Arabic    

محادثات غوته - الجزء السابع


2019-07-05 00:00:00
اعرض في فيس بوك
التصنيف : محادثات مع غوته

 

 

 

 

محادثات غوته | الجزء السابع
 
لاحظت أنَّ تلك الدوافع البسيطة حركت داخلي بعض الأحاسيس القوية، كما لو أنني قرأت القصائد نفسها، ولم يكن لدي رغبة في معرفة التفاصيل.
 
قال غوته: أنت محق تمامًا. الأمر كذلك فعلًا، لقد لاحظت الأهمية الكبيرة للدوافع، والتي لا يفهمها أحد. نساؤنا لا يملكن فكرة عنها. يقلن القصيدة جميلة، وهن يقصدن بهذا المشاعر، الكلمات والأبيات، فقط. لا أحد يرى أنَّ القوة الحقيقية للقصيدة تكمن في الظرف وفي الدافع “(1)Motiv”   في الألمانية، وهذا الدافع، مفردة صعبة جدًا وغير قابلة للسيطرة.
 
ولذلك السبب كُتبت آلاف القصائد التي لم تكن تحوي دافعًا، والتي فقط من خلال المشاعر والأبيات الرنانة تعكس نوعًا من الوجود. الهواة، وخاصة النساء، يملكون أفكارًا ضعيفة عن الشعر. غالبًا ما يعتقدون أنهم إن استطاعوا التغاضي عن الجزء التقني، سيكونون جوهريين، وبارعين، لكنهم مخطئون تمامًا . 
 
أعلن عن وصول بروفيسور ريمر، غادر ريبين، وجلس ريمر معنا. المحادثة ما زالت تدور حول قصائد حب صربية. كان ريمر مطلعًا على الموضوع، وقدم ملاحظة وفقًا لما ذكر أعلاه، ليس فقط أنَّ تلك القصائد يمكن صنعها، لكنْ هذه الدوافع نفسها قد استخدمت بالفعل بواسطة الألمان، دون أن يعرفوا أنها استخدمت في صربيا أيضًا. ذكر بعض القصائد الخاصة به، وقمت بذكر بعض قصائد غوته، والتي خطرت ببالي أثناء القراءة.
 
قال غوته:" يبقى العالم دائمًا على حاله، المواقف متكررة، شخص واحد يحيا، ويحب، ويشعر كالآخرين، لماذا يجب على الشاعر ألا يكتب كالآخرين؟ مواقف الحياة متشابهة، لماذا إذن يجب على هذه القصائد أن تكون مختلفة؟" 
 
قال ريمر:" هذه التشابه الشديد في الحياة يجعلنا قابلين لتقدير أشعار الأمم الأخرى. إنْ لم يكن الأمر على هذا النحو، ينبغي ألا نعرف أبدًا ما سيكون عليه الشعر الأجنبي". 
 
قلت:" لهذا السبب يدهشني دائمًا المثقف الذي يعتقد أنَّ الشعرية ليست صنيعة الحياة للشعر، بل صنيعة الكتب للشعر. يردد دائمًا:" لقد حصل عليها من هنا، لقد حصل عليها من هناك". إن وجدوا، على سبيل المثال، بعض المقاطع لدى شكسبير، والتي يمكن أنها توجد أيضًا لدى القدماء، فسيقولوا لقد حصل عليها حتمًا من القدماء. من ثم، هناك مشهد في أحد أعمال شكسبير، حيث نرى فتاة جميلة، الأم والأب يباركان للفتاة التي هي ابنتهما، وللشاب الذي سيأخذها معه إلى المنزل بوصفها زوجته. ولأنَّ الشيء ذاته يمكن أن يكون صُوِر لدى هوميروس، فشكسبير، بالتأكيد، قد أخذه من هوميروس. كم غريب هذا!. وكأنَّ على المرء أن يبحث بعيدًا لأجل أشياء كهذه، وكأنها ليست أمام ناظريه، لا يشعر بها، ولا يرددها يوميًا".  
 
 
قال غوته:" نعم، شيء سخيف للغاية".
 
قُلت، "لورد بايرون أيضًا ليس حكيمًا منه أن يأخذ فاوست كأجزاء، ويعتقد أنك وجدت جزءًا هنا، والآخر هناك".
 
قال غوته، "الجزء الأعظم من تلك الأشياء الرائعة التي استشهد بها اللورد بايرون،  لم أقرأها قط، وأكثر بكثير لم أكن أفكر حتى بها عند كتابة (فاوست). لكن اللورد بايرون عظيم كشاعر فقط، لكن بمجرد أن يفكر، فهو طفل. إنه لا يعلم كيف يحمي نفسه ضد الهجمات الغبية نفسها التي وقعت عليه من قبل مواطنيه. وجب عليه أن يعبر عن نفسه بصورة أقوى ضدهم. "ما كُتب هنا هو لي"، كان يجب عليه أن يقول: "وسواء أحصلت عليه من كتاب، أو من الحياة، لا يهم، ما يهم هنا هو ما إذا قمت باستخدامه بشكل صائب". استخدم والتر سكوت مشهدًا من "إغمونت" الخاص بي، وكان يملك الحق في فعل ذلك، ولأنه قام به بشكل جيد ، فقد استحق الثناء.
 
وقد قام أيضًا بنسخ شخصية ميغنون الخاصة بي في إحدى رواياته الرومانسية، ولكن هل ملكت نفس القيمة! هذا سؤال آخر. الشيطان المتحول(2) للورد بايرون، هو استمرارية لميستوفوليس، وهو سليم تمامًا أيضاً، وإن أغرته نزوة الأصالة، وغادر النموذج، فهو بالتأكيد سيزداد سوء. وهكذا، مفيستوفوليس الخاص بي قد غنى أغنية من شكسبير، لماذا لا ينبغي عليه؟ لماذا أكلف نفسي عناء تأليف واحدة خاصة بي، بينما قالت أغنية شكسبير المطلوب تماماً. وأيضاً، إن كانت مقدمة "فاوست" تشبه عملًا لهوميروس، فهذا ليس أمرًا خاطئًا أيضًا. فمن الأفضل أن يتم الإشادة بي من أن يتم انتقادي.
 
كان غوته في أحسن مزاج، طلب زجاجة نبيذ، وصب لريمر ولي، أما هو فقد شرب مياه مارينباد. ويبدو أنه قد حدد هذا المساء ليراجع مع ريمر مخطوطة متابعة سيرته الذاتية، ربما من أجل إدخال بعض التحسينات هنا وهناك، في موضوع أسلوب التعبير قال غوته:" دع إيكرمان يبقى ويسمعها أيضاً، تلك الكلمات التي كنت سعيدًا جدًا بسماعها. وضع المخطوطة أمام ريمر، الذي بدأ القراءة، بدءًا من العام 1795.
 
وكنت قد استمتعت بقراءتها خلال الصيف بالفعل؛ والتفكير مرارًا وتكرارًا بتلك السجلات التي لم تنشر بعد، لتلك السنوات وصولًا إلى آخر السنوات. ولكن أن أسمعها الآن تقرأ بصوت عال وفي حضور غوته، فتلك متعة جديدة كليًا. 
 
اهتم ريمر بشكل خاص بأسلوب التعبير، وقد حصلت على الفرصة للإعجاب ببراعته العظيمة، وغنى كلماته وعباراته، ولكن في عقل غوته، عصر الحياة الذي تم توصيفه أعيد إحياؤه، فقد استرسل في ذكرياته، وفي ذكر أشخاص وأحداث منفردة. ملأ القصة المكنوبة بالتفاصيل التي قدمها لنا شفويًا.
 
كانت أمسية رائعة. تحدث عن أكثر معاصريه البارزين، لكن الحديث كان يعود دائمًا لشيللر، والذي كان متشابكًا جدًا مع تلك الفترة،  من 1795 وحتى 1800. كان المسرح هدفًا لجهودهم الموحدة، وأفضل أعمال غوته تنتمي إلى تلك الحقبة. كانت ''فيلهليم ميستر" قد اكتملت، و "هيرمان و دورثيا" أكمل مخططها وبدأت كتابتها، "سيلليني" ترجم هورين*، و"شينين" كتبه كل من شيللر وموسنماناش. كل يوم يجلب معه نقاط التقاء. تحدثنا عن كل ذلك المساء، كان لدى غوته فرصة كاملة لتبادل الأراء الأكثر إثارة للاهتمام.
 
قال:" هيرمان و دوروثي" تقريبًا، هي الوحيدة من ضمن قصائدي الكثيرة، لا زالت ترضيني حتى الآن، أقرؤها باهتمام كبير. أحبها أكثر بالترجمة اللاتينية، هناك تبدو لي نبيلة، كما لو أنها عادت إلى هيئتها الأصلية.
 
كانت "ويلهيلم ميستر"، غالبًا موضوعًا للمناقشة. لامني شيللر على إضافة عناصر مأساوية لا تنتمي للرواية، لكنه كان مخطئًا كما نعلم جميعًا، في رسالته الموجهة إليَ، هناك وجهات نظر وآراء أهم فيما يتعلق بـ "ويلهيلم ميستر"، لكن هذا العمل هو أحد أكثر الإنتاجات المتقلبة، أنا نفسي نادرًا ما أقول إنني أملك مفتاحه. 
 
