Arabic    

قصة سان ميشيل لأكسِل مونتي - الحلقة رقم 20 - معجزة سان أنطونيو


2019-06-30 00:00:00
اعرض في فيس بوك
التصنيف : قصة سان ميشيل

 

 

 

قصة سان ميشيل لأكسِل مونتي
                                       ترجمة:  علي كنعان
الحلقة رقم (20) 
XXI
معجزة سان أنطونيو
 
قام سان أنطونيو بمعجزة أخرى. كنت أعيش في بيت ريفي صغير في أناكابري(1 )، نظيف وناصع البياض، وله تعريشة مشمسة خارج الشبابيك المفتوحة، وأناس طيبون بسطاء يحيطون بي من كل جانب. ماريا العجوز ساعية البريد، مارغريتا الجميلة، أناريلا وجوكوندا.. كن جميعا مسرورات لعودتي ورؤيتي بينهن. كانت كابري دون بيونيسيو البيضاء أحسن من أي وقت مضى وقد اتضح لي أكثر فأكثر أن كابري القس الحمراء كانت جيدة بقدر مماثل. ومن مشرق الشمس حتى مغربها، كنت أعمل جاهدا في ما كان حديقة السيد ڤنسنزو، أحفر أساسات الأقواس الضخمة للرواق خارج بيتي المستقبلي. وكان المعلم نيكولا وأبناؤه الثلاثة يحفرون إلى جانبي، ونصف دزينة من الفتيات بعيون ضاحكة وأرداف رجراجة كن ينقلن التراب في سلال ضخمة على رؤوسهن. وتحت السطح بذراع، عثرنا فوق الجدران الرومانية على عمل فني صلب كالغرانيت مع حوريات وكاهنات باخوس يرقصن على جص بومبي الأحمر. وقد ظهرت تحتها أرضية فسيفساء مؤطرة بأوراق كرمة سوداء من القدم ورصيف مكسور من المرمر الجميل وسط الكوخ الضخم. وهناك عمود مزخرف يدعم الكوخ الصغير في الفناء الداخلي، ملقى عبر الرصيف حيث سقط منذ ألفي سنة، مهشما في سقوطه مزهرية كبيرة من الرخام الباروسي، ومقبضها المتوج بأسد يتربع الآن على طاولتي الخشبية، وقال المعلم نيكولا وهو يلتقط رأس أغسطس المبتور وقد انشق إلى شطرين"يمكنك أن تراه اليوم في الكوخ".
ولما كانت المعكرونة جاهزة في مطبخ القس دون أنطونيو دقت أجراس الكنيسة منتصف النهار، وجلسنا جميعا لوجبة لذيذة حول صينية ضخمة من سلطة الخس والبطاطا، حساء الخضار السميك أو المعكرونة، وفي الحال استأنفنا العمل حتى الغروب. وحين دقت الأجراس تحتنا في كابري سلام مريم رسم جميع زملائي العاملين إشارة الصليب وذهبوا قائلين:  استراحة طيبة، ممتازة، ليلة سعيدة يا سيدي. وتناهت أمنيتهم إلى سمع سان أنطونيو، فقام بمعجزة ثانية، فقد نمت الليل بطوله نوما عميقا، كما لم أنم من سنين. نهضت مع الشمس، وقفزت نازلا إلى المنارة لحمامي الصباحي ورجعت إلى الحديقة وقد عاد الآخرون للعمل من قداس الساعة الخامسة صباحا.
ما من أحد بين زملائي العمال كان يعرف القراءة أو الكتابة، ولا واحد منهم عمل في بناء أي من البيوت الأخرى أكثر من مساكنهم الفلاحية، وكلها متشابهة تقريبا. لكن المعلم نيكولا كان يعرف كيف يبني قنطرة كما كان يفعل والده وجده منذ أجيال غير محدودة، وكان الرومان معلميهم في ذلك. وبما أن هذا سيكون منزلا مختلفا عن أي بيت رأوه من قبل، فقد اتضح لهم ذلك، وكانوا جميعا مهتمين للغاية، ولا أحد كان يعرف كيف سيكون، ولا حتى أنا. وكل ما اهتدينا له هو نمط  تقريبي من مخطط أولي قمت برسمه على حائط الحديقة الأبيض بقطعة من الفحم، وأنا لا أستطيع رسم أي شيء، فبدا وكأنه مرسوم بيد طفل.
وقلت لهم موضحا: "هذا هو بيتي، وغرفه المعقودة ستكون مدعومة بأعمدة رومانية ضخمة، وهناك بالطبع أعمدة قوطية صغيرة لكل الشبابيك. هذا هو البيت بقناطره المتينة، وسوف نقرر عما قريب كم سيكون فيه من القناطر. وهنا ستكون تعريشة الممر المؤدي إلى الكنيسة، وفيه أكثر من مئة عمود، ولا تنسوا أن الطريق العام يمر الآن عبر تعريشتي، ولا بد من تحويله. وهنا سيقوم مبنى آخر يطل على قلعة بربروسا، لا أدري في الوقت الحاضر كيف سيكون تماما، لكني متأكد أنه سينبثق في رأسي في اللحظة المناسبة. وهذا فناء داخلي صغير، كله من الرخام الأبيض، نوع من الردهة وفي وسطها نافورة ماء بارد، وحولها في الجدران كوى لرؤوس أباطرة رومان. وهنا خلف البيت، سوف نخفض سور الحديقة ونبني رواقا يشبه لاتيرانو في روما. وهنا سيقام تِرَّاس( 2) واسع حيث سترقصن جميعا، يا بنات، رقصة الترَنتِللا في أماسي الصيف. وفي أعلى الحديقة سنقتلع الصخرة ونبني مسرحا إغريقيا مفتوحا للشمس والريح من جميع الجوانب. وهذا مشجر بالسرو يؤدي إلى الكنيسة التي سنبنيها طبعا كنيسة ذات رواق ومقاعد ونوافذ ملونة الزجاج، وأنوي أن أجعلها مكتبتي. وهذه ستكون بصف من أعمدة قوطية ملوية تحيط بالكنيسة، وتشرف من هنا على خليج نابولي، وسنرفع تمثالا ضخما من الغرانيت لأبي الهول المصري، أقدم من تبريوس نفسه. إنه المكان اللائق بأبي الهول. ولا أرى في الوقت الحاضر من أين سأحصل عليه لكني واثق أنه سيصل في وقته.
كانوا مبتهجين جميعا وتواقين لإنهاء البيت في الحال. وأراد المعلم نيكولا أن يعرف من أين سيأتي الماء للنافورة.
