Arabic    

محادثات مع غوته - الجزء الثاني


2019-06-30 00:00:00
اعرض في فيس بوك
التصنيف : محادثات مع غوته

 

 

 

 

محادثات مع غوته | الجزء الثاني
 
 
الاثنين، 9 فبراير، 1823.
 
وجدتُ غوته هذا المساء وحده في المنزل، كان يديرُ محادثة مع ماير. كنتُ أطالع ألبوماً ينتمي لأوقات في الماضي، يحتوي على كتابة بخطّ اليدِ للعديد من الرجال المشهورين، مثل لوثر، إيراسموس، موشيم، وغيرهم. وقد كتب الأخير الكلمات الرائعة التالية باللغة اللاتينيّة:"الشُهرة هي مصدر الكرب والحزن؛ بينما تكمن السعادة في البقاء في الظلام".
 
الاثنين، 23 فبراير، 1823.
 
استمرّ غوته لعدة أيام مريضاً على نحو خطير. بالأمس كان في حالة ميؤوس منها. ومع ذلك، في هذا اليوم جاءت الأزمة التي يبدو أنها أنقذته. لكنه هذا الصباح استمر في القول إنه يائس. لاحقاً، في الظهيرة، قال إنه يخالجه الأمل في التعافى؛ ومرة أخرى، مع مجيء المساء، قال إنه في حال نجا، ولابد من السماح بذلك، لرجل عجوز، سيقوم  بمخاطرة عالية جداً.
 
الثلاثاء، 24 فبراير، 1823.
 
كان هذا اليوم باعثاً على القلق في ما يخصَ غوته، لأنَّ الظهيرة لم تشهد تحسُّناً مماثلاً لما كان عليه الأمس. وفي نوبة ضعف أخبر زوجة ابنه: "أشعر أنَّ اللحظة التي تصطرع فيها الحياة والموت قد ابتدأت داخلي". ومع ذلك، في المساء، استحوذ المرض على وعيه الفكري الكامل، حتى إنه أظهر خفة لعوبة.  "أنت خجول جداً مع العلاجات الخاصة بك"، قال لرحبين. ''كنتَ بخيلاً معي كثيراً: عندما يكون لديك مريضٌ مثلي، يجب على المرء أن يعمل قليلاً بأسلوب نابليون"، ثم شرب كوباً كاملاً من مُستخلص نبات العطاس المغلي، الذي استخدمه هوسكه في اللحظات العصيبة من يوم الأمس، وكانت قد أظهرت بشائر إيجابية. أعطى غوته وصفًا جميلًا لهذا النبات، مطرياً بحماس تأثيره. قيل له إنَّ الأطباء لن يسمحوا للدوق الأكبر برؤيته: فهتف غوته: "هل أنا الدوق الكبير". "لقد سألت عنك كثيرا، وأزعجت نفسي بخصوصك". وفي تلك اللحظة شعر أنه أفضل حالاً، وعندما بدا صدره أقل إرهاقاً، بدأ بالتحدث بسهولة وإدراك واضحيْن، وعندها همس رحبين في أذن شخص جالس دون أن ينبس ببنت شفة: "إنَّ التنفس الأفضل يجلب معه بشكل عام إلهاماً أفضل". غوته، الذي سمع هذا القول، هتف على الفور بنبرة سارة جدا، "كنتُ أعرف ذلك منذ فترة طويلة، ولكن هذه الحقيقة لا تنطبق عليك أيها الضال". جلس غوته مستقيمًا على سريره، مواجهاً الباب المفتوح ناحية الغرفة التي ينجز فيها أعماله، حيث اجتمع أصدقاؤه المقربون دون علمه. بدت لي ملامحه متغيرة قليلا. كان صوته واضحًا وجليَّاً، ومع ذلك كان هناك وقارٌ في لهجته مثل ذلك الذي لرجلٍ يحتضر. حيث قال لأبنائه: "تعتقدون أنني أتحسن، ولكنكم تخدعون أنفسكم". سعينا بطريقة مرحة لإخراجه من مخاوفه، وبدا أنه أخذ الأمر بحسٍّ ساخر. كان عدد أكبر من الأشخاص يدخلون الغرفة باستمرار، الأمر الذي رأيته غير صائبٍ بأي حال من الأحوال، لأنَّ وجود عدد كبير من الناس يفسد الهواء دون مبرر، ويعيق الحاضرين عن المريض. لم أستطع أن أتحدث عن ذلك، لذا نزلت إلى الغرفة السفلى، حيث أرسلتُ نشراتي إلى سموها الإمبراطوري. وقد أيَّد غوته فكرة إعطاء تقرير عن العلاج الذي مُنح له حتى الوقت الحاضر؛ كما قرأ أيضاً قائمة بالأشخاص الذين استفسروا بشأن حالته الصحية، وكان عددهم اليومي كبير جدًا. بعد ذلك استقبل الدوق الكبير، ولم يبْدُ مرهقاً خلال زيارته. وجدتُ عدداً أقل من الأشخاص في غرفة عمله في هذا اليوم. وبعد ذلك لاحظتُ، بفرح، أنَّ ملاحظتي التي كتبتها بالأمس كانت مثمرة بطريق جيدة. والآن بعد أن زال المرض، يبدو أنَّ الناس يخشون العواقب. كانت يده اليسرى متورمة، ويبدو أنَ هناك تهديدات بأعراض داء الاستسقاء. لم نعرف لبعض أيام النتيجة النهائية للمرض. اليوم، للمرة الأولى، استفسر غوته عن أحد أصدقائه؛ ماير، الذي يُعتبر أقدم صديق له. وقال إنه يود أن يُريه الميدالية النادرة التي حصل عليها من بوهيميا، والتي كانت مصدر بهجة له. جئتُ عند الساعة الثانية عشرة ظهراً. وعندما سمع غوته نبأ وصولي، دعاني إلى جانبه. أعطاني يده، قائلا: "أنت ترى شخصاً بُعِث من بين الأموات". ثم كلفني أن أشكر صاحبة السمو الامبراطوري على التعاطف الذي أبدته خلال مرضه. "انتعاشي سيكون بطيئًا جدا"، وأضاف، "ولكن، على الرغم من ذلك، سيكون الأطباء هم من يتلقى شرف المعجزة الصغيرة التي فعلوها لي". بعد بضع دقائق انسحبت. كان لون بشرته جيدًا. إلا أنَّ جسده نحل كثيراً، ولا يزال يتنفس بقليل من الألم. ويبدو لي أنه يتحدث بصعوبة أكبر مما كان عليه الأمر بالأمس. وكان تورم الذراع اليسرى واضحاً جداً. كما كان يبقي عينيه مغلقتين، ويفتحهما فقط عندما يتحدث.
 
 
 
الاثنين، 2 مارس، 1823.
 
كنتُ هذا المساء في منزل غوته، الذي لم أكن قد رأيته لعدة أيام. جلس على أريكته، وكانت معه ابنته وريمر. كانت صحته أفضل بشكل لافت للنظر. وقد انتعش صوته وعاد لنبرته الطبيعية. كما كان تنفسه حرّاً. ولم تعد يده منتفخة. وظهر مرة أخرى على ما كان عليه في حالته الصحية. كما كان حديثه سهلا. قام من على الكرسي ومشى إلى غرفة نومه وعاد دون أي مجهود. احتسينا معه الشاي؛ ولأنها كانت المرة الأولى، وبَّخت زوجة غوته بمرح بسبب نسيانها وضع باقة زهور منعشة على صينية الشاي. بسرعة، أخذت شريطاً ملوناً من قبعتها، وربطته على جرة الشاي. ويبدو أنَّ هذه النكتة قد منحت غوته سروراً كبيراً. بعدها قمنا بمعاينة مجموعة من المجوهرات المقلدة تلقاها الدوق الأكبر من باريس. 
 
السبت، 22 مارس، 1823.
 
 
في يوم احتفال استعادة غوته عافيته، تمّ تقديم مسرحية "تاسو" على المسرح، مع مقدمة كتبها ريمر، وألقتها فراو فون هيجندورف على مسمع الجمهور.
زُيِّن تمثال غوته النصفي بتاج مصنوع من الغاردينيا وسط إعجاب صاخب من المتفرجين المتحمسين. بعد انتهاء الأداء، ذهبت فراو فون هيجندورف إلى منزل غوته. وكانت لا تزال في زي ليونورا، وقدَّمتْ إلى غوته تاج تاسو. حيث أخذه وزيَّن به تمثالًا نصفيًا للدوقة الكسندرا.
 
الأربعاء، الأول من أبريل ، 1823.
 
أحضرت لغوته من صاحبة السمو الإمبراطوري عدداً من "مجلة ديس موديس" الفرنسية، والتي نشرت مناقشات بخصوص ترجمة أعماله، وفي هذه المناسبة تحدثنا عن كتاب "ابن أخ راماو" الذي فُقد منذ زمن طويل. حيث يعتقد العديد من الألمان أنَّ الأصل لم يوجد قطّ، وأنّ الكتاب هو من اختراع غوته الخاص. ومع ذلك، أكّد غوته أنه كان من المستحيل بالنسبة له تقليد أسلوب ديدرو المفعم بالحيوية وطريقة عمله، وأنَّ النسخة الألمانية من راماو ليست سوى ترجمة مخلصة جداً للأصل الفرنسي.  
 
الجمعة 3 أبريل 1823.
 
قضينا جزءًا من هذا المساء لدى غوته، وذلك رفقة السيِّد كودراي، المهندس المعماري الحكومي. تحدثنا عن المسرح، والتحسينات التي طرأت عليه مؤخرا.  "لقد لاحظتُ ذلك دون الذهاب إلى هناك"، قال غوته ضاحكاً. " قبل شهرين كان أطفالي يعودون دائمًا إلى منزلهم في حالة من المزاج السيئ، غير راضين بتاتاً عن الترفيه الذي تم تقديمه، ولكنهم الآن يسلكون بصورة مختلفة، يأتون وعلى محياهم إطلالة بهيجة، لأنهم يستطيعون، من حين لآخر، إطلاق صرخة استحسان. بالأمس مُنِحوا هذه ''المتعة في البكاء*" عند مشاهدتهم دراما لكوتزيبو.
 
الاثنين، 13 أبريل، 1823.
 
