Arabic    

محادثات مع غوته - الجزء السادس


2019-07-05 00:00:00
اعرض في فيس بوك
التصنيف : محادثات مع غوته

 

 

 

 

محادثات مع غوته | الجزء السادس
 
مُحادثات غوته من صفحة 175- 196  | 
 
الكتاب الثالث
يحتوي على خطة لمتابعة العمل على "فاوست"، وهو يعتبر حلقة منفصلة، لكنه مرتبط بالكتب الأخرى، وذلك في مسعاه للانفصال عن ليلي، والذي لا يزال يجب إنجازه. بخصوص خطة "فاوست"، سواء كانت الرغبة المواصلة أو التراجع فهي نقطة مشكوك بها، ولا يمكن حلها حتى نختبر الأقوال المتناثرة المتوفرة لدينا، وأن نعمل عقولنا على أن نتخيّل ما إن كان الأمل بالاستمرار في "فاوست" قد تم التخلي عنه أم لا. 
 
الكتاب الرابع
 
ينتهي الكتاب الثالث بمحاولة الانفصال عن ليلي. بالتالي، يبدأ الكتاب الرابع ببراعة شديدة بوصول ستولبرغس وهوغويتز، والذي تذكر فيه الرحلة إلى سويسرا والابتعاد عن ليلي. تُعدُّ المخطوطة الكاملة لهذا الكتاب أكثر المسائل إثارة للاهتمام، وتثير الرغبة في التفاصيل الأكثر شمولًا. إنَّ التوق إلى ليلي، الذي ينفجر باستمرار، والذي لا يمكن قمعه، يضيء من خلال الكتاب كُله مع نار حب الشباب، ويعطي ضوءًا غريبًا، لطيفًا، وسحريًا لحالة المسافر. 
 
الكتاب الخامس
 
هذا الكتاب الجميل منجز تقريباً؛ على الأقل جزءه الأخير وحتى الخاتمة، وهو يتعلق في محتواه الطبيعة المبهمة للقدر، وربما يمكن اعتباره منجزاً تماماً؛ فقط المقدمة هي التي تحتاج إلى قليل من العمل، وتوجد مسودة شديدة الوضوح بخصوصها. مع ذلك، فإنَّ التطوير هو الأكثر ضرورة، ومرغوب فيه، حيث نجد فيها أول إشارة لشؤون فايمار، وبالتالي فإنَّ إهتمامنا بهم يأتي أولاً. 
 
الاثنين، 16 أغسطس، 1824
 
محادثاتي مع غوتة في الآونة الأخيرة كانت وفيرة جداً، لكنني كنت شديد الارتباط بكثير من الأمور الأخرى، ما جعل من المستحيل كتابة أي شيء ذي أهمية من محادثته المُتخمة.
 
الجمل المنفصلة التالية وُجدت مُدوَّنة في مذكراتي، إلا أنني نسيت الصلة بينها والمناسبة التي أدت إليها. 
 
الرجال مثل أواني السباحة، يصطدمون ببعضهم البعض.
 
في الصباح نكون فطنين، ولكن أيضاً قلقين إلى أقصى حد، حيث أنَّ القلق هو صنف من الفطنة رغم أنه من النوع السلبي. أما الغباء فيأتي دون قلق. 
 
يجب ألا نصحب أخطاء شبابنا إلى الشيخوخة؛ الشيخوخة تجلب معها عيوبها الخاصة.
 
بلاط الملوك يشبه الموسيقى، حيث على كل شخص الإبقاء على الإيقاع.
 
قد يموت أفراد حاشية الملك من الملل ما لم يستطيعوا ملء وقتهم بالاحتفالات.
 
ليس من الصواب نصح الأمير بالتنازل، حتى في أكثر الأمور تفاهةً.
 
على الشخص الذي يدرِّب الممثلين أن يتحلَّى بصبر لا نهائيٍ.
 
الثلاثاء، 9 نوفمبر، 1824
 
قضيت هذه الأمسية مع غوته. تحدثنا عن كلوبستوك وهيردر؛ أحب دائماً الاستماع إليه، لأنه يشرح لي مزايا هؤلاء الرجال.
 
أخبرني غوته أنه "دون أولئك الرائدين العظام، لم يكن أدبنا ليصبح ما هو عليه الآن. عندما ظهروا كانوا سابقين لعصرهم، واضطروا إلى سحبه وراءهم؛ أما الآن فقد تجاوزهم العصر إلى حد بعيد، وأولئك الذين كانوا ذات يوم بغاية الضرورة والأهمية توقفوا عن أن يكونوا وسائل لغايات. والشاب الذي سيتَّخد من كلوبستوك وهيردر معلميْن له في وقتنا الحاضر سيكون متاخراً عن أقرانه.
 
تحدثنا عن "مسيح" كلوبستوك، وأناشيده، لامسنا مزاياه وعيوبه. واتفقنا على أنه ليس لديه ملكة الانتباه للعالم المرئي وإدراكه، أو تصوير الشخصيات، من ثم فهو يريد الخصائص الأكثر جوهرية للشاعر الملحمي والمسرحي، أو ربما ما يمكن أن يقال عن الشاعر بشكل عام.
 
قال غوته: "استحضر النشيد الذي يجعل فيه ربة الشعر الألماني في سباق مع نظيرتها البريطانية. في الواقع، عندما يفكر المرء في ماهية الصورة، حيث تركض الفتاتان، في اتجاهين متعاكسين، تطلقان سيقانهن، مثيرات الغبار، سيفترض المرء أنَّ كلبستوك البارع لم يرَ بعينيه هذه الصورة مثلما كتبها، وإلا لما كان ليرتكب مثل هذه الأخطاء. 
 
