Arabic    

قمم غير موطوءة وأودية غير مطروقة - الفصل التاسع - إلى أغواردو وبريميرو


2019-07-05 00:00:00
اعرض في فيس بوك
التصنيف : قمم غير موطوءة وأودية غير مطروقة

 

 

 

 

قمم غير موطوءة وأودية غير مطروقة
الفصل التاسع-  إلى أغواردو وبريميرو
تأليف:إيمليا إدواردز
ترجمة: سماح جعفر
---- 
صعوبة التقدم خلال الطريق - البحث عن خشب شونشنيجي - وادي الصخور - أغواردو وساحتها - مناجم فال ايمبيرينا - العشاء - العاصفة الرائعة - فولتاجو وفراسيني - القمم النائية - معبر غوسالدا - أرض أو ندرة - مونتي برابيلو - معبر غيرسيدا - رحلة بلا نهاية - قلعة بيترا - وأخيرًا بريميرو - الخطوط القديمة أم أصحاب النزل التيرولينية.
 
-
 
بعد أن استيقظنا فجرًا، كنا على الطريق قبل الساعة السادسة، متجهين إلى أغواردو. اجتمع آل بيتسي أمام باب المنزل لتوديعنا. ووقف الضابط النمساوي وهو يرتدي قميصًا دون أكمام في نافذة الطابق الثاني ليرانا ونحن نرحل، كان ذاك الضابط يجلس عادة على الطريق ويهدئ روحه المثقلة بالجرم من خلال نحت كسر متصدع على نحو متواصل، بينما يدخن غليونه الثاني، إن لم يكن الثالث؛ ويتوقف عن نحت الصدع من حين لآخر ليبرم شاربه مع شعور بالاحتقار الهادئ للجميع.
استغرقنا بعض الوقت لحزم الحقائب، ولتوديع الجميع، ومحاولة إقناع نيسول الأسود لحمل أغراضي. لدى نيسول طريقة منافقة للوقوف بثبات حتى اللحظة التي يوشك فيها جوزيبي على مساعدتي لامتطائه، ثم يبدأ بالرفس فجأة، مما أثار استياءً هائلًا داخلي وجلب تسلية لسكان الحي. عندما تكرر الأمر حوالي ست أو سبع مرات، تمت إزاحته في زاوية بالقوة، بينما تمكنت من امتطائه في النهاية بمساعدة كرسي. 
الطريق إلى شونشنيجي قريب من وادي أليغي، بحيث أنَّ أول خمسة أميال أو أكثر بدا كل شيء مألوفًا. كان الهواء منعشًا، ولكن السماء كانت ترسل أشعة الشمس الساطعة. بدت سيفتا أمامنا بروعتها الغامضة. غنّت طيور القُبُّرة كما لم أراها تغني أبدًا في أي مكان باستثناء المخيم بين روما وتيفولي.
كان هناك ما يقرب من أربعين أو خمسين فلاحًا حفاة يجمعون الأخشاب الطافية صباح اليوم على طرف البحيرة. بعضهم كانوا يخوضون في المياه؛ وبعضهم صنعوا طوافات من جذوع الأشجار، وبعضهم وقف على الشاطئ وثبتوا الطوافات بواسطة خطافات طويلة. صنع أحد الفلاحين النشطين طوافته الصنوبرية على هيئة حصان، وجذبه إلى الشاطئ ببراعة غير مألوفة. كان المشهد كله رائعًا للغاية ومسلٍيًا. وقد بدا أولئك الرجال بأكمام قمصانهم المطوية وأرجل بنطلوناتهم المرفوعة فوق ركبهم مثل رجال شرطة نابولي. بين الحين والآخر، كانوا يبدأون جميعًا بإطلاق صرخة طويلة، مما يضيف إلى حد كبير للتأثير البري.
بالتجول على حدود البحيرة، نقترب في كل لحظة من المنحدرات السفلية لسيفتا؛ اقتربنا من موقع الانهيار الجليدي الكبير الذي حدث عام 1771؛ ورأينا صخورًا ساقطة ضخمة، مثل أرض معركة الجبابرة. في مكان ما أسفل هذه الجبال المكونة من الأنقاض تقع قريتان مدفونتان. لم يعد أحد يتذكر بالضبط المكان الذي كانتا فيه. وحقيقة أنَّ أليغي تقع بالقرب من وسط الماء الحالي، هي الحقيقة الوحيدة التي يعرفها الجميع. يقف بيت أبيض منعزل نصفه مزرعة، ونصفه نُزْل، على تلة فوق النقطة التي يتدفق منها شلال كورديفولي، الذي تضخمه جميع السيول الآتية من سيفتا، ويندفع في الطرف الأدنى من البحيرة وينسكب بقوة أسفل ممر سوتوغودا الضيق ويقود إلى شونشنيجي. 
بعد أن ظل الطريق يرتفع لمسافة طويلة على جانب الجبل، انحدر تدريجيًا إلى مستوى النهر، وعبرنا مرارًا وتكرارًا عن طريق الجسور الخشبية الخلابة. هنا أيضًا، رأينا أفعى تشمس نفسها فوق كومة من الحجارة على جانب الطريق، حاولت أن تبتعد حين رأتنا، لكن كليمنتي قتلها على وجه السرعة، فقد ركض نحوها سريعًا وهز عصاه وكأنه مجنون. في هذه الأثناء، هبت رياح جنوبية غربية عبر الممر الضيق مثل الإعصار، دون أن تخفف بأي حال من الأحوال أشعة الشمس الحارقة، أو الوهج الذي يتصاعد من الحرارة المنبعثة من الطريق تحتنا.
وصلنا إلى مكان قريب من شونشنيجي حوالي الساعة 10:30 صباحًا، وهي قرية صغيرة في منطقة مفتوحة بين شلال كورديفولي وشلال دي كانال. كان اسمها مونتي بلسا، وهي في الواقع نتوء جبلي طويل ممتد من سيفتا. رأينا قمة دي بيب، وهي قمة بركانية يبلغ ارتفاعها 8،239 قدمًا؛ والجبال الجنوبية لمونتي بيزا المطوقة بمدرجها الطبيعي، المنطقة المركزية منها أرض خصبة مرورًا بخطوط طويلة من الأشجار. مكثنا لساعتين في نزل صغير فقير في وسط القرية، وكنا سعداء لإيجاد مكان نحتمي فيه من الرياح والشمس في غرفة في الطابق العلوي، بينما كان الرجال يتناولون الطعام، وتتغذى البغال. يتعلم المرء سريعًا أن لا يتهور في أكل اللحوم والمشروبات الغريبة في هذه القرى النائية. قبل أن نبدأ رحلاتنا في الصباح كنا نتناول بعض الخبز الطازج والبيض المسلوق؛ وهكذا، عند الوصول إلى مكان جديد نسأل فقط عن الجبن والنبيذ والخس الطازج من الحديقة. لا يكون الجبن مستساغًا في كثير من الأحيان، ونعطي النبيذ عمومًا للرجال؛ ولكن بالنسبة لأننا يجب أن نطلب شيئًا وندفع ثمنه، فإنَّ تلك الأشياء تفي بالغرض. عندما نكون متعبين على نحو غير عادي، أو نميل إلى الانغماس في الكماليات، فإننا نطلب حساء ليبيغ أو شاي.
خلف شونشنيجي، تتغير طبيعة المشهد فجأة. لا زلنا نرى شلال كورديفولي، ولكنه لا يشبه تمامًا مظهره الرعوي الذي كنا نراه إما أعلى أو أسفل كابريلي. المسطحات القاحلة التي شوهها الانهيار الجليدي لا تعد ولا تحصى ممتدة عبر الطريق الضيق؛ تتراص الصخور الساقطة بكتلتها الكبيرة في كل مكان في فوضى كبيرة؛ بينما يقطع الطريق مرارًا وتكرارًا بحواجز ضخمة من الأنقاض الصلبة. وتكرر كثرة الطرق الجانبية القصة المأساوية القديمة للموت المفاجئ. قصة السيل الذي واجهته آلاف العقبات وسحقها بغضب. تمكنا من رؤية قمم الأحجار الدولميتية الجيرية المتناثرة هنا وهناك للحظة ثم اختفت مرة أخرى. تجولت امرأة عمياء بعكازاتها في استراحة مزار مزخرف على جانب الطريق ورفعت صوتها المتوسل نحونا. بدا كل شيء حزينًا؛ بدا كل شيء مقفرًا.
اتسع الممر الضيق شيئًا فشيئًا؛ وتبدى المرتفعان التوأمان العظيمان لمونت لوكانو والقمم المنشقة من مونتي بيز في الأفق؛ وكتغير سريع في المشهد على ساحة كبيرة، تفتَّح أمامنا وادٍ إيطالي مشمس غني بالكروم والكستناء وحقول من الذرة الهندية.
من تلك النقطة بدأ الطريق يتعرج مرة نحو الظل ومرة نحو ضوء الشمس، ويجتاز قرية جنوبية تشبه تمامًا الأجزاء الداخلية لنابولي، حيث لا تشبه البيوت هنا تلك البيوت المزينة بأسلوب تيرولي في كل قرية صغيرة وعلى حوائطها لوحات جدارية مطموسة للمادونا والقديسين. المنازل هنا مبنية على مزارع كبيرة مملوءة بالخنازير والدواجن والأطفال، وتبث في المناظر الطبيعية جوًا من الرخاء السلمي تمامًا. تعلق الحانات على جانب الطريق اللافتات التقليدية التي كتب عليها: "Buon Acqua gratis، e Vendita di Buon Vino" (المياه الجيدة لأجل لا شيء والنبيذ الجيد للبيع). ظهرت منازل متفرقة وكنيسة مهمة جديدة ذات قبة كبيرة وقبتين صغيرتين في الأفق البعيد من الوادي. كانت تلك أغواردو، المكتب المعماري، العاصمة، أو المكان الرئيسي في المقاطعة.
قطعنا ميلين آخرين فوق المسطح المترب ومن ثم وصلنا إلى هناك. استقبلنا نُزْل كبير في الطرف العلوي من ساحة بحجم ميدان ترافالغار على الأقل - مكان خالٍ من الراحة به رواق ومقهى في الطابق الأرضي، وغرف علوية نصف مفروشة لا تعد ولا تحصى. قادتنا إلى الطابق العلوي فتاة كسولة تلف شعرها في كعكة ضخمة (حيث لم يبدُ هناك سيد أو سيدة أو نادل في المكان) استحوذنا على كل الطابق الفارغ، وسألنا بالطبع "السؤال الأول" الذي يسأله المسافرون المتعبون،" ماذا يمكننا أن نتناول على العشاء؟"
أتت الإجابة على هذا السؤال في شكل قائمة أسعار عادية. كان بإمكاننا الحصول على أي شيء من الحساء إلى الثلج إذا أردنا ذلك؛ لذلك، في ساعة طيش طلبنا عشاءً "حقيقيًا"، مكونًا من عدة أصناف، بما في ذلك سمك السلمون المرقط والدجاج المسلوق. حتى إننا تحدثنا بشكل مبهم عن قضاء يوم أو اثنين في أغواردو لنتمتع لفترة أطول بمثل هذه الأماكن الفاخرة.
