّ المسكينة-مع تقدم العمر-صارت أكثر ضعفاً. في أحد أعياد الميلاد اتبعت هواها قليلاً وخالفت حميتها الغذائية. وفي يوم الهدايا غداة عيد الميلاد سمعتُ صراخاً عالياً يصدر من اتجاه المطبخ، فصحتُ بهم أن اهدأوا، ودعوا الناس تعود لنومها في سلام، ولكن الأصوات زادت، عليه ذهبت لأستطلع الأمر. ثم للمرة الأولى سمعت صوت النّواح الصقلي-العربي الرهيب في حالاة الوفاة: حزن بيب وبونيري على وفاة ماريا، التي شهقت ثم سقطت فجأة. لقد كانت دائماً تأمل أن تأتيها المنية أثناء العمل، وفي المنزل الذي أحبته، وقد تحققت أمنيتها لحسن الحظ.
لم أستطع الحداد عليها: على الرغم من صدمتي، شعرت فقط بالسعادة من أجلها.
بعد وفاة ماريا واستقالة بيب، لم أجد من يساعدني سوى سيدة يثقلها الحبل، ولبضع ساعات فقط كل يوم. وعلى نحو ما كنت أتدبر أمر وجبتين كاملتين لجميع من في المنزل بمعاونة من بعض الضيوف. كانت لي واجباتي الأخرى كمديرة فندق تتمثل في: الضرائب، والتأمين، وإخطار الشرطة بالضيوف، والمشتريات، بالإضافة إلى حضور كثير من جنازات أصدقاء خالي المخلصين. كان غيابي عنها يعد إساءة. بعد ستة أشهر على هذا المنوال، كنت مرهقة جداً وقررت أنْ ليس هناك من وقت لمثل هذه الأمور.
سألني بيبينو البستانيّ- الذي أصبح الآن يعمل يومين في الأسبوع- في أحد الأيام عمّا إذا كنت أحبّ أن تلتحق زوجته بالعمل معي. وكانت ابتسامتها فقط كافية لإقناعي بتوظيفها: لقد بثت السعادة في احتفالات أطفالنا بعيد الميلاد.
"متى يمكنها الحضور- فوراً؟"
"لا، ليس قبل وفاة جدها."
سألت باحترام بادٍ في تعبير وجهي وصوتي عن عمره.
"سبعة وثمانين"
" هل هو سعيد؟"
"لا، إنّه يشرب كثيراً ويود الرحيل."
ثم بدأت من وقت لآخر أسأل عن الجد، إذ أنني عرفت لاحقاً أن جميع الأشخاص الذين تتولى كونسيتا رعايتهم يتحسنون.
على أية حال، وفي أحد الأيام سألني بيبينو فجأة عما ذا كان بإمكان العائلة جميعها الانتقال لى المنزل الصغير في الحديقة في الحال.
"والجد؟ هل توفي؟"
"لا ولكن الأسرة تتهمنا بإبقائه للاستيلاء على معاشه. وهذا غير صحيح سيدتي." وكنت أعرف أنّه لم يكن صحيحاً.
انتقلوا إلى المنزل الصغير، أربعتهم، لديه صبي في الثامنة، وبنت في الرابعة. للمرة الأولى رأيت مدى الكارثة التي حلت قبل ثلاث سنوات بمنزلهم في الهضبة الواقعة خلف بلدة تورمينا، عندما ضربته الصاعقة، وفقدوا كل شيء سوى أنفسهم، وملابس النوم. في ذلك الوقت كنت أتلمس طريقي تجاه توازن مادي على حد السيف، وعندما سمعت بأنّ القرية تقدم لهم المساعدة اعتقدت أنّ هذا أعفاني من الواجب. إنني أشعر بالخزي حتى هذا اليوم، ولكنْ كرامتهما وكبرياؤهما خدعاني. لقد رفعا رأسيهما عالياً ولم يطلبا شيئاً. لم يطل الوقت قبل أن يتم ترتيب مقتنياتهم البسيطة البائسة، وفي الصباح التالي كانت كونسيتا جاهزة للعمل.
" أخشى أنني لا أعرف كيف أطبخ،" قالت. شيء غريب، اعتقدت أنّ لديها عائلة تطعمها وأنّها كانت ذكية. قلت لنفسي: صبرٌ جميلٌ pazienza, pazienza، ولها: " إذن سأعلمك، كما فعلت مع بيب."
دخلت إلى المطبخ في اليوم التالي لإعطائها الدرس الأول لأجدها تصنع كعكة عيد ميلادٍ لبيبينو تفوق قدراتي بكثير.
" ولكني ظننت أنك لا تجيدين الطبخ؟"
" أوه، أعرف كيف أطبخ لنا، ولكن ليس لك."
"لكني أحبُّ الطعام الصقليّ."
