محادثات مع غوتة - الجزء الثالث عشر

محادثات غوتة | الجزء الثالث عشر
"كان الدوق الأكبر يريد أن يدفع لشيلر مرتبًا قيمته ألف دولار شهريًا عندما كان يقيم هنا، وعرض عليه أن يعطيه ضعف المبلغ في حال تعرضه للمرض أثناء العمل. رفض شيلر هذا العرض الأخير، ولم يستفد منه أبداً. قال: "لدي موهبة، ويجب أن أساعد نفسي". ولكن مع توسع عائلته في السنوات الأخيرة، كان ملزمًا بكتابة مادتين دراميتين سنويًا لكسب رزقه؛ ولتحقيق ذلك، أجبر نفسه على الكتابة لأيام وأسابيع عندما كان مريضًا. كان يستطيع أن ينهل من موهبته في أي ساعة. لم يكن يشرب كثيرًا؛ وكان مزاجيًا؛ ولكن في ساعات الضعف الجسدي، اضطر إلى تحفيز قواه من خلال استخدام المشروبات الروحية. هذه العادة أضعفت صحته، وكانت ضارة بمنتجاته كذلك. الأخطاء التي يجدها بعض المتحذلقين في أعماله؛ نتجت من هذا المصدر. جميع المقاطع التي يقولون إنها ليست كما يجب أن تكون، أسميها المقاطع المرضية، لأنه كتبها في تلك الأيام عندما لم تكن لديه قوة للعثور على الدوافع الصحيحة والدقيقة. لديَّ كل الاحترام للضرورات الحتمية. وأعلم مقدار الخير الذي قد ينتج عنها؛ لكن يجب على المرء ألا يحملها إلى أبعد الحدود، لأنَّ فكرة الحرية المثالية هذه لا تؤدي بالتأكيد إلى أي فائدة.
وسط هذه الملاحظات المثيرة للاهتمام، وحديث مماثل عن اللورد بايرون والمؤلفين الألمان المشهورين، الذين قال عنهم شيلر، إنه يفضل كوتزيبو أكثر من الباقين لأنه استطاع أن ينتج شيئًا على أي حال، مرت ساعات المساء بسرعة، وأعطاني غوته الرواية حتى أتمكن من دراستها بهدوء في المنزل.
مساء الأحد 21 يناير، 1827
ذهبت في السابعة من مساء اليوم إلى غوته، وبقيت معه حوالي ساعة. أطلعني على عدد من القصائد الفرنسية الجديدة التي أصدرتها مجموعة مودموزيل غاي، وتحدث عنها بإشادة كبيرة.
وقال: "الفرنسيون يمهدون الطريق لأنفسهم، وهو أمر يستحق الاهتمام. لقد سعيت بجد في الآونة الأخيرة لتشكيل فكرة عن الحالة الراهنة للأدب الفرنسي؛ وإذا نجحت، فسوف أشاركك رأيي. من المهم جدًا ملاحظة أنَّ هذه العناصر التي يكتبون بها الآن، مررنا نحن بها منذ فترة طويلة".
"في الواقع الموهبة المتواضعة تفنى دائمًا مع الوقت، ويجب أن تغذيها عناصر الوقت. فبالنسبة للفرنسيين الوضع مشابه لوضعنا، وصولًا إلى الشاعرية الأكثر حداثة، إلا أنهم يجعلون الأمر يبدو أكثر غموضًا وروحانية.
ماذا تقول عن بيرنغر، وبروسبير ميريميه مؤلف كتاب "كلارا جازول"؟
قال غوته، "أنا أقبلهم؛ إنهم عباقرة عظيمون، لديهم أساس داخل أنفسهم، ومتحررون من طريقة التفكير التي تنتمي إلى وقتهم". قلت، "أنا سعيد لسماع ذلك، لقد كان لدي شعور مماثل نحوهم أيضًا".
انتقلت المحادثة من الأدب الفرنسي إلى الأدب الألماني. "قال غوته، "سأريك شيئًا سيثير اهتمامك كثيرًا. اعطني أحد هذين المجلدين الموضوعين أمامك. أتعرف سولغر؟"
قلت، "بالتأكيد، أنا معجب جدًا به، ولديَّ ترجمته لـ سوفوكليس، وقد كونت رأيًا عظيمًا حوله من خلال تلك الترجمة والتمهيد الذي أرفقه بها".
قال غوته، "أنت تعرف أنه مات منذ عدة سنوات، والآن يتم نشر مجموعة من الكتابات والرسائل التي تركها. سولغر لم يكن متفائلًا في تحقيقاته الفلسفية، التي قدمها لنا في شكل حوارات أفلاطونية. لكن رسائله ممتازة. لقد كتب رسالة إلى لودفيغ تيك حول روايتي (الانتماءات الاختيارية)، أود أن أقرأها لك؛ لأنه لن يكون من السهل قول أي شيء أفضل عن تلك الرواية".
قرأ لي غوته الرسالة الممتازة، وتحدثنا عنها نقطة بنقطة، وأبدينا إعجابنا بالسمات الجليلة لآرائه، والتسلسل المنطقي لتفكيره. على الرغم من أنَّ سولغر اعترف بأنَّ وقائع رواية "الانتماءات الاختيارية" كانت لها جراثيمها في طبيعة جميع الشخصيات، إلا أنه ألقى باللوم على شخصية إدوارد.
قال غوته، "أنا لم أناقضه لأنه لم يستطيع تحمل إدوارد. أنا نفسي لا أستطيع تحمله، لكني اضطررت لتعظيم الرجل لإظهار ما وددت قوله. إنه صادق جدًا بفطرته؛ لأنك قد تجد الكثير من الناس الذين في الرتب العليا مثله تمامًا حيث تحل المكابرة محل الشخصية.
"وضع سولغر المهندس المعماري فوق كل شيء؛ لأنه في حين أنَّ جميع الأشخاص الآخرين في الرواية يظهرون أنفسهم محبين و ضعفاء، فهو وحده لا يزال قويًا وحرًا؛ وجمال طبيعته لا يتآلف كثيرًا مع القصة، فهو لا يقع في أخطاء الشخصيات الأخرى - ويرجع ذلك إلى أنَّ الشاعر جعله نبيلًا لدرجة أنه لم يستطع أن يتواصل معهم..
كنا سعداء بهذه الملاحظة. قال غوته، "هذا أمر جيد للغاية. قلت،"لقد شعرت بأهمية وخصوصية شخصية المهندس المعماري؛ لكنني لم ألاحظ أبدًا أنه كان ممتازًا جدًا، فقط لأنه بطبيعته لا يقع في حيرة الحب".
قال غوته، "لا عجب، لأنني لم أفكر في ذلك أبدًا عندما كنت أصنعه؛ لكن سولغر على حق، هذا بالتأكيد في شخصيته.
تابع، "هذه التعليقات كانت مكتوبة في وقت مبكر من عام 1809. وقد كنت فرحًا كثيرًا لأنني سمعت تعليقات جيدة عن" الانتماءات الاختيارية" في ذلك الوقت، وبعد ذلك، لم يكن هناك الكثير من التعليقات اللطيفة حول تلك الرواية.
"أرى من هذه الرسائل أنَّ سولغر كان مرتبطًا بي كثيرًا، في إحدى رسائله يشتكي من أنني لم أعطه رأيي حول ترجمة "سوفوكليس" التي أرسلها لي. يا رب السماوات! كيف أجيبه عن هذا الأمر. لقد عرفت أباطرة عظماء تبعث إليهم العديد من الهدايا. وكان لديهم بعض العبارات والصيغ التي يجيبون من خلالها على كل شيء؛ وهكذا كتبوا رسائلَ إلى المئات، كلها متشابهة، وكل العبارات خاوية. وهذا ما لم أكن لأفعله أبداً. إذا لم أستطع أن أقول لكل رجل شيئًا مميزًا ومناسبًا للمناسبة، فأفضّل أن لا أكتب على الإطلاق. أنا لا أجد العبارات السطحية جديرة بالاحترام، وبالتالي فشلت في الإجابة على العديد من الأشخاص الممتازين الذين كنت سأكتب لهم عن طيب خاطر. أنت تعرف مقدار البرقيات والرسائل اليومية التي تتدفق عليّ من كل مكان، ويجب أن تعترف بأنَّ الأمر يحتاج إلى حياة كاملة لأتمكن من الرد على كل تلك الرسائل. لكنني أشعر بالأسف على سولغر؛ لقد كان شخصًا رائعًا ويستحق رسالة ودية أكثر من أي شخص آخر".
حولت الحديث نحو الرواية فقد كنت أقرأها وأدرسها كثيرًا في المنزل. قلت، "الجزء الأول مقدمة فقط، ولكن لا شيء فيها يتجاوز ما هو ضروري؛ وقد تم تنفيذ هذه المقدمة الضرورية بطريقة استثنائية، والتي لا يمكننا أن نتخيل أنها مجرد مقدمة لشيء ما، بل سنعطيها قيمة خاصة بها".
قال غوته، "إنني مسرور لأنك تشعر بذلك، ولكن يجب أن أفعل شيئًا بعد. ووفقًا لقوانين المقدمة الجيدة، عندما تجتاز الأميرة وعمها المقصورة، يجب على الناس الخروج للترحيب بالأميرة وتكريمها بالزيارة".
قلت، "أنا متأكد من أنك على حق، لأنه، بما أنَّ كل ما تبقى مشار إليه في المقدمة، يجب أن يكون هؤلاء الأشخاص على نفس الشاكلة؛ ومن الطبيعي تمامًا أنه ومع إخلاصهم، لن يسمحوا للأميرة بالمضي دون تحيتها".
قال غوته، "أنت تعرف أنه في عمل من هذا النوع حتى عندما يتم الانتهاء منه ككل، لا يزال هناك شيء يجب القيام به في التفاصيل".
ثم أخبرني غوته عن أجنبي زاره مؤخرًا، وتحدث عن ترجمة العديد من أعماله.
قال غوته، "إنه رجل طيب لكنه يظهر نفسه كهاوٍ في الأدب؛ لأنه لا يعرف اللغة الألمانية على الإطلاق، ويتحدث بالفعل عن الترجمات التي سيقوم بها، وعن الصور الشخصية التي سوف يلحقها بهم.
"هذه هي طبيعة موهبة الهواة، فهم لا يملكون أي فكرة عن الصعوبات التي تكمن في موضوع ما، ويرغبون دائمًا في القيام بشيء لا يملكون قدرات له".
مساء الخميس، 29 يناير، 1827
في الساعة السابعة ذهبت مع مخطوطة الرواية ونسخة من كتاب بيير جان دي برينغر إلى غوته. ووجدت إم. سورت يتحدث معه حول الأدب الفرنسي الحديث. استمعت باهتمام، وقد كان ملاحظًا أنَّ الكتّاب الجدد قد تعلموا الكثير من دي ليل، بقدر ما يتعلق الأمر بالملاحظة الجيدة. وبما أنَّ إم. سورت مولود في جينيف، فلم يكن يتكلم الألمانية بطلاقة، ولأنَّ غوته يتحدث الفرنسية بشكل جيد، فقد جرت المحادثة بتلك اللغة، وتحولت إلى اللغة الألمانية فقط حينما بدأت التحدث. أخرجت كتاب "برينغر" من جيبي وأعطيته لغوته، الذي كان يرغب في قراءة قصائده الجميلة مرة أخرى. اعتقد سورت أنَّ الصورة التي سبقت القصائد لم تكن جيدة. وقد كان غوته في غاية السرور للحصول على هذه النسخة في يديه.
قال، "هذه القصائد يمكن النظر إليها على أنها مثالية، وباعتبارها مختلفة من نوعها، خاصة عندما تلاحظ الخط اللحني فيها والذي بدونه ستكون أكثر جدية، وأكثر حدة، وأكثر ذكاء، بالنسبة لكونها قصائد غنائية. يذكّرني برينغر دائمًا بهوراس و حافظ، اللذيْن كانا متفوقيْن في زمانهما، وقدما فساد الأخلاق بشكل ساخر وهزليّ. ولبرينغر العلاقة نفسها مع معاصريه؛ ولكن لأنه ينتمي إلى الطبقة الدنيا، لذلك لا يجد مانعًا في استخدام الفسوق والبذاءة، ويعاملهم بنوع من التحيز".
أبدينا الملاحظات المماثلة حول بيرنغر وغيره من الكتاب الفرنسيين الحديثين، ومن ثم مضى م. سورت وبقيت وحدي مع غوته.
وضع غوته يده على حزمة مختومة موضوعة على الطاولة. قال، "هذه روايتي الجديدة "هيلينا "، التي ستذهب إلى المطبعة".
