محادثات مع غوته - الجزء الثاني عشر

محادثات غوته | الجزء الثاني عشر
الأربعاء، 3 يناير 1827
على العشاء، تحدثنا عن خطاب كاننغ الممتاز حول البرتغال. قال غوته: "بعض الناس لا يفضلون هذا الخطاب؛ لكن هؤلاء لا يعرفون ما يريدون - لديهم رغبة مخيبة في أن يكونوا ثائرين ضد كل ما هو عظيم. لا يعد ذلك معارضة، بل مجرد" ثورة" بسيطة؛ لا بد أنَّ لديهم شيئًا عظيمًا يريدون أن يكرهوه. عندما كان نابليون على قيد الحياة كانوا يكرهونه، وقد كان يناسبهم ذلك، وعندما انتهى كل شيء، كانوا يتذمرون من "الثورة" في التحالف المقدس(1)، ومع ذلك لا يعد أي شيء أكبر أو أكثر نفعًا للبشرية مبتدعًا، والآن حان دور كاننغ، فخطابه حول البرتغال جاء نتاج وعي كبير. إنه يفهم جيدًا مدى قوته وجلالة منصبه؛ ولديه الحق في التحدث بالطريقة التي يريدها. هذا أمر لا يستطيع بعض الناس فهمه؛ فما يبدو لنا عظيمًا، يبدو لهم فظًا. العظمة تزعجهم؛ فهم ليسوا مُعدَّين بعد لاحترامها، ولا يستطيعون تحملها".
مساء الخميس، 4 يناير 1827
أشاد غوته كثيرًا بقصيدة فيكتور هوغو، قال غوته، "إنه رجلٌ ذو موهبة، وقد أثر عليه الأدب الألماني. ولكن ومع الأسف تأثرت فتوته الشعرية بحذلقة المدرسة الكلاسيكية؛ ولكنه الآن يملك دعم مجلة "غلوب" إلى جانبه، وقد أصبح متمكنًا من لعبته أكثر. أنا أميل إلى مقارنته مع ألساندرو مانزوني. إنه يهتم بالمواضيع أكثر، ويبدو لي بأهمية ألفونس دي لامارتين وآن دي لا فين. من خلال مراقبته بشكل حثيث، لاحظت هذا الأمر ولاحظت موهبته اليانعة التي تأتي من نفس المصدر. كلهم متأثرون بالفيكونت دوشاتوبريان الذي يملك حقًا موهبة في البلاغة الشعرية. ولتتحقق من صدق موهبته اقرأ القصيدة التي كتبها حول نابليون- Les Deux Isles".
أعطاني غوته الكتاب وتوجه نحو الموقد. قرأت القصيدة. قال غوته: "ألم يتقن الصور؟ ألم ينجح في تناول موضوعه بحرية كبيرة؟"، عاد غوته نحوي. "انظر فقط إلى هذا المقطع - أليس جيدًا!" قرأ المقطع حول سحابة العاصفة، التي يندفع منها البرق إلى الأعلى ويضرب البطل. "هذا جيد لأنَّ الصورة صائبة: كما ستجد في الجبال، حيث عادة تكون العاصفة تحتنا، وحيث يضيء البرق نحو الأعلى".
قلت، "أنا أثني على الفرنسيين لأنَّ شعرهم لا يستحضر أبدًا الأرض الصلدة للواقع. يمكننا ترجمة قصائدهم إلى نثر، دون فقدان أي شيء أساسي".
يقول غوته، "هذا لأنَّ الشعراء الفرنسيين لديهم معرفة، في حين أنَّ شعرائنا الألمان البسطاء يظنون أنهم سيفقدون موهبتهم إذا عملوا من أجل المعرفة، على الرغم من أنه، في الواقع، يجب أن تستمد جميع المواهب غذاءها من المعرفة، وبالتالي يتم تمكينها لاستخدام قوتها. لكن دعهم يمرون؛ لا يمكننا مساعدتهم، وستجد الموهبة الحقيقية طريقها. لا يملك الكثير من الشعراء الشباب الذين ينقلون الآن تجارتهم موهبة حقيقية. يظهرون فقط عجزًا متحمسًا في إنتاجية الدولة العالية للأدب الألماني.
تابع غوته،"تحول الفرنسيون من الأسلوب المتحذلق إلى أسلوب أكثر حرية ليس أمرًا مفاجئًا. حتى قبل الثورة، سعى ديدرو وعقول مثله إلى فتح هذا الطريق. كما إنَّ تهافت الأساليب القديمة وحكم نابليون كانا مؤاتيين لتحقيق الأمر؛ لأنه إذا لم تسمح سنوات الحرب بأي اهتمام شعري حقيقي تصبح اللحظة غير مؤاتية للحصول على إلهام. تشكلت العديد من العقول الحرة في تلك الفترة، والذين صاروا في أوقات السلام التي نعيشها الآن مفكرون متميزون ومواهب ذات أهمية".
سألت غوته ما إذا كان الكلاسيكيون قد عارضوا بيرنغر العظيم. قال غوته: "إنَّ شعر بيرنغر قديمٌ وتقليدي، وقد اعتاد الناس على ذلك، إلا أنه كان في كثير من النواحي أكثر حرية من أسلافه، وبالتالي فقد تعرض لهجوم من قبل الكلاسيكيين المتحذلقين".
تحولت المحادثة إلى الرسم، وإلى إخفاق مدرسة تقديس العصور القديمة. قال غوته، "أنت لا تتظاهر بأنك متذوق، لكنني سأريك صورة، على الرغم من أنَّ من رسمها هو أحد أفضل الفنانين الألمان الأحياء، فسوف تلاحظ للوهلة الأولى المخالفات الصارخة للقوانين الأساسية للفن، سترى أنَّ التفاصيل منفذة بشكل جيد، ولكنك لن تكون راضيًا عن الشكل الكلي، ولن تعرف ماذا تفعل بها؛ وهذا ليس لأنَّ الرسام ليس لديه موهبة كافية، بل لأنَّ عقله، الذي كان يجب أن يوجه موهبته، أصبح مظلمًا، مثله مثل كل المتعصبين الآخرين في العصور القديمة؛ ولذلك يتجاهل السادة المثاليين، ويعود إلى أسلافهم غير المثاليين، ويستخدم أعمالهم لتحقيق أنماطه.
"اخترق رافاييل ومعاصروه الطبيعة والحرية بطريقة مميزة. والآن، بدلًا من أن يكون فنانونا شاكرين ويستخدموا هذه المزايا ويواصلوا السير على الطريق الصحيح، يعودون إلى حالة التقييد".
هذا أمر سيء للغاية، ومن الصعب فهم مثل هذا التعتيم في التفكير. وبما أنهم لا يجدون في هذا المضمار أي دعم في الفن نفسه، فإنهم يسعون إلى الحصول على مثل هذا الدعم من ميولهم الدينية والمعاونيين، فبدون هذين المسارين لن يتمكنوا من إعالة أنفسهم في ضعفهم.
تابع غوته، "هناك بنوة وأبوة خلال تاريخ الفن كله، فإذا رأيت سيدًا عظيمًا، ستجد دائمًا أنه استخدم ما كان جيدًا في أسلافه، وهذا ما جعله رائعًا. رجال مثل رافاييل لا ينطلقون من الأرض، فقد اتخذوا إلهامهم من التحف، ومن أفضل ما تم إنجازه قبلهم، لو لم يستخدموا مزايا وقتهم، فلن يكون هناك الكثير لقوله عنهم ".
تحولت المحادثة الآن إلى الشعر الألماني القديم: وذكرتُ فليمنغ. قال غوته: "فليمنغ موهبة متواضعة جدًا، نثرية ووطنية إلى حد ما، ولا يمكن استخدام أعماله في الوقت الحاضر. إنه أمر غريب، رغم كل ما قمت به، لا تناسب أي واحدة من قصائدي كتاب الترتيلة اللوثرية". ضحكت ووافقت، بينما قلت لنفسي إنه في هذا التعبير الغريب، كان هناك أكثر مما يمكن رؤيته من النظرة الأولى.
مساء الأحد 12 يناير 1827
وجدت حفلة موسيقية في منزل غوته. كان الفنانون من عائلة إبروين، وبعض أعضاء الأوركسترا. وكان من بين القلة من المستمعين كلٌ من المراقب العام روهر، و هوفراث فوغل، وبعض السيدات. كان غوته يرغب في سماع رباعية كتبها مؤلف شاب موسيقي شهير، وقد تم عزفها أولاً. عزف كارل إبروين، وهو صبي يبلغ من العمر اثني عشر عامًا، على البيانوبطريقة أرضت غوته بشكل كبير، وبشكل مثير للإعجاب، بحيث كان أداء الرباعية مثاليًا من جميع النواحي.
يقول غوته، "إنه لأمر غريب أنَّ أحدث التحسينات التقنية والمكانيكية التي أدخلت على الفن كانت السبب في ظهور أحدث مؤلفينا الموسيقيين. لم تعد منتجاتهم موسيقية، بل تجاوزت مستوى المشاعر الإنسانية، لا يمكن للمرء أن يقدم لهم أي ردٍ من العقل والقلب. كيف تشعر؟ أسمع بأذني فقط".
أجبته أنني أوافقه الرأي. قال، "ومع ذلك، فقد كانت لإليغرو شخصيته الخاصة؛ ذلك الدوران والدوامة المستمران استحضرا في ذهني رقص السحرة على قمة الجبل، وهكذا كان لدي صورة لاستيضاح هذه الموسيقى الغريبة".
طلب غوته من مدام إبروين أن تغني بعض الأغاني، بعد توقف قصير ليتناول الضيوف المرطبات المرطبات. غنت الأغنية الجميلة، "في منتصف الليل"، بموسيقى زيلتر، والتي تركت انطباعًا عميقًا لدي الجميع.
قال غوته، "هذه الأغنية، لا تزال جميلة، ولو سمعتها ألف مرة! هناك شيء أبدي، غير قابل للتدمير، في اللحن!"
عندما غنت "ملك العفاريت"، وهي قصيدة كتبها غوته في عام 1782، عم التصفيق الأرجاء، والنغم "Ich hab gesagt der guten Mutter"، جعل الكل يلاحظون أنَّ الموسيقى تناسب الكلمات بخفة، بحيث لا يمكن لأحد حتى أن يتصورها بطريقة أخرى. كان غوته نفسه سعيدًا للغاية.
وفي ختام هذه الليلة المبهجة، غنت مدام إبروين، بناءً على طلب غوته، بعض الأغاني من كتابه "ديوان"، بينما زوجها يعزف، المقطع الذي يقول "أريد استعارة سحر يوسف" سّر غوته بشكل خاص. وقال، "في بعض الأحيان يتفوق إبروين على نفسه". ثم طلب أغنية "أوه، حول الأجنحة الرطبة"، والتي كانت أيضا من نوع الذي يثير المشاعر العميقة.
بعد أن غادر الباقون، بقيت لحظات مع غوته. قال، ''جعلتني هذه الأمسية أفكر أنَّ هذه الأغاني من كتابي 'ديوان' لم تعد لها أي صلة بي. لم تعد كل تلك العناصر الشرقية والمتحمسة تعيش في داخلي. لقد تركتهم ورائي مثل جلد ثعبان، لكن أغنية "في منتصف الليل"، على العكس من ذلك لم تفقد صلاتها بي، وظلت جزءًا حيًا مني، وما زالت تعيش معي.
في كثير من الأحيان، يبدو إنتاجي الخاص غريبًا بالنسبة لي، واليوم مثلًا، قرأت مقطعًا بالفرنسية، وفكرت بينما أقرأ - "هذا الرجل يتحدث بمهارة كافية - وما كان المرء ليقوله بطريقة أخرى"، عندما نظرت إلى المقطع عن كثب، وجدت أنه مقطع مترجم من كتاباتي الخاصة! "
مساء الاثنين 15 يناير 1827
بعد الانتهاء من "هيلينا"، شرع غوته خلال الصيف الماضي في تكملة "سنوات الهجرة". وكثيرًا ما تحدث معي عن تقدم هذا العمل.
قال لي في أحد الأيام: "لكي أستخدم المواد التي أمتلكها بشكل أفضل، فقد قسمت الجزء الأول بالكامل إلى قطع، وعزمت على مزج الأشياء القديمة بالأشياء الجديدة، لكي أصنع جزأين جديدين. لقد أمرت بأن تتم طباعة كل شيء ليتم نسخه لاحقًا بالكامل. أقوم عادة بوضع علامة على الأماكن التي أريد إضافة موضوع جديد إليها، وعندما تراجع سكرتيرتي تلك العلامات، أملي عليها ما أود فعله، وبالتالي أجبر نفسي على عدم السماح لعملي بالتوقف".
في يوم آخر قال لي: "لقد تم الآن نسخ جميع الأجزاء المطبوعة من" سنوات الهجرة" بالكامل، حيث هناك ورق أزرق وضعته كعلامة في الأماكن التي أقوم فيها بتقديم مواد جديدة، بحيث يكون دائمًا أمام عيني ما لم ينجز بشكل كامل بعد، ولكن مع تقدم العمل تبدأ الأوراق الزرقاء تدريجيًا وذلك يجلب إليّ فرحة كبيرة".
