كتاب منزل في صقلية - الفصل الثالث - البارونة وجوليانو والجرذ
بيت في صقلية
تأليف: دافني فيليبس
الناشرون: كارول وغراف المحدودة
ترجمة أميمة الزبير
الفصل الثالث- البارونة وجوليانو والجرذ
----
لا مناص من تأجير المنزل لعدة شهور-على مضض- حتى أستطيع دفع رسوم الوفاة. ولم يكن هذا بالأمر السهل في ظروف ما بعد الحرب. وعلى أية حال تصادف وصول غايلورد هوزر-وهو مليونير عصاميّ من كاليفورنيا، هاجر من ألمانيا في الثامنة عشر من عمره واختار اسم غايلورد لإضفاء المزيد من الفخامة عندما يتقدمه لقب "دكتور"- إلى تورمينا مع شريك له وأراد البقاء في المنزل لعدة أشهر. ألّف أثناءها كتابه ""ابق شاباً وعش طويلاً" والذي تصدر مبيعات الكتب في كلٍّ من الولايات المتحدة وبريطانيا معاً. ربما استمد الإلهام من المنزل والمنظر الذي يطلّ عليه.
لقد زعم أنّه حصل على لقب "دكتور" لأنّه يعني "معلم" ومن سيكون معلماً إن لم أكن؟- فقد تعلم على يديه بالفعل الكثير من المشاهير والأرستقراط، بل حتى الملوك أصول الأكل الصحي.
على الرغم من أنني لم أسمع به من قبل إلا أنّ لديه توصية ممتازة مع مصرفه، وأنا واثقة من أنّه سيحترم تحفي الثمينة ويحافظ عليها. لقد كنت أخشى ألا يكون المنزل بالمستوى المطلوب من الرفاهية والفخامة، لكنّه صمم على المجيء إلى تورمينا وقد كان هو الوحيد الذي يناسبه من حيث المساحة والحجم.
وقد استدعى الدكتور هوزر صحافيين من كاليفورنيا في أحد أيام الثلاثاءقبل عدة سنوات مصرّحاً بنيته الزواجمن السيدة غريتا غاربو. وأقسم عليهم أن يحتفظوا بالأمر سراً حتى نهاية المناسبة. للأسف، في يوم الجمعة قررت النجمة الكبيرة أنّها "تتمنى أن تظل وحيدة..." وفي أحد الأيام، أثناء زيارته، كنت متفاجئة لرؤية شرفة ونوافذ غرفة نومي في قصر كوسيني على صفحات إحدى الصحف المحلية مرفقة بمقال بعنوان عريض مفاده أنّ السيدة هاريت براون (الاسم المستعار الذي اشتهرت به جاربو) ستنزل بتلك الغرفة قريباً. وفي شيء من الانشراح توقعتُ تحقيق مكاسب مادية، إن استطعت تأجير السرير الذي نامت عليه.وعلى الرغم من تصريح أهل تورمينا بأنّها لم تأت، إلا أنني لم أكن أبداً على قناعة تامة، فربما كانت حقاً قد اختارت "الوحدة" مرة أخرى.
والآن باتت لدي مشكلة: العثور على مكان للإقامة فيه، إذ أصبحت لدي مشاغل وتتطلب وجودي في تورمينا، وتتعلق في الغالب الأعمّ بالضرائب. حالفني الحظ مرة أخرى: تلقيتعرضاً للعمل في وظيفة مديرة لفندق صغير وجميل جداً، اشترته امرأة ألمانية سبعينية، تتميز بالأناقة، والشخصية الساحرة، وأصبحت لاحقاً صديقة ومضيفة الملكة جوليانا. تزوجت أثناء فترة الحرب من مديرها الصقليّ، وهو زوجٌ راضٍ عن نفسه، ويصغرها باثنتي عشر سنة، حتى تستطيع البقاء في صقلية، كونها حاصلة على الجنسية الإيطالية نتيجة لزواجها. كان يدير الفندق بإخلاص، ويعمل بجهد مثله مثل الخدم الذين يعملون في ظروف سيئة ولساعات طويلة لدرجة تحزّ في نفسي. كان أصحاب الفندق يأملون السفر من أجل التغيير والراحة من مشاغل وهموم وإرهاق العمل في تورمينا. وعلى أية حال وحتى آخر لحظة لم يكونوا على يقين بوصول الدولارات الأمريكية المستحقة الدفع في الوقت المناسب قبل عطلتهما من عدمه. ساد في هذه الفترة تقييد شديد على العملات وتصديرها في جميع دول أوربا.وأصبحت حيازة الدولارات أمتيازاً حقيقياً، فهي تعني من أسباب القدرة على السفر.
قالت هي: إن وصلت الأموال، سنوكل إليك أعمال إدارة الفندق. وسوف تتقاضين أتعابك بالإضافة إلى نصف الأرباح أياً كانت."