تذكرت ماريا. في أول مرة طلبت منها أن تصنع لي بيضاً مسلوقاً، قالت: " لكني لا أعرف كيف."
"لا بد أنّك قمت بهذا من أجل دون روبيرتو؟"
"أوه، نعم، أعرف كيف أصنعه له ولكن ليس لك."
ما زالت كونسيتا معي. إنّها طاهية ريفية بذلت جهداً في المحاولة- ونجحت- في العديد من الوصفات المحلية والأجنبية التي أعطيتها إياها. كانت تجمع الأعشاب من الريف وتصنع منها أطباقاً شهية. وهي بستانيّة خبيرة أيضاً، وذات أيادٍ خضراء كما يقولون. تعرف كيف تتعامل مع الرضع والأطفال- وحتى مع مشاكلهم- بأسلوب لا تنقصه الثقة ولا البداهة. وهي تعرف كل شيء عن الطيور والزهور البرية، كما إنّها كانت ممرضة ماهرة عندما أصبت بثلاثة كسور في كاحلي، إذ كانت لبقة، وفعالّة، ومبتهجة، متحلية بما يلزم من حس الفكاهة. وعندما كنت أحاول استعادة قدرتي على المشي كانت ذراعها هي الأكثر أماناً. بالإضافة إلى ذلك فقد كانت فريدة في مهارة صيد الدبابير، على العكس من موظف مكافحة الحشرات الذي كان يعتبر حتى عش الزنبور أكثر خطورة من أن يواجه. وما زلت بعد أكثر من ثلاثين عاماً في دهشة من قدراتها العقلية، وذوقها الفطريّ، وحكمتها وقوتها البدنية والأخلاقية أيضاً.
لقد عاشت حياة قاسية: أولا بسبب الفاشيين إذ كان أترابها يمضون أوقاتهم في ممارسة المشية الرومانية بدلاً عن ارتياد المدرسة الصغيرة الجبلية، بينما كان الصبية يمتشقون بنادقهم الصغيرة. وأثناء فترة الحرب كانوا لاجئين في كهوف الجبال، وكانت هي وبقرتها- التي كانت تعتني بها على الرغم من أنّها في العاشرة من العمر فقط- قد ساهما في إبعاد شبح المجاعة.
ومن الغريب أنّها في تلك الأيام الخصبة كانت طفلة لا تزال. قامت هي وأمّها بالادخار لبناء بيت أفضل بعد الحرب، وكانت تقوم بجولة لبيع الحليب قبل المدرسة. في أحد الأيام كانت أمّها تقوم بمعايرة الحليب وهي تجلس منفرجة الساقين على حمارٍ فسقطت على رأسها عندما رمى بها الحمار الذي أخافه أحد الكلاب. وحملت إلى المنزل وهي جثة هامدة. وقبل أن تنقضي تلك السنة صارت لكونسيتا زوجة أب.
فرت كونسيتا مع رفيق الدراسة بيبينو عندما كانت في التاسعة عشرة من العمر. لقد كان زوجاً صالحاً للغاية، وعملا معاً وتجاوزا محنة خسارة منزلهما.
أحبّ أن أتذكر أنّ أسعد أيام حياتها كانت في قصر كوسيني. لقد استغلت كل ما يمكننا عرضه عليها وكونت صداقاتٍ وسط ضيوفي. قالت في إحدى المرات و كانت تنظر إلى العدد الكبير من الهدايا التي تلقتها منهم: " لم أترك مقاطعة مسينيا أبداً، بيد أنني أشعر بأنني قد زرت جميع أنحاء العالم- على الأقل فعلت صورتي." كان جمالها يزاداد مع الوقت، وهي تبدو جميلة في الصور.
والآن، الابن نينو، طاهٍ مخضرم في تورمينا، وقد حصل على ميدالية ذهبية مهمة على سلسلة تتدلى من كتفيه، والابنة، ميما، معلمة متخصصة متزوجة من طبيب جرّاح. الخمسة في الأسرة (تبنت هي وبيبينو ابن اخيه، وهو طفل ذو احتياجات خاصة، كانت هي الشخص الوحيد الذي يستطيع التعامل معه)، لديهم أربع سيارات مقسمة بينهم، وخمس إن وضعنا الطبيب في الحسبان.
قبل أن ينضم الأخير إلى العائلة وقعت كارثة، عندما وضع نينو الذي كان في الخامسة عشرة من العمر عندئذٍ، يده اليمنى في آلة صنع الآيسكريم أثناء الدوران، أثناء عمله في إحدى الحانات أثناء العطلة المدرسية. كانت زوجة صاحب العمل تتمتع بحضور البديهة ففصلت التيار الكهربائي بينما ركض زوجها ليطمئنه. لقد أُخذ على الفور إلى المشفى المحليّ. كنت في إنجلترا في ذلك الوقت، وأتلقى الرسائل على غرار السطور التالية: " آمل أن يجدك هذا الخطاب كما يتركنا- جميعنا في خير حال."
