قمم غير موطوءة وأودية غير مطروقة - الباب الثامن - في كابريلي

قمم غير موطوءة وأودية غير مطروقة
الباب الثامن- في كابريلي
تأليف:إيمليا إدواردز
ترجمة: سماح جعفر
------
يصعب إرضاء الناس الطيبين في كابريلي في ما يخص مسألة الطقس. ظلت أجراس الكنيسة ترن طوال الليل، وخرج السكان في صباح اليوم التالي في موكب رسمي في الخامسة صباحًا ليطالبوا بحماية العذراء من العواصف. انسحبت الغيوم وفقًا لذلك، وتبع العاصفة في اليوم التالي صباحٌ استثنائي. لكن في منتصف النهار، تشكل الموكب مرة أخرى، بشكل احتفالي أكثر من ذي قبل - أتى فلاح حافي القدمين طويل القامة في رداء كهنوتي أولًا؛ وهو يحمل صليبًا خشبيًا ضخمًا؛ ثم كاهن بدين يرتدي قبعته ويترنم بالصلوات؛ ثم ولدان صغيران متسخان يرتديان قبعتين حمراوين ويحملان مشاعل مطفأة في أوتاد؛ في النهاية، كان عدد كبير من سكان البلاد يسيرون في مجموعات مكونة من شخصين، الرجال أولًا، وتليهم النساء، ومن ثم الأطفال، كلهم يمسكون قبعاتهم في أيديهم وكلهم يهتفون. التفوا بهذا الترتيب ببطء حول القرية، ابتداء من مقاطعة سان ماركو.
التفت وسألت فلاحًا ذا مظهر لائق كان يغسل عربته تحت القنطرة، "ما هو سبب الموكب الآن؟"
فأجابني قائلًا، "إنهم يذهبون إلى الكنيسة للصلاة من أجل المطر سيدتي"، وخلع قبعته أثناء مرور الموكب.
قلت، "لكنها أمطرت بالأمس، وقد كنتم جميعًا تصلون صباح اليوم من أجل طقس جيد".
قال الفلاح برزانة، "لا يا سيدتي؛ لقد كنا نصلي هذا الصباح ضد الرعد والبرق، وليس المطر".
"أوه، فهمت، أنتم تريدون المطر، لكنكم تفضلونه دون رعد".
"نعم، سيدتي. نريد المطر بشدة. لقد كنا نصلي لتوقف الجفاف طوال الأيام العشر الماضية".
قلت، "لكن يبدو لي أنكم كنتم ستستهلكوا وقتًا أقل إذا طلبتم من المادونا أن تجعل الرياح تهب نحو الجنوب الغربي وأن ترسل ثماني وأربعين ساعة من المطر المطرد على الفور، بدلًا من الصلاة ضد الرعد، البرق، والجفاف.
نظر الرجل نحوي مذهولًا.
قال معتذرًا، "ربما كنت محقة سيدتي".
"سوف يحل لنا الكاهن الأمر كله - فهو يعرف أكثر".
بدا الفلاح المسكين متواضعًا وجادًا لدرجة أني ابتعدت، وشعرت بالخجل من طيشي.
بعد ذلك، صار الطقس غير مستقر لعدة أيام، حيث كان جيدًا في الصباح وعاصفًا في الليل. ولأنَّ الحال استمر بهذا الشكل، فقد جاء الموكب بشكل منتظم مرتين في اليوم، للاحتجاج على العاصفة أو أشعة الشمس، وفقًا لحالة الجو سواء كانت رطبة أو جيدة.
في هذه الأثناء، لا بد أن قارعي الأجراس قد واجهوا صعوبة بسبب ذلك - لأنَّ قرع الأجراس الذي كان يسبب لنا الكثير من عدم الارتياح، كان مرضيًا لشعب كابريلي - كانت الأجراس تقرع كل ليلة تقريبًا. اعتقد الفقراء أنَّ هذا الطقس يطرد الأرواح الشريرة للعاصفة؛ في حين ظن البعض الآخر أنها تسبب نوعًا من الحركة الموجية في الهواء، وبذلك تكسر استمرارية السوائل الكهربائية. من كان يتوقع أن تكون هذه الخرافات المتفجرة سارية في أي ركن من أركان أوروبا حتى الآن؟ كان الأمر يشبه الانتقال مرة أخرى إلى العصور الوسطى.
أن تكون محاطًا بالطقس السيء في كابريلي لبضعة أيام هو أسوأ مصير قد يصيب المسافر في هذه الأجزاء على الإطلاق. المكان مليء بأماكن تنزه مبهجة، ويمكنك التمتع برؤيتها كلها بين المطر السابق والتالي؛ من الغابات والوديان والمراعي الغنية بالأزهار البرية؛ التلال الجيدة لأولئك الذين يحبون التسلق؛ الأشكال الظلية للطالب؛ سمك السلمون المرقط للصياد؛ ونبات السرخس لعلماء النبات. في وادٍ صغير جميل بين نباتات الشوح والأركان المطحلبة للصخور، التي لا تبعد أكثر من ربع ميل من القرية، ستجد عينات من السراخس الرقيقة، السراخس الكثبانية، السراخس الجرداء، والعديد من أنواع البَرشاوشان الشُعَيْري الزُهري. وبالنسبة لمسألة الرسم، فإنَّ المواضيع تتبدى للمرء في كل منعطف من المسار.
ولا أحد، كما هو الحال في الكثير من قرى وأودية أحجار الدلوميت الجيرية، يدفع عقوبة المجاعة في مقابل كل هذه الملذات. الطعام جيد تمامًا، وطهي مدام بيتسي لا يمكن الاعتراض عليه. لحم البقر، المغمس في القرفة، هو موضع ترحيب بعد مدة طويلة ومليئة بتناول لحم العجل. سمك السلمون المرقط من وادي أليغي ممتاز؛ الخبز، الفراولة البرية، وقشدة الجبل الغنية كلها لذيذة جدًا؛ وحتى الخضار جيدٌ جدًا.
ثم، إلى جانب المشي والسراخس والرسم، فإنَّ كابريلي - مثل كل مكان إيطالي تقريبًا - لها خصائصها الخاصة؛ عجائبها المحلية؛ جذرها الصغير في تاريخ العصور الوسطى؛ وهذه هي الأشياء لا يمكن رؤيتها إلا إذا تسكع المرء لبضعة أيام، وتحدث إلى الناس، وكون صداقات مع الكاهن، واقترض كل الكتب القديمة في المكان. وبهذه الطريقة، نلقي الضوء على بضع نبذات غريبة من الحقيقة مثيرة للاهتمام أكثر من أن تروى.
وهكذا عرفنا أنه كان هناك مناجم كبيرة من الحديد سابقًا في كول دي سانتا لوسيا؛ وأنَّ كلًا من وادي أليغي ومدينة كابريلي كانتا مشهورتين بالحدادين وصانعي الأسلحة المهرة؛ وأنهم كانوا يصدرون السكاكين والسيوف إلى فينيسيا. وأنَّ مقبض الباب البرونزي القديم الرائع الذي كان في شكل حورية البحر، والمطرقة الملتوية المكونة من قطعة واحدة صلبة التي أعجبت بها كثيرًا يوم أمس على باب البيت الحجري المتداعي في الطرف الأبعد للقرية، ربما جاءت من بعض أشجار السندان المدفونة الآن في قاع البحيرة. يقولون إنه كان هناك أربعون منجمًا في الماضي في إقليم بيلونو، لكن لا يوجد الآن سوى أربعة منها.
كان الاسم القديم لكابريلي هو مقاطعة غبريال. لم أتمكن من إيجاد أي نقوش أو جرار أو فسيفساء قد عُثِر عليها هنا، كالتي وجدتها في لونجارون وكاستل لافازو؛ لذلك يبدو الاسم اللاتيني القديم هو البقايا الرومانية الوحيدة المتبقية من منتصف القرن الخامس عشر. وحد رجال كابريل وكادور قواهم السياسية، ووضعوا أنفسهم تحت حماية فينيسيا؛ عندها عينتهم الجمهورية حكامًا بلقب القائد العام. كان واحد من هؤلاء القادة هو من نصب عمود القديس مرقس هناك، في أقصى نهاية القرية. في ذلك الوقت كانت كابريلي مركزًا تجاريًا مزدهرًا، والبلدية الرئيسية في هذه الوديان.
من بين عجائب المكان الطبيعية، يرشدونك إلى وجود ثقب صغير في واجهة صخرة مجاورة، ويخبرونك أنه فَم الربيع الذي يتم تخصيبه بالهيدروجين الكبريت، والذي كان يجلب الكثير من المكاسب في السابق، وأصبح مهجورًا الآن. سمعنا أيضًا عن الاكتشاف الأخير لأحجار المرمر في مكان يسمى ديجونيرا، وهو بعيدٌ قليلًا عن الوادي، ويقال إنه متساوٍ في الجودة مع أفضل أحجار المرمر في توسكانا.
ثم، أيضًا هناك لهجة محلية استثنائية مجلوبة من اللغة الفرنسية في الريف بين فينيسيا والنمسا. تقريبًا كل "كومونه" منفصلة صغيرة في هذه الأجزاء لديها قواعدها اللغوية الخاصة بها؛ ولا شك في أنَّ بروفيسور متحمّس مثل ماكس مييلر، من خلال تحليل مقارن لهذه اللهجات المحلية التي تصل إلى مائة وواحد، سيستخلص كل الخصائص الفيلولوجية المثيرة للاهتمام.
ومع ذلك، فإنَّ تاريخ روكا أكثر إثارة للاهتمام من أي حقيقة لها علاقة بـكابريلي - وهي قرية صغيرة تقع على تلة أمام فوهة فال بيتورينا وتواجه الوجه الشمالي المتعرج لمونتي بيزا. هذا المكان الصغير عُرف في العصور الوسطى باسم روكا دي بيتور، أو روكابرونا، إن لم يكن بالمعنى الدقيق لكلمة الجمهورية، فقد كان محكومًا ذاتيًا في جميع الأوقات؛ وقدم ولاءً اسميًا فقط لشماسة كابوديستريا، وتمتع بحصانة خاصة من الضرائب، الرسوم أو الخدمة الشخصية هذا المجتمع الصغير المثير للاهتمام، يتكون من أربعين عائلة، ورجالهم جميعًا تقريبًا من المحاربين، الذين كانو مكلفين في عام 1389 للاعتراف بسلطة فيسكونتي، التي وضعتهم تحت سلطة البيلونيين. مع ذلك، لم تكن روكا لتتنازل عن حرياتها العزيزة، ونصت على أنَّ جميع مواد نظامها الأساسي يجب أن تحترم. إنَّ النسخة الأصلية من هذه الوثيقة الرائعة، التي تم إدراجها في ستة وستين بندًا ومسجلة في بيلونو في عام 1418، أصبحت الآن بحوزة السيدة بيتسي من كابريلي. وعندما حاول فيسكونتي فرض ضريبة على أعمالهم الحديدية، تمرد رجال روكا؛ ولاحقًا في 1659 بعد الميلاد، أصبحوا خاضعين للفينيسين وتمسكوا بامتيازاتهم بشكل مطلق، وأرسلوا سفيرًا في مجلس الشيوخ ليذكروهم بؤلائهم الاستثنائي وكيف أنهم، "بسبب أنَّ بلدتهم تقع على الحدود ومعرّضة لهجمات الأعداء خارج الحدود، فإنَّ شعب روكا قد خضع في جميع الأوقات لاختبار وطنيته بدمه، وحافظ على سلامة تلك الامتيازات التي كانت بالنسبة لهم أغلى من بؤبؤ أعينهم".
