Arabic    

محادثات مع غوته 4


2019-07-04 00:00:00
اعرض في فيس بوك
التصنيف : محادثات مع غوته

 
 
 
 
|| #محمد_أحمد_السويدي || #ترجمة || #محادثات_مع_جوته || الجزء الرابع (4)
السبت، 28 فبراير 1824م.
قال "غوته" إنَّ هناك رجالاً على درجة عالية من الامتياز، لا يستطيعون القيام بأي شيء مُرتجل، أو سطحي، لأنَّ طبيعتهم تتطلب منهم التغلغل بهدوء وعمق في كل موضوع يؤخذ بمتناول يدهم. تجعلنا مثل هذه العقول، في كثير من الأحيان، نافذي الصبر، لأننا نادراً ما نحصل منهم على ما نريده في اللحظة التي نريد؛ ولكن هذه هي الطريقة الوحيدة التي يتم بها إنجاز أنبل المهام".
أدرتُ دفة الحديث إلى رامبرغ. حيث قال غوته: "إنه فنان من طابع مختلف تماماً، وهو من أكثر المواهب حيوية، وإنْ كان لا مثيل لقدرته على الارتجال. لقد طلب مني في درسدن أن أمنحه موضوعاً، فحدَّثته عن أغاممنون لحظة عودته من طروادة، حين يترجَّل من عربته الحربية ويلمس عتبة منزله، مصاباً بشعورٍ كئيب. وستوافق معي أنَّ هذا الموضوع ذو طبيعة صعبة، ومع فنان آخر، لكان قد طالب بتداول أكثر تفصيلاً، ولكن قبل أن أكمل حديثي، كان رامبرغ قد شرع في الرسم. وبالفعل، شعرتُ بالإعجاب من أنه التقط على الفور موضوعه بشكل صحيح. ولا أستطيع إنكار أننى أرغب فى امتلاك بعض رسومات رامبرغ".
تحدثنا بعد ذلك عن فنانين آخرين، ممن شرعوا يعملون بطريقة سطحية، وبالتالي تحوّلت أعمالهم إلى نزعة أسلوبية.
قال غوته إنَّ "الأسلوبية في حالة توق دائم لإنجاز العمل، بحيث لا تتمتع بالصدقية أثناء إنجاز العمل. ومن ناحية أخرى، تجد الموهبة الحقيقية العظيمة أعظم سعادتها في التنفيذ. عمل روس بصورة دؤوبة في رسم شعر وصوف ماعزه وأغنامه، وترى من خلال تفاصيله اللانهائية أنه يتمتع بسعادة كبيرة في أداء عمله، وأنه لا يرغب في وضع حدٍّ له.
"المواهب الرديئة لا تستمتع بالفن من أجل ذاته: بحيث لا تضع نصب أعينها أثناء إنجازها العمل شيئًا سوى الربح الذي يأملون في تحصيله من العمل. مع مثل هذه الآراء والميول الدنيوية، لم يُنتَج شيء عظيم في أيّ من الأزمنة السابقة".
الأحد، فبراير 29، 1824م.
ذهبتُ إلى منزل غوته، حوالي الثانية عشرة، وكان قد دعاني إلى التنزُّه قبل تناول وجبة الغداء. وجدتُه يتناول وجبة الإفطار عندما دخلتُ، فاتَّخذتُ مقعدي قبالته، وحولت المحادثة نحو تلك الآثار التي تشغل تفكير كِلينا بخصوص الطبعة الجديدة لأعماله. وكنتُ قد نصحته بإدراج كل من "آلهة، أبطال، وويلاند" و"رسائل القسّ" في هذه الطبعة الجديدة.
قال غوته: "لا أستطيع حسب وجهة نظري الحالية أن أحكم بشكل سليم على جدارة إنتاجات الشباب. ربما إذا رغبتم بإمكانكم أن تقرروا. لكنني لا ألوم تلك البدايات؛ في الواقع، كنت أحيا في الظلام، أكافح، بلا وعي من أجل ما كنتُ أسعى إليه بجدية؛ ولكن كان لي حِسٌّ بالصواب، صولجان إلهي، دلَّني على حيث يمكنني العثور على الذهب".
لاحظتُ أنَّ هذا ما يجب أن يكون عليه الحال مع جميع المواهب العظيمة، وإلا، وعلى خلاف ذلك، حينما تستيقظ في عالم مختلط، لن تتمكَّن من إدراك الحق وتجنُّب الخطأ.