الناس يسعون إلى نقطة مركزية، وهذا أمر صعب، حتى إنه غير سليم. يجب أن أفكر في حياة متعددة وغنية، جُلبت قرب أعيننا. ذلك سيكون كافيًا في حد ذاته، دون أي اتجاه جلي، والذي هو بعد هذا كله، من أجل الفكر فقط. لكن إن تم الإصرار على أي شيء من هذا النوع، يمكن العثور عليها في كلمات فريدريك، في النهاية، مخاطبًا البطل، عندما قال:" أنت تبدو لي مثل شاول، ابن كيش، الذي خرج للحصول على حمار والده، فوجد مملكة. في الواقع، يبدو أنَّ العمل كله لا يقول شيئًا أكثر من أنَّ ذلك الرجل، على الرغم من كل حماقاته وأخطائه، قادته يد أعلى، ليصل إلى بعض الأهداف السعيدة في النهاية". 
 
ثم تحدثنا عن الدرجة العالية من الثقافة، خلال الخمسين عامًا الماضية، والتي أصبحت عامة بين الطبقات الوسطى الألمانية. لم يُعْزِ غوته هذا الاستحقاق كثيرًا لــ "ليسينج" كما ل"هيردر" و"ويلاند". قال:" ليسينج رفيع الإدراك لحد بعيد، ووحده المساوي له في العظمة قد يستطيع فعليًا التعلم منه. كان خطرًا. "جاء على ذكر صحافي، كان قد شكل نفسه على ليسينج، وفي نهاية القرن الماضي كان قد لعب دورًا في الواقع، لكن بعيدًا عن النبالة، لأنه كان أدنى منزلة من سلفه العظيم.
 
قال:" الطبقة العليا الألمانية كلها، مدينة لويلاند من أجل أسلوبه. لقد تعلموا الكثير منه، والقدرة على التعبير عن النفس ليست أقلها.
 
على ذكر "هدايا المائدة"(3)، أشاد بتلك الخاصة بشيللر، والتي دعاها بالساخرة واللاذعة، أما خاصته فدعاها بالبسيطة والمتواضعة. قال:" لطالما قرأت تيركرايس (ذودياك) الخاصة بشيللر بإعجاب، التأثير الجيد الذي أحدثته " هدايا المائدة" على الأدب الألماني في ذلك الوقت فوق التصور. وذكر بهذه المناسبة العديد من الأشخاص الذين وجهت إليهم " هدايا المائدة"، ولكنْ أسماؤهم ضاعت من ذاكرتي.
 
بعد أن قمنا بالقراءة والتحدث حول المخطوطات حتى نهاية العام 1800، مقاطعين بملاحظات لا حصر لها من قبل غوته، قام بوضع الأوراق جانبًا، وتناولنا القليل من العشاء الموضوع في نهاية المائدة التي كنا نجلس حولها. أكلنا، ولكن غوته لم يكد يلمس الطعام، لم أره يتناول الطعام في المساء أبدًا. كان يجلس معنا، يملأ أكوابنا، يتشمم الشموع، ويبهجنا فكريًا بالمحادثات الأكثر إثارة. ذكراه عن شيللر كانت مفعمة بالحياة، حيث أنَّ الحديث اللاحق من تلك الأمسية كلها كرس له فحسب. 
 
تحدث ريمر عن مظهر شيللر الشخصي. بناء أطرافه، مشيته في الشارع، وكل حركاته، قال:" كان متفاخرًا، لكن عيناه كانتا رخوتين".
 
قال غوته: "نعم، كل ما يتعلق به كان باعثًا على الفخر، وملوكيًا، فقط العينان رخوتان، موهبته كانت تشبه هيئته الخارجية. استولى بقوة على موضوع عظيم، وقولبه وعالجه على هذا النحو وذاك. لكنه رأى موضوعه، كما كان، من الخارج فقط، القليل من التطوير الداخلي لم يكن مشمولًا في عالمه.
 
كانت موهبته غير منهجية. لهذا لم يقرر أبدًا- لم يستطع- أن ينتهي. كثيرًا ما قام بتغيير جزء مباشرة قبل البروفة.
 
وعندما بدأ العمل بجرأة، لم يبذل جهودًا شاقة في ما يتعلق بالدوافع. أتذكر المصاعب التي عانيتها معه، عندما أراد أن يجعل "جيسلر"، في "تيل"، يقوم بقطف تفاحة بشكل مفاجئ من الشجرة، وأن يقوم بالتصويب عليها، وهي موضوعة فوق رأس الصبي. كان هذا ضد طبيعتي تماماً، حثثته على إعطاء دافع أقل لتلك الوحشية، بجعل الصبي يتبجح ببراعة والده أمام جيسلر، وأنه يستطيع إصابة تفاحة فوق الشجرة، من على بعد مائة خطوة.
 
لم يكن شيللر يريد فعل شيء من هذا القبيل البداية، لكنه استسلم إلى حججي ومقاصدي في النهاية، وقام بما نصحته به. من ناحية أخرى، ولاهتمامي العظيم بالدوافع، قمت بإبقاء عملي "يوجين" بعيدًا عن المسرح، فــ "يوجين" لم تكن غير سلسلة من الدوافع، وهذا لا يمكنه النجاح على خشبة المسرح.
 
صنعت عبقرية شيللر خصيصًا للمسرح، مع كل قطعة يحرز فيها تقدمًا، يصبح منجزًا أكثر. لكن، ومن الغريب قول هذا، حبه اليقيني للفظائع، التصق به منذ "روبرس" والذي لم يغادره تمامًا حتى في "برايم". أتذكر تمامًا، في مشهد السجن في "إيغمونت" حين قرأت له الجملة، كان شيللر ليجعل "ألفا" يظهر في الخلفية، ملثمًا ومتلحفًا بعباءة، مستمتعًا بتأثير جملته على "إيغمونت". وهكذا، كان "ألفا" ليظهر نهمه للثأر والحقد. لكنني احتججت، ومنعت هذا الظهور، كان رجلًا عظيمًا وغريبًا.
 
كل أسبوع يصبح مختلفًا وأكثر اكتمالاً، في كل مرة رأيته فيها، بدا لي أنه اكتسب سموًا أعلى في المعرفة والبصيرة. ستظل خطاباته أروع تخليد له حصلت عليه. كانت أيضًا من بين أعظم كتاباته. أحتفظ بخطابه الأخير كأثر مقدس بين كنوزي. "ذهب وجلبه". وقال لي:" اطلع عليه وأرجعه إلي". ". 
 
كان خطابًا رائعًا جداً، كتب بيد جريئة. كان يحوي آراء عن مذكرات غوته حول "ابن أخ رامو"، والتي ظهرت في الأدب الفرنسي في ذلك الوقت، والذي أعطاه لشيللر ليطلع عليه. قرأت الخطاب لريمر بصوت عال. قال غوته:" أرأيت كم هو شديد الذكاء ومتسق في أحكامه، كتابته تخون أي أثر للضعف. كان جليلاً، وقد تركنا في قمة عظمته. تاريخ هذه الرسالة 24 أبريل 1805. وقد رحل شيللر في التاسع من مايو.
 
نظرنا إلى الرسالة بالدور، وسعد كلانا بالأسلوب الواضح، وروعة خط اليد. منحنا غوته بضع كلمات أخرى من الذكريات الرقيقة عن صديقه، حتى قاربت الساعة الحادية عشر، فغادرنا.
 
الخميس، 24 فبراير 1825.
 
قال غوته:" إن كنت لا أزال مشرفًا على المسرح، لكنت قدمت "دوق البندقية"، هذا المساء. القصة طويلة في الواقع، وستتطلب بعض التقصير، لكن ينبغي ألا يُقصّ شيء، ويجب أن تؤخذ أهمية كل مشهد، ويعبر عنها بإيجاز. هكذا سيتم تقريب قطع القصة لبعضها، دون إضرارها بالتعديلات، وستمتلك تأثيرًا قويًا دون أي خسارة جمالية جوهرية.
 
رأيُ غوته، قدم لي رؤية جديدة لنقدمها على المسرح، لمئات الحالات المشابهة، كنت مسرورًا بشدة بتلك الحكمة، والتي مع ذلك تستدعي ذهنًا متقداً، وشاعرًا يعي موهبته.
 
تحدثنا مطولًا عن لورد بايرون، وقمت بذكر ما قاله بخصوص محادثته مع "ميدوين"، إنَّ هناك شيئًا بالغ الصعوبة بخصوص الكتابة للمسرح. قال غوته:" النقطة القوية بالنسبة للشاعر أن يضرب المسار الذي تذوقه الجمهور وأثار اهتمامه. إذا انسجمت اتجاهات أفكاره مع الجمهور، فسيكتسب كل شيء. أصاب هوالد هذا الطريق مع رائعته "الصورة"، ومن هنا حصل على الاستحسان العالمي. ربما لم يكن لورد بايرون محظوظًا جداً، لأنَّ اتجاهاته تختلف كثيرًا عن الجمهور. عظمة الشاعر ليست المسألة المهمة على الإطلاق. على النقيض من ذلك، فإنَّ الشاعر الذي يسمو قليلًا عن العامة غالبًا ما يحصل على الاستحسان الكلي نتيجة لهذا السبب تحديدًا.    
 