شعرت بهذه الكلمات بشكل استثنائي، وشعرت بأهمية اللحظة. لأنه، كما هو الحال مع السفينة المبنية حديثًا التي تنطلق في البحر لأول مرة، والتي لا نعرف ما هي المصائر التي يجب أن تواجهها، وكذلك الحال مع الخلق الفكري لسيد عظيم الذي يخرج أولًا إلى العالم لممارسة نفوذه عبر العصور العديدة، وإنتاج المصائر المتنوعة.
قال غوته، "ما زلت أضيف بعض اللمسات وأدخل بعض التعديلات هنا وهناك؛ ولكن يجب أن أنهي الرواية الآن، ويسعدني أنها سوف تذهب إلى المطبعة، وبذلك سأجد متسعًا من الوقت للعمل على أشياء أخرى. دع تلك الرواية تلاقي مصيرها الأمثل. أشعر بالراحة لأنَّ الثقافة العامة لألمانيا تقف عند نقطة عالية بشكل لا يصدق؛ لذا لست بحاجة إلى الخوف من أنَّ مثل هذا الإنتاج سيكون بلا تأثير أو سيساء فهمه لفترة طويلة.
قلت، "هناك جزء كامل عن العصور القديمة"، قال غوته،"نعم، سيجد علماء اللغة الرواية مفيدة". قلت، "ليس لديَّ شك حول الجزء المتعلق بالعصور القديمة؛ فهناك تكمن معظم التفاصيل الدقيقة، والتطور الشامل الذي يحدث للأفراد، وكل شخص يقول ما يتوجب عليه. لكن الجزء الرومانسي الحديث صعب للغاية، لأنَّ نصف تاريخ العالم يكمن خلفه. فالمادة غنية .
قال غوته، "رغم ذلك، فإنَّ الأمر كله يسعد الحواس، وسيرضي عين المشاهد عند تقديمه في المسرح: وهذا كل ما أبتغيه. دع حشد المتفرجين يستمتع بالمشهد؛ فالمغزى الحقيقي سيكون واضحًا منذ البداية، كما كان الحال مع "الناي السحري" وأشياء أخرى.
قلت، "سوف يحدث هذا العمل تأثيرًا غير عادي على المسرح، أعتقد أنه يجب أن يبدأ كمأساة وينتهي كأوبرا. ولكنْ هناك شيء مطلوب لتمثيل عظمة هؤلاء الأشخاص، والتعبير عن اللغة السامية".
قال غوته، "يتطلب الجزء الأول ممثلين مأساويين، ويجب أن يضم الجزء الأوبرالي أفضل المطربين، ذكورًا وإناثاً. يجب أن يتم تمثيل دور هيلينا بواسطة امرأتين عظيمتين. ؛ لأننا نادرًا ما نجد أنَّ مطربة جيدة تصلح لتكون ممثلة مأساوية".
قلت، "سوف تكون هناك وفرة من المشاهد والأزياء الرائعة، ولا أستطيع أن أنكر أنني أتطلع بسرور لتمثيلها على المسرح. إذا استطعنا فقط إيجاد موسيقار جيد".
قال غوته، "يجب أن يكون موسيقارًا جيدًا عاش طويلًا في إيطاليا مثل ميربير، حتى يجمع طبيعته الألمانية مع الأسلوب الإيطالي. على كل حال فسوف نعثر عليه بطريقة أو بأخرى؛ أنا سعيد فقط بإنهائها. كما أنني فخور جدًا بفكرة أنَّ الجوقة لا تنحدر إلى العالم السفلي، بل تنثر نفسها بين العناصر في المصدر البهيج للأرض".
قلت، "إنه نوع جديد من الخلود"، تابع غوته، "ما رأيك في الرواية؟"
قلت، "لقد أحضرتها معي، بعد أن قرأتها مرة أخرى، وأجد أنَّ فخامتك لا يجب أن تقوم بالتغيير الذي تنتويه. أنْ يظهر الناس لأول مرة بجانب النمر المقتول ككائنات جديدة تمامًا، فذلك سينتج تأثيرًا جيدًا، بأزيائهم وتصرفاتهم الغريبة، ليعلنوا أنفسهم كَمُلاكِ الوحش. وإذا جعلتهم يظهرون أولًا في المقدمة، فإنَّ هذا التأثير سوف يضعف تمامًا، إن لم يتدمر".
قال غوته، "أنت على حق، يجب أن أترك الأمر كما هو؛ بدون شك، أنت على حق. عندما خططت لأول مرة لكتابة الرواية، لم أكن أنوي فعل ذلك. كان التغيير المقصود هو تحقيق فهم أوسع، وهو ما كان سيقودني بالتأكيد إلى خطأ. وهذه حالة جديرة بالملاحظة في علم الجمال.
تحدثنا عن العنوان الذي ينبغي أن يُعطى للرواية. تم اقتراح العديد من العناوين. البعض يناسب البداية، والبعض الآخر النهاية، ولكن لا شيء يبدو مناسبًا تمامًا للكل.
قال غوته، "دعنا نسميها "الرواية"؛ أليست الرواية حدثًا غريبًا لم يسمع به بعد؟ هذا هو المعنى الصحيح لهذا الاسم.؛ والكثير من الكتب التي يتم تمريرها كروايات في ألمانيا ليست روايات على الإطلاق، بل مجرد سرد، أو أي شيء آخر تود تسميته".
في المعنى الأصلي لحدث لم يسمع به من قبل، قد يطلق على "الانتماءات الاختيارية" أيضًا "الرواية".
قلت، "إذا فكرنا بحق، دائمًا ما تتكون القصيدة في البدء بدون عنوان، وهي ما هي بدون عنوان. لذا بإمكاننا تخيُّل أنَّ العنوان ليس ضروريًا في الواقع".
قال غوته، "ليس الأمر كذلك، فالقصائد القديمة لم تكن لها عناوين؛ ولكن هذه عادة حديثة، وبسبب تلك العادة فقد حصلت قصائد الأقدمين على عناوين في وقت لاحق أيضًا. ولكن هذا العرف أتى نتيجة ضرورة تسمية الأشياء وتمييزها عن بعضها البعض، عندما أصبح الأدب واسعًا.
قال غوته، "هذا شيء جديد. - اقرأه".
بهذه الكلمات، سلّمني ترجمة هير جيرارد لقصيدة صربية. قرأتها بسرور كبير، لأنَّ القصيدة كانت جميلة جدًا، والترجمة بسيطة وواضحة لدرجة أنني لم أكن مضطربًا أبدًا خلال تأمل الموضوع. كان عنوانها "مفتاح السجن". كان مجرى الأحداث رائعًا، لكن الخاتمة بدت لي فجائية وغير مرضية إلى حد ما.
قال غوته، "هذا هو جمال ذلك؛ لأنه يترك لدغة في القلب، وسيتمكن خيال القارئ من ابتكار كل حالة ممكنة يمكنه أن يتبعها. وتترك الخاتمة مادة مناسبة لعمل تراجيدي كامل. على العكس من ذلك، فما هو مذكور في القصيدة هو حقًا جديد وجميل، ويتصرف الشاعر بحكمة شديدة في ترسيم هذا وحده، وترك الباقي للقارئ. أود أن أُدرج القصيدة عن طيب خاطر في "الفن والعصور القديمة"، ولكنها طويلة جدًا، من ناحية أخرى، طلبت من هير جيرارد أن يترجم لي تلك القصائد الثلاث بطريقة مقفاة، وسأطبعها في العدد التالي. ما رأيك ؟ استمع فقط".
قرأ غوته أولًا قصيدة الرجل العجوز الذي يحب فتاة صغيرة، ثم قصيدة شرب المرأة، وأخيرًا تلك التي تبدأ بـ "أرقص لنا يا ثيودور". قرأها بشكل مثير للإعجاب، كل منها بنبرة مختلفة وبطريقة مختلفة، لن يكون من السهل سماع أي شيء أكثر كمالًا.
لقد امتدحنا هير جيرارد لأنه قد اختار أنسب وأكمل عبء في كل مرة، ولأنه نفذ كل شيء بطريقة سهلة ومثالية، لدرجة أننا لم نتمكن بسهولة من تصور أي شيء أفضل للقيام به. قال غوته، "أترى كيف يفيد التدريب العملي شخصًا يتمتع بمواهب كالتي يتمتع بها هير جيرارد؛ ومن حسن حظه أنه لا يمتلك مهنة أدبية فعلية، سوى تلك التي تأخذه يوميًا إلى الحياة العملية. لقد سافر كثيرا في إنجلترا وبلدان أخرى؛ وبالتالي، ومع إحساسه بالواقع، فلديه العديد من المزايا التي لا يمتكلها شعراؤنا الشباب.
"إذا حصر نفسه في تقديم ترجمات جيدة، فمن غير المحتمل أن ينتج أي شيء سيء؛ لكن الكتابات الأصلية تتطلب الكثير، ويصعب تنفيذها".
كانت هناك بعض التعليقات على إنتاجات أحدث شعرائنا الشباب، وقد لوحظ أن أيًا منهم لم يقدم نثرًا جيدًا. قال غوته، "يمكن تفسير ذلك بسهولة شديدة؛ لكتابة النثر، يجب أن يكون لدى المرء ما يقوله. لكن من لا يملك شيئًا لقوله فبإمكانه أيضًا أن يشكِّل الآبيات والقوافي، حيث يكتب كلمة ويطابقها مع الأخرى، وفي النهاية يخرج شيئًا، والذي هو في الحقيقة لا شيء، ولكن يبدو كما لو أنه شيء ما.
الأربعاء 31 يناير 1827
تناولت الغداء مع غوته. قال لي، "في الأيام القليلة الماضية، منذ أن رأيتك قرأت العديد من الأشياء المختلفة، وخاصة رواية صينية لا زالت تشغلني، وتبدو لي رائعة للغاية".
قلت،"رواية صينية! لا بد أنها غريبة للغاية".
قال غوته، "ليس بقدر ما قد تظن، فالرجل الصيني يفكر ويتصرف ويشعر مثلنا تمامًا، وسرعان ما نكتشف أننا مثلهم، باستثناء أنَّ كل ما يكتبونه أكثر وضوحًا، وأكثر نقاءً، واحتشامًا من كتاباتنا.
"كل ما يكتبونه منظم ووطني دون عاطفة كبيرة أو رحلة شعرية؛ وهناك تشابه كبير بين ذاك الكتاب وعملي "هيرمان و دوريثا"، وكذلك روايات رتشاردسون الإنجليزية. هم أيضًا يختلفون عنا في ارتباطهم مع الطبيعة الخارجية وتعاملهم مع الشخصيات البشرية. أنت دائمًا تسمع السمكة الذهبية في البركة ، الطيور دائمًا تغني على الغصن، اليوم هادئ ومشمس دائمًا، والليل واضح دائمًا. هناك الكثير من الحديث عن القمر، لكنه لا يغير المشهد، فضوءه مصمم ليكون ساطعًا مثل النهار. المنازل أنيقة ومنظمة مثل صورهم. على سبيل المثال ، "سمعت الفتيات الجميلات يضحكن، وعندما تمكنت من رؤيتهن، كن يجلسن على كراسي قصب". هنا، ترى أجمل وضع. فكرسي القصب يرتبط بالضرورة بالخفة والأناقة. ثم هناك عدد لا حصر له من الأساطير التي يتم إدخالها باستمرار في السرد، ويتم إدراجها تقريبًا كالأمثال. على سبيل المثال، كانت هناك فتاة قدماها خفيفتان ورشيقتان جدًا، وبإمكانها أن توازن نفسها على زهرة دون أن تكسرها؛ ثم هناك شاب ثلاثيني فاضل وشجاع نال شرف التحدث مع الإمبراطور؛ ثم هناك عاشقان أظهرا نقاوة عظيمة خلال فترة طويلة من التعارف، حتى إنه ورغم اضطرارهما في مناسبة ما أن يقضيا الليلة في الغرفة نفسها، فقد انفقا الوقت في التحادث، ولم يقتربا من بعضهما البعض. "و بالطريقة ذاتها، هناك العديد من الأساطير الأخرى التي لا تعد ولا تحصى، وكلها تتحول إلى ما هو أخلاقي ومناسب. ومن خلال هذا الاعتدال الشديد في كل شيء، استمرت الإمبراطورية الصينية في الحفاظ على نفسها لآلاف السنين، وستستمر فيما بعد.
"أجد تباينًا رائعًا جدًا لهذه الرواية الصينية في"قصائد برينغر"، التي في كل واحدة منها تقريبًا، موضوع غير أخلاقي في بنيتها، والتي ستكون بغيضة جدًا بالنسبة لي إذا تم إدارتها بواسطة عبقرية أدنى من برينغر. ومع ذلك، فقد جعلهم محبوبين، بل ومرضيين. أخبرني بنفسك، أليس من اللافت للنظر أن يكون موضوع الشاعر الصيني أخلاقيًا للغاية، وأنَّ الشاعر الفرنسي في يومنا هذا هو بالضبط عكس ذلك؟
قلت، "أنا موهبة مثل برينغر لن تجد أي مجال في المواضيع الأخلاقية".