" ولكني لا أملك أي قدر من الخبرة. إنك تولينني الكثير من ثقتك وكرمك. أنا أعتقد فعلا أنّ هذا كثير علي." ولكنها أصرّت. ولم أدرك قبل فترة من الزمن أنّهما لم يكونا يتوقعان أية أرباح إذ أنّ جميع عملائهما من الألمان والبريطانيين عانوامن صعوبات في الوصول إلى هذه المدينة البعيدة، بالإضافة إلى شح العملات الأجنبية السائد آنذاك، مما يترتب عليه قصر فترات الزيارة الممكنة على أية حال. حتى إيطاليا لم تزل تعاني من شحّ النقد لدى طبقة أصحاب المهن التي ينتمي إليها السواد الأعظم من عملائهم. وكان قطاع السياحة يتعافى ببطء شديد من آثار الحرب المدمرة.
لحسن الحظ ظهرت الأموال الأمريكية، وانتقلت إلى الفندق. افترضت ببراءة أنّ مالكة الفندق ستسلمني جزءاً من ذلك المال، لكنها قالت: " سنأخذ معنا كل المال، ولن نترك لك شيئاً منه. أخشى أنَّ الخزانة فارغة، ولكني آمل أنك ستجدين بعض العملاء قريباً- نحن لا نعرف على وجه التحديد، أليس كذلك؟ والآن يجب عليك أن تعرفي أنَّ كل شيء يعتمد على عميل واحد مهم جداً هو البارون دي ............. إنّه غني جداً. وهو من باليرمو، ولكنّه اضطر لترك قصره هناك بسبب جوليانو العميد. كان هو وزوجته في رعب من أن يصبحا ضحية عملية خطفه التالية. إنّه قائد نادي اليخت، ورجل معروف جداً. وقد كان، الحمد لله، ضيفنا لعدة شهور. لا أعرف ماذا كنا سنفعل لولا الشيكات المنتظمة التي كان يرسلها. ستجدين واحداً منها في الخزانة، لن تكوني قادرة على صرفه قبل أسبوع، والشيك الثاني، لن يكون مستحقاً قبل شهر. لطالما قدم لي الشيكات قبل شهر من موعد السداد، لكنه كان دائماً يحرص على تأخير موعد استحقاق الشيك. ستكونين بخير لفترة من الوقت حالما تحصلين على ذلك المال."
كان غوليانو- وهو قاطع طريقفي الجزء الشمالي الغربي من الجزيرة-يشكّل مصدراً للرعب بين الأثرياء، حين كان في نظر الصقليين الأقل حظاً أحد الأبطال العظماء. لقد قطعت وعداً بمعاملة البارون والبارونة بالكثير من الاحترام، وتعهدهما بأقصى قدر من الاهتمام. لن أتمكن من تحمّل نفقات الفندق، أو حتى منصرفاتي الشخصية إن لم أستطع صرف الشيك، بينما كنت أنتظر النثرية التالية، والتي لن تصل قريباً بأية حال.
أقمت في مقريّ المريح، وفي وقت وجيز، توطدت علاقتي مع الطاقم الذي يعمل لساعات أطول مما يجب، ويتقاضى أجوراً أقل مما يستحق، وفي الوقت ذاته كسبت صداقة البارون. لقد كان رجلاً صغير الحجم ولطيفاً،ذا بطن منتفخ مثله مثل الصقليين في منتصف العمر.
كانت زوجته عفيفة النفس في زهد، على الرغم من بدانتها. كان سلوكهما حسناً. وكنا نتعشى كل ليلة في الحديقة شبه الاستوائية الجميلة بين أشجار النخيل و الخشخاش الطويلة الشاهقة. كانت الطاولات قد صفت من قبل الطاقم أمام النوافذ الفرنسية لقاعة الطعام. أما الخدم فكانوا من كبار السنّإلا أنّهم كانوا أقوياء على العمل لساعات طويلة كما هو واضح. لقد ظلوا بانتظاري لفترة طويلة، ولم أستطع منعهم. فقد جئت من إنجلترا في زمن الحرب، حيث لم نترفع عن أي عملٍ كان، ولكن هنا في صقلية، ما زالت السيدة سيدة ولا ينبغي أن يطلب منها تلويث كفيها بأداء أي عمل وضيع.
كانت طاولتي بالقرب من النافذة الفرنسية الواسعة التي تطل على الحديقة من غرفة المعيشة، ولم يمر بها سوى قلة من الضيوف في طريقهم إلى طاولاتهم. اعتاد البارون وزوجته على الخروج للعشاء في وقت متأخر، فتناول الطعام مبكراً ليس من شيم الارستقراط - وبينما كانا يجتازان طاولتي يلقيان علي التحية بإيماءة خفيفة بالراس. وكنت أنحني بدوري لرد تحية المساء"”Bonnasera. كان هذا يتكرر بعد الانتهاء من الوجبة، ما عدا أنني أقول هذه المرة "ليلة سعيدة"[Buona notte]. وكانا يردان تحيتي ويستأنفا المسير إلى مسكنهما المريح- الجناح المحجوز لأفضل الضيوف.
في إحدى الأمسيات، كنت قد وصلت إلى المكتب حوالي السادسة لأجد البارون يذرع مدخل البهو جيئة وذهاباً في سرعة واضطراب.
