Arabic    

قبيل النضج - الجنون والجمال والأغذية في روما - الفصل السادس: الخوخ


2019-07-05 00:00:00
View In Facebook
Category : Qubael alnudj

 

 

 

 

قبيل النضج - الجنون والجمال والأغذية في روما
الفصل السادس- الخوخ 
تأليف: ديفيد ونر
ترجمة: أميمة قاسم
--
 
لم يكن الخوخ في أغلب الأوقات سوى فاكهة. وهو أحياناً شيء غير ذلك. ويبرز مثال رائع على ذلك من تحت شظايا إفريز الجدارية البديعة في مبنى فيلا فارنيزينا في تراستيفيري، والتي بناها المصرفيّ اوغسطينو تشيجي، الذي ربما كان أغنى أغنياء أوربا في مطلع القرن السادس عشر.
وقد تمكن تشيجي من إقناع رافائيل أعظم فنان في ذلك العصر، بتزيين جزء من قصره بلوحات تصور قصة كيوبيد والأميرة الحسناء. فما كان من رافائيل إلا أن أوكل إلى تلميذه جيوفاني أودينيه العمل على الخلفية الخصبة لهذه اللوحة الفنية المستعجلة، فقدم لنا قرناً مملوءاً بالفواكه والخضر الناضجة المتماسكة الغضة، المبهجة، الطرية الطازجة، النضرة (إنك تعرف إلى أين سيقودنا هذا، أليس كذلك؟). فنحن نرى وسط زينة من الزهور والأوراق وفرة من البطيخ واليقطين، والجزر، والتفاح والأعناب والرمان والتين، والخوخ، والخيار والملفوف، وسنابل الذرة، والخوخ، واليقطين، والخوخ والتفاع والخوخ والخوخ. في أحد أركان الغرفة يقف عطارد عارياً إلا من بوق في يده وخوذة ذهبية على رأسه. وقد ولد مرفوعاً على كعبيه المجنحين، رسول الآلهة هذا الذي يضع على رأسه خوذة وعلى وجهه تعبيراً عن الدهشة. وبإحدى يديه يلمّح إلى دخول صادم في المشهد النباتي: حزمة اللحم وقطعتي الخضر لا تخطئها العين. اليقطينة العملاقة التي تبدو محشورة حشرا، وقطعتا الباذنجان المجاورتان تحاكي بوضوع هيئة القضيب والخصيتين. وبالقرب منها عنقود متعرج من الأعناب السوداء التي تجاوزت مرحلة النضج بقليل أو كثير في صورة لا تقل حيوية عن سابقتها وقد اخترقتها يقطينة أخرى. 
وهنالك بطيخة غضة مقسومة إلى نصفين وقد انغرست فيها ثمرة خيار، أم هل هي بطيخة؟ أم يقطينة أخرى؟ يصعب الجزم حقاً مع  كل هذه الفواكه التي تحيط بها.
يقول الباحثون إنّ تأريخ رسم هذه اللوحة يعود إلى عام 1517، في ابتدار لجنون التصوير البشع لمنتجات البساتين والحدائق في عصر النهضة. وسرعان ما شاع استخدام هذه الاستعارة. " أصبح بالإمكان رؤية اللوحات المؤطرة بأكاليل من الفواكه والخضر المنتفخة"، بحسب تعبير المؤرخ جون فاريانو، "في أكثر الأماكن احتراماً، بل في الكنائس والمعابد أحياناً." وقد تزيت البهجة المستمدة من هذه الفكرة بتقاليد الفكاهة والشعوذة الطبية. وقد كان "مذهب الإرشادات" شائعاً في ذلك الوقت، ويقوم على مؤلف الساحر باراسيلسوس، الذي كان يؤمن بأنَّ الأشياء التي تشبه بعضها البعض قد تؤثر على بعضها البعض.  ومن هنا جاءت فكرة ضرورة معالجة أعضاء الجسم باستخدام أشياء تشابهها. وفي هذه الأثناء كانت إيطاليا القرن السادس عشر غارقة في ثقافة الاستعارة. وقد انعكس هذا الأمر- من بين عدة جوانب- على السوق المزدهر "للثقافة الجنسانية" المغلفة بصور الطعام. وفي روما، التي كانت نسبة الذكور من سكانها تفوق مدن أوربا جميعها، ازداد انتشار التوريات الجنسية عن أي مكان آخر، وأصبحت فكرة الفاكهة هي "الاستعارة المثالية لثقافة روما في حقبة ما بعد الإصلاحية، وهي ثقافة أدى تحديها للتقاليد الدينية والسياسية بشكل متكرر إلى تعقيدات إضافية" حيث كانت الفكاهة وحدها متنفساً للرغبات المحرّمة.
وقد صمد ذلك النوع من الجنون على مدى قرن من الزمان. فقد تميزت البورتريهات التي رسمها الفنان الميلانيّ جيسبي اركيمبولدو بوجوه تكونت ملامحها من الفواكه والخضروات. وكان من المتخصصين في ذلك الاتجاه الأكثر إباحية فينسينزو كامبي، الذي رسم صفوفاً من النباتات والحيوانات، يحمل جلّها إشارات مماثلة، ونيكولو فرانجيباني، الذي تصور أكثر لوحاته شهرة- أمثولة الخريف، شاب ثمل نائم بجانب كومة من الثمار الصلبة. يربض بجانبه شيطان ماجن، في تجسيد لحلم الرجل، والذي يمسك بإحدى يديه قطعة نقانق كبيرة ويضع أصبع يده الأخرى في شق بثمرة بطيخ أصفر يحملها بذات اليد.
وقد كان هذا النوع من الاستعارات شائعاً أيضاً وإلى درجة كبيرة في أوساط الفنانين والمفكرين، خاصة في ما يسمى بالأكاديميات "الخاصة" بالمعنى الحرفي للكلمة، والتي كانت مثل أخويات المفكرين المخمورين، أو الجمعيات السرية. وهنا، تقول باحثة أخرى، هي أدريان فون لاتس، " لقد كان الشعراء الكبار والمحترفون يمتعون بعضهم البعض بتلاوة الأشعار الماجنة التي ابتذلت الرمزية الجنسية التي انطوت عليها طقوس الاستهلال وقرابين الحصاد الباخوسية". وقد كتب الفنان الكبير برونزينو شعراً أيروسياً ساخراً تداوله الناس على نطاق واسع. وكتب مايكل آنجلو ما يشبه ذلك، بيد أنّه كان يجزم بأنّ "قصائده لا تصلح إلا للدفوف والتغليف، لأصحاب الفنادق الصغيرة، والمراحيض، والمواخير". وأسس انطونيو فينالي في سيانا، أكاديمية المذهولين Accademia degli Intronati  وكتب سيرة قدسية للأحاليل مناهضة للكنيسة، مثيرة لذوي الميول المثلية، وساخرة سياسياً في كتابه اسماه " كتاب الإحليل" La Cazzaria. أما أكثر هذه الأكاديميات تأثيراً فقد كان في روما. أكاديمية عديمي الحس Accademia degli Insensati، والتي أصبحت كنادٍ لمعجبي فنان المدينة الأعظم الجديد كارافاجو. ومن بين الأعضاء واحد من أوائل مخدمي الفنان، والذي ألف الأغاني والأشعار حول لوحاته. وكان لكارافاجو أصدقاء في أكاديمية أخرى أيضاً- الكوميديون.
 
وقد ضمت قائمة الأعضاء أبناء عائلة كولونا النافذة، والشاب مافيو باربيريني (صديق لراعي كارافاجو)، والذي رسم له كارفاجو صورة شخصية (واصل باربيريني، بصفته البابا أوربان الثامن لاحقاً دعمه للفنون ودمّر جاليلو.) وفي ميلان، أدار راعي عائلة كارفاجو أكاديمية تعني حرفياً : القلقين. وقد كان أحد هؤلاء "القلقين" لوماتسو، وهو رسام وصديق لمعلم كارفاجو، وحامل شعلة الضوء لأكاديمية أخرى، هي مجموعة المخمورين الريفيين عبدة باخوس والتي تحتفل بالمتع الجنسية لوقت الحصاد. ونعود إلى روما، حيث أقام عدد من رجال البلاط البابوي مسابقات في الشعر الماجن تحت رعاية أكاديمية الخمّارين، مستخدمين أسماء مستعارة للعضو الذكري مثل " السيد فجل"، و" السيد جزرة" والسيد غصن". وقد كانوا يحتفلون أيضاً بوقت الحصاد ولكن في ليلة معينة بالهواء الطلق تتضمن عشاءً حافلاً في روما، وتلاوة القصائد في مدح التين (الذي يرمز لأعضاء الأنثى التناسلية) والشمام (كفلها). وهنالك توازٍ بين التصوير في واحدة من أقدم لوحات كارفاجو الشهيرة، صورة ذاتية في ملامح باخوس (عربة باخوس)، والقصيدة المثلية الشهوانية التي كتبها العضو المؤسس الخمّار فرانسسكو بيرني في مدح الخوخ المخملي الملمس(مؤخرات الغلمان): " أيتها الفاكهة المفضلة على جميع الفواكه/ طيبة مع الوجبة وقبلها وبعدها/ ولكنها طيبة من الأمام وجميلة من الخلف."
وقد رسم كارفاجو في لوحته لباخوس نفسه فحلاً، ولكن ببشرة تميل إلى الخضرة. وهو يرتدي شملة رومانية بيضاء اللون عارية الكتفين، وهو يدير رأسه ليحدق في الناظر للوحة، في خفر بيد أنّه يبدو مريضاً. وعلى الدكة الحجرية حيث يجلس يستقر عنقودٌ من العنب الأسود، وثمرتا خوخ، وبحسب الباحثة فون لاتيس، " على حافة الطاولة كما لو أنّها مقدمة للناظر". والخوخ موضوع أيضاً بطريقة موحية جداً، يحاكي المؤخرة البشرية عند النظر إليها من الأعلى وبزاوية مائلة"، مستدعياً عبارة dare le pesche والتي تترجم في القاموس الإيطالي الإنجليزي لعام 1611:" تسليم أحدهم إليته، أو القبول بالخطيئة الشاذة".
