Arabic    

محادثات مع غوته الجزء الرابع - 3


2019-07-03 00:00:00
اعرض في فيس بوك
التصنيف : محادثات مع غوته

 
 
بتكليف ورعاية من الشاعر الإماراتي #محمد_أحمد_السويدي ، قامت «#القرية_الإلكترونية » بترجمة يوميات من حياة شاعر ألمانيا الكبير "#جوته"، المعنونة بـــ «محادثات مع جوته»، من تأليف: «يوهان بيتر إيكرمان*»، وهي عبارة عن يوميّات كتبها "إيكرمان" عن السنوات الأخيرة من حياة «غوته Goethe»، ننشرها على حلقات تباعاً هنا في الصفحة نأمل أن تحوز إعجابكم. كما يمكنكم مطالعة الأجزاء السابقة من خلال منصتنا على جوجل بلس من هذا الرابط
https://plus.google.com/collection/A-X9RE?hl=ar
الجزء الرابع (3) - الخميس 26 فبراير 1824.
تناولتُ وجبة الغداء مع غوته. وبعد إزاحة غطاء المائدة، طلب من ستدلمان إحضار بعض محافظ النحاس ذات الحجم الكبير. كانت طبقة من الغبار قد تجمَّعت على الأغطية، وحيث لم تكن هناك قطعة قماش مناسبة في متناول اليد لإزالتها، استاء غوته كثيراً، ووبَّخ ستدلمان. "للمرة الأخيرة سأخبرك، إذا لم تذهب خلال هذا اليوم لشراء القماش الذي طلبتُه منك مراراً، سأذهب بنفسي في الغد. وسترى أنني سأفي بوعدي". ذهب ستدلمان.
قال غوته: "لقد تكررت الحادثة نفسها مع بيكر، الممثل". وأخبرني في لهجة حية، "عندما رفض تمثيل دور الفارس في مسرحية ’فالنشتاين‘/ حذَّرتُه أنه في حال لم يقم بلعب الدور، سأقوم بنفسي بتمثيله. هذا العمل كان فعَّالاً؛ لأنَّ أهل المسرح يعرفونني جيداً بما فيه الكفاية، ويعلمون أنني لا أسمح بالتهريج في مثل هذه الأمور، وأنني مجنونٌ بما يكفي للوفاء بكلمتي في أي مسالة".
''وهل قمتَ حقاً بلعب ذاك الدور؟". سألتُه.
"نعم"، قال غوته، "قمتُ بتمثيل دور الفارس، وتفوَّقتُ على السيَّد بيكر أيضاً، لأنني أعرف الدور أفضل منه".
ثم قمنا بفتح المحافظ، وشرعنا في فحص الرسومات والنقوش. في مثل هذه الأمور، يبذل غوته جهداً كبيراً تجاهي، بحيث أرى نيّته في منحي قدراً عالياً من الذكاء في مراقبة أعمال الفنّ. لذا تراه يُظهر لي فقط ما يبلغ الكمال في نوعه، ويسعى لجعلي أتمكَّن من قصد وجدارة الفنان، بحيث أتعلم متابعة الأفضل مما يوجد في الفكر، والشعور بالأفضل. "هذا"، قال غوته، ''هو السبيل لصقل ما نُطلِق عليه الذوق". الذوق هو شيء يمكن الحصول عليه فقط من خلال التأمل، ليس ذاك الجيّد المُحتَمل، بل المُتَفوِّق بصدق. لذلك، أنا أعرض عليك فقط أفضل الأعمال. وعندما تتحصَّل على معرفة تامة بها، سيكون لديك معيار للبقية، وسوف تعرف كيفية تقييمها، دون المُبالغة في تقديرها. وسأريك الأفضل في كل فئة، حتى تدرك أنه لا وجود لفئة يجب تحقيرها، ولكن كُلٌّ واحد منها يمنح البهجة عندما يُحقِّق رجلٌ نابغة درجة سامية في هذه الفئة. على سبيل المثال، هذه القطعة التي تعود لفنان فرنسي، هي من الروعة، لدرجة لن تراها في مكان آخر، وبالتالي هي نموذج في أسلوبها".