"أوه، سيدتي. شكراً لله على وصولك أخيراً. إنّه لفظيع، فظيع، والخدم لا يتعاملون معه بجدية. ولكن إن لم يُعالج الأمر، سيتعين علي والبارونة المغادرة على الفور. ليس بوسعنا البقاء. تركنا باليرمو بسبب حالة قلبها- وإنّه لمن الخطر عليها التعرض لضغط الخوف المستمر من غوليانو وعمليات الاختطاف التي يقوم بها. لقد جئنا إلى هنا من بحثاً عن ملاذ آمن من خوفنا الفظيع. ووجدناه هنا على بعد كيلومترات من ذلك الوحش. لقد كنا سعداء ومطمئنين حتى مساء هذا اليوم- لن تصدقي ما أقول- لقد رأيت جرذَيْن ضخمين رماديين، جِرْذَيْن! لقد كان الرجل الصغير يصرخ بصوت أجش. " تلعب الجرذان على الشرفة الملحقةبغرفة نومنا. وقد تتسلل إلى الغرفة في أية لحظة. إن لمحتهما البارونة، فقد تصاب بأزمة قلبية في الحال. لقد قرعت الجرس طلباً للخادم. واستدعيتهم جميعاً، ولكنهم لا يرون أي خطب في وجود الجرذان. وقد ضحكوا في الحقيقة. سيدتي العزيزة، أعلم أنك ستدركين مدى خطورة الأمر، أعرف أنك لن تضحكين. أرجوك، أرجوكافعلي شيئاً في الحال. فنحن لا نريد المغادرة."
أنا أيضاً لم أرغب في ذهابهما. ومازالت هنالك ثلاثة أيام قبل أن يتسنى لي الإمساك بذلك الشيك. وعموماً لا يدفع العملاء إلا حينما يغادرون. هل سيطالب البارون بقيمة الشيك كاملة إن غادرا كتعويض على هذا الوضع الكارثي؟ هل سيترك جزءاً منه؟ لقد رسمت على وجهي أوضح تعبير على الاهتمام، وطمأنته بأننا سنتخذ كل التدابير اللازمة الممكنة على الفور. وإن استطاع إبعاد البارونة سأطلب من البستانيّ وضع سُلّم يؤدي إلى الشرفة من الخارج، وإعداد مصيدتين ونوعين من السم في الوقت ذاته على الشرفة المعنية. ولن يكون بمقدورها رؤية شيء في الظلام- وإني آمل، أن لا تسمع أي شيء إذ أنّه حتى في أشد أيام الصيف حراً يميل الصقليون إلى النوم بينما نوافذهم موصدة بإحكام. هدأ البارون نوعاً ما متأثراً بما تكشّف له من تصميمي على معالجة المشكلة.
" أعدك بأنَّ البستاني سوف يقوم قبل شروق شمس الغد بإزالة جميع آثار الأفخاخ والسم وأية جثث قد تنتج عن العملية."
ضمّ الرجل الصغير كفي بين يديه: " أشكرك، أشكرك سيدتي، كنت واثقاً من أنك ستفهمين."
"سيدي البارون، ينبغي عليك أيضاً أن تلعب دورك، وتبعد البارونة عن تلك الشرفة حتى يحل الظلام ويخفي كل شيء."
"نعم، نعم، بالفعل سيدتي. أعلم أنّ كل شيء سيكون على ما يرام تحت إشرافك."
قمت باستدعاء جميع الطاقم، في محاولة لتخمين ما إذا كان أياً منهم علِم أو قدّر حجم هذه المخاطرة.
" ينبغي الشروع في المعركة مع الجرذان قبل أي واجب آخر. ليس من المهم إن تأخر العشاء، أو تأخر جداً. "ينبغي وضع المصائد والسمّ على الشرفة من الخارج حالاً. الأفخاخ " وليس السمّ" أضفت بسرعة، " ينبغي أن توضع في المطبخ، وفي المخازن، ومستودعات اللحوم، وجميع غرف القبو حيث يحتمل أن تبحث الجرذان عن الطعام. إن لم يكن هنالك ما يكفي فعلى سالفاتوري الخروج لشرائها الآن. كما يجب استعارة القطط أو إحضارها في الأماكن التي لا يوضع فيها السمّ. يجب القيام بكل هذا الآنّ".
بعد ساعتين جاء البارون مرة أخرى مندفعاً إلى مكتبي. لقد ترك البارونة بعد أن تم احتواء حالتها بعمق، وصبر جميل.
"أشكرك، أشكرك سيدتي، عرفت أنك ستتصرفين كجميع أهل الريف بهمّة وتفهم." (لقد قابل الريفيين الغزاة مؤخراً.) " سأكون ممتناً لك للأبد. لقد أنقذتِ حياة زوجتي المسكينة. سوف لن أنسى لك ذلك." وأسرع عائداً إلى السيدة.