سألته عماهية شعوره تجاه كلبستوك في شبابه. قال غوته: "بجلّتُه، وبإخلاص غريب على شخصي؛ نظرت إليه على أنه عمي. بجلّتُ كل ما قام به، ولم أفكر مطلقاً في التفكير مليَّاً بشأنه، كما لم أجد خللاً به. احتفظتُ بجودة أعماله  الرائعة في داخليتي، ومضيتُ في طريقي الخاص". 
 
عدنا إلى هيردر، وسألتُ غوته عما يظن أنه أفضل أعماله. فأخبرني "أنه كتابه المعنون أفكار عن تأريخ البشرية، إنه الأفضل بلا شك. لكنه بعد فترة أخذ الجانب السلبي ولم يعد مقبولاً جداً.
 
قلتُ "بالنظر إلى مكانة هيردر الكبيرة، لم أستطع أن أفهم تواضع أرائه بخصوص بعض المواضيع. على سبيل المثال، لم أستطع مسامحته- خصوصاً في تلك الفترة من الأدب الألماني- بعد إرجاعه مخطوطة "غوتز فون بير ليشينجن "، دون الإشادة بأي من مزاياها، بل وبملاحظات مستهزئة. كان عليه أن يملك الأجهزة الضرورية لإدراك بعض الأشياء.
 
أجاب غوته "نعم، موقف هيردر كان مؤسفاً بهذا الصدد"؛ وأضاف بحماس، "إن كانت روحه حاضرة في هذه المحادثة، فهي لن تفهمنا".
 
قلتُ: من ناحية أخرى، يجب أن أشيد بيوهان هنريك ميرك، الذي حثك على طباعة "غويتز". 
 
قال غوته: "في الواقع، كان رجلاً غريب الأطوار لكنه مهم. فقد أخبرني أنه يجب عليَّ طباعة الكتاب، وأنه يستحق. لم يرغب في أن أجري أي تعديلات عليه، وقد كان محقاً، لأنه ربما سيكون مختلفاً، ولكن ليس أفضل".
 
الأربعاء، 24 نوفمبر، 1824
 
في هذه الأمسية ذهبتُ للقاء غوته قبل التوجه إلى المسرح، ووجدته بخير حال ومبتهج. واستفسر عن الشبان الأنجليز في المدينة. أخبرته أنني اقترحت قراءة مع السيد دولان الذي ترجم أعمال "بلوتارخ" إلى الألمانية. قادنا هذا إلى الحديث عن التاريخ الروماني والإغريقي، وأعرب غوته عن نفسه على النحو التالي:-
 
"لم يعد التاريخ الروماني مناسباً لنا. لقد أصبحنا إنسانيين جداً على ألا تجرح انتصارات قيصر مشاعرنا. كما أننا لسنا مسحورين بالتأريخ الإغريقي. عندما تنقلب تلك الشعوب ضد عدو أجنبي، فهذا شيء عظيم ورائع في الحقيقة، ولكن انقسام الدول، وحروبها الأزلية ضد بعضها البعض، حيث يحارب الإغريقي ضد الإغريقي، فهذا لا يطاق. بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ تاريخ عصرنا عظيم وهام جداً، ومعارك ليبسيك وواترلو على ذات القدر من الأهمية. لقد صارت معركة ماراثون وما يشابهها في خسوف تدريجي، كما إنَّ أبطالنا الفرديين ليسوا أقل شأناً من نظرائهم؛ المارشالات الفرنسيين، فون بلوجر، ولينغتون يقفون وجهاً لوجه مع جميع أبطال العصور القديمة. 
 
ثم تحدثنا عن الأدب الفرنسي المتأخر، والاهتمام اليومي المتزايد للفرنسيين بالأعمال الألمانية.  
 
قال غوته: "إنه لأمر جيد أنَّ الفرنسيين قاموا بدراسة وترجمة كُتابنا؛ ولأنهم محدودون فيما يتعلق بالشكل والدوافع، فإنَّ قدرتهم على النظر إلى الوسائل تكمن في شكلها الخارجي فقط. بينما نحاول نحن الألمان بلوغ لا شكلانية معينة؛ ولكن فيما يتعلق بالموضوع نحن متفوقون عليهم. الإنتاج المسرحي لــ"كوتزيبو" و"إيفلاند" شديد الغنى فيما يخص الدوافع، حيث يمكنهم أن يقطفوا منها لفترة طويلة قبل أن تُستنفد. أما فلسفتنا المثالية، فهي على وجه الخصوص تجد صدى لديهم؛ لأن كل مثل أعلى قابل للتوظيف في خدمة الأهداف الثورية.
 
يمتلك الفرنسيون الإدراك والروح، ولكنهم لا يمتلكون الأساس المتين، ولا التقوى. ما يخدم هذه اللحظة، ما يخدم مصالحه، يبدو صائباً بالنسبة للرجل الفرنسي، لذلك يشيدون بنا، ليس من خلال الاعتراف بمزايانا، ولكن فقط عندنا يتمكنون من تقوية ما يهمهم باستخدام آرائنا. 
 
ثم تحدثنا عن أدبنا الألماني، والعقبات التي تقف في طريق بعض شعرائنا الشباب المتأخرين. حيث قال غوته: "الخطأ الغالب بين غالبية شعرائنا الشباب هو أنَّ الذاتية ليست ذات أهمية بالنسبة لهم، وبالتالي لا يستطيعون إيجاد مادة لهم في هذا الموضوع. وفي أحسن الأحوال، يجدون فيها مجرَّد أدوات، مشابهة لهم، تتطابق مع ذاتيتهم الخاصة؛ أما أخذ المادة من أجل قيمتها الخاصة، عندما تكون منفرة للذاتية، ولمجرد شعريتها، فهذا ما لم يخطر لهم.
 
مع ذلك، وكما سبق وقلت، إن كانت لدينا شخصيات هامة، شُكلت من خلال دراسات ومواقف حياتية عظيمة، فلربما سار الأمر معنا جيداً، على الأقل  بقدر ما أولى شعراؤنا الغنائيون الشباب الاهتمام بالأمر.
 