هذه الدولة الحرة الصغيرة، الأصغر من مارينا أو أندورا، فقدت في النهاية استقلالها عندما تم التنازل عنها للنمساويين مع بقية لومباردو-فينيتيا في عام 1814. وهي الآن تصنف كأبرشية عادية في مقاطعة بيلونو؛ اختفت قلعتها؛ ولم يتبق منها سوى أربعة جدران من البناء الخشن في مرج أخضر عند سفح التل على الجانب القادم من كابريلي، كتذكرة على موقع قصر البلدية السابق. إنه لأمر سيء أن ينتهي الجملون إلى دمار، ويصبح شبيهًا بقشرة كنيسة صغيرة.
لدى روكا رسامها الشهير دومينيكو دي بياسيو الذي يعد ضمن امتيازاتها المحلية، والذي من المفترض أن تكون أعماله ذات جدارة؛ بينما تحتفي كابريلي بالأب برنابا من الرهبنة الكَبّوشية، الذي اشتهر ببلاغة عظاته، التي نشرت في بولينو. لم أرَ اللوحات ولم أقرأ العظات بعد، لذلك لا أستطيع التحدث عن عظمة أي منهما.
ومع ذلك، فإنَّ اثنين من العجائب الطبيعية الرائعة حقًا في المكان، هما ممر سوتوغودا الضيق وساسو دي رونشي. يتم أخذ كل زائر يأتي إلى كابريلي إلى ممر سوتوغودا الضيق: أعتقد أننا كنا أول مسافرين يتكبدون عناء الصعود لرؤية المكان الثاني.
إنَّ ممر سوتوغودا الضيق- وهو شق ضيق عميق بين المنحدرات المتدلية، التي تبعد مسافة أربعة ونصف أو خمسة أميال من كابريلي- هو في الواقع الطرف الأعلى من فال بيتورينا، الذي يتسلل هنا بين نتواءت من مونتي جودا ومونتي فوي. إنه ليس ضيقًا جدًا، أو مظلمًا جدًا، ولا عميقًا مثل بفيفرس أو ترينت؛ لكنه يذكر المرء بكليهما، ولكن وبسبب تدرجه المماثل فإنه أمر جيد للغاية وغريب بطريقته الخاصة. إنَّ ممر سوتوغودا الضيق مجرد صدع في الصخور الناتجة عن بعض الاختلاج الطبيعي ما بعد التاريخ، ويبدو الأمر واضحًا من الوهلة الأولى. حتى إنني كنت أتصور أنني أستطيع رؤية كيف أنه في بعض الأماكن قد يتم تركيب الجروف المتصدعة معًا مرة أخرى، مثل قطع ألغاز الطفل.
بالأحرى لا يتعدى طول الممر الضيق الذي يتأرجح جيئة وذهابًا مثل الثعبان النصف ميل متضمنًا الالتواءات. ضمن هذه المسافة القصيرة، يُقَطَعُ السيل الذي يتدفق عبره بواسطة سبعة عشر جسرًا من جذوع الصنوبر الخام. لكن الانعطافات والتعرجات مفاجئة جدًا لدرجة أنك لا تستطيع رؤية أكثر من اثنين من هذه الجسور في الوقت نفسه، وفي بعض الأحيان لا يتمكن المسافر الذي قطع أحد هذه الجسور من رؤية رفاقه في الجسر الذي تركه خلفه. يهدر سيل بقوة كبيرة، ويتردد صداه ويعاد مرة أخرى بطريقة تصم الآذان من خلال المنحدرات في كلا الجانبين. لا يزيد الممر الضيق في العديد من الأماكن عن اثني عشر قدمًا. وبتخمين تقريبي ربما يبلغ الارتفاع حوالي ستمائة أو سبعمائة قدم. وعلى كل حال، فالحجم ليس كبيرًا؛ لكن الضوء والظل يتسللان بشكل رائع في ساعات معينة، حيث يلقيان جانبًا واحدًا من البحر إلى أشعة الشمس اللامعة والأخر في ظلام عميق، مع تأثير لا يمكن الحصول عليه في بفيفرس أو ترينت.
رأينا أول مرة ممر سوتوغودا في فترة ما بعد الظهيرة عندما كانت الأضواء تتغير بشكل غريب وجميل، وبينما كانت جميع الأشجار والشجيرات العلوية، وجميع الطحالب الغنية الحمراء والبنية والذهبية على الصخور تتألق بواسطة قطرات المطر. نظرت نحونا امرأة تقف على جسر رقيق مكون من قطعة صنوبر واحدة عبر صدع من الصخور يبلغ ارتفاعه حوالي مائة قدم فوق رؤوسنا وهي تحيك، بينما كنا نتجول بين الجسور والمنحدرات. ابتسمت وتحدثت إلينا. لكن هدير الماء منعنا من سماع ما قالته. رأينا حركة شفتيها فقط. والآن جاء القليل من الماعز الأبيض ودفع رأسه إلى الأمام من وراء تنورتها، ونظروا أيضًا إلى الأسفل نحونا. كانت السماء الزرقاء والشجيرات الخضراء تدوران حولهم، وصنعوا صورة لا يمكن نسيانها قريبًا.
يرى معظم المسافرين ممر سوتوغودا من كابريلي؛ ولكنه يبدو أفضل كثيرًا من الجانب المطل على ممر فيدايا، وينبغي، إذا أمكن، أن يقوم المسافر بزيارة سوتوغودا أولًا من هذا الاتجاه. هؤلاء الذين لا يستطيعون تحمل مشقة عبور الممر، بإمكانهم الذهاب إلى سوتوغودا والعودة إلى كابريلي في حوالي ثلاث ساعات بواسطة البغال، أو في أربع ساعات سيرًا على الأقدام.
لكن الذهاب إلى ساسو دي رونشي يستغرق نصف يوم. إنه مكان غريب للغاية، وقد يدعي أحد الكُتَّاب أنه قد اكتشفه بشكل ما.
تجولت كالمعتاد قبل الفطور في الصباح الأول لوصولنا إلى كابريلي، واتخذت الطريق نحو أليغي، لاحظت مدخنة غريبة من الصخور تقف قبالة السماء، عاليًا فوق الحافة المنحدرة لمونتي ميغون، حوالي ألفي قدم فوق مستوى الوادي. تبدو من الأسفل وكأنها لا تمتلك سماكة تتناسب مع ارتفاعها وعرضها، وبدت مثل سكين ورقي ضخم مثبت بانتصاب على سرير من المروج الخضراء. هناك عدد قليل من الأشجار تقع عند سفح هذا الكائن الغريب. وبتقليصها، خلصت إلى أنها لا تتجاوز الـ 250 قدمًا من القاعدة إلى القمة. كنت قد خرجت في ذلك الصباح لرؤية سيفتا؛ ولكن، بعد إلقاء نظرة طويلة على تلك الملكة من حجر الدلوميت الجيري، جلست هناك على صخرة كبيرة تخترقها أشعة الشمس الحارقة، وبمساعدة المجهر رسمت ساسو دي رونشي.
منذ تلك اللحظة، تعذبني الرغبة في رؤيتها عن قرب أكثر. كانت هناك منازل، لذلك كان من العدل أن نخلص إلى أنه يجب أن يكون هناك أيضًا مسار يؤدي إلى المكان. ومما رأيته فلا بد أنَّ هناك اتجاهين على الأقل دون شك. ومع ذلك، لم يكن جوزيبي يعرف أي شيء عنها؛ ولم يسبق لأي شخص من بيزي أن كلف نفسه عناء الذهاب أبعد من روكا، أو لاستي، أو الصليب على حافة الهاوية في منتصف الطريق بين الاثنين، حيث يتم أخذ الغرباء لرؤية المنظر فوق سيفتا.
قالت السيدة الشابة بيتسي بازدراء: "لا يوجد شيء هناك، لا شيء سوى أحجار قديمة وزوج من البيوت الفقيرة!" لكن الحجارة القديمة كانت قد فتنت خيالنا. وفي صباح اليوم التالي أرسلنا في طلب كلمينتي والبغال، وبدأنا رحلتنا الاستكشافية.
يجب تقديم كلمينتي - كليمنتي والبغال. كليمنتي هو دليلنا في كابريلي. وهو إما ينتمي إلى البغال أو البغال تنتمي إليه؛ ومن المستحيل أن تعرف أي الأمرين أدق. أحد البغلين لونه أسود والآخر أبيض، وكلاهما يدعى نيسول؛ وهذا أمر محير. نيسول الجيد هو بغل إل. - وحش لطيف، ضعيف ولكنه صبور؛ يتوقف ويحدق في المناظر الطبيعية بطريقة تأملية؛ ولكنه عرضة للأفكار الغريبة وغير المريحة أحيانًا. بالأمس اعترض على الجسور، التي كان شكلها غريبًا في سوتوغودا بشكل خاص. واليوم يبدو أنه صار يمقت فجأة كل شيء أسود، وقد ألقى حدوته قبل خروجنا من القرية. نيسول الأسود أكبر وأقوى، وقد قُدِمَ إليَّ. إنه حيوان مكتفٍ ذاتيًا، ويفضل رأيه الخاص في ما يتعلق بالطرق والالتفافات من رأي راكبه. شهيته لا حدود لها، نهم ولا يشبع. فهو لا يسرق الذرة الصغيرة فقط على جانب الطريق والأزهار داخل أسوار الحديقة، ولكنه يأكل التوت السمّي وعظام الدجاج واللحاء وقشور البيض والبطاطس. حتى إنه كان ليأكل موسوعة بريتانيكا إذا وقعت بين يديه. إل وبغلها هما أفضل الأصدقاء في العالم، فهي تطعمه دائمًا السكر، ويتبعها كالكلب. بينما أنا وبغلي، على العكس، لم نصل أبدًا إلى شروط الحميمية. ربما يعرف أني أثقل وزنًا، ويقاومني وفقًا لذلك؛ ربما هو لا يحب مجتمع السيدات، ويفضل حمل حمولة نصف طن من القش والفحم، وهذا هو الشيء الذي تم تربيته للقيام به.
في كل المناسبات يرفض نيسول الأسود أن يجعل نفسه مقبولًا، لكنَّ البغلين يقومان بعملهما على نحو رائع، ويتسلقان المرتفعات مثل قطط في بعض الأحيان.