قدَّم لي غوته نقشاً، تطلَّعت فيه بفرح. رأيتُ غرفةً جميلة في منزلٍ صيفي، مع أبواب مفتوحة ونوافذ مشرعة على حديقة، يمكن للمرء أن يرى فيها أكثر الأجساد رشاقة. سيّدة مليحة، تبلغ من العمر حوالي الثلاثين، كانت تجلس وهي تحمل في يدها نوتة موسيقية، يبدو أنها كانت تتغني منها توَّاً. بجوارها، قليلاً إلى الوراء، كانت هناك فتاة صغيرة تقريباً في الخامسة عشر من عمرها. خلف النافذة المفتوحة وقفت سيدة شابة أخرى، تحتضن آلة العود، ويبدو من ملامحها أنها لا تزال تعزف عليها. في هذه اللحظة، يدخل شابٌّ مهذب، فتوجّهت نحوه عيون السيدات. ويبدو أنَّ دخوله قد أوقف سريان الموسيقى؛ منحت انحناءته الطفيفة فكرة أنه كان يُبدي اعتذاره، الذي كانت السيدات راضيات بسماعه.
قال غوته: "أظنُّ أنَّ هذه روعة تشبه أعمال كالديرون؛ والآن بعدما رأيتَ الأفضل في هذا النوع، ما رأيك في هذه؟".
مع هذه الكلمات، قدَّم لي بعض نقوش روس، الرسَّام الذي اشتهر بلوحاته عن الحيوانات. كانت جميع النقوش تضُمُّ رسوماً لخِراف، في مواقف ووضعيات متنوعة. تم تمثيل بساطة محياها، وصوفها البشع الأشعث بأقصى قدر من الإخلاص، كما لو كانت الطبيعة نفسها.
قال غوته: "أشعر دائماً بعدم الارتياح، عندما أنظر إلى هذه الوحوش. فهي محدودة جداً في أفقها، بليدة، تُحدِّق ببلاهة، وحالمة، وتثير فيّ هذا النوع من التعاطف، بحيث أخشى أن أكون خروفاً، وعلى ما أعتقد أنَّ الفنان كان عليه أن يكون واحداً منها. ففي جميع هذه النقوش، يبدو أكثر من رائع كيف أنَّ روس كان قادراً على التفكير والشعور بالروح الصميمة لهذه المخلوقات، وذلك بجعل الخصيصة الداخلية تتبدى للعيان بهذه القوة عبر الحجاب الخارجي. هنا سترى ما تستطيع المواهب العظيمة فعله عندما تبقى ثابتة على المواضيع التي تتجانس مع طبيعتها.
فقلتُ: "هذا الفنان، الذي رسم كلاباً وقططاً ووحوشاً ضارية بحقيقة مماثلة؛ ألا يمكنه، مع هذه الهبة العظيمة التي تُمكّنه من افتراض حالة ذهنية أجنبية لنفسه، أن يكون قادراً على وصف الخصيصة الإنسانية بدقة وإخلاص مماثلين؟".
"لا"، قال غوته، "بالنسبة لكل ما يخرج عن مجاله، عدا الحيوانات الأليفة، آكلة الأعشاب، الخراف والماعز والأبقار، وما شابها، لن يكون مرتاحاً أبداً في تكرار رسمها؛ فقد كان هذا ميداناً مخصوصاً لموهبته، لم يغادره خلال مُجمل حياته. وفي هذا الميدان أنجز بجودة. لقد ولد وهو يحمل تعاطفاً مع هذه الحيوانات، ومُنِح هبة معرفة حالتها السيكولوجيّة، ومن ثمّ كانت لديه نظرة حسَّاسة لتكوينها الجسماني. أما المخلوقات الأخرى، فهي ليست مُكتملة الوضوح بالنسبة له، وبالتالي فهو لا يشعر بالنداء ولا الدافع لرسمها".