الجمعة، ديسمبر، 1824
 
وصلني مؤخراً مقترح لكتابة ملاحظات شهرية حول آخر إصدرارت الأدب الألماني لدورية بريطانية، وبشروط مرضية جداً. ملتُ كثيراً لقبول الاقتراح، ولكن اعتقدت أنه من الجيد التحدث أولاً إلى غوته بخصوص الموضوع. 
 
ذهبتُ إليه هذا المساء. كانت الستائر مسدلة، وكان يجلس أمام الطاولة، حيث وضع العشاء أمامه، وأشعلت لمبتين، أنارتا وجهه وتمثالًا نصفيًا ضخمًا يقف أمامه على الطاولة، وكان ينظر إليه. سألني غوته مشيراً إلى التمثال، بعد أن حياني بطريقة ودودة، "لمن هذا التمثال"؟ الذي يبدو أنه شاعر، وإيطالي"، أجبته "إنه دانتي"، قال غوته، "إنه مصنوع بشكل جيد؛ برأس دقيق الصنع، ولكنه غير مرض تماماً. يبدو عجوزاً ومنحنياً إلى الأسفل، ونكدًا؛ ملامحه رخوة ومسحوبة إلى الأسفل، كما  لو أنه جاء تواً من الجحيم. لدي ميدالية صُكَّت أثناء حياته، يبدو كل شيء فيها أفضل بكثير.
 
قام بجلب الميدالية. "هل ترى مقدار القوة في الأنف والشفة العليا المتورمة، الطاقة التي في الذقن ومزجها الجيد مع عظام الخد؟  الجزء المتعلق بالعينين والجبهة مماثل للتمثال؛ بينما الباقي أضعف ويبدو عجوزاً. مع ذلك لم أجد خطأ في العمل الجديد، والذي في مجمله، له مزايا عظيمة، ويستحق الإشادة. 
 
ثم استفسر غوته عما كنت أفعله وأفكر بشأنه مؤخراً. أخبرته أنَّ مقترحًا قد وصلني بشأن الكتابة لدورية إنجليزية بشروط مرضية جداً، وهي ملاحظات شهرية حول آخر إصدارات النثر الألماني (belles lettres)، وأنني أميل لقبول الاقتراح.
 
وجه غوته حتى هذا اللحظة كان يرتدي تعبيرات شديدة الود، لكنه غام بعد هذه الكلمات، واستطعتُ، مع كل حركة  يقوم بها قراءة عدم موافقته على مشروعي. قال "أتمنى أن يتركك أصدقاؤك بسلام. لماذا يجب أن تتعب نفسك بالأشياء التي تكمن تماماً في منأى عن طريقك، وتكون مناقضة لنزعاتك الطبيعية؟ لدينا الذهب، الفضة والأوراق المالية، لكل منها قيمتها الخاصة، ولكن لتحقيق العدالة لكل منهما، يجب أن نفهم التبادل. وهكذا الأمر مع الأدب. أنت تفهم العملة المعدنية وليست الورقية: ستكون انتقاداتك غير عادلة بهذا الشأن، بل ومُضرَّة. إذا رغبت في أن تكون عادلًا، ومنح كل شيء مكانه الملائم، عليك في البدء الاطلاع على أدبنا الأوسط، وأن تعُمل عقلك لتدرسه بوسائل ليست بالتافهة. يجب أن تنظر إلى الوراء وترى ما اقترحه الأخوة شليجل وقاموا به، وبعدها عليك أن تقرأ لجميع مؤلفينا المتأخرين، فرانز هورن، هوفمان وكلاورين، حتى هذا لن يكفي. عليك أيضاً أن تتناول كل الصحف اليومية، "مورغنبلات" و"أبند زيتونغ"، من أجل ألا يهرب منك شيء، وبالتالي سوف تضيع أفضل أيامك وساعاتك. ثم جميع الكتب الجديدة، التي سوف تنتقدها بأي مستوى من العمق، لا يجب أن تتفحصها فقط، بل عليك أن تدرسها. كيف ستستمتع بذلك؟ وأخيراً، إن وجدت أنَّ ما هو سيئ هو سيئ، لا يجب عليك قول ذلك، في حال لم تكن ترغب في التعرُّض لخظر خوض حرب مع العالم. 
 
"لا؛ مثلما أخبرتك، قم برفض الإقتراح؛ فهو ليس ما قُدِّر لك. احترس من تبديد طاقاتك، واسْعَ للتركيز عليها. إذا امتلكتُ ناصية الحكمة في الثلاثين عاماً الماضية، لأنجزتُ شيئاً مختلفاً تماماً. كم من الوقت أضعت على ما كتبه شيللر، مثل "دي هورن" و"روزنامة الشعراء". والآن عندما أنظر إلى مراسلاتنا، أشعر بهذا الأمر بشكل شديد القسوة، ولا يمكننا التفكير دون أن يصيبني الغمّ بسبب تلك المشاريع التي جعلت العالم يسيئ إلينا، والتي كانت دون طائل بالنسبة إلينا. يعتقد الموهبون أنَّ بإستطاعتهم القيام بكل ما يقوم به الآخرون، بينما الأمر ليس على هذه الشاكلة، فسوف يضطرون إلى الأسف على نفقات الخمول هذه. ما هو أفضل ما يمكنك فعله لتجعل شعرك مجعداً لليلة واحدة؟ فقط أن تضع ورقة على شعرك، وفي اليوم التالي سيكون مسترسلًا مرة أخرى. 
 