في هذا الوقت، تم سرج الخيول، وانطلقنا متجهين صوب يينا. تحدثنا حول مواضيع مختلفة، وذكر غوته آخر ما تقوله الصحف الفرنسية. حيث قال: "ينتمي دستور فرنسا إلى شعب يحتضن في داخله الكثير من عناصر الفساد، وهو يقوم على أسس مختلفة تماماً عن الدستور الإنجليزي. كل ما يحدث في فرنسا يتم عن طريق الرشوة، بل إنَّ مجمل الثورة الفرنسية كانت موجهة بهذه الوسائل".
ثم تحدث عن وفاة يوجين نابليون (دوق ليوشتنبرغ)، الذي وصلت أخباره ذلك الصباح، حيث بدا بالغ الحزن. "كان واحداً من تلك الشخصيات العظيمة"، قال غوته، "التي أصبحت أكثر وأكثر ندرة؛ لقد أصبح العالم مرةً ثانية أكثراً فقراً بسبب غياب رجل مهم. كنتُ أعرفه بصورة شخصية؛ ففي الصيف الماضي كنتُ معه في مارينباد. كان رجلًا وسيم الطلعة، في حوالي الثانية والأربعين، على الرغم من أنه يبدو أكبر سناً، وهو أمر لا يبدو مُدهشاً عندما نستدعي إلى الذهن كلّ ما مر به خلال مسيرة حياته، وكيف كانت الحملات والاتفاقيات ضاغطة باستمرار على حياته. أخبرني في مارينباد بإسهاب عن خطة لربط نهر الراين مع نهر الدانوب، عن طريق قناة- وهو مشروع عملاق، عندما نمعن النظر في العقبات التي تطرحها جغرافيا المنطقة. ولكن مع رجل خدم تحت إمرة نابليون، وشاركه في هزّ ثوابت العالم، لا شيء يبدو مستحيلاً. كان لدى تشارلمان نفس الخطة، حتى أنه شرع في التنفيذ، لكنه سرعان ما وصل إلى طريق مسدود. حيث لم تستطيع الرمال الصمود، وكان الركام يسقط باستمرار على كلا الجانبين".
الاثنين، 22 مارس، 1824.
هذا اليوم، قبل موعد الغداء، ذهبت مع غوته إلى الحديقة.
تقع هذه الحديقة على الجانب الآخر من نهر إيلم، بالقرب من المنتزه، على المُنحدر الغربي من التلَّة، الشيء الذي يعطيها مظهراً شديد الجاذبية. الحديقة محمية من الرياح الشمالية والشرقية، لكنها مفتوحة على التأثيرات المُبهِجة للجنوب والغرب، ما يجعلها مسكناً شديد المُتعة، وخاصة في الربيع والخريف.
أمَّا المدينة، التي تقع على الشمال الغربي، فهي قريبة بحيث يمكن للمرء بلوغها في بضع دقائق، ومع ذلك إذا تلفَّت المرء حوله، فلن يرى في أيّ مكان سقوف مباني، أو حتى أبراج، تُذكّره بهذا القرب؛ لأنَّ أشجار الحديقة الطويلة والمزروعة بكثافة تُغطّي كل ما يقع على الجانب الآخر. تمتد الحديقة التي تحمل اسم "النجمة"، يساراً، ناحية الشمال الجغرافي، على مقربة من طريق المركبات، الذي يبتديء من الحديقة مباشرة. 
نحو الغرب والجنوب الغربي، ينفتح المشهد على مرج واسع، من خلاله، على مسافة إطلاق قوس من سهمه، تعبر الرياح نهر إيلم بصمت. ترتفع حافة النهر على الجانب الآخر مثل تلة؛ على القمة والجانبين يمتدُّ متنزَّهٌ فسيح، تكسوه أوراق مُختلطة لأشجار النغت والمُران والحور والبتولا، التي تُحيط بالأفق على مسافة معقولة ناحية الجنوب والغرب..
يمنح منظر الحديقة أعلى المرج، وخاصة في الصيف، شعوراً وكأن المرء قرب أجمة تمتد ملتوية لمسافة فراسخ. ويعتقد أنَّه مع كل لحظة تمضي ستلوح للعين ظبية تقفز على المروج. وهنا يشعر المرء وكأنه مغروسٌ بسلام في وحشة الطبيعة القاتمة، بسبب الصمت غير المنقطع في الغالب، إلا من نغمات الشحرور المنفردة، أو أغنية معلقة في كثير من الأحيان لطائر السمَّان.
وبينما نحن في حلم العزلة العميقة، أيقظنا قرع ساعة البرج، وصراخ طواويس الحديقة، أو طبول وأبواق الجيش في الثكنات. لم يكن هذا بالأمر المزعج. فمثل هذه النغمات تُذكِّر المرء بمدينة حميمة في الجوار، يتوهم المرء أنه بعيد عنها أميال كثيرة.