كليمنتي من سكان كابريلي، ويقيم مع أمه المسنة في منزل حجري كبير في وسط القرية. إنه صغير قصير، نشط، قوي وذو عينين سوداوين؛ وعصبي قليلًا، جاهز، مرح، دؤوب، ولديه الكثير من التعابير والإيماءات؛ بوجهه النزيه الذي يشبه كلب البلدغ، وعينيه الضاحكتين دائمًا. دائمًا يطوي سيقان بنطاله حول كاحليه؛ وهناك حفنة من ريش الديك في قبعته؛ وزجاجة معلقة فوق كتفه. من المستحيل أن تنظر إليه دون أن تتذكر المهرج في مسرحية الكريسماس. هذا هو كليمنتي؛ وكذلك التناظرات الجغرافية لجوزيبي، التي وصفتها منذ فترة طويلة. مع هذين الرجلين وهذين البغلين، ظللنا نسافر طوال فترة بقائنا بين جبال أحجار الدولميت الجيري.
تركنا صباح يوليو المشرق ذاك في ساسو دي رونشي، وبدأنا طريقنا أولًا في اتجاه روكا. ولكن الطريق مع ذلك تحول نحو أنقاض القصر البلدي القديم وتحرك إلى اليمين، واصطدم في الحال بالغابة التي تزين على هذا الجانب المنحدرات السفلية لجبل مونتي ميغون. وهكذا، في الظل البديل والشمس المشرقة، تهب الرياح وتتصاعد بقدر ما تتقاطع النظرة مع الحافة الدائرية للهاوية المفاجئة التي تواجه الجنوب. يمتد الجرف هنا نحو الوادي، ويبلغ امتداده ألف قدم أو أكثر؛ وقد أخبرنا كليمنتي كيف تم وضع الصليب هناك، ولكن السبب لم يكن تحديد الوجهة "للرجال الأجانب"، ولكن لإحياء ذكرى موت راعي الماعز الفقير الصغير الذي يبلغ من العمر أحد عشر عامًا فقط، والذي وخلال بحثه عن أحد الماعز سقط وتقطع إلى قطع قبل أن يصل إلى القاع.
المنظر من هنا جيد، بالنظر إلى الارتفاع المعتدل الذي نقف عليه. ترتفع سيفتا أمامنا، معروضة بشكل رائع؛ تقع خمسة وديان تحت أقدامنا؛ وتتلألأ أسقف كابريلي وروكا المستوية في أشعة الشمس الصباحية على بعد مئات الأقدام أسفلنا. تلمع الزاوية الخضراء المائلة للبحر من البحيرة إلى ما وراء المنحنى الأخير في وادي أليغي؛ بينما بين هذه النقطة وتلك تمتد أخشاب التنوب، المراعي ومنحدرات الذرة الصغيرة من مونتي بيزي.
ومن هنا، يتبدى طريق أفضل يتجه نحو الشمال في اتجاه لاستي، وهي قرية بيضاء صغيرة على حافة جبلية فوق الوادي، تتطلع مباشرة نحو بوخنشتاين. من هنا تظهر القلعة القديمة الرمادية على قاعدتها التي شكلها وادي إيراج ووادي أندروز الأخضر وجبال ممر تري ساسي؛ لكن السمة الرئيسية لرؤية المنظر في هذا الجانب هي "بيلمو" تمامًا كما أنَّ السمة الرئيسية للمنظر على الجانب الآخر هي "سيفتا". من خلال فجوة في الجبال نراها ترتفع بعظمة قبالة الأفق، وتبدو مثل قلعة عملاقة أكثر من أي وقت مضى. لقد أطلقت على سيفتا اسم "ملكة الدولميت". وهكذا، وبطريقة مماثلة، كنت أسمي بيلمو "الملك". فأحدهما مدينة جميلة ومتناظرة؛ والآخرى ضخمة وقوية. من الممكن ربط فكرة الهشاشة مع سيفتا لأنه بإمكاننا أن نتصور كيف أنَّ هذه الشاشة المتعامدة المتقنة مع الآلاف من الأعمدة النحيلة قد تتأرجح بفعل أي اختلاج كبير في الطبيعة؛ لكنْ بيلمو تبدو كما لو كانت متجذرة في قلب "العالم العظيم نفسه"، غير قابلة للتحريك، حتى يوم الاختلاج الأخير.
وبالنظر إلى بيلمو بالقرب من لاستي على مونتي ميجون، فإنها تبدو أروع ما رأت عيني.
من هذه النقطة تحركنا نحو منحدر مخضر يشبه حديقة إنجليزية، وعبرنا مسارًا آخر، حادًا وصخريًا وزاهيًا، وقد قادنا نحو الأكواخ التي رأيتها سابقًا عبر الوادي.
توقفت امرأة كانت تغسل مقلاة نحاسية في الينبوع، وتوقفت اثنتان أخريان تجمعان بذور الكتان الصفراء عند سفح التل، وحدقن فينا بتعجب.
صرخ الأطفال ودخلوا منازلهم، كما لو أننا عفاريت.
بقينا لبضع لحظات بجانب الينبوع لنملأ قوارير المياه ولندع البغال تشرب.
"أسبق أن رأيتِ سيدات في هذا المكان؟" ضحك كليمنتي.
"أبدًا!" قالت إحدى النساء وهي تحرك يدها بشكل قاطع. "أبدًا! فلم سيأتون إلى هنا؟"
شرحنا لهم أنَّ هدفنا هو أن نرسم ساسو من هناك.
"ساسو!" كررت متشككة؛ "ساسو!"
من الواضح أنها ظنتنا مجانين تمامًا.
منعطف حاد آخر، والتفافة أخرى، ومن ثم بدت الصخرة الكبيرة التي تشبه السكين الورقية كالشاهد القائم المنعزل فوق رؤوسنا.
إنها تبدو أضخم حتى مما تصورت - أكبر وأنحف؛ ولكن عديمة الشكل أكثر وغير مثيرة للاهتمام. من المذهل أنَّ الرياح لم تدمرها فورًا؛ ولكن رغم ذلك فلديها ذاك التأثير من الأسفل.
قالت إل بلهجة محبطة، "ألا تعتقدين أننا تكبدنا الكثير من العناء دون فائدة؟"
لم أكن لأعترف بهذ الأمر علانية، لكنني كنت أفكر في الأمر نفسه لبضع دقائق. لكنني تقدمت على كل حال والتففت عبر منعظف آخر، ووصلت إلى القمة، لأرى فجأة وبشكل غير متوقع أكثر مشهد رائع واستثنائي - مشهد جبل تملأه الأنقاض.
يتغير مظهر ساسو بشكل كامل عند مشاهدته من الأمام. وخلف التلال التي يقف عليها ساسو رأينا مدرجًا ضخمًا دائريًا، مثل فوهة بركان خامد، تتناثر فيه صخور متصدعة وتسقط الرواسب وشظايا الصخور الهائلة إلى أسفل؛ والذي يبدو بحجم برج الساعة في وستمنستر. كل صخرة مكدسة خلف الآخرى في ارتباك غريب؛ وكلها منحنية لحفظ إبرة ضخمة تقف منتصبة في وسط الدائرة، مثل جبل جليدي تحول إلى حجر.
ما هي طبيعة هذه الكارثة العظيمة، ومتى حدثت؟ لا يمكن أن يكون انهيارًا جليديًا؛ لأنَّ المنحدرات الجبلية في الأعلى كلها عشبية، وقمة مونتي ميغون هي مساحة من المراعي. لم يكن من الممكن أن يكون انفجارًا لأنَّ هذه القطع هي من حجر الدولميت الجيري النقي، والدولميت ليس حجرًا بركانيًا كما هو معروف لدينا الآن. لم أستطع أن أشكل أي فكرة حتى عن سبب هذا الخراب العظيم، لا أستطيع إلا أن أقول إنه يبدو تمامًا كما لو أنَّ بركانًا قد انفجر تحت قمة الدولوميت وقسمه إلى ألف جزء، مثل لغم.
وقفت قمة ساسو دي رونشي كجندي وحيد هنا، وبدا أنَّ طولها يبلغ أكثر من خمسة وعشرين قدمًا فوق مستوى قاعدة العشب. وبرؤيته من هذا المكان يصعب على المرء أن يصدق أنه ساسو دي رونشي نفسه الذي كنا نتطلع عليه من الأسفل. بدا وكأنه مجرد كتلة صخيرة، أو قمة مستدقة، نحيل وغير مكافئ لارتفاعه، ومنحنٍ في الأعلى، كما لو كان على استعداد فقط للالتفاف. قام شخص ما بمقارنة ماترهورن برأس وعنق حصان حرب تربى خلف وادي زيرمات. لذلك يمكن مقارنة ساسو دي رونشي من هذه النقطة برأس وعنق زرافة. بالوقوف على حافته الحادة - كل الهاوية أدناه، كل السماء فوقه، والأفق البعيد للقمم المتعرجة - تجعله بريًا وغريبًا موضوعا أكثر من أي لوحة حاولت أن أرسمها من قبل!
وهكذا مر الصباح. ارتحنا في ساسو عند الظهيرة لنأكل غداءنا المكون من الخبز والبيض المسلوق؛ ومن ثم بعد أن أكملنا استراحتنا حزمنا امتعتنا واستعددنا للعودة إلى المنزل. لم يمر وقت طويل قبل أن نتوقف مجددًا - هذه المرة في وسط فسحة جميلة مطلة على المنازل الريفية. كانت الأعشاب محاطة بإطار من العشب المخملي، الأكواخ وشجر الأركس، وتظهر القمم الصخرية لمونتي بينا ولا يفصلها عنا سوى هاوية فال بيتورينا فقط. بدا المشهد كلوحة جاهزة وكان عليّ رسمه على الفور.
"لا بد أنَّ هناك مشهدًا رائعًا في القمة"، قلت وأنا أقوم بخلط مزيج من الألوان، دون أن أخاطب أي أحد على وجه الخصوص.
ومن ثم قال كلمينتي بخفة:
"هل تود السيدة أن تصعد أولًا؟"
"أصعد أولًا"، كررت بشكل غامض، بينما أضيف قطرة تليينية من اللون البني، ليتحول الخليط بأكمله إلى اللون الرمادي اللؤلؤي الرقيق. "ماذا تعني؟"
"أقصد، هل تود السيدة أن تكون أول من يصعد قمة ساسو بيانكو؟"
قالت إل بعدما صارت مهتمة بالمحادثة، "ساسو بيانكو، إين هو ساسو بيانكو؟"
أشار كلمينتي إلى لوحتي ومن ثم إلى القمة قبالتنا. فقلت، "ولكن هذا مونتي بيزا!"
"عذرًا سيدتي، ولكن ساسو بيانكو هو قمة جبل ساسو بيزا. لم يصل أي مسافر إلى هناك أبدًا. إنه لأمر جديد - جديد – جديد!"
تسألت بتشكك، "كيف يمكن أن يكون أمرًا جديدًا؟ فهذا ليس جبلًا عاليًا جدًا".