هذا المساء كنتُ وحدي مع غوته. تحدثنا عن الأدب، واللورد بايرون، ومسرحياته ساردانابالوس وفيرنر. ثم عرجنا بالحديث عن فاوست، وهو موضوع يتحدث عنه غوته بشكل متكرر ورغبة. وأعرب عن رغبته ترجمته إلى الفرنسية، بأسلوب فترة ماروت. كما اعتبرها المصدر الذي استمد منه بايرون نبرة "مانفريد". يعتقد غوته أنَّ بايرون قد أحرز تقدمًا في مسرحيتيه المأساويتين الأخيرتين؛ وذلك بسبب أنهما تبدوان أقل قتامة وكراهية لبني البشر. تحدثنا بعد ذلك عن نص "زوبرفلوت"، الذي كتب غوته تكملة له. لكنه لم يجد بعد مؤلفًا موسيقيًا لمعالجة هذا الموضوع بشكل صحيح. كما اعترف بأنَّ الجزء الأول الشهير مليء بالاحتمالات والدعابات التي لن يستطيع الجميع فهمها وتقديرها؛ قائلاً إنه لا يزال يتعين علينا السماح للمؤلف في جميع الأحداث أن يفهم، إلى حد كبير، فن إنتاج آثار مسرحية كبيرة عن طريق التناقضات.
 
الأربعاء، 15 أبريل، 1823
 
كنتُ هذا المساء لدى غوته، بصحبة الكونتيسة كارولين إغلوفستين. مزح غوته بشأن الروزنامات الألمانية، وبعض المنشورات الدورية الأخرى. حيث جميعها مُجتاحة بالمشاعر السخيفة، التي تشكِّل الضروريات اليومية والحالة السائدة للأشياء. ألقت الكونتيسة بملاحظة أنَّ الروائيين الألمان هم من ابتدأ الأمر، عن طريق إفساد ذوق القراء العديدين؛ والآن القراء يفسدون الروائيين، لأنه، من أجل العثور على ناشر لمخطوطاتهم، يجب أن يتوافقوا والذوق السيئ السائد للجمهور. 
 
الأحد، 26 أبريل، 1823.
 
وجدتُ كودري وماير لدى غوته. تحدثنا عن مواضيع مختلفة. حيث ذكر غوته، بين أمور اخرى أنَّ "مكتبة الدوق الكبير تحتوي على مجسَّم لكرة أرضية، صنعها رجل إسباني في عهد تشارلز الخامس، وتوجد على سطحها بعض النقوش الرائعة، على شاكلة، (الصينيُّون شعب يحمل تشابهاً قوياً مع الألمان)".
 
واصل غوته الحديث: "في الماضي، تم تصوير الصحارى الإفريقية على الخرائط، مع تمثيل للحيوانات البريّة، بينما في الوقت الحاضر، تمَّ التخلي عن هذا العرف، وفضَّل الجغرافيون تركنا مع تفويض كامل".
 
الأربعاء، 6 مايو، 1823.
 
هذا المساء لدى غوته، سعى لإعطائي فكرة عن نظريته بشأن الألوان. حيث قال لي إنَّ "الضوء بأي حال من الأحوال يتكون من ألوان مختلفة، وليس بوسع الضوء وحده إنتاج أي لون؛ لأنَّ ذلك يتطلب تعديلًا معيَّنًا ومزجًاً للضوء والظل". 
 
الثلاثاء، 13 مايو، 1823.
 
وجدتُ غوته منهمكاً بجمع قصائده القصيرة وخطبه القصيرة (Blättchen) لأشخاص. حيث قال: "في وقت سابق، عندما كنت أكثر إهمالاً لأشيائي وأهملت صنع نسخ، فقدت المئات من هذه المقاطع الشعرية".
 
الاثنين، 2 يونيو ، 1823.
 
كان المستشار ريمر وماير موجودين مع غوته. ناقشنا قصائد بيرنجر. وعلق غوته على ذلك، وأعاد صوغ بعضها، بأصالة كبيرة وروح دعابة جيدة.
 
ثم تحولت المحادثة إلى العلوم الطبيعية (الفيزياء) وعلم الأرصاد الجوي. كان غوته على وشك العمل على نظرية حول الطقس، سوف يعزي فيها بشكل تام صعود وهبوط مقياس الضغط الجوي لعمل الأرض، وجذبها وصدها للغلاف الجوي.
 
واستمر غوته بالحديث، قائلاً: "إنَّ رجال العلم، وخاصة الرياضيايين، لن يفوتوا اعتبار أفكاري سخيفة تماماً، أو سيقومون بما هو أفضل: سيتجاهلونها بشكل فظيع، ولكن هل تعرفون لماذا؟ لأنهم يقولون إنني لست واحداً من أهل الحرفة ". 
 
أجبتُه: "إنَّ الروح الطائفيّة التي تتلقى العلم الاحترافي تكون متسامحة جداً، فعندما تنجح الأخطاء في التسلُّل إلى نظرياتهم وتنتقل عبرها، يجب أن نبحث عن السبب في ذلك: هذه الأخطاء انتقلت إليهم كعقائد/ دوغما، في الوقت الذي كانوا هم أنفسهم لا يزالون جالسين على مقاعدهم المدرسية". 
 
"هذا صحيح"، هتف غوته؛ "يتصرف رجالك المتعلمون مثل ورّاَقي فايمار. التحفة المطلوبة منهم ليتم قبولهم في النقابة ليست صنع غلاف كتاب جميل، في أحدث أسلوب؛ لا؛ الحقيقة أبعد عن ذلك. يجب أن يتم توفير دائم للكتاب المقدس بورق سميك، حسب الموضة الموجودة قبل سنتين أو ثلاثمائة سنة، مع أغلفة غير متقنة، وبجلد قوي. هذه مهمة سخيفة. ولكن سيصعب الأمر مع العامل ال فقير إذا كان عليه التأكيد أنَّ مفتشيّ عمله من الحمقى الجاهلين.
 
فايمار، 10 يونيو 1823*
 
وصلتُ إلى هنا قبل بضعة أيام، ولكن لم أرَ غوته حتى يومنا هذا. استقبلني بمودة عظيمة؛ وقد كان الانطباع الذي بلغني منه على هذا القبيل، لذا اعتبر هذا اليوم واحداً من أسعد أيام حياتي.
 
بالأمس، عندما سألتُ مُستعلماً، قال إنه سيكون سعيداً برؤيتي في هذا اليوم في تمام الساعة الثانية عشرة. ذهبتُ في الوقت المُحدَّد، فوجدتُ خادماً ينتظرني، وقادني إلى مكان جلوسه.
 
منحني المنزل من الداخل انطباعاً لطيفاً للغاية. دون أن يكون مبهرجاً، كان كل شيء بسيطًا للغاية ونبيلاً. حتى منحوتات التماثيل العتيقة، الموضوعة على الدرج، كانت تشير إلى تحيُّز غوته الخاص بالفن التشكيلي، والأشياء المتعلقة بما هو إغريقي. رأيتُ العديد من السيدات يتحركن بهمّة في الجزء السفلي من المنزل، وكذلك واحداً من أولاد أوتيليا الجميلين، الذي جاء صوبي بشكل حميمي، ونظر في وجهي مليَّاً.
 
بعد أن ألقيتُ نظرة من حولي، صعدتُ الدرج، مع خادم ثرثار جداً، إلى الطابق الأول. وفتح غرفة، على عتبتها انتصب شعار ترحيب يمنح فألاً حسناً بالوديّة. قادني الخادم من خلال هذه الشقة وقام بفتح أخرى، أكثر اتساعاً إلى حدّ ما، حيث طلب مني الانتظار، لحين الذهاب وإعلان قدومي لسيده. كان الهواء أكثر برودة وإنعاشاً. على الأرض تم نشر سجّاد: وتم تأثيث الغرفة بصوف قرمزي وكراسي، أعطت طابعا ذا بهجة. على أحد الجوانب كان هناك بيانو. بينما تزيّنت الجدران بالعديد من الصور والرسومات، من مختلف الأنواع والأحجام.
 
من خلال الباب المفتوح المقابل، رايتُ غرفة أخرى أبعد، معلقة على جدرانها أيضا مجموعة من الصور، عبر خلالها الخادم ليعلن عن وصولي.
لم يمض وقت طويل قبل أن يأتي غوته، يرتدي معطفاً أزرق، وحذاء. يا له من مظهر مهيب! أورث فيّ انطباعاً مفاجئاً. لكن سرعان ما تبدَّد كل عدم الارتياح بسبب كلماته الطيبة. جلسنا على الأريكة. شعرت بحيرة سعيدة من خلال نظراته ووجوده، ويمكنني أن أقول القليل أو لا شيء.
 
بدأ بالتحدُّث عن مخطوطتي. "لقد قمتُ للتو بقراءتها"، مُخبرني أنه؛ ''أنفق كلّ الصباح في قراءة كتابتي؛ ووجد أنها لا تحتاج توصية- فهي تُذكّي نفسها". كما أشاد بصراحة الأسلوب، وتدفق الفكر، وميزتها الخاصة، كل هذا يستند على أساس متين، وقد تم التمعُّن فيه بدقة". كما قال: "سأقدمه قريبًا. سأكتب اليوم إلى الناشر كوتا عن طريق البريد، وسأرسل الطرود في الغد". قدمتُ له شكري مستخدماً الكلمات والمظهر.
 
ثم تحدثنا عن رحلتي المُقتَرحة. فأخبرته عن تصميمي الذهاب إلى راينلاند، حيث أنوي البقاء في مكان مناسب، من أجل كتابة شيء جديد. لكن، أولاً، سأذهب إلى يينا، حيث سانتظر رد السيّد كوتا.
 
سألني غوته عما إذا كان لديَّ معارف في يينا. أجبته بأنني آمل أن أتواصل مع السيّد كنيبيل؛ فوعدني بكتابة رسالة تضمن لي استقبالاً أكثر ملاءمة. "في الواقع"، أخبرني، "بينما ستكون في يينا، سنكون جيران قريبين، حيث يمكننا اللقاء أو المراسلة بقدر ما نشاء".
 
جلسنا لفترة طويلة سويَّاً، في مزاج حنون وهادئ. كنت أجلس قريباً منه. لقد نسيتُ أن أتكلم عن النظر إليه- لم أستطع أن أنظر ما يكفي. كان وجهه قوياً جداً ذا لون بنّي! ممتلئًا بالتجاعيد، وكلّ تجعيدة ممتلئة التعبير! وفي كل مكان هناك مثال على النبل والحزم، يا له من سكون وعظمة! كان يتحدث بطریقة بطيئة ورباطة جأش، مثلما تتوقعون من ملكٍ مُسنّ. ومن خلال هيئته تدرك أنه يعتمد على نفسه، ويرتفع فوق كل ثناء لوم. كنت سعيداً للغاية بالقرب منه. شعرت بعدم القدرة على الحركة مثل شخص، بعد كثير عناء وتوقعات مملة، بلغ أخيراً الإشباع في أعز تمنياته.
 
