كتاب منزل في صقلية - الفصل الرابع- المشاكل/ أصبحت لوكانديرة
بيت في صقلية | تأليف: دافني فيليبس | الناشرون: كارول وغراف المحدودة | ترجمة أميمة الزبير | الفصل الرابع- المشاكل/ أصبحت لوكانديرة
*******
بينما كنت أقوم بتجهيز قصر كوسيني قبل وصول غايلورد، كنت أقف على سلّمٍ خشبي منهمكة في تنظيف قطعة نقش باروكية رائعة فوق مدفأة الصالة، وصل مبعوث متعجرف من الشرطة إلى الهضبة.
قال معلناً إياي وبدون أية مقدمات:" سيدتي، عليك مغادرة البلاد في غضون أربع وعشرين ساعة. لقد انتهت صلاحية إقامتك."
كان الأمر غير معقول بطبيعة الحال. عبّرت عن احتجاجي. لديّ أعمال مهمّة لأرعاها هنا. ثم، وبينما كنت أفكر بسرعة، سألت: كيف يمكنني دفع الضرائب العاجلة إن كان عليّ مغادرة البلاد؟
" يمكنك الذهاب إلى مالطة، والعودة في اليوم التالي."
لكني لا أملك المال ولا الوقت ولا الرغبة في الذهاب إلى مالطة."
"إذن عليك الحصول على شهادة طبية تفيد بوجوب إقامتك هنا لدواعٍ صحية."
لقد أدركت الآن لِمَ عرض عليّ طبيب خالي إصدار واحدة في أي وقت. "بالطبع، أستطيع الحصول على شهادة، ولكنّي أفضّل البقاء هنا لأسباب حقيقية."
"سيدتي، رجاء كوني عاقلة!" لم أعد أعرف من منا ينبغي عليه التعقّل. " ينبغي عليك الحضور ومقابلة المفوّض في الحال."
كان المفوض فاشيّاً سابقاً، مثله مثل البقية، وقد اعتاد على الطاعة. بدون نقاش؛ فقد أوعز بكتابة خطاب بشأني لإرساله إلى سلطة عليا- هل هو لوزير الصحة؟ كنت أعاني من روماتويد المفاصل إلى درجة لم أكن معها قادرة على السفر، فسألت بعصبية عما إذا كان شيئاً غير واضح- روماتيزم العضلات ربما؟ " لا يجب أن يكون سبباً قوياً. سيحضر اختصاصي ليتحقق من صحّة الشهادة."
"ألا ترى في هذا نوعًا من التعسف؟" سألت، وأنا أعتقد أنّ قدرتي على التأثير لم تعد كافية.
"دعي الأمر لي."
عليه، بقيت واضطلعت بواجباتي في فندق البارونة والجرذان.
في وقت لاحق من فصل الصيف، وعندما كنت قد عدت إلى قصر كوسيني، ظهر لي رجل قويّ، يمسح جبينه، بعد الصعود إلى السطح حيث كنت أحتسي فنجاناً من الشاي. كان يحمل في يده أوراقاً تبدو كمستندات رسمية. نهضت برشاقة وعرضت عليه الجلوس ومشاركتي شرب الشاي.
"أشكرك، إنّه للطف كبير منك، ولكنّي أعاني من حموضة المعدة، هل لديكم شيء من بيكربونات الصودا؟"
كان له ما أراد، وجلس يحتسي مشروبه بينما كنت أحاول جهدي اختلاس النظر إلى المستندات.
قال أخيراً:" أنا اختصاصي جئت لأرى مدى صحّة شهادتك الطبية. وإلى متى ستمتد إقامتك؟
تغلبت على إحراجي من عدم إظهار أية أعراض لالتهاب المفاصل، لقد رفعت رأسي وقلت، بملامح جامدة قدر ما أستطيع، " سيدي الطبيب، لقد أفادتني شمس صقلية كثيراً، حتى إنني استطيع الآن الحجز إلى لندن الأسبوع القادم."
لم يظهر أيٌّ منا أستغراباً من هذا الأمر. ربما بالنسبة له لم تكن كذلك. وعلى أية حال لم يكلفني الأمر شيئاً.