في بعض المواسم، تنقلب هذه المروج نقيضاً للوحدة. حيث يشاهد المرء في بعض الأحيان القرويين يذهبون إلى فايمار للتسوُّق، أو العمل، ثم يقفلون عائدين؛ وأحياناً ترى متسكعين من جميع الأنواع يتمشّون على طول انحناءات نهر إيلم، وخاصة في الاتجاه الصاعد نحو فايمار العليا، التي تزدحم بالزوار في أيام معينة من السنة. كذلك، يقوم موسم الحشائش بنفخ الروح في المشهد بشكل متناغم. في الأرض الخلفية، يرى المرء قطعان من الخِراف ترعي، وأحياناً تتحرك بفخامة؛ كما نشاهد البقر السويسري للمزرعة المجاورة.
ومع ذلك، لم يكن هناك أيّ أثر لهذه الظواهر الصيفية، التي تنعش الحواس. على المروج، يمكنك مشاهدة بعض البقع الخضراء؛ لكن ليس لدى أشجار الحديقة ما تتباهى به سوى الأغصان ذات اللون البُنّي والبراعم. ومع ذلك فإنَّ أصوات عصفور الدوري، وأغنيات الشحرور والسمَّان المتقطعة، كانت تصدح مُعلنة مجيء الربيع.
كان الجو لطيفاً وصيفياً؛ والرياح الجنوبية الغربية المعتدلة تهبّ. وكانت هناك سُحب رعدية صغيرة ومعزولة تعبر على طول السماء الصافية. وهناك في الأعلى قد يلاحظ المرء خيوطاً متناثرة من السحب البضاء. راقبنا السحب بدقة، ورأينا أنَّ الغيوم الضخمة للمنطقة السفلى كانت مُتفرَّقة كذلك؛ ومن ذلك استنتج غوته أنَّ مقياس الضغط الجوي سيرتفع.
ثم تحدث غوته بإسهاب عن ارتفاع وهبوط البارومتر، الذي وصفه مُستخدماً الزيادة في المياه ونقصانها. وتحدث عن عمليات استنشاق وزفير الأرض، وفقاً للقوانين الأبدية؛ وعن الطوفان المحتمل، في حال استمرت "زيادة المياه". بجانب ذلك، تحدث قائلاً، إنه رغم امتلاك كل مكان لمناخه الخاص، فإنَّ مقياس الضغط الجوي في جميع أنحاء أوروبا متّحد بصورة كبيرة. كذلك تحدَّث عن أنَّ الطبيعة غير قابلة للقياس، وبسبب شذوذها الكبير هذا، كثيراً ما صعب على الناس معرفة قوانينها.
في أثناء تثقيفه إيّاي بهذه المواضيع الهامة، كنا نسير صعوداً وهبوطاً في الحديقة على ممشى واسع مفروش بالحصى. وعند اقترابنا من المنزل، نادى الخادم لفتح البوابة، حيث أراد أن يريني البيت من الداخل. كانت الجدران البيضاء مُغطاة بشجيرات الورد، التي نمت على تعريشات وصلت حتى السطح. درتُ حول المنزل، وشاهدتُ باستمتاع عدداً كبيراً من أعشاش الطيور، من مختلف الأنواع، موجودة على فروع شجيرات الورد الموجودة في مكانها هناك منذ الصيف السابق، والآن بسبب أنَّ الشجيرات عارية من الأوراق، أصبحت مبذولة لتراها العين. كم كان استثنائياً مُشاهدة كيف أنَّ أعشاش طائر حسُّون التفاح وأنواعًا مختلفة من عصفور الشوك، قد بُنيت عالية أو منخفضة وفقاً لعادات الطيور.
بعدها، أخذني غوته داخل المنزل، الذي لم أره منذ الصيف الماضي. في الطابق الأدنى، وجدتُ غرفة واحدة فقط قابلة للسكن، عُلَّقت على جدرانها خرائط ونقوش، إلى جانب بورتريه لغوته، في حجم كبير بعظمة الحياة، رسمه ماير بعد وقت قصير من عودة الصديقين من إيطاليا. يظهر غوته في اللوحة وهو في قمَّة قوَّته ورجولته، شديد السُمرة، وبالأحرى شجاعًا. لم يكن التعبير المرسوم على محياه شديد الحيوية، لكنه شديد الجدِّية؛ ويبدو وكأنَّ المرء يتطلَّع نحو رجل يكمن في عقله ثِقل مآثر المستقبل. 
صعدنا الدرج إلى الغُرف العليا. حيث توجد ثلاث غُرف، إحداها صغيرة الحجم. ولكن في العموم، كانت كلها صغيرة جداً، وغير مريحة. قال غوته إنه أمضى في السنوات السابقة جزءاً كبيراً من وقته بسرور في هذا المكان، حيث كان يعمل بهدوء شديد.