أحيتْ ملاحظة غوته هذه الكثير مما كان متماثلاً في دواخلي، وطرحتها بحيويتها الكاملة في ذهني. وكان قد قال لي، قبل وقت ليس ببعيد، إنَّ معرفة العالم هي فطرية بالنسبة للشاعر الحقيقي، وهو لا يحتاج إلى كثير خبرة أو مراقبة متنوعة لتمثيلها بشكل مُلائم. "لقد كتبتُ ’غوتز فون بيرليشينغن’، قال غوته: "وأنا شابٌ في الثانية والعشرين؛ وكنتُ مندهشاً، بعد عشر سنوات، من حقيقة تخطيطي. من المعلوم أنني لم أكن قد اختبرتُ أو رأيتُ أي شيء من هذا النوع، وبالتالي كان عليَّ اكتساب معرفة الظروف الإنسانية المتنوعة عن طريق الحدس.
"عموماً، قبل تعرُّفي على العالم الخارجي لم أستغرق سوى في رسم عالمي الداخلي. ولكن عندما وجدتُ، في الحياة الفعلية، أنَّ العالم كان يتطابق في الواقع مع ما كنتُ أحتضنه في خيالي، أصابني هذا بالغيظ، ولم أعد أشعر بالبهجة في تمثيله بالرسم. في الواقع، بإمكاني القول إنني لو كنتُ قد انتظرتُ لحين تعرُّفي على العالم قبل أن أقوم بتمثيله، لكان تمثيلي قد جاء على هيئة ساخرة.
"هناك في كلّ خصيصة"، قال لي في وقت آخر، "ضرورة ما وتسلسل، والذي، جنباً إلى جنب مع هذه الميزة الأساسية أو تلك، يتسبب في ميزات ثانوية. الملاحظة تُعلِّمنا هذه بصورة كافية؛ ولكن لدى بعض الأشخاص ربما تكون هذه المعرفة فطرية. أما إذا كانت الخبرة والفطرة قد اتحدتا داخلي، فهو أمر لن استفسر بشأنه؛ ولكن ما أعرفه، أنه إذا تحدثتُ مع أي رجل لمدة ربع ساعة، سأجعله يتحدث لساعتين".
تحدَّث غوته بصورة مماثلة عن اللورد بايرون، من حيث أنَّ العالم كان شفافاً بالنسبة له، وأنَّ بإمكانه الرسم مُستَخدماً الحدس. عبّرتُ عن بعض الشكوك حول ما إذا كان بايرون - على سبيل المثال- سوف ينجح في رسم جوهر حيوان من مرتبة أدنى، لأنَّ شخصيته تبدو لي من القوة بحيث يصعب عليه أن يمنحها، بأيّ من درجات الميل، لمثل هكذا موضوع. اعترف غوته بذلك، وأجاب قائلاً، إنَّ ملاحظتنا للاشياء تمضي فقط إلى حيث الأشياء تُماثل للموهبة؛ واتفقنا على أنه بقدر ما يتقيَّد الحدس أو يتمدد، يكون نطاق الموهبة التي تقوم بالتمثيل أكبر أو أصغر.
قلتُ: "إذا كنتَ يا صاحب السعادة قد أكَّدتً على أنَّ العالم فطري بالنسبة للشاعر، فإنك تقصد بالطبع العالم الداخلي فقط، وليس العالم التجريبي للمظاهر والأعراف؛ وإذا كان بمقدور الشاعر تقديم تمثيلٍ ناجحٍ لهذا أيضاً، فإنَّ التحقيق بخصوص الواقعي سيكون بالتأكيد مطلباً أساسياً".