بعد ثلاث ساعات من لقائي بالبارون- كنت جالسة على طاولتي خارج غرفة المعيشة، في شيء من الاسترخاء، وأشعر بأنّ الخطر قد زال. ظهرت البارونة الهادئة المطمئنة يتبعها البارون، الذي غمز بالفعل وهو يمر بي، مع انحنائتهما المعهودة، ثم اتخذا مقعديهما على طاولتهما تحت شجرة نخيل عملاقة: كان جذع الشجرة يصل إلى ارتفاع خمسة أمتار على الأقل، قبل أن يتفرع على هيئة مروحة من الأغصان التي وضع تحتها مصباح خافت يلقي بضوئه على الطاولة تماماً. استأنفت تناول وجبتي. بدأ البارونان عشاءهما، وتبدو عليهما السعادة والاطمئنان. وبعد فترة نظرت في اتجاههما، ثم إلى الأعلى حيث ضوء شجرة النخيل. وارتعدت فزعاً عندما لمحت ما بدا لي كملك حقيقي للجرذان فوقهما مباشرة. كنت أراقب متجمدة في مقعدي بينما يهبط المخلوق ببطء فوق رأسي أهمّ عميلين لي. وسوف يهبط في أية لحظة ربما على حساء البارونة- سوف تصاب بنوبة قلبية، وربما تموت. سيغادر البارون، وسيطالب بالشيك. لم يكن لخيالي حدود. راقبت، وفزعت، بينما كان الحيوان التَّعِس يغير رأيه، ويستدير إلى الخلف. ربما متجهاً ناحية التمر الناضج؟ ومرة أخرى وببطء أعاد الكرة مرة أخرى. أعلى وأسفل وحول الشجرة بعيداً عن الأنظار. كانت ضربات قلبي تتسارع، كما لو أنني سأصاب بأزمة قلبية في أية لحظة. واصلت تناول طعامي وأنا أحاول إظهار اللامبالاة بينما كان الجرذ يتجول إلى أعلى وأسفل ويدور في المكان، ولكنّه لا يزيد على الوصول إلى أكثر من ثلث المسافة باتجاه أسفل الجذع الطويل.
وصل البارونان إلى الطبق الرئيسي وأصبت بالرعب من فكرة وصول رائحته إلى الجرذ فتمنحه سبباً للقفز على طاولتهما. ولكن لا، لقد ظلّ في الأعلى. انهيا عشاءهما بكل سعادة، دون وعي بما كنت أراقبه. ما زالت الحلوى بانتظارهما. ثم فجأة حدث شيء لأول مرة على الإطلاق: نهض الزوج والزوجة على أقدامهمابالتزامن. أفسح لهما النُدُل الطريقبإكبار معهود قابله الزوجان بامتنان وشكر.
ثم، ألقيا عليَّ التحية بإيماءة من الرأس: " ليلة سعيدة سيدتي." "Buona nette, Signorina"
“Buona nette, Signori Baroni”،" ليلة سعيدة سيدي البارون."
صعدا الدرج إلى غرفتهما التي آمل أنّها الآن مغلقة بإحكام. هل تم تأمين الشيك الآن؟
جلست هناك في حيرة، أتناول فاكهتي وأحتسي قهوتي وأمنّي النفس بالآمال. وبينما كانت الأنوار تطفأ، اختفى الجرذ، إن وُجد، عن الأنظار. وعندما صعدت للطابق العلوي أخيراً، كان البارون بانتظاري. ماذا حدث يا ترى؟ ولكنه بدا ودوداً. تمنيت لو كان بوسعي الاسترخاء. تقدم ماداً يده باتجاهي، ومبتسماً: " سيدتي، هل رأيتِ ما رأيت؟"
أومأت بالإيجاب. ربما كان يقصد شيئاً آخر على أية حال. فلم أنتبه أبداً لأنّه كان ينظر للأعلى. ولكنه استطرد:" كان أكبر جرذ رأيته على الإطلاق هناك على شجرة النخيل، فوق رؤوسنا. وكان ليقفز في أية لحظة فوق طاولتنا. لم أرد أن أدع البارونة تشك بالأمر. لقد كان علينا إنهاء طعامنا. ولكن قبل الفاكهة، قلت أني شعرت بالإعياء- بسبب الحر ربما. فغادرنا قبل أن تنزل الكارثة. لم تكن تعرف شيئاً، ولا يسعني أن أشكرك بما يكفي لاهتمامك الكبير وعطفك. أنا متأكد من أنّك اتخذت جميع الإجراءات حتى لا نغادر. وسوف لن يطلع فجر الغد على ذلك الشيطان حياً. أشكرك، أشكرك، أشكرك."
في هذه المرة تصافحت أيدينا الأربعة ونحن نتنفس الصعداء.
بعد ثلاثة أيام، حصلت على الشيك، ومنحني البارون السعيد واحداً آخر. في صمت وجهت شكري للقديس جورجيو، والقديس الفيو، وجميع أولياء الله صقلية لوقوفهم إلى جانبي- هذه المرة..
لدى عودتها، قالت الألمانية: إنَّ الجميع قد أحبّك، إلا البارون فقد وقع في غرامك حتى الثمالة."
لم أخبرها عن السبب. فهو أبعد ما يكون عن الرومانسية. الجرذان!