من السماء طبعا، من حيث كان كل ماء الجزيرة يأتي. لقد عزمت على شراء جبل بربروسا كله،  وسأبني هناك خزانا ضخما لتجميع ماء المطر، وأزود القرية كلها بالماء، وهي اليوم بحاجة ماسة إليه، وهذا أقل ما أفعله من أجلهم لأرد لهم كل ما قدموه لي من معروف. وحين رسمت الخطوط الخارجية للرواق الصغير بعصاي في الرمل، فقد رأيته حالا كما هو مقام الآن، محيطا برواقيه الرائعين الفناء الصغير من أشجار السرو والظبي الصغير يرقص وسطه. ولما عثرنا على مزهرية ملأى بالنقود الرومانية، صاروا مستثارين جدًّا وكل فلاح في الجزيرة أراد أن يلقي نظرة على كنز تمبريو الباقي منذ ألفي سنة. وفي وقت لاحق حين قمنا بتنظيف النقود ألفيت بينها قطعة ذهبية جديدة وكأنها سكت اليوم، "لم يتداولونها" فعلا، وهي أروع شبه رأيته للإمبراطور العجوز. وعلى مقربة منها وجدنا نعلين من البرونز لتمثال فروسي، وأحدهما ما زال بين مقتنياتي، والآخر سرقه سائح بعد ذلك بعشر سنين. كانت الحديقة كلها ملأى بآلاف وآلاف من ألواح مصقولة من المرمر الملون، أفريقية، مرقشة، صفراء قديمة، خضراء قديمة، بصلية، وكلها تشكل الآن رصيف البيت الكبير، الكنيسة، وجزءا من السطيحة. وظهر لنا، ونحن نحفر، فنجان مكسور من الغرانيت الشفاف بديع الشكل، وعدة مزهريات إغريقية مكسورة وغير مكسورة، وشظايا لا تعد من التماثيل الرومانية الأولية ومن بينها ساق تمبيريو، كما قال المعلم نيكولا، وعشرات المخطوطات الإغريقية والرومانية. وبينما كنا نغرس السرو على طرف الممر القصير المؤدي إلى الكنيسة، وجدنا قبرا يضم هيكلا عظميا في فمه قطعة نقود إغريقية، العظام لا تزال هناك، والجمجمة تستقر الآن على طاولة مكتبي.
الرواق الضخم للبيت ارتفع بسرعة عن الأرض، وانتصبت مئات الأعمدة البيضاء للتعريشة، واحدا فواحدا، في وجه السماء. ووما كان يوما بيت السيد ڤنسنزو ومحل نجارته تحول شيئا فشيئا واتسع لكي يصبح بيتي المستقبلي. وليس في وسعي أن أدرك كيف تم ذلك، ولا في وسع أي شخص آخر ممن يعرفون تاريخ سان ميشيل الحالي. لم أكن أعرف إطلاقا أي شيء عن العمارة، ولا أي من زملائي العمال، ولا أحد ممن يعرف القراءة والكتابة كان بإمكانه أن يقوم بالعمل، ولم نستشر أبدا أي مهندس معماري، ولم يقم أحد برسم أو مخطط مناسب، ولم تؤخذ أي مقاييس دقيقة إطلاقا. كان كله شغل "العين" كما دعاه المعلم نيكولا.
وغالبا ما اعتدت، في كل مساء بعد أن يذهب الآخرون بعيدا، أن أجلس وحدي على حاجز المتراس المكسور خارج الكنيسة الصغيرة حيث سينتصب أبو الهول الذي يخصني، أراقب بعين عقلي قلعة أحلامي ترتفع منبثقة من الشفق. وغالبا ما خيل إلي، وأنا جالس هناك، أني أرى زَولا ممشوقا بمعطف طويل يجوس إلى الأسفل تحت القناطر نصف المنتهية من البيت، وهو يتفحص عمل اليوم بعناية، مختبرا متانة البنيان الجديد، منحنيا على الخطوط الأولية التي رسمتها على الرمل. من كان ذلك المشرف الغامض؟ أكان القديس المبجل أنطونيو بعينه هو الذي هبط سرا من مزاره في الكنيسة ليقوم بمعجزة ثانية هنا؟ أم كان شيطان شبابي الذي وقف بجانبي على هذه البقعة ذاتها منذ اثني عشر عاما ليقدم لي مساعدته لقاء مستقبلي؟ لقد زادت العتمة حتى لم يعد في مقدوري أن أرى وجهه، لكني أظن أني رأيت نصل سيف يلمع تحت معطف أحمر. ولما عدنا للعمل في صباح اليوم التالي، وفي النقطة التي توقفنا قليلا عندها مساء البارحة بارتباك حول ماذا نعمل وكيف نعمله، بدا أن كل صعوباتي قد أزيلت خلال الليل. والتردد كله تركني. لقد رأيتها كلها في عين عقلي بوضوح وكأن مهندسا معماريا رسمها بأدق تفاصسلها.
وقبل يومين حملت إلي ماريا ساعية البريد رسالة من روما. ألقيت بها دون أن أفتحها في درج مكتبي لتشارك دزينة من الرسائل الأخرى غير المقروءة. ليس للعالم خارج كابري أي وقت لدي، ولا من بريد في السماء. ثم حدث ما لم يسمع به أحد من قبل هناك، فقد وردت إلى أناكابري برقية. من المؤلم أن الإشارة أرسلت قبل يومين من تحويلة المحطة في ماسا لوبرينس وقد وصلت إلى كابري بفضل قوس الطبيعة. دون تشيتشيو، المشرف على التحويلة، بعد تخمين غامض قدمها بدوره إلى عدة أشخاص في كابري. ولم يستطع أحد أن يفهم كلمة منها، ولا أحد أراد أن يعمل أي شيء بها. وعندئذ تقرر أن تحال إلى كابري، وقد وضعت في أعلى سلة السمك الخاصة بماريا ساعية البريد. وماريا ساعية البريد، التي لم تر برقية أبدا من قبل، سلمتها بكل احتراس إلى القسيس. والمحترم دون أنطونيو، الذي ليس من عادته أن يقرأ أي شيء لا يعرفه بفضل قلبه، أشار على ساعية البريد ماريا أن تأخذها لمعلم المدرسة المحترم دون ناتال، أفضل رجل متعلم في القرية. ودون ناتال كان واثقا أنها مكتوبة بالعبرية، لكنه غير قادر على ترجمتها بسبب سوء التهجئة. فقال لساعية البريد ماريا أن تأخذها إلى المحترم دون ديونيسيو الذي كان في روما ليقبل يد البابا وهو الرجل المناسب لقراءة الرسالة الغامضة. ودون دونيسيو، أعظم سلطة على المقتنيات القديمة في القرية، ميزها فورا بأنها مكتوبة بالرمز البرقي السري ليمبيريو بذاته، ولا عجب أن أحدا لم يستطع أن يفهمها. وقد دعمت الصيدلانية رأيه ولكن الحلاق ناقضها بشدة وأقسم أنها مكتوبة بالإنجليزية. واقترح بمكر أنها ينبغي أن تؤخذ إلى  الحسناء مارغريتا التي كانت عمتها قد تزوجت إبجليزيا. وانفجرت الحسناء مارغريتا بالدموع حالما رأت البرقية، فقد حلمت ليلا أن عمتها كانت مريضة، وشعرت بالتأكيد أن البرقية لها وأن اللورد الإنجليزي أرسلها ليعلن وفاة عمتها. وبينما كانت ساعية البريد ماريا تدور بالبرقية من بيت إلى بيت، ازداد الهياج في القرية أكثر فأكثر، وسرعان ما توقف العمل. وانطلقت إشاعة أن حربا قد نشبت بين إيطاليا والأتراك وقد قوبلت بإشاعة أخرى عند الظهر جاء بها صبي حافي القدمين من كابري تقول إن الملك اغتيل في روما. وقد دعي المجلس البلدي بشكل طارئ لكن دون دييغو، العمدة، قرر أن ينكس العلم إلى نصف السارية حتى تأتي برقية أخرى تؤكد الخبر المحزن. وقبيل الغروب وصلت ساعية البريد ماريا ومعها البرقية إلى سان ميشيل، مصحوبة بحشد من الشخصيات البارزة من كلا الجنسين. نظرت إلى البرقية وقلت إنها ليست لي. لمن هي إذن؟ قلت لا أدري، فأنا لم أسمع بأي شخص حي أو ميت مبتلى بما يشبه هذا الاسم،  وهو ليس اسما، بل يبدو أنه من أبجدية لسان غير معروف. ألم يكن علي أن أحاول قراءة البرقية وأعلن عما فيها؟ لا، لست ملزما بذلك، فأنا أكره البرقيات. ولم أكن راغبا بمعرفة أي شيء متعلق بها. هل صحيح أن هناك حربا بين إيطاليا والأتراك؟ زعق الحشد عند حائط الحديقة من تحت. لا أدري، ولم أكن معنيا بأن تكون هناك حرب ما دمت متروكا بسلام لأنكش في حديقتي.