ثم تحدث عن رسالتي، وأشار إلى أنني على حقٍّ تام، قائلاً إنه إذا كان يمكن للمرء أن يعالج مسألة واحدة بوضوح، سيكون مجهزاً لأشياء كثيرة إلى جانب تلك المسألة. كما أخبرني أنَّ "لا أحد يستطيع قول شيء عمّا قد تؤول إليه هذه". "لدي العديد من الأصدقاء الطيبين في برلين، وقد فكرت في الآونة الأخيرة فيك بهذا الصدد". هنا ابتسم بسرور لنفسه. ثم أشار إلى ما يجب أن أشاهده في فايمار، مؤكداً رغبته أن يكون السكرتير كروتر دليلي السياحي. وقبل كل شيء، لا يجب عليَّ إهمال زيارة المسرح. ثمّ سألني عن مكان إقامتي، قائلاً إنه يود أن يراني مرة أخرى، وسيقوم بطلب مقابلتي في الوقت المناسب.
 
شددنا على أيدينا في وداع حنون. كنتُ سعيداً بصورة فائقة؛ فكل كلمة من حديثه كانت تنضح باللطف، وشعرتُ أنه كان يبدي نحوي نية طيبة.
 
الأربعاء، 11 يونيو 1823.
 
هذا الصباح تلقيتُ بطاقة من غوته، كتبها بخط يده، يُبدي فيها رغبته أن آتي لزيارته. ذهبتُ وبقيت معه لمدة ساعة. كان يبدو رجلاً مختلفاً تماماً عمّا كان عليه في الأمس، حيث تظهر عليه إمارات تصميم وتهور الشباب.
 
دخل غوته وهو يحمل كتابين من الحجم الكبير. وقال: "ليس من الجيد أن ترحل عنّا في القريب دون أن نتعرف على نحو أفضل، وأتمنى أن أجد سانحة فسيحة وافرة لرؤيتك والتحدث معك، ولكن، بما أنَّ مجال العموميات واسع جدا، فكّرتُ في شيء محدد، قد يكون بمثابة أرضية مشتركة للقاء. يضم هذان المجلدان إشعارات فرانكفورت الأدبية (FrankfurterGelehrte Anzeigen) لسنوات 1772 و1773، ستجد بينها تقريباً جميع الكتابات النقدية القليلة التي كتبتُها في ذلك الوقت. هذه ليست علامة، ولكن، بما أنك تألف أسلوبي ونبرة فكري، فسوف تميزها بسهولة من بين كتابات الآخرين. أودُّ أن تفحص عن كثب بعض الشيء إنتاجات الشباب هذه، وتخبرني عن رأيك فيها. أرغبُ في معرفة ما إذا كانت تستحق موضعاً في طبعة مقبلة من أعمالي. تقف هذه الأعمال على مسافة بعيدة عن ذاتي الراهنة، حيث لم يعد لديَّ أي حكم حولها. ولكن يمكنكم أنتم، الأصغر سنّاً، معرفة ما إذا كانت تملك أي قيمة، وإلى أي مدى تناسب وجهة نظرنا الأدبية الحالية. لديَّ بالفعل مقاطع مأخوذة منها، يمكنك مقارنتها لاحقاً مع النسخ الأصلية. بعد ذلك، ومن خلال مسح دقيق، قد نتحقق حول ما إذا كانت توجد هنا وهناك بعض التوافه التي يجب إزالتها، أو تحسينها ببعض الإضافات، دون إصابة الطابع العام لمجمل العمل".
 
أجبتُه بأنني سأحاول بكل سرور، وأن لا شيء يمكن أن يثلج صدري أكثر من المضي قدما وفقاً لنيته.
 
عندها قال: ''سوف تجد نفسك مؤهلاً تماماً، وعندما تشرع في العمل؛ ستجد نفسك تعمل عليه بشكل فطري جداً".
 
ثم قال لي إنه يعتزم الانطلاق إلى مارينباد خلال أسبوع، وأنه سيكون سعيداً في حال تمكنتُ من البقاء في فايمار حتى ذلك الحين؛ حيث سيكون بمقدورنا اللقاء، ونصبح أكثر إلماماً ببعضنا البعض.
 
"أتمنى أيضاً"، قال، "أن تقضي في يينا ليس بضعة أيام أو أسابيع فحسب، بل أن تكون موجوداً كل فصل الصيف، حتى أعود من مارينباد نحو الخريف، وبالفعل كتبتُ بخصوص توفير سكن لك، وغيرها من الأشياء الضرورية لجعل إقامتك مريحة وممتعة".
 
"سوف تجد هنا معظم الموارد والوسائل لمزيد من الدراسات، وكذلك دائرة اجتماعية مثقفة جداً. إلى جانب ذلك، تتوفر في البلاد الكثير من المنحدرات، التي قد تبلغ خمسين ممشى، كل واحد مختلف عن الآخرين، جميعها ساحر، وكلها تقريبا مناسبة للتأمل دون وجود عائق. سوف تجد هناك الكثير من الترفيه والفرص لكتابة العديد من الأشياء الجديدة الخاصة بك، وأيضاً لإنجاز مشاريعي".
 
لم يكن بمستطاعي أن أعترض على هذه المقترحات الجيدة، فوافقت عليها بكل سرور. وعندما غادرتُ كان ودياً بشكل خاص، وقال إنه قد حدَّد ساعة أخرى بعد غدٍ لمزيد من الحديث.
 
الاثنين، 16 يونيو، 1823.
 
في الآونة الأخيرة كنت أتواجد في كثير من الأحيان مع غوته. اليوم، تحدثنا أساساً عن الأعمال. وقد أعلنت أيضاً عن رأيي في الكتابات النقدية المُضمّنة في إشعارات فرانكفورت الأدبية، حيث وصفتُها بأنها تشكل أصداءً لسنواته الأكاديمية، وهو التعبير الذي يبدو أنه أرضاه، لأنه يمثل وجهة النظر التي ينبغي أن ينظر عبرها لمنتجات الشباب هذه.
 
ثم أعطاني أول أحد عشر عدداً من "الفن والعصور القديمة" (Kunst und Alterthum)،  لأحملهما معي إلى يينا، جنباً إلى جنب مع إشعارات فرانكفورت الأدبية لتكون مهمة ثانية لي.
 
وأخبرني قائلاً "أرغب أن تدرس بعناية هذه الأعداد، ليس فقط أن تعمل على وضع فهرسٍ عامٍ للمحتويات، ولكن أيضاً تعيين المواضيع التي لم تمضِ نحو خلاصتها، حيث ربما أستطيع معرفة المواضيع التي يجب أن آخذها مرة أخرى وأطيل فيها. سيمثل هذا عوناً كبيراً بالنسبة لي، وميزة بالنسبة لك، حيث، بهذه الطريقة العملية، سوف تراقب بدقة أكبر وتدرك مغزى كل أطروحة بعينها، وليس عن طريق الإطلاع الشائع الذي ينظمه مجرد الميل".
 
وجدتُ هذه الملاحظات حكيمة، وأخبرته أنني سوف أتعهد عن طيب خاطر بهذا العمل أيضاً.
 
الخميس، 19 يونيو، 1823.
 
كان عليَّ الذهاب إلى يينا هذا اليوم. ولكن بالأمس طلب مني غوته بجدية أن أبقى حتى يوم الأحد، ومن ثم الذهاب بعدها. بالأمس أعطاني رسائل تزكية، وواحدة أخرى لأسرة فرومان. ''سوف تستمتع بمحيطهم الاجتماعي". "لقد قضيتُ العديد من الأمسيات الممتعة هناك، حيث زارهم العديد من رجال ألمانيا الموقرين؛ جان بول، تيك، آل شليجل؛ دائما تصحبهم البهجة. وحتى الآن يعتبر منزلهم نقطة التقاء العديد من الرجال المتعلمين والفنانين، وغيرهم من نجوم المجتمع. في غضون بضعة أسابيع، راسلني في مارينباد، لأعرف كيف تقضي أيامك، وهل أنت مسرور في يينا. لقد طلبتُ من ابني أن يزورك هناك أثناء غيابي".
 
شعرت بالامتنان الشديد لغوته على رعايته الشديدة، وكنتُ سعيدا للغاية أن أراه يعتبرني واحداً من رعاياه، ورغبته أن أكون محل احترام.
 
السبت، 2 يونيو/ حزيران، ودعتُ غوته، وفي اليوم التالي ذهبتُ إلى يينا، حيث أقمتُ في مسكن ريفي، مع أناس جيدين ومحترمين للغاية. ولدى أسر فون كنيبل وفرومان، وجدتُ، بسبب من توصية غوته، استقبالاً وديّاً ومجتمعاً بالغ الثقافة. أحرزتُ أفضل ما يمكن من تقدم في العمل الذي أخذته بصحبتي، وكان من دواعي سروري أن أتلقى رسالة من السيّد النبيل كوتا، الذي لم يعلن فيها فقط استعداده لنشر مخطوطتي التي أرسلتُها، ولكن وعدني بمكافأة سخية، مضيفاً أنني شخصياً يجب أن أشرف على الطباعة في يينا.
 
وهكذا تم تأمين رزقي لمدة عام على الأقل، وشعرتُ بالرغبة الحية لإنتاج شيء جديد في هذا الوقت، وذلك حتى أتحصل على نجاحي المستقبلي ككاتب. تمنيت أن أنتهي بالفعل من كتابي "مساهمة من أجل الشعر"، بقسميه النظري والنقدي، حيث حاولتُ وضع وجهات نظر واضحة بشأن القوانين الرئيسية للفن، وحثتني طبيعتي الداخلية الآن إلى إنجاز تطبيق عملي، كما كانت لديَّ خططٌ لقصائد لا تُعدُّ ولا تُحصى، طويلة وقصيرة، وأيضاً دراما من مختلف الأنواع، وكان عليَّ الآن فقط أن أفكر في الطريقة التي يجب أن تتحول فيها للإنتاج، واحدة تلو الأخرى، مع الحصول على بعض الراحة لنفسي.
 
لم أكن راضياً تماماً في يينا. كانت حياتي هناك هادئة جداً ومتماثلة. لقد تقتُ إلى مدينة عظيمة، بالإضافة إلى امتلاكها مناخ مسرحي جيّد، تكون قد مضت قُدماً في تطوير حياة يمكن تقاسمها بين مجال واسع من الناس، بحيث يمكنني الاستيلاء على عناصر هامة من الحياة، وتطوير ثقافتي العقلية بأسرع ما يمكن. في مثل هذه البلدة أيضاً، كنتُ أتمنى أن أعيش خفيَّاً تماماً، وأن أكون حراً دائما لعزل نفسي من أجل إنتاج لا يعوقه عائق.
 