بعد أن استرحنا تحركنا لرؤية المدينة.
من الغريب أن أقول أنه لا توجد مدينة، هناك ساحة فقط. قد يكون من الممكن أن تكون البيوت كافية هناك لإنشاء مدينة، إذا كان من الممكن جمعها معًا وترتيبها ضمن حدود معقولة؛ لكنها تظهر هنا وكأنها مجرد حواف حجرية تزين ثلاثة جوانب من الحظيرة المهجورة الكبيرة حيث يتجمع كل الأطفال، وكل الكلاب الضالة، وجميع لاعبي الكرة. ثلاث جهات فقط؛ لأنَّ الجهة الرابعة تحتلها بالكامل فيلا الكونت مانزوني المتداعية، بمصاريعها غير المطلية، ونوافذها المحطمة، وتماثيلها الخارجية التي تمثل الآلهة والإلهات المبتذلين الذين يجتمعون أمام السماء مثل جيش من البهلوانات وفتيات الباليه الحجريات. 
تقع الكنيسة بالقرب من الفندق في الجزء العلوي أو الجانب الشرقي من بيازا، وهي عبارة عن عمل حديث على طراز عصر النهضة من تصميم سيغوزيني. وبما أنَّ الباب كان مفتوحًا فقد رفعنا الستار الثقيل ودخلنا؛ ولكن الأمر بدا مثل الدخول إلى "فوضى وظلمة قديمة." كل الشبابيك كانت مغلقة أمام ضوء النهار المتلاشي. كان هناك قسيس كبوشي وبعض النسوة الراكعات هنا وهناك، وبدوا كظلال أكثر من الظلال نفسها. مصباح يحترق بشكل خافت أمام المذبح العالي - حيث تتوهج بضع شمعات أمام ضريح المادونا- حيث الطلاء الباهت، الخطوط الجدارية، قطع المذبح والتماثيل مرئية بشكل غير واضح. لم يكن الحصول على أي فكرة عن الزخارف، أو حتى نسب الكنيسة ممكنًا لذلك أجلنا تفحصها حتى الغد، وتجولنا في الساحة بدلًا عن ذلك.
بعد أن انتهينا من ذلك، وبعد أن تفحصنا شارعًا خلفيًا ضيقًا يمتد فوق التل خلف المدينة، عدنا إلى المنزل (المنزل هو النزل في "مينيير") لتناول العشاء. 
وهنا يجب أن أقول إنَّ المنزل سمي على مناجم النحاس والرصاص والزنك التي تشكل الكنز التجاري للمنطقة. تقع هذه المناجم عند مصب شلال فال إمبرينا، على بعد حوالي ميلين من أغواردو، والتي كانت تنتمي سابقًا إلى جمهورية فينيسيا، وهي الآن ممتلكات حكومية. ومع ذلك، يتم تنفيذ الأعمال بتقتير شديد لدرجة أنَّ الناتج الصافي لا يتجاوز 50.000 ليرة أو حوالي 2000 جنيه إسترليني سنويًا. وقيل إنَّ هناك منجمًا سريعًا للفضة بالقرب من غوسالدا، على بعد ستة أميال تقريبًا في اتجاه آخر، أقامته شركة خاصة، يجلب واردات بشكل أفضل. 
هل قلت إننا عدنا إلى المنزل لتناول العشاء؟ آه، حسنًا، لقد كانت أمسية قائظة وفاترة وكان هناك رعد في الهواء؛ ولحسن الحظ، لم نكن جائعين جدًا. لن أتناول التفاصيل الحزينة. يكفي فقط أن أقول إنَّ الدجاج المغلي لم يأت فقط بريشه مثل زعيم أفريقي في لباسه الكامل، بل إنَّ أعضاءه الداخلية لم تنتزع أيضًا. وقد أعدت بقية الأطباق بنفس الروح: - "لم نتفاهم معهم" من ناحيتي، وحتى يومنا هذا أعتقد أنَّ الطباخ كان مجنونًا.  
اختفى حلم قضاء يوم أو يومين في أغواردوا أثناء تناول العشاء. وعقدنا العزم على التوجه بأسرع ما يمكن لبريميرو؛ وهكذا، بمجرد أن رفعت المائدة، أرسلنا في طلب جوزيبي وطلبنا منه إحضار البغال أمام الباب في الساعة السادسة والنصف من صباح اليوم التالي. في تلك الليلة حلت عاصفة هائلة؛ أشرس عاصفة رأيناها حتى الآن. بدأت فجأة، مع صوت الرعد فوق سطح الفندق مباشرة، ومن ثم استمر البرق والرعد بشكل مستمر لأكثر من نصف ساعة قبل سقوط المطر. بدا أنَّ البرق يمر بشكل مائل على طول الغيوم في تيارات خشنة، وينتهي كل مرة بتوجيه سهامه مباشرة نحو الأرض. كانت تلك التيارات الكهربائية في حد ذاتها بيضاء، لكن الضوء الذي ألقته على المكان كان باللون البنفسجي اللامع، غني بالألوان كانفجار ضوء البنغال. لم أرَ أبدًا أي شيء يساوي حيوية هذا الضوء البنفسجي، أو الطريقة التي جرد بها الجبال العظيمة على الجانب المقابل من الوادي من ظلامها فحسب، بل إبرازه بوضوح شديد كل ورقة منفصلة على الأشجار، وكل قرميدة في أبعد المنازل، وكل ورقة عشب في الساحة أمامنا.
ظلت هذه البروق تتابع في في فترة لا تتجاوز الخمسة عشر ثانية كل مرة لمدة عشر دقائق، وأحيانًا في فترة لا تتجاوز الخمس ثوانٍ؛ بحيث بدا وكأن هناك "بروق ظلام" و "بروق ضوء". ظلت أجراس الكنيسة تقرع كالعادة طوال وقت العاصفة؛ ولكن أصوات الرعد تناوبت باستمرار، وتردد صداها وتكرر بشكل كبير من مدرجات الجبال المحيطة. وشيئًا فشيئًا - بعد مرور أربعين دقيقة - جاء انفجار كبير يصم الآذان، وكأنَّ جبلًا قد انفجر؛ وبعد ذلك، تساقط المطر الغزير، مطر فقط، حتى الساعة الثانية صباحًا. 
ومع ذلك، بحلول الساعة السادسة والنصف، عندما خرجنا من أغوردو، كان الطقس رائعًا كما كان دائمًا. كانت السحب البيضاء تبحر أمام الريح. ملأت النسمات العليلة التي تشبه تلك التي تأتي بعد العواصف الصيفية الهواء. بدت الأشجار، العشب، الزهور البرية وحتى الجبال، كما لو أنَّ ألوانها قد عولجت بفرشاة مبلّلة، ومن ثم تركت لتجف في الشمس.
يبدأ طريقنا عبر جسر كورديفولي ثم يصل إلى مسار شديد الانحدار، ضيق جدًا، مرصوف جزئيًا، ومظلل على كلا الجانبين بشجيرات البرباريس، كانت الورود البرية في كل مكان، وأشجار الجوز مليئة بالفعل بمجموعات من الفاكهة الجديدة. تبدو مونتي لوكانو في الشكل مثل الشقيق الأصغر لبيلمو، تعلو نحو ضباب الصباح من جهة، وتظهر القمم البرية لمونتي بيز ومونت اجنارا بين الحين والآخر على الجهة الآخرى. وهكذا وصلنا إلى فولتاجو واجتزناها - وهي قرية خلابة تحيط بها غابات خضراء ومنحدرات من الذرة الهندية. وفي أسفل الوادي تتألق أغوردو، بقبابها البيضاء؛ وقبالة الأفق الشرقي، ترتفع القمم الوردية لـ مونتي لاستي، القمة الغامضة لجبل مونتي برامبير، وقمة صغيرة منعزلة تسمى جزيلا دي فيسكوفا، والتي تبدو مثل إصبع موجَّه نحو السماء.
بعد ذلك مررنا بقرية مليئة بالكرز، وببساتين مليئة بالفاكهة القرمزية - ثم وادٍ رومانسي يسمى فال فالينا- ثم قرية فريسيني المتناثرة، مع كنيستها الصغيرة في وسط جبل المرج، والذي تحيط به غابات أشجار الشوح. من الذي كان يحلم بإيجاد مصنع لتصنيع آلات البيانو في مثل هذه الزاوية الضائعة من التلال، أو صانع كمنجات وكونتراباس بالقرب من فولتيج؟ ولكن في فريسيني، تبين أنَّ البيانو الذي يصنع هناك ذو سمعة محترمة، ويقال إنَّ الكمنجات الكبيرة والصغيرة التي يصنعها فالنتينو كونيديرا في فولتيج متميزة بشكل استثنائي.  
والآن، بينما نتجول عبر هذه المساحة من المروج الممتعة، تزحزح الضباب فجأة وكشف عن لمحة مذهلة من ثلاث مسلات هائلة، يبدو أنَّ ارتفاعها يبلغ أميالًا. كانت تلك قمم ساسو دي كامبو، إحدى أعلى قمم "بريميرو"، التي لم يتسلقها أي شخص من قبل، ويقدّر أنها تعلو إلى ما يصل إلى 10000 قدم فوق مستوى البحر. تفرق الضباب ثم تجمع ثانية؛ تبرز القمم للحظة في ضوء الشمس الساطع، ثم تذوب وكأنها مصنوعة من الهواء! وقد كانت تلك أول وآخر مرة نشاهد فيها ساسو دي كامبو.
يرتفع الطريق دائمًا، ويمتد الآن عبر منطقة مشجرة، صخرية ولكنها ظليلة، ولا زال سرب الفراشات الرائعة يحوم حولنا، ومن ثم أصبح الطريق نفقًا من الخضرة، لا يتسع إلا لمرور شخص واحد وبغل في كل مرة. تلتقي فروع الصنوبر وتصدر حفيفًا في الأعلى؛ قطرات الندى تتساقط من صخرة إلى أخرى، وتتدفق بين الحين والآخر عبر الطريق؛ بينما تزدان الضفاف على كل جانب بجميع أنواع الطحالب الغنية، الفراولة البرية، السراخس، البلوط، والزان. إذا لم يكن الممر شديد الانحدار وزلقًا، وكان الجهد صعبًا بالنسبة للبغال، لم نكن لنرى مكانًا أكثر طلاوة في يوم كهذا؛ لأنَّ الطقس يزداد سخونة كل ساعة، بينما تشرق الشمس وتتدفق الأبخرة. لكن سحب البغال كان عملًا طويلًا جدًا وصعبًا جدًا؛ ولأنَّ الطريق يتحول في العديد من الأماكن إلى درج مكسور من الصخور الرطبة فقد عانى خلالها البغلان ويصارعان بأقصى صعوبة، على الرغم من كونهما دون ركاب.  