كان التقييم الضريبي كابوساً في حد ذاته. لقد قمت بكل غباء وقلة خبرة بالإقرار بالأرقام الفعلية كما فعلت في إنجلترا. لا يفعل المرء هذا الشيء في صقلية، وكنتيجة لذلك، زادت مصلحة الضرائب الرقم إلى درجة كبيرة. فكان عليّ الدخول في جدل طويل مرهق على أملٍ، ربما عبثاً، أن ينتهي بشكل عادلٍ.
كانت هنالك مشكلة خطيرة أخرى تتعلق باسمي. لقد كان من المفاجيء بالنسبة لي، أن يناديني الجميع بالسيدة كيتسوني، أو كنياتها. لأنّهم كانوا في غاية الإخلاص لخالي، حتى إنّهم اعتقدوا اشتراكنا في الاسم. وكنت أقول انطلاقاً من حرصي على الاحتفاظ باسم فيليبس أنّ والدتي كانت من عائلة كيتسون، لكنْ لدي والد بالتالي لم يكن اسمي مثل اسمها."
وكانوا ينظرون لي عندئذٍ بمزيد من الدهشة، وعندما تتبدد مشاعر الدهشة بعد فترة صمت قصيرة يقولون: " أها، أجل أجل، سيدتي كيتسوني."
فإن كان الاسم صعباً، فقد كانت تهجئته أصعب، وأصبح الأمر أكثر حيرة بإضافة ثلاثة أسماء على الطريقة المسيحية. كان اسم مارجريت سهلاً- فقد كانت هنالك قديسة تحمل الاسم ذاته، وكان اسم دافني وثنياً محضاً، ودفعهم اسم هاوثورن للاستسلام الكامل. ومازلت حتى اليوم أحتفظ ببعض المغلفات المعنونة إليّ باسماء: السيدة رافلين ميتزن، السينيورة. تشيزن دالفن. السيدة دافن بليبيسي. وجاني بيويلبس، وما شابهها. وكان هذا الأمر ذا أهمية خاصة في الوثائق القانونية، فالصقليون لا يحبون الاعتراف بأنّهم لا يعرفون، فيبذلون جهداً شجاعاً، عندما تواجههم صعوبة التمييز بين الاسم الأول واللقب، إذ أنَّ تهجئة اسم فيلبس تحتمل البدء بأي من الحرفين اللاتينيينP أو F، وكيستون، الذي اعتقدوا أنّه كان اسمي، يبدأ بحرف K وهو حرف يندر استخدامه في اللغة الإيطالية، ويتعين على المرء أن يكتبه بحرفي CH في البداية مما يصدر صوتاً يشبه صوت الحرف K، ليجد مخرجاً آمناً من هذا المأزق. بل وصل الأمر أنْ تحول اسمي في إحدى المرات إلى:دابلين فيلبيس الموقر.
بدا لي أنَّ الأطفال في المدرسة كانوا يتعلمون حفظ كل شيء إلا الأبجدية. سيؤدي هذا إلى الفوضى في معظم المكاتب، بينما يبحث الموظفون في أكوام الوثائق غير المصنفة أو سيئة التصنيف. حلّت الكارثة عندما فقد محاميّ جميع الأوراق الضرروية التي لا أستطيع التصرف بدونها. وكنت قد استخرجتها من لندن، وكلفتني 90 جنيهاً استرلينياً وقد كانت مبلغاً ضخماً آنذاك. وقد ادَّعى أنّه لم يستلمها- بل الموّقر من فعل ذلك. كان الأخير قد أنكر وشعرت أنّه يقول الحقيقة. وكنت أعلم أنَّ المحامي يذهب إلى مدينة ميشينا كل أسبوع، فجعلت صديقتي المقربّة، زوجته (عرفت أهمية الأصدقاء بسرعة)، تبحث في مكتبه- وفعلا كانت المستندات موجودة هناك.