وانهارت ماريا العجوز ساعية البريد خائرة القوى على العمود البصلي، قائلة إنها ما زالت على قدميها مع البرقية منذ الفجر ولم تأكل شيئا، وليس في إمكانها أن تفعل أي شيء آخر. وفوق ذلك كان عليها أن تذهب لتعلف للبقرة. ألا يمكن أن أحتفظ بالبرقية حتى صباح الغد؟ من الممكن ألا تكون في مأمن إذا تركت في عهدتها، مع كل أولئك الأحفاد الذين يلعبون حول الغرفة، بغض النظر عن الدجاج والخنزير. كانت العجوز ماريا ساعية البريد صديقة حميمة لي.  وضعت البرقية في جيبي، وهي ستستأنف تجوالها معها في صباح اليوم التالي.
غاصت الشمس في البحر، ودقت الأجراس السلام المريمي، وذهبنا جميعا إلى البيت لتناول العشاء. وبينما كنت جالسا تحت التعريشة وأمامي زجاجة من أحسن خمور دون ديونيسيو، لمعت في رأسي فكرة مرعبة – تصور لو أن البرقية كانت لي بعد كل ما جرى! حصنت نفسي بزجاجة أخرى من الخمر، ووضعت البرقية أمامي على الطاولة أمامي وباشرت العمل، محاولا ترجمة معناها الغامض إلى لغة بشرية. لقد استهلكت زجاجة الخمر بكاملها حتى اقتنعنت أن البرقية لم تكن لي، وغلبني النوم، ورأسي على الطاولة والبرقية في يدي.
وتأخرت في نومي في الصباح التالي. لا حاجة للسرعة، فلا أحد يعمل في حديقتي اليوم، فمن المؤكد أنهم كلهم في الكنيسة، لأداء قداس الصباح، بمناسبة الجمعة الحزية. تمشيت إلى سان ميشيل بعد نحو ساعتين، وأدهشني جدًّاأن أجد المعلم نيكولا مع أولاده الثلاثة وجميع الفتيات يعملون بجد في الحديقة كالمعتاد. وكانوا يعرفون طبعا كم كنت حرصا على أن أواصل العمل بالسرعة القصوى، لكن لم يكن من أحلامي إطلاقا أن أطلب إليهم العمل في الجمعة الحزينة. كان ذلك كرما منهم فعلا، وقلت لهم إني ممتن جدا. نظر إلي المعلم نيكولا باندهاش واضح وقال إنه ليس يوم عيد.
"أليس اليوم عطلة!" ألا يعرف أنه يوم الجمعة الحزينة، يوم صلب سيدنا المسيح عيسى؟
رد المعلم نيكولا: "حسنا، ولكن المسيح ليس قديسا".
"هو قديس طبعا، أعظم قديس بينهم".
"لكنه ليس عظيما كسان أنطونيو الذي قام بأكثر من مئة معجزة". ونظر إلي بمكر سائلا: "كم فعل عيسى المسيح؟"
لا أحد أفضل مني كان يعرف أن سان أنطونيو لا يجارى في فعل المعجزات، فهل من معجزة أعظم من إعادتي إلى هذه القرية؟ تجنبت سؤال المعلم نيكولا وقلت مع كل الاحترام الواجب للقديس أنطونيو فهو ليس إلا رجل، بينما عيسى المسيح هو ابن ربنا في السماء الذي عانى الموت على الصليب في مثل هذا اليوم لكي يخلصنا جميعا من جهنم.
"هذا غير صحيح". قال المعلم نيكولا وهو يتابع الحفر بقوة. "لقد أعلنوا موته البارحة ليختصروا الحفلة في الكنيسة".
ولم أكد أسترد رشدي من هذا الإعلان حتى ناداني باسمي صوت معروف جدًّا من خارج سور الحديقة. إنه صديقي السفير السويدي الذي جرى تعيينه حديثا في روما. كان غاضبا لأنه لم يتلقَّ ردا على رسالته، مبينا عزمه على المجيء لقضاء الفصح معي، وهو ما زال يشعر بمزيد من الاستياء لأني لم أتمتع باللياقة الكافية لكي ألاقيه في الميناء ومعي حمار لدى وصول زورق البريد، كما رجاني أن أفعل في البرقية. ولم يكن مضطرا أن يجيء إلى أناكابري لو كان يدري أن عليه أن يصعد سبعمئة وسبعين درجة فينيقية حتى يصل وثبا إلى قريتي التعيسة. هل كان لدي من قلة الأدب ما يكفي لأقول إني لم أستلم برقيته؟ 
طبعا استلمتها، استلمناها جميعا، وأوشكت أن أسكر عليها. ولما ناولته البرقية راق قليلا، وقال إنه سيأخذها إلى روما ليريها إلى وزير البريد والتلغراف. خطفتها من يده، وحذرته أني سأقف بإصرار ضد أي محاولة لتحسين الاتصالات البرقية بين كابري والبر الرئيس.
ولقد سرني أن أطلع صديقي على الموقع بكامله وأوضح له كل أعاجيب سان ميشيل المستقبلية بالرجوع احيانا إلى مخططي الأولي على الجدار لأجعله ملما به بشكل أوضح، لأنه كان بحاجة ماسة إلى ذلك الإيضاح كما قال. كان مفعما بالإعجاب، ولما أطل من الكنيسة على الجزيرة الجميلة دون قدميه قال إنه أجمل منظر في العالم على ما يعتقد. ولما دللته على مكان التمثال الهائل لأبي الهول المصري وهو من الغرانيت الأحمر، رمقني بنظرة جانبية متوجسة، وحين أريته الجبل الذي سينسف لإقامة مسرح إغريقي قال إنه يشعر بشيء من الدوار وطلب إلي أن آخذه إلى بيتي وأعطيه كأسا من النبيذ، لأنه أراد أن يتحدث معي بهدوء. 