واصلنا حديثنا عن بايرون، كان غوته معجبًا بموهبته الاستثنائية. قال:" هذا ما أسميه إبداعًا لم أره عند أي أحد في العالم بدرجة أكبر منه. طريقته في التخلص من عقدة دراماتيكية أفضل ما يمكن للشخص توقعه".
 
قلت:" هذا هو ما أحسه تجاه شكسبير، خاصة عندما ورط فاليستاف نفسه في هذه الشبكة من الأكاذيب، وقد سألت نفسي عما يجب أن أفعله لمساعدته على التحرر، لأجد شكسبير قد تخطى كل نظرياتي. والشيء المشابه الذي وصفت به لورد بايرون أعلى ثناء يمكن أن يمنح له. مع ذلك، فالشاعر الذي يقوم بدراسة واضحة للبداية والنهاية لديه أفضلية إلى حد بعيد لدى القراء".
 
وافقني غوته، وضحك مفكرًا أنَّ لورد بايرون في الحياة العملية لن يستطيع أن يكيف نفسه، ولن يسأل حتى عن قانون. وأخضع نفسه في النهاية لأغبى القوانين، قوانين الوحدات الثلاث. 
 
قال غوته:" إنه لا يفهم الغرض من هذا القانون أكثر من بقية العالم. الشمولية هي الغاية، والوحدات الثلاث جيدة فقط في أنها تفضي إلى هذه النهاية. إن كانت مراعاته تعوق فهم العمل، فمن الحماقة معاملته كقانون، ومحاولة التقيد بها. حتى الإغريق، الذين أخذت منهم القاعدة، لم يقوموا باتباعها دائمًا. في "فيتون" يوريبيس، وقطع أخرى. هناك تغيير في المكان، ومن الواضح أنَّ الأداء الجيد لموضوعاتهم كان أهم بالنسبة لهم من الطاعة العمياء للقانون، والذي هو في حد ذاته ليس ذا شأن عظيم. تحيد نصوص شكسبير بقدر الإمكان عن وحدتي الزمان المكان، لكنها مفهومة، لا أكثر. ولهذا لم يجد الإغريق خطأ بخصوصها.  
 
سعى الفرنسيون إلى إتباع القوانين الثلاثة بشكل صارم، لكنهم أخطأوا بشأن الشمولية، نظرًا إلى أنهم يحلون قانونًا مسرحيًا، ليس بالمسرح، لكن بالرواية.
 
خطر على ذهني "الأعداء" لهاولد. مؤلف هذه الدراما وقف طويلًا في ضوئه الخاص، عندما حافظ على وحدة المكان، أخطأ ضد الشمول في الفعل الأول، وقد ضحى كليًا بما يمكن أن يمنح النص أعظم تأثير، لنزوة، وهذا ما لن يشكره عليه أحد. من ناحية أخرى فكرت ب"جوتز فون بيرليشينغن"، والذي ينحرف قدر الإمكان عن وحدتي الزمان والمكان. لكن، وكما كل شيء يقدم لنا بوضوح، ويوضع أمام أعيننا. هو حقًا درامي ومفهوم مثل أي قطعة في العالم والتي كانت طبيعية أيضًا من خلال وحدتي الزمان والمكان، ومنسجمة مع مقاصد الإغريق. فقط عندما يكون الموضوع محدودًا جدًا في نطاقه يمكنه أن يطور نفسه بكل تفاصيله أمام أعيننا في وقت معين، لكن ومع عمل كبير، يجري في عدة أماكن، لا يوجد سبب يجعلنا نتقيد بمكان واحد، خصوصًا أنَّ ترتيبات المسرح المتوفرة حاليًا لا تشكل عقبة أمام تغيير المشهد. 
 
واصل غوته حديثه عن لورد بايرون. قال:" مع هذا الميل الذي دائمًا ما يقوده إلى اللا متناهي، السيطرة التي يفرضها على نفسه بالتقيد بالوحدات الثلاث جعلته جيدًا جدًا. إن كان يعلم كيف يتحمل الضبط الأخلاقي أيضًا، ذلك لن يكون دماره. ويمكننا القول بجدراة، أنه دمر بواسطة مزاجه الجامح. لكنه وبخصوص شخصه، كان في عتمة مفرطة. عاش باندفاع من أجل اللحظة، وسواء أكان يعلم أو فكر فيما يفعله بالسماح لنفسه بكل شيء، وعدم مسامحة الغير. هو بالضرورة وضع نفسه في موقف سيء، وجعل من العالم عدوًا له". 
 
قام في البداية بإهانة رجال الأدب الأكثر تميزًا بواسطة "الشعراء الإنجليز والنقاد الإسكوتلنديين"، ولكي يسمح له بمجرد العيش، اضطر للرجوع خطوة إلى الوراء. في أعماله اللاحقة، واصل في طريق العداوة والتعييب، الكنيسة والدولة لم يسلما منه، وسلوكه الطائش قاده خارج إنجلترا، وسيقوده خارج أوروبا أيضًا في الوقت المحدد. كل مكان كان ضيقًا جدًا بالنسبة له، ومع الحرية الشخصية الأكثر مثالية شعر أنه مقيد، وأنَّ العالم سجن بالنسبة له. لم تكن حملته الإغريقية ناتجة عن إدراكات ثورية، لكن عدم فهمه للعالم دفعه نحوها. 
 
" التخلي عما هو موروث، ووطني، لم يتسبب فقط في الهلاك الشخصي للرجل البارز، ولكن دوره الثوري، والتحريض العقلي المستمر واللذان تم المزج بينهما، لم يتيحا لموهبته التطور العادل. علاوة على ذلك، فإنَّ نفيه الدائم، أضر حتى بأعماله الممتازة. وليس فقط لأنَّ سخط الشاعر سيصيب القارئ، لكن نهاية كل هذا العداء هي النفي، والنفي لا شيء. ما الذي سأكسبه إن أسميت السيء سيئًا؟ إن أسميته بالسيء أكون قد أتيت قدرًا كبيرًا من الأذى. وذلك الذي يعمل بجد ولا تثنيه الحواجز يجب ألا يزعج نفسه أبدًا بالمنجز الرديء، ولكن أن يقوم بما هو جيد، لأنَّ النقطة العظيمة هنا ليست الهدم، بل البناء، وفي هذا وجدت الإنسانية الفرح النقي. 
 
سررت بهذه الكلمات النبيلة، والحكمة القيمة. 
 
تابع غوته:"بالنظر إلى لورد بايرون كرجل، رجل إنجليزي، وكموهبة عظيمة، طبيعته الخيرة مردها فوق كل شيء إلى أنه رجل، وسيئاته مردها لكونه رجلًا إنجليزيًا، موهبته غير قابلة للقياس. يتساوى في هذا جميع الرجال الإنحليز، الارتباك وروح الحزب لن تسمح لهم أن يبلغوا الكمال في هدوء. لكنهم عظماء كرجال عمليين.
 
وهكذا، فاللورد بايرون لن يستطيع أبدًا أن يبلغ انعكاسًا على نفسه، وعلى هذا النحو، فإنَّ بصيرته بشكل عام ليست ناجحة، كما وضحت عقيدته، "الكثير من المال، لا السلطة"، لأنَّ المال الكثير دائمًا ما يعجز السلطة.   
 
لكنه ينجح تمامًا حيثما أبدع، ومعه يمكننا القول بصدق إنَّ الإلهام يدعم منزلة التأمل. كان ملتزمًا دائمًا بنظم الشعر، وكل ما أتى من الرجل، خاصة من قلبه، كان رائعًا. لقد أنتج أفضل أشيائه، كالنساء اللاتي ينجبن أطفالًا جميلين، دون التفكير حول ما حدث، أو كيفية حدوثه.
 
إنه موهبة عظيمة، موهبة فطرية، وأنا لم أرَ أبدًا قوة شعرية حقيقة لدى أي رجل أعظم مما لديه. في إدراك الخارجي، وتغلغله الواضح في مواقف ماضية، أنه عظيم تمامًا كشكسبير؛ لكن كشخصية صرفة، شكسبير هو الأسمى. هذا ما أحسَّ به بايرون، ولهذا لم يقل الكثير عن شكسبير، رغم حفظه لمقاطع كاملة، عن ظهر قلب. ربما يمكنه إنكاره طوعاً، لأنَّ بهجة شكسبير في طريقته، وهو قد أحس بذلك وعرف أنه لا يماثلها. البابا الأعلى الذي لا ينكره، ليس لديه سبب ليخاف منه، على العكس، لقد ذكره، وأظهر له الاحترام وقتما استطاع لأنه يعلم بما فيه الكفاية أنَّ البابا هو مجرد إحباط لشخصه.  
 