وفي الوقت نفسه، كنتُ قد وضعت مخططاً بخصوص الفهرس الذي رغب فيه غوته بشأن المجلدات الأربعة الأولى من "الفن والعصور القديمة"، وأرسلتُه إلى مارينباد في رسالة، أعربتُ فيها صراحة عن خططي ورغباتي، وقد تلقيتُ الإجابة في الأسطر التالية: 
 
"وصل الفهرس في الوقت المناسب تماماً، وقد تطابق تماماً مع رغباتي ونواياي، واسمح لي، عندما أعود، أن أجد انتقادات فرانكفورت مرتبة بطريقة مماثلة، وبالتالي أحصل على شكري العميق، الذي بالفعل دفعته بصمت مسبق، وذلك بأن تحمَّستُ لوجهات نظرك ووضعك ورغباتك وأهدافك وخططك، لحين أتمكن من العودة؛ وعند عودتي، أريد مناقشة أكثر فأكثر بخصوص رفاهك المستقبلي، ولن أقول اليوم أكثر من ذلك. إنَّ رحيلي من مارينباد يعطيني الكثير للتفكير فيه والقيام به، في حين أنَّ إقامتي، الوجيزة جداً، مع أشخاص من ذوي المصالح، سبَّبت لي مشاعر مؤلمة.
 
"أتمنى أن أجدك في تلك الحالة من النشاط الهادئ، والتي، بعد كل شيء، طوّرت وجهات نظرك عن العالم والخبرات في أنقى وأروع طريقة. مع السلامة. ابتهج معي في توقُّع تعارف لفترة أطول وأكثر حميمية".
 
غوته.
 
"مارينباد، 14 أغسطس 1823".
 
شعرتُ خلال هذه الأسطر من غوته، والتلقِّي الذي جعلني سعيداً للغاية، بالهدوء بخصوص للمستقبل. لقد جعلتني أقرر عدم اتخاذ أي خطوة لنفسي، بل أن استسلم كُليّاً لإرادته ومشورته. وفي الوقت نفسه، كتبتُ بعض القصائد الصغيرة، وانتهيتُ من ترتيب كتابات فرانكفورت النقدية، وأعربتُ عن رأيي بخصوصها في أطروحة قصيرة، موجَّهة إلى غوته. كنتُ أتطلع بحرص لعودته من مارينباد؛ بالنسبة لي كان كتابي "مساهمة من أجل الشعر" تقريباً في طور الطبع، ورغبتُ، بكل ما يمكن، إنعاش نفسي في هذا الخريف، من خلال الذهاب لبضعة أسابيع إلى الراين.
 
يينا، 15 سبتمبر 1823.
 
عاد غوته سالماً من مارينباد، ولكن، لأنَّ منزله في هذا المكان ليس مريحاً كما هو مطلوب، قال إنه سيبقى هنا فقط بضعة أيام. كان بصحة جيدة ونشيطاً، حتى إنه كان بمقدوره المشي لأميال طويلة، لقد كانت رؤيته أمراً مبهجاً بحق.
 
بعد تبادل تحيات بهيجة، بدأ غوته يتحدث عن شؤوني: -
 
"لنتحدث بصراحة،" ابتدأ حديثه، "أرغب في أن تقضي هذا الشتاء معي في فايمار". كانت هذه كلماته الأولى. واقترب مني وقال: "في ما يتعلق بالشعر والنقد، أنت في أفضل حالة ممكنة، لديك حس فطري بهما، وهي مهنتك التي يجب أن تلتزم بها، والتي سوف تجلب لك قريباً رزقاً وفيراً. لكن هناك أكثر من هذا، لا تتقيد بصرامة بهذا الفرع، هذا ما يجب أن تعرفه، ولكن، مع ذلك، النقطة العظيمة هي أنه لا يجب أن تنفق الكثير من الوقت على هذا، بل الحصول على أكثر من ذلك بسرعة. لهذا يجب أن تكون معنا هذا الشتاء في فايمار، وسوف تندهش من التقدم الذي ستقوم به قبل عيد الفصح، بحيث سيكون لديك الأفضل من كل شيء؛ لأنَّ أفضل وسيلة هي في يدي، وبالتالي ستكون قد وضعتَ أساساً متيناً للحياة. ستحقق شعورا بالراحة، وسوف تكون قادراً على الظهور في أي مكان واثقاً من نفسك".
 
سررتُ كثيرا بهذا الاقتراح، فأجبتُه أنني سأنظم نفسي بشكلٍ تام وفقاً لآرائه ورغباته.
 
واصل غوته حديثه: "سأقدم لك منزلاً في الجوار؛ لا يجب أن تمر أي لحظة غير مريحة خلال فصل الشتاء كله. كل ما هو جيد يجتمع هنا في فايمار، وسوف تجد تدريجياً، في المجتمعات الراقية، مجتمعاً يساوي الأفضل في كل ما في المدن العظيمة. وبالإضافة إلى ذلك، فإنَّ العديد من الرجال البارزين مرتبطين بي شخصياً، ومعهم سوف تصنع علاقات جيدة تدريجياً، وسو ف تجد أحاديثهم ذات درجة عالية من الفائدة والثقافة".
 
ثم ذكر غوته أسماء العديد من الرجال المتميزين، مشيراً، في بضع كلمات، للمزايا الخاصة بكلٍ منهم.
 
مواصلاً حديثه: '' أين في مكان آخر سوف تجد الكثير من الأمور الجيدة في مثل هذا الفضاء الضيق. كما أننا نمتلك مكتبة ممتازة، ومسرح، في متطلباته الرئيسية، لا يسفر عن الأفضل في مدن ألمانية أخرى. ومع ذلك أكرر ذلك- ابقَ معنا، ليس فقط لهذا الشتاء، ولكن اجعل فايمار موطنك. ومنها امضِ قدمًا عبر الطرق السريعة إلى جميع أنحاء العالم. في الصيف يمكنك السفر، وسنرى، شيئاً فشيئاً، ماذا تتمنى. لقد عشتُ هناك خمسين عاما، وأيّ مكان لم أذهب إليه؟ لكنني كنتُ دائما سعيداً بالعودة إلى فايمار".
 
كنتُ سعيداً جداً أن أكون مرة أخرى صحبة غوته، وسماعه يتحدث، وشعرتُ أنَّ نفسي كلها قد كُرِّست له. وفكرتُ أنه إذا كان بمقدوري فقط امتلاك هذا، فكل شيء سوف يسير على ما يرام معي. لذلك كررتُ له التأكيد أنني على استعداد للقيام بكل ما يراه صائباً، وذلك بعد وزن ظروفي الخاصة. 
 
يينا، الخميس، 18 سبتمبر 1823.
 
صباح الأمس، قبل عودة غوته إلى فايمار، حظيتُ بسعادة مقابلة أخرى معه.
 
ما قاله في ذلك الوقت كان بالغ الأهمية. بالنسبة لي كان شيئاً لا يقدر بثمن، وسوف يكون له تأثير مفيد على مجمل حياتي. بل يجب على جميع شعراء ألمانيا الشباب الإلمام به، إذ قد يكون ذا فائدة جليلة لهم.
 
ابتدر المحادثة بسؤالي عمّا إذا كنتُ قد كتبتُ أي قصائد في هذا الصيف. أجبتُه أنني قمتُ بالفعل بكتابة بعضها، ولكن على العموم كنت أفتقر إلى الشعور بالراحة المطلوبة للإنتاج. فقال: "حذار من محاولة إنجاز عمل كبير. هذا هو بالضبط ما يؤذي أفضل عقولنا، حتى تلك التي تتميز بأرقى المواهب والجهود الأكثر جدية. لقد عانيت من هذه القضية، وأعرف إلى أي مدى تأذيتُ منها. لِمَ لا أترك نفسي تسقط في القاع! إذا قمتُ بكتابة كل ما أستطيع، فإنَّ مائة من المجلدات لن تحويها. 
 
"سيكون للحاضر حقوقه. وسينبغي للأفكار والمشاعر التي تضغط يومياً على الشاعر أن يتم التعبير عنها. ولكن، إذا كان لديك عمل عظيم يدور في خلدك، لن يزدهر عداه شيئاً بالقرب منه، سيتم صدّ كل الأفكار الأخرى، بل سحر الحياة في حد ذاتها ستكون بمثابة وقتٍ ضائع. ما هو جهد ونفقة القوة العقلية المطلوبة لترتيب وإنهاء كلَّ عظيم، ومن ثم ما هي القوى، وما هو السكون، والمقام الذي يعُكِّر صفوه شيء، للتعبير عن ذلك بالطلاقة المناسبة. إذا أنتَ أخطأت في ما يخص الكلّ، ستفقد كل ما بذلته من عناء. وعلاوة على ذلك، إذا لم تروِّض جميع المواد التفصيليّة أثناء معالجتك لموضوع شديد الاتساع، سيأتي الكُلُّ مُختلاً، وستتلقى الاستهجان. وهكذا، بعد كلّ ما قدمه من كدحٍ وتضحية، يحصل الشاعر، بدلاً عن المكافأة والمتعة، على المشقّة والحدّ من قوته. ولكن إذا كان يغتنم حاضره بشكل يومي، ويعالج ما يتلقاه بنضارة شعور دائم، سيتأكد على الدوام من وجود شيء جيد، وحتى إذا أصابه الفشل في بعض الأحيان، فعلى الأقل، لن يفقد شيئاً.
 
================  
محادثات مع غوته
تأليف: يوهان بيتر إيكرمان
ترجمة من الألمانية للإنجليزية:  جون اوكسنفورد
ترجمة من الإنجليزية: سماح جعفر
 
تقوم «القرية الإلكترونية» بتكليف من الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، بترجمة يوميات من حياة "جوته"، المعنونة بـــ «محادثات مع غوته»، من تأليف: «يوهان بيتر إيكرمان*»، وهي عبارة عن يوميّات كتبها "إيكرمان" عن السنوات الأخيرة من حياة شاعر ألمانيا الكبير «غوته Goethe»، وتمت ترجمتها من الألمانية للإنجليزية بواسطة «جون أوكسنفورد»، وترجمها من الإنجليزية إلى العربية: «طارق زياد شعار»، وسوف نقوم بنشرها على حلقات تباعاً هنا في الصفحة نأمل أن تحوز إعجابكم.
*«يوهان بيتر إيكرمان» Johann Peter Eckermann 1792-1854: عمل كأمين خاص لجوته في الفترة الأخيرة من حياة الأخير. وسرعان ما أصبح كتابه محادثات مع غوته، ذو شعبية تخطت الحدود الألمانية، ولعب دوراً مهما في إحياء الاهتمام والتقدير لأعمال جوته في وقت لاحق.
 