لذلك كنت مصدومة لدى عودتي لأجد ذراع نينو معلقة وقد أصيبت ثلاثة من أصابعه بالشلل.
تمثل العلاج في جلسات التدليك اليومية. وقد فكرت في لحظة مجنونة بالطيران به إلى إنجلترا، ولكني قلت لنفسي إنّه كان صقلياً ومن حقه الاستفادة من الخدمات الصقلية، وإلا فلن تتحسن أبداً.
وبدا كما لو أنَّ جميع من بإمكانه المساعدة قد أبعدته العطلة، ولم يكن هنالك طبيبٌ أو صديقٌ بوسعي الاستنجاد به.
انتظرت في قلق شديد حتى عاد جرّاح تجميل سويدي رائد إلى منزله الشتوي، وأخبرني بذلك واحد من أفضل تلاميذه، عمل معه في استكهولم لأربع سنوات، وتزوج من ممرضة عمليات سويدية، تعمل الآن معه، وكان أستاذاً في الجراحة العصبية بكاتانيا. أخذنا له الصبي في الحال كمريض على النفقة الخاصة، وتم تشخيصه بتمزق في الوتر، وقطع في العصب. كنا نريده أن يجري العملية، داخل مشروع الخدمة الصحية العامة، وهي الطريقة الوحيدة التي كانت تناسب إمكاناتنا المادية. كان على نينو الذهاب إلى مستشفى الحوادث في باليرمو، والذي تبرعت بأرضه السيدة الإنجليزية ديليا وايتيكر.
بدأ الزوجان التعيسان الرحلة: انتاب الأب القلق من الرحلة الطويلة إلى بلدة مجهولة، كان الصبي يرتدي حمّالة، ويسير بيد معطلّة وفي خوفٍ مما قد يضطر للخضوع له. كل ما استطعته من مساعدة لم يتجاوز مهاتفة القس الإنجيلي- لم أكن من أعضاء رعيته ولكنه كان رجلاً عطوفاً- وسألته عما إذا كان ضمن خدمته من يستطيع مساعدة بيبينو في إيجاد غرفة بأجرة زهيدة ليقيم فيها. قال الأب في الحال: " سيكون دون بيبينو ضيفاً لدي." كان لذلك وقعٌ مريحٌ على الجميع.
أخذ الأب والابن معهما ديكاً كبيراً ذا ألوان متعددة ولامعة، وهو طائر له مكانته هناك.
" لِمَ الطائر يا بيبينو؟"
"إنّه هدية للجراح."
كانت قدماه مربوطتين، ولكنه كان معتدلاً في السلة وليس مرمياً رأساً على عقب.
" ألا تخشى أن تدق عنق هذا المسكين قبل انتهاء الرحلة؟"
" لا، يجب أن يرى الطبيب أنّه حي." وانطلق الثلاثة. (أخبرني صديق أمريكي تزوج من صقلية شابة رائعة الجمال تتدرب في نيويورك، وبدون حتى أن يطأ أرض صقلية أخبرني بأنّها فزعت عندما امتلأت شرفة شقتهما في أول عيد ميلاد تمضيه في باليرمو بصغار الخراف، والدجاج، والديوك الرومية التي لابد من إطلاقها على الفور، أو تقديم الماء والطعام لها حتى ينتهي بها المطاف إلى مائدتهما. فقد كانت الثلّاجات نادرة في ذلك الزمان.)
كان بيبينو معروفاً لدى طاقم المشفى في تورمينا كشخص تلقى بعض التدريب في مجال التمريض عندما كان يؤدي خدمته العسكرية. كما كان يتمتع بالزيارات وبعض الامتيازات الأخرى، لكن لم يكن هنالك أحد يعرفه في باليرمو. لقد شعر بالضياع التام. وقد أُخطر في الغرفة بوجوب مغادرة الطفل الذي لا ينبغي فصله عن أسرته بطبيعة الحال، وأنّه لا يستطيع زيارته قبل مضي ثلاثة أيام. لم تجد الاحتجاجات حتى سار مريض آخر، ووضع ذراعيه حول الأب المحبط وهمس إليه: " اعط الممرض ألف ليرة وعندما تصل إلى حارس البوابة افعل الشيء نفسه، وسترى."