كانت هذه الغرف باردة نوعاً ما، لذا عدنا إلى الهواء الطلق، الذي كان معتدلاً. وبينما نسير صعوداً وهبوطاً على الطريق الرئيسي، تحت شمس الظهيرة، تحوَّل مدار حديثنا إلى الأدب الحديث، وشيلينغ، وبعض مسرحيات الكونت بلاتن الجديدة.
سرعان ما عدنا إلى الحديث عن المواضيع الطبيعية. كانت أزهار تاج القيصر والزنابق قد نمت بالفعل، كما كانت الخبيزة على جانبي الحديقة شديدة الاخضرار.
الجزء العلوي من الحديقة، عند مُنحدر التل، كان مفروشاً بالعشب، ويوجد هنا وهناك عدد قليل من أشجار الفاكهة. امتدَّت المسارات على طول القمّة، ثم استدارت عائدة نحو الأسفل؛ الشيء الذي أيقظ فيّ الرغبة في الصعود والبحث عن نفسي. غوته، الذي صعد هذه المسارات من قبل، سبقني مُتقدماً، وكنتُ فرحا لرؤيته بهذا النشاط.
في الأعلى وجدنا سياجاً يضمُّ إناث الطاووس، التي يبدو أنها آتية من حديقة الأمير. وأشار غوته إلى أنه كان مُعتاداً في فصل الصيف المجيء وجذب الطواويس بأن يقدم لها الطعام الذي تحبه.
وأثناء نزولنا على مسار متعرج على الجانب الآخر من التلّ، وجدتُ حجراً، تحيط به الشجيرات، نُقشت على سطحه أبيات هذه القصيدة المعروفة:
"هنا في الصمت فكَّر الحبيب مليَّاً في محبوبه".
وشعرت كما لو كنتُ أقف على أرضٍ كلاسيكية.
هناك بالقرب دغل كثيف لأشجار نصف نامية تتكون من السنديان، والتنوب، والبتولا، وأشجار الزان. أسفل التنوب، وجدت علامات تشير لوجود طيور جارحة. وبعدما أريتها لغوته، قال إنه كثيراً ما رأى مثلها في هذا المكان. من هذا استنتجتُ أنَّ هذه التنوب كانت مسكناً مُفضَّلاً لبعض أنواع البوم، التي كثيراً ما شُوهِدت في هذا المكان.
اجتزنا الدغل، لنجد أنفسنا مرة أخرى على الطريق الرئيسي بالقرب من المنزل. كانت أشجار السنديان، والتنوب، والبتولا، والزان، التي اجتزناها للتوّ، متشابكة معاً، وتُشكِّل نصف دائرة في هذا المكان، أو قوساً يشبه مغارةً في هذا الفضاء الداخلي، حيث جلسنا على كراسي صغيرة، وُضِعت حول طاولة مستديرة. كانت الشمس شديدة السطوع، ورغم ذلك كان ظلُّ هذه الأشجار عديمة الورق مُناسباً. "أنا أعرف"، قال غوته، "لا ملجأ أفضل، من سخونة الصيف، من هذه البقعة. فقبل أربعين عاماً زرعتُ كل هذه الأشجار بيدي. وكان من دواعي سروري مشاهدتها تنمو، حيث أستمتع منذ فترة طويلة بظلها المُنعش. ولأنَّ أوراق شجر هذه السنديان والزان منيعة من أشعة الشمس القوية، أحبُّ في أيام الصيف الحارة الجلوس هنا بعد الغداء؛ حيث في كثير من الأحيان يسودُ نوعٌ من السكون في هذه المروج ومجمل الحديقة، يماثل ما أطلق عليه القدماء "سُبات الإله بان".
سمعنا أجراس ساعة المدينة تعلن عن الساعة الثانية، فعدنا إلى المنزل.
_______________
محادثات مع غوته - تأليف: يوهان بيتر إيكرمان، ترجمة من الألمانية للإنجليزية: «جون أوكسنفورد»، ترجمة من الإنجليزية: «عمار جمال».