"عذرًا مرة أخرى يا سيدتي، إنه ليس أعلى جبل، ولكنه جبلٌ عالٍ بالنسبة للجبال الأخرى. إنه أعلى من جبال فريسكلي، فرينزا وميغون".
"إنه أقل علوًا بكثير من جبل سيفتا، وقد تسلق المسافرون جبل سيفتا مرات كثيرة من قبل. إذن لم لم يتسلق أحد ساسو بيانكو حتى الآن؟"
أجاب كليمنتي، "لأنَّ ساسو بيانكو صعب للغاية بالنسبة للمسافرين العاديين يا سيدتي، وليس صعبًا بما فيه الكفاية بالنسبة للمحاربين، فالتوكيت، والويتويلس لا يهتمون بمدى صعوبة الجبل وبإمكانهم ابتلاعه في لقمة واحدة بأكمله".
بدا هذا منطقيًا. وبدأت أنظر إلى جبلي بمزيد من الاحترام، وبذلت مجهودًا أكبر في الرسم. في الوقت نفسه تجرأت على تذكير كلمينتي بأنني وإل. مجرد "مسافرتين عاديتين"، ولذلك ربما وجدنا ساسو بيانكو شديد الصعوبة بحيث لن نتمكن من ابتلاعه على عدة لقمات حتى. لكنه لم ينظر إلى هذا السؤال لبرهة حتى. إذا اخترنا أن نفعل ذلك، فعلينا فقط أن نقول ذلك، وسوف يتعهد بإيصال السيدات إلى "بوليتو".
انتهيت من الرسم بحلول ذلك الوقت، ونزلنا إلى الأسفل، بينما ظللنا نتحدث دائمًا عن ساسو بيانكو. إنَّ كليمنتي متلهف لكي نحقق شرف "الصعود الأول"، ودافع عن الأمر بكل فصاحته. كان جوزيبي حريصًا على ألا نحاول شيئًا يفوق قوتنا؛ وقد طرح سؤالًا هنا وهناك؛ واحتفظ برأيه. وفقًا لكليمنتي، لا شيء يمكن أن يكون أفضل من المشهد أو أسهل من الصعود؛ ولكنه اعترف بعد ذلك بأنه نفسه لم يصعد أعلى من المرتفعات العليا، ولم ير المشهد الذي يثني عليه كثيرًا. لكنه تقدم بعيدًا بما فيه الكفاية لاستكشاف الأرض؛ كان يعلم أنه يمكننا بالتأكيد التقدم حتى آخر مجموعة من الأكواخ؛ وهو متأكد أنَّ المشي إلى القمة لا يمكن أن يكون صعبًا.
على العموم، يبدو الأمر مغريًا. ومع ذلك، فقد وضعنا خططنا بالفعل على طول الرحلة التي ستبدأ، إذا سمح الطقس بذلك غدًا. لذا فإنَّ موضوع ساسو بيانكو، بعد أن تمت مناقشته فقد تم رفضه. تم رفضه ولكن لم يتم إلغاؤه. هذه الكلمات "الصعود الأول" هي كلمات "قبلانية"، وهي تطارد الذاكرة بشكل غريب. لقد استثمروا مونتي بيزا باهتمام خاص وغريب؛ بحيث لم يعد مثل الجبال الأخرى، ولكن يبدو وكأنَّ هناك هالة حول قمته.
يجب ألا أنسى الفلاح المسن الذي التقينا به على مسافة ليست بعيدة عن الصليب، بينما نزلنا بعد ظهر ذلك اليوم. كان رجلًا عجوزًا، لايزال وسيمًا، يرتدي بذلة جديدة من الصوف ومن الواضح أنها منفذة بشكل جيد. كان يجلس على جانب الطريق. وكانت هناك سلة وعصا طويلة موضوعتان بجانبه. عندما اقتربنا، نهض وانحنى؛ ولأننا كنا نسير على أقدامنا (بينما الرجال والبغال يتابعون عن بعد) توقفنا للتحدث معه. بالطبع، سألنا على الفور أين كنا، وأين نحن ذاهبتان. هذه هي الأسئلة الثابتة. أخبرته أننا كنا في ساسو دي رونشي.
"ذهبتم إلى ساسو!" كرر، "أه ذهبتم إلى ساسو! هل رأيتم أنقاض القلعة هناك؟"
أجبته أننا لم نكن نعرف أنَّ هناك أنقاض قلعة، لذلك لم نكن ننظر إليها على وجه الخصوص.
قال، "لو لم تعرفي أين تبحثين عنها فلن تلاحظيها أبدًا. لكنها هناك. لقد رأيتها بنفسي عدة مرات، عندما كنت أصغر سنًا وكنت أستطيع التسلق مثلكٍ".
"هل تعرف لمن تعود القلعة؟"
"نعم، نعم، أعتقد ذلك! لو أحبت السيدات أن يجلسن قليلًا، فسوف أطلعهن على الأمر بأكلمه".
بهذا استأنف جلسته على الضفة المعشبة، مسح جبينه بمنديله، وتحدث بينما يتصاعد صوت الهواء الذي اعتادنا على سماعه.
أخبرنا أنَّ القلعة بنيت بواسطة فيسكونتي، أحد أمراء عائلة فيسكونتي القساة من ميلانو. لقد بنوها في نهاية القرن الرابع عشر، لحماية "استقلال " روكا، التي كانوا يمارسون السيادة عليها. ولكن عندما انتهى حكم "فيسكونتي"، خشيت بلدية "برافا" أن يحتل نبلاء بيلونو هذه القلعة لدمار الشعب وقاموا بتدميرها، تاركين حجرًا واحدًا يقف على حجر آخر. كان هذا قبل أربعة أو خمسة قرون مضت. ثم قام نبلاء بيلونو ببناء قلعة أندراز أعلى وادي بوخنشتاين، وأصبحوا يرعبون البلاد كلها. هل رأيتن أيتها السيدات قلعة أندراز؟ آه، حسنًا، فهذه القلعة تدمرت أيضًا - فقد دمرها الفرنسيون في عام 1866، وفقًا للمعاهدة الدولية. أما بالنسبة لقلعة أنتيكو في ساسو، فإنها تبدو مثل شجرة قديمة تم قطع جذعها، وبقيت جذورها فقط.
لم يبق منه شيء سوى الأسس. كونها مبنية من الصخر، بدت أشبه بالصخرة التي قد تمر عليها مائة مرة دون أن تلاحظها. وقال إنَّ الكثير من الناس الآن لا يعرفون أين يجب عليهم البحث عن تلك الأنقاض. اعتاد الفلاحون في شبابهم على الصعود والحفر هناك بحثًا عن كنز مخفي. لكنهم كانوا يبعدون دائمًا بواسطة الشياطين. كانت الأنقاض مليئة بالشياطين تحت الأرض، في الأبراج المحصنة تحت الأرض، والمداخل التي فقدت الآن. كانوا معتادين على الظهور في شكل ثعابين، وأثاروا عواصف رهيبة من الرياح والرعد لطرد أولئك الذين سعوا لاكتشاف أسرار الأنقاض. هل سبق أن رأيت الشياطين بنفسك؟ لا، لم يستطع أن يقول إنه رآهم؛ لأنه لم يحاول أبدًا إغضاب الشيطان عن طريق الذهاب للبحث عن الكنز؛ لكنه رأى وسمع العاصفة التي كانت تدور هناك حول قمة الجبل مرارًا وتكرارًا، عندما يكون الطقس لطيفًا في الوادي. وكان يعرف رجلًا صعد في منتصف الليل عشية عيد ميلاد القديس جيوفاني، ليحفر في مكان معين حلم بأنَّ فيه ذهبًا مدفونًا؛ عندما حفر حفرة عميقة، خبطت مجرفته في وعاء فخاري، واعتقد أنه وجد ثروته؛ لكن عندما رفع الغطاء عن القدر، خرجت خمسة أفاعٍ سوداء صغيرة، ليست أكبر من حجم الإصبع.
وفي تلك اللحظة بعد أن خابت آماله وأصابه الخوف على حد سواء، حمل مجرفته وقطع واحدة من هذه الثعابين الصغيرة إلى نصفين. وفي لحظة واحدة، كانت الحفرة التي حفرها مليئة بالثعابين - كبيرة، سوداء، سامة، متعرجة، ثعابين مهسهسة، الآلاف والآلاف منها، كلها تتدفق نحوه في حشد بشع، حتى إنه اضطر للركض بأقصى سرعة للنجاة بحياته، ونجا من الموت بمعجزة!
سألت عندما توقف الرجل العجوز عند الانتهاء من قصة لأخذ نفسٍ عميق، "ولكن ألم يتم العثور على أي شيء في الأنقاض؟"
فأجاب، "لا شيء سوى القمامة سيدتي. عدد قليل من العملات الصغيرة - صندوق صدئ أو اثنان - بعض بقايا الدروع - لا شيء أكثر!"
كان سيتحدث لمدة ساعة إذا كان بإمكاننا البقاء للاستماع إليه. لكننا كنا على عجل، وتمنينا له يومًا سعيدًا. فقام مرة أخرى، وخلع قبعته، وتمنى لنا بطرافة، "صحة جيدة، رحلة سعيدة، عودة آمنة، وبركة الرب".
أمضينا ما تبقى من بعد ظهر ذلك اليوم في تحديد طريقنا على الخريطة؛ تفريغ واختيار المؤن؛ والسعي لحل مشكلة وضع محتويات حقيبة سفر كبيرة في حقيبة سوداء صغيرة، لأنَّ أيام الكاريتات، عربات اللندو، والطرق التي تتحرك فيها عربات النقل قد انتهت. من الآن فصاعدا ستقع طرقنا بين الطرق الجبلية والطرق غير المتكلسة التي تتحرك فيها البغال فقط، ويجب أن نبدأ غدًا في رحلة استكشافية لمدة عشرة أيام على الأقل حيث يمكن لكل منا حمل حقيبة صغيرة واحدة. كان على جوزيبي حمل كراسات الرسم، وكليمنتي سلة المؤن. بهذا الترتيب كان علينا أن نبدأ بجولة طويلة من شونشنيجي وأغواردو، ثم الذهاب إلى بريمايكرو، بانيفيجيو وبريدازو، والعودة إلى المنزل عن طريق كامبيديلو مرورًا بفيدايا. تركنا خادمة إل. لتكون مسؤولة عن الغرف في تلك الأثناء، تحت رعاية بيتسي.