لم يكن غوته يمل موضوع بايرون، وأنا أشعر أنني أستطيع الاستماع إليه بلا انقطاع. بعد بضع استطرادات، شرع بالتالي:-  
 
منزلة شكسبير العالية كنظير إنجليزي أضرت ببايرون، لأنَّ كل موهبة مرهقة بالعالم الخارجي، وتحديدًا عندما يوجد مثل هذا الأصل العالي، والثروة العظيمة جدًا. الطبقة الوسطى المعينة واعدة أكثر للمواهب، لذا نجد كل الفنانين والشعراء الكبار من الطبقات الوسطى. ولع بايرون بالمطلق لم يكن ليصبح خطيرًا جدًا مع أصل أكثر تواضعًا، ووسائل أقل. نتيجة لما كان عليه، كان باستطاعته وضع كل نزوة قيد الممارسة، وهذا ما ورطه في متاعب لا حصر لها. بجانب أنه كيف لمثل هذه الرتبة العالية أن تستلهم الخشية والاحترام من أي رتبة أخرى. تحدث عن كل ما شعر به، وهذا جعله في صراع لا ينقطع مع العالم.
 
تابع غوته:" من المدهش الملاحظة كيف أنَّ جزءًا كبيرًا من حياة الغني الإنجليزي انقضت في المبارزات والفرار. لورد بايرون بنفسه قال، إنَّ والده أنجب من ثلاث نساء، لقد عاش على الدوام في حالة مع الطبيعة، ومع أسلوب حياته، كانت ضرورة الدفاع عن النفس تطفو أمام عينيه يومياً. لذا فمسدسه استمر في إطلاق النار، وكان يتوقع أن يتم ارداؤه في أية لحظة.
 
لم يستطع العيش وحيدًا، لذا، ومع كل غرابته كان متسامحًا جدًا مع زملائه، في إحدى الأمسيات قرأ واحدة من قصائده الجيدة في وفاة السير جون مور، ولم يدر أصدقاؤه النبلاء ما يصنعون معه، لم يحركه الأمر بل قام بإبعاده مرة أخرى. كشاعر، أظهر نفسه فعليًا وديعًا كالحمل، بينما قد ينسبه آخرون إلى الشيطان.
 
الثلاثاء، 21 مارس 1825
 
الليلة الماضية، بعد الثانية عشرة بقليل، استيقظنا بصوت تنبيه الحريق، سمعنا صرخات، المسرح مشتعل، أرتديت ملابسي مرة واحدة، وأسرعت إلى مكان الحادث. كان الرعب العالمي كبيرًا جدًا، قبل بضع ساعات فقط كنا مبتهجين جدًا بالتمثيل القدير لــ " لاروش" في " يهودي كيمبرلاند"، وسايدل قوبل بضحكات عالمية مهتاجة على دعابته الجيدة ونكاته. والآن، المكان الذي كان في الآونة الأخيرة مسرحًا للمتع الفكرية، دُمر بفظاعة. 
 
يبدو أنَّ الحادث الذي تسبب به جهاز التدفئة، كان قد بدأ في الأسفل وسرعان ما انتشر إلى المسرح. كما أنه زاد بصورة رهيبة بالكم الهائل للمواد القابلة للاشتعال، ولم يمض وقت طويل حتى اندلعت ألسنة اللهب من خلال السقف، وسلكت طريقها خلال العوارض الخشبية.
 
لم يكن هناك نقص في إعدادات إطفاء الحريق، وكان المبنى محاطًا بكمية من المولدات التي صبت كمية هائلة من المياه على النيران، ، لكن دون جدوى.
 
ظلت ألسنة اللهب تتصاعد، وألقت نحو السماء المظلمة كتلًا لا تنضب من الشرر المتقد، وجسيمات من المواد الخفيفة المحترقة، والتي في وقت لاحق ومع نسمات خفيفة، كانت تمر على جنبات المدينة. ضوضاء وصرخات ونداءات الرجال على سلالم الإطفاء كانت مدوية، بدوا عازمين على إخماد الحريق. في أحد الجوانب، وعند أقرب نقطة كانت تسمح بها النيران المشتعلة، وقف رجل يرتدي عباءة وقبعة عسكرية، يدخن سجارًا بكل هدوء. للوهلة الأولى يبدو كمتفرج متبطل، ولكن لم يكن الحال كذلك، بدأ يعطي في بضع كلمات أوامره لعدد من الأشخاص، والذين كانوا ينفذونها في الحال، كان الدوق النبيل " تشارلز أوغسطين"، والذي علم مبكرًا أنَّ المبني نفسه لا يمكن إنقاذه، لذلك أمر بإخلائه، وأن تؤخذ جميع المولدات الفائضة والمعرضة لخطر الحريق إلى المنازل المجاورة. 
 
" اتركوه يحترق، سيسمو ثانية مع ما هو أجمل. "
 
لم يكن مخطئًا، كان المبنى قديمًا ودون وسائل حماية، وكف منذ وقت طويل عن أن يكون فسيحًا كفاية لاستيعاب أعداد الجماهير المتزايدة سنويًا. مع ذلك كان من المؤسف رؤية هذا المبنى مدمرًا بشكل لا يمكن إصلاحه، مع كل ذكريات الماضي اللامع والمحبب لفيمار.
 
رأيت الكثير من الدموع في عيون جميلة، تدفقت من أجله. تأثرت بحزن أحد أعضاء الأوركسترا، الذي بكى على كمانه المحترق، وعند الفجر رأيت العديد من الوجوه الشاحبة، لاحظت العديد من الفتيات والنساء من الطبقات العليا، واللاتي شهدن الحدث طيلة الليل، ويرتجفن الآن جراء هواء الصباح البارد. عدت إلى المنزل لأخذ بعض الراحة، وعند الظهيرة قام غوته بدعوتي.
 
قال لي الخادم إنه ليس على ما يرام، كان طريح الفراش. دعاني إلى جانبه. مد يده نحوي وقال:" جميعنا كُبِّدنا الخسارة، ما الذي بإمكاننا فعله؟ لقد جاء وولف الصغير بجانب سريري هذا الصباح، أمسك بيدي ونظر إليَّ وقال، إذن هكذا تحدث الأمور البشرية، ما الذي يمكن أن يقال بعد ذلك، عزيزي وولف قال كل ما يمكن قوله، والذي ظن أنه يمكن أن يريحني؟ المسرح، مشاهد مسرحية (الحب مجهود ضائع) لما يقارب الثلاثين عامًا يتناثر كرماد. وكما قال وولف، "إذن هكذا تحدث الأمور البشرية". لم أنم سوى لوقت قليل خلال الليل، من نافذتي الأمامية شاهدت ألسنة اللهب تتصاعد باستمرار نحو السماء".
---------
(1) بالألمانية (Motivs) مثل العديد من هذه الكلمات المشابهة التي لا يمكنها الحفاظ على ذات المعنى دائماً. وفقًا لتعريف المعجميين، فإنَّ المصطلح الألماني يعطي تقريبًا ذات المعنى في الانجليزية. والقصيدة بذلت لتكون حاثة "محفزة" إن نظمت بشكل جيد ككل، أي عندما ينتج دافع كاف تأثيرات مختلفة. لكن في المسلك أعلاه، فإنَّ معنى "الدافع" يبدو على الأحرى "موضوع" القصيدة.
(2) "المسخ المتحول"، وحقيقة أنَّ هذه القصيدة لم تنشر حتى يناير 1824، مما يجعل من المحتمل أنَّ غوته لم يرها، وهو ما يمثل عدم دقة في التعبير.
(3) هدايا المائدة (بالألمانية: Gastgeschenke) الاسم الأصلي للقصائد مأخوذ من الإغريقية (Xenien)، وهي مجموعة قصائد هجائية سياسية من تأليف الأديب الألماني يوهان فولفغانغ فون غوته بالاشتراك مع الأديب الألماني الآخر ورفيقه فريدرش شيلر، نشر الأديبان القصائد ليردا على الانتقاد الذي تعرضت له صحيفة "دي هورن" (Die Horen) التي قامت على أساس الصداقة بين غوته وشيلر .
 
================  
محادثات مع غوته
تأليف: يوهان بيتر إيكرمان
ترجمة من الألمانية للإنجليزية:  جون اوكسنفورد
ترجمة من الإنجليزية: سماح جعفر
 
تقوم «القرية الإلكترونية» بتكليف من الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، بترجمة يوميات من حياة "جوته"، المعنونة بـــ «محادثات مع غوته»، من تأليف: «يوهان بيتر إيكرمان»، وهي عبارة عن يوميّات كتبها "إيكرمان" عن السنوات الأخيرة من حياة شاعر ألمانيا الكبير «غوته Goethe»، وتمت ترجمتها من الألمانية للإنجليزية بواسطة «جون أوكسنفورد»، وترجمها من الإنجليزية إلى العربية: «طارق زياد شعار»، وسوف نقوم بنشرها على حلقات تباعاً هنا في الصفحة نأمل أن تحوز إعجابكم.
*«يوهان بيتر إيكرمان» Johann Peter Eckermann 1792-1854: عمل كأمين خاص لجوته في الفترة الأخيرة من حياة الأخير. وسرعان ما أصبح كتابه محادثات مع غوته، ذو شعبية تخطت الحدود الألمانية، ولعب دوراً مهما في إحياء الاهتمام والتقدير لأعمال جوته في وقت لاحق.
 