وتبدو لوحة أخرى من أوائل أعمال كارفاجو، طبيعة صامتة فاكهة على رفٍ حجري، أكثر صراحة بعد: مجموعة كبيرة من مختلف الفواكه والخضروات والتي تعني كما يقول بيتر روب في كتابه M: "الرجل الذي أصبح كارفاجو، "لم يكن ليخطئها حتى أكثر مناهضي الإصلاح تحفظاً وحياءً". تظهر في الصورة سلة من الفاكهة معبأة بالبرقوق، والأعناب والخوخ وثمرة أجاص، وثمرة تفاح. كان بالتفاحة ثقب أسود لدودة؛ وتحمل ثمار الخوخ والتفاح " شبهاً صادماً بمؤخرة إنسان شاحبة اللون". كان هنالك زوج من ثمار الرمان الناضجة ("شقت إحداها نصفين فبدت بذورها الحمراء اللامعة الغضة") وبعض " التين الذي تجاوز مرحلة النضج بكثير وقد تآكلت قشرته الطرية، وقد انفطرت إحداها أيضاً في أوج نضجها لتسفر عن لحم أحمر قرمزي وبذور دقيقة". تزاحمت " هذه الفواكه الصغيرة بجانب ضخامة كتلة من البطيخ، والهندباء والقرع". وقد "شقت" إحدى اليقطينات "مثل الرمانة لتكشف عن جرح بليغ على شكلِ هلالٍ يطل منه باطنها الرطب الشهي. وكذلك كانت البطيخة تبدي لحمها الوردي وبذورها السوداء الدبقة." وفي الخلف ما يدعوه روب "هندباء" لكنه في الحقيقة قرع، " طويل وبارز وغير مقطوع". هذه هي المفاتيح الرئيسية في "حب الخضروات العاصف الحسي المجانيّ للجميع، بينما تبرز إحدى ثمار الهندباء الطويلة المنحنية وترياً عبر الطاولة باتجاه شق القرعة الرطب. وراءها، ثمرة هندباء أخرى ممتدة بسلاسة وتنتصب بطريقة أكثر إيحاءً أمام وجه المتفرج، وقد رُسم طرفها في تلاعب ذكي بأسلوب تباين الظل والضوء، فترتسم في اللوحة في مركز الشعاع الساقط، فيبدو ما يليك مباشرة ودون لبس كرأس لقضيب محتقن." 
ويرى أحد كُتَّاب سيرة الفنان اللاحقين، جون ت. سبايك، في هذه اللوحة معنىً دينياً بالإضافة إلى المعنى الأيروسي:
الحصاد الوفير لثمار آخر الصيف، والقرع، والبطيخ تملأ سطحها، وهي مضاءة من الأعلى بشكل رئيسي. الإشارة هنا [ ] لشبه عمواس بالحكم الوشيك لنهاية فصل الصيف. فالثمار والقرعيات مقسمة في الغالب إلى أزواج، واحدة كاملة والأخرى مشطورة. نثر البذور- الرمان تحديداً- هو رمز مسيحي للقيامة. وسلة الخوص إلى اليسار تحتوي على الأعناب وأوارق العنب التي ترمز إلى طقس المناولة، بجانب ثمار الخطيئة الأصلية التفاح والخوخ. ثقوب الديدان والشوائب الأخرى التي لحقت بهذه الثمار الشهية هي رمز كارافاجيو لسرعة زوال حياة البشر. 
وهو أيضاً يعترف بالتوريات البصرية الجنسية:
الأشكال الأفعوانية لثمار القرع الأنبوبي الذي يبدو قضيبياً بشكل صريح [...] كأنّه يتلوى وينزلق مثل الثعابين العمياء. ثمار التين المنتصبة تأخذ هذه الرمزية الذكورية، بينما جوف القرع الخصب، والبطيخ المشرّح الوردي يشير دون تردد إلى تجسيد رقيق التنكر للجنس الأنثوي. بالنسبة لأي شخص يفكر على هذا الخط، فإنَّ زوج ثمار الخوخ المرصوص أعلى السلة يحمل شبهاً غريباً بالكفل البارز.
 
إذن ومجدداً، يمكن أن تكون الفاكهة والخضروات أحياناً....حسناً، فاكهة وخضروات. لم يقتنع البستانيّ الأمريكي جول  جانيك بهذا الحديث المجازي الفائق الإثارة. " يبدو لي أنَّ كارفاجو كان يستعرض بكل بساطة اعتزازه بمهارة التلوين، وحبه المحض لأشكال وخضرة الثمار موضوع الرسم." ويحتج في مقال بارع بأنّ لوحات الثمار والخضروات هذه سواءً أكانت توحي بشيء عن الجنس أو الإيمان فإنّها بكل تأكيد تقول شيئاً ما عن البستنة في روما أواخر عصر النهضة. " " لقد كانت الفواكه عام 1600 تبدو بكل تأكيد طرية وطيبة كما هي بعد أربعة قرون، مكذّبة الإشارة الشائعة إلى أنّ الفلاحين المعاصرين قد عملوا على تحسين مظهر الثمار إلى حد الإضرار بجودتها، على الرغم من أنّه من الصعب تحديد مدى الجودة من الصورة. لقد أكدوا على ثراء تنوع الثمار المتاحة [و] بينّوا أنَّ الآفات والأمراض كانت من المشكلات تلك الفترة كما هي الآن.  
وقد كان اكتشاف صور كارفاجو الممعنة في الواقعية كشفاً لجانيك، بمثابة العثور على حافظة صور ضوئية ملونة يبلغ عمرها أربعمائة عام. استكشف الآخرون حياة كارفاجو الجامحة وفنه. وقد لاحظ الكثيرون كيف أنَّ واقعيته، وطريقته في الرسم المباشر قد مهدتا الطريق لرامبرانت، وفيرميير، وأصبح بالإمكان النظر إلى الأشياء بالطريقة الحديثة. وقد لاحظ البروفسور جانيك ما كان حتى تلك اللحظة جانباً مهملاً من عبقريته: كارافاجو، مؤرخ للأصناف الزراعية الإيطالية بين عامي 1592 و 1603. على سبيل المثال، يظهر أجاص كارفاجو متعدد الأحجام والألوان في ست لوحات، تتضمن الكمثرى طرية اللب {pyrus communis} المذكورة في الأوديسا. وقد كانت ثمرة الأجاص هذه "هدية الآلهة" في حدائق السينوس وقد وجدت منها شرائح مجففة في أحد الكهوف السكنية من العصر الجليدي. وتوحي لوحات كارفاجو "بتعدد جيني ملموس في أنواع البطيخ" في عهده. كما يصور لنا ثمار الشمام، والتي اشتقت اسمها " الكانتلوب" من Cantalupo، القصر الريفي البابوي في هضبة سابينا حيث جلبت أول مرة على يد البعثات التبشيرية. كان القرع مثيراً للاهتمام أيضاً: وقد كان هذا النوع قد وصل قريباً نسبياً إلى أوروبا من أمريكا. وبعض تفاحات كارفاجو، الشهيرة في روما القديمة، تبدو معاصرة إلى درجة ملحوظة.  ويبدو سفرجله أيضاً مثل ثمار اليوم، بيد أنّ السفرجل غير شائع الآن، لحمضيته، ويشيع استخدامه في المعلبات.  تظهر ثمرة خيار واحدة في لوحة عازف القيثارة، وهي ثمرة أحبّها تيبيريوس كثيراً، وأمر بزراعتها في ما يشبه البيوت الزجاجية اليوم [specularium]. 
بالإضافة إلى ذلك يبين لنا كارفاجو الأمراض والآفات الأخرى. ففي لوحة باخوس هنالك ثمرة سفرجل نصف متعفنة، وتفاحة حمراء بداخلها دودة وفتحتها بادية، وأخرى بها عفن (" ربما كان نوعاً من العقد الفطرية[Botryosphaeria]"). فقدان إحدى أوراق العنب للونها يشير إلى نقص البوتاسيوم. وفي ورقة أخرى، على الإكليل الذي يرتديه باخوس، يبدو أنّها مصابة  بالتدرن التاجي والذي تسببه  البكتريا الأجرعية(المورِّمة). عشاء في عمواس لوحة تصور المسيح الرفيع في وجبة مكونة من الخبز والدجاج والنبيذ الأبيض والماء، والفواكه التي تبدو كما لو أنها قد أبتيعت للتو من السوق. إنّها ثروة من المعلومات. وكبداية، على الرغم من أنّ العشاء في الإنجيل حدث في عيد القيامة، فإنَّ الفاكهة كانت خريفية. كما أنّها أيضاً كشفت عن مشاكل نظام الإنتاج العضوي، الذي ربما أفاد من بعض المبيدات الحشرية ومضادات الفطريات. فبقع الفطر تذهب بلون أوراق العنب. وثمة مشكلة بكل تفاحة: آفة الجرب التي تسببها الفطريات. والثقوب الدودية، والعفن الأسود. الرمان به بقع. عدم تماسك عنقود العنب دليل على ضعف التلقيح. ووراء طبق الفاكهة دجاجة نافقة جداً، ملقاة على ظهرها وترتفع ساقيها المتخشبتين إلى الأعلى، مما يشير إلى تيبس الموت. 
كان كارافاجو سكيراً، عنيفاً ومجرماً. فقد قتل، واتخذ رفقة أسوأ صبيان وفتيات المدينة، ولصوصها، ومومساتها، وقُطَّاع الطرق والقتلة المأجورين [البرافي: Bravi]. وينبغي أيضاً الإقرار بأنَّ كارفاجو كان يتعامل مع الطعام بجدية أكبر مما هو يلزم في بعض الأحيان. وهنالك حوار محفوظ في محكمة روما الجنائية يجعله يبدو مثل جو بيسكي في فيلم الأصدقاء الطيبين Goodfellas . عندما يحضر له النادل طبق الخرشوف المطبوخ بالزبدة بدلاً عن الزيت، يدمدم كارافاجو: " يبدو لي، أيها الأحمق، أنّك تخال نفسك تقدم لي بعض الهراء الرخيص؟" ثم هاجم النادل وسدد له طعنة في الوجه. وفي حادثة أخرى، هدّد الفنان ورفاقه أحد الفنانين المنافسين: " سنقلي خصيتيك في الزيت." وكان يشير بازدراء إلى أحد مخدميه، السيد باندولفو بوتشي، بالسيد "إنسالاتا"  وذلك لأنّه لم يقدم له سوى طبق السلطة. لقد كانت " طبقاً مقبلاً، وفاتح شهية، وتحلية [...] ورفيقاً وخلة أسنان". 