قل غوته، "أنت على حق، إنَّ الفساد في عصره كشف وطور طبيعته نحو الأفضل".
قلت، "لكن هل تلك الكتابات الرومانسية الصينية هي من أفضل أعمالهم؟" قال غوته، "لا أظن ذلك، فالصينيون لديهم الآلاف من الكتابات الرومانسية، وقد كانوا يكتبون منذ أن كان آباؤنا ما زالوا يعيشون في الغابة.
وتابع، "أنا مقتنع أكثر فأكثر أنَّ الشعر هو الحيازة العالمية للبشرية. فهو يكشف نفسه في كل مكان، وفي كل الأوقات، في مئات ومئات من الرجال. هناك من يجعله أفضل قليلًا من الآخر، ويكتسب شهرة لفترة أطول قليلا من شخص آخر، وهذا كل شيء. يجب ألا يظن هير فون ماثيسون أنه الأفضل، ولا يجب أن أظن أنا أنني الأفضل. لكن يجب على كل واحد منا أن يقول لنفسه، إنَّ موهبة الشعر ليست نادرة على الإطلاق، و إنَّ المرء لا يحتاج إلى التفكير كثيرًا في نفسه لأنه كتب قصيدة جيدة.
"في الواقع، نحن الألمان من المرجح جدًا أن نسقط بسهولة في هذا الغرور البدائي، عندما لا ننظر إلى ما وراء الدائرة الضيقة التي تحيط بنا. لذلك أفضل البحث في الدول الأجنبية، وأنصح الجميع أن يفعلوا الشيء نفسه. الأدب الوطني هو الآن مصطلح لا معنى له؛ فالأدب العالمي في متناول اليد، ويجب على الجميع السعي إليه. ولكن، بينما نقدر قيمة ما هو أجنبي، يجب ألا نلزم أنفسنا بأي شيء على وجه الخصوص، ونعتبره نموذجًا. يجب ألا نعطي هذه القيمة للصينيين، أو الصرب، أو كالديرون، أو نيبيلونغن. ولكن إذا أردنا حقًا نمطًا جيدًا، يجب أن نعود دائمًا إلى الإغريق القدماء لأنهم مثلوا في أعمالهم جمال البشرية باستمرار. والبقية يجب أن ننظر إليهم تاريخيًا فقط، ونستوعب داخل أنفسنا ما هو جيد، بقدر ما نستطيع".
كنت سعيدًا لسماع غوته يتحدث مطولًا حول موضوع بهذه الأهمية. أجبرتنا أجراس الزلاجات المارة على التوجه إلى النافذة، حيث توقعنا أن يعود الموكب الطويل الذي ذهب إلى بيلفيدير هذا الصباح حول هذا الوقت.
في هذه الأثناء، تابع غوته محادثته المفيدة. تحدثنا عن الكسندر مانزوني. وأخبرني أنَّ الكونت رينهارد رأى مانزوني في باريس من فترة قصيرة، وأخبرني أنه استُقبل استقبالًا جيدًا في المجتمع كمؤلف شاب من المشاهير، وأنه يعيش الآن بسعادة في منزله في حي ميلان، مع عائلته ووالدته.
وواصل "لا يحتاج مانزوني شيئًا سوى أن يعرف كم هو شاعر جيد، وما هي الحقوق التي تخصه. إنه يتمتع بقدر كبير من الاحترام للتاريخ، ولهذا السبب فهو دائمًا يضيف ملاحظات إلى أعماله، ويبين مدى إخلاصه للتفاصيل، ورغم أنَّ حقائقه قد تكون تاريخية، إلا أنَّ شخصياته ليست كذلك. لم يسبق لأي شاعر أن عرف الشخصيات التاريخية التي رسمها - وإذا فعل، فبالكاد سيستطيع أن يستفيد منها، ويجب أن يعرف الشاعر الآثار التي يرغب في إنتاجها، وينظم طبيعة شخصياته تبعًا لذلك، إذا حاولت تقديم إغمونت كما قدمه التاريخ، أب لعشرات الأطفال، فإنَّ عقليته المتفتحة كانت ستبدو سخيفة للغاية. كنت بحاجة إلى أن يكون إيغمونت متناسقًا مع أفعاله الخاصة ورؤاي الشعرية؛ وهذا هو، كما تقول كلارا، إغمونت الخاص بي.
"ما هي فائدة الشعراء إذا ما قاموا بتكرار سجل المؤرخ فقط. يجب أن يحاول الشاعر أكثر من ذلك، ويقدم لنا، إن أمكن، شيئًا أعلى وأفضل. جميع شخصيات سوفوكليس تحمل شيئًا من تلك الروح النبيلة للشاعر العظيم. وهو الشيء ذاته مع شخصيات شكسبير. هذا هو ما يجب أن يكون عليه الأمر. كلَّا، شكسبير يقدم ما هو أكثر، فهو يحول رجاله الرومان إلى إنجليز. وهو محق بفعل ذلك لأنه لو لم يفعلها بتلك الطريقة لما كان شعبه ليفهمه.
تابع غوته، "هنا، مرة أخرى، كان الإغريق عظماء للغاية، لدرجة أنهم كانوا يهتمون بالإخلاص للحقائق التاريخية أقل من تناول الشاعر لهم. ولدينا، لحسن الحظ، مثال جيد في فيلوكتيتيس، وهو الموضوع الذي تمت معالجته بشكل بارع من قبل أعظم ثلاثة شعراء تراجيديا، وتمت معالجته بإتقان بواسطة سوفوكليس. لحسن الحظ أنَّ مسرحية هذا الشاعر الممتازة قد وصلتنا كاملة، بينما تم العثور على مقتطفات فقط من فيلوكتيتيس لأخيل ويوربيدس، رغم أنها كافية لإظهار كيف أنجز العمل. إذا سمح الوقت، فسأستعيد هذه المقتطفات، كما فعلت في فيتون ليوريبيديس؛ وستكون مهمة سارة أو مجدية بالنسبة لي.
"في هذا الموضوع كانت المشكلة بسيطة للغاية، وهي إحضار فيلوكتيتيس، مع قوسه، من جزيرة ليمونس. ولكن طريقة القيام بذلك كانت عمل الشاعر، وهنا يمكن لكل واحد أن يظهر قوة اختراعه، ويمكن للمرء أن يتفوق على آخر. يجب أن يجلبه يوليسيس. ولكن هل سيعرفه فيلوكتيتيس أم لا؟ وإن لم يعرفه، فكيف يتخفى؟ هل يذهب يوليسيس بمفرده أم عليه أن يصطحب أحدًا، ومن سيكون؟ في أخيل، لا يوجد رفيق. في يوربيدس، الرفيق دايوميدس. في سوفوكليس، ابن أخيل. ثم، في أي حال سيجد فيلوكتيتيس؟ هل الجزيرة مأهولة أم لا؟ وإذا كانت مأهولة، فهل سيتعاطف أي من سكانها معه أم لا؟ وأفكار كثيرة أخرى، والتي تعود كلها إلى تقدير الشاعر، ومن خلال اختيار وإغفال واحد منها قد يظهر تفوقه وحكمته. هنا هي النقطة الكبرى، ويجب على شعرائنا الحاليين أن يفعلوا مثل القدماء. لا ينبغي لهم أن يسألوا دائمًا ما إذا كان قد تم استخدام موضوع ما من قبل، وأن يتوجهوا إلى الجنوب والشمال لإيجاد مغامرات لم يسمع بها من قبل، والتي غالبًا ما تكون بربرية بما فيه الكفاية، وتترك الانطباع بأنها حوادث فقط. لكن صنع شيء من موضوع بسيط ومن خلال معالجة بارعة يتطلب ذكاء وموهبة عظيمة، وهذه ما لا نجده عند هؤلاء الشعراء".
بعض الأصوات في الخارج جذبتنا مرة أخرى إلى النافذة؛ لكنه لم يكن الموكب المتوقع من بلفيدير. ضحكنا وتحدثنا عن أمور تافهة، ثم سألت غوته عن مدى تقدم الرواية.
قال، "لم أعمل عليها مؤخرًا، لكن هناك حادثة أخرى يجب أن تحدث في المقدمة. يجب أن يزأر الأسد عندما تمر الأميرة؛ التي قد تصدر عنها بعض الملاحظات الجيدة حول الطبيعة الهائلة لهذا الوحش العظيم".
قلت، "إنها فكرة جيدة جدًا، وبذلك ستحصل على المقدمة التي تبتغيها، والتي لن تكون جيدة وضرورية في مكانها فقط، ولكنها ستعطي تأثيرًا أكبر وفكرة حول ما سيحدث لاحقًا. حتى الآن، بدا الأسد لطيفًا إلى حد ما، حيث لم يُظهر أي أثر للوحشية؛ ولكن من خلال الزئير على الأقل سيجعلنا نشك في مدى وحشيته، وسيزداد التأثير عندما يتبع برفق ناي الصبي.
قال غوته، "هذا نمط جيد من التغيير والتحسين، حيث من خلال استمرار الاختراع سيتحول التزعزع إلى كمال، وذلك ما يتوجب فعله. لكن إعادة صنع وتغيير ما اكتمل بالفعل - على سبيل المثال، كما فعل والتر سكوت بعملي '' ميجنون '' وجعله سيئًا وغبيًا - هذا النمط من التغيير لا أستطيع أن أتحمله".
مساء الخميس، 1 فبراير، 1827.
أخبرني غوته عن زيارة ولي عهد بروسيا والدوق الأكبر له. قال، "كان في ضيفاتي الأمراء تشارلز وويليام من بروسيا أيضًا هذا الصباح. بقي الأميران والدوق الأكبر ما يقرب من ثلاث ساعات، وتحدثنا عن أشياء كثيرة، ومن خلالها كونت رأيًا كبيرًا حول ذكاء وذائقة ومعرفة وطريقة تفكير هؤلاء الأمراء الشباب".
كان أمام غوته مجلد "نظرية الألوان"، وقال، "لا زلت أدين لك بإجابة لظاهرة الظلال الملونة؛ لكن بما أنَّ هذا يستلزم الكثير، ومرتبط بأشياء أخرى، فلذلك لن استطيع إعطاءك تفسيرًا منفصلًا، بل أعتقد أنه سيكون من الأفضل أن نقرأ كل "نظرية الألوان" معًا عندما نلتقي في المساء. هذا موضوع جيد للتحاور؛ وستستطيع فهم النظرية وتكوين رأيك الخاص، وستندهش من توصلك إليه. ما تعلمته سيبدأ في التبلور والإنتاجية داخلك؛ ومن ثم أتوقع أنك ستتملكها بشكل كامل في وقت قريب، والآن اقرأ القسم الأول".
بهذه الكلمات وضع غوته الكتاب المفتوح أمامي. شعرت بسعادة غامرة بسبب نواياه الطيبة تجاهي. قرأت الفقرة الأولى حول الألوان الفسيولوجية".
قال غوته، "ليس هناك شيء يحيط بنا ليس داخلنا بالفعل، والعين مثل العالم الخارجي، لها ألوانها. بما أنَّ النقطة العظيمة في هذا العلم هي الفصل المتفق عليه بين الموضوع والذات، فقد بدأت بشكل صحيح مع الألوان التي تنتمي للعين، بحيث يمكننا أن نميز بدقة في كل تصوراتنا ما إذا كان اللون موجودًا في محيطنا أو داخلنا، أو ما إذا كان فقط لونًا يبدو أنَّ العين أنتجته. أعتقد أنني قد بدأت في النهاية الصحيحة، من خلال التخلص من العضو أولًا عن طريق فحص كل تصوراتنا وملاحظاتنا.
قرأت تلك الفقرات المثيرة للاهتمام التي تذكر أنَّ العين تحتاج إلى التغيير، حيث أنها لا تمعن النظر تلقائيًا أبدًا على لون واحد، ولكنها تحتاج دائمًا إلى لون أخر، وهذا هو ما ينتج الألوان نفسها.
هذه الملاحظة قادت حديثنا لقانون عظيم يسود في كل الطبيعة، والذي تعتمد عليه كل الحياة وكل مباهجها. قال غوته، "هذا هو الحال مع كل حواسنا الأخرى، وأيضًا مع طبيعتنا الروحية العليا. ولأن العين هي حاسة بارزة، فإن قانون التغيير المطلوب هذا ملفت للنظر بشكل خاص فيما يتعلق بالألوان.
