محادثات مع غوته - الجزء التاسع

محادثات غوته | الجزء التاسع
الأربعاء، 20 أبريل 1825.
أراني غوته هذه المساء رسالة من طالب شاب، والذي التمسه في خطة للجزء الثاني من "فاوست"، مع التصميم النهائي للعمل نفسه، بلهجة بسيطة، مخلصة وصريحة. وهو يطرح بحرية رغباته ووجهات نظره. وأخيرًا، بدون تحفظ وبإيمان راسخ، قال إنَّ كل الجهود الأدبية التي بذلت في السنوات الأخيرة، جهود تافهة، ولكن به سيزهر الأدب الحديث مرة أخرى.
إن قابلت شابًا يريد أن يرتب لاستمرارية احتلال نابليون للعالم، أو هاويًا للمعمار يحاول إنهاء كاتدرائية كولونيا، لن أكون أكثر دهشة، ولن أجدهم أكثر جنونًا وسخفًا من هذا الشاب الهاوي شعريًا، الذي يتوهم قدرته على كتابة جزء ثان من "فاوست" لمجرد أنَ له نزوة لفعل ذلك.
أعتقد، حقيقة، أنه في الإمكان استكمال كاتدرائية كاتلونيا، أكثر من استمرار غوته في "فاوست". بالنسبة للموضوع الأول، وبأي حال من الأحوال، يمكن أن يتحقق رياضيًا، فهو يقف واضحًا أمام أعيننا، ويمكننا لمسه بأيدينا، ولكن، أي خط أو مقياس سينفع مع عمل عقلي غير مرئي، والذي يعتمد كلية على الخصوصية الذاتية للفنان، ولمادة العمل التي تتطلب أن تختبر حياة عظيمة فعلًا، ولتنفيذها، أن تمتلك مهارات فنية ضوعفت بفضل خبرة السنوات حتى لامست الكمال.
من يعتقد أنَّ مثل هذه العمل، سهلٌ أو ممكنٌ، فهو بلا ريب صاحب موهبة متوسطة، لا يشك حتى في مدى علوه وصعوبته. إن أنهى غوته "فاوست" مع بعض النقص في عدد الأسطر، فإنَّ هذا الشاي لن بكون قادرًا على ملء تلك الفجوات الصغيرة.
لن أتساءل من أين أتى شباب اليوم بفكرة أنهم ولدوا مع ما لم يتحقق حتى الآن سوى بالدراسة واكتساب الخبرات لسنين طويلة. ولكنني أعتقد أنني لاحظت أنَّ هذا التمادي شائع جدًا الآن في ألمانيا، تلك الخطى المتجرئة على كل الخطوات الثقافية التدريجية ، والتي تمنحنا أملًا ضعيفًا في روائع فنية مستقبلية.
قال غوته:" سوء حظ هذه الدولة، أن لا أحد يستطيع العيش في سلام، على الجميع أن يسيطروا، ولا أحد يمكنه الاستمتاع بما تم إنتاجه من فن، بل الكل يريد أن ينتج بنفسه. ولن يفكر أحد في خدمة الشعر بطريقته الخاصة، ولكن الجميع سيقومون بالشيء نفسه المرة تلو الأخرى، بجانب أنه ليس هناك جدية في مقاربة الكلي، ولا الاستعداد لفعل كل ما يلزم من أجل الكلي، ، ولكن كل منهم يسعى إلى صنع ذاته الخاصة المدركة، وإظهارها بقدر المستطاع للعالم.
تظهر تلك النزعات الزائفة في كل مكان، ويقوم الجميع بتقليد الفنان الموسيقي العصري، والذي لا يقوم باختيار تلك القطع الموسيقية التي تمنح الجمهور المتعة الموسيقية المحضة، بقدر أولئك الذين يكتسبون الإعجاب بفضل البراعة التي اكتسبوها. في كل مكان هنالك الفرد الذي يريد أن يتباهى بنفسه لمصلحته، لكن لا يوجد مكان يسعى فيه الفرد لجعل ذاته خاضعة للكلي.
من هنا يكتسب الرجال أسلوب إنتاج أخرق، دون أن يلاحظوا. الأطفال يخلقون الشعر، ويستمرون حتى تصير هواية، وعند الشباب يمكنهم فعل بعض الأشياء، حتى تأتي الرجولة فتجعلهم يتبصرون لما يوجد من تميز، فينظرون بيأس إلى السنبن التي أضاعوها في مساعيهم الزائفة وغير المجدية. ولن يصل العديدون إلى معنى الكمال، ونتيجة لعجزهم الشخصي، سيستمرون بالقيام بالشيء نفسه بنصف الجودة حتى النهاية.
من المؤكد أنه إذا استطاع الجميع ومنذ وقت مبكر إدراك مدى امتلاء العالم بالتميز بالفعل، ومقدار ما يجب القيام به لإنتاج شيء جديد يستحق أن يوضع بجانب ما أنتجه من قبل، آلاف الشباب الشعراء. نادرًا ما يشعر الإنسان بالشجاعة، والثبات والموهبة الكافية، للعمل بهدوء لتحقيق براعة مماثلة.
العديد من صغار الرسامين لم يكن ليقدروا على حمل أقلام رصاصهم إن استطاعوا أن يشعروا، ويدركوا، ويفهموا في وقت مبكر كفاية، ما أنتج حقًا رسامٌ مثل رفاييل.
ثم تحدثنا عن الإتجاهات الخاطئة بشكل عام. قال غوته:"
كان ميلي نحو الرسم خاطئًا تمامًا، كوني لم أمتلك هذا النوع من الموهبة الطبيعية التي يمكن تطويرها. كان الإدراك المعين للمناظر الطبيعية المحيطة بي واحدة من صفاتي، لذا فمحاولاتي الأولى كانت واعدة جدًا. رحلتي إلى إيطاليا دمرت هذه المتعة عمليًا، دراسة طويلة أخذت مكانها، وضاعت موهبة الحب، وبما أنَّ الموهبة الفنية لا يمكن تطويرها فنيًا ولا جماليًا، فقد ضاعت جهودي في اللا شيء.
واصل غوته:" يقال على نحو تبريري، إنَّ رعاية جميع الطاقات البشرية المشتركة أمر مرغوب فيه، و إنَّ القيادة انتهت أيضًا. لكن لا يولد الرجل لهذا، يجب على كل أحد تشكيل نفسه كوجود محدد، ويسعى- مع ذلك- لتحقيق تلك الفكرة العامة التي يشكل الوجود البشري مكوناتها.
وهنا فكرت في ذاك المقطع من"فيلهيلم مايستر"، الذي يقول أيضًا إنَّ جميع الرجال، مجتمعون، ضروريين لتشكيل الإنسانية، ، وأننا حتى الآن نستحق الاحترام فقط بمقدار علمنا كيف نُقدر.
فكرت أيضًا في "وندرجر" ، حيث نصح جامو الرجال بأن يتعلم كل منهم مهنة واحدة فقط، وأنَّ هذا هو الوقت المناسب لأخذ جانب معين. وأنه يحيي كل من فهم هذا ويعمل وبهذه الروح، من أجله والآخرين.
ثم يأتي السؤال، ما هي المهنة التي على الرجل اختيارها، بحيث لا يتجاوز حدوده الملاءمة، ولا يفعل القليل جدًا؟.
من كانت مهنته الإشراف على عدة إدارات، ليحكمها، وليوجه الآخرين، يجب عليه السعي لاكتساب بصيرة أنفذ في مختلف الأقسام. وبذلك، فإنَّ الأمير أو رجل الدولة المستقبلي لا يمكنه أن يكون متعدد الاهتمامات، ، لأنَّ التعدد يتطلب براعة.
الشاعر أيضًا، يجب أن يسعى خلف معارف متعددة، لأنَّ موضوعه هو العالم كله، والذي يجب أن يلامسه ويعبر عنه.
مع ذلك، لا ينبغي للشاعر محاولة أن يصبح رسامًا، فما تحتويه نفسه سينعكس على العالم من خلال الكلمات، تمامًا كما يرينا لها الممثل بأعيننا، من خلال عرض نفسه شخصيًا.
يجب التمييز بين نفاذ البصيرة والنشاط العملي، ويجب علينا عكس ذلك في كل فن، عندما نخضعه للممارسة، وهو شيء عظيم وصعب جدًا، وإتقانه يتطلب حياة.
وهكذا سعى غوته للتبصر في العديد من الأشياء، ولكنه عمليًا قيد نفسه إلى شيء واحد فقط، مارس فنًا واحدًا فقط، بطريقة ماهرة، فن الكتابة. والمسألة التي قال بها ذات طابع متعدد الجوانب
كما يجب التمييز بين الثقافة والممارسة العملية، وهكذا ومن أجل رعاية الفنان يجب أن يمرس عينيه على إدراك المواضيع الخارجية. وإن أسمى غوته ميله العملي للرسم بالخاطئ، فميله ما زال صالحًا له كشاعر.