قبل بضعة أسابيع، سمعت من سكرتيرته أنه يعمل على رواية جديدة، لذا امتنعت عن القيام بزياراتي المسائية، وشعرت بالرضا لرؤيته مرة واحدة في الأسبوع على العشاء. انتهى غوته من الرواية منذ بعض الوقت، وأطلعني هذا المساء على الأوراق الأولى. شعرت بالسعادة، وقرأت حتى وصلت للفقرة الهامة حيث يقف الجميع حول النمر الميت، ويحضر الرسول الأخبار التي تفيد بأنَّ الأسد قد استلقى تحت الشمس بجانب الأنقاض.
أثناء القراءة، لم أستطع سوى الإعجاب بالوضوح الاستثنائي الذي جُلبت به كل الأشياء، بما في ذلك النقاط الدقيقة، أمام العينين.
كان الخروج للصيد، والأطلال القديمة للقلعة، والمعرض، والطريق عبر الحقول إلى الأنقاض، مرسومة بشكل واضح، بحيث لا يمكن للمرء أن يتصورها بخلاف الشاعر المقصود. في الوقت نفسه، تمت كتابة كل شيء بالحماس وتمكن من الموضوع، بحيث لا يمكن لأحد أن يتوقع ما هو قادم، أو رؤية ما هو أبعد من السطر الذي أمامه.
قلت، "لا بد أنك عملت بخطة محددة للغاية". أجاب غوته، "نعم، في الواقع كنت أريد العمل على هذا الموضوع منذ ثلاثين عامًا، وظللت أفكر فيه باستمرار منذ ذلك الحين. استمر العمل بشكل غريب بما فيه الكفاية. في ذلك الوقت، مباشرة بعد كتابي "هيرمان ودوروثيا"، أردت معالجة الموضع بشكل ملحمي، ووضعت مخططًا كاملًا بالمشاهد. لكن عندما بدأت في التفكير في كتابة الموضوع في الوقت الحالي لم أستطع أن أجد مخططي القديم، واضطررت إلى كتابة مخطط جديد، وقد كان مناسبًا للنموذج الذي تم تعديله، والذي كنت أعتزم تقديمه. والآن بعد أن انتهى عملي، عثرت على المخطط القديم مرة أخرى، لكنني سعيد أنني لم أعثر عليه في وقت سابق؛ لأنَّ ذلك كان سيربكني فقط. الأحداث وتطور العمل لم تكن مختلفة في الواقع، لكن التفاصيل كانت مختلفة تمامًا؛ فقد تم تصميمها بهدف المعالجة الملحمية، وبالتالي لن تكون قابلة للتطبيق على هذا النموذج النثرى".
تحولت المحادثة لتتناول المحتويات. قلت، "كان المشهد جميلًا، حيث يقف أونوريو قبالة الأميرة وينحني على النمر الميت، ومن ثم تأتي المرأة الباكية مع صبيها، والأمير يأتي مع حاشيته من الصيادين، ويسرع لينضم إلى هذه المجموعة؛ هذا يشكل صورة ممتازة، وأود أن أراها مرسومة".
قال غوته، "نعم، ستكون صورة جيدة. ومع ذلك، ربما، هذا الموضوع يكاد يكون غنيًا جدًا، والشخصيات كثيرة جدًا، بحيث يكون من الصعب جدًا على الفنان تجميعها، وتوزيع الضوء والظل.
تلك اللحظة السابقة، حيث ينحني أونوريو على النمر، وتقف الأميرة قبالته على ظهر حصان، لقد تصورتها كصورة، ويمكن القيام بذلك".
شعرت أنَّ غوته كان على حق، وأضاف أنَّ هذه اللحظة كانت تتضمن في الواقع جوهر الموقف برمته.
لاحظت أيضًا أنَّ هذه الرواية لها طابع مميز تمامًا عن تلك الخاصة بـ "سنوات الهجرة"، نظرًا لأنَّ كل شيء يمثل العالم الخارجي - فكل شيء كان حقيقيًا.
قال غوته: "صحيح، سوف تجد فيه بالكاد أي شيء من العالم الداخلي، وفي كتاباتي الأخرى هناك الكثير من الأشياء الداخلية تقريباً".
قلت، "أنا الآن أشعر بالفضول لأعرف كيف سيهزم الأسد؛ أظن أنَّ هذا سيحدث بطريقة مختلفة تمامًا، لا أستطيع أن أتصور كيف سيحدث ذلك". قال غوته، "لن يكون من المناسب لك أن تخمن، ولن أكشف السر اليوم. مساء يوم الخميس سأعطيك النتيجة، حتى ذلك الحين، فليرقد الأسد في الشمس ".
تحولت المحادثة إلى الجزء الثاني من "فاوست"، وخاصة ليلة الفالورجية الكلاسيكية، التي كانت موجودة حتى الآن فقط كرسومات تخطيطية، والتي أخبرني غوته أنه كان يعتزم طباعتها بهذا الشكل. كنت أنوي نصحه بأن لا يفعل ذلك؛ لأنني فكرت أنه لو تم طبعها، فسيتم تركها دائمًا في هذه الحالة غير المنتهية، لا بد أن غوته فكر في الأمر مرة أخرى، لأنه أخبرني الآن أنه قد قرر عدم طباعة الرسم التخطيطي.
قلت، "أنا مسرور جدا بذلك؛ وأتمنى أن أراك تكملها في وقت قريب".
وقال: "يمكن أن يتم ذلك في غضون ثلاثة أشهر، ولكن متى سأحصل على الوقت لذلك؟" لدي الكثير لأفعله خلال اليوم ومن الصعب عزل نفسي بشكل كافٍ. هذا الصباح، كان في ضيافتي وريث الدوق الأكبر؛ وغدًا، خلال ظهيرة ستزورني الدوقة الكبرى. يجب أن أتعامل مع مثل هذه الزيارات كنعم رفيعة؛ فهي تزين حياتي، لكنها تشغل عقلي. أجد نفسي مضطًرا للتفكير في ما لديّ من جديد لتقديمه لشخصيات كريمة كهذه، وكيف يمكنني أن أستضيفهم بطريقة ممتعة".
قلت، "ومع ذلك، فقد انتهيت من ‘هيلينا‘ في الشتاء الماضي ولم تكن أقل اضطرابًا من الآن". أجاب، "لماذا يستمر المرء، ولماذا يجب أن يستمر؛ لكن الأمر صعب".
قلت، "على كل حال فمخطّطك معدٌ بالكامل". قال غوته "المخطط اكتمل بالفعل، لكن الجزء الأصعب ما زال يتعين القيام به. وفي تنفيذ الأجزاء، كل شيء يعتمد كثيرًا على الحظ. يجب أن تكون ليلة البورجيس الكلاسيكية مكتوبة بقافية، ومع ذلك يجب أن يكون البناء ذا طابع عتيق بالكامل. ليس من السهل العثور على نوع مناسب من الآبيات؛ - ومن ثم الحوار!"
قلت، "أليس هذا مدرجًا أيضًا في الخطة؟" أجاب غوته: "ما أريده موجود، ولكن كيف أريد تنفيذه هو ما أريد معرفته. بعد ذلك، فكر بما يمكن أن يقال في تلك الليلة المجنونة! خطاب فاوست إلى بروسربينا، عندما يستعطفها لتمنحه هيلاينا - إنه خطاب عظيم ذلك الذي دفع بروسربينا نفسها إلى البكاء! كل هذا ليس سهلًا، ولكنه لا يعتمد كثيرًا على الحظ الجيد، بل يعتمد تمامًا على المزاج والقوة في اللحظة الراهنة".
الأربعاء 17 يناير 1827
في الآونة الأخيرة، وخلال فترات التوجس العرضي التي تمر بغوته، كنا نتناول الطعام في غرفة العمل، التي تطل على الحديقة. اليوم، تم وضع الطعام مجددًا في ما يسمى غرفة أوربينو، والتي نظرت إليها باعتبارها فأل خير. عندما دخلت، وجدت غوته وابنه: كلاهما رحب بي بطريقة ساذجة. كان غوته في مزاج سعيد للغاية، كما رأيت من خلال تعابير وجهه.
من خلال الباب المفتوح للغرفة المجاورة، رأيت الأستاذ فون مولر ينحني على لوحة كبيرة. وسرعان ما دخل إلى حيث كنا نجلس، كان من دواعي سروري أن أرحب به كرفيق لطيف على الطاولة. كانت فراو فون غوته لا تزال غائبة، لكننا جلسنا إلى الطاولة بدونها. تحدثنا عن اللوحة بإعجاب، وقال غوته إنه عملٌ من الباريسي الشهير غيرارد، أرسله في الآونة الأخيرة كهدية. "اذهب والقِ نظرة سريعة قبل أن يحضروا الحساء".
تابعت أمنيتيه ورغبتي، وسرّني رؤية العمل الجدير بالإعجاب وإهداء الفنان، الذي كرسه لغوته كدليل على تقديره. لم أستطع النظر مطولًا إلى اللوحة فقد وصلت فراو فون غوته، وسارعت إلى مكاني.
قال غوته: "أليس هذا عملًا عظيمًا. قد تدرسه أيامًا وأسابيعَ قبل أن تتمكن من اكتشاف كل أفكاره وتطلعاته الغنية".
كنا نتحدث بحيوية على الطاولة. أحضر المستشار رسالة من رجل مهم في باريس، كان يشغل منصب سفير هنا في وقت الاحتلال الفرنسي، وقد ظل على تواصل ودي مع الناس في فايمار منذ ذلك الحين. ذكر الدوق الكبير وغوته، وهنأ مدينة فايمار لقدرتها على الحفاظ على تحالف حميم جدًا بين العبقرية والسلطة العليا.
جلبت فراو فون غوته نغمة رشيقة للغاية للمحادثة. كان الحديث يدور حول مشتريات معينة؛ وكانت تقوم بإغاظة غوته الصغير، والذي لم يستسلم للأمر.
قال غوته، "يجب ألا نفسد السيدات الجيدات، إنهن على استعداد لكسر كل الحدود. تلقى نابليون في إلبا فواتير لقبعات نسائية اشترتها زوجته، وكان عليه أن يدفعها؛ ولكن في مثل هذه الأمور، فبإمكانه أن يفعل القليل جدًا باعتباره أمرًا كبيرًا. في يوم من الأيام، في التويلريين، عرض تاجر الأزياء بعض الأشياء القيمة على زوجة نابليون في حضوره، ولم يبد نابليون أي استعداد لشراء أي شيء، لكن الرجل حاول أن يقنعه أنه بهذه الطريقة يقدم القليل لزوجته. لم يرد نابليون، بل نظر إلى الرجل بطريقة حانقة، فقام الرجل بتجميع أشياءه دفعة واحدة، ولم يظهر وجهه مرة أخرى". سألت فراو فون غوته، "هل فعل هذا عندما كان قنصلًا؟"
أجاب غوته، "ربما عندما صار إمبراطورًا لم تعد نظرته حانقة إلى ذلك الحد. لا يسعني إلا أن أضحك على الرجل، الذي اخترقته تلك النظرة، والذي رأى نفسه كما لو قُطع رأسه أو أُطلق عليه الرصاص".
كنا في مزاج أكثر حيوية، وواصلنا الحديث عن نابليون. قال غوته، "أتمنى لو أنَّ لدي صورًا أو نقوشًا جيدة لكل أعمال نابليون، لتزيين غرفة كبيرة".
قال غوته، "يجب أن تكون الغرفة كبيرة جدًا، ورغم ذلك فلن تكون كافية، فهناك أعمال رائعة كثيرة".
بدأ المستشار محادثة حول كتاب لودين، "تاريخ الألمان"؛ وكان لدي سبب للإعجاب بالبراعة والذكاء اللذين أظهرهما غوته الصغير في استنتاج كل ما وجده المراجعون في الكتاب من الوقت الذي كُتب فيه، والآراء والمشاعر الوطنية التي حركت المؤلف. وصلنا إلى استنتاج أنَّ حروب نابليون شرحت لنا أولًا الحروب التي خاضها سيزر. قال غوته، "في السابق، لم يكن كتاب سيزر سوى تمرين للمدارس الكلاسيكية".
تحولت المحادثة من التاريخ الألماني القديم إلى القوطية. تحدثنا عن خزانة كتب ذات طابع قوطي، ومن هذا المنطلق تم طرح الحديث عن الموضة الراحلة في ترتيب الشقق بالكامل على الطراز الألماني والقوطي القديم، وبالتالي العيش تحت تأثير الزمن القديم.