"النقطة المهمة هي أن تصنع ذخيرة لا تستنفذ، وهذا ما ستحصل عليه بدراسة اللغة الإنجليزية والأدب، والتي سبق أن بدأتها. حافظ عليها، واستمر في الاستفادة من المزايا التي أمتلكتها بمعرفة الشبان الإنجليز. لقد درست اللغات القديمة قليلاً أثناء شبابك؛ من ثم، اسْعَ إلى معقل الأدب الخاص بأمة تملك قدرة كبيرة مثل الإنجليز. بجانب ذلك، وفوق كل شيء فإنَّ أدبنا الخاص هو من نسلهم، من أين لنا برواياتنا، تراجيديتنا، سوى من غولدسميث، وفيلدينغ وشكسبير؟ أين ستجد ثلاثة أبطال أدبيين يمكن وضعهم في مستوى واحد مع اللورد بايرون، ومور، ووالتر سكوت؟. مرة أخرى، وطّد نفسك في الإنجليزية، إحشد طاقاتك من أجل ما هو جيد، وتخلَّ عن كل ما لا يجلب لك نتيجة ذات أهمية، ولا يلائمك. 
 
ابتهجتُ لجعلي غوته يتحدث، كنتُ راضيا تمام الرضا الذهني، وعزمتُ على الامتثال لنصيحته، بكل احترام. أعلن عن مجيئ المستشار فون مولر وجلس معنا. تحولت المحادثة مرة أخرى إلى تمثال دانتي الذي يقف أمامنا، عن حياته وأعماله، وبشكل خاص عن غموض هذا المؤلف، وعن كيف لم يقيض لمواطنيه فهمه، بحيث يكون مستحيلاً على الأجنبي اختراق ظلمة كهذه. التفت غوته ناحيتي، وبمظهر ودي وقال لي "بموجب هذا، يُمنع عليك دراسة هذا الشاعر من قبل أباك كاهن الاعتراف". يرى غوته أنَّ القافية شديدة الصعوبة هي السبب في غموضه. أما بالنسبة لبقية أعماله، فقد تحدث عن دانتي بتقديس بالغ، وقد لاحظتُ أنه غير راضٍ عن كلمة الموهبة وأسماها الطبيعة، كأنه يرغب في التعبير عن شيء أكثر شمولاً، وأكثر اكتمالاً من الإدراك المُسبق، أيْ عن بصيرة أعمق، ومدى أرحب.  
 
الخميس، 9 ديسمبر، 1984
 
هذا المساء ذهبتُ لرؤية غوته. رفع يده بودّ ورحَّب بي وأثنى على قصيدتي"Schellhom's Jubilee". أخبرته أنني راسلت انجلترا لرفض الاقتراح.
 
"اشكر السماء، أنت الآن حرّ وفي سلام مرة أخرى. دعني أحذرك من شيء آخر. سيأتي المولفون الموسيقيون ويطالبونك بكتابة أوبرا، لكن عليك أن تكون حازماً وترفض الطلب، فهذ عمل لن يقود إلى شيء سوى إضاعة الوقت.
 
ثم أخبرني أنه أرسل إعلان عرض مسرحية "باريا" إلى مؤلفها، المتواجد حالياً في "بون"، حتى يعلم الشاعر أنَّ عمله عُرض هنا. الحياة قصيرة، لذا يجب أن نفعل أشياء جيدة من أجل بعضنا".  
 
كانت صحف "برلين" موضوعة أمامه، وأخبرني عن حادثة فيضان بطسبيرغ الكبير، وناولني الصفحة لقراءتها، ثم تحدث عن وضع بطسبيرغ السيئ، ضاحكًا باستحسان على تعبير روسو القائل أن "ليس بإمكاننا كبح زلزال ببناء مدينة على مقربة من جبل مشتعل". "تعمل الطبيعة بطريقتها الخاصة"، قال غوته، "وكل ما يبدو لنا عرضياً هو في الحقيقة يعمل وفقاً لنظام". 
 
ثم تحدثنا عن العواصف العظيمة التي ضربت السواحل، وعن انفجارات الطبيعة العنيفة التي جاء ذكرها في الصحف، ثم سألت غوته عما إذا كان من المعروف أسباب ارتباط هذه الأشياء. "لا أحد يعلم"، أجاب، "نادراً ما تعترينا الشكوك بخصوص تلك الألغاز، وأقل من ذلك هو قيامنا بالتحدث عنها".
 
أعلن عن وصول كودراي وبروفيسور ريمر. انضم إلينا كلاهما، ونوقشت مرة أخرى مسألة فيضان بطسبيرغ. قام م. كودراي برسم خريطة لتلك المدينة، وعرض لنا حالة نيفا وبقية أجزاء المنطقة.
 
================  
محادثات مع غوته
تأليف: يوهان بيتر إيكرمان
ترجمة من الألمانية للإنجليزية:  جون اوكسنفورد
ترجمة من الإنجليزية: سماح جعفر
 
تقوم «القرية الإلكترونية» بتكليف من الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، بترجمة يوميات من حياة "جوته"، المعنونة بـــ «محادثات مع غوته»، من تأليف: «يوهان بيتر إيكرمان*»، وهي عبارة عن يوميّات كتبها "إيكرمان" عن السنوات الأخيرة من حياة شاعر ألمانيا الكبير «غوته Goethe»، وتمت ترجمتها من الألمانية للإنجليزية بواسطة «جون أوكسنفورد»، وترجمها من الإنجليزية إلى العربية: «طارق زياد شعار»، وسوف نقوم بنشرها على حلقات تباعاً هنا في الصفحة نأمل أن تحوز إعجابكم.
*«يوهان بيتر إيكرمان» Johann Peter Eckermann 1792-1854: عمل كأمين خاص لجوته في الفترة الأخيرة من حياة الأخير. وسرعان ما أصبح كتابه محادثات مع غوته، ذو شعبية تخطت الحدود الألمانية، ولعب دوراً مهما في إحياء الاهتمام والتقدير لأعمال جوته في وقت لاحق.
 