فعل كما قيل له، وحظي بفرصة لزيارة ابنه يومياً. ولدى شعوره بالتحسن تمشى على الدرج وركض إلى عمدة كاستيلمولا الجديدة، مسقط رأسه. وقد خمنت أنَّ العمدة، في زيارته الأولى للعاصمة الصقلية كان يشعر بالضياع مثل بيبينو، وكان سعيداً ليرى شخصاً كان يدرس معه في المدرسة الابتدائية. تمشيا معاً يداً بيد، وسرعان ما رأى العمدة أحد المشرفين، نائب الحزب الديمقراطي المسيحي، والذي كان يعرفه. وهكذا سار الثلاثة جنباً إلى جنب، وحصل بيبينو الأكثر سعادة على ترحيب حار من الموّقر الذي سمح له بإجراء مكالمة مجانية في كل ليلة ليطمئن كونسيتا القلقة في الطرف المقابل من الجزيرة. كانت العملية قد أجريت بنجاح، والنتائج النهائية جيدة جداً بالفعل.
قال القس: " دون بيبينو سيد مثالي: لقد ترك زجاجة جِن عندما عاد إلى منزله، ولم أكن هناك لأودعه". لقد كانت لمسة بارعة من شخص لم يتذوق الكحول. لابد أنّه ذعر من السعر، ولكنه لم يرد إلا تقديم الأفضل.
شكّل الحصاد مناسبة عظيمة تنعقد كل خريف، يصبح عندها بيبينو وكونسيتا أكثر المضيفين فخراً وسعادة بمنزلهما الجبلي في لوبيناريا، أرض الترمس. حيث منزلهما الحجري القديم في الريف الأجمل الأنقى بالقرب من أحد الينابيع. كانت المياه الوفيرة هي أهم العوامل في صقلية. كنا نذهب جميعاً في الصباح الباكر لقطف الأعناب، وقطعها من الكروم، وتكديسها في السلال والصناديق المستخدمة لنقلها إلى فناء المعصرة على حمار. ولكنها الآن تؤخذ عبر الطريق المنحدر على ظهور أصدقاء نينو من الرجال الشباب الأقوياء. ويكدسونها على حجر الطحن حيث يقوم ثلاثة أو أربعة رجال أشداء بسحقها، الثمرة والقشرة، وجميعها ساعة بعد الأخرى. وقد كانوا حفاة ولكنهم الآن يرتدون أحذية ويلنغتون الطويلة. ويتدفق العصير القرمزي من فتحة إلى وعاء المصفاة في الأسفل، وعبرها إلى أرض حجرية أكثر انخفاضاً يغرف منها إلى أرباع، وهي مكاييل معدنية سعة أربعة لترات. يعاد سحق القشور والبذور في اليوم التالي، بصخرة كبيرة معلقة من جذع يعود عمره إلى قرون. الوقت الوحيد، قبل سنوات، عندما ساعدت في أولى عمليات السحق، بحثت حولي عن مكان لغسل قدمي- ومما أثار دهشة الجميع بشدة، ضرورة غسل القدمين بعد العمل، وليس قبله!
في هذه الأثناء، كان نينو وأصدقاؤه الطهاة ومضيفتنا يعدّون وجبة هائلة، وغالونات من النبيذ. تم تقديمها طبقاً بعد طبق في مأدبة جلوس في الطابق الأعلى في الحجرة المجاورة للمخبز، الذي أفلحت كونسيتا في إقناعها ببنائه من أجلها حتى تستطيع صناعة الخبز كما كانت تفعل جدتها. قُدم إلينا الطعام- وكنا حوالي خمسة وثلاثين شخصاً- حتى لم يستطع أي منا أكل أو شرب المزيد. كانت مائدتهما تضاهي مائدتي في استيعاب جميع فوارق اللغة، والطبقات، والعمر والجنس، بينما كنا نشرب أنخاب مضيفينا الأسخياء من نبيذ السنة الماضية المركّز. وقد عادت السيارات جميعها في إعجاز بأمان، فلم يكن النبيذ قوياً فقط بل كان حرّاً أيضاً، أي عنب صافٍ بدون إضافات كيميائية. فهو لا يتسبب في الدوار، على عكس النبيذ الصناعي. وقد ساعدتنا القهوة السوداء القوية في ختام وجبتنا على تحسين القدرة على التركيز لدى السائقين.
في صقلية، حيث يفرض القانون على من لا يملكون لقباً للعائلة باختيار واحد، دائما ما يصبح اللقب اسماً للعائلة. عليه فإن كاتروشيو ربما كان كان هو أول رجل يرتدي النظارات. وربما كان بيفاكوا (شرب الماء) مدمنا للكحول؟ أم كان بخيلاً فقط ؟ إنّه من الملائم أن يكون اسم كونسيتا الأوسط هو جينيو؟ (عبقرية).
كان وصولها هو أفضل ضربة حظ في حياتي وحياة قصر كوسيني.