#محمد_أحمد_السويدي_ترجمة_محادثات_مع_غوته

        محادثات مع غوته | الجزء الثاني     الاثنين، 9 فبراير، 1823.   وجدتُ غوته هذا المساء وحده في المنزل، كان يديرُ محادثة مع ماير. كنتُ أطالع ألبوماً ينتمي لأوقات في الماضي، يحتوي على كتابة بخطّ اليدِ للعديد من الرجال المشهورين، مثل لوثر، إيراسموس، موشيم، وغيرهم. وقد كتب الأخير الكلمات الرائعة التالية باللغة اللاتينيّة:"الشُهرة هي مصدر الكرب والحزن؛ بينما تكمن السعادة في البقاء في الظلام".   الاثنين، 23 فبراير، 1823.   استمرّ غوته لعدة أيام مريضاً على نحو خطير. بالأمس كان في حالة ميؤوس منها. ومع ذلك، في هذا اليوم جاءت الأزمة التي يبدو أنها أنقذته. لكنه هذا الصباح استمر في القول إنه يائس. لاحقاً، في الظهيرة، قال إنه يخالجه الأمل في التعافى؛ ومرة أخرى، مع مجيء المساء، قال إنه في حال نجا، ولابد من السماح بذلك، لرجل عجوز، سيقوم  بمخاطرة عالية جداً.   الثلاثاء، 24 فبراير، 1823.   كان هذا اليوم باعثاً على القلق في ما يخصَ غوته، لأنَّ الظهيرة لم تشهد تحسُّناً مماثلاً لما كان عليه الأمس. وفي نوبة ضعف أخبر زوجة ابنه: "أشعر أنَّ اللحظة التي تصطرع فيها الحياة والموت قد ابتدأت داخلي". ومع ذلك، في المساء، استحوذ المرض على وعيه الفكري الكامل، حتى إنه أظهر خفة لعوبة.  "أنت خجول جداً مع العلاجات الخاصة بك"، قال لرحبين. ''كنتَ بخيلاً معي كثيراً: عندما يكون لديك مريضٌ مثلي، يجب على المرء أن يعمل قليلاً بأسلوب نابليون"، ثم شرب كوباً كاملاً من مُستخلص نبات العطاس المغلي، الذي استخدمه هوسكه في اللحظات العصيبة من يوم الأمس، وكانت قد أظهرت بشائر إيجابية. أعطى غوته وصفًا جميلًا لهذا النبات، مطرياً بحماس تأثيره. قيل له إنَّ الأطباء لن يسمحوا للدوق الأكبر برؤيته: فهتف غوته: "هل أنا الدوق الكبير". "لقد سألت عنك كثيرا، وأزعجت نفسي بخصوصك". وفي تلك اللحظة شعر أنه أفضل حالاً، وعندما بدا صدره أقل إرهاقاً، بدأ بالتحدث بسهولة وإدراك واضحيْن، وعندها همس رحبين في أذن شخص جالس دون أن ينبس ببنت شفة: "إنَّ التنفس الأفضل يجلب معه بشكل عام إلهاماً أفضل". غوته، الذي سمع هذا القول، هتف على الفور بنبرة سارة جدا، "كنتُ أعرف ذلك منذ فترة طويلة، ولكن هذه الحقيقة لا تنطبق عليك أيها الضال". جلس غوته مستقيمًا على سريره، مواجهاً الباب المفتوح ناحية الغرفة التي ينجز فيها أعماله، حيث اجتمع أصدقاؤه المقربون دون علمه. بدت لي ملامحه متغيرة قليلا. كان صوته واضحًا وجليَّاً، ومع ذلك كان هناك وقارٌ في لهجته مثل ذلك الذي لرجلٍ يحتضر. حيث قال لأبنائه: "تعتقدون أنني أتحسن، ولكنكم تخدعون أنفسكم". سعينا بطريقة مرحة لإخراجه من مخاوفه، وبدا أنه أخذ الأمر بحسٍّ ساخر. كان عدد أكبر من الأشخاص يدخلون الغرفة باستمرار، الأمر الذي رأيته غير صائبٍ بأي حال من الأحوال، لأنَّ وجود عدد كبير من الناس يفسد الهواء دون مبرر، ويعيق الحاضرين عن المريض. لم أستطع أن أتحدث عن ذلك، لذا نزلت إلى الغرفة السفلى، حيث أرسلتُ نشراتي إلى سموها الإمبراطوري. وقد أيَّد غوته فكرة إعطاء تقرير عن العلاج الذي مُنح له حتى الوقت الحاضر؛ كما قرأ أيضاً قائمة بالأشخاص الذين استفسروا بشأن حالته الصحية، وكان عددهم اليومي كبير جدًا. بعد ذلك استقبل الدوق الكبير، ولم يبْدُ مرهقاً خلال زيارته. وجدتُ عدداً أقل من الأشخاص في غرفة عمله في هذا اليوم. وبعد ذلك لاحظتُ، بفرح، أنَّ ملاحظتي التي كتبتها بالأمس كانت مثمرة بطريق جيدة. والآن بعد أن زال المرض، يبدو أنَّ الناس يخشون العواقب. كانت يده اليسرى متورمة، ويبدو أنَ هناك تهديدات بأعراض داء الاستسقاء. لم نعرف لبعض أيام النتيجة النهائية للمرض. اليوم، للمرة الأولى، استفسر غوته عن أحد أصدقائه؛ ماير، الذي يُعتبر أقدم صديق له. وقال إنه يود أن يُريه الميدالية النادرة التي حصل عليها من بوهيميا، والتي كانت مصدر بهجة له. جئتُ عند الساعة الثانية عشرة ظهراً. وعندما سمع غوته نبأ وصولي، دعاني إلى جانبه. أعطاني يده، قائلا: "أنت ترى شخصاً بُعِث من بين الأموات". ثم كلفني أن أشكر صاحبة السمو الامبراطوري على التعاطف الذي أبدته خلال مرضه. "انتعاشي سيكون بطيئًا جدا"، وأضاف، "ولكن، على الرغم من ذلك، سيكون الأطباء هم من يتلقى شرف المعجزة الصغيرة التي فعلوها لي". بعد بضع دقائق انسحبت. كان لون بشرته جيدًا. إلا أنَّ جسده نحل كثيراً، ولا يزال يتنفس بقليل من الألم. ويبدو لي أنه يتحدث بصعوبة أكبر مما كان عليه الأمر بالأمس. وكان تورم الذراع اليسرى واضحاً جداً. كما كان يبقي عينيه مغلقتين، ويفتحهما فقط عندما يتحدث.       الاثنين، 2 مارس، 1823.   كنتُ هذا المساء في منزل غوته، الذي لم أكن قد رأيته لعدة أيام. جلس على أريكته، وكانت معه ابنته وريمر. كانت صحته أفضل بشكل لافت للنظر. وقد انتعش صوته وعاد لنبرته الطبيعية. كما كان تنفسه حرّاً. ولم تعد يده منتفخة. وظهر مرة أخرى على ما كان عليه في حالته الصحية. كما كان حديثه سهلا. قام من على الكرسي ومشى إلى غرفة نومه وعاد دون أي مجهود. احتسينا معه الشاي؛ ولأنها كانت المرة الأولى، وبَّخت زوجة غوته بمرح بسبب نسيانها وضع باقة زهور منعشة على صينية الشاي. بسرعة، أخذت شريطاً ملوناً من قبعتها، وربطته على جرة الشاي. ويبدو أنَّ هذه النكتة قد منحت غوته سروراً كبيراً. بعدها قمنا بمعاينة مجموعة من المجوهرات المقلدة تلقاها الدوق الأكبر من باريس.    السبت، 22 مارس، 1823.     في يوم احتفال استعادة غوته عافيته، تمّ تقديم مسرحية "تاسو" على المسرح، مع مقدمة كتبها ريمر، وألقتها فراو فون هيجندورف على مسمع الجمهور. زُيِّن تمثال غوته النصفي بتاج مصنوع من الغاردينيا وسط إعجاب صاخب من المتفرجين المتحمسين. بعد انتهاء الأداء، ذهبت فراو فون هيجندورف إلى منزل غوته. وكانت لا تزال في زي ليونورا، وقدَّمتْ إلى غوته تاج تاسو. حيث أخذه وزيَّن به تمثالًا نصفيًا للدوقة الكسندرا.   الأربعاء، الأول من أبريل ، 1823.   أحضرت لغوته من صاحبة السمو الإمبراطوري عدداً من "مجلة ديس موديس" الفرنسية، والتي نشرت مناقشات بخصوص ترجمة أعماله، وفي هذه المناسبة تحدثنا عن كتاب "ابن أخ راماو" الذي فُقد منذ زمن طويل. حيث يعتقد العديد من الألمان أنَّ الأصل لم يوجد قطّ، وأنّ الكتاب هو من اختراع غوته الخاص. ومع ذلك، أكّد غوته أنه كان من المستحيل بالنسبة له تقليد أسلوب ديدرو المفعم بالحيوية وطريقة عمله، وأنَّ النسخة الألمانية من راماو ليست سوى ترجمة مخلصة جداً للأصل الفرنسي.     الجمعة 3 أبريل 1823.   قضينا جزءًا من هذا المساء لدى غوته، وذلك رفقة السيِّد كودراي، المهندس المعماري الحكومي. تحدثنا عن المسرح، والتحسينات التي طرأت عليه مؤخرا.  "لقد لاحظتُ ذلك دون الذهاب إلى هناك"، قال غوته ضاحكاً. " قبل شهرين كان أطفالي يعودون دائمًا إلى منزلهم في حالة من المزاج السيئ، غير راضين بتاتاً عن الترفيه الذي تم تقديمه، ولكنهم الآن يسلكون بصورة مختلفة، يأتون وعلى محياهم إطلالة بهيجة، لأنهم يستطيعون، من حين لآخر، إطلاق صرخة استحسان. بالأمس مُنِحوا هذه ''المتعة في البكاء*" عند مشاهدتهم دراما لكوتزيبو.   الاثنين، 13 أبريل، 1823.   