بيت في صقلية
تأليف: دافني فيليبس
الناشرون: كارول وغراف المحدودة
ترجمة أميمة الزبير
الفصل الثالث- البارونة وجوليانو والجرذ
----
لا مناص من تأجير المنزل لعدة شهور-على مضض- حتى أستطيع دفع رسوم الوفاة. ولم يكن هذا بالأمر السهل في ظروف ما بعد الحرب. وعلى أية حال تصادف وصول غايلورد هوزر-وهو مليونير عصاميّ من كاليفورنيا، هاجر من ألمانيا في الثامنة عشر من عمره واختار اسم غايلورد لإضفاء المزيد من الفخامة عندما يتقدمه لقب "دكتور"- إلى تورمينا مع شريك له وأراد البقاء في المنزل لعدة أشهر. ألّف أثناءها كتابه ""ابق شاباً وعش طويلاً" والذي تصدر مبيعات الكتب في كلٍّ من الولايات المتحدة وبريطانيا معاً. ربما استمد الإلهام من المنزل والمنظر الذي يطلّ عليه.
لقد زعم أنّه حصل على لقب "دكتور" لأنّه يعني "معلم" ومن سيكون معلماً إن لم أكن؟- فقد تعلم على يديه بالفعل الكثير من المشاهير والأرستقراط، بل حتى الملوك أصول الأكل الصحي.
على الرغم من أنني لم أسمع به من قبل إلا أنّ لديه توصية ممتازة مع مصرفه، وأنا واثقة من أنّه سيحترم تحفي الثمينة ويحافظ عليها. لقد كنت أخشى ألا يكون المنزل بالمستوى المطلوب من الرفاهية والفخامة، لكنّه صمم على المجيء إلى تورمينا وقد كان هو الوحيد الذي يناسبه من حيث المساحة والحجم.
وقد استدعى الدكتور هوزر صحافيين من كاليفورنيا في أحد أيام الثلاثاءقبل عدة سنوات مصرّحاً بنيته الزواجمن السيدة غريتا غاربو. وأقسم عليهم أن يحتفظوا بالأمر سراً حتى نهاية المناسبة. للأسف، في يوم الجمعة قررت النجمة الكبيرة أنّها "تتمنى أن تظل وحيدة..." وفي أحد الأيام، أثناء زيارته، كنت متفاجئة لرؤية شرفة ونوافذ غرفة نومي في قصر كوسيني على صفحات إحدى الصحف المحلية مرفقة بمقال بعنوان عريض مفاده أنّ السيدة هاريت براون (الاسم المستعار الذي اشتهرت به جاربو) ستنزل بتلك الغرفة قريباً. وفي شيء من الانشراح توقعتُ تحقيق مكاسب مادية، إن استطعت تأجير السرير الذي نامت عليه.وعلى الرغم من تصريح أهل تورمينا بأنّها لم تأت، إلا أنني لم أكن أبداً على قناعة تامة، فربما كانت حقاً قد اختارت "الوحدة" مرة أخرى.
والآن باتت لدي مشكلة: العثور على مكان للإقامة فيه، إذ أصبحت لدي مشاغل وتتطلب وجودي في تورمينا، وتتعلق في الغالب الأعمّ بالضرائب. حالفني الحظ مرة أخرى: تلقيتعرضاً للعمل في وظيفة مديرة لفندق صغير وجميل جداً، اشترته امرأة ألمانية سبعينية، تتميز بالأناقة، والشخصية الساحرة، وأصبحت لاحقاً صديقة ومضيفة الملكة جوليانا. تزوجت أثناء فترة الحرب من مديرها الصقليّ، وهو زوجٌ راضٍ عن نفسه، ويصغرها باثنتي عشر سنة، حتى تستطيع البقاء في صقلية، كونها حاصلة على الجنسية الإيطالية نتيجة لزواجها. كان يدير الفندق بإخلاص، ويعمل بجهد مثله مثل الخدم الذين يعملون في ظروف سيئة ولساعات طويلة لدرجة تحزّ في نفسي. كان أصحاب الفندق يأملون السفر من أجل التغيير والراحة من مشاغل وهموم وإرهاق العمل في تورمينا. وعلى أية حال وحتى آخر لحظة لم يكونوا على يقين بوصول الدولارات الأمريكية المستحقة الدفع في الوقت المناسب قبل عطلتهما من عدمه. ساد في هذه الفترة تقييد شديد على العملات وتصديرها في جميع دول أوربا.وأصبحت حيازة الدولارات أمتيازاً حقيقياً، فهي تعني من أسباب القدرة على السفر.
قالت هي: إن وصلت الأموال، سنوكل إليك أعمال إدارة الفندق. وسوف تتقاضين أتعابك بالإضافة إلى نصف الأرباح أياً كانت."