_________________________
بتكليف ورعاية من الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، وبدافع من حب المعرفة والسعي لنشرها قامت القرية الإلكترونية بتوفير هذه النسخة من الكتاب
وسوف نقوم بنشرها على حلقات تباعاً هنا في جوجل بلس نأمل أن تحوز إعجابكم وأن تكون مساهمة في #نشر_المعرفة
صفحتنا الرسمية في فيس بوك :
منصتنا في جوجل بلس لمتابعة باقي مشروعاتنا
https://plus.google.com/+HisExcellencyMohammedAhmedAlSuwaidi?hl=ar
(جميع الحقوق محفوظة)
قمم غير موطوءة وأودية غير مطروقة
الباب الثامن- في كابريلي
تأليف:إيمليا إدواردز
ترجمة: سماح جعفر
------
يصعب إرضاء الناس الطيبين في كابريلي في ما يخص مسألة الطقس. ظلت أجراس الكنيسة ترن طوال الليل، وخرج السكان في صباح اليوم التالي في موكب رسمي في الخامسة صباحًا ليطالبوا بحماية العذراء من العواصف. انسحبت الغيوم وفقًا لذلك، وتبع العاصفة في اليوم التالي صباحٌ استثنائي. لكن في منتصف النهار، تشكل الموكب مرة أخرى، بشكل احتفالي أكثر من ذي قبل - أتى فلاح حافي القدمين طويل القامة في رداء كهنوتي أولًا؛ وهو يحمل صليبًا خشبيًا ضخمًا؛ ثم كاهن بدين يرتدي قبعته ويترنم بالصلوات؛ ثم ولدان صغيران متسخان يرتديان قبعتين حمراوين ويحملان مشاعل مطفأة في أوتاد؛ في النهاية، كان عدد كبير من سكان البلاد يسيرون في مجموعات مكونة من شخصين، الرجال أولًا، وتليهم النساء، ومن ثم الأطفال، كلهم يمسكون قبعاتهم في أيديهم وكلهم يهتفون. التفوا بهذا الترتيب ببطء حول القرية، ابتداء من مقاطعة سان ماركو.
التفت وسألت فلاحًا ذا مظهر لائق كان يغسل عربته تحت القنطرة، "ما هو سبب الموكب الآن؟"
فأجابني قائلًا، "إنهم يذهبون إلى الكنيسة للصلاة من أجل المطر سيدتي"، وخلع قبعته أثناء مرور الموكب.
قلت، "لكنها أمطرت بالأمس، وقد كنتم جميعًا تصلون صباح اليوم من أجل طقس جيد".
قال الفلاح برزانة، "لا يا سيدتي؛ لقد كنا نصلي هذا الصباح ضد الرعد والبرق، وليس المطر".
"أوه، فهمت، أنتم تريدون المطر، لكنكم تفضلونه دون رعد".
"نعم، سيدتي. نريد المطر بشدة. لقد كنا نصلي لتوقف الجفاف طوال الأيام العشر الماضية".
قلت، "لكن يبدو لي أنكم كنتم ستستهلكوا وقتًا أقل إذا طلبتم من المادونا أن تجعل الرياح تهب نحو الجنوب الغربي وأن ترسل ثماني وأربعين ساعة من المطر المطرد على الفور، بدلًا من الصلاة ضد الرعد، البرق، والجفاف.
نظر الرجل نحوي مذهولًا.
قال معتذرًا، "ربما كنت محقة سيدتي".
"سوف يحل لنا الكاهن الأمر كله - فهو يعرف أكثر".
بدا الفلاح المسكين متواضعًا وجادًا لدرجة أني ابتعدت، وشعرت بالخجل من طيشي.
بعد ذلك، صار الطقس غير مستقر لعدة أيام، حيث كان جيدًا في الصباح وعاصفًا في الليل. ولأنَّ الحال استمر بهذا الشكل، فقد جاء الموكب بشكل منتظم مرتين في اليوم، للاحتجاج على العاصفة أو أشعة الشمس، وفقًا لحالة الجو سواء كانت رطبة أو جيدة.
في هذه الأثناء، لا بد أن قارعي الأجراس قد واجهوا صعوبة بسبب ذلك - لأنَّ قرع الأجراس الذي كان يسبب لنا الكثير من عدم الارتياح، كان مرضيًا لشعب كابريلي - كانت الأجراس تقرع كل ليلة تقريبًا. اعتقد الفقراء أنَّ هذا الطقس يطرد الأرواح الشريرة للعاصفة؛ في حين ظن البعض الآخر أنها تسبب نوعًا من الحركة الموجية في الهواء، وبذلك تكسر استمرارية السوائل الكهربائية. من كان يتوقع أن تكون هذه الخرافات المتفجرة سارية في أي ركن من أركان أوروبا حتى الآن؟ كان الأمر يشبه الانتقال مرة أخرى إلى العصور الوسطى.
أن تكون محاطًا بالطقس السيء في كابريلي لبضعة أيام هو أسوأ مصير قد يصيب المسافر في هذه الأجزاء على الإطلاق. المكان مليء بأماكن تنزه مبهجة، ويمكنك التمتع برؤيتها كلها بين المطر السابق والتالي؛ من الغابات والوديان والمراعي الغنية بالأزهار البرية؛ التلال الجيدة لأولئك الذين يحبون التسلق؛ الأشكال الظلية للطالب؛ سمك السلمون المرقط للصياد؛ ونبات السرخس لعلماء النبات. في وادٍ صغير جميل بين نباتات الشوح والأركان المطحلبة للصخور، التي لا تبعد أكثر من ربع ميل من القرية، ستجد عينات من السراخس الرقيقة، السراخس الكثبانية، السراخس الجرداء، والعديد من أنواع البَرشاوشان الشُعَيْري الزُهري. وبالنسبة لمسألة الرسم، فإنَّ المواضيع تتبدى للمرء في كل منعطف من المسار.
ولا أحد، كما هو الحال في الكثير من قرى وأودية أحجار الدلوميت الجيرية، يدفع عقوبة المجاعة في مقابل كل هذه الملذات. الطعام جيد تمامًا، وطهي مدام بيتسي لا يمكن الاعتراض عليه. لحم البقر، المغمس في القرفة، هو موضع ترحيب بعد مدة طويلة ومليئة بتناول لحم العجل. سمك السلمون المرقط من وادي أليغي ممتاز؛ الخبز، الفراولة البرية، وقشدة الجبل الغنية كلها لذيذة جدًا؛ وحتى الخضار جيدٌ جدًا.
ثم، إلى جانب المشي والسراخس والرسم، فإنَّ كابريلي - مثل كل مكان إيطالي تقريبًا - لها خصائصها الخاصة؛ عجائبها المحلية؛ جذرها الصغير في تاريخ العصور الوسطى؛ وهذه هي الأشياء لا يمكن رؤيتها إلا إذا تسكع المرء لبضعة أيام، وتحدث إلى الناس، وكون صداقات مع الكاهن، واقترض كل الكتب القديمة في المكان. وبهذه الطريقة، نلقي الضوء على بضع نبذات غريبة من الحقيقة مثيرة للاهتمام أكثر من أن تروى.
وهكذا عرفنا أنه كان هناك مناجم كبيرة من الحديد سابقًا في كول دي سانتا لوسيا؛ وأنَّ كلًا من وادي أليغي ومدينة كابريلي كانتا مشهورتين بالحدادين وصانعي الأسلحة المهرة؛ وأنهم كانوا يصدرون السكاكين والسيوف إلى فينيسيا. وأنَّ مقبض الباب البرونزي القديم الرائع الذي كان في شكل حورية البحر، والمطرقة الملتوية المكونة من قطعة واحدة صلبة التي أعجبت بها كثيرًا يوم أمس على باب البيت الحجري المتداعي في الطرف الأبعد للقرية، ربما جاءت من بعض أشجار السندان المدفونة الآن في قاع البحيرة. يقولون إنه كان هناك أربعون منجمًا في الماضي في إقليم بيلونو، لكن لا يوجد الآن سوى أربعة منها.
كان الاسم القديم لكابريلي هو مقاطعة غبريال. لم أتمكن من إيجاد أي نقوش أو جرار أو فسيفساء قد عُثِر عليها هنا، كالتي وجدتها في لونجارون وكاستل لافازو؛ لذلك يبدو الاسم اللاتيني القديم هو البقايا الرومانية الوحيدة المتبقية من منتصف القرن الخامس عشر. وحد رجال كابريل وكادور قواهم السياسية، ووضعوا أنفسهم تحت حماية فينيسيا؛ عندها عينتهم الجمهورية حكامًا بلقب القائد العام. كان واحد من هؤلاء القادة هو من نصب عمود القديس مرقس هناك، في أقصى نهاية القرية. في ذلك الوقت كانت كابريلي مركزًا تجاريًا مزدهرًا، والبلدية الرئيسية في هذه الوديان.
من بين عجائب المكان الطبيعية، يرشدونك إلى وجود ثقب صغير في واجهة صخرة مجاورة، ويخبرونك أنه فَم الربيع الذي يتم تخصيبه بالهيدروجين الكبريت، والذي كان يجلب الكثير من المكاسب في السابق، وأصبح مهجورًا الآن. سمعنا أيضًا عن الاكتشاف الأخير لأحجار المرمر في مكان يسمى ديجونيرا، وهو بعيدٌ قليلًا عن الوادي، ويقال إنه متساوٍ في الجودة مع أفضل أحجار المرمر في توسكانا.
ثم، أيضًا هناك لهجة محلية استثنائية مجلوبة من اللغة الفرنسية في الريف بين فينيسيا والنمسا. تقريبًا كل "كومونه" منفصلة صغيرة في هذه الأجزاء لديها قواعدها اللغوية الخاصة بها؛ ولا شك في أنَّ بروفيسور متحمّس مثل ماكس مييلر، من خلال تحليل مقارن لهذه اللهجات المحلية التي تصل إلى مائة وواحد، سيستخلص كل الخصائص الفيلولوجية المثيرة للاهتمام.
ومع ذلك، فإنَّ تاريخ روكا أكثر إثارة للاهتمام من أي حقيقة لها علاقة بـكابريلي - وهي قرية صغيرة تقع على تلة أمام فوهة فال بيتورينا وتواجه الوجه الشمالي المتعرج لمونتي بيزا. هذا المكان الصغير عُرف في العصور الوسطى باسم روكا دي بيتور، أو روكابرونا، إن لم يكن بالمعنى الدقيق لكلمة الجمهورية، فقد كان محكومًا ذاتيًا في جميع الأوقات؛ وقدم ولاءً اسميًا فقط لشماسة كابوديستريا، وتمتع بحصانة خاصة من الضرائب، الرسوم أو الخدمة الشخصية هذا المجتمع الصغير المثير للاهتمام، يتكون من أربعين عائلة، ورجالهم جميعًا تقريبًا من المحاربين، الذين كانو مكلفين في عام 1389 للاعتراف بسلطة فيسكونتي، التي وضعتهم تحت سلطة البيلونيين. مع ذلك، لم تكن روكا لتتنازل عن حرياتها العزيزة، ونصت على أنَّ جميع مواد نظامها الأساسي يجب أن تحترم. إنَّ النسخة الأصلية من هذه الوثيقة الرائعة، التي تم إدراجها في ستة وستين بندًا ومسجلة في بيلونو في عام 1418، أصبحت الآن بحوزة السيدة بيتسي من كابريلي. وعندما حاول فيسكونتي فرض ضريبة على أعمالهم الحديدية، تمرد رجال روكا؛ ولاحقًا في 1659 بعد الميلاد، أصبحوا خاضعين للفينيسين وتمسكوا بامتيازاتهم بشكل مطلق، وأرسلوا سفيرًا في مجلس الشيوخ ليذكروهم بؤلائهم الاستثنائي وكيف أنهم، "بسبب أنَّ بلدتهم تقع على الحدود ومعرّضة لهجمات الأعداء خارج الحدود، فإنَّ شعب روكا قد خضع في جميع الأوقات لاختبار وطنيته بدمه، وحافظ على سلامة تلك الامتيازات التي كانت بالنسبة لهم أغلى من بؤبؤ أعينهم".