قال غوته:" تُعزى الموضوعية في شعري للتدريب والانتباه الكبيرين للعين، ووجب علي أن أكون جديرًا بالمعرفة التي حققتها بهذه الطريقة. ولكن يجب أن نحرص على عدم وضع حدود ثقافتنا بعيدًا جدًا.
قال:" الباحثون الطبيعيون هم الأكثر عرضة للخطر نتيجة ذلك، لأنَّ الثقافة العامة المتجانسة للملكات مطلوبة حقًا للملاحظة الكافية للطبيعة.
ولكن ومن ناحية أخرى، يجب على الجميع السعي لحماية أنفسهم من التحيز ووجهات النظر الضيقة، مع احترام المعرفة الضرورية للفرع الخاص به.
الشاعر الذي يكتب من أجل المسرح، يجب أن يمتلك المعرفة بالمسرح، ويزن وسائل سيطرته، ويعلم بشكل عام ما يجب القيام به، وما يجب تركه. ملحن الأوبرا أيضًا، يجب أن يمتلك بعض الفطنة الشعرية، حتى يستطيع التمييز بين ما هو جيد وما هو سيء، وعدم بذل جهده في شيء غير عملي.
قال غوتة:" لم يكن يجب على "كارل ماريا فون ويبر" تلحين "يوريانث"، كان لا بد له أن يرى فورًا كم هي مادة سيئة لا تنتج شيئًا. لدينا الحق في توقع نفاذ البصيرة الكامل لدى أي ملحن، ينتمي إلى فنه وهكذا، الرسام أيضًا، يجب أن يقدر على التمييز بين المواضيع، التي تنتمي إلى دائرته، كي يعلم ما سيرسم، وما سيترك.
وضح غوته:" ولكن كما يقال، الفن العظيم هو ذلك الذي يعزل المرء ويحده عن العالم الخارجي
" وبناء عليه، وأنا معه ، سعيت باستمرار لحفظ نفسي من أي إلهاء، ، والتركيز فقط على فرع معين. وإن أظهرت ميلًا للنفاذ إلى أسرار العلوم الطبيعية، ينصحني بتركه، وأن أقتصر على الشعر في الوقت الراهن. إن أردت قراءة كتاب كان يرى أنه لن يطورني في مساعي الحالية، ينصحني بتركه حالًا، ، قائلًا إنه ليس له استخدام عملي مفيد لي.
قال:" أنا نفسي أمضيت الكثير من الوقت في أشياء لم تكن تنتمي إلى الفرع الملائم لي. عندما فكرت في ما أنجزه "لوبيز دو فيغا" بدا أنَّ عدد إنجازاتي الشعرية ضئيل جدًا، كان يجب أن أحتفظ بالكثير لمهنتي الخاصة.
قال:" إن لم أشغل نفسي كثيرًا بالأحجار، وقضيت الوقت في شيء أفضل، لكنت فزت بأروع ألماسة مزخرفة".
لهذا السبب فهو يحترم ويشيد بصديقه "ماير"، لأنه كرس حياته كلها وحصريًا لدراسة الفن، وحصل بالتالي، وبلا شك، على أعلى درجة اختراق في فرعه.
قال غوته:" نشأت أنا أيضًا مع هذا الميل، وأمضيت نصف حياتي تقريبًا في تأمل ودراسة الأعمال الفنية، لكني وباحترام تام لا أقف على قدم المساواة مع ماير. لذا لم أغامر مطلقًا بأن أريه صورة جديدة فورًا، أرى بنفسي أولًا إلى أي مدى أستطيع التقدم فيها، وحين أعتقد أنني ملم تمامًا بكل جمالياتها وعيوبها، أريها لماير، الذي يرى الموضوع بوضوح أكبر.
والذي، ومن نواحٍ كثيرة، يعطي إضاءات جديدة. بالتالي أنا مقتنع أكثر من أي وقت مضى ما يتطلبه أن تكون بارعًا في شيء واحد, لدى ماير نفاذ البصيرة في الفن الذي يعود إلى آلاف السنين.
وقد يُسأل، إن كان غوته مقتنعًا تمامًا أنَّ الرجل يستطيع القيام بشيء واحد فقط بطريقة جيدة، لماذا وظف حياته في عدة اتجاهات مختلفة للغاية؟ سأجيب: إن رجع غوته إلى عالمنا الآن، ووجد المساعي العلمية والأدبية لوطنه الأم في ذروة ما لديهم الآن، وما قاموا بتحقيقه عبره هو تحديدًا، من المؤكد أنه لن يجد الفرصة لكل هذه الاتجاهات المختلفة، لكنه سيكرس نفسه لمجال واحد بكل بساطة.
لم يكن من طبيعته النظر في جميع الاتجاهات، وأن يبدي آراءه حول الأمور الدنيوية، ولكن كان ضروريًا في ذلك الوقت أن يتحدث عن ملاحظاته.
عندما جاء إلى العالم، جاء من أجل إرثين كبيرين، الخطأ ونقص الكفاءة، وقع في نصيبه أن يقوم بإزالتهما، ما يتطلب بذل الجهد في اتجاهات عديدة ما دامت حياته مستمرة
إن لم تظهر نظرية نيوتن لغوته كخطأ كبير، ضارة جدًا للعقل البشري، فهل كان من المفترض أنه يملك نية كتابة "نظرية الألوان" وتخصيص جهد سنوات لمجرد موضوع جانبي كهذا؟، من المؤكد،لا. ولكن حبه للحقيقة وفي الصراع مع الخطأ حثه على جعل ضوئه النقي يشع وسط الظلمة.
يمكن قول الشيء نفسه بخصوص معتقده عن تحول النباتات، والذي بسببه نحن مدينون له بنموذج مداواة علمي. من المؤكد أنَّ غوته لم يكن ليفكر أبدًا في كتابة هذا العمل، إن كان قد رأى معاصريه يسيرون نحو هذا الهدف.
يمكن قول الشيء نفسه عن جهوده الشعرية المتنوعة. السؤال هو هل كان لغوته أن يكتب رواية، إن كان لعمل مثل "فيلهيلم مايستر" أن يوجد بالفعل بين أيدي أمته.المسألة هنا عن إن لم يكن قد كرس نفسه حصريًا للشعر الدرامي.
ما الذي كان بإمكانه إنتاجه وتنفيذه إن قيد إلى اتجاه واحد، لم يكن ليُلحظ، ولكن من المؤكد جدًا وإن نظرنا إلى العموم، فإنَّ أي شخص ذكي سيتمنى لو أنَّ غوته لم ينتج كل هذه الأشياء التي أرضت خالقه ليقوده.
الأربعاء، 27 أبريل 1825.
مع اقتراب المساء دعاني غوته إلى نزهة في الحديقة المنخفضة. قال:" قبل أن نذهب سأقوم بإعطائك خطابًأ من "زيلتر"، استلمته بالأمس، حيث يتطرق إلى شؤون مسرحنا.
كتب، بجانب أمور أخرى:" أنت لست رجل تأسيس الدراما لفيمار، استطعت أن أرى منذ مدة طويلة. من يجعل نفسه أخضرَ، ستأكله الماعز. يجب على الرفاق أخذ ذلك بعين الاعتبار، من يسد النبيذ بالفلين أثناء تخمره؟.
نظر إليَّ وضحكنا، وقال:" زيلتر زميل أساسي، لكنه لا يفهمني تمامًا، وهو يطلق تفاسير خاطئة على كلماتي".
لقد كرست حياتي كلها للناس ولنمائهم، فلماذا لا يجب عليَّ أيضًا تأسيس الدراما؟ ولكن، هنا في فيمار، في هذه البيت الصغير، الذي يقطنه عشرة آلاف شاعر وبضعة ساكنين، مثلما يقول الناس مازحين. كيف يمكننا الحديث عن الناس، وأكثر بكثير عن مسرح للناس؟ ستصبح فيمار في وقت ما في المستقبل، وبلا شك، مدينة عظيمة، ولكن علينا أن ننتظربضعة قرون حتى يشكل شعب فيمار كتلة كافية قادرة على تأسيس ودعم الدراما.
تم إسراج الخيول، وقدناها حتى الحديقة المنخفضة. كانت أمسية هادئة ومعتدلة، على الأصح حارة، غيوم كبيرة بدت تتجمع في كتل عاصفة. مشينا صعودًا وهبوطًا في مسار الحصى الجاف، بجانبي وبهدوء، غوته، مهتاج وبوضوح، بأفكار شتى. وفي تلك الأثناء كنت أستمع إلى تغريد طائري الشحرور والسمان، واللذيْن، على قمم أشجار الدردار التي ما زالت بلا أوراق، يغنيان ضد العاصفة الآخذة في التجمع.