قلت،"يبدو أن القانون نفسه يكمن في تأسيس أسلوب جيد، حيث نتجنب الصوت الذي سمعناه للتو. حتى على المسرح يمكن عمل الكثير بهذا القانون، إذا تم تطبيقه بشكل جيد. المسرحيات، وخاصة المأساوية، التي تسودها نبرة موحدة دون تغيير، دائمًا ما تكون مضجرة. وإذا عزفت الأوركسترا موسيقى حزينة كئيبة أثناء المقدمة، فإننا نتعرض للتعذيب بطريقة غير محتملة، وسنحاول الهرب من مشاهدتها بكل الوسائل الممكنة".
قال غوته، "ربما، المشاهد الحية التي أدخلت إلى مسرحيات شكسبير ترتكز على "قانون التغيير المطلوب "، لكن لا يبدو أنه ينطبق على المسرحيات المأساوية التي كتبها الأغريق، حيث، على العكس، هناك نبرة رئيسية خلال العمل بأكمله".
قلت، "المأسي الإغريقية ليست طويلة جدًا ولذلك فتلك النبرة ليست مضجرة فيها. ثم هناك تبادل للجوقة والحوار؛ والحس السامي فيها لا يمكن أن يصبح مرهِقًا، بما أن هناك حقيقة أصيلة فيه، وهي دائمًا ذات طبيعة مبهجة، تكمن دائمًا في جوهر العمل".
قال غوته، "قد تكون على حق، وربما علينا أن نتفحص بعض الأعمال المأساوية الإغريقية التي يمكن أن تخضع لـ "قانون التغيير المطلوب". أترى كيف ترتبط كل الأشياء ببعضها البعض، وكيف يمكن لقانون يحترم نظرية الألوان أن يستخدم في تحليل مأساة الإغريق. يجب علينا فقط أن نحرص على عدم دفع مثل هذا القانون إلى أبعد من اللازم. وسيكون من الأفضل لو قمنا بتطبيقه فقط عن طريق المماثلة".
تحدثنا عن الطريقة التي عمل بها غوته في نظريته عن الألوان، مستنتجًا الكل من القوانين الأساسية العظيمة، والإشارة إليها دائمًا بوصفها الظاهرة الفردية؛ ومن خلال هذه الطريقة، جعلها مفهومة للغاية ومُجهزة للعقل.
قال غوته، "قد يكون هذا هو الحال، ويمكنك أن تمدحني بهذا الشأن، ولكن، ومع ذلك، فإن هذه الطريقة تتطلب طلابًا لا يعيشون في حالة تشتت ذهني، وقادرون على تناول هذه المسألة. تقاطع بعض الأشخاص الأذكياء للغاية مع نظريتي عن الألوان، لكن للأسف، لم يلتزموا بالطريق المستقيم، وقبل أن أدرك الأمر كانوا قد انحرفوا جانبًا، واتبعوا فكرة بدلًا من إبقاء أعينهم ثابتة بشكل صحيح على الموضوع. يمكن للعقل الجيد أن يقوم بمنجزات عظيمة عندما يبحث عن الحقيقة".
تحدثنا عن الأساتذة الذين، بعد أن وجدوا نظرية أفضل، ما زالوا يتحدثون عن نيوتن. وقال غوته "هذا ليس أمرًا مستغربًا، هؤلاء الناس يستمرون في الخطأ لأنهم مدينون له بوجودهم. عليهم أن يتعلموا كل شيء مجددًا، وهذا غير مريح للغاية." قلت، "لكن كيف يمكن لتجاربهم أن تثبت الحقيقة عندما يكون أساس مذهبهم باطلاً؟" قال غوته، "إنهم لا يثبتون الحقيقة، وليس هذا غرضهم؛ النقطة الوحيدة مع هؤلاء الأساتذة، هي محاولة إثبات وجهة نظرهم. وبهذا الصدد، فهم يخفون كل هذه التجارب التي تكشف الحقيقة، ويظهرون آراءهم. ومن ثم، فيما يتعلق بالأكاديميين- لمَ يهتمون بالحقيقة؟ إنهم مثل البقية راضون تمامًا إذا تمكنوا من التقصي عن الموضوع تجريبيًا؛ - هذا هو الأمر برمته. الرجال جميعهم ذوو طبيعة غريبة، بمجرد أن تتجمد البحيرة، يتدفقون عليها بالمئات، ويستمتعون على سطحها الأملس؛ ولكن لا يفكر أي منهم في التساؤل عن مدى عمق تلك البحيرة، وما نوع الأسماك الذي تسبح تحت ذلك السطح الأملس؟ اكتشف نيبور للتو معاهدة تجارية قديمة جدًا بين روما وقرطاج، والتي يبدو من خلالها أن كل تاريخ ليفي الذي يحترم الحالة المتأخرة للشعب الروماني هو مجرد حكاية، وأن روما في فترة مبكرة جدًا كانت مدينة متقدمة جدًا وأكثر تقدمًا من ليفي؛ ولكن إذا كنت تتخيل أن هذه المعاهدة ستحدث إصلاحًا كبيرًا في طريقة تدريس التاريخ الروماني، فأنت مخطئ. فكر في البحيرة المتجمدة. تعلمت أن أعرف الجنس البشري، هكذا هو، وليس خلاف ذلك ".
قلت، "ومع ذلك لا يمكنك أن تندم على كتابة نظريتك للألوان، حيث أنك لم تضع فقط أساسًا صلبًا لهذا العلم الممتاز، ولكنك أنتجت نموذجًا للمعالجة العلمية، والذي يمكن اتباعه دائمًا في علاج المواضيع المماثلة ".
قال غوته، "أنا لست نادمًا على الإطلاق، على الرغم من أني أنفقت نصف حياتي في معالجة الموضوع. كان بإمكاني أن أكتب ستة أعمال مأساوية بدلًا عن ذلك، لكن هذا كل ما يهم، وسيأتي أناس بعدي لتطوير الموضوع. على كل حال، اعتقد أنك على حق، معالجة الموضوع جيدة، وتتبع نهجًا علميًا. بنفس الطريقة كتبت أيضًا نظرية موسيقية، واستند تحليلي للنباتات إلى نفس طريقة الملاحظة والاستنتاج".
"تحليلي للنباتات كان فردانيًا جدًا. توصلت إليه كما توصل هيرشل لاكتشافاته. كان هيرشل فقيرًا لدرجة أنه لم يستطع شراء تلسكوب، لكنه اضطر إلى صنع تلسكوب لنفسه. ومن حظه أن التلسكوب محلي الصنع كان أفضل من أي تلسكوب آخر، ومن خلاله توصل إلى اكتشافاته العظيمة. جئت إلى علم النبات من خلال الطريق التجريبي. أنا الآن أعرف جيدًا بما فيه الكفاية، أنه فيما يتعلق بتكوين الجنسين، تطورت النظرية في تفاصيلها حتى الآن لدرجة أنني لم أمتلك الشجاعة لفهمها. هذا دفعني لمواصلة الموضوع بطريقتي الخاصة، وإيجاد ما هو شائع في جميع النباتات دون تمييز، وبالتالي اكتشفت قانون التحول.
"إن مواصلة البحث عن مزيد من التفاصيل ليس غرضي؛ فأنا أترك هذا الأمر لأساتذتي في هذه المسألة. كان قلقي الوحيد هو تقليل الظاهرة إلى قانون أساسي عام.
"اهتممت بعلم المعادن لسببين فقط. الأول، كنت أقدر فائدته العملية العظيمة، ثم فكرت في كتابة وثيقة توضح التكوين الأولي للعالم، والتي استندت في كتابتها على أعمال فيرنر. وبما أن هذا العلم قد انقلب رأسًا على عقب بوفاة هذا الرجل الممتاز، فإنني لن أمضي قدمًا فيه، ولكنني سأبقي على قناعاتي الخاصة بهدوء".
"في نظرية الألوان، أعمل على تطوير تشكيل قوس قزح. هذه مشكلة صعبة للغاية، ومع ذلك، آمل أن أحلها. وبهذا الصدد يسعدني أن أناقش نظرية الألوان مرة أخرى معك، حيث أنها تصبح جديدة تمامًا مرة أخرى خاصةً مع اهتمامك بالموضوع.
تابع غوته، "لقد تبحرت في كل قسم من العلوم الطبيعية تقريبًا؛ لكن، مع ذلك، كانت نزعاتي تنحصر دائمًا في أشياء من حولي، ويمكن فهمها على الفور من خلال الحواس. ولهذا السبب لم أشغل نفسي أبدا بعلم الفلك، لأن الحواس هنا ليست كافية، ويجب على المرء أن يلجأ إلى الأدوات والحسابات والميكانيكا، التي تتطلب حياة كاملة، ولم تكن في حقل اهتمامي.
"إن كل شيء فعلته فيما يتعلق بالموضوعات التي ظهرت في طريقي، فقد كان يرجع لميزة أن حياتي كانت في وقت أكثر ثراءً بالاكتشافات الطبيعية الرائعة من أي وقت آخر. عندما كنت طفلًا، أصبحت على دراية باكتشاف فرانكلين الحديث للكهرباء. وخلال حياتي كلها، وصولًا إلى الساعة الحالية، هناك اكتشاف كبير يتبعه اكتشاف آخر، بحيث كنت مهتمًا بالطبيعة في سنوات حياتي الأولى، وظل اهتمامي بها يتنامى منذ ذلك الحين.
"إن التقدم الذي لم أكن أتوقعه يتم الآن على مسارات قمت بفتحها، وأشعر وكأنني شخص يمشي نحو الفجر الصباحي، وعندما تشرق الشمس، يندهش من روعته".
من بين الألمان، ذكر غوته بعض الأسماء بإعجاب ككاروس، ودولتون، وماير من كونيجسبرغ.
تابع غوته، "سأكون راضيًا إذا لم يقم الناس مرة أخرى بإفساد الحقيقة أو حجبها عند اكتشافها؛ تحتاج البشرية لشيء إيجابيٍ يتم تسليمه من جيل إلى جيل، وسيكون جيدًا إذا كان الشيء الإيجابي واقعيًا أيضًا. وبهذا الصدد، سأكون سعيدًا إذا توصل الناس إلى فهم واضح للعلوم الطبيعية، ومن ثم تقيدوا بالحقيقة، ولم يتراجعوا مرة أخرى بعد أن تم كل شيء في المنطقة المفهومة. لكن البشر لا يمكن أن يعيشوا في سلام، ويحدث الارتباك دائمًا قبل أن يدرك المرء ذلك.
"ها هم الآن يمزقون الكتب الخمسة لموسى، وإذا كان النقد مدمرًا لأي عمل فهو أشد ضررًا عندما يتعلق الأمر بالمسائل الدينية. هنا كل شيء يعتمد على الإيمان، الذي لا يمكننا العودة إليه عندما نفقده.
"في الشعر، لا يكون النقد المهين مضرًا. نقد وولف هوميروس، لكنه لم يستطع أن يؤذي القصيدة. لأن هذه القصيدة لها قوة خارقة مثل أبطال الوهالا، الذين يمزقون بعضهم البعض في الصباح، ويجلسون لتناول العشاء معًا عند الظهيرة".
كان غوته فكاهيًا للغاية، وسررت أن أسمعه يتحدث مرة أخرى حول مواضيع مهمة كهذه. قال، "سنحافظ على الطريق الصحيح بهدوء، ودع الآخرين يسيرون كما يشاؤون، فهذه هي أفضل خطة في النهاية".
================
محادثات مع غوته
تأليف: يوهان بيتر إيكرمان
ترجمة من الألمانية للإنجليزية: جون اوكسنفورد
ترجمة من الإنجليزية: سماح جعفر
تقوم «القرية الإلكترونية» بتكليف من الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، بترجمة يوميات من حياة "جوته"، المعنونة بـــ «محادثات مع غوته»، من تأليف: «يوهان بيتر إيكرمان*»، وهي عبارة عن يوميّات كتبها "إيكرمان" عن السنوات الأخيرة من حياة شاعر ألمانيا الكبير «غوته Goethe»، وتمت ترجمتها من الألمانية للإنجليزية بواسطة «جون أوكسنفورد»، وترجمها من الإنجليزية إلى العربية: «طارق زياد شعار»، وسوف نقوم بنشرها على حلقات تباعاً هنا في الصفحة نأمل أن تحوز إعجابكم.
*«يوهان بيتر إيكرمان» Johann Peter Eckermann 1792-1854: عمل كأمين خاص لجوته في الفترة الأخيرة من حياة الأخير. وسرعان ما أصبح كتابه محادثات مع غوته، ذو شعبية تخطت الحدود الألمانية، ولعب دوراً مهما في إحياء الاهتمام والتقدير لأعمال جوته في وقت لاحق.