" ولكني لا أملك أي قدر من الخبرة. إنك تولينني الكثير من ثقتك وكرمك. أنا أعتقد فعلا أنّ هذا كثير علي." ولكنها أصرّت. ولم أدرك قبل فترة من الزمن أنّهما لم يكونا يتوقعان أية أرباح إذ أنّ جميع عملائهما من الألمان والبريطانيين عانوامن صعوبات في الوصول إلى هذه المدينة البعيدة، بالإضافة إلى شح العملات الأجنبية السائد آنذاك، مما يترتب عليه قصر فترات الزيارة الممكنة على أية حال. حتى إيطاليا لم تزل تعاني من شحّ النقد لدى طبقة أصحاب المهن التي ينتمي إليها السواد الأعظم من عملائهم. وكان قطاع السياحة يتعافى ببطء شديد من آثار الحرب المدمرة.
لحسن الحظ ظهرت الأموال الأمريكية، وانتقلت إلى الفندق. افترضت ببراءة أنّ مالكة الفندق ستسلمني جزءاً من ذلك المال، لكنها قالت: " سنأخذ معنا كل المال، ولن نترك لك شيئاً منه. أخشى أنَّ الخزانة فارغة، ولكني آمل أنك ستجدين بعض العملاء قريباً- نحن لا نعرف على وجه التحديد، أليس كذلك؟ والآن يجب عليك أن تعرفي أنَّ كل شيء يعتمد على عميل واحد مهم جداً هو البارون دي ............. إنّه غني جداً. وهو من باليرمو، ولكنّه اضطر لترك قصره هناك بسبب جوليانو العميد. كان هو وزوجته في رعب من أن يصبحا ضحية عملية خطفه التالية. إنّه قائد نادي اليخت، ورجل معروف جداً. وقد كان، الحمد لله، ضيفنا لعدة شهور. لا أعرف ماذا كنا سنفعل لولا الشيكات المنتظمة التي كان يرسلها. ستجدين واحداً منها في الخزانة، لن تكوني قادرة على صرفه قبل أسبوع، والشيك الثاني، لن يكون مستحقاً قبل شهر. لطالما قدم لي الشيكات قبل شهر من موعد السداد، لكنه كان دائماً يحرص على تأخير موعد استحقاق الشيك. ستكونين بخير لفترة من الوقت حالما تحصلين على ذلك المال."
كان غوليانو- وهو قاطع طريقفي الجزء الشمالي الغربي من الجزيرة-يشكّل مصدراً للرعب بين الأثرياء، حين كان في نظر الصقليين الأقل حظاً أحد الأبطال العظماء. لقد قطعت وعداً بمعاملة البارون والبارونة بالكثير من الاحترام، وتعهدهما بأقصى قدر من الاهتمام. لن أتمكن من تحمّل نفقات الفندق، أو حتى منصرفاتي الشخصية إن لم أستطع صرف الشيك، بينما كنت أنتظر النثرية التالية، والتي لن تصل قريباً بأية حال.
أقمت في مقريّ المريح، وفي وقت وجيز، توطدت علاقتي مع الطاقم الذي يعمل لساعات أطول مما يجب، ويتقاضى أجوراً أقل مما يستحق، وفي الوقت ذاته كسبت صداقة البارون. لقد كان رجلاً صغير الحجم ولطيفاً،ذا بطن منتفخ مثله مثل الصقليين في منتصف العمر.
كانت زوجته عفيفة النفس في زهد، على الرغم من بدانتها. كان سلوكهما حسناً. وكنا نتعشى كل ليلة في الحديقة شبه الاستوائية الجميلة بين أشجار النخيل و الخشخاش الطويلة الشاهقة. كانت الطاولات قد صفت من قبل الطاقم أمام النوافذ الفرنسية لقاعة الطعام. أما الخدم فكانوا من كبار السنّإلا أنّهم كانوا أقوياء على العمل لساعات طويلة كما هو واضح. لقد ظلوا بانتظاري لفترة طويلة، ولم أستطع منعهم. فقد جئت من إنجلترا في زمن الحرب، حيث لم نترفع عن أي عملٍ كان، ولكن هنا في صقلية، ما زالت السيدة سيدة ولا ينبغي أن يطلب منها تلويث كفيها بأداء أي عمل وضيع.
كانت طاولتي بالقرب من النافذة الفرنسية الواسعة التي تطل على الحديقة من غرفة المعيشة، ولم يمر بها سوى قلة من الضيوف في طريقهم إلى طاولاتهم. اعتاد البارون وزوجته على الخروج للعشاء في وقت متأخر، فتناول الطعام مبكراً ليس من شيم الارستقراط - وبينما كانا يجتازان طاولتي يلقيان علي التحية بإيماءة خفيفة بالراس. وكنت أنحني بدوري لرد تحية المساء"”Bonnasera. كان هذا يتكرر بعد الانتهاء من الوجبة، ما عدا أنني أقول هذه المرة "ليلة سعيدة"[Buona notte]. وكانا يردان تحيتي ويستأنفا المسير إلى مسكنهما المريح- الجناح المحجوز لأفضل الضيوف.
في إحدى الأمسيات، كنت قد وصلت إلى المكتب حوالي السادسة لأجد البارون يذرع مدخل البهو جيئة وذهاباً في سرعة واضطراب.