يصوب غوتة نظراته حول المكان، ثم الغيوم، ثم نحو الخضرة التي تتفجر في كل مكان، على جانبي الطريق، وعلى المروج، وأيضًا على الشجيرات والأسيجة. قال:" أمطار رعدية دافئة، والتي تعد بها الأمسية، والربيع سيظهر مرة أخرى بكل روعته ووفرته.
في الوقت الذي أصبحت فيه الغيوم أكثر تهديدًا، سُمع دوي رعد منخفض، وسقطت أيضًا، بضع قطرات من الأمطار، واعتقد غوته أنَّ من المستحسن العودة إلى المدينة. عندما وصلنا إلى مسكنه قال:" إن لم تكن لديك التزامات، فاصعد معي الدرج واقضِ ساعة أو نحو ذلك برفقتي". وهو ما قمت به بسرور.
ما زالت رسالة زيلتر موضوعة على الطاولة. قال غوته:" من الغريب، الغريب جدًا، كيف أنَّ أحدهم وبسهولة، يمكن أن يقع في موقف خاطئ في ما يتعلق بالرأي العام. لا أعلم وقتًا قد كنت فيه ضد الناس بأي شكل، لكنني الآن مستقر ولمرة في ما يتعلق بالجميع، أنا لست صديق الشعب، في الواقع، أنا لست صديقًا للرعاع الثوريين، الذين يكمن هدفهم في السرقة، القتل والتدمير، والذين، وخلف قناع المصلحة العامة، يبقون أعينهم فقط، على أحقر الأهداف الأنانية. أنا لست صديق مثل أولئك الناس، أكثر من كوني صديق لويس الخامس عشر، أنا أكره كل عنف مدمر، أكره أولئك الذين يفعلون ذلك، وكذلك من يعطون أسبابًا له. لكن، هل أنا لست صديقًا للشعب بناء على ذلك؟ هل يفكر أي رجل عاقل بخلاف ذلك؟.
وأنت تعلم كم أبتهج جدًا بأي تقدم، حين يعطينا المستقبل بعض الاحتمالات. لكن، وكما قلت، كل التحولات العنيفة تصطرع في ذهني، لأنها ليست متوافقة مع الطبيعة.
أنا صديق للنباتات، أحب الورد، وكالزهرة الأكثر مثالية التي يمكن أن تنتجها الطبيعة الألمانية، لكنني لست بالحماقة الكافية كي أرغب أن تنتجهم حديقتي الخاصة الآن، في نهاية أبريل. إنني راضٍ أن وجدت الآن الأوراق الخضراء الأولى، راضٍ إن رأيت الآن كيف تتشكل ورقة بعد الأخرى.
الجذوع، من إسبوع إلى آخر، وفي مايو، أُسَرُّ عندما ألمس البراعم، وفي يونيو، أسعد، عندما وأخيرًا، تظهر الورود نفسها بكامل روعتها وعبيرها. إذا لم يستطع شخص ما الانتظار فليذهب إلى أبنية النباتات الزجاجية.
من المستبعد القول إنني خادم، عبدٌ للأمراء، وإن دل قولي على شيء، هل أخدم طاغية مستبدًا؟ هل أخدم شخصًا يعيش على كاهل الشعب، لمتعته الخاصة فقط؟ مثل هؤلاء الأمراء، ومثل هذه الأوقات كذبة. لقد ارتبطت ارتباطا وثيقا بالدوق الأكبر لمدة نصف قرن، وعملت معه خلال نصف قرن، ولكنني يجب أن أتكلم بجلاء، إن كان عليَّ القول إنني شهدت يومًا واحدًا، لم يفكر فيه الدوق الأكبر بالقيام بعمل شيء ما يخدم مصلحة الأرض، ومناسبة لتحسين أحوال الفرد. أما بالنسبة له شخصيًا، ما الذي ناله من مركزه الأميري، عدا التوتر والمتاعب؟ هل منزله أو ملابسه أو مائدته أفضل من أي رجل ثري؟ اذهب فقط لمدننا ذات المرافئ البحرية، وستجد أنَّ مطبخ وقبو أي تاجر كبير أفضل تعيينًا من هذا.
واصل غوته:" وفي خريف هذا العام، سنحتفل باليوم الذي حكم فيه الدوق الأكبر، لمدة خمسين عامًا. ولكن عندما أفكر مليًا، ما الذي كانته حكومته هذه غير عبودية مستمرة؟ ما الذي كانته غير استعباد لتحقيق الغايات العظيمة، استعباد من أجل رفاهية شعبه؟ إن كنت مرغمًا على أن أصير عبدًا لأمير، فعلى الأقل عزائي أنني لا أزال عبدًا لشخص هو أيضًا عبد للمصلحة العامة.
الجمعة، 29 أبريل 1825.
تقدم العمل على مبنى المسرح الجديد في هذا الوقت بسرعة كبيرة جدًا، الجدران الأساسية قد ارتفعت بالفعل على كل جانب، ومنحت أملًا في مبنى جميل جدًا.
لكنْ اليوم ولدى ذهابي لموقع البناء، رأيت، وبرعب، أنَّ العمل قد توقف، وسمعت أنَّ طرفًا آخر، معارض لخطة غوته وكودري قد نجح أخيرًا، وأنَّ كودراي قد استقال عن إدارة المبنى، وأنَّ مهندًسا آخر سيقوم بالعمل عليه وفقًا لتصميم جديد، ووفقًا للتعديلات وضع الأساس بالفعل. شعرت بالحزن العميق لما رأيت وسمعت، كوني ابتهجت مع الجميع لإمكانية رؤية مسرح في فيمار، المنجز وفقًا لرؤية غوته العملية لتنظيم داخلي حكيم، وفي ما يتعلق بالجمال، فقد تطابق مع ذوقه المصقول.
لكنني حزنت أيضًا على غوته وكودراي، لأنهما سيشعران بالألم بسبب ما حدث.
الأحد، مايو 1825.
تناولت العشاء رفقة غوته. قد يكون من المتوقع أنَّ موضوع حديثنا الأول سيكون عن التغييرات في بناء المسرح، كنت أخشى، كما قلت، أنَّ هذا الإجراء غير المتوقع قد يجرح وبعمق مشاعر غوته، لكن لم يكن ثمة علامة على ذلك، وجدته لطيفًا وفي مزاج هادئ جدًا، ومتعاليًا تمامًا عن أي إحساس بالضعف.
قال:" لقد هاجموا الدوق الأكبر بشأن النفقات، والتقليل الكبير في الإنفاق سيحدث إن عدلت خطة البناء، وقد نجحوا، وأنا راضٍ تمامًا. في النهاية، المسرح الجديد هو مجرد كومة جنائز جديدة، لحادث ما، عاجلا أم آجلًا، ستضرم فيها النار. أنا أواسى نفسي بهذا. بجانب أنَّ الضآلة بأكثر من ذلك أو أقل لا تستحق الذكر. سيكون لديك مسرح مقبول جدًا، إن لم يكن تمامًا مثل ما تمنيته وتخيلته، ستذهب إليه، وأنا سيتعين عليَّ الذهاب إليه أيضًا، ، وفي النهاية ستؤول الأمور إلى شيء جيد بما فيه الكفاية.
قال:" وضَّح لي الدوق الأكبر وجهة نظره، ليس من الضروري أن يكون المسرح روعة معمارية، وهو ما لا يمكن إنكاره. وأضاف قائلًا، إنه مجرد دار بغرض الحصول على المال. وجهة النظر هذه تبدو للوهلة الأولى مادية نوعًا ما، لكن وبالأخذ بعين الاعتبار، ليس من دون مغزى اسمى. ليس المسرح من أجل دفع نفقاته فقط، بل من أجل جلب وتوفير المال، كل ما يتعلق به يجب أن يكون ممتازًا، يجب أن يحصل على أفضل إدارة، وأفضل الممثلين، والنصوص الجيدة يجب أن تقدم باستمرار، لسلطة الجذابة مطلوبة لتلون كامل المنزل كل مساء ولا تتوقف أبدًا. ولكن هذا يقول الكثير في بضع كلمات، ما هو مستحيل تقريبًأ.
قلت:" رؤية الدوق الأكبر بشأن جعل المسرح يربح النقود، تبدو عملية جدًا، لأنه ينطوي على ضرورة البقاء باستمرار على قمة التميز.".