في النهاية، بعد أن خطونا خطوة كبيرة أخيرة، تفتحت أمام أعيننا هضبة شاسعة شبيهة بالمنتزهات تتناثر فوقها مجموعات أشجار التنوب، تشقها مئات الينابيع الصغيرة، وقد كانت مشرقة بالورود البرية، مثل بحر متدفق بالمروج الخضراء الغنية. كانت تلك قمة ممر غوسالدا. تقع قرية غوسالدا، وهي قرية صغيرة متعرجة على الجانب الجبلي، مواجهة لمونتي بيتون ومونتي برابيلو ووادي ميس، على بُعد حوالي ميلين. وهناك توقفنا لأخذ استراحة منتصف نهار عادية في نزل صغير متواضع. وجدنا مكانًا مناسبًا للجلوس على طاولة جيدة وزوجين من المقاعد الخشبية، ونافذة مفتوحة تطل على منظر ساحر على الوادي والجبال. طلبنا، كالعادة، الخبز والجبن والنبيذ. ووضحنا أنَّ النبيذ للرجال، وأننا بحاجة إلى كوب شاي وملاعق لأنفسنا؛ لكن صاحبة المكان، وهي امرأة غبية مصابة بتضخم الغدة الدرقية هزت رأسها ووقفت حائرة.
"كوب؟ " كررت متسائلة،"كوب؟" 
ولما وجدت أنه من المستحيل أن أجعلها تفهم ما هو الكأس، قمت برسم كوب وملعقة على الجدار الأبيض المغسول؛ ومن ثم، زودتنا بوعائي بودينغ وملاعق معدنية كبيرة، بحيث بدونا مثل شخصيات كرتونية تتناول الشاي في فقرة إيمائية.
"يا إلهي! أنت تحملين النار معك!" صرخت طفلة الطبيعة تلك، وحدقت في المصباح المشتعل وفمها مفتوح على اتساعه بدهشة.
ولعدم اهتمامي بالخوض في نقاش حول طبيعة واستخدامات الكحول والنبيذ، تجرأت على تذكيرها بالخبز، واستفسرت عما إذا كانت قد قدمت النبيذ للرجال.
أومأت ومن ثم هزت رأسها مرة أخرى، مع وقفة قصيرة.
أجابت، "النبيذ نعم، الخبز لا".
يبدو من المعقول فقط أن نفكر أنه ما دام الخبز قد نفذ في المنزل، فيجب عليها أن ترسل لجلبه على الفور. لكن لا. لم تهز رأسها هذه المرة بل إصبعها - وهي إيماءة إيطالية تمامًا. لا فائدة من الإرسال في طلب الخبز. لا يوجد شيء. لا يوجد خبز في "المدينة". لا أحد لديه خبز - لا أحد في غوسالدا. ولا حتى باروكو. كل شيء يأتي من الوادي. يأتي الخباز من الوادي مرتين في الأسبوع، لكنه ليس دقيقًا في مواعيده دائمًا، لقد مضت خمسة أيام منذ آخر مرة أتى فيها، ولا يوجد فتات خبز متبقٍ في القرية.
سألت، عندما وصلت إلى نهاية هذا التصريح المذهل، "ولكن لماذا لا تصنعون الخبز الخاص بكم هنا في غوسالدا؟"
"إيه سيدتي، ليس لدينا خباز".
"وماذا تأكلون عندما لا يأتي الخباز؟"
"إيه سيدتي، نأكل عصيدة من دقيق الذرة".
لحسن الحظ، كان لدينا القليل من الخبز في سلة الغداء؛ ولكن أقل من المعتاد، بعد أن أعطينا بعضًا منه للبغال نظير سعيها في ذاك الممر الضيق. لكننا كنا أفضل حالًا من جوزيبي وكليمنتي، اللذيْن لم يحصلا على أي شيء: - ولا حتى طبق من عصيدة دقيق الذرة. يبلغ تعداد سكان هذه القرية أربعمائة أو خمسمائة نفس على الأقل. 
بدا الفلاحون في المنطقة الجبلية بين أغوردو وبريمييرو، بقدر ما يمكن للمرء أن يحكم من خلال رحلة ليوم واحد، أشد فقرًا، أقذر، وأكثر جهلًا من أي مكان آخر. كان معظم الذين مررنا بهم خلال الطريق، أو رأيناهم يعملون في الحقول مصابين بانتفاخ الغدة الدرقية؛ وقليلون فهموا أي شيء غير لهجتهم العامية البربرية. حتى صاحبة نزل غوسالدا، على الرغم من أنها كانت بلا شك متفوقة على العديد من جيرانها، إلا أنها لم تتحدث إلا قليلًا من الإيطالية، ولم يكن لديها أي معلومات محلية. وعندما سُئلت عن اسم الجبل النبيل الذي يظهر كسمة أساسية من خلال نوافذها الأمامية، أجابت أولًا بأنه مونتي سيريدا. بعد ذلك قالت ساسو دي ميس؛ وأقرت أنها لم تكن تعرف على وجه اليقين ما إذا كان له اسم على الإطلاق. رغم أنَّ هذا سؤال لا بد أنه وجه إليها باستمرار. لكن الجبل، كما هو محدد في الخريطة، أثبت أنه مونتي برابيلو، أعلى نقطة منه (تسمى أحيانًا إل بيز، وأحيانا إل بيزوكو) ترتفع إلى ارتفاع يصل إلى 6733 قدم فوق مستوى البحر.
ممر ثانٍ - ممر شيريدا- يقع بيننا وبين بريميرو. وتقدر المسافة بنحو ساعتين إلى هناك من غوسالدا، هناك طريق جيد لتعبره البغال. بدأ الطريق بشكل جميل، وكان منحدرًاٍ ولكنه ظليل، وينتهي بين ركام صخري، وشَيعٌ  عالٍ وأشجار مقوسة. ومع ذلك، فقد كان المشهد لطيفًا للغاية ليستمر لوقت أطول؛ وعاجلًا سوف نصبح عرضة بدرجة مبالغ فيها لأسوأ سمات وأسوأ أجزاء ممر غوسالدا. كان ممر غوسالدا شديد الانحدار، لكنْ ممر شيريدا منحدر أكثر بالتأكيد. كان ممر غوسالدا رطبًا تحت أقدامنا؛ ولكن ممر شيريدا يبدو لأميال لا أكثر ولا أقل كسرير سيل صغير؛ لا رغبة للسيول الكبيرة فيه. لمرتين اضطررنا إلى الترجل وشق طريقنا سيرًا على الأقدام من الحجر إلى الحجر عبر جداول متدفقة يبلغ عرضها حوالي ثلاثين قدمًا فقط.
ما يثير التساؤل هو ما إذا كان هناك شخص يعيش في هذا المكان الذي يصعب الوصول إليه؛ ومع ذلك، فقد كنا نجتاز المنازل الريفية باستمرار، ومجموعات البيوت على جانب الطريق؛ وقد كان أسفل الوادي العظيم مكتظًا بشكل كثيف. امرأة تقف عند باب حديقتها وهي ترضع طفلًا نحيلًا يبلغ من العمر حوالي ستة أشهر، استفسرت بلهفة من أين أتينا، وإذا ظننا أنَّ المكان هنا "سيء؟ "
وبعد أن أكدنا لها أننا لا نعتقد أنه "سيء" بل "جميل"، أبكمتها الدهشة.
"وإلى أين! إلى أين أنتم ذاهبون؟" كان سؤالها التالي، سألته بنوع من الحماس المحموم، كما لو كانت حياتها تعتمد على الجواب.
أجبتها بأننا ذاهبون إلى بريميرو، بريدازو، فيغو، وأماكن أخرى.
"بريميرو!" كررت لاهثة، "إلى بريدازو! رحمتك يا مادونا ما عدد الطرق السيئة التي أمامكم!"
قالت تلك الكلمات ومالت نحو البوابة وراقبتنا بتعاطف صادق وعجب طوال الطريق.
الآن غاص الوادي إلى أسفل، وارتفعت الجبال مع كل خطوة على الطريق. كان الطريق شديد الانحدار إلى حد كبير. تركت البغال نفسها وتسلقت بطريقة أكثر ذكاء، وتصرفت بطريقة تتفوق على أولئك الذين يسيرون على الأقدام. وفي النهاية وصلنا إلى مكان لم يعد من الممكن وصفه بأنه طريق ولكن حاجز؛ يمتد في الحقيقة عبر جدار صخري أسفل الهضبة التي كنا نتسلقها طوال هذا الوقت. هنا يجب مساعدة البغال؛ ومن خلال الدفع جزئيًا، والسحب جزئيًا وصلنا إلى القمة في النهاية.
والآن هناك منطقة أخرى رائعة، تشبه إلى حد ما قمة غوسالدا، لكنها أكثر وحشية وقحولة، تنفتح بالطريقة نفسها وفي الاتجاه نفسه، مثل المروج المسحورة في الحكاية الخيالية التي تمتد إلى الأبد بلا نهاية. بهجة واهنة صغيرة في وسط هذه البرية شعر بها مرشدونا الجوعى، الذين لم يجدوا هنا فقط النبيذ الجيد بل الخبز الأبيض أيضًا، الكثير منه.
ومع ذلك، يجب أن تكون فترة راحة قصيرة، لأنَّ اليوم يتقدم، وقد أمضينا بالفعل تسع ساعات على الطريق، بما في ذلك التوقفات. 
سأل جوزيبي، ونحن ننطلق من جديد، "كم تبقى من الوقت حتى نصل إلى بريميرو؟"
وأجابت المرأة الطيبة بالطريقة نفسها التي أجابت بها المرأة سابقًا في غوسالدا: -
"ساعتان ونصف!" 
كقاعدة عامة، فإنَّ الورود البرية الأجود في جميع أنحاء هذه الأقاليم الجبلية تكثر في المواقع المكشوفة، وتزدهر على نحو راقٍ على ارتفاعات لا تقل كثيرًا عن حد الغطاء النباتي. في شيريدا، بدلًا من النمو بطريقة فوضوية غنية كما هو الحال في أماكن أخرى، فإنها تفصل إلى مجموعات مميزة؛ تظهر هنا على سفح تل في مجموعات من الزنابق الملونة؛ لا يجرؤ أي رسام على تمثيل هذه المنحدرات المذهلة للورود المتعاقبة والألوان الذهبية والزرقاء.
في النهاية، بدأ المسار بالهبوط، وارتفعت آمالنا. في كل لحظة نتوقع أن نرى مشهدًا أخضرَ تتبدى بريميرو في نهايته. ومع ذلك، عندما التقينا بالفلاح الذي يرتدي ملابسَ راقية من طبقة المزارعين، ووجهنا له السؤال نفسه بالكلمات السابقة ذاتها، شعرنا بالارتباك لتلقينا الإجابة نفسها بالضبط، "ساعتان ونصف أيتها السيدات". 