قال غوته، "في منزل به العديد من الغرف التي يُدَخَلُ بعضها فقط ثلاث أو أربع مرات في السنة؛ ربما تمر بالمرء بعض الخيالات الجميلة؛ وأعتقد أنه لأمر جميل أن تمتلك مدام بانكوكي في باريس شقة صينية. لكنني لا أستطيع أن أثني على الرجل الذي يملأ الغرف التي يعيش فيها بهذه الأشياء الغريبة والعتيقة الطراز. لأنه نوع من التنكر، والذي لا يمكن أن يكون جيّدًا بأي شكل من الأشكال على المدى البعيد، ولكن على العكس من ذلك، سيكون له تأثير سلبي على الرجل الذي يقوم به. مثل هذه الموضة تناقض العصر الذي نعيش فيه، وتؤكد فقط على طريقة التفكير والشعور الفارغة والمفرغة التي تنشأ منها. من الجيد أن تذهب إلى حفلة تنكرية وأنت متنكر كتركي في إحدى الليالي الشتوية السعيدة، ولكن بماذا يجب أن نفكر في رجل يرتدي مثل هذا القناع طوال العام؟ يجب أن نفكر أنه مجنون، أو في طريقه ليصبح مجنونًا خلال وقت قريب".
ووجدنا ملاحظات غوته في هذا الموضوع العملي للغاية مقنعة جدًا، وبما أَنَّ التوبيخ لم يلمس أيًا منّا على نحو طفيف حتى، فقد استمعنا إلى حديثه بسعادة.
تحولت المحادثة الآن إلى المسرح، وبدأ غوته بإغاظتي لأنني ضحيت بأمسية يوم الاثنين الماضي لأجله. وقال موجهًا كلامه للباقين، "لأنه هنا لثلاث سنوات الآن، وتلك هي الليلة الأولى التي يتخلى فيها عن المسرح من أجلي. إنه لأمر جلل. كنت قد دعوته لزيارتي، ووعدني بالقدوم، لكنني شككت في أنه سيبقي على كلمته، خاصة بعد أن تجاوزالوقت الساعة السادسة والنصف ولم يكن قد حضر بعدْ. في الواقع، كان ينبغي عليّ أن أبتهج إذا لم يأت؛ لأني أستطيع أن أقول: هذا صديق مجنون، يحب المسرح أكثر من أصدقائه الأعزاء، ولا شيء يمكن أن يبعده عن تحيزه العنيد. لكن ألم أعوضك عن تفويت المسرح يومها؟ ألم أريك كل تلك الأشياء الجميلة؟"بهذه الكلمات ألمح غوته إلى الرواية الجديدة.
تحدثنا عن عمل شيللر "مؤامرة" الذي تم عرضه يوم السبت الماضي، قلت، "لقد شاهدته للمرة الأولى، وقد كنت مشغولًا كثيرًا بالتفكير فيما إذا كان من الصعب التخفيف من هذه المشاهد الحادة للغاية. لكنني عرفت أنه لا يمكن عمل الكثير حول ذلك الأمر دون إفساد العمل بكليته".
أجاب غوته، "أنت على حق - لا يمكن القيام بذلك، تحدث شيلر معي كثيرًا حول هذا الموضوع؛ لأنه لم يستطع أن يتحمل أول مسرحياته أيضًا، ولم يكن يسمح بعرضها أبدًا خلال ذلك الوقت الذي كنا ندير فيه المسرح معًا. كنا في حاجة إلى قطع، وكان بإمكاننا استخدام الجزء الأول من تلك المنجزات الثلاثة القوية لأجل ذخيرتنا المسرحية. لكننا وجدنا الأمر مستحيلًا؛ فكل الأجزاء كانت متشابكة بشكل وثيق مع بعضها؛ بحيث أنَّ شيللر نفسه يئس من تحقيق الخطة، ووجد نفسه مقيَّدًا للتخلي عنها، وترك القطع كما كانت".
قلت، "إنه لأمر محبط، لأنه ورغم كل حدتها، فأنا أحبها أكثر ألف مرة من القطع الضعيفة، القسرية، وغير الطبيعية لبعض أفضل شعرائنا المأساويين المتأخرين. فالشخصية والفكر العظيمان موجودان في شيللر بحق".
قال غوته، "نعم، شيللر قد يفعل ما يريده، لأنَّ كل ما ينتجه سوف يكون أعظم بكثير من أفضل الأشياء التي قد ينتجها هؤلاء الشعراء. حتى عندما قص أظافره، أظهر أنه كان أكبر من هؤلاء السادة الأفاضل". ضحكنا على هذا التشبيه اللافت.
تابع غوته، "ولكنني أعرف أشخاصًا لا يمكن أن يكونوا راضين أبدًا عن تلك الأعمال الدرامية الأولى لشيللر. خلال صيف ما، في مكان للاستحمام، كنت أسير عبر طريق ضيق منعزل يؤدي إلى طاحونة، هناك قابلني الأمير، وفي نفس اللحظة، جاءت على ذلك الطريق بعض البغال المحملة بأكياس الوجبات، فاضطررنا إلى الخروج من الطريق ودخول منزل صغير. هناك، في تلك الغرفة الضيقة، بدأنا أنا والأمير في نقاش عميق حول الأشياء الإلهية والبشرية. تحدثنا أيضًا عن عمل شيللر "اللصوص"، وعبّر الأمير عن نفسه بهذا الشكل: "لو كنت إلهًا على وشك إنشاء العالم، ورأيت حينها أنَّ شيللر سيكتب في المستقبل عمله " اللصوص" لكنت تركت العالم غير منشأ. قال غوته: "لم أتمكن من كتم ضحكاتي، ما الذي يمكن أن تقوله ردًا على أمر كهذا؟ هذه كراهية شديدة، ولا يمكن لأحد أن يفهمها".
علقت، "لا توجد مثل هذه الكراهية تجاه هذا العمل لدى شبابنا، لا سيما طلابنا. يمكن تنفيذ أكثر القطع الممتازة والناضجة لشيللر أو غيره، ولن ترَ سوى عدد قليل من الشباب والطلاب في المسرح. ولكن إذا تم تقديم أحد العملين "اللصوص" أو "مؤامرة"، فإنَّ المسرح سيكون ممتلئًا بالطلاب فقط".
قال غوته، "هكذا كان الأمر قبل خمسين سنة، ومن المحتمل أن يكون كذلك بعد خمسين سنة. لا تدعونا نتخيل أنَّ العالم سوف يتقدم كثيرًا في الثقافة والذوق الرفيع وسيتجاوز الشباب عصر الفظاظة. إنَّ ما يكتبه شباب دائمًا ما يتمتع به الشباب أكثر، وحتى لو تقدم العالم بشكل عام، سيبدأ الشباب دائمًا من البداية، وسوف تتكرر عهود زراعة العالم في الفرد. ظل هذا الأمر يزعجني، وقد كتبت هذه الآبيات بسببه منذ وقت طويل:
توقف ودع المشعل يشتعل،
ولا تدع السعادة تضمحل؛
تهترئ المكانس القديمة دائمًا.
ويولد الصغار كل يوم.
"لا أحتاج إلا أن أنظر من النافذة لأرى المكانس التي تكتسح الشوارع والأطفال الذين يركضون، كرمز مريء لحال العالم، والذي يهتريء ويتجدد دائمًا مرة أخرى. يتم الحفاظ على ألعاب الأطفال وتحولات الشباب من قرن إلى قرن. فالأطفال هم دائمًا أطفال، وهم في كل الأوقات متشابهون. ومن ثم لا ينبغي لنا أن نطفئ نيران منتصف الصيف، أو نفسد اللذة التي يأخذها الصغار منها".
مرت الساعات خلال هذه المحادثة المبهجة بسرعة. وذهبنا نحن الشباب إلى الغرفة العليا، بينما بقي المستشار مع غوته.
مساء الخميس 18 يناير 1827
لقد وعدني غوته بأن يريني بقية الرواية هذا المساء. ذهبت إليه في السادسة والنصف، ووجدته وحيدًا في غرفته المريحة. جلست معه على المائدة، وبعد أن تحدثنا عن الأحداث التي حدثت في ذلك اليوم، نهض غوته وأحضر لي الأوراق الجديدة من الرواية. وقال "هنا قد تقرأ النتيجة". بدأت القراءة، بينما كان غوته يسير جيئة وذهابًا خلال الغرفة، ويقف أحيانًا في الموقد. وقد قرأت بهدوء لنفسي كالعادة.
انتهت أوراق الليلة الماضية حيث كان الأسد مستلقيًا تحت الشمس خارج جدار الخراب القديم عند شجرة زان عتيقة، وبدأت الاستعدادات لإخضاعه. سوف يرسل الأمير الصيادين خلفه، لكن الغريب يرجوه أن لا يقتل أسده، فهو واثق من قدرته على إعادته إلى قفصه بوسائل أخف. قال، هذا الطفل سوف ينجز عمله بكلمات لطيفة ونغمات حلوة من مزماره. وافق الأمير، وبعد أن رتب الإجراءات الوقائية اللازمة، عاد إلى المدينة مع رجاله.
وقف أونوريو مع عدد من الصيادين في ممر ضيق لكي يخيف الأسد من خلال إشعال النار إذا حاول المجيء نحوهم. الأم والطفل، بقيادة حراس القلعة، يصعدان إلى الأنقاض، على الجانب الآخر من الجدار الخارجي الذي يرقد قبالته الأسد.
الهدف هو إغراء الحيوان القوي للقدوم إلى ساحة القلعة الفسيحة. تختبئ الأم والحارس في القاعة الخربة في الأعلى، بينما يذهب الطفل بمفرده خلف الأسد من خلال الفتحة المظلمة في جدار ساحة الفناء. ينتشر القلق. إنهم لا يعرفون ما حدث للطفل - ولا يخرج أي صوت من نايه. يوبخ الحارس نفسه بأنه لم يذهب أيضًا، ولكن الأم تبقى هادئة.
في نهاية المطاف يسمعون مرة أخرى صوت الناي. يقتربون أكثر وأكثر. يعود الطفل إلى ساحة القلعة من خلال الفتحة الموجودة في الجدار، ويتبعه الأسد، الذي أصبح الآن مطيعًا، بخطوة ثقيلة. ينتشرون مرة واحدة حول الفناء. ثم يجلس الطفل في بقعة مشمسة، في حين يستقر الأسد بسلام بجانبه، ويضع أحد أقدامه الثقيلة في حضنه.
دخلت الشوكة في مخلب الأسد. يخرجها الطفل بلطف، ومن ثم يخلع الرباط الحريري من عنقه ويربط للأسد مخلبه.
غمرت السعادة الأم والحارس اللذين شهدا المشهد بأكمله من القاعة في الأعلى. يرقد الأسد بهدوء وسلام بينما يغني الطفل من خلال نايه أغنياته الساحرة لتهدئة الوحش، وتختتم الرواية بأكملها بغناء الأبيات التالية :
الملائكة المقدسون احترزوا
من الطفل الصالح والطيع.
ودعموا كل عمل خيّر.
وفحصوا كل الاندفعات البرية.
الأفكار الورعة واللحن.
ومعًا عملوا لأجل ما هو جيد.
وجلبوا تحت قدمي الرضيع
الأخشاب الصلبة ذاتها.
قرأت وأنا مغمور بالعاطفة بسبب الحادثة الختامية. وما زلت لا أعرف ماذا أقول. لقد كنت مندهشًا ولكن لم أكن راضٍيًا. بدا الأمر كذلك.
* أولئك الذين يعرفون مدى صعوبة الأصل لن يكونوا شديدي القسوة على الترجمة أعلاه. الكلمات الأصلية في طبعات كوتا لغوته هي كالتالي:
Und so geht mit guten Kindern
Sel'ger Engel gern zu Rath,
Böses Willen zu verhindemi
Zu befördern schöne That.
So beschwören fest zu bannen
Lieben Sohn ans zarte Knie
Ihn des Waldes Hochtyrannen
Frommer Sinn und Melodie.
ما لم يتم إدراج بناء قسري أكثر من خلال الترجمة، فهذه الآبيات قد تبدو غير قابلة للتفسير إلى حد كبير. ولكن في المقطع الذي نقلته عن إيكرمان، وضعت الكلمة "liebem" في مكان "lieben"، وهذه القراءة، التي أظن أنها الصحيحة، تعطي إحساسًا مشابهًا في محاولتي لترجمتها. – المترجم
إنَّ الخاتمة كانت بسيطة جدًا، مثالية جدًا وغنائية جدًا، كان من المفترض أن تظهر بعض الشخصيات الأخرى مجددًا، لإضفاء المزيد من الاتساع على النهاية. لاحظ غوته أن لديَّ شكًا وقال: "لو أنني جلبت مرة أخرى بعض الشخصيات الأخرى في النهاية، كانت الخاتمة لتصبح مبتذلة. ماذا يمكن أن يفعلوا أو يقولوا، بينما أنجز كل شيء. لقد قام الأمير ورجاله بالعودة إلى المدينة، حيث هناك حاجة لوجوده. وبمجرد أن علم أونوريو أنَّ الأسد بأمان، تابع طريقه مع الصيادين، كما أن الرجل سيأتي قريبًا من المدينة مع قفصه الحديدي وسيضع الأسد داخله. كل هذه الأشياء متوقعة، وبالتالي لا ينبغي أن تكون مفصلة. وإذا صارت كذلك فسنصبح مبتذلين. ما كان مطلوبًا هو نتيجة مثالية وليس نتيجة شعرية؛ لأنه وبعد الخطاب البائس الذي ألقاه الرجل، الذي هو في حد ذاته نثر شاعري، هناك حاجة إلى مزيد من الارتفاع، وكنت مضطرًا إلى اللجوء إلى الشعر الغنائي، وللأغنية كذلك.