"أوه، سيدتي. شكراً لله على وصولك أخيراً. إنّه لفظيع، فظيع، والخدم لا يتعاملون معه بجدية. ولكن إن لم يُعالج الأمر، سيتعين علي والبارونة المغادرة على الفور. ليس بوسعنا البقاء. تركنا باليرمو بسبب حالة قلبها- وإنّه لمن الخطر عليها التعرض لضغط الخوف المستمر من غوليانو وعمليات الاختطاف التي يقوم بها. لقد جئنا إلى هنا من بحثاً عن ملاذ آمن من خوفنا الفظيع. ووجدناه هنا على بعد كيلومترات من ذلك الوحش. لقد كنا سعداء ومطمئنين حتى مساء هذا اليوم- لن تصدقي ما أقول- لقد رأيت جرذَيْن ضخمين رماديين، جِرْذَيْن! لقد كان الرجل الصغير يصرخ بصوت أجش. " تلعب الجرذان على الشرفة الملحقةبغرفة نومنا. وقد تتسلل إلى الغرفة في أية لحظة. إن لمحتهما البارونة، فقد تصاب بأزمة قلبية في الحال. لقد قرعت الجرس طلباً للخادم. واستدعيتهم جميعاً، ولكنهم لا يرون أي خطب في وجود الجرذان. وقد ضحكوا في الحقيقة. سيدتي العزيزة، أعلم أنك ستدركين مدى خطورة الأمر، أعرف أنك لن تضحكين. أرجوك، أرجوكافعلي شيئاً في الحال. فنحن لا نريد المغادرة."
أنا أيضاً لم أرغب في ذهابهما. ومازالت هنالك ثلاثة أيام قبل أن يتسنى لي الإمساك بذلك الشيك. وعموماً لا يدفع العملاء إلا حينما يغادرون. هل سيطالب البارون بقيمة الشيك كاملة إن غادرا كتعويض على هذا الوضع الكارثي؟ هل سيترك جزءاً منه؟ لقد رسمت على وجهي أوضح تعبير على الاهتمام، وطمأنته بأننا سنتخذ كل التدابير اللازمة الممكنة على الفور. وإن استطاع إبعاد البارونة سأطلب من البستانيّ وضع سُلّم يؤدي إلى الشرفة من الخارج، وإعداد مصيدتين ونوعين من السم في الوقت ذاته على الشرفة المعنية. ولن يكون بمقدورها رؤية شيء في الظلام- وإني آمل، أن لا تسمع أي شيء إذ أنّه حتى في أشد أيام الصيف حراً يميل الصقليون إلى النوم بينما نوافذهم موصدة بإحكام. هدأ البارون نوعاً ما متأثراً بما تكشّف له من تصميمي على معالجة المشكلة.
" أعدك بأنَّ البستاني سوف يقوم قبل شروق شمس الغد بإزالة جميع آثار الأفخاخ والسم وأية جثث قد تنتج عن العملية."
ضمّ الرجل الصغير كفي بين يديه: " أشكرك، أشكرك سيدتي، كنت واثقاً من أنك ستفهمين."
"سيدي البارون، ينبغي عليك أيضاً أن تلعب دورك، وتبعد البارونة عن تلك الشرفة حتى يحل الظلام ويخفي كل شيء."
"نعم، نعم، بالفعل سيدتي. أعلم أنّ كل شيء سيكون على ما يرام تحت إشرافك."
قمت باستدعاء جميع الطاقم، في محاولة لتخمين ما إذا كان أياً منهم علِم أو قدّر حجم هذه المخاطرة.
" ينبغي الشروع في المعركة مع الجرذان قبل أي واجب آخر. ليس من المهم إن تأخر العشاء، أو تأخر جداً. "ينبغي وضع المصائد والسمّ على الشرفة من الخارج حالاً. الأفخاخ " وليس السمّ" أضفت بسرعة، " ينبغي أن توضع في المطبخ، وفي المخازن، ومستودعات اللحوم، وجميع غرف القبو حيث يحتمل أن تبحث الجرذان عن الطعام. إن لم يكن هنالك ما يكفي فعلى سالفاتوري الخروج لشرائها الآن. كما يجب استعارة القطط أو إحضارها في الأماكن التي لا يوضع فيها السمّ. يجب القيام بكل هذا الآنّ".
بعد ساعتين جاء البارون مرة أخرى مندفعاً إلى مكتبي. لقد ترك البارونة بعد أن تم احتواء حالتها بعمق، وصبر جميل.
"أشكرك، أشكرك سيدتي، عرفت أنك ستتصرفين كجميع أهل الريف بهمّة وتفهم." (لقد قابل الريفيين الغزاة مؤخراً.) " سأكون ممتناً لك للأبد. لقد أنقذتِ حياة زوجتي المسكينة. سوف لن أنسى لك ذلك." وأسرع عائداً إلى السيدة.