هذا المساء كنتُ وحدي مع غوته. تحدثنا عن الأدب، واللورد بايرون، ومسرحياته ساردانابالوس وفيرنر. ثم عرجنا بالحديث عن فاوست، وهو موضوع يتحدث عنه غوته بشكل متكرر ورغبة. وأعرب عن رغبته ترجمته إلى الفرنسية، بأسلوب فترة ماروت. كما اعتبرها المصدر الذي استمد منه بايرون نبرة "مانفريد". يعتقد غوته أنَّ بايرون قد أحرز تقدمًا في مسرحيتيه المأساويتين الأخيرتين؛ وذلك بسبب أنهما تبدوان أقل قتامة وكراهية لبني البشر. تحدثنا بعد ذلك عن نص "زوبرفلوت"، الذي كتب غوته تكملة له. لكنه لم يجد بعد مؤلفًا موسيقيًا لمعالجة هذا الموضوع بشكل صحيح. كما اعترف بأنَّ الجزء الأول الشهير مليء بالاحتمالات والدعابات التي لن يستطيع الجميع فهمها وتقديرها؛ قائلاً إنه لا يزال يتعين علينا السماح للمؤلف في جميع الأحداث أن يفهم، إلى حد كبير، فن إنتاج آثار مسرحية كبيرة عن طريق التناقضات.   الأربعاء، 15 أبريل، 1823   كنتُ هذا المساء لدى غوته، بصحبة الكونتيسة كارولين إغلوفستين. مزح غوته بشأن الروزنامات الألمانية، وبعض المنشورات الدورية الأخرى. حيث جميعها مُجتاحة بالمشاعر السخيفة، التي تشكِّل الضروريات اليومية والحالة السائدة للأشياء. ألقت الكونتيسة بملاحظة أنَّ الروائيين الألمان هم من ابتدأ الأمر، عن طريق إفساد ذوق القراء العديدين؛ والآن القراء يفسدون الروائيين، لأنه، من أجل العثور على ناشر لمخطوطاتهم، يجب أن يتوافقوا والذوق السيئ السائد للجمهور.    الأحد، 26 أبريل، 1823.   وجدتُ كودري وماير لدى غوته. تحدثنا عن مواضيع مختلفة. حيث ذكر غوته، بين أمور اخرى أنَّ "مكتبة الدوق الكبير تحتوي على مجسَّم لكرة أرضية، صنعها رجل إسباني في عهد تشارلز الخامس، وتوجد على سطحها بعض النقوش الرائعة، على شاكلة، (الصينيُّون شعب يحمل تشابهاً قوياً مع الألمان)".   واصل غوته الحديث: "في الماضي، تم تصوير الصحارى الإفريقية على الخرائط، مع تمثيل للحيوانات البريّة، بينما في الوقت الحاضر، تمَّ التخلي عن هذا العرف، وفضَّل الجغرافيون تركنا مع تفويض كامل".   الأربعاء، 6 مايو، 1823.   هذا المساء لدى غوته، سعى لإعطائي فكرة عن نظريته بشأن الألوان. حيث قال لي إنَّ "الضوء بأي حال من الأحوال يتكون من ألوان مختلفة، وليس بوسع الضوء وحده إنتاج أي لون؛ لأنَّ ذلك يتطلب تعديلًا معيَّنًا ومزجًاً للضوء والظل".    الثلاثاء، 13 مايو، 1823.   وجدتُ غوته منهمكاً بجمع قصائده القصيرة وخطبه القصيرة (Blättchen) لأشخاص. حيث قال: "في وقت سابق، عندما كنت أكثر إهمالاً لأشيائي وأهملت صنع نسخ، فقدت المئات من هذه المقاطع الشعرية".   الاثنين، 2 يونيو ، 1823.   كان المستشار ريمر وماير موجودين مع غوته. ناقشنا قصائد بيرنجر. وعلق غوته على ذلك، وأعاد صوغ بعضها، بأصالة كبيرة وروح دعابة جيدة.   ثم تحولت المحادثة إلى العلوم الطبيعية (الفيزياء) وعلم الأرصاد الجوي. كان غوته على وشك العمل على نظرية حول الطقس، سوف يعزي فيها بشكل تام صعود وهبوط مقياس الضغط الجوي لعمل الأرض، وجذبها وصدها للغلاف الجوي.   واستمر غوته بالحديث، قائلاً: "إنَّ رجال العلم، وخاصة الرياضيايين، لن يفوتوا اعتبار أفكاري سخيفة تماماً، أو سيقومون بما هو أفضل: سيتجاهلونها بشكل فظيع، ولكن هل تعرفون لماذا؟ لأنهم يقولون إنني لست واحداً من أهل الحرفة ".    أجبتُه: "إنَّ الروح الطائفيّة التي تتلقى العلم الاحترافي تكون متسامحة جداً، فعندما تنجح الأخطاء في التسلُّل إلى نظرياتهم وتنتقل عبرها، يجب أن نبحث عن السبب في ذلك: هذه الأخطاء انتقلت إليهم كعقائد/ دوغما، في الوقت الذي كانوا هم أنفسهم لا يزالون جالسين على مقاعدهم المدرسية".    "هذا صحيح"، هتف غوته؛ "يتصرف رجالك المتعلمون مثل ورّاَقي فايمار. التحفة المطلوبة منهم ليتم قبولهم في النقابة ليست صنع غلاف كتاب جميل، في أحدث أسلوب؛ لا؛ الحقيقة أبعد عن ذلك. يجب أن يتم توفير دائم للكتاب المقدس بورق سميك، حسب الموضة الموجودة قبل سنتين أو ثلاثمائة سنة، مع أغلفة غير متقنة، وبجلد قوي. هذه مهمة سخيفة. ولكن سيصعب الأمر مع العامل ال فقير إذا كان عليه التأكيد أنَّ مفتشيّ عمله من الحمقى الجاهلين.   فايمار، 10 يونيو 1823*   وصلتُ إلى هنا قبل بضعة أيام، ولكن لم أرَ غوته حتى يومنا هذا. استقبلني بمودة عظيمة؛ وقد كان الانطباع الذي بلغني منه على هذا القبيل، لذا اعتبر هذا اليوم واحداً من أسعد أيام حياتي.   بالأمس، عندما سألتُ مُستعلماً، قال إنه سيكون سعيداً برؤيتي في هذا اليوم في تمام الساعة الثانية عشرة. ذهبتُ في الوقت المُحدَّد، فوجدتُ خادماً ينتظرني، وقادني إلى مكان جلوسه.   منحني المنزل من الداخل انطباعاً لطيفاً للغاية. دون أن يكون مبهرجاً، كان كل شيء بسيطًا للغاية ونبيلاً. حتى منحوتات التماثيل العتيقة، الموضوعة على الدرج، كانت تشير إلى تحيُّز غوته الخاص بالفن التشكيلي، والأشياء المتعلقة بما هو إغريقي. رأيتُ العديد من السيدات يتحركن بهمّة في الجزء السفلي من المنزل، وكذلك واحداً من أولاد أوتيليا الجميلين، الذي جاء صوبي بشكل حميمي، ونظر في وجهي مليَّاً.   بعد أن ألقيتُ نظرة من حولي، صعدتُ الدرج، مع خادم ثرثار جداً، إلى الطابق الأول. وفتح غرفة، على عتبتها انتصب شعار ترحيب يمنح فألاً حسناً بالوديّة. قادني الخادم من خلال هذه الشقة وقام بفتح أخرى، أكثر اتساعاً إلى حدّ ما، حيث طلب مني الانتظار، لحين الذهاب وإعلان قدومي لسيده. كان الهواء أكثر برودة وإنعاشاً. على الأرض تم نشر سجّاد: وتم تأثيث الغرفة بصوف قرمزي وكراسي، أعطت طابعا ذا بهجة. على أحد الجوانب كان هناك بيانو. بينما تزيّنت الجدران بالعديد من الصور والرسومات، من مختلف الأنواع والأحجام.   من خلال الباب المفتوح المقابل، رايتُ غرفة أخرى أبعد، معلقة على جدرانها أيضا مجموعة من الصور، عبر خلالها الخادم ليعلن عن وصولي. لم يمض وقت طويل قبل أن يأتي غوته، يرتدي معطفاً أزرق، وحذاء. يا له من مظهر مهيب! أورث فيّ انطباعاً مفاجئاً. لكن سرعان ما تبدَّد كل عدم الارتياح بسبب كلماته الطيبة. جلسنا على الأريكة. شعرت بحيرة سعيدة من خلال نظراته ووجوده، ويمكنني أن أقول القليل أو لا شيء.   بدأ بالتحدُّث عن مخطوطتي. "لقد قمتُ للتو بقراءتها"، مُخبرني أنه؛ ''أنفق كلّ الصباح في قراءة كتابتي؛ ووجد أنها لا تحتاج توصية- فهي تُذكّي نفسها". كما أشاد بصراحة الأسلوب، وتدفق الفكر، وميزتها الخاصة، كل هذا يستند على أساس متين، وقد تم التمعُّن فيه بدقة". كما قال: "سأقدمه قريبًا. سأكتب اليوم إلى الناشر كوتا عن طريق البريد، وسأرسل الطرود في الغد". قدمتُ له شكري مستخدماً الكلمات والمظهر.   ثم تحدثنا عن رحلتي المُقتَرحة. فأخبرته عن تصميمي الذهاب إلى راينلاند، حيث أنوي البقاء في مكان مناسب، من أجل كتابة شيء جديد. لكن، أولاً، سأذهب إلى يينا، حيث سانتظر رد السيّد كوتا.   سألني غوته عما إذا كان لديَّ معارف في يينا. أجبته بأنني آمل أن أتواصل مع السيّد كنيبيل؛ فوعدني بكتابة رسالة تضمن لي استقبالاً أكثر ملاءمة. "في الواقع"، أخبرني، "بينما ستكون في يينا، سنكون جيران قريبين، حيث يمكننا اللقاء أو المراسلة بقدر ما نشاء".   جلسنا لفترة طويلة سويَّاً، في مزاج حنون وهادئ. كنت أجلس قريباً منه. لقد نسيتُ أن أتكلم عن النظر إليه- لم أستطع أن أنظر ما يكفي. كان وجهه قوياً جداً ذا لون بنّي! ممتلئًا بالتجاعيد، وكلّ تجعيدة ممتلئة التعبير! وفي كل مكان هناك مثال على النبل والحزم، يا له من سكون وعظمة! كان يتحدث بطریقة بطيئة ورباطة جأش، مثلما تتوقعون من ملكٍ مُسنّ. ومن خلال هيئته تدرك أنه يعتمد على نفسه، ويرتفع فوق كل ثناء لوم. كنت سعيداً للغاية بالقرب منه. شعرت بعدم القدرة على الحركة مثل شخص، بعد كثير عناء وتوقعات مملة، بلغ أخيراً الإشباع في أعز تمنياته.   