____________________________
بتكليف ورعاية من الشاعر الإماراتي #محمد_أحمد_السويدي ، قامت «#القرية_الإلكترونية » بترجمة يوميات من حياة شاعر ألمانيا الكبير "#جوته"، المعنونة بـــ «محادثات مع جوته»، من تأليف: «يوهان بيتر إيكرمان*»، وهي عبارة عن يوميّات كتبها "إيكرمان" عن السنوات الأخيرة من حياة «غوته Goethe»، ننشرها على حلقات تباعاً هنا في الصفحة نأمل أن تحوز إعجابكم. كما يمكنكم مطالعة الأجزاء السابقة من خلال منصتنا على جوجل بلس من هذا الرابط
https://plus.google.com/collection/A-X9RE?hl=ar

        || #محمد_أحمد_السويدي || #ترجمة || #محادثات_مع_جوته || الجزء الرابع (4) السبت، 28 فبراير 1824م. قال "غوته" إنَّ هناك رجالاً على درجة عالية من الامتياز، لا يستطيعون القيام بأي شيء مُرتجل، أو سطحي، لأنَّ طبيعتهم تتطلب منهم التغلغل بهدوء وعمق في كل موضوع يؤخذ بمتناول يدهم. تجعلنا مثل هذه العقول، في كثير من الأحيان، نافذي الصبر، لأننا نادراً ما نحصل منهم على ما نريده في اللحظة التي نريد؛ ولكن هذه هي الطريقة الوحيدة التي يتم بها إنجاز أنبل المهام". أدرتُ دفة الحديث إلى رامبرغ. حيث قال غوته: "إنه فنان من طابع مختلف تماماً، وهو من أكثر المواهب حيوية، وإنْ كان لا مثيل لقدرته على الارتجال. لقد طلب مني في درسدن أن أمنحه موضوعاً، فحدَّثته عن أغاممنون لحظة عودته من طروادة، حين يترجَّل من عربته الحربية ويلمس عتبة منزله، مصاباً بشعورٍ كئيب. وستوافق معي أنَّ هذا الموضوع ذو طبيعة صعبة، ومع فنان آخر، لكان قد طالب بتداول أكثر تفصيلاً، ولكن قبل أن أكمل حديثي، كان رامبرغ قد شرع في الرسم. وبالفعل، شعرتُ بالإعجاب من أنه التقط على الفور موضوعه بشكل صحيح. ولا أستطيع إنكار أننى أرغب فى امتلاك بعض رسومات رامبرغ". تحدثنا بعد ذلك عن فنانين آخرين، ممن شرعوا يعملون بطريقة سطحية، وبالتالي تحوّلت أعمالهم إلى نزعة أسلوبية. قال غوته إنَّ "الأسلوبية في حالة توق دائم لإنجاز العمل، بحيث لا تتمتع بالصدقية أثناء إنجاز العمل. ومن ناحية أخرى، تجد الموهبة الحقيقية العظيمة أعظم سعادتها في التنفيذ. عمل روس بصورة دؤوبة في رسم شعر وصوف ماعزه وأغنامه، وترى من خلال تفاصيله اللانهائية أنه يتمتع بسعادة كبيرة في أداء عمله، وأنه لا يرغب في وضع حدٍّ له. "المواهب الرديئة لا تستمتع بالفن من أجل ذاته: بحيث لا تضع نصب أعينها أثناء إنجازها العمل شيئًا سوى الربح الذي يأملون في تحصيله من العمل. مع مثل هذه الآراء والميول الدنيوية، لم يُنتَج شيء عظيم في أيّ من الأزمنة السابقة". الأحد، فبراير 29، 1824م. ذهبتُ إلى منزل غوته، حوالي الثانية عشرة، وكان قد دعاني إلى التنزُّه قبل تناول وجبة الغداء. وجدتُه يتناول وجبة الإفطار عندما دخلتُ، فاتَّخذتُ مقعدي قبالته، وحولت المحادثة نحو تلك الآثار التي تشغل تفكير كِلينا بخصوص الطبعة الجديدة لأعماله. وكنتُ قد نصحته بإدراج كل من "آلهة، أبطال، وويلاند" و"رسائل القسّ" في هذه الطبعة الجديدة. قال غوته: "لا أستطيع حسب وجهة نظري الحالية أن أحكم بشكل سليم على جدارة إنتاجات الشباب. ربما إذا رغبتم بإمكانكم أن تقرروا. لكنني لا ألوم تلك البدايات؛ في الواقع، كنت أحيا في الظلام، أكافح، بلا وعي من أجل ما كنتُ أسعى إليه بجدية؛ ولكن كان لي حِسٌّ بالصواب، صولجان إلهي، دلَّني على حيث يمكنني العثور على الذهب". لاحظتُ أنَّ هذا ما يجب أن يكون عليه الحال مع جميع المواهب العظيمة، وإلا، وعلى خلاف ذلك، حينما تستيقظ في عالم مختلط، لن تتمكَّن من إدراك الحق وتجنُّب الخطأ. في