#محمد_أحمد_السويدي_ترجمة_محادثات_مع_غوته

        محادثات مع غوته | الجزء السادس   مُحادثات غوته من صفحة 175- 196  |    الكتاب الثالث يحتوي على خطة لمتابعة العمل على "فاوست"، وهو يعتبر حلقة منفصلة، لكنه مرتبط بالكتب الأخرى، وذلك في مسعاه للانفصال عن ليلي، والذي لا يزال يجب إنجازه. بخصوص خطة "فاوست"، سواء كانت الرغبة المواصلة أو التراجع فهي نقطة مشكوك بها، ولا يمكن حلها حتى نختبر الأقوال المتناثرة المتوفرة لدينا، وأن نعمل عقولنا على أن نتخيّل ما إن كان الأمل بالاستمرار في "فاوست" قد تم التخلي عنه أم لا.    الكتاب الرابع   ينتهي الكتاب الثالث بمحاولة الانفصال عن ليلي. بالتالي، يبدأ الكتاب الرابع ببراعة شديدة بوصول ستولبرغس وهوغويتز، والذي تذكر فيه الرحلة إلى سويسرا والابتعاد عن ليلي. تُعدُّ المخطوطة الكاملة لهذا الكتاب أكثر المسائل إثارة للاهتمام، وتثير الرغبة في التفاصيل الأكثر شمولًا. إنَّ التوق إلى ليلي، الذي ينفجر باستمرار، والذي لا يمكن قمعه، يضيء من خلال الكتاب كُله مع نار حب الشباب، ويعطي ضوءًا غريبًا، لطيفًا، وسحريًا لحالة المسافر.    الكتاب الخامس   هذا الكتاب الجميل منجز تقريباً؛ على الأقل جزءه الأخير وحتى الخاتمة، وهو يتعلق في محتواه الطبيعة المبهمة للقدر، وربما يمكن اعتباره منجزاً تماماً؛ فقط المقدمة هي التي تحتاج إلى قليل من العمل، وتوجد مسودة شديدة الوضوح بخصوصها. مع ذلك، فإنَّ التطوير هو الأكثر ضرورة، ومرغوب فيه، حيث نجد فيها أول إشارة لشؤون فايمار، وبالتالي فإنَّ إهتمامنا بهم يأتي أولاً.    الاثنين، 16 أغسطس، 1824   محادثاتي مع غوتة في الآونة الأخيرة كانت وفيرة جداً، لكنني كنت شديد الارتباط بكثير من الأمور الأخرى، ما جعل من المستحيل كتابة أي شيء ذي أهمية من محادثته المُتخمة.   الجمل المنفصلة التالية وُجدت مُدوَّنة في مذكراتي، إلا أنني نسيت الصلة بينها والمناسبة التي أدت إليها.    الرجال مثل أواني السباحة، يصطدمون ببعضهم البعض.   في الصباح نكون فطنين، ولكن أيضاً قلقين إلى أقصى حد، حيث أنَّ القلق هو صنف من الفطنة رغم أنه من النوع السلبي. أما الغباء فيأتي دون قلق.    يجب ألا نصحب أخطاء شبابنا إلى الشيخوخة؛ الشيخوخة تجلب معها عيوبها الخاصة.   بلاط الملوك يشبه الموسيقى، حيث على كل شخص الإبقاء على الإيقاع.   قد يموت أفراد حاشية الملك من الملل ما لم يستطيعوا ملء وقتهم بالاحتفالات.   ليس من الصواب نصح الأمير بالتنازل، حتى في أكثر الأمور تفاهةً.   على الشخص الذي يدرِّب الممثلين أن يتحلَّى بصبر لا نهائيٍ.   الثلاثاء، 9 نوفمبر، 1824   قضيت هذه الأمسية مع غوته. تحدثنا عن كلوبستوك وهيردر؛ أحب دائماً الاستماع إليه، لأنه يشرح لي مزايا هؤلاء الرجال.   أخبرني غوته أنه "دون أولئك الرائدين العظام، لم يكن أدبنا ليصبح ما هو عليه الآن. عندما ظهروا كانوا سابقين لعصرهم، واضطروا إلى سحبه وراءهم؛ أما الآن فقد تجاوزهم العصر إلى حد بعيد، وأولئك الذين كانوا ذات يوم بغاية الضرورة والأهمية توقفوا عن أن يكونوا وسائل لغايات. والشاب الذي سيتَّخد من كلوبستوك وهيردر معلميْن له في وقتنا الحاضر سيكون متاخراً عن أقرانه.   تحدثنا عن "مسيح" كلوبستوك، وأناشيده، لامسنا مزاياه وعيوبه. واتفقنا على أنه ليس لديه ملكة الانتباه للعالم المرئي وإدراكه، أو تصوير الشخصيات، من ثم فهو يريد الخصائص الأكثر جوهرية للشاعر الملحمي والمسرحي، أو ربما ما يمكن أن يقال عن الشاعر بشكل عام.   قال غوته: "استحضر النشيد الذي يجعل فيه ربة الشعر الألماني في سباق مع نظيرتها البريطانية. في الواقع، عندما يفكر المرء في ماهية الصورة، حيث تركض الفتاتان، في اتجاهين متعاكسين، تطلقان سيقانهن، مثيرات الغبار، سيفترض المرء أنَّ كلبستوك البارع لم يرَ بعينيه هذه الصورة مثلما كتبها، وإلا لما كان ليرتكب مثل هذه الأخطاء.    سألته عماهية شعوره تجاه كلبستوك في شبابه. قال غوته: "بجلّتُه، وبإخلاص غريب على شخصي؛ نظرت إليه على أنه عمي. بجلّتُ كل ما قام به، ولم أفكر مطلقاً في التفكير مليَّاً بشأنه، كما لم أجد خللاً به. احتفظتُ بجودة أعماله  الرائعة في داخليتي، ومضيتُ في طريقي الخاص".    