"بالتأكيد"، أجاب غوته، "وهو كذلك؛ إنَّ منطقة الحبّ والكراهية والأمل واليأس، أو أيَّاً ما تطلقه على طبائع وعواطف الروح، هي فطرية في نفس الشاعر، وهو ينجح في تمثيلها. إلا أنه لا يُولد وهو يعرف بالغريزة كيف تُعقد المحاكم أو كيف يدار البرلمان أو مراسم التتويج؛ وإذا لم يسيء إلى الحقيقة، في الوقت الذي يُعالج فيه مثل هذه المواضيع، وجب عليه أن يلجأ إلى الخبرة أو التقاليد. وهكذا، استطعتُ في مسرحية "فاوست"، باستخدام الحدس، معرفة كيف يمكنني وصف ضجر بطلي الكالح من الحياة، والعواطف التي يثيرها الحبّ في قلب غريتشن؛ ولكن الأبيات التالية تتطلَّب بعض الملاحظات حول الطبيعة".
يالها من كآبة، تلك التي يصنعها القرص الناقص
للقمر الأخير مع التوهج الرطب الناشيء.
"ومع ذلك"، قلتُ، "كل سطر من ’فاوست‘ يحمل علامات، إن لم أكن على خطأ، على دراسة متأنية للحياة والعالم؛ بحيث ليس بمُستطاع أحد أن يفترض، ولو للحظة، بخلاف أنَّ مُجمل العمل هو نتيجة تجربة واسعة".
"ربما الأمر كذلك"، أجاب غوته؛ "ومع ذلك، ما لم يكن العالم موجوداً بالفعل في روحي من خلال الحدس، كان سيُفتَرَض عليَّ البقاء أعمى حتى مع عيني المُبصرة، وكان على جميع الخبرات والمُلاحظات أن تكون بمثابة عملٍ ميَّتٍ، وغير مُنتج. الضوء يوجد في الخارج، والألوان تُحيط بنا، ولكن ما لم يكن لدينا ضوء أو ألوان داخل أعيننا، لن يكون بمقدورنا إدراك الظواهر الخارجية".
محادثات مع غوته - تأليف: يوهان بيتر إيكرمان
ترجمة من الألمانية للإنجليزية: «جون أوكسنفورد»
ترجمة من الإنجليزية: «عمار جمال»
-----

    بتكليف ورعاية من الشاعر الإماراتي #محمد_أحمد_السويدي ، قامت «#القرية_الإلكترونية » بترجمة يوميات من حياة شاعر ألمانيا الكبير "#جوته"، المعنونة بـــ «محادثات مع جوته»، من تأليف: «يوهان بيتر إيكرمان*»، وهي عبارة عن يوميّات كتبها "إيكرمان" عن السنوات الأخيرة من حياة «غوته Goethe»، ننشرها على حلقات تباعاً هنا في الصفحة نأمل أن تحوز إعجابكم. كما يمكنكم مطالعة الأجزاء السابقة من خلال منصتنا على جوجل بلس من هذا الرابط https://plus.google.com/collection/A-X9RE?hl=ar الجزء الرابع (3) - الخميس 26 فبراير 1824. تناولتُ وجبة الغداء مع غوته. وبعد إزاحة غطاء المائدة، طلب من ستدلمان إحضار بعض محافظ النحاس ذات الحجم الكبير. كانت طبقة من الغبار قد تجمَّعت على الأغطية، وحيث لم تكن هناك قطعة قماش مناسبة في متناول اليد لإزالتها، استاء غوته كثيراً، ووبَّخ ستدلمان. "للمرة الأخيرة سأخبرك، إذا لم تذهب خلال هذا اليوم لشراء القماش الذي طلبتُه منك مراراً، سأذهب بنفسي في الغد. وسترى أنني سأفي بوعدي". ذهب ستدلمان. قال غوته: "لقد تكررت الحادثة نفسها مع بيكر، الممثل". وأخبرني في لهجة حية، "عندما رفض تمثيل دور الفارس في مسرحية ’فالنشتاين‘/ حذَّرتُه أنه في حال لم يقم بلعب الدور، سأقوم بنفسي بتمثيله. هذا العمل كان فعَّالاً؛ لأنَّ أهل المسرح يعرفونني جيداً بما فيه الكفاية، ويعلمون أنني لا أسمح بالتهريج في مثل هذه الأمور، وأنني مجنونٌ بما يكفي للوفاء بكلمتي في أي مسالة". ''وهل قمتَ حقاً بلعب ذاك الدور؟". سألتُه. "نعم"، قال غوته، "قمتُ بتمثيل دور الفارس، وتفوَّقتُ على السيَّد بيكر أيضاً، لأنني أعرف الدور أفضل منه". ثم قمنا بفتح المحافظ، وشرعنا في فحص الرسومات والنقوش. في مثل هذه الأمور، يبذل غوته جهداً كبيراً تجاهي، بحيث أرى نيّته في منحي قدراً عالياً من الذكاء في مراقبة أعمال الفنّ. لذا تراه يُظهر لي فقط ما يبلغ الكمال في نوعه، ويسعى لجعلي أتمكَّن من قصد وجدارة الفنان، بحيث أتعلم متابعة الأفضل مما يوجد في الفكر، والشعور بالأفضل. "هذا"، قال غوته، ''هو السبيل لصقل ما نُطلِق عليه الذوق". الذوق هو شيء يمكن الحصول عليه فقط من خلال التأمل، ليس ذاك الجيّد المُحتَمل، بل المُتَفوِّق بصدق. لذلك، أنا أعرض عليك فقط أفضل الأعمال. وعندما تتحصَّل على معرفة تامة بها، سيكون لديك معيار للبقية، وسوف تعرف كيفية تقييمها، دون المُبالغة في تقديرها. وسأريك الأفضل في كل فئة، حتى تدرك أنه لا وجود لفئة يجب تحقيرها، ولكن كُلٌّ واحد منها يمنح البهجة عندما يُحقِّق رجلٌ نابغة درجة سامية في هذه الفئة. على سبيل المثال، هذه القطعة التي تعود لفنان فرنسي، هي من الروعة، لدرجة لن تراها في مكان آخر، وبالتالي هي نموذج في أسلوبها". قدَّم لي غوته نقشاً، تطلَّعت فيه بفرح. رأيتُ غرفةً جميلة في منزلٍ صيفي، مع أبواب مفتوحة ونوافذ مشرعة على حديقة، يمكن للمرء أن يرى فيها أكثر الأجساد رشاقة. سيّدة مليحة، تبلغ من العمر حوالي الثلاثين، كانت تجلس وهي تحمل في يدها نوتة موسيقية، يبدو أنها كانت تتغني منها توَّاً. بجوارها، قليلاً إلى الوراء، كانت هناك فتاة صغيرة تقريباً في الخامسة عشر من عمرها. خلف النافذة المفتوحة وقفت سيدة شابة أخرى، تحتضن آلة العود، ويبدو من ملامحها أنها لا تزال تعزف عليها. في هذه اللحظة، يدخل شابٌّ مهذب، فتوجّهت نحوه عيون السيدات. ويبدو أنَّ دخوله قد أوقف سريان الموسيقى؛ منحت انحناءته الطفيفة فكرة أنه كان يُبدي اعتذاره، الذي كانت السيدات راضيات بسماعه. قال غوته: "أظنُّ أنَّ هذه روعة تشبه أعمال كالديرون؛ والآن بعدما رأيتَ الأفضل في هذا النوع، ما رأيك في هذه؟". مع هذه الكلمات، قدَّم لي بعض نقوش روس، الرسَّام الذي اشتهر بلوحاته عن الحيوانات. كانت جميع النقوش تضُمُّ رسوماً لخِراف، في مواقف ووضعيات متنوعة. تم تمثيل بساطة محياها، وصوفها البشع الأشعث بأقصى قدر من الإخلاص، كما لو كانت الطبيعة نفسها. قال غوته: "أشعر دائماً بعدم الارتياح، عندما أنظر إلى هذه الوحوش. فهي محدودة جداً في