قال غوته:" حتى شكسبير وموليير لم يكن لهما وجهة نظر أخرى، تمنى كلاهما وقبل كل شيء ان يكسبا المال عن طريق مسارحهما. ومن أجل تحقيق هدفهما الرئيسي، سعوا بالضرورة لأن يكون كل شيء جيد بقدر المستطاع، وأنه وبجانب المسرحيات القديمة الجيدة يجب أن يكون هناك بعض الحداثة الذكية للإسعاد والجذب. وكان حظر * تارتوف * صاعقة لموليير، لم تكن بنفس الوقع على موليير الشاعر كما هي على موليير المدير، الذي كان عليه النظر لمصلحة الفرقة الهامة، وأن يجد بعض الوسائل للحصول على الخبز، له ولممثليه.
لا شيء أكثر خطورة على رفاهية المسرح من أن يكون المدير معينًا في الوظيفة، حيث أنَّ إيراد الخزينة قل أو كثرلا يؤثر عليه شخصيًا، ويستطيع العيش في طمأنينة لا مبالية، عالمًا أنه وحتى إن فشلت إيرادات الخزينة هذا العام، ففي النهاية سيستطيع تعويض نفسه من مصادر أخرى. وهي خصلة في الطبيعة الإنسانية تقترب من الاسترخاء حين لا يكون سير الأمور مدفوعًا بالربح والخسارة الشخصية.
من غير المقبول الآن أنَّ مسرحًا في مدينة كفيمار عليه دعم نفسه، وأنه من غير الضروري مساهمة خزينة الأمير في دعمه. لكن ما زال لكل شيء حدود وأمد، وألف دولار سنويًا، قلَّت أو كثرت، بأي حال من الأحوال تعد أمرًا تافها، لا سيما وأنَّ انخفاض الإيرادات والتدهور يشكلان خطرًا طبيعيًا على المسرح، حتى إنَّ الخسارة ليست فقط في المال، بل وفي الشرف أيضًا.
لو كنت الدوق الأكبر، سأود مستقبلًا، لدى أي تغيير في الإدراة أن أعين مبلغًا ثابتًا للمساهمة السنوية، وسأحسب متوسط الاشتراكات خلال السنوات العشر الأخيرة، ووفقًا لذلك، وسأقرر مبلغًا كافيًا كدعم مناسب. بمثل هذا الدعم يمكن الحفاظ على المسرح. وسأذهب خطوة أبعد بعد ذلك، وأقول، إن كان المدير ومساعديه قد فكروا، وبواسطة الإدراة الحيوية والحكيمة، أن يحصلوا على فائض في الخزينة بنهاية العام، يجب تقسيم الفائض كمكافأة بين المدير ومساعديه والأعضاء الرئيسيين للشركة. وسترى كيف سيكون النشاط هناك، وكيف ستوقظ المؤسسة من النعاس الذي لا بد أنها سقطت فيه تدريحيًا.
تابع غوته:" تحتوي قوانيننا المسرحية على غرامات مختلفة، ولا يوجد هناك قانون واحد لتشجيع ومكافأة الجدارة المتميزة، وهذا خلل كبير. إن كان لدى كل فشل ثمة احتمالية خصم من راتبي، يجب أن يكون هناك احتمال مكافأة أيضًا، حينما أؤدي أفضل من المتوقع. سيرتفع المسرح عندما يقوم كل شخص بأداء أفضل من المأمول أو المتوقع منه.
فراو فون غوته وفراولين أوليركي، دخلا الآن، برشاقة، مرتدييْن ملابس صيفية، بسبب الطقس الجميل. المحادثة أثناء العشاء كانت خفيفة ومبهجة، تحدثنا عن مختلف الأحداث السعيدة خلال الأسبوع، وحول خطط مماثلة أيضًا.
قال فراو فون غوته:" إن كان لنا أن نستمر في الأمسيات الجيدة فسيكون من دواعي سروري أن أستضيف حفلًا للشاي في الحديقة، حيث يمكننا الاستماع إلى أغاني العندليب، ما رأيك يا أبي العزيز؟
قال غوته:" سيكون هذا لطيفًا جدًا".
قال فراو فون غوته:" وأنت يا إكرمان كيف تشعر تجاه ذلك؟ هل يمكنني دعوتك؟". انضمت فرانكلين أوليركي إلى الحديث:" ولكن أوتيليا كيف يمكنك دعوة الطبيب؟ لن يأتي، وإن جاء سيكون كما لو أنه جالس على الشوك، ويستطيع المرء رؤية أنَّ عقله في مكان آخر، وسيكون سعيدًا كلما أسرع في الذهاب ".
قلت:" سأتحدث بصراحة، أفضل وبلا شك نزهة حول الحقول مع دولان. الشاي، حفلاته ومحادثاته مخالفة تمامًا لطبيعتي، حتى إنني أشعر بعدم الارتياح عند التفكير فقط بها.
قال فراو فون غوته:" ولكن يا إكرمان، في حفلات الشاي في الحديقة، ستكون في الهواء الطلق، وفي بيئتك تمامًا". قلت:" على العكس تمامًا، عندما أكون قريبًا جدًا من الطبيعة، بحيث أشتم كل عبيرها، ولكن لا يمكنني التمتع بها، أمر لا يطاق بالنسبة لي. كالبط الذي يوضع بجانب الماء ولكن يمنع من الغطس فيه". قال غوته ضاحكًا:" قد تقول أيضًا إنك تشعر كالحصان الذي يرفع رأسه في الإسطبل ويرى الخيول الأخرى تركض بجموح على السهول المنبسطة أمام عينيه، ويشتم بهجة وحرية الطبيعة المنعشة، ولكن لا يمكنه المشاركة. دع إكرمان وشأنه، فهو كما هو، لا يمكنك تغييره. ولكن أخبرني يا صديقي العزيز، كيف يمكنك شغل نفسك مع دولان في الحقول المفتوحة، في فترات الظهيرة الطويلة والجميلة؟ ". قلت:" نبحث عن بعض الأيكات المنزوية ونطلق عليها السهام من الأقواس".
قال غوته:" قد تكون تسلية جيدة، ". قلت:" إنها طريقة رائعة للتخلص من إضطرابات الشتاء:. قال غوته:" ولكن كيف حصلت على أقواس وسهام هنا في فيمار؟". قلت:" بالنسبة للسهام، أحضرت نموذجًا معي، لدى عودتي من بعثة برابانت في 1814، إطلاق الأقواس والسهام هناك عام، . لاتوجد مدينة هناك مهما صغرت لا تمتلك مجتمع رماية. إنهم يجعلون مراكزهم في بعض المساكن العامة، كالبولنج الأرضي خاصتنا، ، ويجتمعون عادة في وقت متأخر من الظهيرة، شاهدتهم كثيرًا بسرور عظيم. مَن الرجال الناضجون الذين كانوا هناك، وما الطريقة التصويرية التي أحنوا بها القوس؟ كيف برزت قوتهم؟ وكم كانوا بارعين بامتياز في الرماية؟ كانوا عادة ما يطلقون من مسافة ستين أو ثمانين خطوة، على علامة من الورق على جدار طيني مبتل، يطلقون بسرعة الواحدة خلف الأخرى. لم يكن من النادر أنه ومن أصل خمسين سهمًا، خمسة سهام تضرب المركز، والذي هو في حجم الدولار، أما البقية فتكون في غاية القرب منه. وبعد أن يطلق الجميع، يذهب كل واحد منهم ويسحب سهمه من الجدار الطري، وتبدأ اللعبة من جديد. كنت مبتهجًا جدًا بهذه الرماية وكنت أعتقد أنه سيكون من الرائع جدًا أن تقدم في ألمانيا، وكنت غبيًا جدًا لاعتقادي أنه شيء ممكن.
================
محادثات مع غوته
تأليف: يوهان بيتر إيكرمان
ترجمة من الألمانية للإنجليزية: جون اوكسنفورد
ترجمة من الإنجليزية: سماح جعفر
تقوم «القرية الإلكترونية» بتكليف من الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، بترجمة يوميات من حياة "جوته"، المعنونة بـــ «محادثات مع غوته»، من تأليف: «يوهان بيتر إيكرمان*»، وهي عبارة عن يوميّات كتبها "إيكرمان" عن السنوات الأخيرة من حياة شاعر ألمانيا الكبير «غوته Goethe»، وتمت ترجمتها من الألمانية للإنجليزية بواسطة «جون أوكسنفورد»، وترجمها من الإنجليزية إلى العربية: «طارق زياد شعار»، وسوف نقوم بنشرها على حلقات تباعاً هنا في الصفحة نأمل أن تحوز إعجابكم.
*«يوهان بيتر إيكرمان» Johann Peter Eckermann 1792-1854: عمل كأمين خاص لجوته في الفترة الأخيرة من حياة الأخير. وسرعان ما أصبح كتابه محادثات مع غوته، ذو شعبية تخطت الحدود الألمانية، ولعب دوراً مهما في إحياء الاهتمام والتقدير لأعمال جوته في وقت لاحق.