ثم تحدث عن رسالتي، وأشار إلى أنني على حقٍّ تام، قائلاً إنه إذا كان يمكن للمرء أن يعالج مسألة واحدة بوضوح، سيكون مجهزاً لأشياء كثيرة إلى جانب تلك المسألة. كما أخبرني أنَّ "لا أحد يستطيع قول شيء عمّا قد تؤول إليه هذه". "لدي العديد من الأصدقاء الطيبين في برلين، وقد فكرت في الآونة الأخيرة فيك بهذا الصدد". هنا ابتسم بسرور لنفسه. ثم أشار إلى ما يجب أن أشاهده في فايمار، مؤكداً رغبته أن يكون السكرتير كروتر دليلي السياحي. وقبل كل شيء، لا يجب عليَّ إهمال زيارة المسرح. ثمّ سألني عن مكان إقامتي، قائلاً إنه يود أن يراني مرة أخرى، وسيقوم بطلب مقابلتي في الوقت المناسب.   شددنا على أيدينا في وداع حنون. كنتُ سعيداً بصورة فائقة؛ فكل كلمة من حديثه كانت تنضح باللطف، وشعرتُ أنه كان يبدي نحوي نية طيبة.   الأربعاء، 11 يونيو 1823.   هذا الصباح تلقيتُ بطاقة من غوته، كتبها بخط يده، يُبدي فيها رغبته أن آتي لزيارته. ذهبتُ وبقيت معه لمدة ساعة. كان يبدو رجلاً مختلفاً تماماً عمّا كان عليه في الأمس، حيث تظهر عليه إمارات تصميم وتهور الشباب.   دخل غوته وهو يحمل كتابين من الحجم الكبير. وقال: "ليس من الجيد أن ترحل عنّا في القريب دون أن نتعرف على نحو أفضل، وأتمنى أن أجد سانحة فسيحة وافرة لرؤيتك والتحدث معك، ولكن، بما أنَّ مجال العموميات واسع جدا، فكّرتُ في شيء محدد، قد يكون بمثابة أرضية مشتركة للقاء. يضم هذان المجلدان إشعارات فرانكفورت الأدبية (FrankfurterGelehrte Anzeigen) لسنوات 1772 و1773، ستجد بينها تقريباً جميع الكتابات النقدية القليلة التي كتبتُها في ذلك الوقت. هذه ليست علامة، ولكن، بما أنك تألف أسلوبي ونبرة فكري، فسوف تميزها بسهولة من بين كتابات الآخرين. أودُّ أن تفحص عن كثب بعض الشيء إنتاجات الشباب هذه، وتخبرني عن رأيك فيها. أرغبُ في معرفة ما إذا كانت تستحق موضعاً في طبعة مقبلة من أعمالي. تقف هذه الأعمال على مسافة بعيدة عن ذاتي الراهنة، حيث لم يعد لديَّ أي حكم حولها. ولكن يمكنكم أنتم، الأصغر سنّاً، معرفة ما إذا كانت تملك أي قيمة، وإلى أي مدى تناسب وجهة نظرنا الأدبية الحالية. لديَّ بالفعل مقاطع مأخوذة منها، يمكنك مقارنتها لاحقاً مع النسخ الأصلية. بعد ذلك، ومن خلال مسح دقيق، قد نتحقق حول ما إذا كانت توجد هنا وهناك بعض التوافه التي يجب إزالتها، أو تحسينها ببعض الإضافات، دون إصابة الطابع العام لمجمل العمل".   أجبتُه بأنني سأحاول بكل سرور، وأن لا شيء يمكن أن يثلج صدري أكثر من المضي قدما وفقاً لنيته.   عندها قال: ''سوف تجد نفسك مؤهلاً تماماً، وعندما تشرع في العمل؛ ستجد نفسك تعمل عليه بشكل فطري جداً".   ثم قال لي إنه يعتزم الانطلاق إلى مارينباد خلال أسبوع، وأنه سيكون سعيداً في حال تمكنتُ من البقاء في فايمار حتى ذلك الحين؛ حيث سيكون بمقدورنا اللقاء، ونصبح أكثر إلماماً ببعضنا البعض.   "أتمنى أيضاً"، قال، "أن تقضي في يينا ليس بضعة أيام أو أسابيع فحسب، بل أن تكون موجوداً كل فصل الصيف، حتى أعود من مارينباد نحو الخريف، وبالفعل كتبتُ بخصوص توفير سكن لك، وغيرها من الأشياء الضرورية لجعل إقامتك مريحة وممتعة".   "سوف تجد هنا معظم الموارد والوسائل لمزيد من الدراسات، وكذلك دائرة اجتماعية مثقفة جداً. إلى جانب ذلك، تتوفر في البلاد الكثير من المنحدرات، التي قد تبلغ خمسين ممشى، كل واحد مختلف عن الآخرين، جميعها ساحر، وكلها تقريبا مناسبة للتأمل دون وجود عائق. سوف تجد هناك الكثير من الترفيه والفرص لكتابة العديد من الأشياء الجديدة الخاصة بك، وأيضاً لإنجاز مشاريعي".   لم يكن بمستطاعي أن أعترض على هذه المقترحات الجيدة، فوافقت عليها بكل سرور. وعندما غادرتُ كان ودياً بشكل خاص، وقال إنه قد حدَّد ساعة أخرى بعد غدٍ لمزيد من الحديث.   الاثنين، 16 يونيو، 1823.   في الآونة الأخيرة كنت أتواجد في كثير من الأحيان مع غوته. اليوم، تحدثنا أساساً عن الأعمال. وقد أعلنت أيضاً عن رأيي في الكتابات النقدية المُضمّنة في إشعارات فرانكفورت الأدبية، حيث وصفتُها بأنها تشكل أصداءً لسنواته الأكاديمية، وهو التعبير الذي يبدو أنه أرضاه، لأنه يمثل وجهة النظر التي ينبغي أن ينظر عبرها لمنتجات الشباب هذه.   ثم أعطاني أول أحد عشر عدداً من "الفن والعصور القديمة" (Kunst und Alterthum)،  لأحملهما معي إلى يينا، جنباً إلى جنب مع إشعارات فرانكفورت الأدبية لتكون مهمة ثانية لي.   وأخبرني قائلاً "أرغب أن تدرس بعناية هذه الأعداد، ليس فقط أن تعمل على وضع فهرسٍ عامٍ للمحتويات، ولكن أيضاً تعيين المواضيع التي لم تمضِ نحو خلاصتها، حيث ربما أستطيع معرفة المواضيع التي يجب أن آخذها مرة أخرى وأطيل فيها. سيمثل هذا عوناً كبيراً بالنسبة لي، وميزة بالنسبة لك، حيث، بهذه الطريقة العملية، سوف تراقب بدقة أكبر وتدرك مغزى كل أطروحة بعينها، وليس عن طريق الإطلاع الشائع الذي ينظمه مجرد الميل".   وجدتُ هذه الملاحظات حكيمة، وأخبرته أنني سوف أتعهد عن طيب خاطر بهذا العمل أيضاً.   الخميس، 19 يونيو، 1823.   كان عليَّ الذهاب إلى يينا هذا اليوم. ولكن بالأمس طلب مني غوته بجدية أن أبقى حتى يوم الأحد، ومن ثم الذهاب بعدها. بالأمس أعطاني رسائل تزكية، وواحدة أخرى لأسرة فرومان. ''سوف تستمتع بمحيطهم الاجتماعي". "لقد قضيتُ العديد من الأمسيات الممتعة هناك، حيث زارهم العديد من رجال ألمانيا الموقرين؛ جان بول، تيك، آل شليجل؛ دائما تصحبهم البهجة. وحتى الآن يعتبر منزلهم نقطة التقاء العديد من الرجال المتعلمين والفنانين، وغيرهم من نجوم المجتمع. في غضون بضعة أسابيع، راسلني في مارينباد، لأعرف كيف تقضي أيامك، وهل أنت مسرور في يينا. لقد طلبتُ من ابني أن يزورك هناك أثناء غيابي".   شعرت بالامتنان الشديد لغوته على رعايته الشديدة، وكنتُ سعيدا للغاية أن أراه يعتبرني واحداً من رعاياه، ورغبته أن أكون محل احترام.   السبت، 2 يونيو/ حزيران، ودعتُ غوته، وفي اليوم التالي ذهبتُ إلى يينا، حيث أقمتُ في مسكن ريفي، مع أناس جيدين ومحترمين للغاية. ولدى أسر فون كنيبل وفرومان، وجدتُ، بسبب من توصية غوته، استقبالاً وديّاً ومجتمعاً بالغ الثقافة. أحرزتُ أفضل ما يمكن من تقدم في العمل الذي أخذته بصحبتي، وكان من دواعي سروري أن أتلقى رسالة من السيّد النبيل كوتا، الذي لم يعلن فيها فقط استعداده لنشر مخطوطتي التي أرسلتُها، ولكن وعدني بمكافأة سخية، مضيفاً أنني شخصياً يجب أن أشرف على الطباعة في يينا.   وهكذا تم تأمين رزقي لمدة عام على الأقل، وشعرتُ بالرغبة الحية لإنتاج شيء جديد في هذا الوقت، وذلك حتى أتحصل على نجاحي المستقبلي ككاتب. تمنيت أن أنتهي بالفعل من كتابي "مساهمة من أجل الشعر"، بقسميه النظري والنقدي، حيث حاولتُ وضع وجهات نظر واضحة بشأن القوانين الرئيسية للفن، وحثتني طبيعتي الداخلية الآن إلى إنجاز تطبيق عملي، كما كانت لديَّ خططٌ لقصائد لا تُعدُّ ولا تُحصى، طويلة وقصيرة، وأيضاً دراما من مختلف الأنواع، وكان عليَّ الآن فقط أن أفكر في الطريقة التي يجب أن تتحول فيها للإنتاج، واحدة تلو الأخرى، مع الحصول على بعض الراحة لنفسي.   لم أكن راضياً تماماً في يينا. كانت حياتي هناك هادئة جداً ومتماثلة. لقد تقتُ إلى مدينة عظيمة، بالإضافة إلى امتلاكها مناخ مسرحي جيّد، تكون قد مضت قُدماً في تطوير حياة يمكن تقاسمها بين مجال واسع من الناس، بحيث يمكنني الاستيلاء على عناصر هامة من الحياة، وتطوير ثقافتي العقلية بأسرع ما يمكن. في مثل هذه البلدة أيضاً، كنتُ أتمنى أن أعيش خفيَّاً تماماً، وأن أكون حراً دائما لعزل نفسي من أجل إنتاج لا يعوقه عائق.   