بعد ثلاث ساعات من لقائي بالبارون- كنت جالسة على طاولتي خارج غرفة المعيشة، في شيء من الاسترخاء، وأشعر بأنّ الخطر قد زال. ظهرت البارونة الهادئة المطمئنة يتبعها البارون، الذي غمز بالفعل وهو يمر بي، مع انحنائتهما المعهودة، ثم اتخذا مقعديهما على طاولتهما تحت شجرة نخيل عملاقة: كان جذع الشجرة يصل إلى ارتفاع خمسة أمتار على الأقل، قبل أن يتفرع على هيئة مروحة من الأغصان التي وضع تحتها مصباح خافت يلقي بضوئه على الطاولة تماماً. استأنفت تناول وجبتي. بدأ البارونان عشاءهما، وتبدو عليهما السعادة والاطمئنان. وبعد فترة نظرت في اتجاههما، ثم إلى الأعلى حيث ضوء شجرة النخيل. وارتعدت فزعاً عندما لمحت ما بدا لي كملك حقيقي للجرذان فوقهما مباشرة. كنت أراقب متجمدة في مقعدي بينما يهبط المخلوق ببطء فوق رأسي أهمّ عميلين لي. وسوف يهبط في أية لحظة ربما على حساء البارونة- سوف تصاب بنوبة قلبية، وربما تموت. سيغادر البارون، وسيطالب بالشيك. لم يكن لخيالي حدود. راقبت، وفزعت، بينما كان الحيوان التَّعِس يغير رأيه، ويستدير إلى الخلف. ربما متجهاً ناحية التمر الناضج؟ ومرة أخرى وببطء أعاد الكرة مرة أخرى. أعلى وأسفل وحول الشجرة بعيداً عن الأنظار. كانت ضربات قلبي تتسارع، كما لو أنني سأصاب بأزمة قلبية في أية لحظة. واصلت تناول طعامي وأنا أحاول إظهار اللامبالاة بينما كان الجرذ يتجول إلى أعلى وأسفل ويدور في المكان، ولكنّه لا يزيد على الوصول إلى أكثر من ثلث المسافة باتجاه أسفل الجذع الطويل.
وصل البارونان إلى الطبق الرئيسي وأصبت بالرعب من فكرة وصول رائحته إلى الجرذ فتمنحه سبباً للقفز على طاولتهما. ولكن لا، لقد ظلّ في الأعلى. انهيا عشاءهما بكل سعادة، دون وعي بما كنت أراقبه. ما زالت الحلوى بانتظارهما. ثم فجأة حدث شيء لأول مرة على الإطلاق: نهض الزوج والزوجة على أقدامهمابالتزامن. أفسح لهما النُدُل الطريقبإكبار معهود قابله الزوجان بامتنان وشكر.
ثم، ألقيا عليَّ التحية بإيماءة من الرأس: " ليلة سعيدة سيدتي." "Buona nette, Signorina"
“Buona nette, Signori Baroni”،" ليلة سعيدة سيدي البارون."
صعدا الدرج إلى غرفتهما التي آمل أنّها الآن مغلقة بإحكام. هل تم تأمين الشيك الآن؟
جلست هناك في حيرة، أتناول فاكهتي وأحتسي قهوتي وأمنّي النفس بالآمال. وبينما كانت الأنوار تطفأ، اختفى الجرذ، إن وُجد، عن الأنظار. وعندما صعدت للطابق العلوي أخيراً، كان البارون بانتظاري. ماذا حدث يا ترى؟ ولكنه بدا ودوداً. تمنيت لو كان بوسعي الاسترخاء. تقدم ماداً يده باتجاهي، ومبتسماً: " سيدتي، هل رأيتِ ما رأيت؟"
أومأت بالإيجاب. ربما كان يقصد شيئاً آخر على أية حال. فلم أنتبه أبداً لأنّه كان ينظر للأعلى. ولكنه استطرد:" كان أكبر جرذ رأيته على الإطلاق هناك على شجرة النخيل، فوق رؤوسنا. وكان ليقفز في أية لحظة فوق طاولتنا. لم أرد أن أدع البارونة تشك بالأمر. لقد كان علينا إنهاء طعامنا. ولكن قبل الفاكهة، قلت أني شعرت بالإعياء- بسبب الحر ربما. فغادرنا قبل أن تنزل الكارثة. لم تكن تعرف شيئاً، ولا يسعني أن أشكرك بما يكفي لاهتمامك الكبير وعطفك. أنا متأكد من أنّك اتخذت جميع الإجراءات حتى لا نغادر. وسوف لن يطلع فجر الغد على ذلك الشيطان حياً. أشكرك، أشكرك، أشكرك."
في هذه المرة تصافحت أيدينا الأربعة ونحن نتنفس الصعداء.
بعد ثلاثة أيام، حصلت على الشيك، ومنحني البارون السعيد واحداً آخر. في صمت وجهت شكري للقديس جورجيو، والقديس الفيو، وجميع أولياء الله صقلية لوقوفهم إلى جانبي- هذه المرة..
لدى عودتها، قالت الألمانية: إنَّ الجميع قد أحبّك، إلا البارون فقد وقع في غرامك حتى الثمالة."
لم أخبرها عن السبب. فهو أبعد ما يكون عن الرومانسية. الجرذان!
, Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi,,
Related Articles