#محمد_أحمد_السويدي_ترجمة_محادثات_مع_غوته
محادثات غوته | الجزء التاسع
الأربعاء، 20 أبريل 1825.
أراني غوته هذه المساء رسالة من طالب شاب، والذي التمسه في خطة للجزء الثاني من "فاوست"، مع التصميم النهائي للعمل نفسه، بلهجة بسيطة، مخلصة وصريحة. وهو يطرح بحرية رغباته ووجهات نظره. وأخيرًا، بدون تحفظ وبإيمان راسخ، قال إنَّ كل الجهود الأدبية التي بذلت في السنوات الأخيرة، جهود تافهة، ولكن به سيزهر الأدب الحديث مرة أخرى.
إن قابلت شابًا يريد أن يرتب لاستمرارية احتلال نابليون للعالم، أو هاويًا للمعمار يحاول إنهاء كاتدرائية كولونيا، لن أكون أكثر دهشة، ولن أجدهم أكثر جنونًا وسخفًا من هذا الشاب الهاوي شعريًا، الذي يتوهم قدرته على كتابة جزء ثان من "فاوست" لمجرد أنَ له نزوة لفعل ذلك.
أعتقد، حقيقة، أنه في الإمكان استكمال كاتدرائية كاتلونيا، أكثر من استمرار غوته في "فاوست". بالنسبة للموضوع الأول، وبأي حال من الأحوال، يمكن أن يتحقق رياضيًا، فهو يقف واضحًا أمام أعيننا، ويمكننا لمسه بأيدينا، ولكن، أي خط أو مقياس سينفع مع عمل عقلي غير مرئي، والذي يعتمد كلية على الخصوصية الذاتية للفنان، ولمادة العمل التي تتطلب أن تختبر حياة عظيمة فعلًا، ولتنفيذها، أن تمتلك مهارات فنية ضوعفت بفضل خبرة السنوات حتى لامست الكمال.
من يعتقد أنَّ مثل هذه العمل، سهلٌ أو ممكنٌ، فهو بلا ريب صاحب موهبة متوسطة، لا يشك حتى في مدى علوه وصعوبته. إن أنهى غوته "فاوست" مع بعض النقص في عدد الأسطر، فإنَّ هذا الشاي لن بكون قادرًا على ملء تلك الفجوات الصغيرة.
لن أتساءل من أين أتى شباب اليوم بفكرة أنهم ولدوا مع ما لم يتحقق حتى الآن سوى بالدراسة واكتساب الخبرات لسنين طويلة. ولكنني أعتقد أنني لاحظت أنَّ هذا التمادي شائع جدًا الآن في ألمانيا، تلك الخطى المتجرئة على كل الخطوات الثقافية التدريجية ، والتي تمنحنا أملًا ضعيفًا في روائع فنية مستقبلية.
قال غوته:" سوء حظ هذه الدولة، أن لا أحد يستطيع العيش في سلام، على الجميع أن يسيطروا، ولا أحد يمكنه الاستمتاع بما تم إنتاجه من فن، بل الكل يريد أن ينتج بنفسه. ولن يفكر أحد في خدمة الشعر بطريقته الخاصة، ولكن الجميع سيقومون بالشيء نفسه المرة تلو الأخرى، بجانب أنه ليس هناك جدية في مقاربة الكلي، ولا الاستعداد لفعل كل ما يلزم من أجل الكلي، ، ولكن كل منهم يسعى إلى صنع ذاته الخاصة المدركة، وإظهارها بقدر المستطاع للعالم.
تظهر تلك النزعات الزائفة في كل مكان، ويقوم الجميع بتقليد الفنان الموسيقي العصري، والذي لا يقوم باختيار تلك القطع الموسيقية التي تمنح الجمهور المتعة الموسيقية المحضة، بقدر أولئك الذين يكتسبون الإعجاب بفضل البراعة التي اكتسبوها. في كل مكان هنالك الفرد الذي يريد أن يتباهى بنفسه لمصلحته، لكن لا يوجد مكان يسعى فيه الفرد لجعل ذاته خاضعة للكلي.
من هنا يكتسب الرجال أسلوب إنتاج أخرق، دون أن يلاحظوا. الأطفال يخلقون الشعر، ويستمرون حتى تصير هواية، وعند الشباب يمكنهم فعل بعض الأشياء، حتى تأتي الرجولة فتجعلهم يتبصرون لما يوجد من تميز، فينظرون بيأس إلى السنبن التي أضاعوها في مساعيهم الزائفة وغير المجدية. ولن يصل العديدون إلى معنى الكمال، ونتيجة لعجزهم الشخصي، سيستمرون بالقيام بالشيء نفسه بنصف الجودة حتى النهاية.
من المؤكد أنه إذا استطاع الجميع ومنذ وقت مبكر إدراك مدى امتلاء العالم بالتميز بالفعل، ومقدار ما يجب القيام به لإنتاج شيء جديد يستحق أن يوضع بجانب ما أنتجه من قبل، آلاف الشباب الشعراء. نادرًا ما يشعر الإنسان بالشجاعة، والثبات والموهبة الكافية، للعمل بهدوء لتحقيق براعة مماثلة.
العديد من صغار الرسامين لم يكن ليقدروا على حمل أقلام رصاصهم إن استطاعوا أن يشعروا، ويدركوا، ويفهموا في وقت مبكر كفاية، ما أنتج حقًا رسامٌ مثل رفاييل.
ثم تحدثنا عن الإتجاهات الخاطئة بشكل عام. قال غوته:"
كان ميلي نحو الرسم خاطئًا تمامًا، كوني لم أمتلك هذا النوع من الموهبة الطبيعية التي يمكن تطويرها. كان الإدراك المعين للمناظر الطبيعية المحيطة بي واحدة من صفاتي، لذا فمحاولاتي الأولى كانت واعدة جدًا. رحلتي إلى إيطاليا دمرت هذه المتعة عمليًا، دراسة طويلة أخذت مكانها، وضاعت موهبة الحب، وبما أنَّ الموهبة الفنية لا يمكن تطويرها فنيًا ولا جماليًا، فقد ضاعت جهودي في اللا شيء.
واصل غوته:" يقال على نحو تبريري، إنَّ رعاية جميع الطاقات البشرية المشتركة أمر مرغوب فيه، و إنَّ القيادة انتهت أيضًا. لكن لا يولد الرجل لهذا، يجب على كل أحد تشكيل نفسه كوجود محدد، ويسعى- مع ذلك- لتحقيق تلك الفكرة العامة التي يشكل الوجود البشري مكوناتها.
وهنا فكرت في ذاك المقطع من"فيلهيلم مايستر"، الذي يقول أيضًا إنَّ جميع الرجال، مجتمعون، ضروريين لتشكيل الإنسانية، ، وأننا حتى الآن نستحق الاحترام فقط بمقدار علمنا كيف نُقدر.
فكرت أيضًا في "وندرجر" ، حيث نصح جامو الرجال بأن يتعلم كل منهم مهنة واحدة فقط، وأنَّ هذا هو الوقت المناسب لأخذ جانب معين. وأنه يحيي كل من فهم هذا ويعمل وبهذه الروح، من أجله والآخرين.
ثم يأتي السؤال، ما هي المهنة التي على الرجل اختيارها، بحيث لا يتجاوز حدوده الملاءمة، ولا يفعل القليل جدًا؟.
من كانت مهنته الإشراف على عدة إدارات، ليحكمها، وليوجه الآخرين، يجب عليه السعي لاكتساب بصيرة أنفذ في مختلف الأقسام. وبذلك، فإنَّ الأمير أو رجل الدولة المستقبلي لا يمكنه أن يكون متعدد الاهتمامات، ، لأنَّ التعدد يتطلب براعة.
الشاعر أيضًا، يجب أن يسعى خلف معارف متعددة، لأنَّ موضوعه هو العالم كله، والذي يجب أن يلامسه ويعبر عنه.
مع ذلك، لا ينبغي للشاعر محاولة أن يصبح رسامًا، فما تحتويه نفسه سينعكس على العالم من خلال الكلمات، تمامًا كما يرينا لها الممثل بأعيننا، من خلال عرض نفسه شخصيًا.
يجب التمييز بين نفاذ البصيرة والنشاط العملي، ويجب علينا عكس ذلك في كل فن، عندما نخضعه للممارسة، وهو شيء عظيم وصعب جدًا، وإتقانه يتطلب حياة.
وهكذا سعى غوته للتبصر في العديد من الأشياء، ولكنه عمليًا قيد نفسه إلى شيء واحد فقط، مارس فنًا واحدًا فقط، بطريقة ماهرة، فن الكتابة. والمسألة التي قال بها ذات طابع متعدد الجوانب
كما يجب التمييز بين الثقافة والممارسة العملية، وهكذا ومن أجل رعاية الفنان يجب أن يمرس عينيه على إدراك المواضيع الخارجية. وإن أسمى غوته ميله العملي للرسم بالخاطئ، فميله ما زال صالحًا له كشاعر.