#محمد_أحمد_السويدي_ترجمة_محادثات_مع_غوته

        محادثات غوته | الجزء السابع   لاحظت أنَّ تلك الدوافع البسيطة حركت داخلي بعض الأحاسيس القوية، كما لو أنني قرأت القصائد نفسها، ولم يكن لدي رغبة في معرفة التفاصيل.   قال غوته: أنت محق تمامًا. الأمر كذلك فعلًا، لقد لاحظت الأهمية الكبيرة للدوافع، والتي لا يفهمها أحد. نساؤنا لا يملكن فكرة عنها. يقلن القصيدة جميلة، وهن يقصدن بهذا المشاعر، الكلمات والأبيات، فقط. لا أحد يرى أنَّ القوة الحقيقية للقصيدة تكمن في الظرف وفي الدافع “(1)Motiv”   في الألمانية، وهذا الدافع، مفردة صعبة جدًا وغير قابلة للسيطرة.   ولذلك السبب كُتبت آلاف القصائد التي لم تكن تحوي دافعًا، والتي فقط من خلال المشاعر والأبيات الرنانة تعكس نوعًا من الوجود. الهواة، وخاصة النساء، يملكون أفكارًا ضعيفة عن الشعر. غالبًا ما يعتقدون أنهم إن استطاعوا التغاضي عن الجزء التقني، سيكونون جوهريين، وبارعين، لكنهم مخطئون تمامًا .    أعلن عن وصول بروفيسور ريمر، غادر ريبين، وجلس ريمر معنا. المحادثة ما زالت تدور حول قصائد حب صربية. كان ريمر مطلعًا على الموضوع، وقدم ملاحظة وفقًا لما ذكر أعلاه، ليس فقط أنَّ تلك القصائد يمكن صنعها، لكنْ هذه الدوافع نفسها قد استخدمت بالفعل بواسطة الألمان، دون أن يعرفوا أنها استخدمت في صربيا أيضًا. ذكر بعض القصائد الخاصة به، وقمت بذكر بعض قصائد غوته، والتي خطرت ببالي أثناء القراءة.   قال غوته:" يبقى العالم دائمًا على حاله، المواقف متكررة، شخص واحد يحيا، ويحب، ويشعر كالآخرين، لماذا يجب على الشاعر ألا يكتب كالآخرين؟ مواقف الحياة متشابهة، لماذا إذن يجب على هذه القصائد أن تكون مختلفة؟"    قال ريمر:" هذه التشابه الشديد في الحياة يجعلنا قابلين لتقدير أشعار الأمم الأخرى. إنْ لم يكن الأمر على هذا النحو، ينبغي ألا نعرف أبدًا ما سيكون عليه الشعر الأجنبي".    قلت:" لهذا السبب يدهشني دائمًا المثقف الذي يعتقد أنَّ الشعرية ليست صنيعة الحياة للشعر، بل صنيعة الكتب للشعر. يردد دائمًا:" لقد حصل عليها من هنا، لقد حصل عليها من هناك". إن وجدوا، على سبيل المثال، بعض المقاطع لدى شكسبير، والتي يمكن أنها توجد أيضًا لدى القدماء، فسيقولوا لقد حصل عليها حتمًا من القدماء. من ثم، هناك مشهد في أحد أعمال شكسبير، حيث نرى فتاة جميلة، الأم والأب يباركان للفتاة التي هي ابنتهما، وللشاب الذي سيأخذها معه إلى المنزل بوصفها زوجته. ولأنَّ الشيء ذاته يمكن أن يكون صُوِر لدى هوميروس، فشكسبير، بالتأكيد، قد أخذه من هوميروس. كم غريب هذا!. وكأنَّ على المرء أن يبحث بعيدًا لأجل أشياء كهذه، وكأنها ليست أمام ناظريه، لا يشعر بها، ولا يرددها يوميًا".       قال غوته:" نعم، شيء سخيف للغاية".   قُلت، "لورد بايرون أيضًا ليس حكيمًا منه أن يأخذ فاوست كأجزاء، ويعتقد أنك وجدت جزءًا هنا، والآخر هناك".   قال غوته، "الجزء الأعظم من تلك الأشياء الرائعة التي استشهد بها اللورد بايرون،  لم أقرأها قط، وأكثر بكثير لم أكن أفكر حتى بها عند كتابة (فاوست). لكن اللورد بايرون عظيم كشاعر فقط، لكن بمجرد أن يفكر، فهو طفل. إنه لا يعلم كيف يحمي نفسه ضد الهجمات الغبية نفسها التي وقعت عليه من قبل مواطنيه. وجب عليه أن يعبر عن نفسه بصورة أقوى ضدهم. "ما كُتب هنا هو لي"، كان يجب عليه أن يقول: "وسواء أحصلت عليه من كتاب، أو من الحياة، لا يهم، ما يهم هنا هو ما إذا قمت باستخدامه بشكل صائب". استخدم والتر سكوت مشهدًا من "إغمونت" الخاص بي، وكان يملك الحق في فعل ذلك، ولأنه قام به بشكل جيد ، فقد استحق الثناء.   وقد قام أيضًا بنسخ شخصية ميغنون الخاصة بي في إحدى رواياته الرومانسية، ولكن هل ملكت نفس القيمة! هذا سؤال آخر. الشيطان المتحول(2) للورد بايرون، هو استمرارية لميستوفوليس، وهو سليم تمامًا أيضاً، وإن أغرته نزوة الأصالة، وغادر النموذج، فهو بالتأكيد سيزداد سوء. وهكذا، مفيستوفوليس الخاص بي قد غنى أغنية من شكسبير، لماذا لا ينبغي عليه؟ لماذا أكلف نفسي عناء تأليف واحدة خاصة بي، بينما قالت أغنية شكسبير المطلوب تماماً. وأيضاً، إن كانت مقدمة "فاوست" تشبه عملًا لهوميروس، فهذا ليس أمرًا خاطئًا أيضًا. فمن الأفضل أن يتم الإشادة بي من أن يتم انتقادي.   كان غوته في أحسن مزاج، طلب زجاجة نبيذ، وصب لريمر ولي، أما هو فقد شرب مياه مارينباد. ويبدو أنه قد حدد هذا المساء ليراجع مع ريمر مخطوطة متابعة سيرته الذاتية، ربما من أجل إدخال بعض التحسينات هنا وهناك، في موضوع أسلوب التعبير قال غوته:" دع إيكرمان يبقى ويسمعها أيضاً، تلك الكلمات التي كنت سعيدًا جدًا بسماعها. وضع المخطوطة أمام ريمر، الذي بدأ القراءة، بدءًا من العام 1795.   وكنت قد استمتعت بقراءتها خلال الصيف بالفعل؛ والتفكير مرارًا وتكرارًا بتلك السجلات التي لم تنشر بعد، لتلك السنوات وصولًا إلى آخر السنوات. ولكن أن أسمعها الآن تقرأ بصوت عال وفي حضور غوته، فتلك متعة جديدة كليًا.    اهتم ريمر بشكل خاص بأسلوب التعبير، وقد حصلت على الفرصة للإعجاب ببراعته العظيمة، وغنى كلماته وعباراته، ولكن في عقل غوته، عصر الحياة الذي تم توصيفه أعيد إحياؤه، فقد استرسل في ذكرياته، وفي ذكر أشخاص وأحداث منفردة. ملأ القصة المكنوبة بالتفاصيل التي قدمها لنا شفويًا.   كانت أمسية رائعة. تحدث عن أكثر معاصريه البارزين، لكن الحديث كان يعود دائمًا لشيللر، والذي كان متشابكًا جدًا مع تلك الفترة،  من 1795 وحتى 1800. كان المسرح هدفًا لجهودهم الموحدة، وأفضل أعمال غوته تنتمي إلى تلك الحقبة. كانت ''فيلهليم ميستر" قد اكتملت، و "هيرمان و دورثيا" أكمل مخططها وبدأت كتابتها، "سيلليني" ترجم هورين*، و"شينين" كتبه كل من شيللر وموسنماناش. كل يوم يجلب معه نقاط التقاء. تحدثنا عن كل ذلك المساء، كان لدى غوته فرصة كاملة لتبادل الأراء الأكثر إثارة للاهتمام.   قال:" هيرمان و دوروثي" تقريبًا، هي الوحيدة من ضمن قصائدي الكثيرة، لا زالت ترضيني حتى الآن، أقرؤها باهتمام كبير. أحبها أكثر بالترجمة اللاتينية، هناك تبدو لي نبيلة، كما لو أنها عادت إلى هيئتها الأصلية.   كانت "ويلهيلم ميستر"، غالبًا موضوعًا للمناقشة. لامني شيللر على إضافة عناصر مأساوية لا تنتمي للرواية، لكنه كان مخطئًا كما نعلم جميعًا، في رسالته الموجهة إليَ، هناك وجهات نظر وآراء أهم فيما يتعلق بـ "ويلهيلم ميستر"، لكن هذا العمل هو أحد أكثر الإنتاجات المتقلبة، أنا نفسي نادرًا ما أقول إنني أملك مفتاحه.    