ولشعورنا بإحباط عميق، فقد أكملنا طريقنا في صمت حزين. لقد مضى الآن أكثر من ثلاث ساعات منذ أن غادرنا غوسالدا، ومع ذلك يبدو أننا أبعد من أي وقت مضى من بريميرو. إذا لم نكن متعبين، إذا لم نكن جائعين، إذا لم تكن البغال قد بدأت تتعثر في كل خطوة، فإنَّ الأمر سيكون كوميديًا تقريبًا، لكن لأنَّ الأمر بدا سيئًا فقد تابعنا طريقنا بإحساس جنائزي. اتبعنا دائمًا مسار السيل الصغير، وعبرنا المراعي الطويلة التي تنتشر فوقها الأكواخ البنية. 
شيئًا فشيئًا، وبعد أن عبرنا ميلين أو ثلاثة أخرى من الطريق، مررنا بمجموعة من السكان المحليين يجمعون القش الجديد. هذه المرة رفع جوزيبي صوته، وسأل السؤال النمطي. وأتى الجواب بشكل ساحق.
"حوالي ثلاث ساعات".
بدأت في الاعتقاد بأننا تحت سيطرة بعض اللعنات الرهيبة. وواتتني رؤية أننا سنركض إلى الأبد، مثل مجموعة من اليهود المتجولين، حتى يصبح أربعتنا مسنين، وشعرنا أشيب، وبالين. فجأة التفت كليمينتي بعينين مشرقتين بغبطة مخنوقة، وقال: -
"ألا تعتقد السيدة أننا يمكن أن نصل إلى هناك بشكل أسرع إذا عدنا إلى الوراء؟"
كانت نكتة صغيرة. لكنها جعلتنا نضحك على مصائبنا. بعد ذلك، طرحنا السؤال نفسه على كل شخص التقينا به - لمجموعة من النساء اللواتي يحملن حزم حطب؛ إلى رجل عجوز يقود خنزيرًا؛ إلى كاهن بدين يركب "بحماسة" على حمار مثل سانشو بانزا؛ وحطاب عائد إلى البيت بفأسه على كتفه، مثل جلاد خارج من إسطبل. كل واحد منهم منحنا إجابة مختلفة بالطبع. أحدهم قال ساعتان، والآخر قال ساعتان ونصف، والثالث قال ثلاث ساعات؛ وما إلى ذلك. ثم مرة واحدة، عندما لم نكن نتوقع ذلك، وصلنا إلى مساحة مفتوحة شاسعة ورأينا قلعة بيترا على قمة لا يمكن الوصول إليها فوق صخور مقسمة أمام أعيننا. بعد بضع لحظات، انفتح الوادي على عمق غير محدود - ورأينا خشب الكستناء، القرى، كروم العنب والجبال الأرجوانية التي تتجمع فيها السحب العاصفة بسرعة.
قال كليمنتي، "ها بريميرو!" أشار إلى مدينة بها أكواخ كثيرة في نهاية طريق أبيض طويل، على بعد أميال وأميال.
بدت قلعة بيترا مألوفة بالفعل لمعظم قراء كتب غيلبرت وتشرشل - القلعة ملك الكونت ويلسبيرغ، وقد أسسها أجداده في العصور الإقطاعية القديمة، والذين لا زالوا يعيشون في بريميرو. وقد انفصلت حافة الصخرة التي تقف عليها القلعة من أعلى إلى أسفل في وقت ما خلال القرن الماضي؛ ومن ذلك الحين صار الوصول إليها غير ممكن. تمكن المالك الحالي عندما كان شابًا مرة واحدة، مرة واحدة فقط، بمساعدة الحبال، والسلالم، والعمال من بريميرو، من التسلق مع بعض الأصدقاء إلى قمة تلك الأبراج المهجورة؛ لكن ذلك كان منذ عدة سنوات، ومنذ ذلك الحين احتلت البوم والخفافيش المكان دون عائق. تقف القلعة كحارس وحيد عند قمة شلال كول دي ساك العظيم، والمعروف باسم شلال دي كانال، وهو معلم بارز في وادي بريميرو.
الانعطاف الأخير من ممر شيريدا يمر خلال طريق صخري ويعتبر عاموديًا تقريبًا مقارنة بالنزول من غيمي على جانب البحيرة وهو طريق مستوٍ ومقبول. الحجارة الرخوة التي تتدحرج تحت القدم، والمنحدرات المفاجئة للصخور الزلقة، تصعب الأمر حتى على المشاة الذين يستخدمون العصي المعدنية. لكن الأسوأ من ذلك هو البغال، التي تنزلق وتناضل، وتتبارى بطريقة محزنة، وحيث يتم جرها من نهايات أذنابها بشكل مخزي.
في النهاية وصلنا إلى الطريق المستوي؛ وتعجلنا على طول الطريق المغبر الذي يمر عبر قرية توناديغو المدمرة، دخلنا بريميرو بينما قرعت أجراس الكنيسة في تمام الساعة السابعة مساءً. هنا في نزل "النسر الأسود"، الذي تديره السيدة بونيتي وجدنا استراحة، طعامًا جيدًا، ترحيبًا ودودًا، وغرفًا أفضل؛ وقبل كل شيء فقد كان المدخل يثير التساؤلات. بدا المدخل مروعًا - مجرد قوس مظلم يؤدي إلى إسطبل ماعز، ولكنْ المطبخ والغرف العامة تقعان في الطابق الأول، وغرف الزوار في الطابق الثاني؛ بحيث يمكننا أن نقول إنَّ البيت يبدأ من الطابق الذي يرتفع فوق مستوى الشارع. 
من المثير للفضول مدى السرعة التي يتعلم المرء أن يكون راضيًا في تلك النزل التيرولية المتواضعة، وأن ينظر إليهم كأصدقاء، وأن يعتبر القوم اللطفاء الذين يستقبلونه كأنداد تقريبًا. وبوضع عطر الجمهورياتية العتيق جانبًا والذي يبدو أنه لا يزال يسبح في الهواء من خلال كل ما كان في الماضي فينيسيا، فإنَّ أصحاب النزل التيروليين، في معظم الأحيان، أناس من العائلات القديمة الذين يملكون الأراضي ويقومون بالمهام المرتبطة بأوطانهم الأصلية منذ العصور الوسطى. هكذا سمعنا عن غدينا من الأمبيزو الذي تولى قيادة مهمة عسكرية في بداية القرن الخامس عشر. والجياكوميليس الذين يعيشون الآن في "نافي دورو" في بريدازو حيث كان يعيش النبلاء قبل بضع مئات من السنين". 
يعود تاريخ قوم بيزي إلى الفترة التي ترجع إليها أقدم سجلات رأيناها في كابريلي، وقد أخذوا اسمهم من مونتي بيزا، على المنحدرات السفلية التي لا زالوا يحتفظون فيها حتى الآن ببقايا عقاراتهم القديمة. سأتحدث أكثر عن نزل شيرشيناسو من فرونو دي زولدو، والذي ذكر في كتاب السيد غيلبرت عن كادور؛ في وثائق كتبت منذ أكثر من خمسمائة سنة.
لا أعرف ما إذا كان قوم البونيتيس من بريميرو من أصل بورجوازي قديم أو نبلاء سابقين؛ لكنهم مهذبون ومضيافون بشكل خاص، بحيث لا يخطئ المرء في الاعتقاد أنهم مهذبون أكثر من البقية.
لكنني اعتقد أنَّ الأشخاص المسافرين أو الذين ينوون السفر خلال هذه الوديان يجب أن يكونوا على دراية بالحقائق السابقة. وسيكون من الجيد أن يتذكروا أنهم لا يتعاملون هنا مع أصحاب النزل العاديين؛ ولكن مع أشخاص هم في الغالب لا يعتمدون على النزل كمصدر دخل أساسي، ومستعدين لاستقبال الغرباء بلطف.  
إذا كان مكان الإقامة بدائيًا، فمن المرجح أنَّ ذلك أفضل ما يمتكلونه؛ ودائمًا يكون رخيصًا للغاية. ربما لا تكون التحضيرات مثالية، لكن هناك نزعة لطيفة حول الترتيبات المحلية التي تعوض عن أي قصور بسيط بطرق أخرى. عمومًا، تقوم الوالدة بطهي الطعام لضيوفها؛ يهتم الأب بإيواء الماشية؛ يخدم الأبناء والبنات على الطاولة. جميعهم مهتمون براحة المرء. وجميعهم حريصون على أظهار الاحترام.
إنَّ معاملتهم بتكبر، أو بشبهة، أو اختلاق مشاكل لا لزوم لها، أمر غير عادل وغير حكيم على حد سواء.  
لقد شاهدت السيدة المسنة بيتسي سابقًا وعينيها مغرورقتان بالدموع تقريبًا لأنَّ رجالًا إنجليز كانوا حريصين دائمًا على إقفال جميع ممتلكاتهم بالقفل والمفتاح في كل مرة يغامرون فيها بالخروج من المكان. الأشخاص نفسهم، عندما هموا بمغادرة المكان، انتقدوا كل سلعة من سلع فاتورتهم المعتدلة، كما لو أنه، وبغضَّ النظر عن قلة النقود التي يجب أن يدفعوها، أحسوا  وكان الأمر كان مفروضًا عليهم بطريقة ما. 
إنَّ النتيجة النهائية لمثل هذا السلوك، والذي هو جزء من شعبنا العزيز، واضحة إلى أقصى حد. النزل القديمة التي تأوي العائلات ستقفل أبوابها قبالتنا في اشمئزاز؛ فئة من المضاربين المبتذلين، ربما السويسريون، سوف يتدخلون ويحتلون الأرض؛ سوف تنبثق الفنادق الأحدث والأذكى، لكن الأقل راحة بكثير مثل الفطر في هذه الوديان الهادئة. سيتم اعتراض جميع الاتصالات المباشرة بين سكان المدينة الأصليين والمسافرين الغرباء؛ ومن ثم ستزول البساطة، الشعر والسحر الوطني لمنطقة الدولميت إلى الأبد.