شكراً لعبقريته، بيد أنّه، وربما أيضاً للتركيبة الرائجة الآن في حياته وعمله وجنسانيته وعنفه، لم يسبق له أن اشتهر لهذه الدرجة. لقد صدرت عنه كتب كثيرة. وقد استمر في بيع أعماله في المعرض الكبير الذي أقيم إحياءً للذكرى 400 لوفاته عام 2010 في قصر كويرينال لشهور عدة. لقد بدأت أنا نفسي أشعر بالقرب الشديد منه لأني صادفت لوحاته عن القديس ماثيو في معبد كونتاريلي بكنيسة سان لويجي ديل فرانسيزي، بالقرب من ميدان نافونا، وبي شيء من إدمان الكنائس، وبإمكاني زيارة عشرٍ منها في اليوم، ولكني لم أدرك أبداً أنّه كان هناك. فالفرق كبير للغاية بين لوحاته و فوضى الملائكة الباروكية والذهب والرخام المكدس حول بقية الكنيسة مثل كعك الزفاف بعضه فوق بعض. رؤية لوحات كارفاجو الثلاث من حياة القديس ماثيو كانت مثل ضربة  في الروح بواسطة مضرب بيسبول. وهاهو الرجل العظيم الآن، بغتة، يظهر شخصياً. أعلن علماء في رافينا عن العثور على بعض العظام في إقليم التوسكان التي يرجح أنّها لكارافاجو "بنسبة 85%"، والذي ربما توفي نتيجة لتسمم بالرصاص، وليس القتل، أو وفاته في المنفى- كما كان يُعتقد مسبقاً. على التلفاز شاهدنا كيف أنَّ العظام عوملت باحترام كرفات قديس من العصور الوسطى.   
وفجأة سيطرت عليَّ فكرة إعادة رسم لوحاته. سيكون بوسعي إعادة تشكيل الأمر بمساعدة الكاميرا الرقمية الصغيرة خاصتي، إن استطعت شراء الثمار الصحيحة، ولكن أيّ لوحة؟ إحدى الصور المرشحة هي سلة الفاكهة (1599) والتي عليها مسحة من الغموض، ويقال إنّها كانت بداية رسم الطبيعة الصامتة المحضة. ولكن تلك اللوحة لا تظهر سوى خمسة أنواع من الفاكهة (العنب والتفاح والتين وثمرة كمثرى وثمرة سفرجل) ولا يبدو فيها ما يكفي من الطموح. ولا الكثير من اللمحة الرومانية. لقد رُسمت هنا، ولكنها معلقة في ميلانو. ويظهر في لوحة باخوس العليل العنب والخوخ فقط، بشكل مثير للملل، وأنا بالطبع لست مولعًا بدجاجة لوحة عمواس. وعلى النقيض من ذلك تحتوي لوحة  الطبيعة الصامتة على طاولة حجرية ثماراً جميلة من التين والخوخ وما إلى ذلك، وأحب الطريقة التي صنع بها كارفاجو هذه التأثيرات الرائعة من الظل والضوء: لقد قام بفتح في سقف صاحبة المنزل. ولكني لا أحب الشمام (ولا الشمام الإباحي حتى) وأنَّى لي بقرع عملاق قضيبي الشكل أفعوانيٍ في روما يوم الاثنين؟
قررت بعد طويل تفكير أن أتحرى الوفير والحديث من الثمار. سوف أحاول إعادة إنتاج لوحة الصبي وسلة الفواكه، التي رُسمت بين عامي 1593 و1594 في روما. وهي معلقة في المعرض البورغيزي. وصديقتي فاليريا مستعدة لأداء دور الصبي الحامل السلة، الفتى ماريو مينيتي، الذي شق طريقه ليصبح رساماً هو الآخر. كانت اللوحة جيدة بما يكفي في نظر كارفاجو. وقد كانت مثيرة للاهتمام بالنسبة لديريك جارمان وسيمون سكاما بما يكفي لإعادة رسمها لتستخدم في الأفلام التي تناولت حياته. وبالإضافة إلى ذلك ستزوّد عائلة فاليريا بما يكفيها من الفاكهة لعدة أيام. إذن هيا إلى سوق الفاكهة والخضر المهيب في كامبو دي فيورا. لقد كان للمكان حظه من التأريخ. جرت حادثة اغتيال يوليوس قيصر على مقربة من هنا، أمام مسرح بومبي. وفي أيام كارفاجو كان الكامبو عبارة عن سوق أحصنة وماشية. كما شهد عمليات حرق الكتب والهراطقة. وفي عام 1553، أقيمت محرقة عظيمة للكتب اليهودية المصادرة من منازل اليهود. والتهمت النيران في عام 1600 الفيلسوف العظيم والراهب السابق جيوردانو برونو، الذي حرقته الكنيسة حياً بتهمة الهرطقة. لقد شكك برونو بمباديء الكاثوليكية. كما أنّه طور نظرية عن الذرات، تقول بأنَّ الأرض تدور حول الشمس، وتؤكد على أنّ العالم يحتوي على عدد غير متناهٍ من النجوم أمثال الشمس.  
لقد كان عليه أن يمضي ومن المحتمل جداً أنَّ كارفاجو قد شهد الحرق. ليس من شيء لإحياء ذكرى كارفاجو في الميدان، ولكن يشرف على المكان تمثال برونو المتأمل معتمراً قلنسوته. وقد نصب هناك عام 1889 بواسطة مجموعة من مناهضي الكنيسة الذين اعتبروه واحداً من أعظم شهداء حرية التعبير. يحتشد الناس لتكريمه هنا في شهر فبراير من كل عام. وقد جعلت مقاهي وحانات الكامبو الحديثة منه، منطقةً لتجمع الشباب في الأمسيات. وعندما يجتمع هنا الزوار من عشاق كرة القدم  قبل المباريات الأوربية، يلعب معجبو نادي روما لكرة القدم لعبة تقوم على محاولة طعنهم في مؤخراتهم، وهي تقليد مرِح آخر يعود في تأريخ إلى عهد كارفاجو. ولكنه اليوم، مثلما كان منذ عام 1869، ما زال سوقاً للفاكهة.
سوف يكون الطقس حاراً، لذا ينبغي علينا العودة مبكراً. صديقة آنا، حامل في شهرها الرابع، وهي ترتدي قبعة بيضاء، ولدينا قائمة مشتريات مشتقة من البروفيسور جانيك. يلزمنا شراء المنتجات التالية من أواخر القرن السادس عشر: 
ثمرة خوخ واحدة 
أربعة عناقيد من العنب (اثنان من العنب الأسود، واحد من الأحمر وواحد من الأبيض)
ثمرة رمان ناضجة واحدة (يتم تقسيمها)
أربع من ثمار التين (اثنتان سوداوان واثنتان فاتحتا اللون)
ثمرتا مشملة
ثلاث تفاحات
غصنان عليهما ثمرات كمثرى صغيرة
ورقتا عنب خضراوان (واحدة عليها بقع فطرية؛ والأخرى عليها كتلة بيضاء من بيض حشرة)
أوراق شجرة خوخ عليها بقع.
غصنان عليهما زخرفة حمراء (ربما غصنا نعناع).
وربما يجوز لنا إغفال الأوراق المتضررة بالهيئة الحقيقية، فهو من الأمور التي يجتهد بائعو الفواكه المعاصرون في إخفائه. وربما لن نجد الأنواع التي تعطينا اللون الصحيح. عليه فسوف نهتم بأنواع الثمار. وإن لم يكن أيّ منها موجوداً هنا، فسوف نذهب إلى السوبر ماركت، وسيكون أفضل إن كان علينا شراء الفاكهة في مغلفات بلاستيكية. سوف أقوم بترتيبها في السلة بتلك الطريقة لإثبات مرور 400 عام بالفعل. 
أولاً: الخوخ! لقد قابلنا مارسيلا، مرِحة وذات شعر داكن، والتي ظلت تعمل في كشكها هذا لثلاثين عاماً، مذ كانت في السادسة عشر من عمرها. وبينما كنت أشرح لم كنا نحتاج خوخة واحدة، تطعم مارسيلا صديقها بعض القطع الصغيرة من الخبز، وهو عصفور دوريّ يدعى سيريليو، والذي ما فتأ يتنقل طائراً ما بين مظلة الكشك ويدها. يراقبنا سيريليو بحركات رأس سريعة، وعينين تلمعان بالثقة. ترتدي مارسيلا قميصاً قطنياً أسودَ تزينه عبارة I ♥ Roma” “ وصورة للكولزيوم. " لقد كان المكان مختلفاً جداً هنا، وكان الناس مختلفين تماماً. كان الميدان يعجّ بالقصابين، والخبازين، وليس الحانات والمقاهي. وكانت لدينا طاولات خشبية، وأصبحت الآن جميعها معدنية.
هنالك الكثير من السيّاح الآن، ولكن ما زلنا نحتفظ ببعض العملاء القدامى من السكان المحليين. 
كما أنّ المنتج تغير هو الآخر، ولكن الشيء العام أن الناس أصبحت تشتري الأشياء بكميات أقل هذه الأيام." كلفّت ثمرة الخوخ (بالإضافة للأوراق الخالية من البقع) أربعة يوروهات. " بروح روما في تسعينات القرن السادس عشر، هل ستحمل بضع قطع نقدية من فئة الاسكودي؟"
أما بخصوص الكمثرى، فقد اخترنا كشكاً يقع إلى الجانب الأيمن من الميدان، ويديره راف، وهو رجل بنغلاديشي في السابعة والعشرين من عمره، يرتدي قميصاً قطنياً يمزج في لونه بين اللونين الورديّ والبرتقاليّ. شرحت له مشروعنا، ولكن ليس بشكل جيد كما يبدو. 
" ليس لدي أيّ منها. تحتاج إلى زيارة متجر للمنتجات الفنية،" يقول راف.
" لا، نحن نريد فاكهة في اللوحة."
"أوه حسناً، يمكنني ذلك. لدي أناناس، وموز وكيوي..."
" ولكن لم تكن هذه الثمار في اللوحة. أنا لست متأكداً من أنّ كارفاجو قد شاهد ثمرة أناناس من قبل، أو حتى موز أو كيوي. هل لديك أيّ كمثرى؟"
ليس لدى راف كمثرى. لقد فرّ من قريته شمال بنغلادش قبل عشرة سنوات، باحثاً عن حياة أفضل في أوربا، ويعيش بالقرب من تيرميني. " لدي الكثير من الإخوة والأخوات، ولكني هنا لوحدي، وعائلتي في بنغلادش. بالنسبة لي روما رائعة، والحياة أفضل هنا."