وفي الوقت نفسه، كنتُ قد وضعت مخططاً بخصوص الفهرس الذي رغب فيه غوته بشأن المجلدات الأربعة الأولى من "الفن والعصور القديمة"، وأرسلتُه إلى مارينباد في رسالة، أعربتُ فيها صراحة عن خططي ورغباتي، وقد تلقيتُ الإجابة في الأسطر التالية:    "وصل الفهرس في الوقت المناسب تماماً، وقد تطابق تماماً مع رغباتي ونواياي، واسمح لي، عندما أعود، أن أجد انتقادات فرانكفورت مرتبة بطريقة مماثلة، وبالتالي أحصل على شكري العميق، الذي بالفعل دفعته بصمت مسبق، وذلك بأن تحمَّستُ لوجهات نظرك ووضعك ورغباتك وأهدافك وخططك، لحين أتمكن من العودة؛ وعند عودتي، أريد مناقشة أكثر فأكثر بخصوص رفاهك المستقبلي، ولن أقول اليوم أكثر من ذلك. إنَّ رحيلي من مارينباد يعطيني الكثير للتفكير فيه والقيام به، في حين أنَّ إقامتي، الوجيزة جداً، مع أشخاص من ذوي المصالح، سبَّبت لي مشاعر مؤلمة.   "أتمنى أن أجدك في تلك الحالة من النشاط الهادئ، والتي، بعد كل شيء، طوّرت وجهات نظرك عن العالم والخبرات في أنقى وأروع طريقة. مع السلامة. ابتهج معي في توقُّع تعارف لفترة أطول وأكثر حميمية".   غوته.   "مارينباد، 14 أغسطس 1823".   شعرتُ خلال هذه الأسطر من غوته، والتلقِّي الذي جعلني سعيداً للغاية، بالهدوء بخصوص للمستقبل. لقد جعلتني أقرر عدم اتخاذ أي خطوة لنفسي، بل أن استسلم كُليّاً لإرادته ومشورته. وفي الوقت نفسه، كتبتُ بعض القصائد الصغيرة، وانتهيتُ من ترتيب كتابات فرانكفورت النقدية، وأعربتُ عن رأيي بخصوصها في أطروحة قصيرة، موجَّهة إلى غوته. كنتُ أتطلع بحرص لعودته من مارينباد؛ بالنسبة لي كان كتابي "مساهمة من أجل الشعر" تقريباً في طور الطبع، ورغبتُ، بكل ما يمكن، إنعاش نفسي في هذا الخريف، من خلال الذهاب لبضعة أسابيع إلى الراين.   يينا، 15 سبتمبر 1823.   عاد غوته سالماً من مارينباد، ولكن، لأنَّ منزله في هذا المكان ليس مريحاً كما هو مطلوب، قال إنه سيبقى هنا فقط بضعة أيام. كان بصحة جيدة ونشيطاً، حتى إنه كان بمقدوره المشي لأميال طويلة، لقد كانت رؤيته أمراً مبهجاً بحق.   بعد تبادل تحيات بهيجة، بدأ غوته يتحدث عن شؤوني: -   "لنتحدث بصراحة،" ابتدأ حديثه، "أرغب في أن تقضي هذا الشتاء معي في فايمار". كانت هذه كلماته الأولى. واقترب مني وقال: "في ما يتعلق بالشعر والنقد، أنت في أفضل حالة ممكنة، لديك حس فطري بهما، وهي مهنتك التي يجب أن تلتزم بها، والتي سوف تجلب لك قريباً رزقاً وفيراً. لكن هناك أكثر من هذا، لا تتقيد بصرامة بهذا الفرع، هذا ما يجب أن تعرفه، ولكن، مع ذلك، النقطة العظيمة هي أنه لا يجب أن تنفق الكثير من الوقت على هذا، بل الحصول على أكثر من ذلك بسرعة. لهذا يجب أن تكون معنا هذا الشتاء في فايمار، وسوف تندهش من التقدم الذي ستقوم به قبل عيد الفصح، بحيث سيكون لديك الأفضل من كل شيء؛ لأنَّ أفضل وسيلة هي في يدي، وبالتالي ستكون قد وضعتَ أساساً متيناً للحياة. ستحقق شعورا بالراحة، وسوف تكون قادراً على الظهور في أي مكان واثقاً من نفسك".   سررتُ كثيرا بهذا الاقتراح، فأجبتُه أنني سأنظم نفسي بشكلٍ تام وفقاً لآرائه ورغباته.   واصل غوته حديثه: "سأقدم لك منزلاً في الجوار؛ لا يجب أن تمر أي لحظة غير مريحة خلال فصل الشتاء كله. كل ما هو جيد يجتمع هنا في فايمار، وسوف تجد تدريجياً، في المجتمعات الراقية، مجتمعاً يساوي الأفضل في كل ما في المدن العظيمة. وبالإضافة إلى ذلك، فإنَّ العديد من الرجال البارزين مرتبطين بي شخصياً، ومعهم سوف تصنع علاقات جيدة تدريجياً، وسو ف تجد أحاديثهم ذات درجة عالية من الفائدة والثقافة".   ثم ذكر غوته أسماء العديد من الرجال المتميزين، مشيراً، في بضع كلمات، للمزايا الخاصة بكلٍ منهم.   مواصلاً حديثه: '' أين في مكان آخر سوف تجد الكثير من الأمور الجيدة في مثل هذا الفضاء الضيق. كما أننا نمتلك مكتبة ممتازة، ومسرح، في متطلباته الرئيسية، لا يسفر عن الأفضل في مدن ألمانية أخرى. ومع ذلك أكرر ذلك- ابقَ معنا، ليس فقط لهذا الشتاء، ولكن اجعل فايمار موطنك. ومنها امضِ قدمًا عبر الطرق السريعة إلى جميع أنحاء العالم. في الصيف يمكنك السفر، وسنرى، شيئاً فشيئاً، ماذا تتمنى. لقد عشتُ هناك خمسين عاما، وأيّ مكان لم أذهب إليه؟ لكنني كنتُ دائما سعيداً بالعودة إلى فايمار".   كنتُ سعيداً جداً أن أكون مرة أخرى صحبة غوته، وسماعه يتحدث، وشعرتُ أنَّ نفسي كلها قد كُرِّست له. وفكرتُ أنه إذا كان بمقدوري فقط امتلاك هذا، فكل شيء سوف يسير على ما يرام معي. لذلك كررتُ له التأكيد أنني على استعداد للقيام بكل ما يراه صائباً، وذلك بعد وزن ظروفي الخاصة.    يينا، الخميس، 18 سبتمبر 1823.   صباح الأمس، قبل عودة غوته إلى فايمار، حظيتُ بسعادة مقابلة أخرى معه.   ما قاله في ذلك الوقت كان بالغ الأهمية. بالنسبة لي كان شيئاً لا يقدر بثمن، وسوف يكون له تأثير مفيد على مجمل حياتي. بل يجب على جميع شعراء ألمانيا الشباب الإلمام به، إذ قد يكون ذا فائدة جليلة لهم.   ابتدر المحادثة بسؤالي عمّا إذا كنتُ قد كتبتُ أي قصائد في هذا الصيف. أجبتُه أنني قمتُ بالفعل بكتابة بعضها، ولكن على العموم كنت أفتقر إلى الشعور بالراحة المطلوبة للإنتاج. فقال: "حذار من محاولة إنجاز عمل كبير. هذا هو بالضبط ما يؤذي أفضل عقولنا، حتى تلك التي تتميز بأرقى المواهب والجهود الأكثر جدية. لقد عانيت من هذه القضية، وأعرف إلى أي مدى تأذيتُ منها. لِمَ لا أترك نفسي تسقط في القاع! إذا قمتُ بكتابة كل ما أستطيع، فإنَّ مائة من المجلدات لن تحويها.    "سيكون للحاضر حقوقه. وسينبغي للأفكار والمشاعر التي تضغط يومياً على الشاعر أن يتم التعبير عنها. ولكن، إذا كان لديك عمل عظيم يدور في خلدك، لن يزدهر عداه شيئاً بالقرب منه، سيتم صدّ كل الأفكار الأخرى، بل سحر الحياة في حد ذاتها ستكون بمثابة وقتٍ ضائع. ما هو جهد ونفقة القوة العقلية المطلوبة لترتيب وإنهاء كلَّ عظيم، ومن ثم ما هي القوى، وما هو السكون، والمقام الذي يعُكِّر صفوه شيء، للتعبير عن ذلك بالطلاقة المناسبة. إذا أنتَ أخطأت في ما يخص الكلّ، ستفقد كل ما بذلته من عناء. وعلاوة على ذلك، إذا لم تروِّض جميع المواد التفصيليّة أثناء معالجتك لموضوع شديد الاتساع، سيأتي الكُلُّ مُختلاً، وستتلقى الاستهجان. وهكذا، بعد كلّ ما قدمه من كدحٍ وتضحية، يحصل الشاعر، بدلاً عن المكافأة والمتعة، على المشقّة والحدّ من قوته. ولكن إذا كان يغتنم حاضره بشكل يومي، ويعالج ما يتلقاه بنضارة شعور دائم، سيتأكد على الدوام من وجود شيء جيد، وحتى إذا أصابه الفشل في بعض الأحيان، فعلى الأقل، لن يفقد شيئاً.   ================   محادثات مع غوته تأليف: يوهان بيتر إيكرمان ترجمة من الألمانية للإنجليزية:  جون اوكسنفورد ترجمة من الإنجليزية: سماح جعفر   تقوم «القرية الإلكترونية» بتكليف من الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، بترجمة يوميات من حياة "جوته"، المعنونة بـــ «محادثات مع غوته»، من تأليف: «يوهان بيتر إيكرمان*»، وهي عبارة عن يوميّات كتبها "إيكرمان" عن السنوات الأخيرة من حياة شاعر ألمانيا الكبير «غوته Goethe»، وتمت ترجمتها من الألمانية للإنجليزية بواسطة «جون أوكسنفورد»، وترجمها من الإنجليزية إلى العربية: «طارق زياد شعار»، وسوف نقوم بنشرها على حلقات تباعاً هنا في الصفحة نأمل أن تحوز إعجابكم. *«يوهان بيتر إيكرمان» Johann Peter Eckermann 1792-1854: عمل كأمين خاص لجوته في الفترة الأخيرة من حياة الأخير. وسرعان ما أصبح كتابه محادثات مع غوته، ذو شعبية تخطت الحدود الألمانية، ولعب دوراً مهما في إحياء الاهتمام والتقدير لأعمال جوته في وقت لاحق.   #محمد_أحمد_السويدي_ترجمة_محادثات_مع_غوته , Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi,,

Related Articles

محادثات مع غوته - الافتتاحية
محادثات مع غوته - الجزء الأول
محادثات مع غوته - الجزء الثاني
محادثات مع غوته - الجزء الثالث
محادثات مع غوته - الجزء الرابع
محادثات مع غوته - الجزء الخامس
محادثات مع غوته - الجزء السادس