الناس يسعون إلى نقطة مركزية، وهذا أمر صعب، حتى إنه غير سليم. يجب أن أفكر في حياة متعددة وغنية، جُلبت قرب أعيننا. ذلك سيكون كافيًا في حد ذاته، دون أي اتجاه جلي، والذي هو بعد هذا كله، من أجل الفكر فقط. لكن إن تم الإصرار على أي شيء من هذا النوع، يمكن العثور عليها في كلمات فريدريك، في النهاية، مخاطبًا البطل، عندما قال:" أنت تبدو لي مثل شاول، ابن كيش، الذي خرج للحصول على حمار والده، فوجد مملكة. في الواقع، يبدو أنَّ العمل كله لا يقول شيئًا أكثر من أنَّ ذلك الرجل، على الرغم من كل حماقاته وأخطائه، قادته يد أعلى، ليصل إلى بعض الأهداف السعيدة في النهاية".    ثم تحدثنا عن الدرجة العالية من الثقافة، خلال الخمسين عامًا الماضية، والتي أصبحت عامة بين الطبقات الوسطى الألمانية. لم يُعْزِ غوته هذا الاستحقاق كثيرًا لــ "ليسينج" كما ل"هيردر" و"ويلاند". قال:" ليسينج رفيع الإدراك لحد بعيد، ووحده المساوي له في العظمة قد يستطيع فعليًا التعلم منه. كان خطرًا. "جاء على ذكر صحافي، كان قد شكل نفسه على ليسينج، وفي نهاية القرن الماضي كان قد لعب دورًا في الواقع، لكن بعيدًا عن النبالة، لأنه كان أدنى منزلة من سلفه العظيم.   قال:" الطبقة العليا الألمانية كلها، مدينة لويلاند من أجل أسلوبه. لقد تعلموا الكثير منه، والقدرة على التعبير عن النفس ليست أقلها.   على ذكر "هدايا المائدة"(3)، أشاد بتلك الخاصة بشيللر، والتي دعاها بالساخرة واللاذعة، أما خاصته فدعاها بالبسيطة والمتواضعة. قال:" لطالما قرأت تيركرايس (ذودياك) الخاصة بشيللر بإعجاب، التأثير الجيد الذي أحدثته " هدايا المائدة" على الأدب الألماني في ذلك الوقت فوق التصور. وذكر بهذه المناسبة العديد من الأشخاص الذين وجهت إليهم " هدايا المائدة"، ولكنْ أسماؤهم ضاعت من ذاكرتي.   بعد أن قمنا بالقراءة والتحدث حول المخطوطات حتى نهاية العام 1800، مقاطعين بملاحظات لا حصر لها من قبل غوته، قام بوضع الأوراق جانبًا، وتناولنا القليل من العشاء الموضوع في نهاية المائدة التي كنا نجلس حولها. أكلنا، ولكن غوته لم يكد يلمس الطعام، لم أره يتناول الطعام في المساء أبدًا. كان يجلس معنا، يملأ أكوابنا، يتشمم الشموع، ويبهجنا فكريًا بالمحادثات الأكثر إثارة. ذكراه عن شيللر كانت مفعمة بالحياة، حيث أنَّ الحديث اللاحق من تلك الأمسية كلها كرس له فحسب.    تحدث ريمر عن مظهر شيللر الشخصي. بناء أطرافه، مشيته في الشارع، وكل حركاته، قال:" كان متفاخرًا، لكن عيناه كانتا رخوتين".   قال غوته: "نعم، كل ما يتعلق به كان باعثًا على الفخر، وملوكيًا، فقط العينان رخوتان، موهبته كانت تشبه هيئته الخارجية. استولى بقوة على موضوع عظيم، وقولبه وعالجه على هذا النحو وذاك. لكنه رأى موضوعه، كما كان، من الخارج فقط، القليل من التطوير الداخلي لم يكن مشمولًا في عالمه.   كانت موهبته غير منهجية. لهذا لم يقرر أبدًا- لم يستطع- أن ينتهي. كثيرًا ما قام بتغيير جزء مباشرة قبل البروفة.   وعندما بدأ العمل بجرأة، لم يبذل جهودًا شاقة في ما يتعلق بالدوافع. أتذكر المصاعب التي عانيتها معه، عندما أراد أن يجعل "جيسلر"، في "تيل"، يقوم بقطف تفاحة بشكل مفاجئ من الشجرة، وأن يقوم بالتصويب عليها، وهي موضوعة فوق رأس الصبي. كان هذا ضد طبيعتي تماماً، حثثته على إعطاء دافع أقل لتلك الوحشية، بجعل الصبي يتبجح ببراعة والده أمام جيسلر، وأنه يستطيع إصابة تفاحة فوق الشجرة، من على بعد مائة خطوة.   لم يكن شيللر يريد فعل شيء من هذا القبيل البداية، لكنه استسلم إلى حججي ومقاصدي في النهاية، وقام بما نصحته به. من ناحية أخرى، ولاهتمامي العظيم بالدوافع، قمت بإبقاء عملي "يوجين" بعيدًا عن المسرح، فــ "يوجين" لم تكن غير سلسلة من الدوافع، وهذا لا يمكنه النجاح على خشبة المسرح.   صنعت عبقرية شيللر خصيصًا للمسرح، مع كل قطعة يحرز فيها تقدمًا، يصبح منجزًا أكثر. لكن، ومن الغريب قول هذا، حبه اليقيني للفظائع، التصق به منذ "روبرس" والذي لم يغادره تمامًا حتى في "برايم". أتذكر تمامًا، في مشهد السجن في "إيغمونت" حين قرأت له الجملة، كان شيللر ليجعل "ألفا" يظهر في الخلفية، ملثمًا ومتلحفًا بعباءة، مستمتعًا بتأثير جملته على "إيغمونت". وهكذا، كان "ألفا" ليظهر نهمه للثأر والحقد. لكنني احتججت، ومنعت هذا الظهور، كان رجلًا عظيمًا وغريبًا.   كل أسبوع يصبح مختلفًا وأكثر اكتمالاً، في كل مرة رأيته فيها، بدا لي أنه اكتسب سموًا أعلى في المعرفة والبصيرة. ستظل خطاباته أروع تخليد له حصلت عليه. كانت أيضًا من بين أعظم كتاباته. أحتفظ بخطابه الأخير كأثر مقدس بين كنوزي. "ذهب وجلبه". وقال لي:" اطلع عليه وأرجعه إلي". ".    كان خطابًا رائعًا جداً، كتب بيد جريئة. كان يحوي آراء عن مذكرات غوته حول "ابن أخ رامو"، والتي ظهرت في الأدب الفرنسي في ذلك الوقت، والذي أعطاه لشيللر ليطلع عليه. قرأت الخطاب لريمر بصوت عال. قال غوته:" أرأيت كم هو شديد الذكاء ومتسق في أحكامه، كتابته تخون أي أثر للضعف. كان جليلاً، وقد تركنا في قمة عظمته. تاريخ هذه الرسالة 24 أبريل 1805. وقد رحل شيللر في التاسع من مايو.   نظرنا إلى الرسالة بالدور، وسعد كلانا بالأسلوب الواضح، وروعة خط اليد. منحنا غوته بضع كلمات أخرى من الذكريات الرقيقة عن صديقه، حتى قاربت الساعة الحادية عشر، فغادرنا.   الخميس، 24 فبراير 1825.   قال غوته:" إن كنت لا أزال مشرفًا على المسرح، لكنت قدمت "دوق البندقية"، هذا المساء. القصة طويلة في الواقع، وستتطلب بعض التقصير، لكن ينبغي ألا يُقصّ شيء، ويجب أن تؤخذ أهمية كل مشهد، ويعبر عنها بإيجاز. هكذا سيتم تقريب قطع القصة لبعضها، دون إضرارها بالتعديلات، وستمتلك تأثيرًا قويًا دون أي خسارة جمالية جوهرية.   رأيُ غوته، قدم لي رؤية جديدة لنقدمها على المسرح، لمئات الحالات المشابهة، كنت مسرورًا بشدة بتلك الحكمة، والتي مع ذلك تستدعي ذهنًا متقداً، وشاعرًا يعي موهبته.   تحدثنا مطولًا عن لورد بايرون، وقمت بذكر ما قاله بخصوص محادثته مع "ميدوين"، إنَّ هناك شيئًا بالغ الصعوبة بخصوص الكتابة للمسرح. قال غوته:" النقطة القوية بالنسبة للشاعر أن يضرب المسار الذي تذوقه الجمهور وأثار اهتمامه. إذا انسجمت اتجاهات أفكاره مع الجمهور، فسيكتسب كل شيء. أصاب هوالد هذا الطريق مع رائعته "الصورة"، ومن هنا حصل على الاستحسان العالمي. ربما لم يكن لورد بايرون محظوظًا جداً، لأنَّ اتجاهاته تختلف كثيرًا عن الجمهور. عظمة الشاعر ليست المسألة المهمة على الإطلاق. على النقيض من ذلك، فإنَّ الشاعر الذي يسمو قليلًا عن العامة غالبًا ما يحصل على الاستحسان الكلي نتيجة لهذا السبب تحديدًا.       واصلنا حديثنا عن بايرون، كان غوته معجبًا بموهبته الاستثنائية. قال:" هذا ما أسميه إبداعًا لم أره عند أي أحد في العالم بدرجة أكبر منه. طريقته في التخلص من عقدة دراماتيكية أفضل ما يمكن للشخص توقعه".   