بيت في صقلية | تأليف: دافني فيليبس | الناشرون: كارول وغراف المحدودة | ترجمة أميمة الزبير | الفصل الثامن- كونستا
***********
ازدادت قدرة ماريا على الطبخ بما يكفي لإطعام أعداد أكبر مما اعتادت عليه في أيام دون روبيرتو، ولكنّ المسكينة-مع تقدم العمر-صارت أكثر ضعفاً. في أحد أعياد الميلاد اتبعت هواها قليلاً وخالفت حميتها الغذائية. وفي يوم الهدايا غداة عيد الميلاد سمعتُ صراخاً عالياً يصدر من اتجاه المطبخ، فصحتُ بهم أن اهدأوا، ودعوا الناس تعود لنومها في سلام، ولكن الأصوات زادت، عليه ذهبت لأستطلع الأمر. ثم للمرة الأولى سمعت صوت النّواح الصقلي-العربي الرهيب في حالاة الوفاة: حزن بيب وبونيري على وفاة ماريا، التي شهقت ثم سقطت فجأة. لقد كانت دائماً تأمل أن تأتيها المنية أثناء العمل، وفي المنزل الذي أحبته، وقد تحققت أمنيتها لحسن الحظ.
لم أستطع الحداد عليها: على الرغم من صدمتي، شعرت فقط بالسعادة من أجلها.
بعد وفاة ماريا واستقالة بيب، لم أجد من يساعدني سوى سيدة يثقلها الحبل، ولبضع ساعات فقط كل يوم. وعلى نحو ما كنت أتدبر أمر وجبتين كاملتين لجميع من في المنزل بمعاونة من بعض الضيوف. كانت لي واجباتي الأخرى كمديرة فندق تتمثل في: الضرائب، والتأمين، وإخطار الشرطة بالضيوف، والمشتريات، بالإضافة إلى حضور كثير من جنازات أصدقاء خالي المخلصين. كان غيابي عنها يعد إساءة. بعد ستة أشهر على هذا المنوال، كنت مرهقة جداً وقررت أنْ ليس هناك من وقت لمثل هذه الأمور.
سألني بيبينو البستانيّ- الذي أصبح الآن يعمل يومين في الأسبوع- في أحد الأيام عمّا إذا كنت أحبّ أن تلتحق زوجته بالعمل معي. وكانت ابتسامتها فقط كافية لإقناعي بتوظيفها: لقد بثت السعادة في احتفالات أطفالنا بعيد الميلاد.
"متى يمكنها الحضور- فوراً؟"
"لا، ليس قبل وفاة جدها."
سألت باحترام بادٍ في تعبير وجهي وصوتي عن عمره.
"سبعة وثمانين"
" هل هو سعيد؟"
"لا، إنّه يشرب كثيراً ويود الرحيل."
ثم بدأت من وقت لآخر أسأل عن الجد، إذ أنني عرفت لاحقاً أن جميع الأشخاص الذين تتولى كونسيتا رعايتهم يتحسنون.
على أية حال، وفي أحد الأيام سألني بيبينو فجأة عما ذا كان بإمكان العائلة جميعها الانتقال لى المنزل الصغير في الحديقة في الحال.
"والجد؟ هل توفي؟"
"لا ولكن الأسرة تتهمنا بإبقائه للاستيلاء على معاشه. وهذا غير صحيح سيدتي." وكنت أعرف أنّه لم يكن صحيحاً.
انتقلوا إلى المنزل الصغير، أربعتهم، لديه صبي في الثامنة، وبنت في الرابعة. للمرة الأولى رأيت مدى الكارثة التي حلت قبل ثلاث سنوات بمنزلهم في الهضبة الواقعة خلف بلدة تورمينا، عندما ضربته الصاعقة، وفقدوا كل شيء سوى أنفسهم، وملابس النوم. في ذلك الوقت كنت أتلمس طريقي تجاه توازن مادي على حد السيف، وعندما سمعت بأنّ القرية تقدم لهم المساعدة اعتقدت أنّ هذا أعفاني من الواجب. إنني أشعر بالخزي حتى هذا اليوم، ولكنْ كرامتهما وكبرياؤهما خدعاني. لقد رفعا رأسيهما عالياً ولم يطلبا شيئاً. لم يطل الوقت قبل أن يتم ترتيب مقتنياتهم البسيطة البائسة، وفي الصباح التالي كانت كونسيتا جاهزة للعمل.
" أخشى أنني لا أعرف كيف أطبخ،" قالت. شيء غريب، اعتقدت أنّ لديها عائلة تطعمها وأنّها كانت ذكية. قلت لنفسي: صبرٌ جميلٌ pazienza, pazienza، ولها: " إذن سأعلمك، كما فعلت مع بيب."
دخلت إلى المطبخ في اليوم التالي لإعطائها الدرس الأول لأجدها تصنع كعكة عيد ميلادٍ لبيبينو تفوق قدراتي بكثير.