هذا الوقت، تم سرج الخيول، وانطلقنا متجهين صوب يينا. تحدثنا حول مواضيع مختلفة، وذكر غوته آخر ما تقوله الصحف الفرنسية. حيث قال: "ينتمي دستور فرنسا إلى شعب يحتضن في داخله الكثير من عناصر الفساد، وهو يقوم على أسس مختلفة تماماً عن الدستور الإنجليزي. كل ما يحدث في فرنسا يتم عن طريق الرشوة، بل إنَّ مجمل الثورة الفرنسية كانت موجهة بهذه الوسائل". ثم تحدث عن وفاة يوجين نابليون (دوق ليوشتنبرغ)، الذي وصلت أخباره ذلك الصباح، حيث بدا بالغ الحزن. "كان واحداً من تلك الشخصيات العظيمة"، قال غوته، "التي أصبحت أكثر وأكثر ندرة؛ لقد أصبح العالم مرةً ثانية أكثراً فقراً بسبب غياب رجل مهم. كنتُ أعرفه بصورة شخصية؛ ففي الصيف الماضي كنتُ معه في مارينباد. كان رجلًا وسيم الطلعة، في حوالي الثانية والأربعين، على الرغم من أنه يبدو أكبر سناً، وهو أمر لا يبدو مُدهشاً عندما نستدعي إلى الذهن كلّ ما مر به خلال مسيرة حياته، وكيف كانت الحملات والاتفاقيات ضاغطة باستمرار على حياته. أخبرني في مارينباد بإسهاب عن خطة لربط نهر الراين مع نهر الدانوب، عن طريق قناة- وهو مشروع عملاق، عندما نمعن النظر في العقبات التي تطرحها جغرافيا المنطقة. ولكن مع رجل خدم تحت إمرة نابليون، وشاركه في هزّ ثوابت العالم، لا شيء يبدو مستحيلاً. كان لدى تشارلمان نفس الخطة، حتى أنه شرع في التنفيذ، لكنه سرعان ما وصل إلى طريق مسدود. حيث لم تستطيع الرمال الصمود، وكان الركام يسقط باستمرار على كلا الجانبين". الاثنين، 22 مارس، 1824. هذا اليوم، قبل موعد الغداء، ذهبت مع غوته إلى الحديقة. تقع هذه الحديقة على الجانب الآخر من نهر إيلم، بالقرب من المنتزه، على المُنحدر الغربي من التلَّة، الشيء الذي يعطيها مظهراً شديد الجاذبية. الحديقة محمية من الرياح الشمالية والشرقية، لكنها مفتوحة على التأثيرات المُبهِجة للجنوب والغرب، ما يجعلها مسكناً شديد المُتعة، وخاصة في الربيع والخريف. أمَّا المدينة، التي تقع على الشمال الغربي، فهي قريبة بحيث يمكن للمرء بلوغها في بضع دقائق، ومع ذلك إذا تلفَّت المرء حوله، فلن يرى في أيّ مكان سقوف مباني، أو حتى أبراج، تُذكّره بهذا القرب؛ لأنَّ أشجار الحديقة الطويلة والمزروعة بكثافة تُغطّي كل ما يقع على الجانب الآخر. تمتد الحديقة التي تحمل اسم "النجمة"، يساراً، ناحية الشمال الجغرافي، على مقربة من طريق المركبات، الذي يبتديء من الحديقة مباشرة.  نحو الغرب والجنوب الغربي، ينفتح المشهد على مرج واسع، من خلاله، على مسافة إطلاق قوس من سهمه، تعبر الرياح نهر إيلم بصمت. ترتفع حافة النهر على الجانب الآخر مثل تلة؛ على القمة والجانبين يمتدُّ متنزَّهٌ فسيح، تكسوه أوراق مُختلطة لأشجار النغت والمُران والحور والبتولا، التي تُحيط بالأفق على مسافة معقولة ناحية الجنوب والغرب.. يمنح منظر الحديقة أعلى المرج، وخاصة في الصيف، شعوراً وكأن المرء قرب أجمة تمتد ملتوية لمسافة فراسخ. ويعتقد أنَّه مع كل لحظة تمضي ستلوح للعين ظبية تقفز على المروج. وهنا يشعر المرء وكأنه مغروسٌ بسلام في وحشة الطبيعة القاتمة، بسبب الصمت غير المنقطع في الغالب، إلا من نغمات الشحرور المنفردة، أو أغنية معلقة في كثير من الأحيان لطائر السمَّان. وبينما نحن في حلم العزلة العميقة، أيقظنا قرع ساعة البرج، وصراخ طواويس الحديقة، أو طبول وأبواق الجيش في الثكنات. لم يكن هذا بالأمر المزعج. فمثل هذه النغمات تُذكِّر المرء بمدينة حميمة في الجوار، يتوهم المرء أنه بعيد عنها أميال كثيرة. في بعض المواسم، تنقلب هذه المروج نقيضاً للوحدة. حيث يشاهد