قلت:" هذا هو ما أحسه تجاه شكسبير، خاصة عندما ورط فاليستاف نفسه في هذه الشبكة من الأكاذيب، وقد سألت نفسي عما يجب أن أفعله لمساعدته على التحرر، لأجد شكسبير قد تخطى كل نظرياتي. والشيء المشابه الذي وصفت به لورد بايرون أعلى ثناء يمكن أن يمنح له. مع ذلك، فالشاعر الذي يقوم بدراسة واضحة للبداية والنهاية لديه أفضلية إلى حد بعيد لدى القراء".   وافقني غوته، وضحك مفكرًا أنَّ لورد بايرون في الحياة العملية لن يستطيع أن يكيف نفسه، ولن يسأل حتى عن قانون. وأخضع نفسه في النهاية لأغبى القوانين، قوانين الوحدات الثلاث.    قال غوته:" إنه لا يفهم الغرض من هذا القانون أكثر من بقية العالم. الشمولية هي الغاية، والوحدات الثلاث جيدة فقط في أنها تفضي إلى هذه النهاية. إن كانت مراعاته تعوق فهم العمل، فمن الحماقة معاملته كقانون، ومحاولة التقيد بها. حتى الإغريق، الذين أخذت منهم القاعدة، لم يقوموا باتباعها دائمًا. في "فيتون" يوريبيس، وقطع أخرى. هناك تغيير في المكان، ومن الواضح أنَّ الأداء الجيد لموضوعاتهم كان أهم بالنسبة لهم من الطاعة العمياء للقانون، والذي هو في حد ذاته ليس ذا شأن عظيم. تحيد نصوص شكسبير بقدر الإمكان عن وحدتي الزمان المكان، لكنها مفهومة، لا أكثر. ولهذا لم يجد الإغريق خطأ بخصوصها.     سعى الفرنسيون إلى إتباع القوانين الثلاثة بشكل صارم، لكنهم أخطأوا بشأن الشمولية، نظرًا إلى أنهم يحلون قانونًا مسرحيًا، ليس بالمسرح، لكن بالرواية.   خطر على ذهني "الأعداء" لهاولد. مؤلف هذه الدراما وقف طويلًا في ضوئه الخاص، عندما حافظ على وحدة المكان، أخطأ ضد الشمول في الفعل الأول، وقد ضحى كليًا بما يمكن أن يمنح النص أعظم تأثير، لنزوة، وهذا ما لن يشكره عليه أحد. من ناحية أخرى فكرت ب"جوتز فون بيرليشينغن"، والذي ينحرف قدر الإمكان عن وحدتي الزمان والمكان. لكن، وكما كل شيء يقدم لنا بوضوح، ويوضع أمام أعيننا. هو حقًا درامي ومفهوم مثل أي قطعة في العالم والتي كانت طبيعية أيضًا من خلال وحدتي الزمان والمكان، ومنسجمة مع مقاصد الإغريق. فقط عندما يكون الموضوع محدودًا جدًا في نطاقه يمكنه أن يطور نفسه بكل تفاصيله أمام أعيننا في وقت معين، لكن ومع عمل كبير، يجري في عدة أماكن، لا يوجد سبب يجعلنا نتقيد بمكان واحد، خصوصًا أنَّ ترتيبات المسرح المتوفرة حاليًا لا تشكل عقبة أمام تغيير المشهد.    واصل غوته حديثه عن لورد بايرون. قال:" مع هذا الميل الذي دائمًا ما يقوده إلى اللا متناهي، السيطرة التي يفرضها على نفسه بالتقيد بالوحدات الثلاث جعلته جيدًا جدًا. إن كان يعلم كيف يتحمل الضبط الأخلاقي أيضًا، ذلك لن يكون دماره. ويمكننا القول بجدراة، أنه دمر بواسطة مزاجه الجامح. لكنه وبخصوص شخصه، كان في عتمة مفرطة. عاش باندفاع من أجل اللحظة، وسواء أكان يعلم أو فكر فيما يفعله بالسماح لنفسه بكل شيء، وعدم مسامحة الغير. هو بالضرورة وضع نفسه في موقف سيء، وجعل من العالم عدوًا له".    قام في البداية بإهانة رجال الأدب الأكثر تميزًا بواسطة "الشعراء الإنجليز والنقاد الإسكوتلنديين"، ولكي يسمح له بمجرد العيش، اضطر للرجوع خطوة إلى الوراء. في أعماله اللاحقة، واصل في طريق العداوة والتعييب، الكنيسة والدولة لم يسلما منه، وسلوكه الطائش قاده خارج إنجلترا، وسيقوده خارج أوروبا أيضًا في الوقت المحدد. كل مكان كان ضيقًا جدًا بالنسبة له، ومع الحرية الشخصية الأكثر مثالية شعر أنه مقيد، وأنَّ العالم سجن بالنسبة له. لم تكن حملته الإغريقية ناتجة عن إدراكات ثورية، لكن عدم فهمه للعالم دفعه نحوها.    " التخلي عما هو موروث، ووطني، لم يتسبب فقط في الهلاك الشخصي للرجل البارز، ولكن دوره الثوري، والتحريض العقلي المستمر واللذان تم المزج بينهما، لم يتيحا لموهبته التطور العادل. علاوة على ذلك، فإنَّ نفيه الدائم، أضر حتى بأعماله الممتازة. وليس فقط لأنَّ سخط الشاعر سيصيب القارئ، لكن نهاية كل هذا العداء هي النفي، والنفي لا شيء. ما الذي سأكسبه إن أسميت السيء سيئًا؟ إن أسميته بالسيء أكون قد أتيت قدرًا كبيرًا من الأذى. وذلك الذي يعمل بجد ولا تثنيه الحواجز يجب ألا يزعج نفسه أبدًا بالمنجز الرديء، ولكن أن يقوم بما هو جيد، لأنَّ النقطة العظيمة هنا ليست الهدم، بل البناء، وفي هذا وجدت الإنسانية الفرح النقي.    سررت بهذه الكلمات النبيلة، والحكمة القيمة.    تابع غوته:"بالنظر إلى لورد بايرون كرجل، رجل إنجليزي، وكموهبة عظيمة، طبيعته الخيرة مردها فوق كل شيء إلى أنه رجل، وسيئاته مردها لكونه رجلًا إنجليزيًا، موهبته غير قابلة للقياس. يتساوى في هذا جميع الرجال الإنحليز، الارتباك وروح الحزب لن تسمح لهم أن يبلغوا الكمال في هدوء. لكنهم عظماء كرجال عمليين.   وهكذا، فاللورد بايرون لن يستطيع أبدًا أن يبلغ انعكاسًا على نفسه، وعلى هذا النحو، فإنَّ بصيرته بشكل عام ليست ناجحة، كما وضحت عقيدته، "الكثير من المال، لا السلطة"، لأنَّ المال الكثير دائمًا ما يعجز السلطة.      لكنه ينجح تمامًا حيثما أبدع، ومعه يمكننا القول بصدق إنَّ الإلهام يدعم منزلة التأمل. كان ملتزمًا دائمًا بنظم الشعر، وكل ما أتى من الرجل، خاصة من قلبه، كان رائعًا. لقد أنتج أفضل أشيائه، كالنساء اللاتي ينجبن أطفالًا جميلين، دون التفكير حول ما حدث، أو كيفية حدوثه.   إنه موهبة عظيمة، موهبة فطرية، وأنا لم أرَ أبدًا قوة شعرية حقيقة لدى أي رجل أعظم مما لديه. في إدراك الخارجي، وتغلغله الواضح في مواقف ماضية، أنه عظيم تمامًا كشكسبير؛ لكن كشخصية صرفة، شكسبير هو الأسمى. هذا ما أحسَّ به بايرون، ولهذا لم يقل الكثير عن شكسبير، رغم حفظه لمقاطع كاملة، عن ظهر قلب. ربما يمكنه إنكاره طوعاً، لأنَّ بهجة شكسبير في طريقته، وهو قد أحس بذلك وعرف أنه لا يماثلها. البابا الأعلى الذي لا ينكره، ليس لديه سبب ليخاف منه، على العكس، لقد ذكره، وأظهر له الاحترام وقتما استطاع لأنه يعلم بما فيه الكفاية أنَّ البابا هو مجرد إحباط لشخصه.     لم يكن غوته يمل موضوع بايرون، وأنا أشعر أنني أستطيع الاستماع إليه بلا انقطاع. بعد بضع استطرادات، شرع بالتالي:-     منزلة شكسبير العالية كنظير إنجليزي أضرت ببايرون، لأنَّ كل موهبة مرهقة بالعالم الخارجي، وتحديدًا عندما يوجد مثل هذا الأصل العالي، والثروة العظيمة جدًا. الطبقة الوسطى المعينة واعدة أكثر للمواهب، لذا نجد كل الفنانين والشعراء الكبار من الطبقات الوسطى. ولع بايرون بالمطلق لم يكن ليصبح خطيرًا جدًا مع أصل أكثر تواضعًا، ووسائل أقل. نتيجة لما كان عليه، كان باستطاعته وضع كل نزوة قيد الممارسة، وهذا ما ورطه في متاعب لا حصر لها. بجانب أنه كيف لمثل هذه الرتبة العالية أن تستلهم الخشية والاحترام من أي رتبة أخرى. تحدث عن كل ما شعر به، وهذا جعله في صراع لا ينقطع مع العالم.   