" ولكني ظننت أنك لا تجيدين الطبخ؟"
" أوه، أعرف كيف أطبخ لنا، ولكن ليس لك."
"لكني أحبُّ الطعام الصقليّ."
تذكرت ماريا. في أول مرة طلبت منها أن تصنع لي بيضاً مسلوقاً، قالت: " لكني لا أعرف كيف."
"لا بد أنّك قمت بهذا من أجل دون روبيرتو؟"
"أوه، نعم، أعرف كيف أصنعه له ولكن ليس لك."
ما زالت كونسيتا معي. إنّها طاهية ريفية بذلت جهداً في المحاولة- ونجحت- في العديد من الوصفات المحلية والأجنبية التي أعطيتها إياها. كانت تجمع الأعشاب من الريف وتصنع منها أطباقاً شهية. وهي بستانيّة خبيرة أيضاً، وذات أيادٍ خضراء كما يقولون. تعرف كيف تتعامل مع الرضع والأطفال- وحتى مع مشاكلهم- بأسلوب لا تنقصه الثقة ولا البداهة. وهي تعرف كل شيء عن الطيور والزهور البرية، كما إنّها كانت ممرضة ماهرة عندما أصبت بثلاثة كسور في كاحلي، إذ كانت لبقة، وفعالّة، ومبتهجة، متحلية بما يلزم من حس الفكاهة. وعندما كنت أحاول استعادة قدرتي على المشي كانت ذراعها هي الأكثر أماناً. بالإضافة إلى ذلك فقد كانت فريدة في مهارة صيد الدبابير، على العكس من موظف مكافحة الحشرات الذي كان يعتبر حتى عش الزنبور أكثر خطورة من أن يواجه. وما زلت بعد أكثر من ثلاثين عاماً في دهشة من قدراتها العقلية، وذوقها الفطريّ، وحكمتها وقوتها البدنية والأخلاقية أيضاً.
لقد عاشت حياة قاسية: أولا بسبب الفاشيين إذ كان أترابها يمضون أوقاتهم في ممارسة المشية الرومانية بدلاً عن ارتياد المدرسة الصغيرة الجبلية، بينما كان الصبية يمتشقون بنادقهم الصغيرة. وأثناء فترة الحرب كانوا لاجئين في كهوف الجبال، وكانت هي وبقرتها- التي كانت تعتني بها على الرغم من أنّها في العاشرة من العمر فقط- قد ساهما في إبعاد شبح المجاعة.
ومن الغريب أنّها في تلك الأيام الخصبة كانت طفلة لا تزال. قامت هي وأمّها بالادخار لبناء بيت أفضل بعد الحرب، وكانت تقوم بجولة لبيع الحليب قبل المدرسة. في أحد الأيام كانت أمّها تقوم بمعايرة الحليب وهي تجلس منفرجة الساقين على حمارٍ فسقطت على رأسها عندما رمى بها الحمار الذي أخافه أحد الكلاب. وحملت إلى المنزل وهي جثة هامدة. وقبل أن تنقضي تلك السنة صارت لكونسيتا زوجة أب.
فرت كونسيتا مع رفيق الدراسة بيبينو عندما كانت في التاسعة عشرة من العمر. لقد كان زوجاً صالحاً للغاية، وعملا معاً وتجاوزا محنة خسارة منزلهما.
أحبّ أن أتذكر أنّ أسعد أيام حياتها كانت في قصر كوسيني. لقد استغلت كل ما يمكننا عرضه عليها وكونت صداقاتٍ وسط ضيوفي. قالت في إحدى المرات و كانت تنظر إلى العدد الكبير من الهدايا التي تلقتها منهم: " لم أترك مقاطعة مسينيا أبداً، بيد أنني أشعر بأنني قد زرت جميع أنحاء العالم- على الأقل فعلت صورتي." كان جمالها يزاداد مع الوقت، وهي تبدو جميلة في الصور.
والآن، الابن نينو، طاهٍ مخضرم في تورمينا، وقد حصل على ميدالية ذهبية مهمة على سلسلة تتدلى من كتفيه، والابنة، ميما، معلمة متخصصة متزوجة من طبيب جرّاح. الخمسة في الأسرة (تبنت هي وبيبينو ابن اخيه، وهو طفل ذو احتياجات خاصة، كانت هي الشخص الوحيد الذي يستطيع التعامل معه)، لديهم أربع سيارات مقسمة بينهم، وخمس إن وضعنا الطبيب في الحسبان.