#محمد_أحمد_السويدي_ترجمة_محادثات_مع_غوته
محادثات غوتة | الجزء الثالث عشر
"كان الدوق الأكبر يريد أن يدفع لشيلر مرتبًا قيمته ألف دولار شهريًا عندما كان يقيم هنا، وعرض عليه أن يعطيه ضعف المبلغ في حال تعرضه للمرض أثناء العمل. رفض شيلر هذا العرض الأخير، ولم يستفد منه أبداً. قال: "لدي موهبة، ويجب أن أساعد نفسي". ولكن مع توسع عائلته في السنوات الأخيرة، كان ملزمًا بكتابة مادتين دراميتين سنويًا لكسب رزقه؛ ولتحقيق ذلك، أجبر نفسه على الكتابة لأيام وأسابيع عندما كان مريضًا. كان يستطيع أن ينهل من موهبته في أي ساعة. لم يكن يشرب كثيرًا؛ وكان مزاجيًا؛ ولكن في ساعات الضعف الجسدي، اضطر إلى تحفيز قواه من خلال استخدام المشروبات الروحية. هذه العادة أضعفت صحته، وكانت ضارة بمنتجاته كذلك. الأخطاء التي يجدها بعض المتحذلقين في أعماله؛ نتجت من هذا المصدر. جميع المقاطع التي يقولون إنها ليست كما يجب أن تكون، أسميها المقاطع المرضية، لأنه كتبها في تلك الأيام عندما لم تكن لديه قوة للعثور على الدوافع الصحيحة والدقيقة. لديَّ كل الاحترام للضرورات الحتمية. وأعلم مقدار الخير الذي قد ينتج عنها؛ لكن يجب على المرء ألا يحملها إلى أبعد الحدود، لأنَّ فكرة الحرية المثالية هذه لا تؤدي بالتأكيد إلى أي فائدة.
وسط هذه الملاحظات المثيرة للاهتمام، وحديث مماثل عن اللورد بايرون والمؤلفين الألمان المشهورين، الذين قال عنهم شيلر، إنه يفضل كوتزيبو أكثر من الباقين لأنه استطاع أن ينتج شيئًا على أي حال، مرت ساعات المساء بسرعة، وأعطاني غوته الرواية حتى أتمكن من دراستها بهدوء في المنزل.
مساء الأحد 21 يناير، 1827
ذهبت في السابعة من مساء اليوم إلى غوته، وبقيت معه حوالي ساعة. أطلعني على عدد من القصائد الفرنسية الجديدة التي أصدرتها مجموعة مودموزيل غاي، وتحدث عنها بإشادة كبيرة.
وقال: "الفرنسيون يمهدون الطريق لأنفسهم، وهو أمر يستحق الاهتمام. لقد سعيت بجد في الآونة الأخيرة لتشكيل فكرة عن الحالة الراهنة للأدب الفرنسي؛ وإذا نجحت، فسوف أشاركك رأيي. من المهم جدًا ملاحظة أنَّ هذه العناصر التي يكتبون بها الآن، مررنا نحن بها منذ فترة طويلة".
"في الواقع الموهبة المتواضعة تفنى دائمًا مع الوقت، ويجب أن تغذيها عناصر الوقت. فبالنسبة للفرنسيين الوضع مشابه لوضعنا، وصولًا إلى الشاعرية الأكثر حداثة، إلا أنهم يجعلون الأمر يبدو أكثر غموضًا وروحانية.
ماذا تقول عن بيرنغر، وبروسبير ميريميه مؤلف كتاب "كلارا جازول"؟
قال غوته، "أنا أقبلهم؛ إنهم عباقرة عظيمون، لديهم أساس داخل أنفسهم، ومتحررون من طريقة التفكير التي تنتمي إلى وقتهم". قلت، "أنا سعيد لسماع ذلك، لقد كان لدي شعور مماثل نحوهم أيضًا".
انتقلت المحادثة من الأدب الفرنسي إلى الأدب الألماني. "قال غوته، "سأريك شيئًا سيثير اهتمامك كثيرًا. اعطني أحد هذين المجلدين الموضوعين أمامك. أتعرف سولغر؟"
قلت، "بالتأكيد، أنا معجب جدًا به، ولديَّ ترجمته لـ سوفوكليس، وقد كونت رأيًا عظيمًا حوله من خلال تلك الترجمة والتمهيد الذي أرفقه بها".
قال غوته، "أنت تعرف أنه مات منذ عدة سنوات، والآن يتم نشر مجموعة من الكتابات والرسائل التي تركها. سولغر لم يكن متفائلًا في تحقيقاته الفلسفية، التي قدمها لنا في شكل حوارات أفلاطونية. لكن رسائله ممتازة. لقد كتب رسالة إلى لودفيغ تيك حول روايتي (الانتماءات الاختيارية)، أود أن أقرأها لك؛ لأنه لن يكون من السهل قول أي شيء أفضل عن تلك الرواية".
قرأ لي غوته الرسالة الممتازة، وتحدثنا عنها نقطة بنقطة، وأبدينا إعجابنا بالسمات الجليلة لآرائه، والتسلسل المنطقي لتفكيره. على الرغم من أنَّ سولغر اعترف بأنَّ وقائع رواية "الانتماءات الاختيارية" كانت لها جراثيمها في طبيعة جميع الشخصيات، إلا أنه ألقى باللوم على شخصية إدوارد.
قال غوته، "أنا لم أناقضه لأنه لم يستطيع تحمل إدوارد. أنا نفسي لا أستطيع تحمله، لكني اضطررت لتعظيم الرجل لإظهار ما وددت قوله. إنه صادق جدًا بفطرته؛ لأنك قد تجد الكثير من الناس الذين في الرتب العليا مثله تمامًا حيث تحل المكابرة محل الشخصية.
"وضع سولغر المهندس المعماري فوق كل شيء؛ لأنه في حين أنَّ جميع الأشخاص الآخرين في الرواية يظهرون أنفسهم محبين و ضعفاء، فهو وحده لا يزال قويًا وحرًا؛ وجمال طبيعته لا يتآلف كثيرًا مع القصة، فهو لا يقع في أخطاء الشخصيات الأخرى - ويرجع ذلك إلى أنَّ الشاعر جعله نبيلًا لدرجة أنه لم يستطع أن يتواصل معهم..
كنا سعداء بهذه الملاحظة. قال غوته، "هذا أمر جيد للغاية. قلت،"لقد شعرت بأهمية وخصوصية شخصية المهندس المعماري؛ لكنني لم ألاحظ أبدًا أنه كان ممتازًا جدًا، فقط لأنه بطبيعته لا يقع في حيرة الحب".
قال غوته، "لا عجب، لأنني لم أفكر في ذلك أبدًا عندما كنت أصنعه؛ لكن سولغر على حق، هذا بالتأكيد في شخصيته.
تابع، "هذه التعليقات كانت مكتوبة في وقت مبكر من عام 1809. وقد كنت فرحًا كثيرًا لأنني سمعت تعليقات جيدة عن" الانتماءات الاختيارية" في ذلك الوقت، وبعد ذلك، لم يكن هناك الكثير من التعليقات اللطيفة حول تلك الرواية.
"أرى من هذه الرسائل أنَّ سولغر كان مرتبطًا بي كثيرًا، في إحدى رسائله يشتكي من أنني لم أعطه رأيي حول ترجمة "سوفوكليس" التي أرسلها لي. يا رب السماوات! كيف أجيبه عن هذا الأمر. لقد عرفت أباطرة عظماء تبعث إليهم العديد من الهدايا. وكان لديهم بعض العبارات والصيغ التي يجيبون من خلالها على كل شيء؛ وهكذا كتبوا رسائلَ إلى المئات، كلها متشابهة، وكل العبارات خاوية. وهذا ما لم أكن لأفعله أبداً. إذا لم أستطع أن أقول لكل رجل شيئًا مميزًا ومناسبًا للمناسبة، فأفضّل أن لا أكتب على الإطلاق. أنا لا أجد العبارات السطحية جديرة بالاحترام، وبالتالي فشلت في الإجابة على العديد من الأشخاص الممتازين الذين كنت سأكتب لهم عن طيب خاطر. أنت تعرف مقدار البرقيات والرسائل اليومية التي تتدفق عليّ من كل مكان، ويجب أن تعترف بأنَّ الأمر يحتاج إلى حياة كاملة لأتمكن من الرد على كل تلك الرسائل. لكنني أشعر بالأسف على سولغر؛ لقد كان شخصًا رائعًا ويستحق رسالة ودية أكثر من أي شخص آخر".
حولت الحديث نحو الرواية فقد كنت أقرأها وأدرسها كثيرًا في المنزل. قلت، "الجزء الأول مقدمة فقط، ولكن لا شيء فيها يتجاوز ما هو ضروري؛ وقد تم تنفيذ هذه المقدمة الضرورية بطريقة استثنائية، والتي لا يمكننا أن نتخيل أنها مجرد مقدمة لشيء ما، بل سنعطيها قيمة خاصة بها".
قال غوته، "إنني مسرور لأنك تشعر بذلك، ولكن يجب أن أفعل شيئًا بعد. ووفقًا لقوانين المقدمة الجيدة، عندما تجتاز الأميرة وعمها المقصورة، يجب على الناس الخروج للترحيب بالأميرة وتكريمها بالزيارة".
قلت، "أنا متأكد من أنك على حق، لأنه، بما أنَّ كل ما تبقى مشار إليه في المقدمة، يجب أن يكون هؤلاء الأشخاص على نفس الشاكلة؛ ومن الطبيعي تمامًا أنه ومع إخلاصهم، لن يسمحوا للأميرة بالمضي دون تحيتها".
قال غوته، "أنت تعرف أنه في عمل من هذا النوع حتى عندما يتم الانتهاء منه ككل، لا يزال هناك شيء يجب القيام به في التفاصيل".
ثم أخبرني غوته عن أجنبي زاره مؤخرًا، وتحدث عن ترجمة العديد من أعماله.
قال غوته، "إنه رجل طيب لكنه يظهر نفسه كهاوٍ في الأدب؛ لأنه لا يعرف اللغة الألمانية على الإطلاق، ويتحدث بالفعل عن الترجمات التي سيقوم بها، وعن الصور الشخصية التي سوف يلحقها بهم.
"هذه هي طبيعة موهبة الهواة، فهم لا يملكون أي فكرة عن الصعوبات التي تكمن في موضوع ما، ويرغبون دائمًا في القيام بشيء لا يملكون قدرات له".
مساء الخميس، 29 يناير، 1827
في الساعة السابعة ذهبت مع مخطوطة الرواية ونسخة من كتاب بيير جان دي برينغر إلى غوته. ووجدت إم. سورت يتحدث معه حول الأدب الفرنسي الحديث. استمعت باهتمام، وقد كان ملاحظًا أنَّ الكتّاب الجدد قد تعلموا الكثير من دي ليل، بقدر ما يتعلق الأمر بالملاحظة الجيدة. وبما أنَّ إم. سورت مولود في جينيف، فلم يكن يتكلم الألمانية بطلاقة، ولأنَّ غوته يتحدث الفرنسية بشكل جيد، فقد جرت المحادثة بتلك اللغة، وتحولت إلى اللغة الألمانية فقط حينما بدأت التحدث. أخرجت كتاب "برينغر" من جيبي وأعطيته لغوته، الذي كان يرغب في قراءة قصائده الجميلة مرة أخرى. اعتقد سورت أنَّ الصورة التي سبقت القصائد لم تكن جيدة. وقد كان غوته في غاية السرور للحصول على هذه النسخة في يديه.
قال، "هذه القصائد يمكن النظر إليها على أنها مثالية، وباعتبارها مختلفة من نوعها، خاصة عندما تلاحظ الخط اللحني فيها والذي بدونه ستكون أكثر جدية، وأكثر حدة، وأكثر ذكاء، بالنسبة لكونها قصائد غنائية. يذكّرني برينغر دائمًا بهوراس و حافظ، اللذيْن كانا متفوقيْن في زمانهما، وقدما فساد الأخلاق بشكل ساخر وهزليّ. ولبرينغر العلاقة نفسها مع معاصريه؛ ولكن لأنه ينتمي إلى الطبقة الدنيا، لذلك لا يجد مانعًا في استخدام الفسوق والبذاءة، ويعاملهم بنوع من التحيز".
أبدينا الملاحظات المماثلة حول بيرنغر وغيره من الكتاب الفرنسيين الحديثين، ومن ثم مضى م. سورت وبقيت وحدي مع غوته.
وضع غوته يده على حزمة مختومة موضوعة على الطاولة. قال، "هذه روايتي الجديدة "هيلينا "، التي ستذهب إلى المطبعة".