هذه الدولة الحرة الصغيرة، الأصغر من مارينا أو أندورا، فقدت في النهاية استقلالها عندما تم التنازل عنها للنمساويين مع بقية لومباردو-فينيتيا في عام 1814. وهي الآن تصنف كأبرشية عادية في مقاطعة بيلونو؛ اختفت قلعتها؛ ولم يتبق منها سوى أربعة جدران من البناء الخشن في مرج أخضر عند سفح التل على الجانب القادم من كابريلي، كتذكرة على موقع قصر البلدية السابق. إنه لأمر سيء أن ينتهي الجملون إلى دمار، ويصبح شبيهًا بقشرة كنيسة صغيرة.
لدى روكا رسامها الشهير دومينيكو دي بياسيو الذي يعد ضمن امتيازاتها المحلية، والذي من المفترض أن تكون أعماله ذات جدارة؛ بينما تحتفي كابريلي بالأب برنابا من الرهبنة الكَبّوشية، الذي اشتهر ببلاغة عظاته، التي نشرت في بولينو. لم أرَ اللوحات ولم أقرأ العظات بعد، لذلك لا أستطيع التحدث عن عظمة أي منهما.
ومع ذلك، فإنَّ اثنين من العجائب الطبيعية الرائعة حقًا في المكان، هما ممر سوتوغودا الضيق وساسو دي رونشي. يتم أخذ كل زائر يأتي إلى كابريلي إلى ممر سوتوغودا الضيق: أعتقد أننا كنا أول مسافرين يتكبدون عناء الصعود لرؤية المكان الثاني.
إنَّ ممر سوتوغودا الضيق- وهو شق ضيق عميق بين المنحدرات المتدلية، التي تبعد مسافة أربعة ونصف أو خمسة أميال من كابريلي- هو في الواقع الطرف الأعلى من فال بيتورينا، الذي يتسلل هنا بين نتواءت من مونتي جودا ومونتي فوي. إنه ليس ضيقًا جدًا، أو مظلمًا جدًا، ولا عميقًا مثل بفيفرس أو ترينت؛ لكنه يذكر المرء بكليهما، ولكن وبسبب تدرجه المماثل فإنه أمر جيد للغاية وغريب بطريقته الخاصة. إنَّ ممر سوتوغودا الضيق مجرد صدع في الصخور الناتجة عن بعض الاختلاج الطبيعي ما بعد التاريخ، ويبدو الأمر واضحًا من الوهلة الأولى. حتى إنني كنت أتصور أنني أستطيع رؤية كيف أنه في بعض الأماكن قد يتم تركيب الجروف المتصدعة معًا مرة أخرى، مثل قطع ألغاز الطفل.
بالأحرى لا يتعدى طول الممر الضيق الذي يتأرجح جيئة وذهابًا مثل الثعبان النصف ميل متضمنًا الالتواءات. ضمن هذه المسافة القصيرة، يُقَطَعُ السيل الذي يتدفق عبره بواسطة سبعة عشر جسرًا من جذوع الصنوبر الخام. لكن الانعطافات والتعرجات مفاجئة جدًا لدرجة أنك لا تستطيع رؤية أكثر من اثنين من هذه الجسور في الوقت نفسه، وفي بعض الأحيان لا يتمكن المسافر الذي قطع أحد هذه الجسور من رؤية رفاقه في الجسر الذي تركه خلفه. يهدر سيل بقوة كبيرة، ويتردد صداه ويعاد مرة أخرى بطريقة تصم الآذان من خلال المنحدرات في كلا الجانبين. لا يزيد الممر الضيق في العديد من الأماكن عن اثني عشر قدمًا. وبتخمين تقريبي ربما يبلغ الارتفاع حوالي ستمائة أو سبعمائة قدم. وعلى كل حال، فالحجم ليس كبيرًا؛ لكن الضوء والظل يتسللان بشكل رائع في ساعات معينة، حيث يلقيان جانبًا واحدًا من البحر إلى أشعة الشمس اللامعة والأخر في ظلام عميق، مع تأثير لا يمكن الحصول عليه في بفيفرس أو ترينت.
رأينا أول مرة ممر سوتوغودا في فترة ما بعد الظهيرة عندما كانت الأضواء تتغير بشكل غريب وجميل، وبينما كانت جميع الأشجار والشجيرات العلوية، وجميع الطحالب الغنية الحمراء والبنية والذهبية على الصخور تتألق بواسطة قطرات المطر. نظرت نحونا امرأة تقف على جسر رقيق مكون من قطعة صنوبر واحدة عبر صدع من الصخور يبلغ ارتفاعه حوالي مائة قدم فوق رؤوسنا وهي تحيك، بينما كنا نتجول بين الجسور والمنحدرات. ابتسمت وتحدثت إلينا. لكن هدير الماء منعنا من سماع ما قالته. رأينا حركة شفتيها فقط. والآن جاء القليل من الماعز الأبيض ودفع رأسه إلى الأمام من وراء تنورتها، ونظروا أيضًا إلى الأسفل نحونا. كانت السماء الزرقاء والشجيرات الخضراء تدوران حولهم، وصنعوا صورة لا يمكن نسيانها قريبًا.
يرى معظم المسافرين ممر سوتوغودا من كابريلي؛ ولكنه يبدو أفضل كثيرًا من الجانب المطل على ممر فيدايا، وينبغي، إذا أمكن، أن يقوم المسافر بزيارة سوتوغودا أولًا من هذا الاتجاه. هؤلاء الذين لا يستطيعون تحمل مشقة عبور الممر، بإمكانهم الذهاب إلى سوتوغودا والعودة إلى كابريلي في حوالي ثلاث ساعات بواسطة البغال، أو في أربع ساعات سيرًا على الأقدام.
لكن الذهاب إلى ساسو دي رونشي يستغرق نصف يوم. إنه مكان غريب للغاية، وقد يدعي أحد الكُتَّاب أنه قد اكتشفه بشكل ما.
تجولت كالمعتاد قبل الفطور في الصباح الأول لوصولنا إلى كابريلي، واتخذت الطريق نحو أليغي، لاحظت مدخنة غريبة من الصخور تقف قبالة السماء، عاليًا فوق الحافة المنحدرة لمونتي ميغون، حوالي ألفي قدم فوق مستوى الوادي. تبدو من الأسفل وكأنها لا تمتلك سماكة تتناسب مع ارتفاعها وعرضها، وبدت مثل سكين ورقي ضخم مثبت بانتصاب على سرير من المروج الخضراء. هناك عدد قليل من الأشجار تقع عند سفح هذا الكائن الغريب. وبتقليصها، خلصت إلى أنها لا تتجاوز الـ 250 قدمًا من القاعدة إلى القمة. كنت قد خرجت في ذلك الصباح لرؤية سيفتا؛ ولكن، بعد إلقاء نظرة طويلة على تلك الملكة من حجر الدلوميت الجيري، جلست هناك على صخرة كبيرة تخترقها أشعة الشمس الحارقة، وبمساعدة المجهر رسمت ساسو دي رونشي.
منذ تلك اللحظة، تعذبني الرغبة في رؤيتها عن قرب أكثر. كانت هناك منازل، لذلك كان من العدل أن نخلص إلى أنه يجب أن يكون هناك أيضًا مسار يؤدي إلى المكان. ومما رأيته فلا بد أنَّ هناك اتجاهين على الأقل دون شك. ومع ذلك، لم يكن جوزيبي يعرف أي شيء عنها؛ ولم يسبق لأي شخص من بيزي أن كلف نفسه عناء الذهاب أبعد من روكا، أو لاستي، أو الصليب على حافة الهاوية في منتصف الطريق بين الاثنين، حيث يتم أخذ الغرباء لرؤية المنظر فوق سيفتا.
قالت السيدة الشابة بيتسي بازدراء: "لا يوجد شيء هناك، لا شيء سوى أحجار قديمة وزوج من البيوت الفقيرة!" لكن الحجارة القديمة كانت قد فتنت خيالنا. وفي صباح اليوم التالي أرسلنا في طلب كلمينتي والبغال، وبدأنا رحلتنا الاستكشافية.
يجب تقديم كلمينتي - كليمنتي والبغال. كليمنتي هو دليلنا في كابريلي. وهو إما ينتمي إلى البغال أو البغال تنتمي إليه؛ ومن المستحيل أن تعرف أي الأمرين أدق. أحد البغلين لونه أسود والآخر أبيض، وكلاهما يدعى نيسول؛ وهذا أمر محير. نيسول الجيد هو بغل إل. - وحش لطيف، ضعيف ولكنه صبور؛ يتوقف ويحدق في المناظر الطبيعية بطريقة تأملية؛ ولكنه عرضة للأفكار الغريبة وغير المريحة أحيانًا. بالأمس اعترض على الجسور، التي كان شكلها غريبًا في سوتوغودا بشكل خاص. واليوم يبدو أنه صار يمقت فجأة كل شيء أسود، وقد ألقى حدوته قبل خروجنا من القرية. نيسول الأسود أكبر وأقوى، وقد قُدِمَ إليَّ. إنه حيوان مكتفٍ ذاتيًا، ويفضل رأيه الخاص في ما يتعلق بالطرق والالتفافات من رأي راكبه. شهيته لا حدود لها، نهم ولا يشبع. فهو لا يسرق الذرة الصغيرة فقط على جانب الطريق والأزهار داخل أسوار الحديقة، ولكنه يأكل التوت السمّي وعظام الدجاج واللحاء وقشور البيض والبطاطس. حتى إنه كان ليأكل موسوعة بريتانيكا إذا وقعت بين يديه. إل وبغلها هما أفضل الأصدقاء في العالم، فهي تطعمه دائمًا السكر، ويتبعها كالكلب. بينما أنا وبغلي، على العكس، لم نصل أبدًا إلى شروط الحميمية. ربما يعرف أني أثقل وزنًا، ويقاومني وفقًا لذلك؛ ربما هو لا يحب مجتمع السيدات، ويفضل حمل حمولة نصف طن من القش والفحم، وهذا هو الشيء الذي تم تربيته للقيام به.
في كل المناسبات يرفض نيسول الأسود أن يجعل نفسه مقبولًا، لكنَّ البغلين يقومان بعملهما على نحو رائع، ويتسلقان المرتفعات مثل قطط في بعض الأحيان.