قال غوته:" تُعزى الموضوعية في شعري للتدريب والانتباه الكبيرين للعين، ووجب علي أن أكون جديرًا بالمعرفة التي حققتها بهذه الطريقة. ولكن يجب أن نحرص على عدم وضع حدود ثقافتنا بعيدًا جدًا.
قال:" الباحثون الطبيعيون هم الأكثر عرضة للخطر نتيجة ذلك، لأنَّ الثقافة العامة المتجانسة للملكات مطلوبة حقًا للملاحظة الكافية للطبيعة.
ولكن ومن ناحية أخرى، يجب على الجميع السعي لحماية أنفسهم من التحيز ووجهات النظر الضيقة، مع احترام المعرفة الضرورية للفرع الخاص به.
الشاعر الذي يكتب من أجل المسرح، يجب أن يمتلك المعرفة بالمسرح، ويزن وسائل سيطرته، ويعلم بشكل عام ما يجب القيام به، وما يجب تركه. ملحن الأوبرا أيضًا، يجب أن يمتلك بعض الفطنة الشعرية، حتى يستطيع التمييز بين ما هو جيد وما هو سيء، وعدم بذل جهده في شيء غير عملي.
قال غوتة:" لم يكن يجب على "كارل ماريا فون ويبر" تلحين "يوريانث"، كان لا بد له أن يرى فورًا كم هي مادة سيئة لا تنتج شيئًا. لدينا الحق في توقع نفاذ البصيرة الكامل لدى أي ملحن، ينتمي إلى فنه وهكذا، الرسام أيضًا، يجب أن يقدر على التمييز بين المواضيع، التي تنتمي إلى دائرته، كي يعلم ما سيرسم، وما سيترك.
وضح غوته:" ولكن كما يقال، الفن العظيم هو ذلك الذي يعزل المرء ويحده عن العالم الخارجي
" وبناء عليه، وأنا معه ، سعيت باستمرار لحفظ نفسي من أي إلهاء، ، والتركيز فقط على فرع معين. وإن أظهرت ميلًا للنفاذ إلى أسرار العلوم الطبيعية، ينصحني بتركه، وأن أقتصر على الشعر في الوقت الراهن. إن أردت قراءة كتاب كان يرى أنه لن يطورني في مساعي الحالية، ينصحني بتركه حالًا، ، قائلًا إنه ليس له استخدام عملي مفيد لي.
قال:" أنا نفسي أمضيت الكثير من الوقت في أشياء لم تكن تنتمي إلى الفرع الملائم لي. عندما فكرت في ما أنجزه "لوبيز دو فيغا" بدا أنَّ عدد إنجازاتي الشعرية ضئيل جدًا، كان يجب أن أحتفظ بالكثير لمهنتي الخاصة.
قال:" إن لم أشغل نفسي كثيرًا بالأحجار، وقضيت الوقت في شيء أفضل، لكنت فزت بأروع ألماسة مزخرفة".
لهذا السبب فهو يحترم ويشيد بصديقه "ماير"، لأنه كرس حياته كلها وحصريًا لدراسة الفن، وحصل بالتالي، وبلا شك، على أعلى درجة اختراق في فرعه.
قال غوته:" نشأت أنا أيضًا مع هذا الميل، وأمضيت نصف حياتي تقريبًا في تأمل ودراسة الأعمال الفنية، لكني وباحترام تام لا أقف على قدم المساواة مع ماير. لذا لم أغامر مطلقًا بأن أريه صورة جديدة فورًا، أرى بنفسي أولًا إلى أي مدى أستطيع التقدم فيها، وحين أعتقد أنني ملم تمامًا بكل جمالياتها وعيوبها، أريها لماير، الذي يرى الموضوع بوضوح أكبر.
والذي، ومن نواحٍ كثيرة، يعطي إضاءات جديدة. بالتالي أنا مقتنع أكثر من أي وقت مضى ما يتطلبه أن تكون بارعًا في شيء واحد, لدى ماير نفاذ البصيرة في الفن الذي يعود إلى آلاف السنين.
وقد يُسأل، إن كان غوته مقتنعًا تمامًا أنَّ الرجل يستطيع القيام بشيء واحد فقط بطريقة جيدة، لماذا وظف حياته في عدة اتجاهات مختلفة للغاية؟ سأجيب: إن رجع غوته إلى عالمنا الآن، ووجد المساعي العلمية والأدبية لوطنه الأم في ذروة ما لديهم الآن، وما قاموا بتحقيقه عبره هو تحديدًا، من المؤكد أنه لن يجد الفرصة لكل هذه الاتجاهات المختلفة، لكنه سيكرس نفسه لمجال واحد بكل بساطة.
لم يكن من طبيعته النظر في جميع الاتجاهات، وأن يبدي آراءه حول الأمور الدنيوية، ولكن كان ضروريًا في ذلك الوقت أن يتحدث عن ملاحظاته.
عندما جاء إلى العالم، جاء من أجل إرثين كبيرين، الخطأ ونقص الكفاءة، وقع في نصيبه أن يقوم بإزالتهما، ما يتطلب بذل الجهد في اتجاهات عديدة ما دامت حياته مستمرة
إن لم تظهر نظرية نيوتن لغوته كخطأ كبير، ضارة جدًا للعقل البشري، فهل كان من المفترض أنه يملك نية كتابة "نظرية الألوان" وتخصيص جهد سنوات لمجرد موضوع جانبي كهذا؟، من المؤكد،لا. ولكن حبه للحقيقة وفي الصراع مع الخطأ حثه على جعل ضوئه النقي يشع وسط الظلمة.
يمكن قول الشيء نفسه بخصوص معتقده عن تحول النباتات، والذي بسببه نحن مدينون له بنموذج مداواة علمي. من المؤكد أنَّ غوته لم يكن ليفكر أبدًا في كتابة هذا العمل، إن كان قد رأى معاصريه يسيرون نحو هذا الهدف.
يمكن قول الشيء نفسه عن جهوده الشعرية المتنوعة. السؤال هو هل كان لغوته أن يكتب رواية، إن كان لعمل مثل "فيلهيلم مايستر" أن يوجد بالفعل بين أيدي أمته.المسألة هنا عن إن لم يكن قد كرس نفسه حصريًا للشعر الدرامي.
ما الذي كان بإمكانه إنتاجه وتنفيذه إن قيد إلى اتجاه واحد، لم يكن ليُلحظ، ولكن من المؤكد جدًا وإن نظرنا إلى العموم، فإنَّ أي شخص ذكي سيتمنى لو أنَّ غوته لم ينتج كل هذه الأشياء التي أرضت خالقه ليقوده.
الأربعاء، 27 أبريل 1825.
مع اقتراب المساء دعاني غوته إلى نزهة في الحديقة المنخفضة. قال:" قبل أن نذهب سأقوم بإعطائك خطابًأ من "زيلتر"، استلمته بالأمس، حيث يتطرق إلى شؤون مسرحنا.
كتب، بجانب أمور أخرى:" أنت لست رجل تأسيس الدراما لفيمار، استطعت أن أرى منذ مدة طويلة. من يجعل نفسه أخضرَ، ستأكله الماعز. يجب على الرفاق أخذ ذلك بعين الاعتبار، من يسد النبيذ بالفلين أثناء تخمره؟.
نظر إليَّ وضحكنا، وقال:" زيلتر زميل أساسي، لكنه لا يفهمني تمامًا، وهو يطلق تفاسير خاطئة على كلماتي".
لقد كرست حياتي كلها للناس ولنمائهم، فلماذا لا يجب عليَّ أيضًا تأسيس الدراما؟ ولكن، هنا في فيمار، في هذه البيت الصغير، الذي يقطنه عشرة آلاف شاعر وبضعة ساكنين، مثلما يقول الناس مازحين. كيف يمكننا الحديث عن الناس، وأكثر بكثير عن مسرح للناس؟ ستصبح فيمار في وقت ما في المستقبل، وبلا شك، مدينة عظيمة، ولكن علينا أن ننتظربضعة قرون حتى يشكل شعب فيمار كتلة كافية قادرة على تأسيس ودعم الدراما.
تم إسراج الخيول، وقدناها حتى الحديقة المنخفضة. كانت أمسية هادئة ومعتدلة، على الأصح حارة، غيوم كبيرة بدت تتجمع في كتل عاصفة. مشينا صعودًا وهبوطًا في مسار الحصى الجاف، بجانبي وبهدوء، غوته، مهتاج وبوضوح، بأفكار شتى. وفي تلك الأثناء كنت أستمع إلى تغريد طائري الشحرور والسمان، واللذيْن، على قمم أشجار الدردار التي ما زالت بلا أوراق، يغنيان ضد العاصفة الآخذة في التجمع.