طافت عيناه في أرجاء الغرفة المبيضة بالكلس وسألني إذا كانت هذه هي الفيللا، فأجبت بأني لم أنعم أبدا بمثل هذه الراحة في حياتي. وضعت دورقا من خمر دون ديونيسيو على طاولة الصنوبر، ودعوته للجلوس على كرسي وألقيت بنفسي على السرير مستعدا للإصغاء إلى ما كان يود قوله. سألني صديقي إن كنت قد أمضيت كثيرا من الوقت في السلبيتريير بين كثير أو قليل من الناس المشوشين والمنحرفين، المهزوزين نوعا ما في الدور العلوي؟
قلت إنه لم يجانب الحقيقة، لكني تخليت عن السلبيتريير تماما. 
قال إنه مسرور جدًّا لسماع ذلك، وكان يفكر أنه وقت حاسم، وأن من الأفضل لي أن أختار  حقلا آخر من الاختصاص. إنه يكن لي محبة شديدة، وفي الحقيقة أنه جاء ساعيا لإقناعي أن أرجع حالا إلى وضعي الممتاز في باريس بدلا من إضاعة وقتي بين هؤلاء الفلاحين في في أناكابري. ولقد غير رأيه الآن بعد أن رآني، فقد توصل إلى الاقتناع أني كنت بحاجة إلى راحة تامة.
قلت إني مسرور جدًّابموافقته على قراري، فأنا فعلا لا أستطيع احتمال مزيد من التوتر، فقد كنت منهكا.
"عقليا؟"، سألني بتعاطف.
قلت له أن لا جدوى من اقتراحه أن أعود إلى باريس، وسوف أمضي بقية أيامي في أناكابري.
"تقصد أن تقول إنك ستمضي حياتك في هذه القرية الصغيرة البائسة وحيدا تماما بين هؤلاء الفلاحين الذين لا يعرفون القراءة ولا الكتابة! أنت الرجل المثقف، فمع من ستقيم صحبة؟"
"مع نفسي وكلابي وربما مع قرد".
"كنت دائما تقول إنك لا تستطيع أن تعيش بلا موسيقا، فمن سيغني لك، ومن سيعزف لك؟"
"العصافير في الحديقة، والبحر دائما حولي. أنصت! أتسمع تلك الصداحة العجيبة؟ إنها الصفَّارية الذهبية، أليس صوتها أعذب من صوت مواطنتنا الشهيرة ريستين نيلسون أو باتي بذاتها؟ أتسمع ذلك الهدير المهيب الراقراق من الأمواج، أليس أجمل من الحركة البطيئة في سمفونية بيتهوڤن التاسعة؟"
وعاجلني صديقي بتغيير مجرى الحديث، ليسألني من كان مهندسي المعماري وبأي طراز سيكون بناء البيت؟
أخبرته أن ليس هناك أي مهندس معماري، وحتى الآن لا أعرف بأي طراز سيبنى البيت، وكل ذلك سيتم وفق استمرار العمل بالذات.
رمقني متوجسا بنظرة جانبية أخرى وقال إنه في أقل تقدير مسرور بأن يعلم أني غادرت باريس رجلا غنيا، ومن المؤكد أن بناء مثل هذه الڤيللا الرائعة كما وصفتها له يحتاج إلى ثروة كبيرة. 
 
فتحت درج طاولتي الصنوبر وأريته رزمة من الأوراق النقدية مطوية في جورب. قلت إنها كل ما أملك في هذا العالم بعد اثني عشر عاما من العمل الشاق في باريس، وأعتقد أنها تبلغ حوالي  خمسة عشر ألف فرنك، وربما تزيد قليلا، وربما تنقص قليلا، ومن المحتمل أن تكون أقل.
"أيها الحالم الذي لا يرجى علاجه،أنصت إلى صوت صديق"، قال السفير السويدي. وتابع، وهو ينقر بإصبعه على جبهته: "أنت لا ترى أوضح من مرضاك السابقين في السلبيتريير، وقد تفشى المرض بهم بوضوح. ابذل جهدا كي ترى الأمور كما هي في الواقع وليس في أحلامك. إن جوربك سيكون خاويا في مدة شهر، حسب المعدل الذي تسير فيه، وحتى الآن لا أرى أي أثر لغرفة واحدة لتعيش فيها، فأنا لا أرى إلا أروقة، وسطيحات، وممرات مسقوفة، ومداخل معرشة. بماذ ستبني بيتك؟"
"بيدي".
"وحين تستقر في بيتك، بماذا ستقتات؟"
"بالمعكرونة".
"سيكلفك نصف مليون لتبني سان ميشيلك كما تراه في خيالك، من أين ستحصل على المال؟"
لقد صعقت. فأنا لم أفكر بهذا أبدا، كل ما في الأمر كان وجهة نظر جديدة.
وقلت أخيرا، وأنا أحدق إلى صديقي: "بحق السماء، ماذا علي أن أفعل؟"
أجاب صديقي بصوته الحازم: "سأقول لك ماذا عليك أن تفعل. عليك أن توقف العمل حالا في مشروعك الجنوني هذا في سان ميشيل، انصرف من غرفتك المطلية بالكلس، وبما أنك ترفض العودة إلى باريس، عليك أن تذهب إلى روما لتبدأ عملك الطبي من جديد. روما هي المكان المناسب لك. ولا تحتاج إلا أن تمضي الشتاء هناك، وسيكون لديك الصيف بطوله لتواصل بناءك. لقد علق سان ميشيل في دماغك، لكنك لست أحمق، أو أن معظم الناس على الأقل لم يكتشفوا ذلك بعد. وأنت فوق ذلك محظوظ في كل ما تضع يديك عليه. لقد علمت أن أربعة وأربعين طبيبا أجنبيا يعملون في روما، فإذا حزمت أمرك وانطلقت في عملك بجد فأنت قادر أن  تطرحهم جميعا بيدك اليسرى. فإذا عملت بلا كلل وسلمتني ما تكسبه فأنا واثق أنك ستنال كل ما تحب، وذلك أنك في أقل من خمس سنوات سيكون لديك ما يكفي من المال لتنهي مشروعك في سان ميشيل وتعيش بقية حياتك سعيدا بصحبة كلابك وقردتك". 
وبعد أن غادر صديقي، أمضيت ليلة رهيبة وأنا أروح جيئة وذهابا في غرفتي الريفية كحيوان في قفص. ولم أجرؤ حتى على أن أذهب إلى الكنيسة لأقول ليلة سعيدة لأبي الهول الخاص بأحلامي كما كانت عادتي. كنت خائفا أن المغوي بمعطفه الأحمر يمكن أن يقف إلى جانبي في الغسق. ولما ارتفعت الشمس اندفعت هابطا إلى المنارة وألقيت بنفسي في البحر. وحين سبحت نحو الشاطئ كان رأسي صافيا وباردا كمياه الخليج.
وبعد أسبوعين كنت أقيم باستقرار كطبيب في منزل كيتس في روما.