أفقها، بليدة، تُحدِّق ببلاهة، وحالمة، وتثير فيّ هذا النوع من التعاطف، بحيث أخشى أن أكون خروفاً، وعلى ما أعتقد أنَّ الفنان كان عليه أن يكون واحداً منها. ففي جميع هذه النقوش، يبدو أكثر من رائع كيف أنَّ روس كان قادراً على التفكير والشعور بالروح الصميمة لهذه المخلوقات، وذلك بجعل الخصيصة الداخلية تتبدى للعيان بهذه القوة عبر الحجاب الخارجي. هنا سترى ما تستطيع المواهب العظيمة فعله عندما تبقى ثابتة على المواضيع التي تتجانس مع طبيعتها. فقلتُ: "هذا الفنان، الذي رسم كلاباً وقططاً ووحوشاً ضارية بحقيقة مماثلة؛ ألا يمكنه، مع هذه الهبة العظيمة التي تُمكّنه من افتراض حالة ذهنية أجنبية لنفسه، أن يكون قادراً على وصف الخصيصة الإنسانية بدقة وإخلاص مماثلين؟". "لا"، قال غوته، "بالنسبة لكل ما يخرج عن مجاله، عدا الحيوانات الأليفة، آكلة الأعشاب، الخراف والماعز والأبقار، وما شابها، لن يكون مرتاحاً أبداً في تكرار رسمها؛ فقد كان هذا ميداناً مخصوصاً لموهبته، لم يغادره خلال مُجمل حياته. وفي هذا الميدان أنجز بجودة. لقد ولد وهو يحمل تعاطفاً مع هذه الحيوانات، ومُنِح هبة معرفة حالتها السيكولوجيّة، ومن ثمّ كانت لديه نظرة حسَّاسة لتكوينها الجسماني. أما المخلوقات الأخرى، فهي ليست مُكتملة الوضوح بالنسبة له، وبالتالي فهو لا يشعر بالنداء ولا الدافع لرسمها". أحيتْ ملاحظة غوته هذه الكثير مما كان متماثلاً في دواخلي، وطرحتها بحيويتها الكاملة في ذهني. وكان قد قال لي، قبل وقت ليس ببعيد، إنَّ معرفة العالم هي فطرية بالنسبة للشاعر الحقيقي، وهو لا يحتاج إلى كثير خبرة أو مراقبة متنوعة لتمثيلها بشكل مُلائم. "لقد كتبتُ ’غوتز فون بيرليشينغن’، قال غوته: "وأنا شابٌ في الثانية والعشرين؛ وكنتُ مندهشاً، بعد عشر سنوات، من حقيقة تخطيطي. من المعلوم أنني لم أكن قد اختبرتُ أو رأيتُ أي شيء من هذا النوع، وبالتالي كان عليَّ اكتساب معرفة الظروف الإنسانية المتنوعة عن طريق الحدس. "عموماً، قبل تعرُّفي على العالم الخارجي لم أستغرق سوى في رسم عالمي الداخلي. ولكن عندما وجدتُ، في الحياة الفعلية، أنَّ العالم كان يتطابق في الواقع مع ما كنتُ أحتضنه في خيالي، أصابني هذا بالغيظ، ولم أعد أشعر بالبهجة في تمثيله بالرسم. في الواقع، بإمكاني القول إنني لو كنتُ قد انتظرتُ لحين تعرُّفي على العالم قبل أن أقوم بتمثيله، لكان تمثيلي قد جاء على هيئة ساخرة. "هناك في كلّ خصيصة"، قال لي في وقت آخر، "ضرورة ما وتسلسل، والذي، جنباً إلى جنب مع هذه الميزة الأساسية أو تلك، يتسبب في ميزات ثانوية. الملاحظة تُعلِّمنا هذه بصورة كافية؛ ولكن لدى بعض الأشخاص ربما تكون هذه المعرفة فطرية. أما إذا كانت الخبرة والفطرة قد اتحدتا داخلي، فهو أمر لن استفسر بشأنه؛ ولكن ما أعرفه، أنه إذا تحدثتُ مع أي رجل لمدة ربع ساعة، سأجعله يتحدث