 
_______________________
بتكليف ورعاية من الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، وبدافع من حب المعرفة والسعي لنشرها قامت القرية الإلكترونية بتوفير هذه النسخة من الكتاب 
وسوف نقوم بنشرها على حلقات تباعاً هنا في جوجل بلس نأمل أن تحوز إعجابكم وأن تكون مساهمة في #نشر_المعرفة
صفحتنا الرسمية في فيس بوك :
منصتنا في جوجل بلس لمتابعة باقي مشروعاتنا
https://plus.google.com/+HisExcellencyMohammedAhmedAlSuwaidi?hl=ar
(جميع الحقوق محفوظة)

        قمم غير موطوءة وأودية غير مطروقة الفصل التاسع-  إلى أغواردو وبريميرو تأليف:إيمليا إدواردز ترجمة: سماح جعفر ----  صعوبة التقدم خلال الطريق - البحث عن خشب شونشنيجي - وادي الصخور - أغواردو وساحتها - مناجم فال ايمبيرينا - العشاء - العاصفة الرائعة - فولتاجو وفراسيني - القمم النائية - معبر غوسالدا - أرض أو ندرة - مونتي برابيلو - معبر غيرسيدا - رحلة بلا نهاية - قلعة بيترا - وأخيرًا بريميرو - الخطوط القديمة أم أصحاب النزل التيرولينية.   -   بعد أن استيقظنا فجرًا، كنا على الطريق قبل الساعة السادسة، متجهين إلى أغواردو. اجتمع آل بيتسي أمام باب المنزل لتوديعنا. ووقف الضابط النمساوي وهو يرتدي قميصًا دون أكمام في نافذة الطابق الثاني ليرانا ونحن نرحل، كان ذاك الضابط يجلس عادة على الطريق ويهدئ روحه المثقلة بالجرم من خلال نحت كسر متصدع على نحو متواصل، بينما يدخن غليونه الثاني، إن لم يكن الثالث؛ ويتوقف عن نحت الصدع من حين لآخر ليبرم شاربه مع شعور بالاحتقار الهادئ للجميع. استغرقنا بعض الوقت لحزم الحقائب، ولتوديع الجميع، ومحاولة إقناع نيسول الأسود لحمل أغراضي. لدى نيسول طريقة منافقة للوقوف بثبات حتى اللحظة التي يوشك فيها جوزيبي على مساعدتي لامتطائه، ثم يبدأ بالرفس فجأة، مما أثار استياءً هائلًا داخلي وجلب تسلية لسكان الحي. عندما تكرر الأمر حوالي ست أو سبع مرات، تمت إزاحته في زاوية بالقوة، بينما تمكنت من امتطائه في النهاية بمساعدة كرسي.  الطريق إلى شونشنيجي قريب من وادي أليغي، بحيث أنَّ أول خمسة أميال أو أكثر بدا كل شيء مألوفًا. كان الهواء منعشًا، ولكن السماء كانت ترسل أشعة الشمس الساطعة. بدت سيفتا أمامنا بروعتها الغامضة. غنّت طيور القُبُّرة كما لم أراها تغني أبدًا في أي مكان باستثناء المخيم بين روما وتيفولي. كان هناك ما يقرب من أربعين أو خمسين فلاحًا حفاة يجمعون الأخشاب الطافية صباح اليوم على طرف البحيرة. بعضهم كانوا يخوضون في المياه؛ وبعضهم صنعوا طوافات من جذوع الأشجار، وبعضهم وقف على الشاطئ وثبتوا الطوافات بواسطة خطافات طويلة. صنع أحد الفلاحين النشطين طوافته الصنوبرية على هيئة حصان، وجذبه إلى الشاطئ ببراعة غير مألوفة. كان المشهد كله رائعًا للغاية ومسلٍيًا. وقد بدا أولئك الرجال بأكمام قمصانهم المطوية وأرجل بنطلوناتهم المرفوعة فوق ركبهم مثل رجال شرطة نابولي. بين الحين والآخر، كانوا يبدأون جميعًا بإطلاق صرخة طويلة، مما يضيف إلى حد كبير للتأثير البري. بالتجول على حدود البحيرة، نقترب في كل لحظة من المنحدرات السفلية لسيفتا؛ اقتربنا من موقع الانهيار الجليدي الكبير الذي حدث عام 1771؛ ورأينا صخورًا ساقطة ضخمة، مثل أرض معركة الجبابرة. في مكان ما أسفل هذه الجبال المكونة من الأنقاض تقع قريتان مدفونتان. لم يعد أحد يتذكر بالضبط المكان الذي كانتا فيه. وحقيقة أنَّ أليغي تقع بالقرب من وسط الماء الحالي، هي الحقيقة الوحيدة التي يعرفها الجميع. يقف بيت أبيض منعزل نصفه مزرعة، ونصفه نُزْل، على تلة فوق النقطة التي يتدفق منها شلال كورديفولي، الذي تضخمه جميع السيول الآتية من سيفتا، ويندفع في الطرف الأدنى من البحيرة وينسكب بقوة أسفل ممر سوتوغودا الضيق ويقود إلى شونشنيجي.  بعد أن ظل الطريق يرتفع لمسافة طويلة على جانب الجبل، انحدر تدريجيًا إلى مستوى النهر، وعبرنا مرارًا وتكرارًا عن طريق الجسور الخشبية الخلابة. هنا أيضًا، رأينا أفعى تشمس نفسها فوق كومة من الحجارة على جانب الطريق، حاولت أن تبتعد حين رأتنا، لكن كليمنتي قتلها على وجه السرعة، فقد ركض نحوها سريعًا وهز عصاه وكأنه مجنون. في هذه الأثناء، هبت رياح جنوبية غربية عبر الممر الضيق مثل الإعصار، دون أن تخفف بأي حال من الأحوال أشعة الشمس الحارقة، أو الوهج الذي يتصاعد من الحرارة المنبعثة من الطريق تحتنا. وصلنا إلى مكان قريب من شونشنيجي حوالي الساعة 10:30 صباحًا، وهي قرية صغيرة في منطقة مفتوحة بين شلال كورديفولي وشلال دي كانال. كان اسمها مونتي بلسا، وهي في الواقع نتوء جبلي طويل ممتد من سيفتا. رأينا قمة دي بيب، وهي قمة بركانية يبلغ ارتفاعها 8،239 قدمًا؛ والجبال الجنوبية لمونتي بيزا المطوقة بمدرجها الطبيعي، المنطقة المركزية منها أرض خصبة مرورًا بخطوط طويلة من الأشجار. مكثنا لساعتين في نزل صغير فقير في وسط القرية، وكنا سعداء لإيجاد مكان نحتمي فيه من الرياح والشمس في غرفة في الطابق العلوي، بينما كان الرجال يتناولون الطعام، وتتغذى البغال. يتعلم المرء سريعًا أن لا يتهور في أكل اللحوم والمشروبات الغريبة في هذه القرى النائية. قبل أن نبدأ رحلاتنا في الصباح كنا نتناول بعض الخبز الطازج والبيض المسلوق؛ وهكذا، عند الوصول إلى مكان جديد نسأل فقط عن الجبن والنبيذ والخس الطازج من الحديقة. لا يكون الجبن مستساغًا في كثير من الأحيان، ونعطي النبيذ عمومًا للرجال؛ ولكن بالنسبة لأننا يجب أن نطلب شيئًا وندفع ثمنه، فإنَّ تلك الأشياء تفي بالغرض. عندما نكون متعبين على نحو غير عادي، أو نميل إلى الانغماس في الكماليات، فإننا نطلب حساء ليبيغ أو شاي. خلف شونشنيجي، تتغير طبيعة المشهد فجأة. لا زلنا نرى شلال كورديفولي، ولكنه لا يشبه تمامًا مظهره الرعوي الذي كنا نراه إما أعلى أو أسفل كابريلي. المسطحات القاحلة التي شوهها الانهيار الجليدي لا تعد ولا تحصى ممتدة عبر الطريق الضيق؛ تتراص الصخور الساقطة بكتلتها الكبيرة في كل مكان في فوضى كبيرة؛ بينما يقطع الطريق مرارًا وتكرارًا بحواجز ضخمة من الأنقاض الصلبة. وتكرر كثرة الطرق الجانبية القصة المأساوية القديمة للموت المفاجئ. قصة السيل الذي واجهته آلاف العقبات وسحقها بغضب. تمكنا من رؤية قمم الأحجار الدولميتية الجيرية المتناثرة هنا وهناك للحظة ثم اختفت مرة أخرى. تجولت امرأة عمياء بعكازاتها في استراحة مزار مزخرف على جانب الطريق ورفعت صوتها المتوسل نحونا. بدا كل شيء حزينًا؛ بدا كل شيء مقفرًا. اتسع الممر الضيق شيئًا فشيئًا؛ وتبدى المرتفعان التوأمان العظيمان لمونت لوكانو والقمم المنشقة من مونتي بيز في الأفق؛ وكتغير سريع في المشهد على ساحة كبيرة، تفتَّح أمامنا وادٍ إيطالي مشمس غني بالكروم والكستناء وحقول من الذرة الهندية. من تلك النقطة بدأ الطريق يتعرج مرة نحو الظل ومرة نحو ضوء الشمس، ويجتاز قرية جنوبية تشبه تمامًا الأجزاء الداخلية لنابولي، حيث لا تشبه البيوت هنا تلك البيوت المزينة بأسلوب تيرولي في كل قرية صغيرة وعلى حوائطها لوحات جدارية مطموسة للمادونا والقديسين. المنازل هنا مبنية على مزارع كبيرة مملوءة بالخنازير والدواجن والأطفال، وتبث في المناظر الطبيعية جوًا من الرخاء السلمي تمامًا. تعلق الحانات على جانب الطريق اللافتات التقليدية التي كتب عليها: "Buon Acqua gratis، e Vendita di Buon Vino" (المياه الجيدة لأجل لا شيء والنبيذ الجيد للبيع). ظهرت منازل متفرقة وكنيسة مهمة جديدة ذات قبة كبيرة وقبتين صغيرتين في الأفق البعيد من الوادي. كانت تلك أغواردو، المكتب المعماري، العاصمة، أو المكان الرئيسي في المقاطعة. قطعنا ميلين آخرين فوق المسطح المترب ومن ثم وصلنا إلى هناك. استقبلنا نُزْل كبير في الطرف العلوي من ساحة بحجم ميدان ترافالغار على الأقل - مكان خالٍ من الراحة به رواق ومقهى في الطابق الأرضي، وغرف علوية نصف مفروشة لا تعد ولا تحصى. قادتنا إلى الطابق العلوي فتاة كسولة تلف شعرها في كعكة ضخمة (حيث لم يبدُ هناك سيد أو سيدة أو نادل في المكان) استحوذنا على كل الطابق الفارغ، وسألنا بالطبع "السؤال الأول" الذي يسأله المسافرون المتعبون،" ماذا يمكننا أن نتناول على العشاء؟" أتت الإجابة على هذا السؤال في شكل قائمة أسعار عادية. كان بإمكاننا الحصول على أي شيء من الحساء إلى الثلج إذا أردنا ذلك؛ لذلك، في ساعة طيش طلبنا عشاءً "حقيقيًا"، مكونًا من عدة أصناف، بما في ذلك سمك السلمون المرقط والدجاج المسلوق. حتى إننا تحدثنا بشكل مبهم عن قضاء يوم أو اثنين في أغواردو لنتمتع لفترة أطول بمثل هذه الأماكن الفاخرة. بعد أن استرحنا تحركنا لرؤية المدينة. من الغريب أن أقول أنه لا توجد مدينة، هناك ساحة فقط. قد يكون من الممكن أن تكون البيوت كافية هناك لإنشاء مدينة، إذا كان من الممكن جمعها معًا وترتيبها ضمن حدود معقولة؛ لكنها تظهر هنا وكأنها مجرد حواف حجرية تزين ثلاثة جوانب من الحظيرة المهجورة الكبيرة حيث يتجمع كل الأطفال، وكل الكلاب الضالة، وجميع لاعبي الكرة. ثلاث جهات فقط؛ لأنَّ الجهة الرابعة تحتلها بالكامل فيلا الكونت مانزوني المتداعية، بمصاريعها غير المطلية، ونوافذها المحطمة، وتماثيلها الخارجية التي تمثل الآلهة والإلهات المبتذلين الذين يجتمعون أمام السماء مثل جيش من البهلوانات وفتيات الباليه الحجريات.  