عدنا إلى هيردر، وسألتُ غوته عما يظن أنه أفضل أعماله. فأخبرني "أنه كتابه المعنون أفكار عن تأريخ البشرية، إنه الأفضل بلا شك. لكنه بعد فترة أخذ الجانب السلبي ولم يعد مقبولاً جداً.   قلتُ "بالنظر إلى مكانة هيردر الكبيرة، لم أستطع أن أفهم تواضع أرائه بخصوص بعض المواضيع. على سبيل المثال، لم أستطع مسامحته- خصوصاً في تلك الفترة من الأدب الألماني- بعد إرجاعه مخطوطة "غوتز فون بير ليشينجن "، دون الإشادة بأي من مزاياها، بل وبملاحظات مستهزئة. كان عليه أن يملك الأجهزة الضرورية لإدراك بعض الأشياء.   أجاب غوته "نعم، موقف هيردر كان مؤسفاً بهذا الصدد"؛ وأضاف بحماس، "إن كانت روحه حاضرة في هذه المحادثة، فهي لن تفهمنا".   قلتُ: من ناحية أخرى، يجب أن أشيد بيوهان هنريك ميرك، الذي حثك على طباعة "غويتز".    قال غوته: "في الواقع، كان رجلاً غريب الأطوار لكنه مهم. فقد أخبرني أنه يجب عليَّ طباعة الكتاب، وأنه يستحق. لم يرغب في أن أجري أي تعديلات عليه، وقد كان محقاً، لأنه ربما سيكون مختلفاً، ولكن ليس أفضل".   الأربعاء، 24 نوفمبر، 1824   في هذه الأمسية ذهبتُ للقاء غوته قبل التوجه إلى المسرح، ووجدته بخير حال ومبتهج. واستفسر عن الشبان الأنجليز في المدينة. أخبرته أنني اقترحت قراءة مع السيد دولان الذي ترجم أعمال "بلوتارخ" إلى الألمانية. قادنا هذا إلى الحديث عن التاريخ الروماني والإغريقي، وأعرب غوته عن نفسه على النحو التالي:-   "لم يعد التاريخ الروماني مناسباً لنا. لقد أصبحنا إنسانيين جداً على ألا تجرح انتصارات قيصر مشاعرنا. كما أننا لسنا مسحورين بالتأريخ الإغريقي. عندما تنقلب تلك الشعوب ضد عدو أجنبي، فهذا شيء عظيم ورائع في الحقيقة، ولكن انقسام الدول، وحروبها الأزلية ضد بعضها البعض، حيث يحارب الإغريقي ضد الإغريقي، فهذا لا يطاق. بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ تاريخ عصرنا عظيم وهام جداً، ومعارك ليبسيك وواترلو على ذات القدر من الأهمية. لقد صارت معركة ماراثون وما يشابهها في خسوف تدريجي، كما إنَّ أبطالنا الفرديين ليسوا أقل شأناً من نظرائهم؛ المارشالات الفرنسيين، فون بلوجر، ولينغتون يقفون وجهاً لوجه مع جميع أبطال العصور القديمة.    ثم تحدثنا عن الأدب الفرنسي المتأخر، والاهتمام اليومي المتزايد للفرنسيين بالأعمال الألمانية.     قال غوته: "إنه لأمر جيد أنَّ الفرنسيين قاموا بدراسة وترجمة كُتابنا؛ ولأنهم محدودون فيما يتعلق بالشكل والدوافع، فإنَّ قدرتهم على النظر إلى الوسائل تكمن في شكلها الخارجي فقط. بينما نحاول نحن الألمان بلوغ لا شكلانية معينة؛ ولكن فيما يتعلق بالموضوع نحن متفوقون عليهم. الإنتاج المسرحي لــ"كوتزيبو" و"إيفلاند" شديد الغنى فيما يخص الدوافع، حيث يمكنهم أن يقطفوا منها لفترة طويلة قبل أن تُستنفد. أما فلسفتنا المثالية، فهي على وجه الخصوص تجد صدى لديهم؛ لأن كل مثل أعلى قابل للتوظيف في خدمة الأهداف الثورية.   يمتلك الفرنسيون الإدراك والروح، ولكنهم لا يمتلكون الأساس المتين، ولا التقوى. ما يخدم هذه اللحظة، ما يخدم مصالحه، يبدو صائباً بالنسبة للرجل الفرنسي، لذلك يشيدون بنا، ليس من خلال الاعتراف بمزايانا، ولكن فقط عندنا يتمكنون من تقوية ما يهمهم باستخدام آرائنا.    ثم تحدثنا عن أدبنا الألماني، والعقبات التي تقف في طريق بعض شعرائنا الشباب المتأخرين. حيث قال غوته: "الخطأ الغالب بين غالبية شعرائنا الشباب هو أنَّ الذاتية ليست ذات أهمية بالنسبة لهم، وبالتالي لا يستطيعون إيجاد مادة لهم في هذا الموضوع. وفي أحسن الأحوال، يجدون فيها مجرَّد أدوات، مشابهة لهم، تتطابق مع ذاتيتهم الخاصة؛ أما أخذ المادة من أجل قيمتها الخاصة، عندما تكون منفرة للذاتية، ولمجرد شعريتها، فهذا ما لم يخطر لهم.   مع ذلك، وكما سبق وقلت، إن كانت لدينا شخصيات هامة، شُكلت من خلال دراسات ومواقف حياتية عظيمة، فلربما سار الأمر معنا جيداً، على الأقل  بقدر ما أولى شعراؤنا الغنائيون الشباب الاهتمام بالأمر.   