كليمنتي من سكان كابريلي، ويقيم مع أمه المسنة في منزل حجري كبير في وسط القرية. إنه صغير قصير، نشط، قوي وذو عينين سوداوين؛ وعصبي قليلًا، جاهز، مرح، دؤوب، ولديه الكثير من التعابير والإيماءات؛ بوجهه النزيه الذي يشبه كلب البلدغ، وعينيه الضاحكتين دائمًا. دائمًا يطوي سيقان بنطاله حول كاحليه؛ وهناك حفنة من ريش الديك في قبعته؛ وزجاجة معلقة فوق كتفه. من المستحيل أن تنظر إليه دون أن تتذكر المهرج في مسرحية الكريسماس. هذا هو كليمنتي؛ وكذلك التناظرات الجغرافية لجوزيبي، التي وصفتها منذ فترة طويلة. مع هذين الرجلين وهذين البغلين، ظللنا نسافر طوال فترة بقائنا بين جبال أحجار الدولميت الجيري.
تركنا صباح يوليو المشرق ذاك في ساسو دي رونشي، وبدأنا طريقنا أولًا في اتجاه روكا. ولكن الطريق مع ذلك تحول نحو أنقاض القصر البلدي القديم وتحرك إلى اليمين، واصطدم في الحال بالغابة التي تزين على هذا الجانب المنحدرات السفلية لجبل مونتي ميغون. وهكذا، في الظل البديل والشمس المشرقة، تهب الرياح وتتصاعد بقدر ما تتقاطع النظرة مع الحافة الدائرية للهاوية المفاجئة التي تواجه الجنوب. يمتد الجرف هنا نحو الوادي، ويبلغ امتداده ألف قدم أو أكثر؛ وقد أخبرنا كليمنتي كيف تم وضع الصليب هناك، ولكن السبب لم يكن تحديد الوجهة "للرجال الأجانب"، ولكن لإحياء ذكرى موت راعي الماعز الفقير الصغير الذي يبلغ من العمر أحد عشر عامًا فقط، والذي وخلال بحثه عن أحد الماعز سقط وتقطع إلى قطع قبل أن يصل إلى القاع.
المنظر من هنا جيد، بالنظر إلى الارتفاع المعتدل الذي نقف عليه. ترتفع سيفتا أمامنا، معروضة بشكل رائع؛ تقع خمسة وديان تحت أقدامنا؛ وتتلألأ أسقف كابريلي وروكا المستوية في أشعة الشمس الصباحية على بعد مئات الأقدام أسفلنا. تلمع الزاوية الخضراء المائلة للبحر من البحيرة إلى ما وراء المنحنى الأخير في وادي أليغي؛ بينما بين هذه النقطة وتلك تمتد أخشاب التنوب، المراعي ومنحدرات الذرة الصغيرة من مونتي بيزي.
ومن هنا، يتبدى طريق أفضل يتجه نحو الشمال في اتجاه لاستي، وهي قرية بيضاء صغيرة على حافة جبلية فوق الوادي، تتطلع مباشرة نحو بوخنشتاين. من هنا تظهر القلعة القديمة الرمادية على قاعدتها التي شكلها وادي إيراج ووادي أندروز الأخضر وجبال ممر تري ساسي؛ لكن السمة الرئيسية لرؤية المنظر في هذا الجانب هي "بيلمو" تمامًا كما أنَّ السمة الرئيسية للمنظر على الجانب الآخر هي "سيفتا". من خلال فجوة في الجبال نراها ترتفع بعظمة قبالة الأفق، وتبدو مثل قلعة عملاقة أكثر من أي وقت مضى. لقد أطلقت على سيفتا اسم "ملكة الدولميت". وهكذا، وبطريقة مماثلة، كنت أسمي بيلمو "الملك". فأحدهما مدينة جميلة ومتناظرة؛ والآخرى ضخمة وقوية. من الممكن ربط فكرة الهشاشة مع سيفتا لأنه بإمكاننا أن نتصور كيف أنَّ هذه الشاشة المتعامدة المتقنة مع الآلاف من الأعمدة النحيلة قد تتأرجح بفعل أي اختلاج كبير في الطبيعة؛ لكنْ بيلمو تبدو كما لو كانت متجذرة في قلب "العالم العظيم نفسه"، غير قابلة للتحريك، حتى يوم الاختلاج الأخير.
وبالنظر إلى بيلمو بالقرب من لاستي على مونتي ميجون، فإنها تبدو أروع ما رأت عيني.
من هذه النقطة تحركنا نحو منحدر مخضر يشبه حديقة إنجليزية، وعبرنا مسارًا آخر، حادًا وصخريًا وزاهيًا، وقد قادنا نحو الأكواخ التي رأيتها سابقًا عبر الوادي.
توقفت امرأة كانت تغسل مقلاة نحاسية في الينبوع، وتوقفت اثنتان أخريان تجمعان بذور الكتان الصفراء عند سفح التل، وحدقن فينا بتعجب.
صرخ الأطفال ودخلوا منازلهم، كما لو أننا عفاريت.
بقينا لبضع لحظات بجانب الينبوع لنملأ قوارير المياه ولندع البغال تشرب.
"أسبق أن رأيتِ سيدات في هذا المكان؟" ضحك كليمنتي.
"أبدًا!" قالت إحدى النساء وهي تحرك يدها بشكل قاطع. "أبدًا! فلم سيأتون إلى هنا؟"
شرحنا لهم أنَّ هدفنا هو أن نرسم ساسو من هناك.
"ساسو!" كررت متشككة؛ "ساسو!"
من الواضح أنها ظنتنا مجانين تمامًا.
منعطف حاد آخر، والتفافة أخرى، ومن ثم بدت الصخرة الكبيرة التي تشبه السكين الورقية كالشاهد القائم المنعزل فوق رؤوسنا.
إنها تبدو أضخم حتى مما تصورت - أكبر وأنحف؛ ولكن عديمة الشكل أكثر وغير مثيرة للاهتمام. من المذهل أنَّ الرياح لم تدمرها فورًا؛ ولكن رغم ذلك فلديها ذاك التأثير من الأسفل.
قالت إل بلهجة محبطة، "ألا تعتقدين أننا تكبدنا الكثير من العناء دون فائدة؟"
لم أكن لأعترف بهذ الأمر علانية، لكنني كنت أفكر في الأمر نفسه لبضع دقائق. لكنني تقدمت على كل حال والتففت عبر منعظف آخر، ووصلت إلى القمة، لأرى فجأة وبشكل غير متوقع أكثر مشهد رائع واستثنائي - مشهد جبل تملأه الأنقاض.
يتغير مظهر ساسو بشكل كامل عند مشاهدته من الأمام. وخلف التلال التي يقف عليها ساسو رأينا مدرجًا ضخمًا دائريًا، مثل فوهة بركان خامد، تتناثر فيه صخور متصدعة وتسقط الرواسب وشظايا الصخور الهائلة إلى أسفل؛ والذي يبدو بحجم برج الساعة في وستمنستر. كل صخرة مكدسة خلف الآخرى في ارتباك غريب؛ وكلها منحنية لحفظ إبرة ضخمة تقف منتصبة في وسط الدائرة، مثل جبل جليدي تحول إلى حجر.
ما هي طبيعة هذه الكارثة العظيمة، ومتى حدثت؟ لا يمكن أن يكون انهيارًا جليديًا؛ لأنَّ المنحدرات الجبلية في الأعلى كلها عشبية، وقمة مونتي ميغون هي مساحة من المراعي. لم يكن من الممكن أن يكون انفجارًا لأنَّ هذه القطع هي من حجر الدولميت الجيري النقي، والدولميت ليس حجرًا بركانيًا كما هو معروف لدينا الآن. لم أستطع أن أشكل أي فكرة حتى عن سبب هذا الخراب العظيم، لا أستطيع إلا أن أقول إنه يبدو تمامًا كما لو أنَّ بركانًا قد انفجر تحت قمة الدولوميت وقسمه إلى ألف جزء، مثل لغم.
وقفت قمة ساسو دي رونشي كجندي وحيد هنا، وبدا أنَّ طولها يبلغ أكثر من خمسة وعشرين قدمًا فوق مستوى قاعدة العشب. وبرؤيته من هذا المكان يصعب على المرء أن يصدق أنه ساسو دي رونشي نفسه الذي كنا نتطلع عليه من الأسفل. بدا وكأنه مجرد كتلة صخيرة، أو قمة مستدقة، نحيل وغير مكافئ لارتفاعه، ومنحنٍ في الأعلى، كما لو كان على استعداد فقط للالتفاف. قام شخص ما بمقارنة ماترهورن برأس وعنق حصان حرب تربى خلف وادي زيرمات. لذلك يمكن مقارنة ساسو دي رونشي من هذه النقطة برأس وعنق زرافة. بالوقوف على حافته الحادة - كل الهاوية أدناه، كل السماء فوقه، والأفق البعيد للقمم المتعرجة - تجعله بريًا وغريبًا موضوعا أكثر من أي لوحة حاولت أن أرسمها من قبل!
وهكذا مر الصباح. ارتحنا في ساسو عند الظهيرة لنأكل غداءنا المكون من الخبز والبيض المسلوق؛ ومن ثم بعد أن أكملنا استراحتنا حزمنا امتعتنا واستعددنا للعودة إلى المنزل. لم يمر وقت طويل قبل أن نتوقف مجددًا - هذه المرة في وسط فسحة جميلة مطلة على المنازل الريفية. كانت الأعشاب محاطة بإطار من العشب المخملي، الأكواخ وشجر الأركس، وتظهر القمم الصخرية لمونتي بينا ولا يفصلها عنا سوى هاوية فال بيتورينا فقط. بدا المشهد كلوحة جاهزة وكان عليّ رسمه على الفور.
"لا بد أنَّ هناك مشهدًا رائعًا في القمة"، قلت وأنا أقوم بخلط مزيج من الألوان، دون أن أخاطب أي أحد على وجه الخصوص.
ومن ثم قال كلمينتي بخفة:
"هل تود السيدة أن تصعد أولًا؟"
"أصعد أولًا"، كررت بشكل غامض، بينما أضيف قطرة تليينية من اللون البني، ليتحول الخليط بأكمله إلى اللون الرمادي اللؤلؤي الرقيق. "ماذا تعني؟"
"أقصد، هل تود السيدة أن تكون أول من يصعد قمة ساسو بيانكو؟"
قالت إل بعدما صارت مهتمة بالمحادثة، "ساسو بيانكو، إين هو ساسو بيانكو؟"
أشار كلمينتي إلى لوحتي ومن ثم إلى القمة قبالتنا. فقلت، "ولكن هذا مونتي بيزا!"
"عذرًا سيدتي، ولكن ساسو بيانكو هو قمة جبل ساسو بيزا. لم يصل أي مسافر إلى هناك أبدًا. إنه لأمر جديد - جديد – جديد!"
تسألت بتشكك، "كيف يمكن أن يكون أمرًا جديدًا؟ فهذا ليس جبلًا عاليًا جدًا".
"عذرًا مرة أخرى يا سيدتي، إنه ليس أعلى جبل، ولكنه جبلٌ عالٍ بالنسبة للجبال الأخرى. إنه أعلى من جبال فريسكلي، فرينزا وميغون".