تقع الكنيسة بالقرب من الفندق في الجزء العلوي أو الجانب الشرقي من بيازا، وهي عبارة عن عمل حديث على طراز عصر النهضة من تصميم سيغوزيني. وبما أنَّ الباب كان مفتوحًا فقد رفعنا الستار الثقيل ودخلنا؛ ولكن الأمر بدا مثل الدخول إلى "فوضى وظلمة قديمة." كل الشبابيك كانت مغلقة أمام ضوء النهار المتلاشي. كان هناك قسيس كبوشي وبعض النسوة الراكعات هنا وهناك، وبدوا كظلال أكثر من الظلال نفسها. مصباح يحترق بشكل خافت أمام المذبح العالي - حيث تتوهج بضع شمعات أمام ضريح المادونا- حيث الطلاء الباهت، الخطوط الجدارية، قطع المذبح والتماثيل مرئية بشكل غير واضح. لم يكن الحصول على أي فكرة عن الزخارف، أو حتى نسب الكنيسة ممكنًا لذلك أجلنا تفحصها حتى الغد، وتجولنا في الساحة بدلًا عن ذلك. بعد أن انتهينا من ذلك، وبعد أن تفحصنا شارعًا خلفيًا ضيقًا يمتد فوق التل خلف المدينة، عدنا إلى المنزل (المنزل هو النزل في "مينيير") لتناول العشاء.  وهنا يجب أن أقول إنَّ المنزل سمي على مناجم النحاس والرصاص والزنك التي تشكل الكنز التجاري للمنطقة. تقع هذه المناجم عند مصب شلال فال إمبرينا، على بعد حوالي ميلين من أغواردو، والتي كانت تنتمي سابقًا إلى جمهورية فينيسيا، وهي الآن ممتلكات حكومية. ومع ذلك، يتم تنفيذ الأعمال بتقتير شديد لدرجة أنَّ الناتج الصافي لا يتجاوز 50.000 ليرة أو حوالي 2000 جنيه إسترليني سنويًا. وقيل إنَّ هناك منجمًا سريعًا للفضة بالقرب من غوسالدا، على بعد ستة أميال تقريبًا في اتجاه آخر، أقامته شركة خاصة، يجلب واردات بشكل أفضل.  هل قلت إننا عدنا إلى المنزل لتناول العشاء؟ آه، حسنًا، لقد كانت أمسية قائظة وفاترة وكان هناك رعد في الهواء؛ ولحسن الحظ، لم نكن جائعين جدًا. لن أتناول التفاصيل الحزينة. يكفي فقط أن أقول إنَّ الدجاج المغلي لم يأت فقط بريشه مثل زعيم أفريقي في لباسه الكامل، بل إنَّ أعضاءه الداخلية لم تنتزع أيضًا. وقد أعدت بقية الأطباق بنفس الروح: - "لم نتفاهم معهم" من ناحيتي، وحتى يومنا هذا أعتقد أنَّ الطباخ كان مجنونًا.   اختفى حلم قضاء يوم أو يومين في أغواردوا أثناء تناول العشاء. وعقدنا العزم على التوجه بأسرع ما يمكن لبريميرو؛ وهكذا، بمجرد أن رفعت المائدة، أرسلنا في طلب جوزيبي وطلبنا منه إحضار البغال أمام الباب في الساعة السادسة والنصف من صباح اليوم التالي. في تلك الليلة حلت عاصفة هائلة؛ أشرس عاصفة رأيناها حتى الآن. بدأت فجأة، مع صوت الرعد فوق سطح الفندق مباشرة، ومن ثم استمر البرق والرعد بشكل مستمر لأكثر من نصف ساعة قبل سقوط المطر. بدا أنَّ البرق يمر بشكل مائل على طول الغيوم في تيارات خشنة، وينتهي كل مرة بتوجيه سهامه مباشرة نحو الأرض. كانت تلك التيارات الكهربائية في حد ذاتها بيضاء، لكن الضوء الذي ألقته على المكان كان باللون البنفسجي اللامع، غني بالألوان كانفجار ضوء البنغال. لم أرَ أبدًا أي شيء يساوي حيوية هذا الضوء البنفسجي، أو الطريقة التي جرد بها الجبال العظيمة على الجانب المقابل من الوادي من ظلامها فحسب، بل إبرازه بوضوح شديد كل ورقة منفصلة على الأشجار، وكل قرميدة في أبعد المنازل، وكل ورقة عشب في الساحة أمامنا. ظلت هذه البروق تتابع في في فترة لا تتجاوز الخمسة عشر ثانية كل مرة لمدة عشر دقائق، وأحيانًا في فترة لا تتجاوز الخمس ثوانٍ؛ بحيث بدا وكأن هناك "بروق ظلام" و "بروق ضوء". ظلت أجراس الكنيسة تقرع كالعادة طوال وقت العاصفة؛ ولكن أصوات الرعد تناوبت باستمرار، وتردد صداها وتكرر بشكل كبير من مدرجات الجبال المحيطة. وشيئًا فشيئًا - بعد مرور أربعين دقيقة - جاء انفجار كبير يصم الآذان، وكأنَّ جبلًا قد انفجر؛ وبعد ذلك، تساقط المطر الغزير، مطر فقط، حتى الساعة الثانية صباحًا.  ومع ذلك، بحلول الساعة السادسة والنصف، عندما خرجنا من أغوردو، كان الطقس رائعًا كما كان دائمًا. كانت السحب البيضاء تبحر أمام الريح. ملأت النسمات العليلة التي تشبه تلك التي تأتي بعد العواصف الصيفية الهواء. بدت الأشجار، العشب، الزهور البرية وحتى الجبال، كما لو أنَّ ألوانها قد عولجت بفرشاة مبلّلة، ومن ثم تركت لتجف في الشمس. يبدأ طريقنا عبر جسر كورديفولي ثم يصل إلى مسار شديد الانحدار، ضيق جدًا، مرصوف جزئيًا، ومظلل على كلا الجانبين بشجيرات البرباريس، كانت الورود البرية في كل مكان، وأشجار الجوز مليئة بالفعل بمجموعات من الفاكهة الجديدة. تبدو مونتي لوكانو في الشكل مثل الشقيق الأصغر لبيلمو، تعلو نحو ضباب الصباح من جهة، وتظهر القمم البرية لمونتي بيز ومونت اجنارا بين الحين والآخر على الجهة الآخرى. وهكذا وصلنا إلى فولتاجو واجتزناها - وهي قرية خلابة تحيط بها غابات خضراء ومنحدرات من الذرة الهندية. وفي أسفل الوادي تتألق أغوردو، بقبابها البيضاء؛ وقبالة الأفق الشرقي، ترتفع القمم الوردية لـ مونتي لاستي، القمة الغامضة لجبل مونتي برامبير، وقمة صغيرة منعزلة تسمى جزيلا دي فيسكوفا، والتي تبدو مثل إصبع موجَّه نحو السماء. بعد ذلك مررنا بقرية مليئة بالكرز، وببساتين مليئة بالفاكهة القرمزية - ثم وادٍ رومانسي يسمى فال فالينا- ثم قرية فريسيني المتناثرة، مع كنيستها الصغيرة في وسط جبل المرج، والذي تحيط به غابات أشجار الشوح. من الذي كان يحلم بإيجاد مصنع لتصنيع آلات البيانو في مثل هذه الزاوية الضائعة من التلال، أو صانع كمنجات وكونتراباس بالقرب من فولتيج؟ ولكن في فريسيني، تبين أنَّ البيانو الذي يصنع هناك ذو سمعة محترمة، ويقال إنَّ الكمنجات الكبيرة والصغيرة التي يصنعها فالنتينو كونيديرا في فولتيج متميزة بشكل استثنائي.   والآن، بينما نتجول عبر هذه المساحة من المروج الممتعة، تزحزح الضباب فجأة وكشف عن لمحة مذهلة من ثلاث مسلات هائلة، يبدو أنَّ ارتفاعها يبلغ أميالًا. كانت تلك قمم ساسو دي كامبو، إحدى أعلى قمم "بريميرو"، التي لم يتسلقها أي شخص من قبل، ويقدّر أنها تعلو إلى ما يصل إلى 10000 قدم فوق مستوى البحر. تفرق الضباب ثم تجمع ثانية؛ تبرز القمم للحظة في ضوء الشمس الساطع، ثم تذوب وكأنها مصنوعة من الهواء! وقد كانت تلك أول وآخر مرة نشاهد فيها ساسو دي كامبو. يرتفع الطريق دائمًا، ويمتد الآن عبر منطقة مشجرة، صخرية ولكنها ظليلة، ولا زال سرب الفراشات الرائعة يحوم حولنا، ومن ثم أصبح الطريق نفقًا من الخضرة، لا يتسع إلا لمرور شخص واحد وبغل في كل مرة. تلتقي فروع الصنوبر وتصدر حفيفًا في الأعلى؛ قطرات الندى تتساقط من صخرة إلى أخرى، وتتدفق بين الحين والآخر عبر الطريق؛ بينما تزدان الضفاف على كل جانب بجميع أنواع الطحالب الغنية، الفراولة البرية، السراخس، البلوط، والزان. إذا لم يكن الممر شديد الانحدار وزلقًا، وكان الجهد صعبًا بالنسبة للبغال، لم نكن لنرى مكانًا أكثر طلاوة في يوم كهذا؛ لأنَّ الطقس يزداد سخونة كل ساعة، بينما تشرق الشمس وتتدفق الأبخرة. لكن سحب البغال كان عملًا طويلًا جدًا وصعبًا جدًا؛ ولأنَّ الطريق يتحول في العديد من الأماكن إلى درج مكسور من الصخور الرطبة فقد عانى خلالها البغلان ويصارعان بأقصى صعوبة، على الرغم من كونهما دون ركاب.   