قبل أن ينضم الأخير إلى العائلة وقعت كارثة، عندما وضع نينو الذي كان في الخامسة عشرة من العمر عندئذٍ، يده اليمنى في آلة صنع الآيسكريم أثناء الدوران، أثناء عمله في إحدى الحانات أثناء العطلة المدرسية. كانت زوجة صاحب العمل تتمتع بحضور البديهة ففصلت التيار الكهربائي بينما ركض زوجها ليطمئنه. لقد أُخذ على الفور إلى المشفى المحليّ. كنت في إنجلترا في ذلك الوقت، وأتلقى الرسائل على غرار السطور التالية: " آمل أن يجدك هذا الخطاب كما يتركنا- جميعنا في خير حال."
لذلك كنت مصدومة لدى عودتي لأجد ذراع نينو معلقة وقد أصيبت ثلاثة من أصابعه بالشلل.
تمثل العلاج في جلسات التدليك اليومية. وقد فكرت في لحظة مجنونة بالطيران به إلى إنجلترا، ولكني قلت لنفسي إنّه كان صقلياً ومن حقه الاستفادة من الخدمات الصقلية، وإلا فلن تتحسن أبداً.
وبدا كما لو أنَّ جميع من بإمكانه المساعدة قد أبعدته العطلة، ولم يكن هنالك طبيبٌ أو صديقٌ بوسعي الاستنجاد به.
انتظرت في قلق شديد حتى عاد جرّاح تجميل سويدي رائد إلى منزله الشتوي، وأخبرني بذلك واحد من أفضل تلاميذه، عمل معه في استكهولم لأربع سنوات، وتزوج من ممرضة عمليات سويدية، تعمل الآن معه، وكان أستاذاً في الجراحة العصبية بكاتانيا. أخذنا له الصبي في الحال كمريض على النفقة الخاصة، وتم تشخيصه بتمزق في الوتر، وقطع في العصب. كنا نريده أن يجري العملية، داخل مشروع الخدمة الصحية العامة، وهي الطريقة الوحيدة التي كانت تناسب إمكاناتنا المادية. كان على نينو الذهاب إلى مستشفى الحوادث في باليرمو، والذي تبرعت بأرضه السيدة الإنجليزية ديليا وايتيكر.
بدأ الزوجان التعيسان الرحلة: انتاب الأب القلق من الرحلة الطويلة إلى بلدة مجهولة، كان الصبي يرتدي حمّالة، ويسير بيد معطلّة وفي خوفٍ مما قد يضطر للخضوع له. كل ما استطعته من مساعدة لم يتجاوز مهاتفة القس الإنجيلي- لم أكن من أعضاء رعيته ولكنه كان رجلاً عطوفاً- وسألته عما إذا كان ضمن خدمته من يستطيع مساعدة بيبينو في إيجاد غرفة بأجرة زهيدة ليقيم فيها. قال الأب في الحال: " سيكون دون بيبينو ضيفاً لدي." كان لذلك وقعٌ مريحٌ على الجميع.
أخذ الأب والابن معهما ديكاً كبيراً ذا ألوان متعددة ولامعة، وهو طائر له مكانته هناك.
" لِمَ الطائر يا بيبينو؟"
"إنّه هدية للجراح."
كانت قدماه مربوطتين، ولكنه كان معتدلاً في السلة وليس مرمياً رأساً على عقب.
" ألا تخشى أن تدق عنق هذا المسكين قبل انتهاء الرحلة؟"
" لا، يجب أن يرى الطبيب أنّه حي." وانطلق الثلاثة. (أخبرني صديق أمريكي تزوج من صقلية شابة رائعة الجمال تتدرب في نيويورك، وبدون حتى أن يطأ أرض صقلية أخبرني بأنّها فزعت عندما امتلأت شرفة شقتهما في أول عيد ميلاد تمضيه في باليرمو بصغار الخراف، والدجاج، والديوك الرومية التي لابد من إطلاقها على الفور، أو تقديم الماء والطعام لها حتى ينتهي بها المطاف إلى مائدتهما. فقد كانت الثلّاجات نادرة في ذلك الزمان.)
كان بيبينو معروفاً لدى طاقم المشفى في تورمينا كشخص تلقى بعض التدريب في مجال التمريض عندما كان يؤدي خدمته العسكرية. كما كان يتمتع بالزيارات وبعض الامتيازات الأخرى، لكن لم يكن هنالك أحد يعرفه في باليرمو. لقد شعر بالضياع التام. وقد أُخطر في الغرفة بوجوب مغادرة الطفل الذي لا ينبغي فصله عن أسرته بطبيعة الحال، وأنّه لا يستطيع زيارته قبل مضي ثلاثة أيام. لم تجد الاحتجاجات حتى سار مريض آخر، ووضع ذراعيه حول الأب المحبط وهمس إليه: " اعط الممرض ألف ليرة وعندما تصل إلى حارس البوابة افعل الشيء نفسه، وسترى."