تابع "لإيجاد تشبيه لهذه الرواية، تخيل نباتًا أخضرَ يتصاعد من جذوره، يدفع بأوراق خضراء قوية من جوانب جذعه القوي، وفي النهاية ينتهي في زهرة.
الزهرة استثنائية ومذهلة، وأوراق الشجر بأكملها وجدت فقط لأجل تلك الزهرة، وسوف تكون بلا قيمة بدونها.
تنفست بهدوء خلال هذه الكلمات. يبدو أنَّ المقاييس سقطت من عيني، وبدأ الإحساس بتميز هذا التكوين الرائع يتحرك في داخلي.
تابع غوته قائلاً: "كان الهدف من هذه الرواية هو إظهار كيف أنَّ الأشخاص الذين لا يمكن السيطرة عليهم والذين لا يقهرون غالبًا ما يتم تقييدهم بشكل أفضل من خلال الشعور بالحب والتعاطف من القوة. وهذا الهدف الجميل الذي وضعه الطفل والأسد سحرني لكي أتمكن من الانتهاء من العمل. هذا هو المثل الأعلى - هذه هي الزهرة. أوراق الشجر الخضراء للمقدمة الحقيقية للغاية موجودة فقط من أجل هذا المثل الأعلى، وتستحق فقط أي شيء بسببه. ما هو الحقيقي في حد ذاته؟ نحن نسعد به عندما يتم تمثيله بالحقيقة، بل قد يمنحنا معرفة أكثر وضوحًا بأشياء معينة، لكن المكسب المناسب لطبيعتنا العليا يكمن فقط في المثل الأعلى، الذي ينتقل من قلب الشاعر".
شعرت بشكل ملموس أنَّ غوته كان محقًا، لأنَّ ختام روايته كان لا يزال يتحرك داخلي، وقد أنتج داخلي نبرة تقوى لم أحس بها منذ فترة طويلة. فكرت كم هي نقية ومكثفة مشاعر الشاعر، إنه يستطيع أن يكتب أي شيء جميل في عصره المتقدم. لم أكن أمتنع عن التعبير عن نفسي في هذه النقطة إلى غوته، ومن تهنئة نفسي بأنَّ هذا الإنتاج، الذي كان فريدًا في حد ذاته، أصبح الآن وجودًا مرئيًا.
قال غوته، "أنا سعيد إنك راضٍ عن روايتي، وسعيد أيضًا لأنني تخلصت من موضوع حملته داخلي على مدى ثلاثين عامًا. حاول كلٌ من شيللر وهامبولد إثنائي عن الاستمرار في الأمر عندما أبلغتهما بخطتي سابقًا لأنهما لم يريا شيئًا فيها، ولأنَّ الشاعر وحده يعرف مقدار السحر الذي يستطيع أن يعطيه لموضوعه. لذلك لا ينبغي لأحد أن يسأل شخصًا آخر عندما ينوي كتابة أي شيء. إذا سألني شيللر عن كتابه "فالنشتاين" قبل أن يكتبه، فمن المؤكد أنني كنت لأثنيه عن كتابته؛ لأنني لم أكن لأفكر في مثل هذا الموضوع الذي قد يشكل عملًا دراميًا رائعًا. كان شيللر يعارض معالجتي لأحد موضوعاتي، والذي كنت ميالًا لكتابته بعد "هيرمان ودوروثيا" مباشرة، ونصحني بكتابة شيء آخر، وعلى العموم فقد نجحت في كتابته اعتمادًا على الشكل النثري؛ كثير من الأشياء تعتمد على الوصف الدقيق للمكان، وفي هذا يجب أن أكون مقيدًا بالموضوع المحدد".
تحدثنا عن الحكايات الفردية وروايات "سنوات الهجرة"؛ وقد لاحظنا أنَّ كلًا منها كان متميزًا عن الأخرى بطابع خاص ونغمة. وقال غوته، "سأشرح السبب؛ لقد بدأت في العمل مثل الرسام الذي يتجنب بعض الألوان في بعض اللوحات، ويحبذ ألوانًا أخرى. وهكذا، بالنسبة إلى المشهد الصباحي فإنه يضع الكثير من اللون الأزرق على لوحته، والقليل من اللون الأصفر. ولكن، إذا كان ينوي رسم مشهد مسائي، فإنه يأخذ قدرًا كبيرًا من اللون الأصفر، ويبدأ في القضاء على اللون الأزرق تقريبًا. وقد تقدمت بالطريقة نفسها خلال إنتاجاتي الأدبية المختلفة، وهذا هو السبب في تنوع شخصايتها".
فكرت أنَّ هذا كان مبدأ حكيمًا للغاية، وكنت سعيدًا بأنَّ غوته قاله.
بعد ذلك، خاصة في ما يتعلق بهذه الرواية الأخيرة، أعجبت بالتفاصيل التي تم وصف المشهد بها.
قال غوته: "لم أراقب الطبيعة أبدًا من أجل فوائد الإنتاج الشعري. ولكن رسوماتي المبكرة للمناظر الطبيعية ودراساتي الأخيرة في العلوم الطبيعية، قاداني إلى مراقبة متواصلة وثابتة للأشياء الطبيعية، فقد تعلمت بشكل تدريجي الطبيعة عن ظهر قلب حتى في أدق التفاصيل، حتى عندما كنت أحتاج إلى أي شيء كشاعر، كان ذلك الشيء في متناولي بسبب ما ذكرته سابقًا؛ لا أستطيع أن أقترف خطايا بسهولة ضد الحقيقة. لا يملك شيللر هذه الملاحظة للطبيعة. كانت مناطق سويسرا التي استخدمها في "حكاية ويليام" حاضرة في ذهنه بواسطتي. لكن كان لديه عقل رائع ، حتي أنَّ بإمكانه أن يصنع من الإشاعات شيئًا يتجاوز الحقيقة".
تحولت المحادثة نحو شيللر بشكل كامل الآن:
"تكمن موهبة شيللر الإنتاجية المثالية في الخيال؛ ويمكن القول بأن ليس هناك ند له في الآدب المكتوب باللغة الألمانية أو أي آدب آخر. لديه كل شيء يملكه اللورد بايرون تقريبًا. لكن اللورد بايرون هو سيده في معرفة العالم. أتمنى لو أنَّ شيللر عاش ليعرف أعمال اللورد بايرون، وأتساءل عما كان سيقوله لهذا العقل الفذ. هل نشر بايرون أي شيء خلال حياة شيلر؟ لا أعرف على وجه التحديد".
أخذ غوته كتاب " معجم المحادثات" وقرأ المقال المتعلق باللورد بايرون، وقدم العديد من الملاحظات بينما يقرأ. بدا أنَّ بايرون لم ينشر أي شيء قبل عام 1807، ولذلك لم يكن بمقدور شيللر أن يقرأ أيًا من كتاباته".
تابع غوته، "تطرح فكرة الحرية خلال جميع أعمال شيللر؛ على الرغم من أنَّ هذه الفكرة افترضت شكلاً جديدًا مع تقدم شيلر ثقافيًا واختلاف طبيعته. في شبابه كانت الحرية الجسدية هي التي شغلته، وأثرت عليه في وقت لاحق من حياته ، كانت الحرية مثالية: "الحرية هي شيء غريب ، وكل رجل لديه ما يكفي منها، إذا كان بإمكانه فقط إرضاء نفسه. ما الذي ينفعنا من الحرية التي لا نستطيع استخدامها؟ انظر إلى هذه الحجرة والحجرة التالية، من خلال الباب المفتوح، ترى سريري. الحجرتان ليستا كبيرتين كما أنهما تضيقان أكثر بالأثاث ، والكتب ، والمخطوطات ، والأعمال الفنية الضرورية ؛ ولكنهما كافيتان بالنسبة لي. لقد عشت فيهما خلال كل فصل الشتاء ، ونادراً ما كنت أدخل غرفتي الأمامية. ما الذي توجب عليّ فعله ببيتي الفسيح وحرية الانتقال من غرفة إلى أخرى ، بينما لم أجد أنه من الضروري استخدام هذه الغرف".
"إذا كان لدى الرجل حرية كافية ليعيش بصحة جيدة ، ويعمل في حرفته ، فلديه ما يكفي؛ ويمكنه الحصول على الكثير من الأشياء بسهولة. ومن ثم، فكلنا أحرار في ظل ظروف معينة، والتي يجب علينا تحقيقها. المواطن حر مثل النبيل ، عندما يقيد نفسه في الحدود التي حددها الرب بوضعه في تلك المرتبة. النبيل حر مثل الأمير، لأنه لو حضر بعض الاحتفالات في المحكمة قد يشعر أنه على قدم المساواة مع الأمير. لا تتشكل الحرية من خلال رفض الاعتراف بأي شيء فوقنا ، بل باحترام شيء فوقنا. لأنه، من خلال احترامه ، نرفع أنفسنا إليه، ومن خلال اعترافنا، نوضح أننا نعرف داخل أنفسنا ما هو أعلى، ونستحق أن نصبح على نفس المستوى منه".
"في رحلاتي ، التقيت في كثير من الأحيان بتجار من شمال ألمانيا ، كانوا يتصورون أنهم كانوا أندادي، إذْ كانوا يجلسون بوقاحة بجواري على الطاولة. لم يكونوا مميزين أبدًا بسبب تلك الطريقة التي اتبعوها في التعامل معي؛ رغم أنهم كانوا ليكونوا مميزين لو عرفوا كيف يقيمونني ويتعاملون معي".
"هذه الحرية الجسدية خلقت لشيللر الكثير من المتاعب في سنواته الشابة ، وقد نجمت جزئيًا عن طبيعة عقله ، وبشكل أكبر من ضبط النفس الذي تحمله في المدرسة العسكرية. في الفترة الأخيرة، عندما صار لديه الحرية المادية الكافية، انتقل إلى الشكل المثالي، وأقول تقريباً إنَّ هذه الفكرة قتلته ، لأنها دفعته إلى فرض أشياء على طبيعته المادية وقد كان ذلك يضغط على قواه".
--------------------
(1) كان الهم الوحيد للدول الكبرى هو ضمان الاستمرار والتمسك والالتزام بمقررات مؤتمر فينا وأن لا تكون نهاية عقد المؤتمر نهاية لمقرراتة لذلك خرج القيصر الروسي بفكرة التحالف المقدس ويقصد به قيام رابطة بين الدول الأوروبية تقوم على المحبة والعدل الذي نادى به المسيح لتحل محل المواثيق العسكرية والتحالفات السياسية التقليدية وبهذا تكون المسيحية القاعدة الأساسية للقانون الدولي في حل المشاكل والصعاب ويعتبر الملوك الموقعون على التحالف وكأنهم مكلفون من الإله بالدفاع عن السلام والنظام. وكان الهدف منه القضاء على أي محاولة للتحرر والديمقراطية قد تظهر في المستقبل وفي يوم 26 سبتمبر 1815 وقعت كل من روسيا وبروسيا والنمسا على التحالف أما بريطانيا فلم تتمكن من التوقيع لأن الوصي على العرش لم يحق له التوقيع لأن الملوك هم الذين يوقعون إلا أن بريطانيا أبدت تعاطفها مع هذا التحالف لكن وزير خارجيتها كاسلريه لم يكن مقتنعا بصواب فكرة التحالف لأنه :- كان يفهم جيدا معنى التحولات الجذرية التي أوجدتها الثورة الفرنسية في أوروبا مما يجعل هذا التحالف طارئا غير واقعي إضافة إلى ذلك أنَّ صاحب الفكرة هو الاسكندر الأول والذي كان معروفا بأطماعه التوسعية والرغبة في السيطرة على السياسة الأوروبية ولهذا سيكون أقل الموقعين قدرة على الالتزام به ووقف مترنيخ ضد هذا التحالف مع كاسلريه واستمر التحالف حتى 1826
================
محادثات مع غوته
تأليف: يوهان بيتر إيكرمان
ترجمة من الألمانية للإنجليزية: جون اوكسنفورد
ترجمة من الإنجليزية: سماح جعفر
تقوم «القرية الإلكترونية» بتكليف من الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، بترجمة يوميات من حياة "جوته"، المعنونة بـــ «محادثات مع غوته»، من تأليف: «يوهان بيتر إيكرمان*»، وهي عبارة عن يوميّات كتبها "إيكرمان" عن السنوات الأخيرة من حياة شاعر ألمانيا الكبير «غوته Goethe»، وتمت ترجمتها من الألمانية للإنجليزية بواسطة «جون أوكسنفورد»، وترجمها من الإنجليزية إلى العربية: «طارق زياد شعار»، وسوف نقوم بنشرها على حلقات تباعاً هنا في الصفحة نأمل أن تحوز إعجابكم.
*«يوهان بيتر إيكرمان» Johann Peter Eckermann 1792-1854: عمل كأمين خاص لجوته في الفترة الأخيرة من حياة الأخير. وسرعان ما أصبح كتابه محادثات مع غوته، ذو شعبية تخطت الحدود الألمانية، ولعب دوراً مهما في إحياء الاهتمام والتقدير لأعمال جوته في وقت لاحق.