"إنه أقل علوًا بكثير من جبل سيفتا، وقد تسلق المسافرون جبل سيفتا مرات كثيرة من قبل. إذن لم لم يتسلق أحد ساسو بيانكو حتى الآن؟"
أجاب كليمنتي، "لأنَّ ساسو بيانكو صعب للغاية بالنسبة للمسافرين العاديين يا سيدتي، وليس صعبًا بما فيه الكفاية بالنسبة للمحاربين، فالتوكيت، والويتويلس لا يهتمون بمدى صعوبة الجبل وبإمكانهم ابتلاعه في لقمة واحدة بأكمله".
بدا هذا منطقيًا. وبدأت أنظر إلى جبلي بمزيد من الاحترام، وبذلت مجهودًا أكبر في الرسم. في الوقت نفسه تجرأت على تذكير كلمينتي بأنني وإل. مجرد "مسافرتين عاديتين"، ولذلك ربما وجدنا ساسو بيانكو شديد الصعوبة بحيث لن نتمكن من ابتلاعه على عدة لقمات حتى. لكنه لم ينظر إلى هذا السؤال لبرهة حتى. إذا اخترنا أن نفعل ذلك، فعلينا فقط أن نقول ذلك، وسوف يتعهد بإيصال السيدات إلى "بوليتو".
انتهيت من الرسم بحلول ذلك الوقت، ونزلنا إلى الأسفل، بينما ظللنا نتحدث دائمًا عن ساسو بيانكو. إنَّ كليمنتي متلهف لكي نحقق شرف "الصعود الأول"، ودافع عن الأمر بكل فصاحته. كان جوزيبي حريصًا على ألا نحاول شيئًا يفوق قوتنا؛ وقد طرح سؤالًا هنا وهناك؛ واحتفظ برأيه. وفقًا لكليمنتي، لا شيء يمكن أن يكون أفضل من المشهد أو أسهل من الصعود؛ ولكنه اعترف بعد ذلك بأنه نفسه لم يصعد أعلى من المرتفعات العليا، ولم ير المشهد الذي يثني عليه كثيرًا. لكنه تقدم بعيدًا بما فيه الكفاية لاستكشاف الأرض؛ كان يعلم أنه يمكننا بالتأكيد التقدم حتى آخر مجموعة من الأكواخ؛ وهو متأكد أنَّ المشي إلى القمة لا يمكن أن يكون صعبًا.
على العموم، يبدو الأمر مغريًا. ومع ذلك، فقد وضعنا خططنا بالفعل على طول الرحلة التي ستبدأ، إذا سمح الطقس بذلك غدًا. لذا فإنَّ موضوع ساسو بيانكو، بعد أن تمت مناقشته فقد تم رفضه. تم رفضه ولكن لم يتم إلغاؤه. هذه الكلمات "الصعود الأول" هي كلمات "قبلانية"، وهي تطارد الذاكرة بشكل غريب. لقد استثمروا مونتي بيزا باهتمام خاص وغريب؛ بحيث لم يعد مثل الجبال الأخرى، ولكن يبدو وكأنَّ هناك هالة حول قمته.
يجب ألا أنسى الفلاح المسن الذي التقينا به على مسافة ليست بعيدة عن الصليب، بينما نزلنا بعد ظهر ذلك اليوم. كان رجلًا عجوزًا، لايزال وسيمًا، يرتدي بذلة جديدة من الصوف ومن الواضح أنها منفذة بشكل جيد. كان يجلس على جانب الطريق. وكانت هناك سلة وعصا طويلة موضوعتان بجانبه. عندما اقتربنا، نهض وانحنى؛ ولأننا كنا نسير على أقدامنا (بينما الرجال والبغال يتابعون عن بعد) توقفنا للتحدث معه. بالطبع، سألنا على الفور أين كنا، وأين نحن ذاهبتان. هذه هي الأسئلة الثابتة. أخبرته أننا كنا في ساسو دي رونشي.
"ذهبتم إلى ساسو!" كرر، "أه ذهبتم إلى ساسو! هل رأيتم أنقاض القلعة هناك؟"
أجبته أننا لم نكن نعرف أنَّ هناك أنقاض قلعة، لذلك لم نكن ننظر إليها على وجه الخصوص.
قال، "لو لم تعرفي أين تبحثين عنها فلن تلاحظيها أبدًا. لكنها هناك. لقد رأيتها بنفسي عدة مرات، عندما كنت أصغر سنًا وكنت أستطيع التسلق مثلكٍ".
"هل تعرف لمن تعود القلعة؟"
"نعم، نعم، أعتقد ذلك! لو أحبت السيدات أن يجلسن قليلًا، فسوف أطلعهن على الأمر بأكلمه".
بهذا استأنف جلسته على الضفة المعشبة، مسح جبينه بمنديله، وتحدث بينما يتصاعد صوت الهواء الذي اعتادنا على سماعه.
أخبرنا أنَّ القلعة بنيت بواسطة فيسكونتي، أحد أمراء عائلة فيسكونتي القساة من ميلانو. لقد بنوها في نهاية القرن الرابع عشر، لحماية "استقلال " روكا، التي كانوا يمارسون السيادة عليها. ولكن عندما انتهى حكم "فيسكونتي"، خشيت بلدية "برافا" أن يحتل نبلاء بيلونو هذه القلعة لدمار الشعب وقاموا بتدميرها، تاركين حجرًا واحدًا يقف على حجر آخر. كان هذا قبل أربعة أو خمسة قرون مضت. ثم قام نبلاء بيلونو ببناء قلعة أندراز أعلى وادي بوخنشتاين، وأصبحوا يرعبون البلاد كلها. هل رأيتن أيتها السيدات قلعة أندراز؟ آه، حسنًا، فهذه القلعة تدمرت أيضًا - فقد دمرها الفرنسيون في عام 1866، وفقًا للمعاهدة الدولية. أما بالنسبة لقلعة أنتيكو في ساسو، فإنها تبدو مثل شجرة قديمة تم قطع جذعها، وبقيت جذورها فقط.
لم يبق منه شيء سوى الأسس. كونها مبنية من الصخر، بدت أشبه بالصخرة التي قد تمر عليها مائة مرة دون أن تلاحظها. وقال إنَّ الكثير من الناس الآن لا يعرفون أين يجب عليهم البحث عن تلك الأنقاض. اعتاد الفلاحون في شبابهم على الصعود والحفر هناك بحثًا عن كنز مخفي. لكنهم كانوا يبعدون دائمًا بواسطة الشياطين. كانت الأنقاض مليئة بالشياطين تحت الأرض، في الأبراج المحصنة تحت الأرض، والمداخل التي فقدت الآن. كانوا معتادين على الظهور في شكل ثعابين، وأثاروا عواصف رهيبة من الرياح والرعد لطرد أولئك الذين سعوا لاكتشاف أسرار الأنقاض. هل سبق أن رأيت الشياطين بنفسك؟ لا، لم يستطع أن يقول إنه رآهم؛ لأنه لم يحاول أبدًا إغضاب الشيطان عن طريق الذهاب للبحث عن الكنز؛ لكنه رأى وسمع العاصفة التي كانت تدور هناك حول قمة الجبل مرارًا وتكرارًا، عندما يكون الطقس لطيفًا في الوادي. وكان يعرف رجلًا صعد في منتصف الليل عشية عيد ميلاد القديس جيوفاني، ليحفر في مكان معين حلم بأنَّ فيه ذهبًا مدفونًا؛ عندما حفر حفرة عميقة، خبطت مجرفته في وعاء فخاري، واعتقد أنه وجد ثروته؛ لكن عندما رفع الغطاء عن القدر، خرجت خمسة أفاعٍ سوداء صغيرة، ليست أكبر من حجم الإصبع.
وفي تلك اللحظة بعد أن خابت آماله وأصابه الخوف على حد سواء، حمل مجرفته وقطع واحدة من هذه الثعابين الصغيرة إلى نصفين. وفي لحظة واحدة، كانت الحفرة التي حفرها مليئة بالثعابين - كبيرة، سوداء، سامة، متعرجة، ثعابين مهسهسة، الآلاف والآلاف منها، كلها تتدفق نحوه في حشد بشع، حتى إنه اضطر للركض بأقصى سرعة للنجاة بحياته، ونجا من الموت بمعجزة!
سألت عندما توقف الرجل العجوز عند الانتهاء من قصة لأخذ نفسٍ عميق، "ولكن ألم يتم العثور على أي شيء في الأنقاض؟"
فأجاب، "لا شيء سوى القمامة سيدتي. عدد قليل من العملات الصغيرة - صندوق صدئ أو اثنان - بعض بقايا الدروع - لا شيء أكثر!"
كان سيتحدث لمدة ساعة إذا كان بإمكاننا البقاء للاستماع إليه. لكننا كنا على عجل، وتمنينا له يومًا سعيدًا. فقام مرة أخرى، وخلع قبعته، وتمنى لنا بطرافة، "صحة جيدة، رحلة سعيدة، عودة آمنة، وبركة الرب".
أمضينا ما تبقى من بعد ظهر ذلك اليوم في تحديد طريقنا على الخريطة؛ تفريغ واختيار المؤن؛ والسعي لحل مشكلة وضع محتويات حقيبة سفر كبيرة في حقيبة سوداء صغيرة، لأنَّ أيام الكاريتات، عربات اللندو، والطرق التي تتحرك فيها عربات النقل قد انتهت. من الآن فصاعدا ستقع طرقنا بين الطرق الجبلية والطرق غير المتكلسة التي تتحرك فيها البغال فقط، ويجب أن نبدأ غدًا في رحلة استكشافية لمدة عشرة أيام على الأقل حيث يمكن لكل منا حمل حقيبة صغيرة واحدة. كان على جوزيبي حمل كراسات الرسم، وكليمنتي سلة المؤن. بهذا الترتيب كان علينا أن نبدأ بجولة طويلة من شونشنيجي وأغواردو، ثم الذهاب إلى بريمايكرو، بانيفيجيو وبريدازو، والعودة إلى المنزل عن طريق كامبيديلو مرورًا بفيدايا. تركنا خادمة إل. لتكون مسؤولة عن الغرف في تلك الأثناء، تحت رعاية بيتسي.
_________________________
بتكليف ورعاية من الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، وبدافع من حب المعرفة والسعي لنشرها قامت القرية الإلكترونية بتوفير هذه النسخة من الكتاب
وسوف نقوم بنشرها على حلقات تباعاً هنا في جوجل بلس نأمل أن تحوز إعجابكم وأن تكون مساهمة في #نشر_المعرفة
صفحتنا الرسمية في فيس بوك :
https://www.facebook.com/mohammed.suwaidi.poet/
منصتنا في جوجل بلس لمتابعة باقي مشروعاتنا
https://plus.google.com/+HisExcellencyMohammedAhmedAlSuwaidi?hl=ar
(جميع الحقوق محفوظة)
, Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi,,
Related Articles