فعل كما قيل له، وحظي بفرصة لزيارة ابنه يومياً. ولدى شعوره بالتحسن تمشى على الدرج وركض إلى عمدة كاستيلمولا الجديدة، مسقط رأسه. وقد خمنت أنَّ العمدة، في زيارته الأولى للعاصمة الصقلية كان يشعر بالضياع مثل بيبينو، وكان سعيداً ليرى شخصاً كان يدرس معه في المدرسة الابتدائية. تمشيا معاً يداً بيد، وسرعان ما رأى العمدة أحد المشرفين، نائب الحزب الديمقراطي المسيحي، والذي كان يعرفه. وهكذا سار الثلاثة جنباً إلى جنب، وحصل بيبينو الأكثر سعادة على ترحيب حار من الموّقر الذي سمح له بإجراء مكالمة مجانية في كل ليلة ليطمئن كونسيتا القلقة في الطرف المقابل من الجزيرة. كانت العملية قد أجريت بنجاح، والنتائج النهائية جيدة جداً بالفعل.
قال القس: " دون بيبينو سيد مثالي: لقد ترك زجاجة جِن عندما عاد إلى منزله، ولم أكن هناك لأودعه". لقد كانت لمسة بارعة من شخص لم يتذوق الكحول. لابد أنّه ذعر من السعر، ولكنه لم يرد إلا تقديم الأفضل.
شكّل الحصاد مناسبة عظيمة تنعقد كل خريف، يصبح عندها بيبينو وكونسيتا أكثر المضيفين فخراً وسعادة بمنزلهما الجبلي في لوبيناريا، أرض الترمس. حيث منزلهما الحجري القديم في الريف الأجمل الأنقى بالقرب من أحد الينابيع. كانت المياه الوفيرة هي أهم العوامل في صقلية. كنا نذهب جميعاً في الصباح الباكر لقطف الأعناب، وقطعها من الكروم، وتكديسها في السلال والصناديق المستخدمة لنقلها إلى فناء المعصرة على حمار. ولكنها الآن تؤخذ عبر الطريق المنحدر على ظهور أصدقاء نينو من الرجال الشباب الأقوياء. ويكدسونها على حجر الطحن حيث يقوم ثلاثة أو أربعة رجال أشداء بسحقها، الثمرة والقشرة، وجميعها ساعة بعد الأخرى. وقد كانوا حفاة ولكنهم الآن يرتدون أحذية ويلنغتون الطويلة. ويتدفق العصير القرمزي من فتحة إلى وعاء المصفاة في الأسفل، وعبرها إلى أرض حجرية أكثر انخفاضاً يغرف منها إلى أرباع، وهي مكاييل معدنية سعة أربعة لترات. يعاد سحق القشور والبذور في اليوم التالي، بصخرة كبيرة معلقة من جذع يعود عمره إلى قرون. الوقت الوحيد، قبل سنوات، عندما ساعدت في أولى عمليات السحق، بحثت حولي عن مكان لغسل قدمي- ومما أثار دهشة الجميع بشدة، ضرورة غسل القدمين بعد العمل، وليس قبله!
في هذه الأثناء، كان نينو وأصدقاؤه الطهاة ومضيفتنا يعدّون وجبة هائلة، وغالونات من النبيذ. تم تقديمها طبقاً بعد طبق في مأدبة جلوس في الطابق الأعلى في الحجرة المجاورة للمخبز، الذي أفلحت كونسيتا في إقناعها ببنائه من أجلها حتى تستطيع صناعة الخبز كما كانت تفعل جدتها. قُدم إلينا الطعام- وكنا حوالي خمسة وثلاثين شخصاً- حتى لم يستطع أي منا أكل أو شرب المزيد. كانت مائدتهما تضاهي مائدتي في استيعاب جميع فوارق اللغة، والطبقات، والعمر والجنس، بينما كنا نشرب أنخاب مضيفينا الأسخياء من نبيذ السنة الماضية المركّز. وقد عادت السيارات جميعها في إعجاز بأمان، فلم يكن النبيذ قوياً فقط بل كان حرّاً أيضاً، أي عنب صافٍ بدون إضافات كيميائية. فهو لا يتسبب في الدوار، على عكس النبيذ الصناعي. وقد ساعدتنا القهوة السوداء القوية في ختام وجبتنا على تحسين القدرة على التركيز لدى السائقين.
في صقلية، حيث يفرض القانون على من لا يملكون لقباً للعائلة باختيار واحد، دائما ما يصبح اللقب اسماً للعائلة. عليه فإن كاتروشيو ربما كان كان هو أول رجل يرتدي النظارات. وربما كان بيفاكوا (شرب الماء) مدمنا للكحول؟ أم كان بخيلاً فقط ؟ إنّه من الملائم أن يكون اسم كونسيتا الأوسط هو جينيو؟ (عبقرية).
كان وصولها هو أفضل ضربة حظ في حياتي وحياة قصر كوسيني.
, Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi,,
Related Articles