شعرت بهذه الكلمات بشكل استثنائي، وشعرت بأهمية اللحظة. لأنه، كما هو الحال مع السفينة المبنية حديثًا التي تنطلق في البحر لأول مرة، والتي لا نعرف ما هي المصائر التي يجب أن تواجهها، وكذلك الحال مع الخلق الفكري لسيد عظيم الذي يخرج أولًا إلى العالم لممارسة نفوذه عبر العصور العديدة، وإنتاج المصائر المتنوعة.
قال غوته، "ما زلت أضيف بعض اللمسات وأدخل بعض التعديلات هنا وهناك؛ ولكن يجب أن أنهي الرواية الآن، ويسعدني أنها سوف تذهب إلى المطبعة، وبذلك سأجد متسعًا من الوقت للعمل على أشياء أخرى. دع تلك الرواية تلاقي مصيرها الأمثل. أشعر بالراحة لأنَّ الثقافة العامة لألمانيا تقف عند نقطة عالية بشكل لا يصدق؛ لذا لست بحاجة إلى الخوف من أنَّ مثل هذا الإنتاج سيكون بلا تأثير أو سيساء فهمه لفترة طويلة.
قلت، "هناك جزء كامل عن العصور القديمة"، قال غوته،"نعم، سيجد علماء اللغة الرواية مفيدة". قلت، "ليس لديَّ شك حول الجزء المتعلق بالعصور القديمة؛ فهناك تكمن معظم التفاصيل الدقيقة، والتطور الشامل الذي يحدث للأفراد، وكل شخص يقول ما يتوجب عليه. لكن الجزء الرومانسي الحديث صعب للغاية، لأنَّ نصف تاريخ العالم يكمن خلفه. فالمادة غنية .
قال غوته، "رغم ذلك، فإنَّ الأمر كله يسعد الحواس، وسيرضي عين المشاهد عند تقديمه في المسرح: وهذا كل ما أبتغيه. دع حشد المتفرجين يستمتع بالمشهد؛ فالمغزى الحقيقي سيكون واضحًا منذ البداية، كما كان الحال مع "الناي السحري" وأشياء أخرى.
قلت، "سوف يحدث هذا العمل تأثيرًا غير عادي على المسرح، أعتقد أنه يجب أن يبدأ كمأساة وينتهي كأوبرا. ولكنْ هناك شيء مطلوب لتمثيل عظمة هؤلاء الأشخاص، والتعبير عن اللغة السامية".
قال غوته، "يتطلب الجزء الأول ممثلين مأساويين، ويجب أن يضم الجزء الأوبرالي أفضل المطربين، ذكورًا وإناثاً. يجب أن يتم تمثيل دور هيلينا بواسطة امرأتين عظيمتين. ؛ لأننا نادرًا ما نجد أنَّ مطربة جيدة تصلح لتكون ممثلة مأساوية".
قلت، "سوف تكون هناك وفرة من المشاهد والأزياء الرائعة، ولا أستطيع أن أنكر أنني أتطلع بسرور لتمثيلها على المسرح. إذا استطعنا فقط إيجاد موسيقار جيد".
قال غوته، "يجب أن يكون موسيقارًا جيدًا عاش طويلًا في إيطاليا مثل ميربير، حتى يجمع طبيعته الألمانية مع الأسلوب الإيطالي. على كل حال فسوف نعثر عليه بطريقة أو بأخرى؛ أنا سعيد فقط بإنهائها. كما أنني فخور جدًا بفكرة أنَّ الجوقة لا تنحدر إلى العالم السفلي، بل تنثر نفسها بين العناصر في المصدر البهيج للأرض".
قلت، "إنه نوع جديد من الخلود"، تابع غوته، "ما رأيك في الرواية؟"
قلت، "لقد أحضرتها معي، بعد أن قرأتها مرة أخرى، وأجد أنَّ فخامتك لا يجب أن تقوم بالتغيير الذي تنتويه. أنْ يظهر الناس لأول مرة بجانب النمر المقتول ككائنات جديدة تمامًا، فذلك سينتج تأثيرًا جيدًا، بأزيائهم وتصرفاتهم الغريبة، ليعلنوا أنفسهم كَمُلاكِ الوحش. وإذا جعلتهم يظهرون أولًا في المقدمة، فإنَّ هذا التأثير سوف يضعف تمامًا، إن لم يتدمر".
قال غوته، "أنت على حق، يجب أن أترك الأمر كما هو؛ بدون شك، أنت على حق. عندما خططت لأول مرة لكتابة الرواية، لم أكن أنوي فعل ذلك. كان التغيير المقصود هو تحقيق فهم أوسع، وهو ما كان سيقودني بالتأكيد إلى خطأ. وهذه حالة جديرة بالملاحظة في علم الجمال.
تحدثنا عن العنوان الذي ينبغي أن يُعطى للرواية. تم اقتراح العديد من العناوين. البعض يناسب البداية، والبعض الآخر النهاية، ولكن لا شيء يبدو مناسبًا تمامًا للكل.
قال غوته، "دعنا نسميها "الرواية"؛ أليست الرواية حدثًا غريبًا لم يسمع به بعد؟ هذا هو المعنى الصحيح لهذا الاسم.؛ والكثير من الكتب التي يتم تمريرها كروايات في ألمانيا ليست روايات على الإطلاق، بل مجرد سرد، أو أي شيء آخر تود تسميته".
في المعنى الأصلي لحدث لم يسمع به من قبل، قد يطلق على "الانتماءات الاختيارية" أيضًا "الرواية".
قلت، "إذا فكرنا بحق، دائمًا ما تتكون القصيدة في البدء بدون عنوان، وهي ما هي بدون عنوان. لذا بإمكاننا تخيُّل أنَّ العنوان ليس ضروريًا في الواقع".
قال غوته، "ليس الأمر كذلك، فالقصائد القديمة لم تكن لها عناوين؛ ولكن هذه عادة حديثة، وبسبب تلك العادة فقد حصلت قصائد الأقدمين على عناوين في وقت لاحق أيضًا. ولكن هذا العرف أتى نتيجة ضرورة تسمية الأشياء وتمييزها عن بعضها البعض، عندما أصبح الأدب واسعًا.
قال غوته، "هذا شيء جديد. - اقرأه".
بهذه الكلمات، سلّمني ترجمة هير جيرارد لقصيدة صربية. قرأتها بسرور كبير، لأنَّ القصيدة كانت جميلة جدًا، والترجمة بسيطة وواضحة لدرجة أنني لم أكن مضطربًا أبدًا خلال تأمل الموضوع. كان عنوانها "مفتاح السجن". كان مجرى الأحداث رائعًا، لكن الخاتمة بدت لي فجائية وغير مرضية إلى حد ما.
قال غوته، "هذا هو جمال ذلك؛ لأنه يترك لدغة في القلب، وسيتمكن خيال القارئ من ابتكار كل حالة ممكنة يمكنه أن يتبعها. وتترك الخاتمة مادة مناسبة لعمل تراجيدي كامل. على العكس من ذلك، فما هو مذكور في القصيدة هو حقًا جديد وجميل، ويتصرف الشاعر بحكمة شديدة في ترسيم هذا وحده، وترك الباقي للقارئ. أود أن أُدرج القصيدة عن طيب خاطر في "الفن والعصور القديمة"، ولكنها طويلة جدًا، من ناحية أخرى، طلبت من هير جيرارد أن يترجم لي تلك القصائد الثلاث بطريقة مقفاة، وسأطبعها في العدد التالي. ما رأيك ؟ استمع فقط".
قرأ غوته أولًا قصيدة الرجل العجوز الذي يحب فتاة صغيرة، ثم قصيدة شرب المرأة، وأخيرًا تلك التي تبدأ بـ "أرقص لنا يا ثيودور". قرأها بشكل مثير للإعجاب، كل منها بنبرة مختلفة وبطريقة مختلفة، لن يكون من السهل سماع أي شيء أكثر كمالًا.
لقد امتدحنا هير جيرارد لأنه قد اختار أنسب وأكمل عبء في كل مرة، ولأنه نفذ كل شيء بطريقة سهلة ومثالية، لدرجة أننا لم نتمكن بسهولة من تصور أي شيء أفضل للقيام به. قال غوته، "أترى كيف يفيد التدريب العملي شخصًا يتمتع بمواهب كالتي يتمتع بها هير جيرارد؛ ومن حسن حظه أنه لا يمتلك مهنة أدبية فعلية، سوى تلك التي تأخذه يوميًا إلى الحياة العملية. لقد سافر كثيرا في إنجلترا وبلدان أخرى؛ وبالتالي، ومع إحساسه بالواقع، فلديه العديد من المزايا التي لا يمتكلها شعراؤنا الشباب.
"إذا حصر نفسه في تقديم ترجمات جيدة، فمن غير المحتمل أن ينتج أي شيء سيء؛ لكن الكتابات الأصلية تتطلب الكثير، ويصعب تنفيذها".
كانت هناك بعض التعليقات على إنتاجات أحدث شعرائنا الشباب، وقد لوحظ أن أيًا منهم لم يقدم نثرًا جيدًا. قال غوته، "يمكن تفسير ذلك بسهولة شديدة؛ لكتابة النثر، يجب أن يكون لدى المرء ما يقوله. لكن من لا يملك شيئًا لقوله فبإمكانه أيضًا أن يشكِّل الآبيات والقوافي، حيث يكتب كلمة ويطابقها مع الأخرى، وفي النهاية يخرج شيئًا، والذي هو في الحقيقة لا شيء، ولكن يبدو كما لو أنه شيء ما.
الأربعاء 31 يناير 1827
تناولت الغداء مع غوته. قال لي، "في الأيام القليلة الماضية، منذ أن رأيتك قرأت العديد من الأشياء المختلفة، وخاصة رواية صينية لا زالت تشغلني، وتبدو لي رائعة للغاية".
قلت،"رواية صينية! لا بد أنها غريبة للغاية".
قال غوته، "ليس بقدر ما قد تظن، فالرجل الصيني يفكر ويتصرف ويشعر مثلنا تمامًا، وسرعان ما نكتشف أننا مثلهم، باستثناء أنَّ كل ما يكتبونه أكثر وضوحًا، وأكثر نقاءً، واحتشامًا من كتاباتنا.
"كل ما يكتبونه منظم ووطني دون عاطفة كبيرة أو رحلة شعرية؛ وهناك تشابه كبير بين ذاك الكتاب وعملي "هيرمان و دوريثا"، وكذلك روايات رتشاردسون الإنجليزية. هم أيضًا يختلفون عنا في ارتباطهم مع الطبيعة الخارجية وتعاملهم مع الشخصيات البشرية. أنت دائمًا تسمع السمكة الذهبية في البركة ، الطيور دائمًا تغني على الغصن، اليوم هادئ ومشمس دائمًا، والليل واضح دائمًا. هناك الكثير من الحديث عن القمر، لكنه لا يغير المشهد، فضوءه مصمم ليكون ساطعًا مثل النهار. المنازل أنيقة ومنظمة مثل صورهم. على سبيل المثال ، "سمعت الفتيات الجميلات يضحكن، وعندما تمكنت من رؤيتهن، كن يجلسن على كراسي قصب". هنا، ترى أجمل وضع. فكرسي القصب يرتبط بالضرورة بالخفة والأناقة. ثم هناك عدد لا حصر له من الأساطير التي يتم إدخالها باستمرار في السرد، ويتم إدراجها تقريبًا كالأمثال. على سبيل المثال، كانت هناك فتاة قدماها خفيفتان ورشيقتان جدًا، وبإمكانها أن توازن نفسها على زهرة دون أن تكسرها؛ ثم هناك شاب ثلاثيني فاضل وشجاع نال شرف التحدث مع الإمبراطور؛ ثم هناك عاشقان أظهرا نقاوة عظيمة خلال فترة طويلة من التعارف، حتى إنه ورغم اضطرارهما في مناسبة ما أن يقضيا الليلة في الغرفة نفسها، فقد انفقا الوقت في التحادث، ولم يقتربا من بعضهما البعض. "و بالطريقة ذاتها، هناك العديد من الأساطير الأخرى التي لا تعد ولا تحصى، وكلها تتحول إلى ما هو أخلاقي ومناسب. ومن خلال هذا الاعتدال الشديد في كل شيء، استمرت الإمبراطورية الصينية في الحفاظ على نفسها لآلاف السنين، وستستمر فيما بعد.
"أجد تباينًا رائعًا جدًا لهذه الرواية الصينية في"قصائد برينغر"، التي في كل واحدة منها تقريبًا، موضوع غير أخلاقي في بنيتها، والتي ستكون بغيضة جدًا بالنسبة لي إذا تم إدارتها بواسطة عبقرية أدنى من برينغر. ومع ذلك، فقد جعلهم محبوبين، بل ومرضيين. أخبرني بنفسك، أليس من اللافت للنظر أن يكون موضوع الشاعر الصيني أخلاقيًا للغاية، وأنَّ الشاعر الفرنسي في يومنا هذا هو بالضبط عكس ذلك؟
قلت، "أنا موهبة مثل برينغر لن تجد أي مجال في المواضيع الأخلاقية".