لم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً قبل أن أدرك وجود أعداء مجهولين، فقد طرأت بعض المشكلات البسيطة وغير المبررة. وبدأت بالتدريج أشك في علاقتها بكوني إنجليزية ومن شعب يرتبط بآخر عمليات الغزو ضد صقلية. أعتقد أنّه من العدل أنّ جميع الأعداء كانوا بالضرورة من الفاشيين الذين مازالوا يتجرعوّن مرارة الهزيمة. وقد حبس البريطانيون بعضاً من أعيان المدينة بما فيهم العمدة السابق، ورجل كان قد خطب ود والدتي الشابة، قام بملء حذائها ورداً وبنفسج. كان عددٌ منهم قد ائتلف عن طيب خاطر مع النازيين، عندما كانت المدينة تحتضن مقر الجنرال كيسلرينغ. ولم أكن أخفي كرهي للنازية، والفاشيين المتعجرفين، وربما لم يكن من الحكمة إظهار مشاعري للأهالي البسطاء. فقد قابلوني بكثير من الود والدفء، وقد تعاطفت معهم بشدة في نضالهم ضد الفقر والظلم. وربما اعتبِرت بهجتي بمهرجاناتهم المنوعة وعرائسهم ومواكبهم عادية. لقد اعتقدت أنَّ الأغنياء ربما ظنوا أنَّ عقلي كان ملوّثاً بالأفكار الشيوعية...
وقد ذهبت إحداهن إلى أبعد من ذلك كثيراً حين اتهمتني باختلاس بعض المال من رسوم تذاكر الدخول للحفل الخيري الذي قمت بتنظيمه في الحديقة لصالح دار المسنين الفقراء. كانت زوجة للعمدة الفاشيّ السابق. اعتبرت معاداتها لي شرفاً. كان التوتر يسود الجو، ولكن تجنب هذا النوع من الأوساط بدا أمراً سهلاً بشكل عام. اضطررت إلى الحياة بدون الاستعانة بخدمة الهاتف لخمسة وعشرين عاماً. وقد أخبرني عدد من ضيوفي أنّ عدم سماع ذلك الرنين المفاجيء كان من أجمل الأشياء في قصر كوسيني. وكان كل من يريد رؤيتي حقاً لا يمانع تكبد عناء الصعود إلى الربوة. ساعدني الموقع على قمة الربوة أيضاً في تمييز المتسوّلين المحتاجين فعلاً من أولئك الذين يجمعون من المال ما يفوق أجرة الرجال العاملين بكدٍّ طوال النهار. كنت دائماً أقدم لهم الخبز والجبن في المرة الأولى. لذلك لا يعود إليّ سوى الجياع، وعندها أعطيهم ماهو أكثر من ذلك.
في عام 1948 عندما عدت من إنجلترا بعد أول عطلة امتدت لشهرين، قررت وقتها أنني لن أتحمل حرارة الصيف، وكان من الجميل أن أتواجد في إنجلترا من جديد- وجدت استدعاء للمثول أمام المفوّض. كان هذا يثير فيّ مشاعر التوجس دائماً، إنّه إرهاص لاستدعاء آخر لمقابلة الحاكم الأعلى، على الرغم من أنّه عرضه على صديقي بشأن مسألة الشهادة الطبية، إلا أنَّ اللوائح والقوانين كانت غاية في التعقيد حتى إنّه كان من المستحيل عملياً أن أكون في جانب الصواب طوال الوقت.
إن كان لأحد ما عدو، وهو ليس بالأمر الصعب، فالشكاوى من مجهول هي واحدة من المناحي السيئة القليلة للحياة الصقلية، لكنها شائعة الحدوث جداً. دائماً ما يتم الكشف عن شيء ما خاطيء أو مخالف للقوانين.
لقد بدأ الحديث بحدة: " سيدتي لقد وردتنا شكوى في حقك حول إدارة فندق بدون ترخيص."
لم يخطر على قلبي الإنجليزي أبداً أنَّ علي الحصول على ترخيص. في بلدي إن كان للمرء منزلٌ أكبر من أن يسكنه شخص واحد، يصبح من الطبيعي أن يستقبل ضيوفاً بمقابل مالي، وإن كانت الإيجارات مشتملة في ضريبة الدخل فهو كذلك، على ما أعتقد.