يصوب غوتة نظراته حول المكان، ثم الغيوم، ثم نحو الخضرة التي تتفجر في كل مكان، على جانبي الطريق، وعلى المروج، وأيضًا على الشجيرات والأسيجة. قال:" أمطار رعدية دافئة، والتي تعد بها الأمسية، والربيع سيظهر مرة أخرى بكل روعته ووفرته.
في الوقت الذي أصبحت فيه الغيوم أكثر تهديدًا، سُمع دوي رعد منخفض، وسقطت أيضًا، بضع قطرات من الأمطار، واعتقد غوته أنَّ من المستحسن العودة إلى المدينة. عندما وصلنا إلى مسكنه قال:" إن لم تكن لديك التزامات، فاصعد معي الدرج واقضِ ساعة أو نحو ذلك برفقتي". وهو ما قمت به بسرور.
ما زالت رسالة زيلتر موضوعة على الطاولة. قال غوته:" من الغريب، الغريب جدًا، كيف أنَّ أحدهم وبسهولة، يمكن أن يقع في موقف خاطئ في ما يتعلق بالرأي العام. لا أعلم وقتًا قد كنت فيه ضد الناس بأي شكل، لكنني الآن مستقر ولمرة في ما يتعلق بالجميع، أنا لست صديق الشعب، في الواقع، أنا لست صديقًا للرعاع الثوريين، الذين يكمن هدفهم في السرقة، القتل والتدمير، والذين، وخلف قناع المصلحة العامة، يبقون أعينهم فقط، على أحقر الأهداف الأنانية. أنا لست صديق مثل أولئك الناس، أكثر من كوني صديق لويس الخامس عشر، أنا أكره كل عنف مدمر، أكره أولئك الذين يفعلون ذلك، وكذلك من يعطون أسبابًا له. لكن، هل أنا لست صديقًا للشعب بناء على ذلك؟ هل يفكر أي رجل عاقل بخلاف ذلك؟.
وأنت تعلم كم أبتهج جدًا بأي تقدم، حين يعطينا المستقبل بعض الاحتمالات. لكن، وكما قلت، كل التحولات العنيفة تصطرع في ذهني، لأنها ليست متوافقة مع الطبيعة.
أنا صديق للنباتات، أحب الورد، وكالزهرة الأكثر مثالية التي يمكن أن تنتجها الطبيعة الألمانية، لكنني لست بالحماقة الكافية كي أرغب أن تنتجهم حديقتي الخاصة الآن، في نهاية أبريل. إنني راضٍ أن وجدت الآن الأوراق الخضراء الأولى، راضٍ إن رأيت الآن كيف تتشكل ورقة بعد الأخرى.
الجذوع، من إسبوع إلى آخر، وفي مايو، أُسَرُّ عندما ألمس البراعم، وفي يونيو، أسعد، عندما وأخيرًا، تظهر الورود نفسها بكامل روعتها وعبيرها. إذا لم يستطع شخص ما الانتظار فليذهب إلى أبنية النباتات الزجاجية.
من المستبعد القول إنني خادم، عبدٌ للأمراء، وإن دل قولي على شيء، هل أخدم طاغية مستبدًا؟ هل أخدم شخصًا يعيش على كاهل الشعب، لمتعته الخاصة فقط؟ مثل هؤلاء الأمراء، ومثل هذه الأوقات كذبة. لقد ارتبطت ارتباطا وثيقا بالدوق الأكبر لمدة نصف قرن، وعملت معه خلال نصف قرن، ولكنني يجب أن أتكلم بجلاء، إن كان عليَّ القول إنني شهدت يومًا واحدًا، لم يفكر فيه الدوق الأكبر بالقيام بعمل شيء ما يخدم مصلحة الأرض، ومناسبة لتحسين أحوال الفرد. أما بالنسبة له شخصيًا، ما الذي ناله من مركزه الأميري، عدا التوتر والمتاعب؟ هل منزله أو ملابسه أو مائدته أفضل من أي رجل ثري؟ اذهب فقط لمدننا ذات المرافئ البحرية، وستجد أنَّ مطبخ وقبو أي تاجر كبير أفضل تعيينًا من هذا.
واصل غوته:" وفي خريف هذا العام، سنحتفل باليوم الذي حكم فيه الدوق الأكبر، لمدة خمسين عامًا. ولكن عندما أفكر مليًا، ما الذي كانته حكومته هذه غير عبودية مستمرة؟ ما الذي كانته غير استعباد لتحقيق الغايات العظيمة، استعباد من أجل رفاهية شعبه؟ إن كنت مرغمًا على أن أصير عبدًا لأمير، فعلى الأقل عزائي أنني لا أزال عبدًا لشخص هو أيضًا عبد للمصلحة العامة.
الجمعة، 29 أبريل 1825.
تقدم العمل على مبنى المسرح الجديد في هذا الوقت بسرعة كبيرة جدًا، الجدران الأساسية قد ارتفعت بالفعل على كل جانب، ومنحت أملًا في مبنى جميل جدًا.
لكنْ اليوم ولدى ذهابي لموقع البناء، رأيت، وبرعب، أنَّ العمل قد توقف، وسمعت أنَّ طرفًا آخر، معارض لخطة غوته وكودري قد نجح أخيرًا، وأنَّ كودراي قد استقال عن إدارة المبنى، وأنَّ مهندًسا آخر سيقوم بالعمل عليه وفقًا لتصميم جديد، ووفقًا للتعديلات وضع الأساس بالفعل. شعرت بالحزن العميق لما رأيت وسمعت، كوني ابتهجت مع الجميع لإمكانية رؤية مسرح في فيمار، المنجز وفقًا لرؤية غوته العملية لتنظيم داخلي حكيم، وفي ما يتعلق بالجمال، فقد تطابق مع ذوقه المصقول.
لكنني حزنت أيضًا على غوته وكودراي، لأنهما سيشعران بالألم بسبب ما حدث.
الأحد، مايو 1825.
تناولت العشاء رفقة غوته. قد يكون من المتوقع أنَّ موضوع حديثنا الأول سيكون عن التغييرات في بناء المسرح، كنت أخشى، كما قلت، أنَّ هذا الإجراء غير المتوقع قد يجرح وبعمق مشاعر غوته، لكن لم يكن ثمة علامة على ذلك، وجدته لطيفًا وفي مزاج هادئ جدًا، ومتعاليًا تمامًا عن أي إحساس بالضعف.
قال:" لقد هاجموا الدوق الأكبر بشأن النفقات، والتقليل الكبير في الإنفاق سيحدث إن عدلت خطة البناء، وقد نجحوا، وأنا راضٍ تمامًا. في النهاية، المسرح الجديد هو مجرد كومة جنائز جديدة، لحادث ما، عاجلا أم آجلًا، ستضرم فيها النار. أنا أواسى نفسي بهذا. بجانب أنَّ الضآلة بأكثر من ذلك أو أقل لا تستحق الذكر. سيكون لديك مسرح مقبول جدًا، إن لم يكن تمامًا مثل ما تمنيته وتخيلته، ستذهب إليه، وأنا سيتعين عليَّ الذهاب إليه أيضًا، ، وفي النهاية ستؤول الأمور إلى شيء جيد بما فيه الكفاية.
قال:" وضَّح لي الدوق الأكبر وجهة نظره، ليس من الضروري أن يكون المسرح روعة معمارية، وهو ما لا يمكن إنكاره. وأضاف قائلًا، إنه مجرد دار بغرض الحصول على المال. وجهة النظر هذه تبدو للوهلة الأولى مادية نوعًا ما، لكن وبالأخذ بعين الاعتبار، ليس من دون مغزى اسمى. ليس المسرح من أجل دفع نفقاته فقط، بل من أجل جلب وتوفير المال، كل ما يتعلق به يجب أن يكون ممتازًا، يجب أن يحصل على أفضل إدارة، وأفضل الممثلين، والنصوص الجيدة يجب أن تقدم باستمرار، لسلطة الجذابة مطلوبة لتلون كامل المنزل كل مساء ولا تتوقف أبدًا. ولكن هذا يقول الكثير في بضع كلمات، ما هو مستحيل تقريبًأ.
قلت:" رؤية الدوق الأكبر بشأن جعل المسرح يربح النقود، تبدو عملية جدًا، لأنه ينطوي على ضرورة البقاء باستمرار على قمة التميز.".