في النهاية، بعد أن خطونا خطوة كبيرة أخيرة، تفتحت أمام أعيننا هضبة شاسعة شبيهة بالمنتزهات تتناثر فوقها مجموعات أشجار التنوب، تشقها مئات الينابيع الصغيرة، وقد كانت مشرقة بالورود البرية، مثل بحر متدفق بالمروج الخضراء الغنية. كانت تلك قمة ممر غوسالدا. تقع قرية غوسالدا، وهي قرية صغيرة متعرجة على الجانب الجبلي، مواجهة لمونتي بيتون ومونتي برابيلو ووادي ميس، على بُعد حوالي ميلين. وهناك توقفنا لأخذ استراحة منتصف نهار عادية في نزل صغير متواضع. وجدنا مكانًا مناسبًا للجلوس على طاولة جيدة وزوجين من المقاعد الخشبية، ونافذة مفتوحة تطل على منظر ساحر على الوادي والجبال. طلبنا، كالعادة، الخبز والجبن والنبيذ. ووضحنا أنَّ النبيذ للرجال، وأننا بحاجة إلى كوب شاي وملاعق لأنفسنا؛ لكن صاحبة المكان، وهي امرأة غبية مصابة بتضخم الغدة الدرقية هزت رأسها ووقفت حائرة. "كوب؟ " كررت متسائلة،"كوب؟"  ولما وجدت أنه من المستحيل أن أجعلها تفهم ما هو الكأس، قمت برسم كوب وملعقة على الجدار الأبيض المغسول؛ ومن ثم، زودتنا بوعائي بودينغ وملاعق معدنية كبيرة، بحيث بدونا مثل شخصيات كرتونية تتناول الشاي في فقرة إيمائية. "يا إلهي! أنت تحملين النار معك!" صرخت طفلة الطبيعة تلك، وحدقت في المصباح المشتعل وفمها مفتوح على اتساعه بدهشة. ولعدم اهتمامي بالخوض في نقاش حول طبيعة واستخدامات الكحول والنبيذ، تجرأت على تذكيرها بالخبز، واستفسرت عما إذا كانت قد قدمت النبيذ للرجال. أومأت ومن ثم هزت رأسها مرة أخرى، مع وقفة قصيرة. أجابت، "النبيذ نعم، الخبز لا". يبدو من المعقول فقط أن نفكر أنه ما دام الخبز قد نفذ في المنزل، فيجب عليها أن ترسل لجلبه على الفور. لكن لا. لم تهز رأسها هذه المرة بل إصبعها - وهي إيماءة إيطالية تمامًا. لا فائدة من الإرسال في طلب الخبز. لا يوجد شيء. لا يوجد خبز في "المدينة". لا أحد لديه خبز - لا أحد في غوسالدا. ولا حتى باروكو. كل شيء يأتي من الوادي. يأتي الخباز من الوادي مرتين في الأسبوع، لكنه ليس دقيقًا في مواعيده دائمًا، لقد مضت خمسة أيام منذ آخر مرة أتى فيها، ولا يوجد فتات خبز متبقٍ في القرية. سألت، عندما وصلت إلى نهاية هذا التصريح المذهل، "ولكن لماذا لا تصنعون الخبز الخاص بكم هنا في غوسالدا؟" "إيه سيدتي، ليس لدينا خباز". "وماذا تأكلون عندما لا يأتي الخباز؟" "إيه سيدتي، نأكل عصيدة من دقيق الذرة". لحسن الحظ، كان لدينا القليل من الخبز في سلة الغداء؛ ولكن أقل من المعتاد، بعد أن أعطينا بعضًا منه للبغال نظير سعيها في ذاك الممر الضيق. لكننا كنا أفضل حالًا من جوزيبي وكليمنتي، اللذيْن لم يحصلا على أي شيء: - ولا حتى طبق من عصيدة دقيق الذرة. يبلغ تعداد سكان هذه القرية أربعمائة أو خمسمائة نفس على الأقل.  بدا الفلاحون في المنطقة الجبلية بين أغوردو وبريمييرو، بقدر ما يمكن للمرء أن يحكم من خلال رحلة ليوم واحد، أشد فقرًا، أقذر، وأكثر جهلًا من أي مكان آخر. كان معظم الذين مررنا بهم خلال الطريق، أو رأيناهم يعملون في الحقول مصابين بانتفاخ الغدة الدرقية؛ وقليلون فهموا أي شيء غير لهجتهم العامية البربرية. حتى صاحبة نزل غوسالدا، على الرغم من أنها كانت بلا شك متفوقة على العديد من جيرانها، إلا أنها لم تتحدث إلا قليلًا من الإيطالية، ولم يكن لديها أي معلومات محلية. وعندما سُئلت عن اسم الجبل النبيل الذي يظهر كسمة أساسية من خلال نوافذها الأمامية، أجابت أولًا بأنه مونتي سيريدا. بعد ذلك قالت ساسو دي ميس؛ وأقرت أنها لم تكن تعرف على وجه اليقين ما إذا كان له اسم على الإطلاق. رغم أنَّ هذا سؤال لا بد أنه وجه إليها باستمرار. لكن الجبل، كما هو محدد في الخريطة، أثبت أنه مونتي برابيلو، أعلى نقطة منه (تسمى أحيانًا إل بيز، وأحيانا إل بيزوكو) ترتفع إلى ارتفاع يصل إلى 6733 قدم فوق مستوى البحر. ممر ثانٍ - ممر شيريدا- يقع بيننا وبين بريميرو. وتقدر المسافة بنحو ساعتين إلى هناك من غوسالدا، هناك طريق جيد لتعبره البغال. بدأ الطريق بشكل جميل، وكان منحدرًاٍ ولكنه ظليل، وينتهي بين ركام صخري، وشَيعٌ  عالٍ وأشجار مقوسة. ومع ذلك، فقد كان المشهد لطيفًا للغاية ليستمر لوقت أطول؛ وعاجلًا سوف نصبح عرضة بدرجة مبالغ فيها لأسوأ سمات وأسوأ أجزاء ممر غوسالدا. كان ممر غوسالدا شديد الانحدار، لكنْ ممر شيريدا منحدر أكثر بالتأكيد. كان ممر غوسالدا رطبًا تحت أقدامنا؛ ولكن ممر شيريدا يبدو لأميال لا أكثر ولا أقل كسرير سيل صغير؛ لا رغبة للسيول الكبيرة فيه. لمرتين اضطررنا إلى الترجل وشق طريقنا سيرًا على الأقدام من الحجر إلى الحجر عبر جداول متدفقة يبلغ عرضها حوالي ثلاثين قدمًا فقط. ما يثير التساؤل هو ما إذا كان هناك شخص يعيش في هذا المكان الذي يصعب الوصول إليه؛ ومع ذلك، فقد كنا نجتاز المنازل الريفية باستمرار، ومجموعات البيوت على جانب الطريق؛ وقد كان أسفل الوادي العظيم مكتظًا بشكل كثيف. امرأة تقف عند باب حديقتها وهي ترضع طفلًا نحيلًا يبلغ من العمر حوالي ستة أشهر، استفسرت بلهفة من أين أتينا، وإذا ظننا أنَّ المكان هنا "سيء؟ " وبعد أن أكدنا لها أننا لا نعتقد أنه "سيء" بل "جميل"، أبكمتها الدهشة. "وإلى أين! إلى أين أنتم ذاهبون؟" كان سؤالها التالي، سألته بنوع من الحماس المحموم، كما لو كانت حياتها تعتمد على الجواب. أجبتها بأننا ذاهبون إلى بريميرو، بريدازو، فيغو، وأماكن أخرى. "بريميرو!" كررت لاهثة، "إلى بريدازو! رحمتك يا مادونا ما عدد الطرق السيئة التي أمامكم!" قالت تلك الكلمات ومالت نحو البوابة وراقبتنا بتعاطف صادق وعجب طوال الطريق. الآن غاص الوادي إلى أسفل، وارتفعت الجبال مع كل خطوة على الطريق. كان الطريق شديد الانحدار إلى حد كبير. تركت البغال نفسها وتسلقت بطريقة أكثر ذكاء، وتصرفت بطريقة تتفوق على أولئك الذين يسيرون على الأقدام. وفي النهاية وصلنا إلى مكان لم يعد من الممكن وصفه بأنه طريق ولكن حاجز؛ يمتد في الحقيقة عبر جدار صخري أسفل الهضبة التي كنا نتسلقها طوال هذا الوقت. هنا يجب مساعدة البغال؛ ومن خلال الدفع جزئيًا، والسحب جزئيًا وصلنا إلى القمة في النهاية. والآن هناك منطقة أخرى رائعة، تشبه إلى حد ما قمة غوسالدا، لكنها أكثر وحشية وقحولة، تنفتح بالطريقة نفسها وفي الاتجاه نفسه، مثل المروج المسحورة في الحكاية الخيالية التي تمتد إلى الأبد بلا نهاية. بهجة واهنة صغيرة في وسط هذه البرية شعر بها مرشدونا الجوعى، الذين لم يجدوا هنا فقط النبيذ الجيد بل الخبز الأبيض أيضًا، الكثير منه. ومع ذلك، يجب أن تكون فترة راحة قصيرة، لأنَّ اليوم يتقدم، وقد أمضينا بالفعل تسع ساعات على الطريق، بما في ذلك التوقفات.  سأل جوزيبي، ونحن ننطلق من جديد، "كم تبقى من الوقت حتى نصل إلى بريميرو؟" وأجابت المرأة الطيبة بالطريقة نفسها التي أجابت بها المرأة سابقًا في غوسالدا: - "ساعتان ونصف!"  كقاعدة عامة، فإنَّ الورود البرية الأجود في جميع أنحاء هذه الأقاليم الجبلية تكثر في المواقع المكشوفة، وتزدهر على نحو راقٍ على ارتفاعات لا تقل كثيرًا عن حد الغطاء النباتي. في شيريدا، بدلًا من النمو بطريقة فوضوية غنية كما هو الحال في أماكن أخرى، فإنها تفصل إلى مجموعات مميزة؛ تظهر هنا على سفح تل في مجموعات من الزنابق الملونة؛ لا يجرؤ أي رسام على تمثيل هذه المنحدرات المذهلة للورود المتعاقبة والألوان الذهبية والزرقاء. في النهاية، بدأ المسار بالهبوط، وارتفعت آمالنا. في كل لحظة نتوقع أن نرى مشهدًا أخضرَ تتبدى بريميرو في نهايته. ومع ذلك، عندما التقينا بالفلاح الذي يرتدي ملابسَ راقية من طبقة المزارعين، ووجهنا له السؤال نفسه بالكلمات السابقة ذاتها، شعرنا بالارتباك لتلقينا الإجابة نفسها بالضبط، "ساعتان ونصف أيتها السيدات".  ولشعورنا بإحباط عميق، فقد أكملنا طريقنا في صمت حزين. لقد مضى الآن أكثر من ثلاث ساعات منذ أن غادرنا غوسالدا، ومع ذلك يبدو أننا أبعد من أي وقت مضى من بريميرو. إذا لم نكن متعبين، إذا لم نكن جائعين، إذا لم تكن البغال قد بدأت تتعثر في كل خطوة، فإنَّ الأمر سيكون كوميديًا تقريبًا، لكن لأنَّ الأمر بدا سيئًا فقد تابعنا طريقنا بإحساس جنائزي. اتبعنا دائمًا مسار السيل الصغير، وعبرنا المراعي الطويلة التي تنتشر فوقها الأكواخ البنية.  