 
 
-----------------------
(1 ) Anacapri:  معناها كابري العليا وهي مقاطعة في الشطر الجنوبي من جزيرة كابري. (G)
( 2) Terrace - بعض المعاجم ترجمتها: سطيحة، شرفة، دكة، مصطبة، لكن هذه المفردات لا تؤدي المعنى الدقيق. (م)
 
 
--------------------
 
هذه الملحمة الإنسانية  لاكسيل مونتي يصعب أن نَفيها حقها في مقالة موجزة، خاصة وهو يعبر بعمق وألم عن المعركة الدائرة بين الموت والحياة... فالمعركة منظمة في أدق تفاصيلها وفق قانون من التوازن بين الحياة والموت لا يقبل التغيير... لذا أترك للقارئ متعة قراءتها، كما استمتعت. محمد أحمد السويدي
بتكليف ورعاية من الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، وبدافع من حب المعرفة والسعي لنشرها قامت القرية الإلكترونية بتوفير هذه النسخة من قصة سان ميشيل مترجمة باللغة العربية – ترجمها علي كنعان. (جميع الحقوق محفوظة)
صفحتنا الرسمية في فيس بوك :
منصتنا في جوجل بلس لمتابعة باقي مشروعاتنا 
https://plus.google.com/+HisExcellencyMohammedAhmedAlSuwaidi?hl=ar
 

      قصة سان ميشيل لأكسِل مونتي                                        ترجمة:  علي كنعان الحلقة رقم (20)  XXI معجزة سان أنطونيو   قام سان أنطونيو بمعجزة أخرى. كنت أعيش في بيت ريفي صغير في أناكابري(1 )، نظيف وناصع البياض، وله تعريشة مشمسة خارج الشبابيك المفتوحة، وأناس طيبون بسطاء يحيطون بي من كل جانب. ماريا العجوز ساعية البريد، مارغريتا الجميلة، أناريلا وجوكوندا.. كن جميعا مسرورات لعودتي ورؤيتي بينهن. كانت كابري دون بيونيسيو البيضاء أحسن من أي وقت مضى وقد اتضح لي أكثر فأكثر أن كابري القس الحمراء كانت جيدة بقدر مماثل. ومن مشرق الشمس حتى مغربها، كنت أعمل جاهدا في ما كان حديقة السيد ڤنسنزو، أحفر أساسات الأقواس الضخمة للرواق خارج بيتي المستقبلي. وكان المعلم نيكولا وأبناؤه الثلاثة يحفرون إلى جانبي، ونصف دزينة من الفتيات بعيون ضاحكة وأرداف رجراجة كن ينقلن التراب في سلال ضخمة على رؤوسهن. وتحت السطح بذراع، عثرنا فوق الجدران الرومانية على عمل فني صلب كالغرانيت مع حوريات وكاهنات باخوس يرقصن على جص بومبي الأحمر. وقد ظهرت تحتها أرضية فسيفساء مؤطرة بأوراق كرمة سوداء من القدم ورصيف مكسور من المرمر الجميل وسط الكوخ الضخم. وهناك عمود مزخرف يدعم الكوخ الصغير في الفناء الداخلي، ملقى عبر الرصيف حيث سقط منذ ألفي سنة، مهشما في سقوطه مزهرية كبيرة من الرخام الباروسي، ومقبضها المتوج بأسد يتربع الآن على طاولتي الخشبية، وقال المعلم نيكولا وهو يلتقط رأس أغسطس المبتور وقد انشق إلى شطرين"يمكنك أن تراه اليوم في الكوخ". ولما كانت المعكرونة جاهزة في مطبخ القس دون أنطونيو دقت أجراس الكنيسة منتصف النهار، وجلسنا جميعا لوجبة لذيذة حول صينية ضخمة من سلطة الخس والبطاطا، حساء الخضار السميك أو المعكرونة، وفي الحال استأنفنا العمل حتى الغروب. وحين دقت الأجراس تحتنا في كابري سلام مريم رسم جميع زملائي العاملين إشارة الصليب وذهبوا قائلين:  استراحة طيبة، ممتازة، ليلة سعيدة يا سيدي. وتناهت أمنيتهم إلى سمع سان أنطونيو، فقام بمعجزة ثانية، فقد نمت الليل بطوله نوما عميقا، كما لم أنم من سنين. نهضت مع الشمس، وقفزت نازلا إلى المنارة لحمامي الصباحي ورجعت إلى الحديقة وقد عاد الآخرون للعمل من قداس الساعة الخامسة صباحا. ما من أحد بين زملائي العمال كان يعرف القراءة أو الكتابة، ولا واحد منهم عمل في بناء أي من البيوت الأخرى أكثر من مساكنهم الفلاحية، وكلها متشابهة تقريبا. لكن المعلم نيكولا كان يعرف كيف يبني قنطرة كما كان يفعل والده وجده منذ أجيال غير محدودة، وكان الرومان معلميهم في ذلك. وبما أن هذا سيكون منزلا مختلفا عن أي بيت رأوه من قبل، فقد اتضح لهم ذلك، وكانوا جميعا مهتمين للغاية، ولا أحد كان يعرف كيف سيكون، ولا حتى أنا. وكل ما اهتدينا له هو نمط  تقريبي من مخطط أولي قمت برسمه على حائط الحديقة الأبيض بقطعة من الفحم، وأنا لا أستطيع رسم أي شيء، فبدا وكأنه مرسوم بيد طفل. وقلت لهم موضحا: "هذا هو بيتي، وغرفه المعقودة ستكون مدعومة بأعمدة رومانية ضخمة، وهناك بالطبع أعمدة قوطية صغيرة لكل الشبابيك. هذا هو البيت بقناطره المتينة، وسوف نقرر عما قريب كم سيكون فيه من القناطر. وهنا ستكون تعريشة الممر المؤدي إلى الكنيسة، وفيه أكثر من مئة عمود، ولا تنسوا أن الطريق العام يمر الآن عبر تعريشتي، ولا بد من تحويله. وهنا سيقوم مبنى آخر يطل على قلعة بربروسا، لا أدري في الوقت الحاضر كيف سيكون تماما، لكني متأكد أنه سينبثق في رأسي في اللحظة المناسبة. وهذا فناء داخلي صغير، كله من الرخام الأبيض، نوع من الردهة وفي وسطها نافورة ماء بارد، وحولها في الجدران كوى لرؤوس أباطرة رومان. وهنا خلف البيت، سوف نخفض سور الحديقة ونبني رواقا يشبه لاتيرانو في روما. وهنا سيقام تِرَّاس( 2) واسع حيث سترقصن جميعا، يا بنات، رقصة الترَنتِللا في أماسي الصيف. وفي أعلى الحديقة سنقتلع الصخرة ونبني مسرحا إغريقيا مفتوحا للشمس والريح من جميع الجوانب. وهذا مشجر بالسرو يؤدي إلى الكنيسة التي سنبنيها طبعا كنيسة ذات رواق ومقاعد ونوافذ ملونة الزجاج، وأنوي أن أجعلها مكتبتي. وهذه ستكون بصف من أعمدة قوطية ملوية تحيط بالكنيسة، وتشرف من هنا على خليج نابولي، وسنرفع تمثالا ضخما من الغرانيت لأبي الهول المصري، أقدم من تبريوس نفسه. إنه المكان