قل غوته، "أنت على حق، إنَّ الفساد في عصره كشف وطور طبيعته نحو الأفضل".
قلت، "لكن هل تلك الكتابات الرومانسية الصينية هي من أفضل أعمالهم؟" قال غوته، "لا أظن ذلك، فالصينيون لديهم الآلاف من الكتابات الرومانسية، وقد كانوا يكتبون منذ أن كان آباؤنا ما زالوا يعيشون في الغابة.
وتابع، "أنا مقتنع أكثر فأكثر أنَّ الشعر هو الحيازة العالمية للبشرية. فهو يكشف نفسه في كل مكان، وفي كل الأوقات، في مئات ومئات من الرجال. هناك من يجعله أفضل قليلًا من الآخر، ويكتسب شهرة لفترة أطول قليلا من شخص آخر، وهذا كل شيء. يجب ألا يظن هير فون ماثيسون أنه الأفضل، ولا يجب أن أظن أنا أنني الأفضل. لكن يجب على كل واحد منا أن يقول لنفسه، إنَّ موهبة الشعر ليست نادرة على الإطلاق، و إنَّ المرء لا يحتاج إلى التفكير كثيرًا في نفسه لأنه كتب قصيدة جيدة.
"في الواقع، نحن الألمان من المرجح جدًا أن نسقط بسهولة في هذا الغرور البدائي، عندما لا ننظر إلى ما وراء الدائرة الضيقة التي تحيط بنا. لذلك أفضل البحث في الدول الأجنبية، وأنصح الجميع أن يفعلوا الشيء نفسه. الأدب الوطني هو الآن مصطلح لا معنى له؛ فالأدب العالمي في متناول اليد، ويجب على الجميع السعي إليه. ولكن، بينما نقدر قيمة ما هو أجنبي، يجب ألا نلزم أنفسنا بأي شيء على وجه الخصوص، ونعتبره نموذجًا. يجب ألا نعطي هذه القيمة للصينيين، أو الصرب، أو كالديرون، أو نيبيلونغن. ولكن إذا أردنا حقًا نمطًا جيدًا، يجب أن نعود دائمًا إلى الإغريق القدماء لأنهم مثلوا في أعمالهم جمال البشرية باستمرار. والبقية يجب أن ننظر إليهم تاريخيًا فقط، ونستوعب داخل أنفسنا ما هو جيد، بقدر ما نستطيع".
كنت سعيدًا لسماع غوته يتحدث مطولًا حول موضوع بهذه الأهمية. أجبرتنا أجراس الزلاجات المارة على التوجه إلى النافذة، حيث توقعنا أن يعود الموكب الطويل الذي ذهب إلى بيلفيدير هذا الصباح حول هذا الوقت.
في هذه الأثناء، تابع غوته محادثته المفيدة. تحدثنا عن الكسندر مانزوني. وأخبرني أنَّ الكونت رينهارد رأى مانزوني في باريس من فترة قصيرة، وأخبرني أنه استُقبل استقبالًا جيدًا في المجتمع كمؤلف شاب من المشاهير، وأنه يعيش الآن بسعادة في منزله في حي ميلان، مع عائلته ووالدته.
وواصل "لا يحتاج مانزوني شيئًا سوى أن يعرف كم هو شاعر جيد، وما هي الحقوق التي تخصه. إنه يتمتع بقدر كبير من الاحترام للتاريخ، ولهذا السبب فهو دائمًا يضيف ملاحظات إلى أعماله، ويبين مدى إخلاصه للتفاصيل، ورغم أنَّ حقائقه قد تكون تاريخية، إلا أنَّ شخصياته ليست كذلك. لم يسبق لأي شاعر أن عرف الشخصيات التاريخية التي رسمها - وإذا فعل، فبالكاد سيستطيع أن يستفيد منها، ويجب أن يعرف الشاعر الآثار التي يرغب في إنتاجها، وينظم طبيعة شخصياته تبعًا لذلك، إذا حاولت تقديم إغمونت كما قدمه التاريخ، أب لعشرات الأطفال، فإنَّ عقليته المتفتحة كانت ستبدو سخيفة للغاية. كنت بحاجة إلى أن يكون إيغمونت متناسقًا مع أفعاله الخاصة ورؤاي الشعرية؛ وهذا هو، كما تقول كلارا، إغمونت الخاص بي.
"ما هي فائدة الشعراء إذا ما قاموا بتكرار سجل المؤرخ فقط. يجب أن يحاول الشاعر أكثر من ذلك، ويقدم لنا، إن أمكن، شيئًا أعلى وأفضل. جميع شخصيات سوفوكليس تحمل شيئًا من تلك الروح النبيلة للشاعر العظيم. وهو الشيء ذاته مع شخصيات شكسبير. هذا هو ما يجب أن يكون عليه الأمر. كلَّا، شكسبير يقدم ما هو أكثر، فهو يحول رجاله الرومان إلى إنجليز. وهو محق بفعل ذلك لأنه لو لم يفعلها بتلك الطريقة لما كان شعبه ليفهمه.
تابع غوته، "هنا، مرة أخرى، كان الإغريق عظماء للغاية، لدرجة أنهم كانوا يهتمون بالإخلاص للحقائق التاريخية أقل من تناول الشاعر لهم. ولدينا، لحسن الحظ، مثال جيد في فيلوكتيتيس، وهو الموضوع الذي تمت معالجته بشكل بارع من قبل أعظم ثلاثة شعراء تراجيديا، وتمت معالجته بإتقان بواسطة سوفوكليس. لحسن الحظ أنَّ مسرحية هذا الشاعر الممتازة قد وصلتنا كاملة، بينما تم العثور على مقتطفات فقط من فيلوكتيتيس لأخيل ويوربيدس، رغم أنها كافية لإظهار كيف أنجز العمل. إذا سمح الوقت، فسأستعيد هذه المقتطفات، كما فعلت في فيتون ليوريبيديس؛ وستكون مهمة سارة أو مجدية بالنسبة لي.
"في هذا الموضوع كانت المشكلة بسيطة للغاية، وهي إحضار فيلوكتيتيس، مع قوسه، من جزيرة ليمونس. ولكن طريقة القيام بذلك كانت عمل الشاعر، وهنا يمكن لكل واحد أن يظهر قوة اختراعه، ويمكن للمرء أن يتفوق على آخر. يجب أن يجلبه يوليسيس. ولكن هل سيعرفه فيلوكتيتيس أم لا؟ وإن لم يعرفه، فكيف يتخفى؟ هل يذهب يوليسيس بمفرده أم عليه أن يصطحب أحدًا، ومن سيكون؟ في أخيل، لا يوجد رفيق. في يوربيدس، الرفيق دايوميدس. في سوفوكليس، ابن أخيل. ثم، في أي حال سيجد فيلوكتيتيس؟ هل الجزيرة مأهولة أم لا؟ وإذا كانت مأهولة، فهل سيتعاطف أي من سكانها معه أم لا؟ وأفكار كثيرة أخرى، والتي تعود كلها إلى تقدير الشاعر، ومن خلال اختيار وإغفال واحد منها قد يظهر تفوقه وحكمته. هنا هي النقطة الكبرى، ويجب على شعرائنا الحاليين أن يفعلوا مثل القدماء. لا ينبغي لهم أن يسألوا دائمًا ما إذا كان قد تم استخدام موضوع ما من قبل، وأن يتوجهوا إلى الجنوب والشمال لإيجاد مغامرات لم يسمع بها من قبل، والتي غالبًا ما تكون بربرية بما فيه الكفاية، وتترك الانطباع بأنها حوادث فقط. لكن صنع شيء من موضوع بسيط ومن خلال معالجة بارعة يتطلب ذكاء وموهبة عظيمة، وهذه ما لا نجده عند هؤلاء الشعراء".
بعض الأصوات في الخارج جذبتنا مرة أخرى إلى النافذة؛ لكنه لم يكن الموكب المتوقع من بلفيدير. ضحكنا وتحدثنا عن أمور تافهة، ثم سألت غوته عن مدى تقدم الرواية.
قال، "لم أعمل عليها مؤخرًا، لكن هناك حادثة أخرى يجب أن تحدث في المقدمة. يجب أن يزأر الأسد عندما تمر الأميرة؛ التي قد تصدر عنها بعض الملاحظات الجيدة حول الطبيعة الهائلة لهذا الوحش العظيم".
قلت، "إنها فكرة جيدة جدًا، وبذلك ستحصل على المقدمة التي تبتغيها، والتي لن تكون جيدة وضرورية في مكانها فقط، ولكنها ستعطي تأثيرًا أكبر وفكرة حول ما سيحدث لاحقًا. حتى الآن، بدا الأسد لطيفًا إلى حد ما، حيث لم يُظهر أي أثر للوحشية؛ ولكن من خلال الزئير على الأقل سيجعلنا نشك في مدى وحشيته، وسيزداد التأثير عندما يتبع برفق ناي الصبي.
قال غوته، "هذا نمط جيد من التغيير والتحسين، حيث من خلال استمرار الاختراع سيتحول التزعزع إلى كمال، وذلك ما يتوجب فعله. لكن إعادة صنع وتغيير ما اكتمل بالفعل - على سبيل المثال، كما فعل والتر سكوت بعملي '' ميجنون '' وجعله سيئًا وغبيًا - هذا النمط من التغيير لا أستطيع أن أتحمله".
مساء الخميس، 1 فبراير، 1827.
أخبرني غوته عن زيارة ولي عهد بروسيا والدوق الأكبر له. قال، "كان في ضيفاتي الأمراء تشارلز وويليام من بروسيا أيضًا هذا الصباح. بقي الأميران والدوق الأكبر ما يقرب من ثلاث ساعات، وتحدثنا عن أشياء كثيرة، ومن خلالها كونت رأيًا كبيرًا حول ذكاء وذائقة ومعرفة وطريقة تفكير هؤلاء الأمراء الشباب".
كان أمام غوته مجلد "نظرية الألوان"، وقال، "لا زلت أدين لك بإجابة لظاهرة الظلال الملونة؛ لكن بما أنَّ هذا يستلزم الكثير، ومرتبط بأشياء أخرى، فلذلك لن استطيع إعطاءك تفسيرًا منفصلًا، بل أعتقد أنه سيكون من الأفضل أن نقرأ كل "نظرية الألوان" معًا عندما نلتقي في المساء. هذا موضوع جيد للتحاور؛ وستستطيع فهم النظرية وتكوين رأيك الخاص، وستندهش من توصلك إليه. ما تعلمته سيبدأ في التبلور والإنتاجية داخلك؛ ومن ثم أتوقع أنك ستتملكها بشكل كامل في وقت قريب، والآن اقرأ القسم الأول".
بهذه الكلمات وضع غوته الكتاب المفتوح أمامي. شعرت بسعادة غامرة بسبب نواياه الطيبة تجاهي. قرأت الفقرة الأولى حول الألوان الفسيولوجية".
قال غوته، "ليس هناك شيء يحيط بنا ليس داخلنا بالفعل، والعين مثل العالم الخارجي، لها ألوانها. بما أنَّ النقطة العظيمة في هذا العلم هي الفصل المتفق عليه بين الموضوع والذات، فقد بدأت بشكل صحيح مع الألوان التي تنتمي للعين، بحيث يمكننا أن نميز بدقة في كل تصوراتنا ما إذا كان اللون موجودًا في محيطنا أو داخلنا، أو ما إذا كان فقط لونًا يبدو أنَّ العين أنتجته. أعتقد أنني قد بدأت في النهاية الصحيحة، من خلال التخلص من العضو أولًا عن طريق فحص كل تصوراتنا وملاحظاتنا.
قرأت تلك الفقرات المثيرة للاهتمام التي تذكر أنَّ العين تحتاج إلى التغيير، حيث أنها لا تمعن النظر تلقائيًا أبدًا على لون واحد، ولكنها تحتاج دائمًا إلى لون أخر، وهذا هو ما ينتج الألوان نفسها.
هذه الملاحظة قادت حديثنا لقانون عظيم يسود في كل الطبيعة، والذي تعتمد عليه كل الحياة وكل مباهجها. قال غوته، "هذا هو الحال مع كل حواسنا الأخرى، وأيضًا مع طبيعتنا الروحية العليا. ولأن العين هي حاسة بارزة، فإن قانون التغيير المطلوب هذا ملفت للنظر بشكل خاص فيما يتعلق بالألوان.