#محمد_أحمد_السويدي_ترجمة_محادثات_مع_غوته
محادثات غوته | الجزء الثاني عشر
الأربعاء، 3 يناير 1827
على العشاء، تحدثنا عن خطاب كاننغ الممتاز حول البرتغال. قال غوته: "بعض الناس لا يفضلون هذا الخطاب؛ لكن هؤلاء لا يعرفون ما يريدون - لديهم رغبة مخيبة في أن يكونوا ثائرين ضد كل ما هو عظيم. لا يعد ذلك معارضة، بل مجرد" ثورة" بسيطة؛ لا بد أنَّ لديهم شيئًا عظيمًا يريدون أن يكرهوه. عندما كان نابليون على قيد الحياة كانوا يكرهونه، وقد كان يناسبهم ذلك، وعندما انتهى كل شيء، كانوا يتذمرون من "الثورة" في التحالف المقدس(1)، ومع ذلك لا يعد أي شيء أكبر أو أكثر نفعًا للبشرية مبتدعًا، والآن حان دور كاننغ، فخطابه حول البرتغال جاء نتاج وعي كبير. إنه يفهم جيدًا مدى قوته وجلالة منصبه؛ ولديه الحق في التحدث بالطريقة التي يريدها. هذا أمر لا يستطيع بعض الناس فهمه؛ فما يبدو لنا عظيمًا، يبدو لهم فظًا. العظمة تزعجهم؛ فهم ليسوا مُعدَّين بعد لاحترامها، ولا يستطيعون تحملها".
مساء الخميس، 4 يناير 1827
أشاد غوته كثيرًا بقصيدة فيكتور هوغو، قال غوته، "إنه رجلٌ ذو موهبة، وقد أثر عليه الأدب الألماني. ولكن ومع الأسف تأثرت فتوته الشعرية بحذلقة المدرسة الكلاسيكية؛ ولكنه الآن يملك دعم مجلة "غلوب" إلى جانبه، وقد أصبح متمكنًا من لعبته أكثر. أنا أميل إلى مقارنته مع ألساندرو مانزوني. إنه يهتم بالمواضيع أكثر، ويبدو لي بأهمية ألفونس دي لامارتين وآن دي لا فين. من خلال مراقبته بشكل حثيث، لاحظت هذا الأمر ولاحظت موهبته اليانعة التي تأتي من نفس المصدر. كلهم متأثرون بالفيكونت دوشاتوبريان الذي يملك حقًا موهبة في البلاغة الشعرية. ولتتحقق من صدق موهبته اقرأ القصيدة التي كتبها حول نابليون- Les Deux Isles".
أعطاني غوته الكتاب وتوجه نحو الموقد. قرأت القصيدة. قال غوته: "ألم يتقن الصور؟ ألم ينجح في تناول موضوعه بحرية كبيرة؟"، عاد غوته نحوي. "انظر فقط إلى هذا المقطع - أليس جيدًا!" قرأ المقطع حول سحابة العاصفة، التي يندفع منها البرق إلى الأعلى ويضرب البطل. "هذا جيد لأنَّ الصورة صائبة: كما ستجد في الجبال، حيث عادة تكون العاصفة تحتنا، وحيث يضيء البرق نحو الأعلى".
قلت، "أنا أثني على الفرنسيين لأنَّ شعرهم لا يستحضر أبدًا الأرض الصلدة للواقع. يمكننا ترجمة قصائدهم إلى نثر، دون فقدان أي شيء أساسي".
يقول غوته، "هذا لأنَّ الشعراء الفرنسيين لديهم معرفة، في حين أنَّ شعرائنا الألمان البسطاء يظنون أنهم سيفقدون موهبتهم إذا عملوا من أجل المعرفة، على الرغم من أنه، في الواقع، يجب أن تستمد جميع المواهب غذاءها من المعرفة، وبالتالي يتم تمكينها لاستخدام قوتها. لكن دعهم يمرون؛ لا يمكننا مساعدتهم، وستجد الموهبة الحقيقية طريقها. لا يملك الكثير من الشعراء الشباب الذين ينقلون الآن تجارتهم موهبة حقيقية. يظهرون فقط عجزًا متحمسًا في إنتاجية الدولة العالية للأدب الألماني.
تابع غوته،"تحول الفرنسيون من الأسلوب المتحذلق إلى أسلوب أكثر حرية ليس أمرًا مفاجئًا. حتى قبل الثورة، سعى ديدرو وعقول مثله إلى فتح هذا الطريق. كما إنَّ تهافت الأساليب القديمة وحكم نابليون كانا مؤاتيين لتحقيق الأمر؛ لأنه إذا لم تسمح سنوات الحرب بأي اهتمام شعري حقيقي تصبح اللحظة غير مؤاتية للحصول على إلهام. تشكلت العديد من العقول الحرة في تلك الفترة، والذين صاروا في أوقات السلام التي نعيشها الآن مفكرون متميزون ومواهب ذات أهمية".
سألت غوته ما إذا كان الكلاسيكيون قد عارضوا بيرنغر العظيم. قال غوته: "إنَّ شعر بيرنغر قديمٌ وتقليدي، وقد اعتاد الناس على ذلك، إلا أنه كان في كثير من النواحي أكثر حرية من أسلافه، وبالتالي فقد تعرض لهجوم من قبل الكلاسيكيين المتحذلقين".
تحولت المحادثة إلى الرسم، وإلى إخفاق مدرسة تقديس العصور القديمة. قال غوته، "أنت لا تتظاهر بأنك متذوق، لكنني سأريك صورة، على الرغم من أنَّ من رسمها هو أحد أفضل الفنانين الألمان الأحياء، فسوف تلاحظ للوهلة الأولى المخالفات الصارخة للقوانين الأساسية للفن، سترى أنَّ التفاصيل منفذة بشكل جيد، ولكنك لن تكون راضيًا عن الشكل الكلي، ولن تعرف ماذا تفعل بها؛ وهذا ليس لأنَّ الرسام ليس لديه موهبة كافية، بل لأنَّ عقله، الذي كان يجب أن يوجه موهبته، أصبح مظلمًا، مثله مثل كل المتعصبين الآخرين في العصور القديمة؛ ولذلك يتجاهل السادة المثاليين، ويعود إلى أسلافهم غير المثاليين، ويستخدم أعمالهم لتحقيق أنماطه.
"اخترق رافاييل ومعاصروه الطبيعة والحرية بطريقة مميزة. والآن، بدلًا من أن يكون فنانونا شاكرين ويستخدموا هذه المزايا ويواصلوا السير على الطريق الصحيح، يعودون إلى حالة التقييد".
هذا أمر سيء للغاية، ومن الصعب فهم مثل هذا التعتيم في التفكير. وبما أنهم لا يجدون في هذا المضمار أي دعم في الفن نفسه، فإنهم يسعون إلى الحصول على مثل هذا الدعم من ميولهم الدينية والمعاونيين، فبدون هذين المسارين لن يتمكنوا من إعالة أنفسهم في ضعفهم.
تابع غوته، "هناك بنوة وأبوة خلال تاريخ الفن كله، فإذا رأيت سيدًا عظيمًا، ستجد دائمًا أنه استخدم ما كان جيدًا في أسلافه، وهذا ما جعله رائعًا. رجال مثل رافاييل لا ينطلقون من الأرض، فقد اتخذوا إلهامهم من التحف، ومن أفضل ما تم إنجازه قبلهم، لو لم يستخدموا مزايا وقتهم، فلن يكون هناك الكثير لقوله عنهم ".
تحولت المحادثة الآن إلى الشعر الألماني القديم: وذكرتُ فليمنغ. قال غوته: "فليمنغ موهبة متواضعة جدًا، نثرية ووطنية إلى حد ما، ولا يمكن استخدام أعماله في الوقت الحاضر. إنه أمر غريب، رغم كل ما قمت به، لا تناسب أي واحدة من قصائدي كتاب الترتيلة اللوثرية". ضحكت ووافقت، بينما قلت لنفسي إنه في هذا التعبير الغريب، كان هناك أكثر مما يمكن رؤيته من النظرة الأولى.
مساء الأحد 12 يناير 1827
وجدت حفلة موسيقية في منزل غوته. كان الفنانون من عائلة إبروين، وبعض أعضاء الأوركسترا. وكان من بين القلة من المستمعين كلٌ من المراقب العام روهر، و هوفراث فوغل، وبعض السيدات. كان غوته يرغب في سماع رباعية كتبها مؤلف شاب موسيقي شهير، وقد تم عزفها أولاً. عزف كارل إبروين، وهو صبي يبلغ من العمر اثني عشر عامًا، على البيانوبطريقة أرضت غوته بشكل كبير، وبشكل مثير للإعجاب، بحيث كان أداء الرباعية مثاليًا من جميع النواحي.
يقول غوته، "إنه لأمر غريب أنَّ أحدث التحسينات التقنية والمكانيكية التي أدخلت على الفن كانت السبب في ظهور أحدث مؤلفينا الموسيقيين. لم تعد منتجاتهم موسيقية، بل تجاوزت مستوى المشاعر الإنسانية، لا يمكن للمرء أن يقدم لهم أي ردٍ من العقل والقلب. كيف تشعر؟ أسمع بأذني فقط".
أجبته أنني أوافقه الرأي. قال، "ومع ذلك، فقد كانت لإليغرو شخصيته الخاصة؛ ذلك الدوران والدوامة المستمران استحضرا في ذهني رقص السحرة على قمة الجبل، وهكذا كان لدي صورة لاستيضاح هذه الموسيقى الغريبة".
طلب غوته من مدام إبروين أن تغني بعض الأغاني، بعد توقف قصير ليتناول الضيوف المرطبات المرطبات. غنت الأغنية الجميلة، "في منتصف الليل"، بموسيقى زيلتر، والتي تركت انطباعًا عميقًا لدي الجميع.
قال غوته، "هذه الأغنية، لا تزال جميلة، ولو سمعتها ألف مرة! هناك شيء أبدي، غير قابل للتدمير، في اللحن!"
عندما غنت "ملك العفاريت"، وهي قصيدة كتبها غوته في عام 1782، عم التصفيق الأرجاء، والنغم "Ich hab gesagt der guten Mutter"، جعل الكل يلاحظون أنَّ الموسيقى تناسب الكلمات بخفة، بحيث لا يمكن لأحد حتى أن يتصورها بطريقة أخرى. كان غوته نفسه سعيدًا للغاية.
وفي ختام هذه الليلة المبهجة، غنت مدام إبروين، بناءً على طلب غوته، بعض الأغاني من كتابه "ديوان"، بينما زوجها يعزف، المقطع الذي يقول "أريد استعارة سحر يوسف" سّر غوته بشكل خاص. وقال، "في بعض الأحيان يتفوق إبروين على نفسه". ثم طلب أغنية "أوه، حول الأجنحة الرطبة"، والتي كانت أيضا من نوع الذي يثير المشاعر العميقة.
بعد أن غادر الباقون، بقيت لحظات مع غوته. قال، ''جعلتني هذه الأمسية أفكر أنَّ هذه الأغاني من كتابي 'ديوان' لم تعد لها أي صلة بي. لم تعد كل تلك العناصر الشرقية والمتحمسة تعيش في داخلي. لقد تركتهم ورائي مثل جلد ثعبان، لكن أغنية "في منتصف الليل"، على العكس من ذلك لم تفقد صلاتها بي، وظلت جزءًا حيًا مني، وما زالت تعيش معي.
في كثير من الأحيان، يبدو إنتاجي الخاص غريبًا بالنسبة لي، واليوم مثلًا، قرأت مقطعًا بالفرنسية، وفكرت بينما أقرأ - "هذا الرجل يتحدث بمهارة كافية - وما كان المرء ليقوله بطريقة أخرى"، عندما نظرت إلى المقطع عن كثب، وجدت أنه مقطع مترجم من كتاباتي الخاصة! "
مساء الاثنين 15 يناير 1827
بعد الانتهاء من "هيلينا"، شرع غوته خلال الصيف الماضي في تكملة "سنوات الهجرة". وكثيرًا ما تحدث معي عن تقدم هذا العمل.
قال لي في أحد الأيام: "لكي أستخدم المواد التي أمتلكها بشكل أفضل، فقد قسمت الجزء الأول بالكامل إلى قطع، وعزمت على مزج الأشياء القديمة بالأشياء الجديدة، لكي أصنع جزأين جديدين. لقد أمرت بأن تتم طباعة كل شيء ليتم نسخه لاحقًا بالكامل. أقوم عادة بوضع علامة على الأماكن التي أريد إضافة موضوع جديد إليها، وعندما تراجع سكرتيرتي تلك العلامات، أملي عليها ما أود فعله، وبالتالي أجبر نفسي على عدم السماح لعملي بالتوقف".
في يوم آخر قال لي: "لقد تم الآن نسخ جميع الأجزاء المطبوعة من" سنوات الهجرة" بالكامل، حيث هناك ورق أزرق وضعته كعلامة في الأماكن التي أقوم فيها بتقديم مواد جديدة، بحيث يكون دائمًا أمام عيني ما لم ينجز بشكل كامل بعد، ولكن مع تقدم العمل تبدأ الأوراق الزرقاء تدريجيًا وذلك يجلب إليّ فرحة كبيرة".