شيئًا فشيئًا، وبعد أن عبرنا ميلين أو ثلاثة أخرى من الطريق، مررنا بمجموعة من السكان المحليين يجمعون القش الجديد. هذه المرة رفع جوزيبي صوته، وسأل السؤال النمطي. وأتى الجواب بشكل ساحق. "حوالي ثلاث ساعات". بدأت في الاعتقاد بأننا تحت سيطرة بعض اللعنات الرهيبة. وواتتني رؤية أننا سنركض إلى الأبد، مثل مجموعة من اليهود المتجولين، حتى يصبح أربعتنا مسنين، وشعرنا أشيب، وبالين. فجأة التفت كليمينتي بعينين مشرقتين بغبطة مخنوقة، وقال: - "ألا تعتقد السيدة أننا يمكن أن نصل إلى هناك بشكل أسرع إذا عدنا إلى الوراء؟" كانت نكتة صغيرة. لكنها جعلتنا نضحك على مصائبنا. بعد ذلك، طرحنا السؤال نفسه على كل شخص التقينا به - لمجموعة من النساء اللواتي يحملن حزم حطب؛ إلى رجل عجوز يقود خنزيرًا؛ إلى كاهن بدين يركب "بحماسة" على حمار مثل سانشو بانزا؛ وحطاب عائد إلى البيت بفأسه على كتفه، مثل جلاد خارج من إسطبل. كل واحد منهم منحنا إجابة مختلفة بالطبع. أحدهم قال ساعتان، والآخر قال ساعتان ونصف، والثالث قال ثلاث ساعات؛ وما إلى ذلك. ثم مرة واحدة، عندما لم نكن نتوقع ذلك، وصلنا إلى مساحة مفتوحة شاسعة ورأينا قلعة بيترا على قمة لا يمكن الوصول إليها فوق صخور مقسمة أمام أعيننا. بعد بضع لحظات، انفتح الوادي على عمق غير محدود - ورأينا خشب الكستناء، القرى، كروم العنب والجبال الأرجوانية التي تتجمع فيها السحب العاصفة بسرعة. قال كليمنتي، "ها بريميرو!" أشار إلى مدينة بها أكواخ كثيرة في نهاية طريق أبيض طويل، على بعد أميال وأميال. بدت قلعة بيترا مألوفة بالفعل لمعظم قراء كتب غيلبرت وتشرشل - القلعة ملك الكونت ويلسبيرغ، وقد أسسها أجداده في العصور الإقطاعية القديمة، والذين لا زالوا يعيشون في بريميرو. وقد انفصلت حافة الصخرة التي تقف عليها القلعة من أعلى إلى أسفل في وقت ما خلال القرن الماضي؛ ومن ذلك الحين صار الوصول إليها غير ممكن. تمكن المالك الحالي عندما كان شابًا مرة واحدة، مرة واحدة فقط، بمساعدة الحبال، والسلالم، والعمال من بريميرو، من التسلق مع بعض الأصدقاء إلى قمة تلك الأبراج المهجورة؛ لكن ذلك كان منذ عدة سنوات، ومنذ ذلك الحين احتلت البوم والخفافيش المكان دون عائق. تقف القلعة كحارس وحيد عند قمة شلال كول دي ساك العظيم، والمعروف باسم شلال دي كانال، وهو معلم بارز في وادي بريميرو. الانعطاف الأخير من ممر شيريدا يمر خلال طريق صخري ويعتبر عاموديًا تقريبًا مقارنة بالنزول من غيمي على جانب البحيرة وهو طريق مستوٍ ومقبول. الحجارة الرخوة التي تتدحرج تحت القدم، والمنحدرات المفاجئة للصخور الزلقة، تصعب الأمر حتى على المشاة الذين يستخدمون العصي المعدنية. لكن الأسوأ من ذلك هو البغال، التي تنزلق وتناضل، وتتبارى بطريقة محزنة، وحيث يتم جرها من نهايات أذنابها بشكل مخزي. في النهاية وصلنا إلى الطريق المستوي؛ وتعجلنا على طول الطريق المغبر الذي يمر عبر قرية توناديغو المدمرة، دخلنا بريميرو بينما قرعت أجراس الكنيسة في تمام الساعة السابعة مساءً. هنا في نزل "النسر الأسود"، الذي تديره السيدة بونيتي وجدنا استراحة، طعامًا جيدًا، ترحيبًا ودودًا، وغرفًا أفضل؛ وقبل كل شيء فقد كان المدخل يثير التساؤلات. بدا المدخل مروعًا - مجرد قوس مظلم يؤدي إلى إسطبل ماعز، ولكنْ المطبخ والغرف العامة تقعان في الطابق الأول، وغرف الزوار في الطابق الثاني؛ بحيث يمكننا أن نقول إنَّ البيت يبدأ من الطابق الذي يرتفع فوق مستوى الشارع.  من المثير للفضول مدى السرعة التي يتعلم المرء أن يكون راضيًا في تلك النزل التيرولية المتواضعة، وأن ينظر إليهم كأصدقاء، وأن يعتبر القوم اللطفاء الذين يستقبلونه كأنداد تقريبًا. وبوضع عطر الجمهورياتية العتيق جانبًا والذي يبدو أنه لا يزال يسبح في الهواء من خلال كل ما كان في الماضي فينيسيا، فإنَّ أصحاب النزل التيروليين، في معظم الأحيان، أناس من العائلات القديمة الذين يملكون الأراضي ويقومون بالمهام المرتبطة بأوطانهم الأصلية منذ العصور الوسطى. هكذا سمعنا عن غدينا من الأمبيزو الذي تولى قيادة مهمة عسكرية في بداية القرن الخامس عشر. والجياكوميليس الذين يعيشون الآن في "نافي دورو" في بريدازو حيث كان يعيش النبلاء قبل بضع مئات من السنين".  يعود تاريخ قوم بيزي إلى الفترة التي ترجع إليها أقدم سجلات رأيناها في كابريلي، وقد أخذوا اسمهم من مونتي بيزا، على المنحدرات السفلية التي لا زالوا يحتفظون فيها حتى الآن ببقايا عقاراتهم القديمة. سأتحدث أكثر عن نزل شيرشيناسو من فرونو دي زولدو، والذي ذكر في كتاب السيد غيلبرت عن كادور؛ في وثائق كتبت منذ أكثر من خمسمائة سنة. لا أعرف ما إذا كان قوم البونيتيس من بريميرو من أصل بورجوازي قديم أو نبلاء سابقين؛ لكنهم مهذبون ومضيافون بشكل خاص، بحيث لا يخطئ المرء في الاعتقاد أنهم مهذبون أكثر من البقية. لكنني اعتقد أنَّ الأشخاص المسافرين أو الذين ينوون السفر خلال هذه الوديان يجب أن يكونوا على دراية بالحقائق السابقة. وسيكون من الجيد أن يتذكروا أنهم لا يتعاملون هنا مع أصحاب النزل العاديين؛ ولكن مع أشخاص هم في الغالب لا يعتمدون على النزل كمصدر دخل أساسي، ومستعدين لاستقبال الغرباء بلطف.   إذا كان مكان الإقامة بدائيًا، فمن المرجح أنَّ ذلك أفضل ما يمتكلونه؛ ودائمًا يكون رخيصًا للغاية. ربما لا تكون التحضيرات مثالية، لكن هناك نزعة لطيفة حول الترتيبات المحلية التي تعوض عن أي قصور بسيط بطرق أخرى. عمومًا، تقوم الوالدة بطهي الطعام لضيوفها؛ يهتم الأب بإيواء الماشية؛ يخدم الأبناء والبنات على الطاولة. جميعهم مهتمون براحة المرء. وجميعهم حريصون على أظهار الاحترام. إنَّ معاملتهم بتكبر، أو بشبهة، أو اختلاق مشاكل لا لزوم لها، أمر غير عادل وغير حكيم على حد سواء.   لقد شاهدت السيدة المسنة بيتسي سابقًا وعينيها مغرورقتان بالدموع تقريبًا لأنَّ رجالًا إنجليز كانوا حريصين دائمًا على إقفال جميع ممتلكاتهم بالقفل والمفتاح في كل مرة يغامرون فيها بالخروج من المكان. الأشخاص نفسهم، عندما هموا بمغادرة المكان، انتقدوا كل سلعة من سلع فاتورتهم المعتدلة، كما لو أنه، وبغضَّ النظر عن قلة النقود التي يجب أن يدفعوها، أحسوا  وكان الأمر كان مفروضًا عليهم بطريقة ما.  إنَّ النتيجة النهائية لمثل هذا السلوك، والذي هو جزء من شعبنا العزيز، واضحة إلى أقصى حد. النزل القديمة التي تأوي العائلات ستقفل أبوابها قبالتنا في اشمئزاز؛ فئة من المضاربين المبتذلين، ربما السويسريون، سوف يتدخلون ويحتلون الأرض؛ سوف تنبثق الفنادق الأحدث والأذكى، لكن الأقل راحة بكثير مثل الفطر في هذه الوديان الهادئة. سيتم اعتراض جميع الاتصالات المباشرة بين سكان المدينة الأصليين والمسافرين الغرباء؛ ومن ثم ستزول البساطة، الشعر والسحر الوطني لمنطقة الدولميت إلى الأبد.   _______________________ بتكليف ورعاية من الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، وبدافع من حب المعرفة والسعي لنشرها قامت القرية الإلكترونية بتوفير هذه النسخة من الكتاب  وسوف نقوم بنشرها على حلقات تباعاً هنا في جوجل بلس نأمل أن تحوز إعجابكم وأن تكون مساهمة في #نشر_المعرفة صفحتنا الرسمية في فيس بوك : https://www.facebook.com/mohammed.suwaidi.poet/ منصتنا في جوجل بلس لمتابعة باقي مشروعاتنا https://plus.google.com/+HisExcellencyMohammedAhmedAlSuwaidi?hl=ar (جميع الحقوق محفوظة) , Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi,,

Related Articles

متى سيصل؟ - قمم غير موطوءة وأودية غير مطروقة
قمم غير موطوءة وأودية غير مطروقة - إيمليا إدواردز - تعريف بالكتاب
قمم غير موطوءة وأودية غير مطروقة - الباب الأول - من جبل جينيروسو إلى مدينة البندقية
قمم غير موطوءة وأودية غير مطروقة - الباب الثاني - من البندقية إلى لونغاروني
قمم غير موطوءة وأودية غير مطروقة - الباب الثالث - من لانغاروني إلى كورتينا
قمم غير موطوءة وأودية غير مطروقة - الباب الرابع - في كورتينا
قمم غير موطوءة وأودية غير مطروقة - الباب الخامس - من كورتينا إلى بياف دي كادوري