لساعتين". تحدَّث غوته بصورة مماثلة عن اللورد بايرون، من حيث أنَّ العالم كان شفافاً بالنسبة له، وأنَّ بإمكانه الرسم مُستَخدماً الحدس. عبّرتُ عن بعض الشكوك حول ما إذا كان بايرون - على سبيل المثال- سوف ينجح في رسم جوهر حيوان من مرتبة أدنى، لأنَّ شخصيته تبدو لي من القوة بحيث يصعب عليه أن يمنحها، بأيّ من درجات الميل، لمثل هكذا موضوع. اعترف غوته بذلك، وأجاب قائلاً، إنَّ ملاحظتنا للاشياء تمضي فقط إلى حيث الأشياء تُماثل للموهبة؛ واتفقنا على أنه بقدر ما يتقيَّد الحدس أو يتمدد، يكون نطاق الموهبة التي تقوم بالتمثيل أكبر أو أصغر. قلتُ: "إذا كنتَ يا صاحب السعادة قد أكَّدتً على أنَّ العالم فطري بالنسبة للشاعر، فإنك تقصد بالطبع العالم الداخلي فقط، وليس العالم التجريبي للمظاهر والأعراف؛ وإذا كان بمقدور الشاعر تقديم تمثيلٍ ناجحٍ لهذا أيضاً، فإنَّ التحقيق بخصوص الواقعي سيكون بالتأكيد مطلباً أساسياً". "بالتأكيد"، أجاب غوته، "وهو كذلك؛ إنَّ منطقة الحبّ والكراهية والأمل واليأس، أو أيَّاً ما تطلقه على طبائع وعواطف الروح، هي فطرية في نفس الشاعر، وهو ينجح في تمثيلها. إلا أنه لا يُولد وهو يعرف بالغريزة كيف تُعقد المحاكم أو كيف يدار البرلمان أو مراسم التتويج؛ وإذا لم يسيء إلى الحقيقة، في الوقت الذي يُعالج فيه مثل هذه المواضيع، وجب عليه أن يلجأ إلى الخبرة أو التقاليد. وهكذا، استطعتُ في مسرحية "فاوست"، باستخدام الحدس، معرفة كيف يمكنني وصف ضجر بطلي الكالح من الحياة، والعواطف التي يثيرها الحبّ في قلب غريتشن؛ ولكن الأبيات التالية تتطلَّب بعض الملاحظات حول الطبيعة". يالها من كآبة، تلك التي يصنعها القرص الناقص للقمر الأخير مع التوهج الرطب الناشيء. "ومع ذلك"، قلتُ، "كل سطر من ’فاوست‘ يحمل علامات، إن لم أكن على خطأ، على دراسة متأنية للحياة والعالم؛ بحيث ليس بمُستطاع أحد أن يفترض، ولو للحظة، بخلاف أنَّ مُجمل العمل هو نتيجة تجربة واسعة". "ربما الأمر كذلك"، أجاب غوته؛ "ومع ذلك، ما لم يكن العالم موجوداً بالفعل في روحي من خلال الحدس، كان سيُفتَرَض عليَّ البقاء أعمى حتى مع عيني المُبصرة، وكان على جميع الخبرات والمُلاحظات أن تكون بمثابة عملٍ ميَّتٍ، وغير مُنتج. الضوء يوجد في الخارج، والألوان تُحيط بنا، ولكن ما لم يكن لدينا ضوء أو ألوان داخل أعيننا، لن يكون بمقدورنا إدراك الظواهر الخارجية". محادثات مع غوته - تأليف: يوهان بيتر إيكرمان ترجمة من الألمانية للإنجليزية: «جون أوكسنفورد» ترجمة من الإنجليزية: «عمار جمال» ----- , Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi,,

Related Articles

محادثات مع غوته - الجزء الخامس عشر
محادثات مع غوته 4
محادثات مع غوته - الجزء الرابع
محادثات مع غوته
محادثات مع غوته - 2
محادثات مع غوته
محادثات مع غوته - الافتتاحية