التالي: الرمان. وهذا يثير الدهشة في الفتاة صاحبة الكشك القريب من دار سينما فارنيزي. كان لها أسنان هشة المظهر، وسيجارة تتدلى من شفتها، فقهقت ضاحكة بسخاء ولكن دونما إفراط " رمان؟" عودوا في شهر نوفمبر! ليس هذا موسم الرمان." الشملات إذن؟ " ها، تلك ربيعية." أعناب؟ " حسناً يمكنك أن تحضرها من صقلية الآن، ولكننا لا نملك منها شيئاً. نحن نبع فقط ما نزرعه بأنفسنا. فالأمر يعني بالنسبة لنا ماهو متوفر في الموسم." وبالتالي، فما لدينا هو إنتاج الموسم." انضمت إلينا اختها بينما أدارت وجهها ناحية عميلة سيدة مسنّة رفقة خادمتها الفلبينية.
كان اسمها ساندرا بوتوني، ومما اخبرتنا به، أنّ الكشك ملك للعائلة. فتحه والدها جياكومو، الشهير بجياكومينو قبل ثلاثين سنة، ويعمل فيه الآن ساندرا، وزوجها، واختها، وجياكومينو. وهم يعيشون في فيليتري، جنوب روما، ويزرعون الفاكهة والخضر ولا يبيعون سوى الطازج من المحصول. والشيء المثير للاهتمام والفضول معاً أنّهم يتبعون في ذلك المباديء القديمة المتعلقة بأطوار القمر.  فقد توارث السكان المحليين قناعات بضرورة أن توافق عمليتي الزراعة ووضع البذور القمر في أطوار التزايد (ما بعد الهلال وقبل البدر). " هنالك أفكار غاية في القدم، ونسعى للمحافظة على تلك الثقافة،" تقول ساندرا. هذا وتضمن التربة البركانية في المنطقة تميز خضرواتهم بطعم لا مثيل له. تزورهم الآن عميلة قديمة- عائدة لتوها من اليابان- لشراء نصف ثمرة شمام. وبينما تشرع ساندرا في قطع الثمرة تشرح لنا هي السبب وراء مجيئها لهذا الكشك لسنوات. " لا يراعي السوبرماركت الجودة، ولكنها عالية هنا. وأنا أحبّ والد ساندرا. جياكومينو بالفعل أفضل رجل في الساحة!" كما تقول ساندرا، لقد تغيرت عادات التسوق. كانت العائلات تشتري اثنين أو ثلاثة كيلوات من الخوخ في المرة الواحدة. والآن يشتري الأفراد ثلاثة أو أربعة حبات من الفاكهة فقط. " اعتاد الناس على شراء كميات كبيرة مرة أو مرتين في الأسبوع. ثم تغير كل شيء بسبب اليورو والمتاجر الكبيرة ومراكز التسوق. لم يعد الشباب يفهمون ثقافة وتقاليد السوق. إنهم في عجلة من أمرهم. وهذا يؤثر علينا بالطبع. لكن جودة الطعام في السوق اعلى ومن يفهمون ذلك يظلون يقصدوننا." بالنسبة لكارفاجو فأنا أشتري التفاح (والذي وجدناه رائعاً في الحقيقة). تقوم آنا بشراء احتياجات الاسبوع كله. 
ونتحدث بود مع زايرا من رومانيا ورجل يبيع صلصة المعكرونة الجافة، ولكن اقتربت الظهيرة وبدأت آنا تشعر بالتعب. عليه فلا بد أن نسرع فتبقت لنا آخر أربعة أشياء، ولنرى ما سنجده منها في كشك "ماريا" على الجانب الآخر من الساحة، بجانب تمثال برونو. يتزود هذا الجزء من سوق الخضر بجميع محصولاته من السوق الكبير في لونغيزا بالقرب ن تريفولي. هل لديكم أي فاكهة غير فاكهة الموسم؟ " لدينا كل شيء!" يقول اليساندرو، والذي تدعى والدته ماريا، كما كانت أمها تسمى،  وبالتالي فإن اسم العمل الذي افتتح في عشرينيات القرن العشرين يبيع الأعشاب البرية للمطاعم في المنطقة. 
ولدى اليساندرو تين من صقلية، ورمان من إسرائيل، وعنب أحمر من تشيلي، وأبيض من صقلية ونعناع زكي الرائحة لدرجة غير معقولة من الريف الروماني. يقول" لقد عشت هنا منذ أن كنت طفلاً،". وهو يعيش الآن في اوستيا، ولكنه يتذكر جيداً عندما كانت منطقة وسط روما تزدحم بالفقراء. " كانت الشقة التي تتكون من خمس غرف في هذه المنطقة تؤوي في كل غرفة عائلة مختلفة. ثم ازدهر الاقتصاد في الستينات. والآن يسكن في ذات الشقة بحجراتها الخمس شخص واحد، أو على أكثر تقدير، أسرة واحدة."
لكننا لا نزال بحاجة إلى ثمار المشملة. وسوف نحصل عليها من سونيا، وهي خريجة درست الأدب الإنجليزي، وتدير كشكاً مع أمها في الجزء الأقصى من الساحة. المشملة- من أسبانيا- كانت قديمة إلى درجة ما، لكنّا محظوظين بالحصول عليها. درست سونيا اللغة الإنجليزية في لا سابينزا، ثم في بوسطن، في لندن وفي الجامعة في مانشستر. لقد حصلت على دورة في تدريب المعلمين في غرينوبل أيضاً ولكنها عادت لتعمل مع امها. لم؟ " إنّها تجارة العائلة، وإن لم تعرف شخصاً ما فلا يمكنك الحصول على شيء. لقد كان الأمر كذلك عندما كنت أصغر سناً، وما زال كذلك الآن." ترتدي والدتها قميصاً عليه شعار نادي روما لكرة القدم، وعقد غريب من الفلفل الحار المجفف. إنّها تنظر إلينا وتبتسم، ترفع قبضتها وتهتف: " روما! روما!"
عدنا إلى الشقة وبدأ العمل الصعب لإعادة إنتاج اللوحة فعلياً. انضمت إلينا العائلة كلها. واقترحت استخدام طبق أزرق من البلاستيك من النوع المستخدم للغسيل بدلاً من سلة الخوص للإشارة إلى المفارقة الحداثية.  غمغمت فاليريا ساخرة، ومضت تبحث عن سلة خوص من طراز يعود للقرن السادس عشر. هنالك واحدة في غرفة المعيشة. شعر ليبراتو (والد فاليريا) بالملل، ومضى ليشاهد التلفاز. ناديا(والدتها) تدرس اللوحة في هذه الأثناء، وتعمل على التحقق من مواقع الفاكهة حسب اللوحة. شرعت هي وابنتها في ترتيب الثمار كما لو أنّها لعبة صور مبعثرة. شقت الرمانة. وكان علينا الاحتيال فيما يخص الزخرفة باستخدام أوراق الجهنمية من الشرفة. دلف ليبراتو فجأة ليرى كيف تسير الأمور. وأخيراً انتهينا من السلة! وإن كنت انتقائياً لانتبهت للتفاصيل: حيث كانت كمثرى كارفاجو حمراء والتي حصلنا عليها كانت خضراء فاتحة. ليس لدينا تين أسود والرمانة يجب أن تكون أصغر بكثير. ولكن ليس الأمر بذاك السوء، وسلتنا بلا شك كانت أفضل من سلة ديريك جارمان. الذي ملأها بالشمام والليمون واليوسفي! هاوٍ! ولم يتبق سوى أخذ الصورة. لقد كنت أدور حولها وأدركت أنني لا استطيع إعادة رسم الظل والضوء في الخلفية. وعليه فسوف نقوم بعد كل هذا باستخدام المفارقة الحداثية. فاليريا في زيّها الروماني، تبدو أجمل كصبي أجير من القرن السادس عشر، وتتذمر من ثقل وزن السلة. تقف ببسالة على الشرفة. يتلاشى الضوء بسرعة، ولكن بإلامكان التعرف على الكنيسة في الخلفية، ومبنى الشقة المجاورة، والطائرة المتجهة إلى كيامبينو، والحقل حيث يجري بناء مركز رياضي جديد. أوه كل شيء على ما يرام.  هذا عمل رائع. يجدر بهم تعليق هذه الصورة في أحد المتاحف. 
---------  
عمْواس
الإنجليزية: Emmaus.