المرء في بعض الأحيان القرويين يذهبون إلى فايمار للتسوُّق، أو العمل، ثم يقفلون عائدين؛ وأحياناً ترى متسكعين من جميع الأنواع يتمشّون على طول انحناءات نهر إيلم، وخاصة في الاتجاه الصاعد نحو فايمار العليا، التي تزدحم بالزوار في أيام معينة من السنة. كذلك، يقوم موسم الحشائش بنفخ الروح في المشهد بشكل متناغم. في الأرض الخلفية، يرى المرء قطعان من الخِراف ترعي، وأحياناً تتحرك بفخامة؛ كما نشاهد البقر السويسري للمزرعة المجاورة. ومع ذلك، لم يكن هناك أيّ أثر لهذه الظواهر الصيفية، التي تنعش الحواس. على المروج، يمكنك مشاهدة بعض البقع الخضراء؛ لكن ليس لدى أشجار الحديقة ما تتباهى به سوى الأغصان ذات اللون البُنّي والبراعم. ومع ذلك فإنَّ أصوات عصفور الدوري، وأغنيات الشحرور والسمَّان المتقطعة، كانت تصدح مُعلنة مجيء الربيع. كان الجو لطيفاً وصيفياً؛ والرياح الجنوبية الغربية المعتدلة تهبّ. وكانت هناك سُحب رعدية صغيرة ومعزولة تعبر على طول السماء الصافية. وهناك في الأعلى قد يلاحظ المرء خيوطاً متناثرة من السحب البضاء. راقبنا السحب بدقة، ورأينا أنَّ الغيوم الضخمة للمنطقة السفلى كانت مُتفرَّقة كذلك؛ ومن ذلك استنتج غوته أنَّ مقياس الضغط الجوي سيرتفع. ثم تحدث غوته بإسهاب عن ارتفاع وهبوط البارومتر، الذي وصفه مُستخدماً الزيادة في المياه ونقصانها. وتحدث عن عمليات استنشاق وزفير الأرض، وفقاً للقوانين الأبدية؛ وعن الطوفان المحتمل، في حال استمرت "زيادة المياه". بجانب ذلك، تحدث قائلاً، إنه رغم امتلاك كل مكان لمناخه الخاص، فإنَّ مقياس الضغط الجوي في جميع أنحاء أوروبا متّحد بصورة كبيرة. كذلك تحدَّث عن أنَّ الطبيعة غير قابلة للقياس، وبسبب شذوذها الكبير هذا، كثيراً ما صعب على الناس معرفة قوانينها. في أثناء تثقيفه إيّاي بهذه المواضيع الهامة، كنا نسير صعوداً وهبوطاً في الحديقة على ممشى واسع مفروش بالحصى. وعند اقترابنا من المنزل، نادى الخادم لفتح البوابة، حيث أراد أن يريني البيت من الداخل. كانت الجدران البيضاء مُغطاة بشجيرات الورد، التي نمت على تعريشات وصلت حتى السطح. درتُ حول المنزل، وشاهدتُ باستمتاع عدداً كبيراً من أعشاش الطيور، من مختلف الأنواع، موجودة على فروع شجيرات الورد الموجودة في مكانها هناك منذ الصيف السابق، والآن بسبب أنَّ الشجيرات عارية من الأوراق، أصبحت مبذولة لتراها العين. كم كان استثنائياً مُشاهدة كيف أنَّ أعشاش طائر حسُّون التفاح وأنواعًا مختلفة من عصفور الشوك، قد بُنيت عالية أو منخفضة وفقاً لعادات الطيور. بعدها، أخذني غوته داخل المنزل، الذي لم أره منذ الصيف الماضي. في الطابق الأدنى، وجدتُ غرفة واحدة فقط قابلة للسكن، عُلَّقت على جدرانها خرائط ونقوش، إلى جانب بورتريه لغوته، في حجم كبير بعظمة الحياة، رسمه ماير بعد وقت قصير من عودة الصديقين من إيطاليا. يظهر غوته في اللوحة وهو في قمَّة قوَّته ورجولته، شديد السُمرة، وبالأحرى شجاعًا. لم يكن التعبير المرسوم على محياه شديد الحيوية، لكنه شديد الجدِّية؛ ويبدو وكأنَّ المرء يتطلَّع نحو رجل يكمن في عقله ثِقل مآثر المستقبل.  