قال غوته:" حتى شكسبير وموليير لم يكن لهما وجهة نظر أخرى، تمنى كلاهما وقبل كل شيء ان يكسبا المال عن طريق مسارحهما. ومن أجل تحقيق هدفهما الرئيسي، سعوا بالضرورة لأن يكون كل شيء جيد بقدر المستطاع، وأنه وبجانب المسرحيات القديمة الجيدة يجب أن يكون هناك بعض الحداثة الذكية للإسعاد والجذب. وكان حظر * تارتوف * صاعقة لموليير، لم تكن بنفس الوقع على موليير الشاعر كما هي على موليير المدير، الذي كان عليه النظر لمصلحة الفرقة الهامة، وأن يجد بعض الوسائل للحصول على الخبز، له ولممثليه.
لا شيء أكثر خطورة على رفاهية المسرح من أن يكون المدير معينًا في الوظيفة، حيث أنَّ إيراد الخزينة قل أو كثرلا يؤثر عليه شخصيًا، ويستطيع العيش في طمأنينة لا مبالية، عالمًا أنه وحتى إن فشلت إيرادات الخزينة هذا العام، ففي النهاية سيستطيع تعويض نفسه من مصادر أخرى. وهي خصلة في الطبيعة الإنسانية تقترب من الاسترخاء حين لا يكون سير الأمور مدفوعًا بالربح والخسارة الشخصية.
من غير المقبول الآن أنَّ مسرحًا في مدينة كفيمار عليه دعم نفسه، وأنه من غير الضروري مساهمة خزينة الأمير في دعمه. لكن ما زال لكل شيء حدود وأمد، وألف دولار سنويًا، قلَّت أو كثرت، بأي حال من الأحوال تعد أمرًا تافها، لا سيما وأنَّ انخفاض الإيرادات والتدهور يشكلان خطرًا طبيعيًا على المسرح، حتى إنَّ الخسارة ليست فقط في المال، بل وفي الشرف أيضًا.
لو كنت الدوق الأكبر، سأود مستقبلًا، لدى أي تغيير في الإدراة أن أعين مبلغًا ثابتًا للمساهمة السنوية، وسأحسب متوسط الاشتراكات خلال السنوات العشر الأخيرة، ووفقًا لذلك، وسأقرر مبلغًا كافيًا كدعم مناسب. بمثل هذا الدعم يمكن الحفاظ على المسرح. وسأذهب خطوة أبعد بعد ذلك، وأقول، إن كان المدير ومساعديه قد فكروا، وبواسطة الإدراة الحيوية والحكيمة، أن يحصلوا على فائض في الخزينة بنهاية العام، يجب تقسيم الفائض كمكافأة بين المدير ومساعديه والأعضاء الرئيسيين للشركة. وسترى كيف سيكون النشاط هناك، وكيف ستوقظ المؤسسة من النعاس الذي لا بد أنها سقطت فيه تدريحيًا.
تابع غوته:" تحتوي قوانيننا المسرحية على غرامات مختلفة، ولا يوجد هناك قانون واحد لتشجيع ومكافأة الجدارة المتميزة، وهذا خلل كبير. إن كان لدى كل فشل ثمة احتمالية خصم من راتبي، يجب أن يكون هناك احتمال مكافأة أيضًا، حينما أؤدي أفضل من المتوقع. سيرتفع المسرح عندما يقوم كل شخص بأداء أفضل من المأمول أو المتوقع منه.
فراو فون غوته وفراولين أوليركي، دخلا الآن، برشاقة، مرتدييْن ملابس صيفية، بسبب الطقس الجميل. المحادثة أثناء العشاء كانت خفيفة ومبهجة، تحدثنا عن مختلف الأحداث السعيدة خلال الأسبوع، وحول خطط مماثلة أيضًا.
قال فراو فون غوته:" إن كان لنا أن نستمر في الأمسيات الجيدة فسيكون من دواعي سروري أن أستضيف حفلًا للشاي في الحديقة، حيث يمكننا الاستماع إلى أغاني العندليب، ما رأيك يا أبي العزيز؟
قال غوته:" سيكون هذا لطيفًا جدًا".
قال فراو فون غوته:" وأنت يا إكرمان كيف تشعر تجاه ذلك؟ هل يمكنني دعوتك؟". انضمت فرانكلين أوليركي إلى الحديث:" ولكن أوتيليا كيف يمكنك دعوة الطبيب؟ لن يأتي، وإن جاء سيكون كما لو أنه جالس على الشوك، ويستطيع المرء رؤية أنَّ عقله في مكان آخر، وسيكون سعيدًا كلما أسرع في الذهاب ".
قلت:" سأتحدث بصراحة، أفضل وبلا شك نزهة حول الحقول مع دولان. الشاي، حفلاته ومحادثاته مخالفة تمامًا لطبيعتي، حتى إنني أشعر بعدم الارتياح عند التفكير فقط بها.
قال فراو فون غوته:" ولكن يا إكرمان، في حفلات الشاي في الحديقة، ستكون في الهواء الطلق، وفي بيئتك تمامًا". قلت:" على العكس تمامًا، عندما أكون قريبًا جدًا من الطبيعة، بحيث أشتم كل عبيرها، ولكن لا يمكنني التمتع بها، أمر لا يطاق بالنسبة لي. كالبط الذي يوضع بجانب الماء ولكن يمنع من الغطس فيه". قال غوته ضاحكًا:" قد تقول أيضًا إنك تشعر كالحصان الذي يرفع رأسه في الإسطبل ويرى الخيول الأخرى تركض بجموح على السهول المنبسطة أمام عينيه، ويشتم بهجة وحرية الطبيعة المنعشة، ولكن لا يمكنه المشاركة. دع إكرمان وشأنه، فهو كما هو، لا يمكنك تغييره. ولكن أخبرني يا صديقي العزيز، كيف يمكنك شغل نفسك مع دولان في الحقول المفتوحة، في فترات الظهيرة الطويلة والجميلة؟ ". قلت:" نبحث عن بعض الأيكات المنزوية ونطلق عليها السهام من الأقواس".
قال غوته:" قد تكون تسلية جيدة، ". قلت:" إنها طريقة رائعة للتخلص من إضطرابات الشتاء:. قال غوته:" ولكن كيف حصلت على أقواس وسهام هنا في فيمار؟". قلت:" بالنسبة للسهام، أحضرت نموذجًا معي، لدى عودتي من بعثة برابانت في 1814، إطلاق الأقواس والسهام هناك عام، . لاتوجد مدينة هناك مهما صغرت لا تمتلك مجتمع رماية. إنهم يجعلون مراكزهم في بعض المساكن العامة، كالبولنج الأرضي خاصتنا، ، ويجتمعون عادة في وقت متأخر من الظهيرة، شاهدتهم كثيرًا بسرور عظيم. مَن الرجال الناضجون الذين كانوا هناك، وما الطريقة التصويرية التي أحنوا بها القوس؟ كيف برزت قوتهم؟ وكم كانوا بارعين بامتياز في الرماية؟ كانوا عادة ما يطلقون من مسافة ستين أو ثمانين خطوة، على علامة من الورق على جدار طيني مبتل، يطلقون بسرعة الواحدة خلف الأخرى. لم يكن من النادر أنه ومن أصل خمسين سهمًا، خمسة سهام تضرب المركز، والذي هو في حجم الدولار، أما البقية فتكون في غاية القرب منه. وبعد أن يطلق الجميع، يذهب كل واحد منهم ويسحب سهمه من الجدار الطري، وتبدأ اللعبة من جديد. كنت مبتهجًا جدًا بهذه الرماية وكنت أعتقد أنه سيكون من الرائع جدًا أن تقدم في ألمانيا، وكنت غبيًا جدًا لاعتقادي أنه شيء ممكن.
================
محادثات مع غوته
تأليف: يوهان بيتر إيكرمان
ترجمة من الألمانية للإنجليزية: جون اوكسنفورد
ترجمة من الإنجليزية: سماح جعفر
تقوم «القرية الإلكترونية» بتكليف من الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، بترجمة يوميات من حياة "جوته"، المعنونة بـــ «محادثات مع غوته»، من تأليف: «يوهان بيتر إيكرمان*»، وهي عبارة عن يوميّات كتبها "إيكرمان" عن السنوات الأخيرة من حياة شاعر ألمانيا الكبير «غوته Goethe»، وتمت ترجمتها من الألمانية للإنجليزية بواسطة «جون أوكسنفورد»، وترجمها من الإنجليزية إلى العربية: «طارق زياد شعار»، وسوف نقوم بنشرها على حلقات تباعاً هنا في الصفحة نأمل أن تحوز إعجابكم.
*«يوهان بيتر إيكرمان» Johann Peter Eckermann 1792-1854: عمل كأمين خاص لجوته في الفترة الأخيرة من حياة الأخير. وسرعان ما أصبح كتابه محادثات مع غوته، ذو شعبية تخطت الحدود الألمانية، ولعب دوراً مهما في إحياء الاهتمام والتقدير لأعمال جوته في وقت لاحق.
#محمد_أحمد_السويدي_ترجمة_محادثات_مع_غوته
, Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi,,
Related Articles