الجمعة، ديسمبر، 1824   وصلني مؤخراً مقترح لكتابة ملاحظات شهرية حول آخر إصدرارت الأدب الألماني لدورية بريطانية، وبشروط مرضية جداً. ملتُ كثيراً لقبول الاقتراح، ولكن اعتقدت أنه من الجيد التحدث أولاً إلى غوته بخصوص الموضوع.    ذهبتُ إليه هذا المساء. كانت الستائر مسدلة، وكان يجلس أمام الطاولة، حيث وضع العشاء أمامه، وأشعلت لمبتين، أنارتا وجهه وتمثالًا نصفيًا ضخمًا يقف أمامه على الطاولة، وكان ينظر إليه. سألني غوته مشيراً إلى التمثال، بعد أن حياني بطريقة ودودة، "لمن هذا التمثال"؟ الذي يبدو أنه شاعر، وإيطالي"، أجبته "إنه دانتي"، قال غوته، "إنه مصنوع بشكل جيد؛ برأس دقيق الصنع، ولكنه غير مرض تماماً. يبدو عجوزاً ومنحنياً إلى الأسفل، ونكدًا؛ ملامحه رخوة ومسحوبة إلى الأسفل، كما  لو أنه جاء تواً من الجحيم. لدي ميدالية صُكَّت أثناء حياته، يبدو كل شيء فيها أفضل بكثير.   قام بجلب الميدالية. "هل ترى مقدار القوة في الأنف والشفة العليا المتورمة، الطاقة التي في الذقن ومزجها الجيد مع عظام الخد؟  الجزء المتعلق بالعينين والجبهة مماثل للتمثال؛ بينما الباقي أضعف ويبدو عجوزاً. مع ذلك لم أجد خطأ في العمل الجديد، والذي في مجمله، له مزايا عظيمة، ويستحق الإشادة.    ثم استفسر غوته عما كنت أفعله وأفكر بشأنه مؤخراً. أخبرته أنَّ مقترحًا قد وصلني بشأن الكتابة لدورية إنجليزية بشروط مرضية جداً، وهي ملاحظات شهرية حول آخر إصدارات النثر الألماني (belles lettres)، وأنني أميل لقبول الاقتراح.   وجه غوته حتى هذا اللحظة كان يرتدي تعبيرات شديدة الود، لكنه غام بعد هذه الكلمات، واستطعتُ، مع كل حركة  يقوم بها قراءة عدم موافقته على مشروعي. قال "أتمنى أن يتركك أصدقاؤك بسلام. لماذا يجب أن تتعب نفسك بالأشياء التي تكمن تماماً في منأى عن طريقك، وتكون مناقضة لنزعاتك الطبيعية؟ لدينا الذهب، الفضة والأوراق المالية، لكل منها قيمتها الخاصة، ولكن لتحقيق العدالة لكل منهما، يجب أن نفهم التبادل. وهكذا الأمر مع الأدب. أنت تفهم العملة المعدنية وليست الورقية: ستكون انتقاداتك غير عادلة بهذا الشأن، بل ومُضرَّة. إذا رغبت في أن تكون عادلًا، ومنح كل شيء مكانه الملائم، عليك في البدء الاطلاع على أدبنا الأوسط، وأن تعُمل عقلك لتدرسه بوسائل ليست بالتافهة. يجب أن تنظر إلى الوراء وترى ما اقترحه الأخوة شليجل وقاموا به، وبعدها عليك أن تقرأ لجميع مؤلفينا المتأخرين، فرانز هورن، هوفمان وكلاورين، حتى هذا لن يكفي. عليك أيضاً أن تتناول كل الصحف اليومية، "مورغنبلات" و"أبند زيتونغ"، من أجل ألا يهرب منك شيء، وبالتالي سوف تضيع أفضل أيامك وساعاتك. ثم جميع الكتب الجديدة، التي سوف تنتقدها بأي مستوى من العمق، لا يجب أن تتفحصها فقط، بل عليك أن تدرسها. كيف ستستمتع بذلك؟ وأخيراً، إن وجدت أنَّ ما هو سيئ هو سيئ، لا يجب عليك قول ذلك، في حال لم تكن ترغب في التعرُّض لخظر خوض حرب مع العالم.    "لا؛ مثلما أخبرتك، قم برفض الإقتراح؛ فهو ليس ما قُدِّر لك. احترس من تبديد طاقاتك، واسْعَ للتركيز عليها. إذا امتلكتُ ناصية الحكمة في الثلاثين عاماً الماضية، لأنجزتُ شيئاً مختلفاً تماماً. كم من الوقت أضعت على ما كتبه شيللر، مثل "دي هورن" و"روزنامة الشعراء". والآن عندما أنظر إلى مراسلاتنا، أشعر بهذا الأمر بشكل شديد القسوة، ولا يمكننا التفكير دون أن يصيبني الغمّ بسبب تلك المشاريع التي جعلت العالم يسيئ إلينا، والتي كانت دون طائل بالنسبة إلينا. يعتقد الموهبون أنَّ بإستطاعتهم القيام بكل ما يقوم به الآخرون، بينما الأمر ليس على هذه الشاكلة، فسوف يضطرون إلى الأسف على نفقات الخمول هذه. ما هو أفضل ما يمكنك فعله لتجعل شعرك مجعداً لليلة واحدة؟ فقط أن تضع ورقة على شعرك، وفي اليوم التالي سيكون مسترسلًا مرة أخرى.    "النقطة المهمة هي أن تصنع ذخيرة لا تستنفذ، وهذا ما ستحصل عليه بدراسة اللغة الإنجليزية والأدب، والتي سبق أن بدأتها. حافظ عليها، واستمر في الاستفادة من المزايا التي أمتلكتها بمعرفة الشبان الإنجليز. لقد درست اللغات القديمة قليلاً أثناء شبابك؛ من ثم، اسْعَ إلى معقل الأدب الخاص بأمة تملك قدرة كبيرة مثل الإنجليز. بجانب ذلك، وفوق كل شيء فإنَّ أدبنا الخاص هو من نسلهم، من أين لنا برواياتنا، تراجيديتنا، سوى من غولدسميث، وفيلدينغ وشكسبير؟ أين ستجد ثلاثة أبطال أدبيين يمكن وضعهم في مستوى واحد مع اللورد بايرون، ومور، ووالتر سكوت؟. مرة أخرى، وطّد نفسك في الإنجليزية، إحشد طاقاتك من أجل ما هو جيد، وتخلَّ عن كل ما لا يجلب لك نتيجة ذات أهمية، ولا يلائمك.    ابتهجتُ لجعلي غوته يتحدث، كنتُ راضيا تمام الرضا الذهني، وعزمتُ على الامتثال لنصيحته، بكل احترام. أعلن عن مجيئ المستشار فون مولر وجلس معنا. تحولت المحادثة مرة أخرى إلى تمثال دانتي الذي يقف أمامنا، عن حياته وأعماله، وبشكل خاص عن غموض هذا المؤلف، وعن كيف لم يقيض لمواطنيه فهمه، بحيث يكون مستحيلاً على الأجنبي اختراق ظلمة كهذه. التفت غوته ناحيتي، وبمظهر ودي وقال لي "بموجب هذا، يُمنع عليك دراسة هذا الشاعر من قبل أباك كاهن الاعتراف". يرى غوته أنَّ القافية شديدة الصعوبة هي السبب في غموضه. أما بالنسبة لبقية أعماله، فقد تحدث عن دانتي بتقديس بالغ، وقد لاحظتُ أنه غير راضٍ عن كلمة الموهبة وأسماها الطبيعة، كأنه يرغب في التعبير عن شيء أكثر شمولاً، وأكثر اكتمالاً من الإدراك المُسبق، أيْ عن بصيرة أعمق، ومدى أرحب.     الخميس، 9 ديسمبر، 1984   هذا المساء ذهبتُ لرؤية غوته. رفع يده بودّ ورحَّب بي وأثنى على قصيدتي"Schellhom's Jubilee". أخبرته أنني راسلت انجلترا لرفض الاقتراح.   "اشكر السماء، أنت الآن حرّ وفي سلام مرة أخرى. دعني أحذرك من شيء آخر. سيأتي المولفون الموسيقيون ويطالبونك بكتابة أوبرا، لكن عليك أن تكون حازماً وترفض الطلب، فهذ عمل لن يقود إلى شيء سوى إضاعة الوقت.   ثم أخبرني أنه أرسل إعلان عرض مسرحية "باريا" إلى مؤلفها، المتواجد حالياً في "بون"، حتى يعلم الشاعر أنَّ عمله عُرض هنا. الحياة قصيرة، لذا يجب أن نفعل أشياء جيدة من أجل بعضنا".     كانت صحف "برلين" موضوعة أمامه، وأخبرني عن حادثة فيضان بطسبيرغ الكبير، وناولني الصفحة لقراءتها، ثم تحدث عن وضع بطسبيرغ السيئ، ضاحكًا باستحسان على تعبير روسو القائل أن "ليس بإمكاننا كبح زلزال ببناء مدينة على مقربة من جبل مشتعل". "تعمل الطبيعة بطريقتها الخاصة"، قال غوته، "وكل ما يبدو لنا عرضياً هو في الحقيقة يعمل وفقاً لنظام".    ثم تحدثنا عن العواصف العظيمة التي ضربت السواحل، وعن انفجارات الطبيعة العنيفة التي جاء ذكرها في الصحف، ثم سألت غوته عما إذا كان من المعروف أسباب ارتباط هذه الأشياء. "لا أحد يعلم"، أجاب، "نادراً ما تعترينا الشكوك بخصوص تلك الألغاز، وأقل من ذلك هو قيامنا بالتحدث عنها".   أعلن عن وصول كودراي وبروفيسور ريمر. انضم إلينا كلاهما، ونوقشت مرة أخرى مسألة فيضان بطسبيرغ. قام م. كودراي برسم خريطة لتلك المدينة، وعرض لنا حالة نيفا وبقية أجزاء المنطقة.   ================   محادثات مع غوته تأليف: يوهان بيتر إيكرمان ترجمة من الألمانية للإنجليزية:  جون اوكسنفورد ترجمة من الإنجليزية: سماح جعفر   تقوم «القرية الإلكترونية» بتكليف من الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، بترجمة يوميات من حياة "جوته"، المعنونة بـــ «محادثات مع غوته»، من تأليف: «يوهان بيتر إيكرمان*»، وهي عبارة عن يوميّات كتبها "إيكرمان" عن السنوات الأخيرة من حياة شاعر ألمانيا الكبير «غوته Goethe»، وتمت ترجمتها من الألمانية للإنجليزية بواسطة «جون أوكسنفورد»، وترجمها من الإنجليزية إلى العربية: «طارق زياد شعار»، وسوف نقوم بنشرها على حلقات تباعاً هنا في الصفحة نأمل أن تحوز إعجابكم. *«يوهان بيتر إيكرمان» Johann Peter Eckermann 1792-1854: عمل كأمين خاص لجوته في الفترة الأخيرة من حياة الأخير. وسرعان ما أصبح كتابه محادثات مع غوته، ذو شعبية تخطت الحدود الألمانية، ولعب دوراً مهما في إحياء الاهتمام والتقدير لأعمال جوته في وقت لاحق.   #محمد_أحمد_السويدي_ترجمة_محادثات_مع_غوته , Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi,,

Related Articles

محادثات مع غوته - الافتتاحية
محادثات مع غوته - الجزء الأول
محادثات مع غوته - الجزء الثاني
محادثات مع غوته - الجزء الثالث
محادثات مع غوته - الجزء الرابع
محادثات مع غوته - الجزء الخامس
محادثات مع غوته - الجزء السادس