هدأ المفوّض قليلاً، وقال إنّه من الممكن لي أن أستقبل ضيوفاً- بل حتى يمكنهم الدفع سراً- ولكني كنت أستقبل عدداً كبيراً منهم، وجميع الفنادق الصغيرة المجاورة كانت تشعر بالغيرة، إذ أنّها لم تحظَ إلا بعدد قليل من العملاء منذ نشوب الحرب.
لقد شرحت له أنّ هؤلاء الضيوف كانوا "أصدقاء" لي جاؤوا إلى تورمينا لرؤيتي والاستمتاع بالإقامة في قصر كوسيني. إن لم أكن هنا فزيارتهم غير واردة. أنا لم أكن أسرق عملاء الآخرين على الإطلاق.
أعرب لي عن أسفه، ولكنه أعلن عن وجوب استخراج ترخيص. وأشار إلى ضرورة أن أصبح لوكانديرة/مديرة نُزل، وهي أدنى مناصب إدارة الفنادق. سيخفّض هذا من التكاليف إلى أقل درجة ممكنة. فاللوكاندة كانت دائماً جميلة وصغيرة ولها زوار كثر من المسافرين والسياح من الطبقات التجارية الدنيا. ولكني افتتنت بجرس الكلمة الموسيقي، وغولدوني، بمسرحيته المشهورة، لا لوكانديرا، منحت الشخصية شهرتها وجاذبيتها. وقد فضلتها على أية حال على لقبي الآخر غير المتوقع الذي اكتشفته عندما كنت أبحث في سجلات البلدية. هنالك تم تسجيلي بشكل رسمي على أنّي ذات"وضع جيد" [أي مستقلة مادياً- غير صحيح]، خالية من موانع الزواج، بروتستانتية..."
وهكذا أصبحت لوكانديرة في عام 1950. وأكبر المزايا تمثلت في المركز الأدنى حيث أنّ الضرائب كانت ضئيلة للغاية.
بيت في صقلية | تأليف: دافني فيليبس | الناشرون: كارول وغراف المحدودة | ترجمة أميمة الزبير | الفصل الرابع- المشاكل/ أصبحت لوكانديرة
*******
بينما كنت أقوم بتجهيز قصر كوسيني قبل وصول غايلورد، كنت أقف على سلّمٍ خشبي منهمكة في تنظيف قطعة نقش باروكية رائعة فوق مدفأة الصالة، وصل مبعوث متعجرف من الشرطة إلى الهضبة.
قال معلناً إياي وبدون أية مقدمات:" سيدتي، عليك مغادرة البلاد في غضون أربع وعشرين ساعة. لقد انتهت صلاحية إقامتك."
كان الأمر غير معقول بطبيعة الحال. عبّرت عن احتجاجي. لديّ أعمال مهمّة لأرعاها هنا. ثم، وبينما كنت أفكر بسرعة، سألت: كيف يمكنني دفع الضرائب العاجلة إن كان عليّ مغادرة البلاد؟
" يمكنك الذهاب إلى مالطة، والعودة في اليوم التالي."
لكني لا أملك المال ولا الوقت ولا الرغبة في الذهاب إلى مالطة."
"إذن عليك الحصول على شهادة طبية تفيد بوجوب إقامتك هنا لدواعٍ صحية."
لقد أدركت الآن لِمَ عرض عليّ طبيب خالي إصدار واحدة في أي وقت. "بالطبع، أستطيع الحصول على شهادة، ولكنّي أفضّل البقاء هنا لأسباب حقيقية."
"سيدتي، رجاء كوني عاقلة!" لم أعد أعرف من منا ينبغي عليه التعقّل. " ينبغي عليك الحضور ومقابلة المفوّض في الحال."