 
 
اسم عبري معناه "الينابيع الحارة" وهي بلدة على بعد ستين غلوة من القدس، وهي قرية في أرض فلسطين، لم تذكر إلا في إنجيل لوقا. وقد ظهر المسيح المقام لتلميذين كانا ذاهبين من القدس إلى عمواس في يوم القيامة (تلميذيّ عمواس)، وعرفاه عند العشاء في عمواس (لو 24: 13 و29 و33). ويقول بعضهم أنها مزرعة عمواس، على بعد 22 ميلًا من القدس (قرب اللد) ولكن هذه المسافة أطول من أن تقطع في منتصف الليل. ويرجح أنها قبيبة إلى الشمال الغربي من القدس بسبعة أميال. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
----------------
قبيل النضج: الجنون والجمال والأغذية في روما
تأليف: ديفيد ونر- ترجمة: أميمة قاسم
بتكليف ورعاية من الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، وبدافع من حب المعرفة والسعي لنشرها قامت القرية الإلكترونية بتوفير هذه النسخة منAl Dente قبيل النضج: الجنون والجمال والأغذية في روماتأليف: ديفيد ونر- وسوف نقوم بنشرها على حلقات تباعاً هنا في جوجل بلس نأمل أن تحوز إعجابكم وأن تكون مساهمة في #نشر_المعرفة
صفحتنا الرسمية في فيس بوك :
منصتنا في جوجل بلس لمتابعة باقي مشروعاتنا
https://plus.google.com/+HisExcellencyMohammedAhmedAlSuwaidi?hl=ar
(جميع الحقوق محفوظة)

        قبيل النضج - الجنون والجمال والأغذية في روما الفصل السادس- الخوخ  تأليف: ديفيد ونر ترجمة: أميمة قاسم --   لم يكن الخوخ في أغلب الأوقات سوى فاكهة. وهو أحياناً شيء غير ذلك. ويبرز مثال رائع على ذلك من تحت شظايا إفريز الجدارية البديعة في مبنى فيلا فارنيزينا في تراستيفيري، والتي بناها المصرفيّ اوغسطينو تشيجي، الذي ربما كان أغنى أغنياء أوربا في مطلع القرن السادس عشر. وقد تمكن تشيجي من إقناع رافائيل أعظم فنان في ذلك العصر، بتزيين جزء من قصره بلوحات تصور قصة كيوبيد والأميرة الحسناء. فما كان من رافائيل إلا أن أوكل إلى تلميذه جيوفاني أودينيه العمل على الخلفية الخصبة لهذه اللوحة الفنية المستعجلة، فقدم لنا قرناً مملوءاً بالفواكه والخضر الناضجة المتماسكة الغضة، المبهجة، الطرية الطازجة، النضرة (إنك تعرف إلى أين سيقودنا هذا، أليس كذلك؟). فنحن نرى وسط زينة من الزهور والأوراق وفرة من البطيخ واليقطين، والجزر، والتفاح والأعناب والرمان والتين، والخوخ، والخيار والملفوف، وسنابل الذرة، والخوخ، واليقطين، والخوخ والتفاع والخوخ والخوخ. في أحد أركان الغرفة يقف عطارد عارياً إلا من بوق في يده وخوذة ذهبية على رأسه. وقد ولد مرفوعاً على كعبيه المجنحين، رسول الآلهة هذا الذي يضع على رأسه خوذة وعلى وجهه تعبيراً عن الدهشة. وبإحدى يديه يلمّح إلى دخول صادم في المشهد النباتي: حزمة اللحم وقطعتي الخضر لا تخطئها العين. اليقطينة العملاقة التي تبدو محشورة حشرا، وقطعتا الباذنجان المجاورتان تحاكي بوضوع هيئة القضيب والخصيتين. وبالقرب منها عنقود متعرج من الأعناب السوداء التي تجاوزت مرحلة النضج بقليل أو كثير في صورة لا تقل حيوية عن سابقتها وقد اخترقتها يقطينة أخرى.  وهنالك بطيخة غضة مقسومة إلى نصفين وقد انغرست فيها ثمرة خيار، أم هل هي بطيخة؟ أم يقطينة أخرى؟ يصعب الجزم حقاً مع  كل هذه الفواكه التي تحيط بها. يقول الباحثون إنّ تأريخ رسم هذه اللوحة يعود إلى عام 1517، في ابتدار لجنون التصوير البشع لمنتجات البساتين والحدائق في عصر النهضة. وسرعان ما شاع استخدام هذه الاستعارة. " أصبح بالإمكان رؤية اللوحات المؤطرة بأكاليل من الفواكه والخضر المنتفخة"، بحسب تعبير المؤرخ جون فاريانو، "في أكثر الأماكن احتراماً، بل في الكنائس والمعابد أحياناً." وقد تزيت البهجة المستمدة من هذه الفكرة بتقاليد الفكاهة والشعوذة الطبية. وقد كان "مذهب الإرشادات" شائعاً في ذلك الوقت، ويقوم على مؤلف الساحر باراسيلسوس، الذي كان يؤمن بأنَّ الأشياء التي تشبه بعضها البعض قد تؤثر على بعضها البعض.  ومن هنا جاءت فكرة ضرورة معالجة أعضاء الجسم باستخدام أشياء تشابهها. وفي هذه الأثناء كانت إيطاليا القرن السادس عشر غارقة في ثقافة الاستعارة. وقد انعكس هذا الأمر- من بين عدة جوانب- على السوق المزدهر "للثقافة الجنسانية" المغلفة بصور الطعام. وفي روما، التي كانت نسبة الذكور من سكانها تفوق مدن أوربا جميعها، ازداد انتشار التوريات الجنسية عن أي مكان آخر، وأصبحت فكرة الفاكهة هي "الاستعارة المثالية لثقافة روما في حقبة ما بعد الإصلاحية، وهي ثقافة أدى تحديها للتقاليد الدينية والسياسية بشكل متكرر إلى تعقيدات إضافية" حيث كانت الفكاهة وحدها متنفساً للرغبات المحرّمة. وقد صمد ذلك النوع من الجنون على مدى قرن من الزمان. فقد تميزت البورتريهات التي رسمها الفنان الميلانيّ جيسبي اركيمبولدو بوجوه تكونت ملامحها من الفواكه والخضروات. وكان من المتخصصين في ذلك الاتجاه الأكثر إباحية فينسينزو كامبي، الذي رسم صفوفاً من النباتات والحيوانات، يحمل جلّها إشارات مماثلة، ونيكولو فرانجيباني، الذي تصور أكثر لوحاته شهرة- أمثولة الخريف، شاب ثمل نائم بجانب كومة من الثمار الصلبة. يربض بجانبه شيطان ماجن، في تجسيد لحلم الرجل، والذي يمسك بإحدى يديه قطعة نقانق كبيرة ويضع أصبع يده الأخرى في شق بثمرة بطيخ أصفر يحملها بذات اليد. وقد كان هذا النوع من الاستعارات شائعاً أيضاً وإلى درجة كبيرة في أوساط الفنانين والمفكرين، خاصة في ما يسمى بالأكاديميات "الخاصة" بالمعنى الحرفي للكلمة، والتي كانت مثل أخويات المفكرين المخمورين، أو الجمعيات السرية. وهنا، تقول باحثة أخرى، هي أدريان فون لاتس، " لقد كان الشعراء الكبار والمحترفون يمتعون بعضهم البعض بتلاوة الأشعار الماجنة التي ابتذلت الرمزية الجنسية التي انطوت عليها طقوس الاستهلال وقرابين الحصاد الباخوسية". وقد كتب الفنان الكبير برونزينو شعراً أيروسياً ساخراً تداوله الناس على نطاق واسع. وكتب مايكل آنجلو ما يشبه ذلك، بيد أنّه كان يجزم بأنّ "قصائده لا تصلح إلا للدفوف والتغليف، لأصحاب الفنادق الصغيرة، والمراحيض، والمواخير". وأسس انطونيو فينالي في سيانا، أكاديمية المذهولين Accademia degli Intronati  وكتب سيرة قدسية للأحاليل مناهضة للكنيسة، مثيرة لذوي الميول المثلية، وساخرة سياسياً في كتابه اسماه " كتاب الإحليل" La Cazzaria. أما أكثر هذه الأكاديميات تأثيراً فقد كان في روما. أكاديمية عديمي الحس Accademia degli Insensati، والتي أصبحت كنادٍ لمعجبي فنان المدينة الأعظم الجديد كارافاجو. ومن بين الأعضاء واحد من أوائل مخدمي الفنان، والذي ألف الأغاني والأشعار حول لوحاته. وكان لكارافاجو أصدقاء في أكاديمية أخرى أيضاً- الكوميديون.   وقد ضمت قائمة الأعضاء أبناء عائلة كولونا النافذة، والشاب مافيو باربيريني (صديق لراعي كارافاجو)، والذي رسم له كارفاجو صورة شخصية (واصل باربيريني، بصفته البابا أوربان الثامن لاحقاً دعمه للفنون ودمّر جاليلو.) وفي ميلان، أدار راعي عائلة كارفاجو أكاديمية تعني حرفياً : القلقين. وقد كان أحد هؤلاء "القلقين" لوماتسو، وهو رسام وصديق لمعلم كارفاجو، وحامل شعلة الضوء لأكاديمية أخرى، هي مجموعة المخمورين الريفيين عبدة باخوس والتي تحتفل بالمتع الجنسية لوقت الحصاد. ونعود إلى روما، حيث أقام عدد من رجال البلاط البابوي مسابقات في الشعر الماجن تحت رعاية أكاديمية الخمّارين، مستخدمين أسماء مستعارة للعضو الذكري مثل " السيد فجل"، و" السيد جزرة" والسيد غصن". وقد كانوا يحتفلون أيضاً بوقت الحصاد ولكن في ليلة معينة بالهواء الطلق تتضمن عشاءً حافلاً في روما، وتلاوة القصائد في مدح التين (الذي يرمز لأعضاء الأنثى التناسلية) والشمام (كفلها). وهنالك توازٍ بين التصوير في واحدة من أقدم لوحات كارفاجو الشهيرة، صورة ذاتية في ملامح باخوس (عربة باخوس)، والقصيدة المثلية الشهوانية التي كتبها العضو المؤسس الخمّار فرانسسكو بيرني في مدح الخوخ المخملي الملمس(مؤخرات الغلمان): " أيتها الفاكهة المفضلة على جميع الفواكه/ طيبة مع الوجبة وقبلها وبعدها/ ولكنها طيبة من الأمام وجميلة من الخلف." وقد رسم كارفاجو في لوحته لباخوس نفسه