قبل بضعة أسابيع، سمعت من سكرتيرته أنه يعمل على رواية جديدة، لذا امتنعت عن القيام بزياراتي المسائية، وشعرت بالرضا لرؤيته مرة واحدة في الأسبوع على العشاء. انتهى غوته من الرواية منذ بعض الوقت، وأطلعني هذا المساء على الأوراق الأولى. شعرت بالسعادة، وقرأت حتى وصلت للفقرة الهامة حيث يقف الجميع حول النمر الميت، ويحضر الرسول الأخبار التي تفيد بأنَّ الأسد قد استلقى تحت الشمس بجانب الأنقاض.
أثناء القراءة، لم أستطع سوى الإعجاب بالوضوح الاستثنائي الذي جُلبت به كل الأشياء، بما في ذلك النقاط الدقيقة، أمام العينين.
كان الخروج للصيد، والأطلال القديمة للقلعة، والمعرض، والطريق عبر الحقول إلى الأنقاض، مرسومة بشكل واضح، بحيث لا يمكن للمرء أن يتصورها بخلاف الشاعر المقصود. في الوقت نفسه، تمت كتابة كل شيء بالحماس وتمكن من الموضوع، بحيث لا يمكن لأحد أن يتوقع ما هو قادم، أو رؤية ما هو أبعد من السطر الذي أمامه.
قلت، "لا بد أنك عملت بخطة محددة للغاية". أجاب غوته، "نعم، في الواقع كنت أريد العمل على هذا الموضوع منذ ثلاثين عامًا، وظللت أفكر فيه باستمرار منذ ذلك الحين. استمر العمل بشكل غريب بما فيه الكفاية. في ذلك الوقت، مباشرة بعد كتابي "هيرمان ودوروثيا"، أردت معالجة الموضع بشكل ملحمي، ووضعت مخططًا كاملًا بالمشاهد. لكن عندما بدأت في التفكير في كتابة الموضوع في الوقت الحالي لم أستطع أن أجد مخططي القديم، واضطررت إلى كتابة مخطط جديد، وقد كان مناسبًا للنموذج الذي تم تعديله، والذي كنت أعتزم تقديمه. والآن بعد أن انتهى عملي، عثرت على المخطط القديم مرة أخرى، لكنني سعيد أنني لم أعثر عليه في وقت سابق؛ لأنَّ ذلك كان سيربكني فقط. الأحداث وتطور العمل لم تكن مختلفة في الواقع، لكن التفاصيل كانت مختلفة تمامًا؛ فقد تم تصميمها بهدف المعالجة الملحمية، وبالتالي لن تكون قابلة للتطبيق على هذا النموذج النثرى".
تحولت المحادثة لتتناول المحتويات. قلت، "كان المشهد جميلًا، حيث يقف أونوريو قبالة الأميرة وينحني على النمر الميت، ومن ثم تأتي المرأة الباكية مع صبيها، والأمير يأتي مع حاشيته من الصيادين، ويسرع لينضم إلى هذه المجموعة؛ هذا يشكل صورة ممتازة، وأود أن أراها مرسومة".
قال غوته، "نعم، ستكون صورة جيدة. ومع ذلك، ربما، هذا الموضوع يكاد يكون غنيًا جدًا، والشخصيات كثيرة جدًا، بحيث يكون من الصعب جدًا على الفنان تجميعها، وتوزيع الضوء والظل.
تلك اللحظة السابقة، حيث ينحني أونوريو على النمر، وتقف الأميرة قبالته على ظهر حصان، لقد تصورتها كصورة، ويمكن القيام بذلك".
شعرت أنَّ غوته كان على حق، وأضاف أنَّ هذه اللحظة كانت تتضمن في الواقع جوهر الموقف برمته.
لاحظت أيضًا أنَّ هذه الرواية لها طابع مميز تمامًا عن تلك الخاصة بـ "سنوات الهجرة"، نظرًا لأنَّ كل شيء يمثل العالم الخارجي - فكل شيء كان حقيقيًا.
قال غوته: "صحيح، سوف تجد فيه بالكاد أي شيء من العالم الداخلي، وفي كتاباتي الأخرى هناك الكثير من الأشياء الداخلية تقريباً".
قلت، "أنا الآن أشعر بالفضول لأعرف كيف سيهزم الأسد؛ أظن أنَّ هذا سيحدث بطريقة مختلفة تمامًا، لا أستطيع أن أتصور كيف سيحدث ذلك". قال غوته، "لن يكون من المناسب لك أن تخمن، ولن أكشف السر اليوم. مساء يوم الخميس سأعطيك النتيجة، حتى ذلك الحين، فليرقد الأسد في الشمس ".
تحولت المحادثة إلى الجزء الثاني من "فاوست"، وخاصة ليلة الفالورجية الكلاسيكية، التي كانت موجودة حتى الآن فقط كرسومات تخطيطية، والتي أخبرني غوته أنه كان يعتزم طباعتها بهذا الشكل. كنت أنوي نصحه بأن لا يفعل ذلك؛ لأنني فكرت أنه لو تم طبعها، فسيتم تركها دائمًا في هذه الحالة غير المنتهية، لا بد أن غوته فكر في الأمر مرة أخرى، لأنه أخبرني الآن أنه قد قرر عدم طباعة الرسم التخطيطي.
قلت، "أنا مسرور جدا بذلك؛ وأتمنى أن أراك تكملها في وقت قريب".
وقال: "يمكن أن يتم ذلك في غضون ثلاثة أشهر، ولكن متى سأحصل على الوقت لذلك؟" لدي الكثير لأفعله خلال اليوم ومن الصعب عزل نفسي بشكل كافٍ. هذا الصباح، كان في ضيافتي وريث الدوق الأكبر؛ وغدًا، خلال ظهيرة ستزورني الدوقة الكبرى. يجب أن أتعامل مع مثل هذه الزيارات كنعم رفيعة؛ فهي تزين حياتي، لكنها تشغل عقلي. أجد نفسي مضطًرا للتفكير في ما لديّ من جديد لتقديمه لشخصيات كريمة كهذه، وكيف يمكنني أن أستضيفهم بطريقة ممتعة".
قلت، "ومع ذلك، فقد انتهيت من ‘هيلينا‘ في الشتاء الماضي ولم تكن أقل اضطرابًا من الآن". أجاب، "لماذا يستمر المرء، ولماذا يجب أن يستمر؛ لكن الأمر صعب".
قلت، "على كل حال فمخطّطك معدٌ بالكامل". قال غوته "المخطط اكتمل بالفعل، لكن الجزء الأصعب ما زال يتعين القيام به. وفي تنفيذ الأجزاء، كل شيء يعتمد كثيرًا على الحظ. يجب أن تكون ليلة البورجيس الكلاسيكية مكتوبة بقافية، ومع ذلك يجب أن يكون البناء ذا طابع عتيق بالكامل. ليس من السهل العثور على نوع مناسب من الآبيات؛ - ومن ثم الحوار!"
قلت، "أليس هذا مدرجًا أيضًا في الخطة؟" أجاب غوته: "ما أريده موجود، ولكن كيف أريد تنفيذه هو ما أريد معرفته. بعد ذلك، فكر بما يمكن أن يقال في تلك الليلة المجنونة! خطاب فاوست إلى بروسربينا، عندما يستعطفها لتمنحه هيلاينا - إنه خطاب عظيم ذلك الذي دفع بروسربينا نفسها إلى البكاء! كل هذا ليس سهلًا، ولكنه لا يعتمد كثيرًا على الحظ الجيد، بل يعتمد تمامًا على المزاج والقوة في اللحظة الراهنة".
الأربعاء 17 يناير 1827
في الآونة الأخيرة، وخلال فترات التوجس العرضي التي تمر بغوته، كنا نتناول الطعام في غرفة العمل، التي تطل على الحديقة. اليوم، تم وضع الطعام مجددًا في ما يسمى غرفة أوربينو، والتي نظرت إليها باعتبارها فأل خير. عندما دخلت، وجدت غوته وابنه: كلاهما رحب بي بطريقة ساذجة. كان غوته في مزاج سعيد للغاية، كما رأيت من خلال تعابير وجهه.
من خلال الباب المفتوح للغرفة المجاورة، رأيت الأستاذ فون مولر ينحني على لوحة كبيرة. وسرعان ما دخل إلى حيث كنا نجلس، كان من دواعي سروري أن أرحب به كرفيق لطيف على الطاولة. كانت فراو فون غوته لا تزال غائبة، لكننا جلسنا إلى الطاولة بدونها. تحدثنا عن اللوحة بإعجاب، وقال غوته إنه عملٌ من الباريسي الشهير غيرارد، أرسله في الآونة الأخيرة كهدية. "اذهب والقِ نظرة سريعة قبل أن يحضروا الحساء".
تابعت أمنيتيه ورغبتي، وسرّني رؤية العمل الجدير بالإعجاب وإهداء الفنان، الذي كرسه لغوته كدليل على تقديره. لم أستطع النظر مطولًا إلى اللوحة فقد وصلت فراو فون غوته، وسارعت إلى مكاني.
قال غوته: "أليس هذا عملًا عظيمًا. قد تدرسه أيامًا وأسابيعَ قبل أن تتمكن من اكتشاف كل أفكاره وتطلعاته الغنية".
كنا نتحدث بحيوية على الطاولة. أحضر المستشار رسالة من رجل مهم في باريس، كان يشغل منصب سفير هنا في وقت الاحتلال الفرنسي، وقد ظل على تواصل ودي مع الناس في فايمار منذ ذلك الحين. ذكر الدوق الكبير وغوته، وهنأ مدينة فايمار لقدرتها على الحفاظ على تحالف حميم جدًا بين العبقرية والسلطة العليا.
جلبت فراو فون غوته نغمة رشيقة للغاية للمحادثة. كان الحديث يدور حول مشتريات معينة؛ وكانت تقوم بإغاظة غوته الصغير، والذي لم يستسلم للأمر.
قال غوته، "يجب ألا نفسد السيدات الجيدات، إنهن على استعداد لكسر كل الحدود. تلقى نابليون في إلبا فواتير لقبعات نسائية اشترتها زوجته، وكان عليه أن يدفعها؛ ولكن في مثل هذه الأمور، فبإمكانه أن يفعل القليل جدًا باعتباره أمرًا كبيرًا. في يوم من الأيام، في التويلريين، عرض تاجر الأزياء بعض الأشياء القيمة على زوجة نابليون في حضوره، ولم يبد نابليون أي استعداد لشراء أي شيء، لكن الرجل حاول أن يقنعه أنه بهذه الطريقة يقدم القليل لزوجته. لم يرد نابليون، بل نظر إلى الرجل بطريقة حانقة، فقام الرجل بتجميع أشياءه دفعة واحدة، ولم يظهر وجهه مرة أخرى". سألت فراو فون غوته، "هل فعل هذا عندما كان قنصلًا؟"
أجاب غوته، "ربما عندما صار إمبراطورًا لم تعد نظرته حانقة إلى ذلك الحد. لا يسعني إلا أن أضحك على الرجل، الذي اخترقته تلك النظرة، والذي رأى نفسه كما لو قُطع رأسه أو أُطلق عليه الرصاص".
كنا في مزاج أكثر حيوية، وواصلنا الحديث عن نابليون. قال غوته، "أتمنى لو أنَّ لدي صورًا أو نقوشًا جيدة لكل أعمال نابليون، لتزيين غرفة كبيرة".
قال غوته، "يجب أن تكون الغرفة كبيرة جدًا، ورغم ذلك فلن تكون كافية، فهناك أعمال رائعة كثيرة".
بدأ المستشار محادثة حول كتاب لودين، "تاريخ الألمان"؛ وكان لدي سبب للإعجاب بالبراعة والذكاء اللذين أظهرهما غوته الصغير في استنتاج كل ما وجده المراجعون في الكتاب من الوقت الذي كُتب فيه، والآراء والمشاعر الوطنية التي حركت المؤلف. وصلنا إلى استنتاج أنَّ حروب نابليون شرحت لنا أولًا الحروب التي خاضها سيزر. قال غوته، "في السابق، لم يكن كتاب سيزر سوى تمرين للمدارس الكلاسيكية".
تحولت المحادثة من التاريخ الألماني القديم إلى القوطية. تحدثنا عن خزانة كتب ذات طابع قوطي، ومن هذا المنطلق تم طرح الحديث عن الموضة الراحلة في ترتيب الشقق بالكامل على الطراز الألماني والقوطي القديم، وبالتالي العيش تحت تأثير الزمن القديم.
قال غوته، "في منزل به العديد من الغرف التي يُدَخَلُ بعضها فقط ثلاث أو أربع مرات في السنة؛ ربما تمر بالمرء بعض الخيالات الجميلة؛ وأعتقد أنه لأمر جميل أن تمتلك مدام بانكوكي في باريس شقة صينية. لكنني لا أستطيع أن أثني على الرجل الذي يملأ الغرف التي يعيش فيها بهذه الأشياء الغريبة والعتيقة الطراز. لأنه نوع من التنكر، والذي لا يمكن أن يكون جيّدًا بأي شكل من الأشكال على المدى البعيد، ولكن على العكس من ذلك، سيكون له تأثير سلبي على الرجل الذي يقوم به. مثل هذه الموضة تناقض العصر الذي نعيش فيه، وتؤكد فقط على طريقة التفكير والشعور الفارغة والمفرغة التي تنشأ منها. من الجيد أن تذهب إلى حفلة تنكرية وأنت متنكر كتركي في إحدى الليالي الشتوية السعيدة، ولكن بماذا يجب أن نفكر في رجل يرتدي مثل هذا القناع طوال العام؟ يجب أن نفكر أنه مجنون، أو في طريقه ليصبح مجنونًا خلال وقت قريب".