اللائق بأبي الهول. ولا أرى في الوقت الحاضر من أين سأحصل عليه لكني واثق أنه سيصل في وقته. كانوا مبتهجين جميعا وتواقين لإنهاء البيت في الحال. وأراد المعلم نيكولا أن يعرف من أين سيأتي الماء للنافورة. من السماء طبعا، من حيث كان كل ماء الجزيرة يأتي. لقد عزمت على شراء جبل بربروسا كله،  وسأبني هناك خزانا ضخما لتجميع ماء المطر، وأزود القرية كلها بالماء، وهي اليوم بحاجة ماسة إليه، وهذا أقل ما أفعله من أجلهم لأرد لهم كل ما قدموه لي من معروف. وحين رسمت الخطوط الخارجية للرواق الصغير بعصاي في الرمل، فقد رأيته حالا كما هو مقام الآن، محيطا برواقيه الرائعين الفناء الصغير من أشجار السرو والظبي الصغير يرقص وسطه. ولما عثرنا على مزهرية ملأى بالنقود الرومانية، صاروا مستثارين جدًّا وكل فلاح في الجزيرة أراد أن يلقي نظرة على كنز تمبريو الباقي منذ ألفي سنة. وفي وقت لاحق حين قمنا بتنظيف النقود ألفيت بينها قطعة ذهبية جديدة وكأنها سكت اليوم، "لم يتداولونها" فعلا، وهي أروع شبه رأيته للإمبراطور العجوز. وعلى مقربة منها وجدنا نعلين من البرونز لتمثال فروسي، وأحدهما ما زال بين مقتنياتي، والآخر سرقه سائح بعد ذلك بعشر سنين. كانت الحديقة كلها ملأى بآلاف وآلاف من ألواح مصقولة من المرمر الملون، أفريقية، مرقشة، صفراء قديمة، خضراء قديمة، بصلية، وكلها تشكل الآن رصيف البيت الكبير، الكنيسة، وجزءا من السطيحة. وظهر لنا، ونحن نحفر، فنجان مكسور من الغرانيت الشفاف بديع الشكل، وعدة مزهريات إغريقية مكسورة وغير مكسورة، وشظايا لا تعد من التماثيل الرومانية الأولية ومن بينها ساق تمبيريو، كما قال المعلم نيكولا، وعشرات المخطوطات الإغريقية والرومانية. وبينما كنا نغرس السرو على طرف الممر القصير المؤدي إلى الكنيسة، وجدنا قبرا يضم هيكلا عظميا في فمه قطعة نقود إغريقية، العظام لا تزال هناك، والجمجمة تستقر الآن على طاولة مكتبي. الرواق الضخم للبيت ارتفع بسرعة عن الأرض، وانتصبت مئات الأعمدة البيضاء للتعريشة، واحدا فواحدا، في وجه السماء. ووما كان يوما بيت السيد ڤنسنزو ومحل نجارته تحول شيئا فشيئا واتسع لكي يصبح بيتي المستقبلي. وليس في وسعي أن أدرك كيف تم ذلك، ولا في وسع أي شخص آخر ممن يعرفون تاريخ سان ميشيل الحالي. لم أكن أعرف إطلاقا أي شيء عن العمارة، ولا أي من زملائي العمال، ولا أحد ممن يعرف القراءة والكتابة كان بإمكانه أن يقوم بالعمل، ولم نستشر أبدا أي مهندس معماري، ولم يقم أحد برسم أو مخطط مناسب، ولم تؤخذ أي مقاييس دقيقة إطلاقا. كان كله شغل "العين" كما دعاه المعلم نيكولا. وغالبا ما اعتدت، في كل مساء بعد أن يذهب الآخرون بعيدا، أن أجلس وحدي على حاجز المتراس المكسور خارج الكنيسة الصغيرة حيث سينتصب أبو الهول الذي يخصني، أراقب بعين عقلي قلعة أحلامي ترتفع منبثقة من الشفق. وغالبا ما خيل إلي، وأنا جالس هناك، أني أرى زَولا ممشوقا بمعطف طويل يجوس إلى الأسفل تحت القناطر نصف المنتهية من البيت، وهو يتفحص عمل اليوم بعناية، مختبرا متانة البنيان الجديد، منحنيا على الخطوط الأولية التي رسمتها على الرمل. من كان ذلك المشرف الغامض؟ أكان القديس المبجل أنطونيو بعينه هو الذي هبط سرا من مزاره في الكنيسة ليقوم بمعجزة ثانية هنا؟ أم كان شيطان شبابي الذي وقف بجانبي على هذه البقعة ذاتها منذ اثني عشر عاما ليقدم لي مساعدته لقاء مستقبلي؟ لقد زادت العتمة حتى لم يعد في مقدوري أن أرى وجهه، لكني أظن أني رأيت نصل سيف يلمع تحت معطف أحمر. ولما عدنا للعمل في صباح اليوم التالي، وفي النقطة التي توقفنا قليلا عندها مساء البارحة بارتباك حول ماذا نعمل وكيف نعمله، بدا أن كل صعوباتي قد أزيلت خلال الليل. والتردد كله تركني. لقد رأيتها كلها في عين عقلي بوضوح وكأن مهندسا معماريا رسمها بأدق تفاصسلها. وقبل يومين حملت إلي ماريا ساعية البريد رسالة من روما. ألقيت بها دون أن أفتحها في درج مكتبي لتشارك دزينة من الرسائل الأخرى غير المقروءة. ليس للعالم خارج كابري أي وقت لدي، ولا من بريد في السماء. ثم حدث ما لم يسمع به أحد من قبل هناك، فقد وردت إلى أناكابري برقية. من المؤلم أن الإشارة أرسلت قبل يومين من تحويلة المحطة في ماسا لوبرينس وقد وصلت إلى كابري بفضل قوس الطبيعة. دون تشيتشيو، المشرف على التحويلة، بعد تخمين غامض قدمها بدوره إلى عدة أشخاص في كابري. ولم يستطع أحد أن يفهم كلمة منها، ولا أحد أراد أن يعمل أي شيء بها. وعندئذ تقرر أن تحال إلى كابري، وقد وضعت في أعلى سلة السمك الخاصة بماريا ساعية البريد. وماريا ساعية البريد، التي لم تر برقية أبدا من قبل، سلمتها بكل احتراس إلى القسيس. والمحترم دون أنطونيو، الذي ليس من عادته أن يقرأ أي شيء لا يعرفه بفضل قلبه، أشار على ساعية البريد ماريا أن تأخذها لمعلم المدرسة المحترم دون ناتال، أفضل رجل متعلم في القرية. ودون ناتال كان واثقا أنها مكتوبة بالعبرية، لكنه غير قادر على ترجمتها بسبب سوء التهجئة. فقال لساعية البريد ماريا أن تأخذها إلى المحترم دون ديونيسيو الذي كان في روما ليقبل يد البابا وهو الرجل المناسب لقراءة الرسالة الغامضة. ودون دونيسيو، أعظم سلطة على المقتنيات القديمة في القرية، ميزها فورا بأنها مكتوبة بالرمز البرقي السري ليمبيريو بذاته، ولا عجب أن أحدا لم يستطع أن يفهمها. وقد دعمت الصيدلانية رأيه ولكن الحلاق ناقضها بشدة وأقسم أنها مكتوبة بالإنجليزية. واقترح بمكر أنها