فحلاً، ولكن ببشرة تميل إلى الخضرة. وهو يرتدي شملة رومانية بيضاء اللون عارية الكتفين، وهو يدير رأسه ليحدق في الناظر للوحة، في خفر بيد أنّه يبدو مريضاً. وعلى الدكة الحجرية حيث يجلس يستقر عنقودٌ من العنب الأسود، وثمرتا خوخ، وبحسب الباحثة فون لاتيس، " على حافة الطاولة كما لو أنّها مقدمة للناظر". والخوخ موضوع أيضاً بطريقة موحية جداً، يحاكي المؤخرة البشرية عند النظر إليها من الأعلى وبزاوية مائلة"، مستدعياً عبارة dare le pesche والتي تترجم في القاموس الإيطالي الإنجليزي لعام 1611:" تسليم أحدهم إليته، أو القبول بالخطيئة الشاذة". وتبدو لوحة أخرى من أوائل أعمال كارفاجو، طبيعة صامتة فاكهة على رفٍ حجري، أكثر صراحة بعد: مجموعة كبيرة من مختلف الفواكه والخضروات والتي تعني كما يقول بيتر روب في كتابه M: "الرجل الذي أصبح كارفاجو، "لم يكن ليخطئها حتى أكثر مناهضي الإصلاح تحفظاً وحياءً". تظهر في الصورة سلة من الفاكهة معبأة بالبرقوق، والأعناب والخوخ وثمرة أجاص، وثمرة تفاح. كان بالتفاحة ثقب أسود لدودة؛ وتحمل ثمار الخوخ والتفاح " شبهاً صادماً بمؤخرة إنسان شاحبة اللون". كان هنالك زوج من ثمار الرمان الناضجة ("شقت إحداها نصفين فبدت بذورها الحمراء اللامعة الغضة") وبعض " التين الذي تجاوز مرحلة النضج بكثير وقد تآكلت قشرته الطرية، وقد انفطرت إحداها أيضاً في أوج نضجها لتسفر عن لحم أحمر قرمزي وبذور دقيقة". تزاحمت " هذه الفواكه الصغيرة بجانب ضخامة كتلة من البطيخ، والهندباء والقرع". وقد "شقت" إحدى اليقطينات "مثل الرمانة لتكشف عن جرح بليغ على شكلِ هلالٍ يطل منه باطنها الرطب الشهي. وكذلك كانت البطيخة تبدي لحمها الوردي وبذورها السوداء الدبقة." وفي الخلف ما يدعوه روب "هندباء" لكنه في الحقيقة قرع، " طويل وبارز وغير مقطوع". هذه هي المفاتيح الرئيسية في "حب الخضروات العاصف الحسي المجانيّ للجميع، بينما تبرز إحدى ثمار الهندباء الطويلة المنحنية وترياً عبر الطاولة باتجاه شق القرعة الرطب. وراءها، ثمرة هندباء أخرى ممتدة بسلاسة وتنتصب بطريقة أكثر إيحاءً أمام وجه المتفرج، وقد رُسم طرفها في تلاعب ذكي بأسلوب تباين الظل والضوء، فترتسم في اللوحة في مركز الشعاع الساقط، فيبدو ما يليك مباشرة ودون لبس كرأس لقضيب محتقن."  ويرى أحد كُتَّاب سيرة الفنان اللاحقين، جون ت. سبايك، في هذه اللوحة معنىً دينياً بالإضافة إلى المعنى الأيروسي: الحصاد الوفير لثمار آخر الصيف، والقرع، والبطيخ تملأ سطحها، وهي مضاءة من الأعلى بشكل رئيسي. الإشارة هنا [ ] لشبه عمواس بالحكم الوشيك لنهاية فصل الصيف. فالثمار والقرعيات مقسمة في الغالب إلى أزواج، واحدة كاملة والأخرى مشطورة. نثر البذور- الرمان تحديداً- هو رمز مسيحي للقيامة. وسلة الخوص إلى اليسار تحتوي على الأعناب وأوارق العنب التي ترمز إلى طقس المناولة، بجانب ثمار الخطيئة الأصلية التفاح والخوخ. ثقوب الديدان والشوائب الأخرى التي لحقت بهذه الثمار الشهية هي رمز كارافاجيو لسرعة زوال حياة البشر.  وهو أيضاً يعترف بالتوريات البصرية الجنسية: الأشكال الأفعوانية لثمار القرع الأنبوبي الذي يبدو قضيبياً بشكل صريح [...] كأنّه يتلوى وينزلق مثل الثعابين العمياء. ثمار التين المنتصبة تأخذ هذه الرمزية الذكورية، بينما جوف القرع الخصب، والبطيخ المشرّح الوردي يشير دون تردد إلى تجسيد رقيق التنكر للجنس الأنثوي. بالنسبة لأي شخص يفكر على هذا الخط، فإنَّ زوج ثمار الخوخ المرصوص أعلى السلة يحمل شبهاً غريباً بالكفل البارز.   إذن ومجدداً، يمكن أن تكون الفاكهة والخضروات أحياناً....حسناً، فاكهة وخضروات. لم يقتنع البستانيّ الأمريكي جول  جانيك بهذا الحديث المجازي الفائق الإثارة. " يبدو لي أنَّ كارفاجو كان يستعرض بكل بساطة اعتزازه بمهارة التلوين، وحبه المحض لأشكال وخضرة الثمار موضوع الرسم." ويحتج في مقال بارع بأنّ لوحات الثمار والخضروات هذه سواءً أكانت توحي بشيء عن الجنس أو الإيمان فإنّها بكل تأكيد تقول شيئاً ما عن البستنة في روما أواخر عصر النهضة. " " لقد كانت الفواكه عام 1600 تبدو بكل تأكيد طرية وطيبة كما هي بعد أربعة قرون، مكذّبة الإشارة الشائعة إلى أنّ الفلاحين المعاصرين قد عملوا على تحسين مظهر الثمار إلى حد الإضرار بجودتها، على الرغم من أنّه من الصعب تحديد مدى الجودة من الصورة. لقد أكدوا على ثراء تنوع الثمار المتاحة [و] بينّوا أنَّ الآفات والأمراض كانت من المشكلات تلك الفترة كما هي الآن.   وقد كان اكتشاف صور كارفاجو الممعنة في الواقعية كشفاً لجانيك، بمثابة العثور على حافظة صور ضوئية ملونة يبلغ عمرها أربعمائة عام. استكشف الآخرون حياة كارفاجو الجامحة وفنه. وقد لاحظ الكثيرون كيف أنَّ واقعيته، وطريقته في الرسم المباشر قد مهدتا الطريق لرامبرانت، وفيرميير، وأصبح بالإمكان النظر إلى الأشياء بالطريقة الحديثة. وقد لاحظ البروفسور جانيك ما كان حتى تلك اللحظة جانباً مهملاً من عبقريته: كارافاجو، مؤرخ للأصناف الزراعية الإيطالية بين عامي 1592 و 1603. على سبيل المثال، يظهر أجاص كارفاجو متعدد الأحجام والألوان في ست لوحات، تتضمن الكمثرى طرية اللب {pyrus communis} المذكورة في الأوديسا. وقد كانت ثمرة الأجاص هذه "هدية الآلهة" في حدائق السينوس وقد وجدت منها شرائح مجففة في أحد الكهوف السكنية من العصر الجليدي. وتوحي لوحات كارفاجو "بتعدد جيني ملموس في أنواع البطيخ" في عهده. كما يصور لنا ثمار الشمام، والتي اشتقت اسمها " الكانتلوب" من Cantalupo، القصر الريفي البابوي في هضبة سابينا حيث جلبت أول مرة على يد البعثات التبشيرية. كان القرع مثيراً للاهتمام أيضاً: وقد كان هذا النوع قد وصل قريباً نسبياً إلى أوروبا من أمريكا. وبعض تفاحات كارفاجو، الشهيرة في روما القديمة، تبدو معاصرة إلى درجة ملحوظة.  ويبدو سفرجله أيضاً مثل ثمار اليوم، بيد أنّ السفرجل غير شائع الآن، لحمضيته، ويشيع استخدامه في المعلبات.  تظهر ثمرة خيار واحدة في لوحة عازف القيثارة، وهي ثمرة أحبّها تيبيريوس كثيراً، وأمر بزراعتها في ما يشبه البيوت الزجاجية اليوم [specularium].  بالإضافة إلى ذلك يبين لنا كارفاجو الأمراض والآفات الأخرى. ففي لوحة باخوس هنالك ثمرة سفرجل نصف متعفنة، وتفاحة حمراء بداخلها دودة وفتحتها بادية، وأخرى بها عفن (" ربما كان نوعاً من العقد الفطرية[Botryosphaeria]"). فقدان إحدى أوراق العنب للونها يشير إلى نقص البوتاسيوم. وفي ورقة أخرى، على الإكليل الذي يرتديه باخوس، يبدو أنّها مصابة  بالتدرن التاجي والذي تسببه  البكتريا الأجرعية(المورِّمة). عشاء في عمواس لوحة تصور المسيح الرفيع في وجبة مكونة من الخبز والدجاج والنبيذ الأبيض والماء، والفواكه التي تبدو كما لو أنها قد أبتيعت للتو من السوق. إنّها ثروة من المعلومات. وكبداية، على الرغم من أنّ العشاء في الإنجيل حدث في عيد القيامة، فإنَّ الفاكهة كانت خريفية. كما أنّها أيضاً كشفت عن مشاكل نظام الإنتاج العضوي، الذي ربما أفاد من بعض المبيدات الحشرية ومضادات الفطريات. فبقع الفطر تذهب بلون أوراق العنب. وثمة مشكلة بكل تفاحة: آفة الجرب التي تسببها الفطريات. والثقوب الدودية، والعفن الأسود. الرمان به بقع. عدم تماسك عنقود العنب دليل على ضعف التلقيح. ووراء طبق الفاكهة دجاجة نافقة جداً، ملقاة على ظهرها وترتفع ساقيها المتخشبتين إلى الأعلى، مما يشير إلى تيبس الموت.  كان كارافاجو سكيراً، عنيفاً ومجرماً. فقد قتل، واتخذ رفقة أسوأ صبيان وفتيات المدينة، ولصوصها، ومومساتها، وقُطَّاع الطرق والقتلة المأجورين [البرافي: Bravi]. وينبغي أيضاً الإقرار بأنَّ كارفاجو كان يتعامل مع الطعام بجدية أكبر مما هو يلزم في بعض الأحيان. وهنالك حوار محفوظ في محكمة روما الجنائية يجعله يبدو مثل جو بيسكي في فيلم الأصدقاء الطيبين Goodfellas . عندما يحضر له النادل طبق الخرشوف المطبوخ بالزبدة بدلاً عن الزيت، يدمدم كارافاجو: " يبدو لي، أيها الأحمق، أنّك تخال نفسك تقدم لي بعض الهراء الرخيص؟" ثم هاجم النادل وسدد له طعنة في الوجه. وفي حادثة أخرى، هدّد الفنان ورفاقه أحد الفنانين المنافسين: " سنقلي خصيتيك في الزيت." وكان يشير بازدراء إلى أحد مخدميه، السيد باندولفو بوتشي، بالسيد "إنسالاتا"  وذلك لأنّه لم يقدم له سوى طبق السلطة. لقد كانت " طبقاً مقبلاً، وفاتح شهية، وتحلية [...] ورفيقاً وخلة أسنان".  