قلت،"يبدو أن القانون نفسه يكمن في تأسيس أسلوب جيد، حيث نتجنب الصوت الذي سمعناه للتو. حتى على المسرح يمكن عمل الكثير بهذا القانون، إذا تم تطبيقه بشكل جيد. المسرحيات، وخاصة المأساوية، التي تسودها نبرة موحدة دون تغيير، دائمًا ما تكون مضجرة. وإذا عزفت الأوركسترا موسيقى حزينة كئيبة أثناء المقدمة، فإننا نتعرض للتعذيب بطريقة غير محتملة، وسنحاول الهرب من مشاهدتها بكل الوسائل الممكنة".
قال غوته، "ربما، المشاهد الحية التي أدخلت إلى مسرحيات شكسبير ترتكز على "قانون التغيير المطلوب "، لكن لا يبدو أنه ينطبق على المسرحيات المأساوية التي كتبها الأغريق، حيث، على العكس، هناك نبرة رئيسية خلال العمل بأكمله".
قلت، "المأسي الإغريقية ليست طويلة جدًا ولذلك فتلك النبرة ليست مضجرة فيها. ثم هناك تبادل للجوقة والحوار؛ والحس السامي فيها لا يمكن أن يصبح مرهِقًا، بما أن هناك حقيقة أصيلة فيه، وهي دائمًا ذات طبيعة مبهجة، تكمن دائمًا في جوهر العمل".
قال غوته، "قد تكون على حق، وربما علينا أن نتفحص بعض الأعمال المأساوية الإغريقية التي يمكن أن تخضع لـ "قانون التغيير المطلوب". أترى كيف ترتبط كل الأشياء ببعضها البعض، وكيف يمكن لقانون يحترم نظرية الألوان أن يستخدم في تحليل مأساة الإغريق. يجب علينا فقط أن نحرص على عدم دفع مثل هذا القانون إلى أبعد من اللازم. وسيكون من الأفضل لو قمنا بتطبيقه فقط عن طريق المماثلة".
تحدثنا عن الطريقة التي عمل بها غوته في نظريته عن الألوان، مستنتجًا الكل من القوانين الأساسية العظيمة، والإشارة إليها دائمًا بوصفها الظاهرة الفردية؛ ومن خلال هذه الطريقة، جعلها مفهومة للغاية ومُجهزة للعقل.
قال غوته، "قد يكون هذا هو الحال، ويمكنك أن تمدحني بهذا الشأن، ولكن، ومع ذلك، فإن هذه الطريقة تتطلب طلابًا لا يعيشون في حالة تشتت ذهني، وقادرون على تناول هذه المسألة. تقاطع بعض الأشخاص الأذكياء للغاية مع نظريتي عن الألوان، لكن للأسف، لم يلتزموا بالطريق المستقيم، وقبل أن أدرك الأمر كانوا قد انحرفوا جانبًا، واتبعوا فكرة بدلًا من إبقاء أعينهم ثابتة بشكل صحيح على الموضوع. يمكن للعقل الجيد أن يقوم بمنجزات عظيمة عندما يبحث عن الحقيقة".
تحدثنا عن الأساتذة الذين، بعد أن وجدوا نظرية أفضل، ما زالوا يتحدثون عن نيوتن. وقال غوته "هذا ليس أمرًا مستغربًا، هؤلاء الناس يستمرون في الخطأ لأنهم مدينون له بوجودهم. عليهم أن يتعلموا كل شيء مجددًا، وهذا غير مريح للغاية." قلت، "لكن كيف يمكن لتجاربهم أن تثبت الحقيقة عندما يكون أساس مذهبهم باطلاً؟" قال غوته، "إنهم لا يثبتون الحقيقة، وليس هذا غرضهم؛ النقطة الوحيدة مع هؤلاء الأساتذة، هي محاولة إثبات وجهة نظرهم. وبهذا الصدد، فهم يخفون كل هذه التجارب التي تكشف الحقيقة، ويظهرون آراءهم. ومن ثم، فيما يتعلق بالأكاديميين- لمَ يهتمون بالحقيقة؟ إنهم مثل البقية راضون تمامًا إذا تمكنوا من التقصي عن الموضوع تجريبيًا؛ - هذا هو الأمر برمته. الرجال جميعهم ذوو طبيعة غريبة، بمجرد أن تتجمد البحيرة، يتدفقون عليها بالمئات، ويستمتعون على سطحها الأملس؛ ولكن لا يفكر أي منهم في التساؤل عن مدى عمق تلك البحيرة، وما نوع الأسماك الذي تسبح تحت ذلك السطح الأملس؟ اكتشف نيبور للتو معاهدة تجارية قديمة جدًا بين روما وقرطاج، والتي يبدو من خلالها أن كل تاريخ ليفي الذي يحترم الحالة المتأخرة للشعب الروماني هو مجرد حكاية، وأن روما في فترة مبكرة جدًا كانت مدينة متقدمة جدًا وأكثر تقدمًا من ليفي؛ ولكن إذا كنت تتخيل أن هذه المعاهدة ستحدث إصلاحًا كبيرًا في طريقة تدريس التاريخ الروماني، فأنت مخطئ. فكر في البحيرة المتجمدة. تعلمت أن أعرف الجنس البشري، هكذا هو، وليس خلاف ذلك ".
قلت، "ومع ذلك لا يمكنك أن تندم على كتابة نظريتك للألوان، حيث أنك لم تضع فقط أساسًا صلبًا لهذا العلم الممتاز، ولكنك أنتجت نموذجًا للمعالجة العلمية، والذي يمكن اتباعه دائمًا في علاج المواضيع المماثلة ".
قال غوته، "أنا لست نادمًا على الإطلاق، على الرغم من أني أنفقت نصف حياتي في معالجة الموضوع. كان بإمكاني أن أكتب ستة أعمال مأساوية بدلًا عن ذلك، لكن هذا كل ما يهم، وسيأتي أناس بعدي لتطوير الموضوع. على كل حال، اعتقد أنك على حق، معالجة الموضوع جيدة، وتتبع نهجًا علميًا. بنفس الطريقة كتبت أيضًا نظرية موسيقية، واستند تحليلي للنباتات إلى نفس طريقة الملاحظة والاستنتاج".
"تحليلي للنباتات كان فردانيًا جدًا. توصلت إليه كما توصل هيرشل لاكتشافاته. كان هيرشل فقيرًا لدرجة أنه لم يستطع شراء تلسكوب، لكنه اضطر إلى صنع تلسكوب لنفسه. ومن حظه أن التلسكوب محلي الصنع كان أفضل من أي تلسكوب آخر، ومن خلاله توصل إلى اكتشافاته العظيمة. جئت إلى علم النبات من خلال الطريق التجريبي. أنا الآن أعرف جيدًا بما فيه الكفاية، أنه فيما يتعلق بتكوين الجنسين، تطورت النظرية في تفاصيلها حتى الآن لدرجة أنني لم أمتلك الشجاعة لفهمها. هذا دفعني لمواصلة الموضوع بطريقتي الخاصة، وإيجاد ما هو شائع في جميع النباتات دون تمييز، وبالتالي اكتشفت قانون التحول.
"إن مواصلة البحث عن مزيد من التفاصيل ليس غرضي؛ فأنا أترك هذا الأمر لأساتذتي في هذه المسألة. كان قلقي الوحيد هو تقليل الظاهرة إلى قانون أساسي عام.
"اهتممت بعلم المعادن لسببين فقط. الأول، كنت أقدر فائدته العملية العظيمة، ثم فكرت في كتابة وثيقة توضح التكوين الأولي للعالم، والتي استندت في كتابتها على أعمال فيرنر. وبما أن هذا العلم قد انقلب رأسًا على عقب بوفاة هذا الرجل الممتاز، فإنني لن أمضي قدمًا فيه، ولكنني سأبقي على قناعاتي الخاصة بهدوء".
"في نظرية الألوان، أعمل على تطوير تشكيل قوس قزح. هذه مشكلة صعبة للغاية، ومع ذلك، آمل أن أحلها. وبهذا الصدد يسعدني أن أناقش نظرية الألوان مرة أخرى معك، حيث أنها تصبح جديدة تمامًا مرة أخرى خاصةً مع اهتمامك بالموضوع.
تابع غوته، "لقد تبحرت في كل قسم من العلوم الطبيعية تقريبًا؛ لكن، مع ذلك، كانت نزعاتي تنحصر دائمًا في أشياء من حولي، ويمكن فهمها على الفور من خلال الحواس. ولهذا السبب لم أشغل نفسي أبدا بعلم الفلك، لأن الحواس هنا ليست كافية، ويجب على المرء أن يلجأ إلى الأدوات والحسابات والميكانيكا، التي تتطلب حياة كاملة، ولم تكن في حقل اهتمامي.
"إن كل شيء فعلته فيما يتعلق بالموضوعات التي ظهرت في طريقي، فقد كان يرجع لميزة أن حياتي كانت في وقت أكثر ثراءً بالاكتشافات الطبيعية الرائعة من أي وقت آخر. عندما كنت طفلًا، أصبحت على دراية باكتشاف فرانكلين الحديث للكهرباء. وخلال حياتي كلها، وصولًا إلى الساعة الحالية، هناك اكتشاف كبير يتبعه اكتشاف آخر، بحيث كنت مهتمًا بالطبيعة في سنوات حياتي الأولى، وظل اهتمامي بها يتنامى منذ ذلك الحين.
"إن التقدم الذي لم أكن أتوقعه يتم الآن على مسارات قمت بفتحها، وأشعر وكأنني شخص يمشي نحو الفجر الصباحي، وعندما تشرق الشمس، يندهش من روعته".
من بين الألمان، ذكر غوته بعض الأسماء بإعجاب ككاروس، ودولتون، وماير من كونيجسبرغ.
تابع غوته، "سأكون راضيًا إذا لم يقم الناس مرة أخرى بإفساد الحقيقة أو حجبها عند اكتشافها؛ تحتاج البشرية لشيء إيجابيٍ يتم تسليمه من جيل إلى جيل، وسيكون جيدًا إذا كان الشيء الإيجابي واقعيًا أيضًا. وبهذا الصدد، سأكون سعيدًا إذا توصل الناس إلى فهم واضح للعلوم الطبيعية، ومن ثم تقيدوا بالحقيقة، ولم يتراجعوا مرة أخرى بعد أن تم كل شيء في المنطقة المفهومة. لكن البشر لا يمكن أن يعيشوا في سلام، ويحدث الارتباك دائمًا قبل أن يدرك المرء ذلك.
"ها هم الآن يمزقون الكتب الخمسة لموسى، وإذا كان النقد مدمرًا لأي عمل فهو أشد ضررًا عندما يتعلق الأمر بالمسائل الدينية. هنا كل شيء يعتمد على الإيمان، الذي لا يمكننا العودة إليه عندما نفقده.
"في الشعر، لا يكون النقد المهين مضرًا. نقد وولف هوميروس، لكنه لم يستطع أن يؤذي القصيدة. لأن هذه القصيدة لها قوة خارقة مثل أبطال الوهالا، الذين يمزقون بعضهم البعض في الصباح، ويجلسون لتناول العشاء معًا عند الظهيرة".
كان غوته فكاهيًا للغاية، وسررت أن أسمعه يتحدث مرة أخرى حول مواضيع مهمة كهذه. قال، "سنحافظ على الطريق الصحيح بهدوء، ودع الآخرين يسيرون كما يشاؤون، فهذه هي أفضل خطة في النهاية".
================
محادثات مع غوته
تأليف: يوهان بيتر إيكرمان
ترجمة من الألمانية للإنجليزية: جون اوكسنفورد
ترجمة من الإنجليزية: سماح جعفر
تقوم «القرية الإلكترونية» بتكليف من الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، بترجمة يوميات من حياة "جوته"، المعنونة بـــ «محادثات مع غوته»، من تأليف: «يوهان بيتر إيكرمان*»، وهي عبارة عن يوميّات كتبها "إيكرمان" عن السنوات الأخيرة من حياة شاعر ألمانيا الكبير «غوته Goethe»، وتمت ترجمتها من الألمانية للإنجليزية بواسطة «جون أوكسنفورد»، وترجمها من الإنجليزية إلى العربية: «طارق زياد شعار»، وسوف نقوم بنشرها على حلقات تباعاً هنا في الصفحة نأمل أن تحوز إعجابكم.
*«يوهان بيتر إيكرمان» Johann Peter Eckermann 1792-1854: عمل كأمين خاص لجوته في الفترة الأخيرة من حياة الأخير. وسرعان ما أصبح كتابه محادثات مع غوته، ذو شعبية تخطت الحدود الألمانية، ولعب دوراً مهما في إحياء الاهتمام والتقدير لأعمال جوته في وقت لاحق.
#محمد_أحمد_السويدي_ترجمة_محادثات_مع_غوته
, Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi,,
Related Articles