صعدنا الدرج إلى الغُرف العليا. حيث توجد ثلاث غُرف، إحداها صغيرة الحجم. ولكن في العموم، كانت كلها صغيرة جداً، وغير مريحة. قال غوته إنه أمضى في السنوات السابقة جزءاً كبيراً من وقته بسرور في هذا المكان، حيث كان يعمل بهدوء شديد. كانت هذه الغرف باردة نوعاً ما، لذا عدنا إلى الهواء الطلق، الذي كان معتدلاً. وبينما نسير صعوداً وهبوطاً على الطريق الرئيسي، تحت شمس الظهيرة، تحوَّل مدار حديثنا إلى الأدب الحديث، وشيلينغ، وبعض مسرحيات الكونت بلاتن الجديدة. سرعان ما عدنا إلى الحديث عن المواضيع الطبيعية. كانت أزهار تاج القيصر والزنابق قد نمت بالفعل، كما كانت الخبيزة على جانبي الحديقة شديدة الاخضرار. الجزء العلوي من الحديقة، عند مُنحدر التل، كان مفروشاً بالعشب، ويوجد هنا وهناك عدد قليل من أشجار الفاكهة. امتدَّت المسارات على طول القمّة، ثم استدارت عائدة نحو الأسفل؛ الشيء الذي أيقظ فيّ الرغبة في الصعود والبحث عن نفسي. غوته، الذي صعد هذه المسارات من قبل، سبقني مُتقدماً، وكنتُ فرحا لرؤيته بهذا النشاط. في الأعلى وجدنا سياجاً يضمُّ إناث الطاووس، التي يبدو أنها آتية من حديقة الأمير. وأشار غوته إلى أنه كان مُعتاداً في فصل الصيف المجيء وجذب الطواويس بأن يقدم لها الطعام الذي تحبه. وأثناء نزولنا على مسار متعرج على الجانب الآخر من التلّ، وجدتُ حجراً، تحيط به الشجيرات، نُقشت على سطحه أبيات هذه القصيدة المعروفة: "هنا في الصمت فكَّر الحبيب مليَّاً في محبوبه". وشعرت كما لو كنتُ أقف على أرضٍ كلاسيكية. هناك بالقرب دغل كثيف لأشجار نصف نامية تتكون من السنديان، والتنوب، والبتولا، وأشجار الزان. أسفل التنوب، وجدت علامات تشير لوجود طيور جارحة. وبعدما أريتها لغوته، قال إنه كثيراً ما رأى مثلها في هذا المكان. من هذا استنتجتُ أنَّ هذه التنوب كانت مسكناً مُفضَّلاً لبعض أنواع البوم، التي كثيراً ما شُوهِدت في هذا المكان. اجتزنا الدغل، لنجد أنفسنا مرة أخرى على الطريق الرئيسي بالقرب من المنزل. كانت أشجار السنديان، والتنوب، والبتولا، والزان، التي اجتزناها للتوّ، متشابكة معاً، وتُشكِّل نصف دائرة في هذا المكان، أو قوساً يشبه مغارةً في هذا الفضاء الداخلي، حيث جلسنا على كراسي صغيرة، وُضِعت حول طاولة مستديرة. كانت الشمس شديدة السطوع، ورغم ذلك كان ظلُّ هذه الأشجار عديمة الورق مُناسباً. "أنا أعرف"، قال غوته، "لا ملجأ أفضل، من سخونة الصيف، من هذه البقعة. فقبل أربعين عاماً زرعتُ كل هذه الأشجار بيدي. وكان من دواعي سروري مشاهدتها تنمو، حيث أستمتع منذ فترة طويلة بظلها المُنعش. ولأنَّ أوراق شجر هذه السنديان والزان منيعة من أشعة الشمس القوية، أحبُّ في أيام الصيف الحارة الجلوس هنا بعد الغداء؛ حيث في كثير من الأحيان يسودُ نوعٌ من السكون في هذه المروج ومجمل الحديقة، يماثل ما أطلق عليه القدماء "سُبات الإله بان". سمعنا أجراس ساعة المدينة تعلن عن الساعة الثانية، فعدنا إلى المنزل. _______________ محادثات مع غوته - تأليف: يوهان بيتر إيكرمان، ترجمة من الألمانية للإنجليزية: «جون أوكسنفورد»، ترجمة من الإنجليزية: «عمار جمال». ____________________________ بتكليف ورعاية من الشاعر الإماراتي #محمد_أحمد_السويدي ، قامت «#القرية_الإلكترونية » بترجمة يوميات من حياة شاعر ألمانيا الكبير "#جوته"، المعنونة بـــ «محادثات مع جوته»، من تأليف: «يوهان بيتر إيكرمان*»، وهي عبارة عن يوميّات كتبها "إيكرمان" عن السنوات الأخيرة من حياة «غوته Goethe»، ننشرها على حلقات تباعاً هنا في الصفحة نأمل أن تحوز إعجابكم. كما يمكنكم مطالعة الأجزاء السابقة من خلال منصتنا على جوجل بلس من هذا الرابط https://plus.google.com/collection/A-X9RE?hl=ar , Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi,,

Related Articles

محادثات مع غوته - الجزء الخامس عشر
محادثات مع غوته الجزء الرابع - 3
محادثات مع غوته - الجزء الرابع
محادثات مع غوته
محادثات مع غوته - 2
محادثات مع غوته
محادثات مع غوته - الافتتاحية