شكراً لعبقريته، بيد أنّه، وربما أيضاً للتركيبة الرائجة الآن في حياته وعمله وجنسانيته وعنفه، لم يسبق له أن اشتهر لهذه الدرجة. لقد صدرت عنه كتب كثيرة. وقد استمر في بيع أعماله في المعرض الكبير الذي أقيم إحياءً للذكرى 400 لوفاته عام 2010 في قصر كويرينال لشهور عدة. لقد بدأت أنا نفسي أشعر بالقرب الشديد منه لأني صادفت لوحاته عن القديس ماثيو في معبد كونتاريلي بكنيسة سان لويجي ديل فرانسيزي، بالقرب من ميدان نافونا، وبي شيء من إدمان الكنائس، وبإمكاني زيارة عشرٍ منها في اليوم، ولكني لم أدرك أبداً أنّه كان هناك. فالفرق كبير للغاية بين لوحاته و فوضى الملائكة الباروكية والذهب والرخام المكدس حول بقية الكنيسة مثل كعك الزفاف بعضه فوق بعض. رؤية لوحات كارفاجو الثلاث من حياة القديس ماثيو كانت مثل ضربة  في الروح بواسطة مضرب بيسبول. وهاهو الرجل العظيم الآن، بغتة، يظهر شخصياً. أعلن علماء في رافينا عن العثور على بعض العظام في إقليم التوسكان التي يرجح أنّها لكارافاجو "بنسبة 85%"، والذي ربما توفي نتيجة لتسمم بالرصاص، وليس القتل، أو وفاته في المنفى- كما كان يُعتقد مسبقاً. على التلفاز شاهدنا كيف أنَّ العظام عوملت باحترام كرفات قديس من العصور الوسطى.    وفجأة سيطرت عليَّ فكرة إعادة رسم لوحاته. سيكون بوسعي إعادة تشكيل الأمر بمساعدة الكاميرا الرقمية الصغيرة خاصتي، إن استطعت شراء الثمار الصحيحة، ولكن أيّ لوحة؟ إحدى الصور المرشحة هي سلة الفاكهة (1599) والتي عليها مسحة من الغموض، ويقال إنّها كانت بداية رسم الطبيعة الصامتة المحضة. ولكن تلك اللوحة لا تظهر سوى خمسة أنواع من الفاكهة (العنب والتفاح والتين وثمرة كمثرى وثمرة سفرجل) ولا يبدو فيها ما يكفي من الطموح. ولا الكثير من اللمحة الرومانية. لقد رُسمت هنا، ولكنها معلقة في ميلانو. ويظهر في لوحة باخوس العليل العنب والخوخ فقط، بشكل مثير للملل، وأنا بالطبع لست مولعًا بدجاجة لوحة عمواس. وعلى النقيض من ذلك تحتوي لوحة  الطبيعة الصامتة على طاولة حجرية ثماراً جميلة من التين والخوخ وما إلى ذلك، وأحب الطريقة التي صنع بها كارفاجو هذه التأثيرات الرائعة من الظل والضوء: لقد قام بفتح في سقف صاحبة المنزل. ولكني لا أحب الشمام (ولا الشمام الإباحي حتى) وأنَّى لي بقرع عملاق قضيبي الشكل أفعوانيٍ في روما يوم الاثنين؟ قررت بعد طويل تفكير أن أتحرى الوفير والحديث من الثمار. سوف أحاول إعادة إنتاج لوحة الصبي وسلة الفواكه، التي رُسمت بين عامي 1593 و1594 في روما. وهي معلقة في المعرض البورغيزي. وصديقتي فاليريا مستعدة لأداء دور الصبي الحامل السلة، الفتى ماريو مينيتي، الذي شق طريقه ليصبح رساماً هو الآخر. كانت اللوحة جيدة بما يكفي في نظر كارفاجو. وقد كانت مثيرة للاهتمام بالنسبة لديريك جارمان وسيمون سكاما بما يكفي لإعادة رسمها لتستخدم في الأفلام التي تناولت حياته. وبالإضافة إلى ذلك ستزوّد عائلة فاليريا بما يكفيها من الفاكهة لعدة أيام. إذن هيا إلى سوق الفاكهة والخضر المهيب في كامبو دي فيورا. لقد كان للمكان حظه من التأريخ. جرت حادثة اغتيال يوليوس قيصر على مقربة من هنا، أمام مسرح بومبي. وفي أيام كارفاجو كان الكامبو عبارة عن سوق أحصنة وماشية. كما شهد عمليات حرق الكتب والهراطقة. وفي عام 1553، أقيمت محرقة عظيمة للكتب اليهودية المصادرة من منازل اليهود. والتهمت النيران في عام 1600 الفيلسوف العظيم والراهب السابق جيوردانو برونو، الذي حرقته الكنيسة حياً بتهمة الهرطقة. لقد شكك برونو بمباديء الكاثوليكية. كما أنّه طور نظرية عن الذرات، تقول بأنَّ الأرض تدور حول الشمس، وتؤكد على أنّ العالم يحتوي على عدد غير متناهٍ من النجوم أمثال الشمس.   لقد كان عليه أن يمضي ومن المحتمل جداً أنَّ كارفاجو قد شهد الحرق. ليس من شيء لإحياء ذكرى كارفاجو في الميدان، ولكن يشرف على المكان تمثال برونو المتأمل معتمراً قلنسوته. وقد نصب هناك عام 1889 بواسطة مجموعة من مناهضي الكنيسة الذين اعتبروه واحداً من أعظم شهداء حرية التعبير. يحتشد الناس لتكريمه هنا في شهر فبراير من كل عام. وقد جعلت مقاهي وحانات الكامبو الحديثة منه، منطقةً لتجمع الشباب في الأمسيات. وعندما يجتمع هنا الزوار من عشاق كرة القدم  قبل المباريات الأوربية، يلعب معجبو نادي روما لكرة القدم لعبة تقوم على محاولة طعنهم في مؤخراتهم، وهي تقليد مرِح آخر يعود في تأريخ إلى عهد كارفاجو. ولكنه اليوم، مثلما كان منذ عام 1869، ما زال سوقاً للفاكهة. سوف يكون الطقس حاراً، لذا ينبغي علينا العودة مبكراً. صديقة آنا، حامل في شهرها الرابع، وهي ترتدي قبعة بيضاء، ولدينا قائمة مشتريات مشتقة من البروفيسور جانيك. يلزمنا شراء المنتجات التالية من أواخر القرن السادس عشر:  ثمرة خوخ واحدة  أربعة عناقيد من العنب (اثنان من العنب الأسود، واحد من الأحمر وواحد من الأبيض) ثمرة رمان ناضجة واحدة (يتم تقسيمها) أربع من ثمار التين (اثنتان سوداوان واثنتان فاتحتا اللون) ثمرتا مشملة ثلاث تفاحات غصنان عليهما ثمرات كمثرى صغيرة ورقتا عنب خضراوان (واحدة عليها بقع فطرية؛ والأخرى عليها كتلة بيضاء من بيض حشرة) أوراق شجرة خوخ عليها بقع. غصنان عليهما زخرفة حمراء (ربما غصنا نعناع). وربما يجوز لنا إغفال الأوراق المتضررة بالهيئة الحقيقية، فهو من الأمور التي يجتهد بائعو الفواكه المعاصرون في إخفائه. وربما لن نجد الأنواع التي تعطينا اللون الصحيح. عليه فسوف نهتم بأنواع الثمار. وإن لم يكن أيّ منها موجوداً هنا، فسوف نذهب إلى السوبر ماركت، وسيكون أفضل إن كان علينا شراء الفاكهة في مغلفات بلاستيكية. سوف أقوم بترتيبها في السلة بتلك الطريقة لإثبات مرور 400 عام بالفعل.  أولاً: الخوخ! لقد قابلنا مارسيلا، مرِحة وذات شعر داكن، والتي ظلت تعمل في كشكها هذا لثلاثين عاماً، مذ كانت في السادسة عشر من عمرها. وبينما كنت أشرح لم كنا نحتاج خوخة واحدة، تطعم مارسيلا صديقها بعض القطع الصغيرة من الخبز، وهو عصفور دوريّ يدعى سيريليو، والذي ما فتأ يتنقل طائراً ما بين مظلة الكشك ويدها. يراقبنا سيريليو بحركات رأس سريعة، وعينين تلمعان بالثقة. ترتدي مارسيلا قميصاً قطنياً أسودَ تزينه عبارة I ♥ Roma” “ وصورة للكولزيوم. " لقد كان المكان مختلفاً جداً هنا، وكان الناس مختلفين تماماً. كان الميدان يعجّ بالقصابين، والخبازين، وليس الحانات والمقاهي. وكانت لدينا طاولات خشبية، وأصبحت الآن جميعها معدنية. هنالك الكثير من السيّاح الآن، ولكن ما زلنا نحتفظ ببعض العملاء القدامى من السكان المحليين.  كما أنّ المنتج تغير هو الآخر، ولكن الشيء العام أن الناس أصبحت تشتري الأشياء بكميات أقل هذه الأيام." كلفّت ثمرة الخوخ (بالإضافة للأوراق الخالية من البقع) أربعة يوروهات. " بروح روما في تسعينات القرن السادس عشر، هل ستحمل بضع قطع نقدية من فئة الاسكودي؟" أما بخصوص الكمثرى، فقد اخترنا كشكاً يقع إلى الجانب الأيمن من الميدان، ويديره راف، وهو رجل بنغلاديشي في السابعة والعشرين من عمره، يرتدي قميصاً قطنياً يمزج في لونه بين اللونين الورديّ والبرتقاليّ. شرحت له مشروعنا، ولكن ليس بشكل جيد كما يبدو.  " ليس لدي أيّ منها. تحتاج إلى زيارة متجر للمنتجات الفنية،" يقول راف. " لا، نحن نريد فاكهة في اللوحة." "أوه حسناً، يمكنني ذلك. لدي أناناس، وموز وكيوي..." " ولكن لم تكن هذه الثمار في اللوحة. أنا لست متأكداً من أنّ كارفاجو قد شاهد ثمرة أناناس من قبل، أو حتى موز أو كيوي. هل لديك أيّ كمثرى؟" ليس لدى راف كمثرى. لقد فرّ من قريته شمال بنغلادش قبل عشرة سنوات، باحثاً عن حياة أفضل في أوربا، ويعيش بالقرب من تيرميني. " لدي الكثير من الإخوة والأخوات، ولكني هنا لوحدي، وعائلتي في بنغلادش. بالنسبة لي روما رائعة، والحياة أفضل هنا." التالي: الرمان. وهذا يثير الدهشة في الفتاة صاحبة الكشك القريب من دار سينما فارنيزي. كان لها أسنان هشة المظهر، وسيجارة تتدلى من شفتها، فقهقت ضاحكة بسخاء ولكن دونما إفراط " رمان؟" عودوا في شهر نوفمبر! ليس هذا موسم الرمان." الشملات إذن؟ " ها، تلك ربيعية." أعناب؟ " حسناً يمكنك أن تحضرها من صقلية الآن، ولكننا لا نملك منها شيئاً. نحن نبع فقط ما نزرعه بأنفسنا. فالأمر يعني بالنسبة لنا ماهو متوفر في الموسم." وبالتالي، فما لدينا هو إنتاج الموسم." انضمت إلينا اختها بينما أدارت وجهها ناحية عميلة سيدة مسنّة رفقة خادمتها الفلبينية. كان اسمها ساندرا بوتوني، ومما اخبرتنا به، أنّ الكشك ملك للعائلة. فتحه والدها جياكومو، الشهير بجياكومينو قبل ثلاثين سنة، ويعمل فيه الآن ساندرا، وزوجها، واختها، وجياكومينو. وهم يعيشون في فيليتري، جنوب روما، ويزرعون الفاكهة والخضر ولا يبيعون سوى الطازج من المحصول. والشيء المثير للاهتمام والفضول معاً أنّهم يتبعون في ذلك المباديء القديمة المتعلقة بأطوار القمر.  فقد توارث السكان المحليين قناعات بضرورة أن توافق عمليتي الزراعة ووضع البذور القمر في أطوار التزايد (ما بعد الهلال وقبل البدر). " هنالك أفكار غاية في القدم، ونسعى للمحافظة على تلك الثقافة،" تقول ساندرا. هذا وتضمن التربة البركانية في المنطقة تميز خضرواتهم بطعم لا مثيل له. تزورهم الآن عميلة قديمة- عائدة لتوها من اليابان- لشراء نصف ثمرة شمام. وبينما تشرع ساندرا في قطع الثمرة تشرح لنا هي السبب وراء مجيئها لهذا الكشك لسنوات. " لا يراعي السوبرماركت الجودة، ولكنها عالية هنا. وأنا أحبّ والد ساندرا. جياكومينو بالفعل أفضل رجل في الساحة!" كما تقول ساندرا، لقد تغيرت عادات التسوق. كانت العائلات تشتري اثنين أو ثلاثة كيلوات من الخوخ في المرة الواحدة. والآن يشتري الأفراد ثلاثة أو أربعة حبات من الفاكهة فقط. " اعتاد الناس على شراء كميات كبيرة مرة أو مرتين في الأسبوع. ثم تغير كل شيء بسبب اليورو والمتاجر الكبيرة ومراكز التسوق. لم يعد الشباب يفهمون ثقافة وتقاليد السوق. إنهم في عجلة من أمرهم. وهذا يؤثر علينا بالطبع. لكن جودة الطعام في السوق اعلى ومن يفهمون ذلك يظلون يقصدوننا." بالنسبة لكارفاجو فأنا أشتري التفاح (والذي وجدناه رائعاً في الحقيقة). تقوم آنا بشراء احتياجات الاسبوع كله.  ونتحدث بود مع زايرا من رومانيا ورجل يبيع صلصة المعكرونة الجافة، ولكن اقتربت الظهيرة وبدأت آنا تشعر بالتعب. عليه فلا بد أن نسرع فتبقت لنا آخر أربعة أشياء، ولنرى ما سنجده منها في كشك "ماريا" على الجانب الآخر من الساحة، بجانب تمثال برونو. يتزود هذا الجزء من سوق الخضر بجميع محصولاته من السوق الكبير في لونغيزا بالقرب ن تريفولي. هل لديكم أي فاكهة غير فاكهة الموسم؟ " لدينا كل شيء!" يقول اليساندرو، والذي تدعى والدته ماريا، كما كانت أمها تسمى،  وبالتالي فإن اسم العمل الذي افتتح في عشرينيات القرن العشرين يبيع الأعشاب البرية للمطاعم في المنطقة.  ولدى اليساندرو تين من صقلية، ورمان من إسرائيل، وعنب أحمر من تشيلي، وأبيض من صقلية ونعناع زكي الرائحة لدرجة غير معقولة من الريف الروماني. يقول" لقد عشت هنا منذ أن كنت طفلاً،". وهو يعيش الآن في اوستيا، ولكنه يتذكر جيداً عندما كانت منطقة وسط روما تزدحم بالفقراء. " كانت الشقة التي تتكون من خمس غرف في هذه المنطقة تؤوي في كل غرفة عائلة مختلفة. ثم ازدهر الاقتصاد في الستينات. والآن يسكن في ذات الشقة بحجراتها الخمس شخص واحد، أو على أكثر تقدير، أسرة واحدة." لكننا لا نزال بحاجة إلى ثمار المشملة. وسوف نحصل عليها من سونيا، وهي خريجة درست الأدب الإنجليزي، وتدير كشكاً مع أمها في الجزء الأقصى من الساحة. المشملة- من أسبانيا- كانت قديمة إلى درجة ما، لكنّا محظوظين بالحصول عليها. درست سونيا اللغة الإنجليزية في لا سابينزا، ثم في بوسطن، في لندن وفي الجامعة في مانشستر. لقد حصلت على دورة في تدريب المعلمين في غرينوبل أيضاً ولكنها عادت لتعمل مع امها. لم؟ " إنّها تجارة العائلة، وإن لم تعرف شخصاً ما فلا يمكنك الحصول على شيء. لقد كان الأمر كذلك عندما كنت أصغر سناً، وما زال كذلك الآن." ترتدي والدتها قميصاً عليه شعار نادي روما لكرة القدم، وعقد غريب من الفلفل الحار المجفف. إنّها تنظر إلينا وتبتسم، ترفع قبضتها وتهتف: " روما! روما!" عدنا إلى الشقة وبدأ العمل الصعب لإعادة إنتاج اللوحة فعلياً. انضمت إلينا العائلة كلها. واقترحت استخدام طبق أزرق من البلاستيك من النوع المستخدم للغسيل بدلاً من سلة الخوص للإشارة إلى المفارقة الحداثية.  غمغمت فاليريا ساخرة، ومضت تبحث عن سلة خوص من طراز يعود للقرن السادس عشر. هنالك واحدة في غرفة المعيشة. شعر ليبراتو (والد فاليريا) بالملل، ومضى ليشاهد التلفاز. ناديا(والدتها) تدرس اللوحة في هذه الأثناء، وتعمل على التحقق من مواقع الفاكهة حسب اللوحة. شرعت هي وابنتها في ترتيب الثمار كما لو أنّها لعبة صور مبعثرة. شقت الرمانة. وكان علينا الاحتيال فيما يخص الزخرفة باستخدام أوراق الجهنمية من الشرفة. دلف ليبراتو فجأة ليرى كيف تسير الأمور. وأخيراً انتهينا من السلة! وإن كنت انتقائياً لانتبهت للتفاصيل: حيث كانت كمثرى كارفاجو حمراء والتي حصلنا عليها كانت خضراء فاتحة. ليس لدينا تين أسود والرمانة يجب أن تكون أصغر بكثير. ولكن ليس الأمر بذاك السوء، وسلتنا بلا شك كانت أفضل من سلة ديريك جارمان. الذي ملأها بالشمام والليمون واليوسفي! هاوٍ! ولم يتبق سوى أخذ الصورة. لقد كنت أدور حولها وأدركت أنني لا استطيع إعادة رسم الظل والضوء في الخلفية. وعليه فسوف نقوم بعد كل هذا باستخدام المفارقة الحداثية. فاليريا في زيّها الروماني، تبدو أجمل كصبي أجير من القرن السادس عشر، وتتذمر من ثقل وزن السلة. تقف ببسالة على الشرفة. يتلاشى الضوء بسرعة، ولكن بإلامكان التعرف على الكنيسة في الخلفية، ومبنى الشقة المجاورة، والطائرة المتجهة إلى كيامبينو، والحقل حيث يجري بناء مركز رياضي جديد. أوه كل شيء على ما يرام.  هذا عمل رائع. يجدر بهم تعليق هذه الصورة في أحد المتاحف.  ---------   عمْواس الإنجليزية: Emmaus.     اسم عبري معناه "الينابيع الحارة" وهي بلدة على بعد ستين غلوة من القدس، وهي قرية في أرض فلسطين، لم تذكر إلا في إنجيل لوقا. وقد ظهر المسيح المقام لتلميذين كانا ذاهبين من القدس إلى عمواس في يوم القيامة (تلميذيّ عمواس)، وعرفاه عند العشاء في عمواس (لو 24: 13 و29 و33). ويقول بعضهم أنها مزرعة عمواس، على بعد 22 ميلًا من القدس (قرب اللد) ولكن هذه المسافة أطول من أن تقطع في منتصف الليل. ويرجح أنها قبيبة إلى الشمال الغربي من القدس بسبعة أميال.                                                        ---------------- قبيل النضج: الجنون والجمال والأغذية في روما تأليف: ديفيد ونر- ترجمة: أميمة قاسم بتكليف ورعاية من الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، وبدافع من حب المعرفة والسعي لنشرها قامت القرية الإلكترونية بتوفير هذه النسخة منAl Dente قبيل النضج: الجنون والجمال والأغذية في روماتأليف: ديفيد ونر- وسوف نقوم بنشرها على حلقات تباعاً هنا في جوجل بلس نأمل أن تحوز إعجابكم وأن تكون مساهمة في #نشر_المعرفة صفحتنا الرسمية في فيس بوك : https://www.facebook.com/mohammed.suwaidi.poet/ منصتنا في جوجل بلس لمتابعة باقي مشروعاتنا https://plus.google.com/+HisExcellencyMohammedAhmedAlSuwaidi?hl=ar (جميع الحقوق محفوظة) , Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi,,

Related Articles

قبيل النضج - الجنون والجمال والأغذية في روما - الفصل الأول: الماء
قبيل النضج : الجنون والجمال والأغذية في روما - الفصل الثاني: الوليمة
قبيل النضج - الجنون والجمال والأغذية في روما - الفصل الثالث: الصوم
قبيل النضج - الجنون والجمال والأغذية في روما - الفصل الرابع: القواقع
قبيل النضج - الجنون والجمال والأغذية في روما - الفصل الخامس: عصارة السمك
قبيل النضج - الجنون والجمال والأغذية في روما - الفصل السادس: الخوخ