تابع غوته:" من المدهش الملاحظة كيف أنَّ جزءًا كبيرًا من حياة الغني الإنجليزي انقضت في المبارزات والفرار. لورد بايرون بنفسه قال، إنَّ والده أنجب من ثلاث نساء، لقد عاش على الدوام في حالة مع الطبيعة، ومع أسلوب حياته، كانت ضرورة الدفاع عن النفس تطفو أمام عينيه يومياً. لذا فمسدسه استمر في إطلاق النار، وكان يتوقع أن يتم ارداؤه في أية لحظة.   لم يستطع العيش وحيدًا، لذا، ومع كل غرابته كان متسامحًا جدًا مع زملائه، في إحدى الأمسيات قرأ واحدة من قصائده الجيدة في وفاة السير جون مور، ولم يدر أصدقاؤه النبلاء ما يصنعون معه، لم يحركه الأمر بل قام بإبعاده مرة أخرى. كشاعر، أظهر نفسه فعليًا وديعًا كالحمل، بينما قد ينسبه آخرون إلى الشيطان.   الثلاثاء، 21 مارس 1825   الليلة الماضية، بعد الثانية عشرة بقليل، استيقظنا بصوت تنبيه الحريق، سمعنا صرخات، المسرح مشتعل، أرتديت ملابسي مرة واحدة، وأسرعت إلى مكان الحادث. كان الرعب العالمي كبيرًا جدًا، قبل بضع ساعات فقط كنا مبتهجين جدًا بالتمثيل القدير لــ " لاروش" في " يهودي كيمبرلاند"، وسايدل قوبل بضحكات عالمية مهتاجة على دعابته الجيدة ونكاته. والآن، المكان الذي كان في الآونة الأخيرة مسرحًا للمتع الفكرية، دُمر بفظاعة.    يبدو أنَّ الحادث الذي تسبب به جهاز التدفئة، كان قد بدأ في الأسفل وسرعان ما انتشر إلى المسرح. كما أنه زاد بصورة رهيبة بالكم الهائل للمواد القابلة للاشتعال، ولم يمض وقت طويل حتى اندلعت ألسنة اللهب من خلال السقف، وسلكت طريقها خلال العوارض الخشبية.   لم يكن هناك نقص في إعدادات إطفاء الحريق، وكان المبنى محاطًا بكمية من المولدات التي صبت كمية هائلة من المياه على النيران، ، لكن دون جدوى.   ظلت ألسنة اللهب تتصاعد، وألقت نحو السماء المظلمة كتلًا لا تنضب من الشرر المتقد، وجسيمات من المواد الخفيفة المحترقة، والتي في وقت لاحق ومع نسمات خفيفة، كانت تمر على جنبات المدينة. ضوضاء وصرخات ونداءات الرجال على سلالم الإطفاء كانت مدوية، بدوا عازمين على إخماد الحريق. في أحد الجوانب، وعند أقرب نقطة كانت تسمح بها النيران المشتعلة، وقف رجل يرتدي عباءة وقبعة عسكرية، يدخن سجارًا بكل هدوء. للوهلة الأولى يبدو كمتفرج متبطل، ولكن لم يكن الحال كذلك، بدأ يعطي في بضع كلمات أوامره لعدد من الأشخاص، والذين كانوا ينفذونها في الحال، كان الدوق النبيل " تشارلز أوغسطين"، والذي علم مبكرًا أنَّ المبني نفسه لا يمكن إنقاذه، لذلك أمر بإخلائه، وأن تؤخذ جميع المولدات الفائضة والمعرضة لخطر الحريق إلى المنازل المجاورة.    " اتركوه يحترق، سيسمو ثانية مع ما هو أجمل. "   لم يكن مخطئًا، كان المبنى قديمًا ودون وسائل حماية، وكف منذ وقت طويل عن أن يكون فسيحًا كفاية لاستيعاب أعداد الجماهير المتزايدة سنويًا. مع ذلك كان من المؤسف رؤية هذا المبنى مدمرًا بشكل لا يمكن إصلاحه، مع كل ذكريات الماضي اللامع والمحبب لفيمار.   رأيت الكثير من الدموع في عيون جميلة، تدفقت من أجله. تأثرت بحزن أحد أعضاء الأوركسترا، الذي بكى على كمانه المحترق، وعند الفجر رأيت العديد من الوجوه الشاحبة، لاحظت العديد من الفتيات والنساء من الطبقات العليا، واللاتي شهدن الحدث طيلة الليل، ويرتجفن الآن جراء هواء الصباح البارد. عدت إلى المنزل لأخذ بعض الراحة، وعند الظهيرة قام غوته بدعوتي.   قال لي الخادم إنه ليس على ما يرام، كان طريح الفراش. دعاني إلى جانبه. مد يده نحوي وقال:" جميعنا كُبِّدنا الخسارة، ما الذي بإمكاننا فعله؟ لقد جاء وولف الصغير بجانب سريري هذا الصباح، أمسك بيدي ونظر إليَّ وقال، إذن هكذا تحدث الأمور البشرية، ما الذي يمكن أن يقال بعد ذلك، عزيزي وولف قال كل ما يمكن قوله، والذي ظن أنه يمكن أن يريحني؟ المسرح، مشاهد مسرحية (الحب مجهود ضائع) لما يقارب الثلاثين عامًا يتناثر كرماد. وكما قال وولف، "إذن هكذا تحدث الأمور البشرية". لم أنم سوى لوقت قليل خلال الليل، من نافذتي الأمامية شاهدت ألسنة اللهب تتصاعد باستمرار نحو السماء". --------- (1) بالألمانية (Motivs) مثل العديد من هذه الكلمات المشابهة التي لا يمكنها الحفاظ على ذات المعنى دائماً. وفقًا لتعريف المعجميين، فإنَّ المصطلح الألماني يعطي تقريبًا ذات المعنى في الانجليزية. والقصيدة بذلت لتكون حاثة "محفزة" إن نظمت بشكل جيد ككل، أي عندما ينتج دافع كاف تأثيرات مختلفة. لكن في المسلك أعلاه، فإنَّ معنى "الدافع" يبدو على الأحرى "موضوع" القصيدة. (2) "المسخ المتحول"، وحقيقة أنَّ هذه القصيدة لم تنشر حتى يناير 1824، مما يجعل من المحتمل أنَّ غوته لم يرها، وهو ما يمثل عدم دقة في التعبير. (3) هدايا المائدة (بالألمانية: Gastgeschenke) الاسم الأصلي للقصائد مأخوذ من الإغريقية (Xenien)، وهي مجموعة قصائد هجائية سياسية من تأليف الأديب الألماني يوهان فولفغانغ فون غوته بالاشتراك مع الأديب الألماني الآخر ورفيقه فريدرش شيلر، نشر الأديبان القصائد ليردا على الانتقاد الذي تعرضت له صحيفة "دي هورن" (Die Horen) التي قامت على أساس الصداقة بين غوته وشيلر .   ================   محادثات مع غوته تأليف: يوهان بيتر إيكرمان ترجمة من الألمانية للإنجليزية:  جون اوكسنفورد ترجمة من الإنجليزية: سماح جعفر   تقوم «القرية الإلكترونية» بتكليف من الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، بترجمة يوميات من حياة "جوته"، المعنونة بـــ «محادثات مع غوته»، من تأليف: «يوهان بيتر إيكرمان»، وهي عبارة عن يوميّات كتبها "إيكرمان" عن السنوات الأخيرة من حياة شاعر ألمانيا الكبير «غوته Goethe»، وتمت ترجمتها من الألمانية للإنجليزية بواسطة «جون أوكسنفورد»، وترجمها من الإنجليزية إلى العربية: «طارق زياد شعار»، وسوف نقوم بنشرها على حلقات تباعاً هنا في الصفحة نأمل أن تحوز إعجابكم. *«يوهان بيتر إيكرمان» Johann Peter Eckermann 1792-1854: عمل كأمين خاص لجوته في الفترة الأخيرة من حياة الأخير. وسرعان ما أصبح كتابه محادثات مع غوته، ذو شعبية تخطت الحدود الألمانية، ولعب دوراً مهما في إحياء الاهتمام والتقدير لأعمال جوته في وقت لاحق.   #محمد_أحمد_السويدي_ترجمة_محادثات_مع_غوته , Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi,,

Related Articles

محادثات مع غوته - الافتتاحية
محادثات مع غوته - الجزء الأول
محادثات مع غوته - الجزء الثاني
محادثات مع غوته - الجزء الثالث
محادثات مع غوته - الجزء الرابع
محادثات مع غوته - الجزء الخامس
محادثات مع غوته - الجزء السادس