كان المفوض فاشيّاً سابقاً، مثله مثل البقية، وقد اعتاد على الطاعة. بدون نقاش؛ فقد أوعز بكتابة خطاب بشأني لإرساله إلى سلطة عليا- هل هو لوزير الصحة؟ كنت أعاني من روماتويد المفاصل إلى درجة لم أكن معها قادرة على السفر، فسألت بعصبية عما إذا كان شيئاً غير واضح- روماتيزم العضلات ربما؟ " لا يجب أن يكون سبباً قوياً. سيحضر اختصاصي ليتحقق من صحّة الشهادة."
"ألا ترى في هذا نوعًا من التعسف؟" سألت، وأنا أعتقد أنّ قدرتي على التأثير لم تعد كافية.
"دعي الأمر لي."
عليه، بقيت واضطلعت بواجباتي في فندق البارونة والجرذان.
في وقت لاحق من فصل الصيف، وعندما كنت قد عدت إلى قصر كوسيني، ظهر لي رجل قويّ، يمسح جبينه، بعد الصعود إلى السطح حيث كنت أحتسي فنجاناً من الشاي. كان يحمل في يده أوراقاً تبدو كمستندات رسمية. نهضت برشاقة وعرضت عليه الجلوس ومشاركتي شرب الشاي.
"أشكرك، إنّه للطف كبير منك، ولكنّي أعاني من حموضة المعدة، هل لديكم شيء من بيكربونات الصودا؟"
كان له ما أراد، وجلس يحتسي مشروبه بينما كنت أحاول جهدي اختلاس النظر إلى المستندات.
قال أخيراً:" أنا اختصاصي جئت لأرى مدى صحّة شهادتك الطبية. وإلى متى ستمتد إقامتك؟
تغلبت على إحراجي من عدم إظهار أية أعراض لالتهاب المفاصل، لقد رفعت رأسي وقلت، بملامح جامدة قدر ما أستطيع، " سيدي الطبيب، لقد أفادتني شمس صقلية كثيراً، حتى إنني استطيع الآن الحجز إلى لندن الأسبوع القادم."
لم يظهر أيٌّ منا أستغراباً من هذا الأمر. ربما بالنسبة له لم تكن كذلك. وعلى أية حال لم يكلفني الأمر شيئاً.
كان التقييم الضريبي كابوساً في حد ذاته. لقد قمت بكل غباء وقلة خبرة بالإقرار بالأرقام الفعلية كما فعلت في إنجلترا. لا يفعل المرء هذا الشيء في صقلية، وكنتيجة لذلك، زادت مصلحة الضرائب الرقم إلى درجة كبيرة. فكان عليّ الدخول في جدل طويل مرهق على أملٍ، ربما عبثاً، أن ينتهي بشكل عادلٍ.
كانت هنالك مشكلة خطيرة أخرى تتعلق باسمي. لقد كان من المفاجيء بالنسبة لي، أن يناديني الجميع بالسيدة كيتسوني، أو كنياتها. لأنّهم كانوا في غاية الإخلاص لخالي، حتى إنّهم اعتقدوا اشتراكنا في الاسم. وكنت أقول انطلاقاً من حرصي على الاحتفاظ باسم فيليبس أنّ والدتي كانت من عائلة كيتسون، لكنْ لدي والد بالتالي لم يكن اسمي مثل اسمها."
وكانوا ينظرون لي عندئذٍ بمزيد من الدهشة، وعندما تتبدد مشاعر الدهشة بعد فترة صمت قصيرة يقولون: " أها، أجل أجل، سيدتي كيتسوني."