ووجدنا ملاحظات غوته في هذا الموضوع العملي للغاية مقنعة جدًا، وبما أَنَّ التوبيخ لم يلمس أيًا منّا على نحو طفيف حتى، فقد استمعنا إلى حديثه بسعادة.
تحولت المحادثة الآن إلى المسرح، وبدأ غوته بإغاظتي لأنني ضحيت بأمسية يوم الاثنين الماضي لأجله. وقال موجهًا كلامه للباقين، "لأنه هنا لثلاث سنوات الآن، وتلك هي الليلة الأولى التي يتخلى فيها عن المسرح من أجلي. إنه لأمر جلل. كنت قد دعوته لزيارتي، ووعدني بالقدوم، لكنني شككت في أنه سيبقي على كلمته، خاصة بعد أن تجاوزالوقت الساعة السادسة والنصف ولم يكن قد حضر بعدْ. في الواقع، كان ينبغي عليّ أن أبتهج إذا لم يأت؛ لأني أستطيع أن أقول: هذا صديق مجنون، يحب المسرح أكثر من أصدقائه الأعزاء، ولا شيء يمكن أن يبعده عن تحيزه العنيد. لكن ألم أعوضك عن تفويت المسرح يومها؟ ألم أريك كل تلك الأشياء الجميلة؟"بهذه الكلمات ألمح غوته إلى الرواية الجديدة.
تحدثنا عن عمل شيللر "مؤامرة" الذي تم عرضه يوم السبت الماضي، قلت، "لقد شاهدته للمرة الأولى، وقد كنت مشغولًا كثيرًا بالتفكير فيما إذا كان من الصعب التخفيف من هذه المشاهد الحادة للغاية. لكنني عرفت أنه لا يمكن عمل الكثير حول ذلك الأمر دون إفساد العمل بكليته".
أجاب غوته، "أنت على حق - لا يمكن القيام بذلك، تحدث شيلر معي كثيرًا حول هذا الموضوع؛ لأنه لم يستطع أن يتحمل أول مسرحياته أيضًا، ولم يكن يسمح بعرضها أبدًا خلال ذلك الوقت الذي كنا ندير فيه المسرح معًا. كنا في حاجة إلى قطع، وكان بإمكاننا استخدام الجزء الأول من تلك المنجزات الثلاثة القوية لأجل ذخيرتنا المسرحية. لكننا وجدنا الأمر مستحيلًا؛ فكل الأجزاء كانت متشابكة بشكل وثيق مع بعضها؛ بحيث أنَّ شيللر نفسه يئس من تحقيق الخطة، ووجد نفسه مقيَّدًا للتخلي عنها، وترك القطع كما كانت".
قلت، "إنه لأمر محبط، لأنه ورغم كل حدتها، فأنا أحبها أكثر ألف مرة من القطع الضعيفة، القسرية، وغير الطبيعية لبعض أفضل شعرائنا المأساويين المتأخرين. فالشخصية والفكر العظيمان موجودان في شيللر بحق".
قال غوته، "نعم، شيللر قد يفعل ما يريده، لأنَّ كل ما ينتجه سوف يكون أعظم بكثير من أفضل الأشياء التي قد ينتجها هؤلاء الشعراء. حتى عندما قص أظافره، أظهر أنه كان أكبر من هؤلاء السادة الأفاضل". ضحكنا على هذا التشبيه اللافت.
تابع غوته، "ولكنني أعرف أشخاصًا لا يمكن أن يكونوا راضين أبدًا عن تلك الأعمال الدرامية الأولى لشيللر. خلال صيف ما، في مكان للاستحمام، كنت أسير عبر طريق ضيق منعزل يؤدي إلى طاحونة، هناك قابلني الأمير، وفي نفس اللحظة، جاءت على ذلك الطريق بعض البغال المحملة بأكياس الوجبات، فاضطررنا إلى الخروج من الطريق ودخول منزل صغير. هناك، في تلك الغرفة الضيقة، بدأنا أنا والأمير في نقاش عميق حول الأشياء الإلهية والبشرية. تحدثنا أيضًا عن عمل شيللر "اللصوص"، وعبّر الأمير عن نفسه بهذا الشكل: "لو كنت إلهًا على وشك إنشاء العالم، ورأيت حينها أنَّ شيللر سيكتب في المستقبل عمله " اللصوص" لكنت تركت العالم غير منشأ. قال غوته: "لم أتمكن من كتم ضحكاتي، ما الذي يمكن أن تقوله ردًا على أمر كهذا؟ هذه كراهية شديدة، ولا يمكن لأحد أن يفهمها".
علقت، "لا توجد مثل هذه الكراهية تجاه هذا العمل لدى شبابنا، لا سيما طلابنا. يمكن تنفيذ أكثر القطع الممتازة والناضجة لشيللر أو غيره، ولن ترَ سوى عدد قليل من الشباب والطلاب في المسرح. ولكن إذا تم تقديم أحد العملين "اللصوص" أو "مؤامرة"، فإنَّ المسرح سيكون ممتلئًا بالطلاب فقط".
قال غوته، "هكذا كان الأمر قبل خمسين سنة، ومن المحتمل أن يكون كذلك بعد خمسين سنة. لا تدعونا نتخيل أنَّ العالم سوف يتقدم كثيرًا في الثقافة والذوق الرفيع وسيتجاوز الشباب عصر الفظاظة. إنَّ ما يكتبه شباب دائمًا ما يتمتع به الشباب أكثر، وحتى لو تقدم العالم بشكل عام، سيبدأ الشباب دائمًا من البداية، وسوف تتكرر عهود زراعة العالم في الفرد. ظل هذا الأمر يزعجني، وقد كتبت هذه الآبيات بسببه منذ وقت طويل:
توقف ودع المشعل يشتعل،
ولا تدع السعادة تضمحل؛
تهترئ المكانس القديمة دائمًا.
ويولد الصغار كل يوم.
"لا أحتاج إلا أن أنظر من النافذة لأرى المكانس التي تكتسح الشوارع والأطفال الذين يركضون، كرمز مريء لحال العالم، والذي يهتريء ويتجدد دائمًا مرة أخرى. يتم الحفاظ على ألعاب الأطفال وتحولات الشباب من قرن إلى قرن. فالأطفال هم دائمًا أطفال، وهم في كل الأوقات متشابهون. ومن ثم لا ينبغي لنا أن نطفئ نيران منتصف الصيف، أو نفسد اللذة التي يأخذها الصغار منها".
مرت الساعات خلال هذه المحادثة المبهجة بسرعة. وذهبنا نحن الشباب إلى الغرفة العليا، بينما بقي المستشار مع غوته.
مساء الخميس 18 يناير 1827
لقد وعدني غوته بأن يريني بقية الرواية هذا المساء. ذهبت إليه في السادسة والنصف، ووجدته وحيدًا في غرفته المريحة. جلست معه على المائدة، وبعد أن تحدثنا عن الأحداث التي حدثت في ذلك اليوم، نهض غوته وأحضر لي الأوراق الجديدة من الرواية. وقال "هنا قد تقرأ النتيجة". بدأت القراءة، بينما كان غوته يسير جيئة وذهابًا خلال الغرفة، ويقف أحيانًا في الموقد. وقد قرأت بهدوء لنفسي كالعادة.
انتهت أوراق الليلة الماضية حيث كان الأسد مستلقيًا تحت الشمس خارج جدار الخراب القديم عند شجرة زان عتيقة، وبدأت الاستعدادات لإخضاعه. سوف يرسل الأمير الصيادين خلفه، لكن الغريب يرجوه أن لا يقتل أسده، فهو واثق من قدرته على إعادته إلى قفصه بوسائل أخف. قال، هذا الطفل سوف ينجز عمله بكلمات لطيفة ونغمات حلوة من مزماره. وافق الأمير، وبعد أن رتب الإجراءات الوقائية اللازمة، عاد إلى المدينة مع رجاله.
وقف أونوريو مع عدد من الصيادين في ممر ضيق لكي يخيف الأسد من خلال إشعال النار إذا حاول المجيء نحوهم. الأم والطفل، بقيادة حراس القلعة، يصعدان إلى الأنقاض، على الجانب الآخر من الجدار الخارجي الذي يرقد قبالته الأسد.
الهدف هو إغراء الحيوان القوي للقدوم إلى ساحة القلعة الفسيحة. تختبئ الأم والحارس في القاعة الخربة في الأعلى، بينما يذهب الطفل بمفرده خلف الأسد من خلال الفتحة المظلمة في جدار ساحة الفناء. ينتشر القلق. إنهم لا يعرفون ما حدث للطفل - ولا يخرج أي صوت من نايه. يوبخ الحارس نفسه بأنه لم يذهب أيضًا، ولكن الأم تبقى هادئة.
في نهاية المطاف يسمعون مرة أخرى صوت الناي. يقتربون أكثر وأكثر. يعود الطفل إلى ساحة القلعة من خلال الفتحة الموجودة في الجدار، ويتبعه الأسد، الذي أصبح الآن مطيعًا، بخطوة ثقيلة. ينتشرون مرة واحدة حول الفناء. ثم يجلس الطفل في بقعة مشمسة، في حين يستقر الأسد بسلام بجانبه، ويضع أحد أقدامه الثقيلة في حضنه.
دخلت الشوكة في مخلب الأسد. يخرجها الطفل بلطف، ومن ثم يخلع الرباط الحريري من عنقه ويربط للأسد مخلبه.
غمرت السعادة الأم والحارس اللذين شهدا المشهد بأكمله من القاعة في الأعلى. يرقد الأسد بهدوء وسلام بينما يغني الطفل من خلال نايه أغنياته الساحرة لتهدئة الوحش، وتختتم الرواية بأكملها بغناء الأبيات التالية :
الملائكة المقدسون احترزوا
من الطفل الصالح والطيع.
ودعموا كل عمل خيّر.
وفحصوا كل الاندفعات البرية.
الأفكار الورعة واللحن.
ومعًا عملوا لأجل ما هو جيد.
وجلبوا تحت قدمي الرضيع
الأخشاب الصلبة ذاتها.
قرأت وأنا مغمور بالعاطفة بسبب الحادثة الختامية. وما زلت لا أعرف ماذا أقول. لقد كنت مندهشًا ولكن لم أكن راضٍيًا. بدا الأمر كذلك.
* أولئك الذين يعرفون مدى صعوبة الأصل لن يكونوا شديدي القسوة على الترجمة أعلاه. الكلمات الأصلية في طبعات كوتا لغوته هي كالتالي:
Und so geht mit guten Kindern
Sel'ger Engel gern zu Rath,
Böses Willen zu verhindemi
Zu befördern schöne That.
So beschwören fest zu bannen
Lieben Sohn ans zarte Knie
Ihn des Waldes Hochtyrannen
Frommer Sinn und Melodie.
ما لم يتم إدراج بناء قسري أكثر من خلال الترجمة، فهذه الآبيات قد تبدو غير قابلة للتفسير إلى حد كبير. ولكن في المقطع الذي نقلته عن إيكرمان، وضعت الكلمة "liebem" في مكان "lieben"، وهذه القراءة، التي أظن أنها الصحيحة، تعطي إحساسًا مشابهًا في محاولتي لترجمتها. – المترجم
إنَّ الخاتمة كانت بسيطة جدًا، مثالية جدًا وغنائية جدًا، كان من المفترض أن تظهر بعض الشخصيات الأخرى مجددًا، لإضفاء المزيد من الاتساع على النهاية. لاحظ غوته أن لديَّ شكًا وقال: "لو أنني جلبت مرة أخرى بعض الشخصيات الأخرى في النهاية، كانت الخاتمة لتصبح مبتذلة. ماذا يمكن أن يفعلوا أو يقولوا، بينما أنجز كل شيء. لقد قام الأمير ورجاله بالعودة إلى المدينة، حيث هناك حاجة لوجوده. وبمجرد أن علم أونوريو أنَّ الأسد بأمان، تابع طريقه مع الصيادين، كما أن الرجل سيأتي قريبًا من المدينة مع قفصه الحديدي وسيضع الأسد داخله. كل هذه الأشياء متوقعة، وبالتالي لا ينبغي أن تكون مفصلة. وإذا صارت كذلك فسنصبح مبتذلين. ما كان مطلوبًا هو نتيجة مثالية وليس نتيجة شعرية؛ لأنه وبعد الخطاب البائس الذي ألقاه الرجل، الذي هو في حد ذاته نثر شاعري، هناك حاجة إلى مزيد من الارتفاع، وكنت مضطرًا إلى اللجوء إلى الشعر الغنائي، وللأغنية كذلك.