ينبغي أن تؤخذ إلى  الحسناء مارغريتا التي كانت عمتها قد تزوجت إبجليزيا. وانفجرت الحسناء مارغريتا بالدموع حالما رأت البرقية، فقد حلمت ليلا أن عمتها كانت مريضة، وشعرت بالتأكيد أن البرقية لها وأن اللورد الإنجليزي أرسلها ليعلن وفاة عمتها. وبينما كانت ساعية البريد ماريا تدور بالبرقية من بيت إلى بيت، ازداد الهياج في القرية أكثر فأكثر، وسرعان ما توقف العمل. وانطلقت إشاعة أن حربا قد نشبت بين إيطاليا والأتراك وقد قوبلت بإشاعة أخرى عند الظهر جاء بها صبي حافي القدمين من كابري تقول إن الملك اغتيل في روما. وقد دعي المجلس البلدي بشكل طارئ لكن دون دييغو، العمدة، قرر أن ينكس العلم إلى نصف السارية حتى تأتي برقية أخرى تؤكد الخبر المحزن. وقبيل الغروب وصلت ساعية البريد ماريا ومعها البرقية إلى سان ميشيل، مصحوبة بحشد من الشخصيات البارزة من كلا الجنسين. نظرت إلى البرقية وقلت إنها ليست لي. لمن هي إذن؟ قلت لا أدري، فأنا لم أسمع بأي شخص حي أو ميت مبتلى بما يشبه هذا الاسم،  وهو ليس اسما، بل يبدو أنه من أبجدية لسان غير معروف. ألم يكن علي أن أحاول قراءة البرقية وأعلن عما فيها؟ لا، لست ملزما بذلك، فأنا أكره البرقيات. ولم أكن راغبا بمعرفة أي شيء متعلق بها. هل صحيح أن هناك حربا بين إيطاليا والأتراك؟ زعق الحشد عند حائط الحديقة من تحت. لا أدري، ولم أكن معنيا بأن تكون هناك حرب ما دمت متروكا بسلام لأنكش في حديقتي. وانهارت ماريا العجوز ساعية البريد خائرة القوى على العمود البصلي، قائلة إنها ما زالت على قدميها مع البرقية منذ الفجر ولم تأكل شيئا، وليس في إمكانها أن تفعل أي شيء آخر. وفوق ذلك كان عليها أن تذهب لتعلف للبقرة. ألا يمكن أن أحتفظ بالبرقية حتى صباح الغد؟ من الممكن ألا تكون في مأمن إذا تركت في عهدتها، مع كل أولئك الأحفاد الذين يلعبون حول الغرفة، بغض النظر عن الدجاج والخنزير. كانت العجوز ماريا ساعية البريد صديقة حميمة لي.  وضعت البرقية في جيبي، وهي ستستأنف تجوالها معها في صباح اليوم التالي. غاصت الشمس في البحر، ودقت الأجراس السلام المريمي، وذهبنا جميعا إلى البيت لتناول العشاء. وبينما كنت جالسا تحت التعريشة وأمامي زجاجة من أحسن خمور دون ديونيسيو، لمعت في رأسي فكرة مرعبة – تصور لو أن البرقية كانت لي بعد كل ما جرى! حصنت نفسي بزجاجة أخرى من الخمر، ووضعت البرقية أمامي على الطاولة أمامي وباشرت العمل، محاولا ترجمة معناها الغامض إلى لغة بشرية. لقد استهلكت زجاجة الخمر بكاملها حتى اقتنعنت أن البرقية لم تكن لي، وغلبني النوم، ورأسي على الطاولة والبرقية في يدي. وتأخرت في نومي في الصباح التالي. لا حاجة للسرعة، فلا أحد يعمل في حديقتي اليوم، فمن المؤكد أنهم كلهم في الكنيسة، لأداء قداس الصباح، بمناسبة الجمعة الحزية. تمشيت إلى سان ميشيل بعد نحو ساعتين، وأدهشني جدًّاأن أجد المعلم نيكولا مع أولاده الثلاثة وجميع الفتيات يعملون بجد في الحديقة كالمعتاد. وكانوا يعرفون طبعا كم كنت حرصا على أن أواصل العمل بالسرعة القصوى، لكن لم يكن من أحلامي إطلاقا أن أطلب إليهم العمل في الجمعة الحزينة. كان ذلك كرما منهم فعلا، وقلت لهم إني ممتن جدا. نظر إلي المعلم نيكولا باندهاش واضح وقال إنه ليس يوم عيد. "أليس اليوم عطلة!" ألا يعرف أنه يوم الجمعة الحزينة، يوم صلب سيدنا المسيح عيسى؟ رد المعلم نيكولا: "حسنا، ولكن المسيح ليس قديسا". "هو قديس طبعا، أعظم قديس بينهم". "لكنه ليس عظيما كسان أنطونيو الذي قام بأكثر من مئة معجزة". ونظر إلي بمكر سائلا: "كم فعل عيسى المسيح؟" لا أحد أفضل مني كان يعرف أن سان أنطونيو لا يجارى في فعل المعجزات، فهل من معجزة أعظم من إعادتي إلى هذه القرية؟ تجنبت سؤال المعلم نيكولا وقلت مع كل الاحترام الواجب للقديس أنطونيو فهو ليس إلا رجل، بينما عيسى المسيح هو ابن ربنا في السماء الذي عانى الموت على الصليب في مثل هذا اليوم لكي يخلصنا جميعا من جهنم. "هذا غير صحيح". قال المعلم نيكولا وهو يتابع الحفر بقوة. "لقد أعلنوا موته البارحة ليختصروا الحفلة في الكنيسة". ولم أكد أسترد رشدي من هذا الإعلان حتى ناداني باسمي صوت معروف جدًّا من خارج سور الحديقة. إنه صديقي السفير السويدي الذي جرى تعيينه حديثا في روما. كان غاضبا لأنه لم يتلقَّ ردا على رسالته، مبينا عزمه على المجيء لقضاء الفصح معي، وهو ما زال يشعر بمزيد من الاستياء لأني لم أتمتع باللياقة الكافية لكي ألاقيه في الميناء ومعي حمار لدى وصول زورق البريد، كما رجاني أن أفعل في البرقية. ولم يكن مضطرا أن يجيء إلى أناكابري لو كان يدري أن عليه أن يصعد سبعمئة وسبعين درجة فينيقية حتى يصل وثبا إلى قريتي التعيسة. هل كان لدي من قلة الأدب ما يكفي لأقول إني لم أستلم برقيته؟  طبعا استلمتها، استلمناها جميعا، وأوشكت أن أسكر عليها. ولما ناولته البرقية راق قليلا، وقال إنه سيأخذها إلى روما ليريها إلى وزير البريد والتلغراف. خطفتها من يده، وحذرته أني سأقف بإصرار ضد أي محاولة لتحسين الاتصالات البرقية بين كابري والبر الرئيس. ولقد سرني أن أطلع صديقي على الموقع بكامله وأوضح له كل أعاجيب سان ميشيل المستقبلية بالرجوع احيانا إلى مخططي الأولي على الجدار لأجعله ملما به بشكل أوضح، لأنه كان بحاجة ماسة إلى ذلك الإيضاح كما قال. كان مفعما بالإعجاب، ولما أطل من الكنيسة على الجزيرة الجميلة دون قدميه قال إنه أجمل منظر في العالم على ما يعتقد. ولما دللته على مكان التمثال الهائل لأبي الهول المصري وهو من الغرانيت الأحمر، رمقني بنظرة جانبية متوجسة، وحين أريته الجبل الذي سينسف لإقامة مسرح إغريقي قال إنه يشعر بشيء من الدوار وطلب إلي أن آخذه إلى بيتي وأعطيه كأسا من النبيذ، لأنه أراد أن يتحدث معي بهدوء.  