فإن كان الاسم صعباً، فقد كانت تهجئته أصعب، وأصبح الأمر أكثر حيرة بإضافة ثلاثة أسماء على الطريقة المسيحية. كان اسم مارجريت سهلاً- فقد كانت هنالك قديسة تحمل الاسم ذاته، وكان اسم دافني وثنياً محضاً، ودفعهم اسم هاوثورن للاستسلام الكامل. ومازلت حتى اليوم أحتفظ ببعض المغلفات المعنونة إليّ باسماء: السيدة رافلين ميتزن، السينيورة. تشيزن دالفن. السيدة دافن بليبيسي. وجاني بيويلبس، وما شابهها. وكان هذا الأمر ذا أهمية خاصة في الوثائق القانونية، فالصقليون لا يحبون الاعتراف بأنّهم لا يعرفون، فيبذلون جهداً شجاعاً، عندما تواجههم صعوبة التمييز بين الاسم الأول واللقب، إذ أنَّ تهجئة اسم فيلبس تحتمل البدء بأي من الحرفين اللاتينيينP أو F، وكيستون، الذي اعتقدوا أنّه كان اسمي، يبدأ بحرف K وهو حرف يندر استخدامه في اللغة الإيطالية، ويتعين على المرء أن يكتبه بحرفي CH في البداية مما يصدر صوتاً يشبه صوت الحرف K، ليجد مخرجاً آمناً من هذا المأزق. بل وصل الأمر أنْ تحول اسمي في إحدى المرات إلى:دابلين فيلبيس الموقر.
بدا لي أنَّ الأطفال في المدرسة كانوا يتعلمون حفظ كل شيء إلا الأبجدية. سيؤدي هذا إلى الفوضى في معظم المكاتب، بينما يبحث الموظفون في أكوام الوثائق غير المصنفة أو سيئة التصنيف. حلّت الكارثة عندما فقد محاميّ جميع الأوراق الضرروية التي لا أستطيع التصرف بدونها. وكنت قد استخرجتها من لندن، وكلفتني 90 جنيهاً استرلينياً وقد كانت مبلغاً ضخماً آنذاك. وقد ادَّعى أنّه لم يستلمها- بل الموّقر من فعل ذلك. كان الأخير قد أنكر وشعرت أنّه يقول الحقيقة. وكنت أعلم أنَّ المحامي يذهب إلى مدينة ميشينا كل أسبوع، فجعلت صديقتي المقربّة، زوجته (عرفت أهمية الأصدقاء بسرعة)، تبحث في مكتبه- وفعلا كانت المستندات موجودة هناك.
لم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً قبل أن أدرك وجود أعداء مجهولين، فقد طرأت بعض المشكلات البسيطة وغير المبررة. وبدأت بالتدريج أشك في علاقتها بكوني إنجليزية ومن شعب يرتبط بآخر عمليات الغزو ضد صقلية. أعتقد أنّه من العدل أنّ جميع الأعداء كانوا بالضرورة من الفاشيين الذين مازالوا يتجرعوّن مرارة الهزيمة. وقد حبس البريطانيون بعضاً من أعيان المدينة بما فيهم العمدة السابق، ورجل كان قد خطب ود والدتي الشابة، قام بملء حذائها ورداً وبنفسج. كان عددٌ منهم قد ائتلف عن طيب خاطر مع النازيين، عندما كانت المدينة تحتضن مقر الجنرال كيسلرينغ. ولم أكن أخفي كرهي للنازية، والفاشيين المتعجرفين، وربما لم يكن من الحكمة إظهار مشاعري للأهالي البسطاء. فقد قابلوني بكثير من الود والدفء، وقد تعاطفت معهم بشدة في نضالهم ضد الفقر والظلم. وربما اعتبِرت بهجتي بمهرجاناتهم المنوعة وعرائسهم ومواكبهم عادية. لقد اعتقدت أنَّ الأغنياء ربما ظنوا أنَّ عقلي كان ملوّثاً بالأفكار الشيوعية...
وقد ذهبت إحداهن إلى أبعد من ذلك كثيراً حين اتهمتني باختلاس بعض المال من رسوم تذاكر الدخول للحفل الخيري الذي قمت بتنظيمه في الحديقة لصالح دار المسنين الفقراء. كانت زوجة للعمدة الفاشيّ السابق. اعتبرت معاداتها لي شرفاً. كان التوتر يسود الجو، ولكن تجنب هذا النوع من الأوساط بدا أمراً سهلاً بشكل عام. اضطررت إلى الحياة بدون الاستعانة بخدمة الهاتف لخمسة وعشرين عاماً. وقد أخبرني عدد من ضيوفي أنّ عدم سماع ذلك الرنين المفاجيء كان من أجمل الأشياء في قصر كوسيني. وكان كل من يريد رؤيتي حقاً لا يمانع تكبد عناء الصعود إلى الربوة. ساعدني الموقع على قمة الربوة أيضاً في تمييز المتسوّلين المحتاجين فعلاً من أولئك الذين يجمعون من المال ما يفوق أجرة الرجال العاملين بكدٍّ طوال النهار. كنت دائماً أقدم لهم الخبز والجبن في المرة الأولى. لذلك لا يعود إليّ سوى الجياع، وعندها أعطيهم ماهو أكثر من ذلك.