تابع "لإيجاد تشبيه لهذه الرواية، تخيل نباتًا أخضرَ يتصاعد من جذوره، يدفع بأوراق خضراء قوية من جوانب جذعه القوي، وفي النهاية ينتهي في زهرة.
الزهرة استثنائية ومذهلة، وأوراق الشجر بأكملها وجدت فقط لأجل تلك الزهرة، وسوف تكون بلا قيمة بدونها.
تنفست بهدوء خلال هذه الكلمات. يبدو أنَّ المقاييس سقطت من عيني، وبدأ الإحساس بتميز هذا التكوين الرائع يتحرك في داخلي.
تابع غوته قائلاً: "كان الهدف من هذه الرواية هو إظهار كيف أنَّ الأشخاص الذين لا يمكن السيطرة عليهم والذين لا يقهرون غالبًا ما يتم تقييدهم بشكل أفضل من خلال الشعور بالحب والتعاطف من القوة. وهذا الهدف الجميل الذي وضعه الطفل والأسد سحرني لكي أتمكن من الانتهاء من العمل. هذا هو المثل الأعلى - هذه هي الزهرة. أوراق الشجر الخضراء للمقدمة الحقيقية للغاية موجودة فقط من أجل هذا المثل الأعلى، وتستحق فقط أي شيء بسببه. ما هو الحقيقي في حد ذاته؟ نحن نسعد به عندما يتم تمثيله بالحقيقة، بل قد يمنحنا معرفة أكثر وضوحًا بأشياء معينة، لكن المكسب المناسب لطبيعتنا العليا يكمن فقط في المثل الأعلى، الذي ينتقل من قلب الشاعر".
شعرت بشكل ملموس أنَّ غوته كان محقًا، لأنَّ ختام روايته كان لا يزال يتحرك داخلي، وقد أنتج داخلي نبرة تقوى لم أحس بها منذ فترة طويلة. فكرت كم هي نقية ومكثفة مشاعر الشاعر، إنه يستطيع أن يكتب أي شيء جميل في عصره المتقدم. لم أكن أمتنع عن التعبير عن نفسي في هذه النقطة إلى غوته، ومن تهنئة نفسي بأنَّ هذا الإنتاج، الذي كان فريدًا في حد ذاته، أصبح الآن وجودًا مرئيًا.
قال غوته، "أنا سعيد إنك راضٍ عن روايتي، وسعيد أيضًا لأنني تخلصت من موضوع حملته داخلي على مدى ثلاثين عامًا. حاول كلٌ من شيللر وهامبولد إثنائي عن الاستمرار في الأمر عندما أبلغتهما بخطتي سابقًا لأنهما لم يريا شيئًا فيها، ولأنَّ الشاعر وحده يعرف مقدار السحر الذي يستطيع أن يعطيه لموضوعه. لذلك لا ينبغي لأحد أن يسأل شخصًا آخر عندما ينوي كتابة أي شيء. إذا سألني شيللر عن كتابه "فالنشتاين" قبل أن يكتبه، فمن المؤكد أنني كنت لأثنيه عن كتابته؛ لأنني لم أكن لأفكر في مثل هذا الموضوع الذي قد يشكل عملًا دراميًا رائعًا. كان شيللر يعارض معالجتي لأحد موضوعاتي، والذي كنت ميالًا لكتابته بعد "هيرمان ودوروثيا" مباشرة، ونصحني بكتابة شيء آخر، وعلى العموم فقد نجحت في كتابته اعتمادًا على الشكل النثري؛ كثير من الأشياء تعتمد على الوصف الدقيق للمكان، وفي هذا يجب أن أكون مقيدًا بالموضوع المحدد".
تحدثنا عن الحكايات الفردية وروايات "سنوات الهجرة"؛ وقد لاحظنا أنَّ كلًا منها كان متميزًا عن الأخرى بطابع خاص ونغمة. وقال غوته، "سأشرح السبب؛ لقد بدأت في العمل مثل الرسام الذي يتجنب بعض الألوان في بعض اللوحات، ويحبذ ألوانًا أخرى. وهكذا، بالنسبة إلى المشهد الصباحي فإنه يضع الكثير من اللون الأزرق على لوحته، والقليل من اللون الأصفر. ولكن، إذا كان ينوي رسم مشهد مسائي، فإنه يأخذ قدرًا كبيرًا من اللون الأصفر، ويبدأ في القضاء على اللون الأزرق تقريبًا. وقد تقدمت بالطريقة نفسها خلال إنتاجاتي الأدبية المختلفة، وهذا هو السبب في تنوع شخصايتها".
فكرت أنَّ هذا كان مبدأ حكيمًا للغاية، وكنت سعيدًا بأنَّ غوته قاله.
بعد ذلك، خاصة في ما يتعلق بهذه الرواية الأخيرة، أعجبت بالتفاصيل التي تم وصف المشهد بها.
قال غوته: "لم أراقب الطبيعة أبدًا من أجل فوائد الإنتاج الشعري. ولكن رسوماتي المبكرة للمناظر الطبيعية ودراساتي الأخيرة في العلوم الطبيعية، قاداني إلى مراقبة متواصلة وثابتة للأشياء الطبيعية، فقد تعلمت بشكل تدريجي الطبيعة عن ظهر قلب حتى في أدق التفاصيل، حتى عندما كنت أحتاج إلى أي شيء كشاعر، كان ذلك الشيء في متناولي بسبب ما ذكرته سابقًا؛ لا أستطيع أن أقترف خطايا بسهولة ضد الحقيقة. لا يملك شيللر هذه الملاحظة للطبيعة. كانت مناطق سويسرا التي استخدمها في "حكاية ويليام" حاضرة في ذهنه بواسطتي. لكن كان لديه عقل رائع ، حتي أنَّ بإمكانه أن يصنع من الإشاعات شيئًا يتجاوز الحقيقة".
تحولت المحادثة نحو شيللر بشكل كامل الآن:
"تكمن موهبة شيللر الإنتاجية المثالية في الخيال؛ ويمكن القول بأن ليس هناك ند له في الآدب المكتوب باللغة الألمانية أو أي آدب آخر. لديه كل شيء يملكه اللورد بايرون تقريبًا. لكن اللورد بايرون هو سيده في معرفة العالم. أتمنى لو أنَّ شيللر عاش ليعرف أعمال اللورد بايرون، وأتساءل عما كان سيقوله لهذا العقل الفذ. هل نشر بايرون أي شيء خلال حياة شيلر؟ لا أعرف على وجه التحديد".
أخذ غوته كتاب " معجم المحادثات" وقرأ المقال المتعلق باللورد بايرون، وقدم العديد من الملاحظات بينما يقرأ. بدا أنَّ بايرون لم ينشر أي شيء قبل عام 1807، ولذلك لم يكن بمقدور شيللر أن يقرأ أيًا من كتاباته".
تابع غوته، "تطرح فكرة الحرية خلال جميع أعمال شيللر؛ على الرغم من أنَّ هذه الفكرة افترضت شكلاً جديدًا مع تقدم شيلر ثقافيًا واختلاف طبيعته. في شبابه كانت الحرية الجسدية هي التي شغلته، وأثرت عليه في وقت لاحق من حياته ، كانت الحرية مثالية: "الحرية هي شيء غريب ، وكل رجل لديه ما يكفي منها، إذا كان بإمكانه فقط إرضاء نفسه. ما الذي ينفعنا من الحرية التي لا نستطيع استخدامها؟ انظر إلى هذه الحجرة والحجرة التالية، من خلال الباب المفتوح، ترى سريري. الحجرتان ليستا كبيرتين كما أنهما تضيقان أكثر بالأثاث ، والكتب ، والمخطوطات ، والأعمال الفنية الضرورية ؛ ولكنهما كافيتان بالنسبة لي. لقد عشت فيهما خلال كل فصل الشتاء ، ونادراً ما كنت أدخل غرفتي الأمامية. ما الذي توجب عليّ فعله ببيتي الفسيح وحرية الانتقال من غرفة إلى أخرى ، بينما لم أجد أنه من الضروري استخدام هذه الغرف".
"إذا كان لدى الرجل حرية كافية ليعيش بصحة جيدة ، ويعمل في حرفته ، فلديه ما يكفي؛ ويمكنه الحصول على الكثير من الأشياء بسهولة. ومن ثم، فكلنا أحرار في ظل ظروف معينة، والتي يجب علينا تحقيقها. المواطن حر مثل النبيل ، عندما يقيد نفسه في الحدود التي حددها الرب بوضعه في تلك المرتبة. النبيل حر مثل الأمير، لأنه لو حضر بعض الاحتفالات في المحكمة قد يشعر أنه على قدم المساواة مع الأمير. لا تتشكل الحرية من خلال رفض الاعتراف بأي شيء فوقنا ، بل باحترام شيء فوقنا. لأنه، من خلال احترامه ، نرفع أنفسنا إليه، ومن خلال اعترافنا، نوضح أننا نعرف داخل أنفسنا ما هو أعلى، ونستحق أن نصبح على نفس المستوى منه".
"في رحلاتي ، التقيت في كثير من الأحيان بتجار من شمال ألمانيا ، كانوا يتصورون أنهم كانوا أندادي، إذْ كانوا يجلسون بوقاحة بجواري على الطاولة. لم يكونوا مميزين أبدًا بسبب تلك الطريقة التي اتبعوها في التعامل معي؛ رغم أنهم كانوا ليكونوا مميزين لو عرفوا كيف يقيمونني ويتعاملون معي".
"هذه الحرية الجسدية خلقت لشيللر الكثير من المتاعب في سنواته الشابة ، وقد نجمت جزئيًا عن طبيعة عقله ، وبشكل أكبر من ضبط النفس الذي تحمله في المدرسة العسكرية. في الفترة الأخيرة، عندما صار لديه الحرية المادية الكافية، انتقل إلى الشكل المثالي، وأقول تقريباً إنَّ هذه الفكرة قتلته ، لأنها دفعته إلى فرض أشياء على طبيعته المادية وقد كان ذلك يضغط على قواه".
--------------------
(1) كان الهم الوحيد للدول الكبرى هو ضمان الاستمرار والتمسك والالتزام بمقررات مؤتمر فينا وأن لا تكون نهاية عقد المؤتمر نهاية لمقرراتة لذلك خرج القيصر الروسي بفكرة التحالف المقدس ويقصد به قيام رابطة بين الدول الأوروبية تقوم على المحبة والعدل الذي نادى به المسيح لتحل محل المواثيق العسكرية والتحالفات السياسية التقليدية وبهذا تكون المسيحية القاعدة الأساسية للقانون الدولي في حل المشاكل والصعاب ويعتبر الملوك الموقعون على التحالف وكأنهم مكلفون من الإله بالدفاع عن السلام والنظام. وكان الهدف منه القضاء على أي محاولة للتحرر والديمقراطية قد تظهر في المستقبل وفي يوم 26 سبتمبر 1815 وقعت كل من روسيا وبروسيا والنمسا على التحالف أما بريطانيا فلم تتمكن من التوقيع لأن الوصي على العرش لم يحق له التوقيع لأن الملوك هم الذين يوقعون إلا أن بريطانيا أبدت تعاطفها مع هذا التحالف لكن وزير خارجيتها كاسلريه لم يكن مقتنعا بصواب فكرة التحالف لأنه :- كان يفهم جيدا معنى التحولات الجذرية التي أوجدتها الثورة الفرنسية في أوروبا مما يجعل هذا التحالف طارئا غير واقعي إضافة إلى ذلك أنَّ صاحب الفكرة هو الاسكندر الأول والذي كان معروفا بأطماعه التوسعية والرغبة في السيطرة على السياسة الأوروبية ولهذا سيكون أقل الموقعين قدرة على الالتزام به ووقف مترنيخ ضد هذا التحالف مع كاسلريه واستمر التحالف حتى 1826
================
محادثات مع غوته
تأليف: يوهان بيتر إيكرمان
ترجمة من الألمانية للإنجليزية: جون اوكسنفورد
ترجمة من الإنجليزية: سماح جعفر
تقوم «القرية الإلكترونية» بتكليف من الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، بترجمة يوميات من حياة "جوته"، المعنونة بـــ «محادثات مع غوته»، من تأليف: «يوهان بيتر إيكرمان*»، وهي عبارة عن يوميّات كتبها "إيكرمان" عن السنوات الأخيرة من حياة شاعر ألمانيا الكبير «غوته Goethe»، وتمت ترجمتها من الألمانية للإنجليزية بواسطة «جون أوكسنفورد»، وترجمها من الإنجليزية إلى العربية: «طارق زياد شعار»، وسوف نقوم بنشرها على حلقات تباعاً هنا في الصفحة نأمل أن تحوز إعجابكم.
*«يوهان بيتر إيكرمان» Johann Peter Eckermann 1792-1854: عمل كأمين خاص لجوته في الفترة الأخيرة من حياة الأخير. وسرعان ما أصبح كتابه محادثات مع غوته، ذو شعبية تخطت الحدود الألمانية، ولعب دوراً مهما في إحياء الاهتمام والتقدير لأعمال جوته في وقت لاحق.
#محمد_أحمد_السويدي_ترجمة_محادثات_مع_غوته
, Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi,,
Related Articles