في عام 1948 عندما عدت من إنجلترا بعد أول عطلة امتدت لشهرين، قررت وقتها أنني لن أتحمل حرارة الصيف، وكان من الجميل أن أتواجد في إنجلترا من جديد- وجدت استدعاء للمثول أمام المفوّض. كان هذا يثير فيّ مشاعر التوجس دائماً، إنّه إرهاص لاستدعاء آخر لمقابلة الحاكم الأعلى، على الرغم من أنّه عرضه على صديقي بشأن مسألة الشهادة الطبية، إلا أنَّ اللوائح والقوانين كانت غاية في التعقيد حتى إنّه كان من المستحيل عملياً أن أكون في جانب الصواب طوال الوقت.
إن كان لأحد ما عدو، وهو ليس بالأمر الصعب، فالشكاوى من مجهول هي واحدة من المناحي السيئة القليلة للحياة الصقلية، لكنها شائعة الحدوث جداً. دائماً ما يتم الكشف عن شيء ما خاطيء أو مخالف للقوانين.
لقد بدأ الحديث بحدة: " سيدتي لقد وردتنا شكوى في حقك حول إدارة فندق بدون ترخيص."
لم يخطر على قلبي الإنجليزي أبداً أنَّ علي الحصول على ترخيص. في بلدي إن كان للمرء منزلٌ أكبر من أن يسكنه شخص واحد، يصبح من الطبيعي أن يستقبل ضيوفاً بمقابل مالي، وإن كانت الإيجارات مشتملة في ضريبة الدخل فهو كذلك، على ما أعتقد.
هدأ المفوّض قليلاً، وقال إنّه من الممكن لي أن أستقبل ضيوفاً- بل حتى يمكنهم الدفع سراً- ولكني كنت أستقبل عدداً كبيراً منهم، وجميع الفنادق الصغيرة المجاورة كانت تشعر بالغيرة، إذ أنّها لم تحظَ إلا بعدد قليل من العملاء منذ نشوب الحرب.
لقد شرحت له أنّ هؤلاء الضيوف كانوا "أصدقاء" لي جاؤوا إلى تورمينا لرؤيتي والاستمتاع بالإقامة في قصر كوسيني. إن لم أكن هنا فزيارتهم غير واردة. أنا لم أكن أسرق عملاء الآخرين على الإطلاق.
أعرب لي عن أسفه، ولكنه أعلن عن وجوب استخراج ترخيص. وأشار إلى ضرورة أن أصبح لوكانديرة/مديرة نُزل، وهي أدنى مناصب إدارة الفنادق. سيخفّض هذا من التكاليف إلى أقل درجة ممكنة. فاللوكاندة كانت دائماً جميلة وصغيرة ولها زوار كثر من المسافرين والسياح من الطبقات التجارية الدنيا. ولكني افتتنت بجرس الكلمة الموسيقي، وغولدوني، بمسرحيته المشهورة، لا لوكانديرا، منحت الشخصية شهرتها وجاذبيتها. وقد فضلتها على أية حال على لقبي الآخر غير المتوقع الذي اكتشفته عندما كنت أبحث في سجلات البلدية. هنالك تم تسجيلي بشكل رسمي على أنّي ذات"وضع جيد" [أي مستقلة مادياً- غير صحيح]، خالية من موانع الزواج، بروتستانتية..."
وهكذا أصبحت لوكانديرة في عام 1950. وأكبر المزايا تمثلت في المركز الأدنى حيث أنّ الضرائب كانت ضئيلة للغاية.
, Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi,,
Related Articles