طافت عيناه في أرجاء الغرفة المبيضة بالكلس وسألني إذا كانت هذه هي الفيللا، فأجبت بأني لم أنعم أبدا بمثل هذه الراحة في حياتي. وضعت دورقا من خمر دون ديونيسيو على طاولة الصنوبر، ودعوته للجلوس على كرسي وألقيت بنفسي على السرير مستعدا للإصغاء إلى ما كان يود قوله. سألني صديقي إن كنت قد أمضيت كثيرا من الوقت في السلبيتريير بين كثير أو قليل من الناس المشوشين والمنحرفين، المهزوزين نوعا ما في الدور العلوي؟ قلت إنه لم يجانب الحقيقة، لكني تخليت عن السلبيتريير تماما.  قال إنه مسرور جدًّا لسماع ذلك، وكان يفكر أنه وقت حاسم، وأن من الأفضل لي أن أختار  حقلا آخر من الاختصاص. إنه يكن لي محبة شديدة، وفي الحقيقة أنه جاء ساعيا لإقناعي أن أرجع حالا إلى وضعي الممتاز في باريس بدلا من إضاعة وقتي بين هؤلاء الفلاحين في في أناكابري. ولقد غير رأيه الآن بعد أن رآني، فقد توصل إلى الاقتناع أني كنت بحاجة إلى راحة تامة. قلت إني مسرور جدًّابموافقته على قراري، فأنا فعلا لا أستطيع احتمال مزيد من التوتر، فقد كنت منهكا. "عقليا؟"، سألني بتعاطف. قلت له أن لا جدوى من اقتراحه أن أعود إلى باريس، وسوف أمضي بقية أيامي في أناكابري. "تقصد أن تقول إنك ستمضي حياتك في هذه القرية الصغيرة البائسة وحيدا تماما بين هؤلاء الفلاحين الذين لا يعرفون القراءة ولا الكتابة! أنت الرجل المثقف، فمع من ستقيم صحبة؟" "مع نفسي وكلابي وربما مع قرد". "كنت دائما تقول إنك لا تستطيع أن تعيش بلا موسيقا، فمن سيغني لك، ومن سيعزف لك؟" "العصافير في الحديقة، والبحر دائما حولي. أنصت! أتسمع تلك الصداحة العجيبة؟ إنها الصفَّارية الذهبية، أليس صوتها أعذب من صوت مواطنتنا الشهيرة ريستين نيلسون أو باتي بذاتها؟ أتسمع ذلك الهدير المهيب الراقراق من الأمواج، أليس أجمل من الحركة البطيئة في سمفونية بيتهوڤن التاسعة؟" وعاجلني صديقي بتغيير مجرى الحديث، ليسألني من كان مهندسي المعماري وبأي طراز سيكون بناء البيت؟ أخبرته أن ليس هناك أي مهندس معماري، وحتى الآن لا أعرف بأي طراز سيبنى البيت، وكل ذلك سيتم وفق استمرار العمل بالذات. رمقني متوجسا بنظرة جانبية أخرى وقال إنه في أقل تقدير مسرور بأن يعلم أني غادرت باريس رجلا غنيا، ومن المؤكد أن بناء مثل هذه الڤيللا الرائعة كما وصفتها له يحتاج إلى ثروة كبيرة.    فتحت درج طاولتي الصنوبر وأريته رزمة من الأوراق النقدية مطوية في جورب. قلت إنها كل ما أملك في هذا العالم بعد اثني عشر عاما من العمل الشاق في باريس، وأعتقد أنها تبلغ حوالي  خمسة عشر ألف فرنك، وربما تزيد قليلا، وربما تنقص قليلا، ومن المحتمل أن تكون أقل. "أيها الحالم الذي لا يرجى علاجه،أنصت إلى صوت صديق"، قال السفير السويدي. وتابع، وهو ينقر بإصبعه على جبهته: "أنت لا ترى أوضح من مرضاك السابقين في السلبيتريير، وقد تفشى المرض بهم بوضوح. ابذل جهدا كي ترى الأمور كما هي في الواقع وليس في أحلامك. إن جوربك سيكون خاويا في مدة شهر، حسب المعدل الذي تسير فيه، وحتى الآن لا أرى أي أثر لغرفة واحدة لتعيش فيها، فأنا لا أرى إلا أروقة، وسطيحات، وممرات مسقوفة، ومداخل معرشة. بماذ ستبني بيتك؟" "بيدي". "وحين تستقر في بيتك، بماذا ستقتات؟" "بالمعكرونة". "سيكلفك نصف مليون لتبني سان ميشيلك كما تراه في خيالك، من أين ستحصل على المال؟" لقد صعقت. فأنا لم أفكر بهذا أبدا، كل ما في الأمر كان وجهة نظر جديدة. وقلت أخيرا، وأنا أحدق إلى صديقي: "بحق السماء، ماذا علي أن أفعل؟" أجاب صديقي بصوته الحازم: "سأقول لك ماذا عليك أن تفعل. عليك أن توقف العمل حالا في مشروعك الجنوني هذا في سان ميشيل، انصرف من غرفتك المطلية بالكلس، وبما أنك ترفض العودة إلى باريس، عليك أن تذهب إلى روما لتبدأ عملك الطبي من جديد. روما هي المكان المناسب لك. ولا تحتاج إلا أن تمضي الشتاء هناك، وسيكون لديك الصيف بطوله لتواصل بناءك. لقد علق سان ميشيل في دماغك، لكنك لست أحمق، أو أن معظم الناس على الأقل لم يكتشفوا ذلك بعد. وأنت فوق ذلك محظوظ في كل ما تضع يديك عليه. لقد علمت أن أربعة وأربعين طبيبا أجنبيا يعملون في روما، فإذا حزمت أمرك وانطلقت في عملك بجد فأنت قادر أن  تطرحهم جميعا بيدك اليسرى. فإذا عملت بلا كلل وسلمتني ما تكسبه فأنا واثق أنك ستنال كل ما تحب، وذلك أنك في أقل من خمس سنوات سيكون لديك ما يكفي من المال لتنهي مشروعك في سان ميشيل وتعيش بقية حياتك سعيدا بصحبة كلابك وقردتك".  وبعد أن غادر صديقي، أمضيت ليلة رهيبة وأنا أروح جيئة وذهابا في غرفتي الريفية كحيوان في قفص. ولم أجرؤ حتى على أن أذهب إلى الكنيسة لأقول ليلة سعيدة لأبي الهول الخاص بأحلامي كما كانت عادتي. كنت خائفا أن المغوي بمعطفه الأحمر يمكن أن يقف إلى جانبي في الغسق. ولما ارتفعت الشمس اندفعت هابطا إلى المنارة وألقيت بنفسي في البحر. وحين سبحت نحو الشاطئ كان رأسي صافيا وباردا كمياه الخليج. وبعد أسبوعين كنت أقيم باستقرار كطبيب في منزل كيتس في روما.     ----------------------- (1 ) Anacapri:  معناها كابري العليا وهي مقاطعة في الشطر الجنوبي من جزيرة كابري. (G) ( 2) Terrace - بعض المعاجم ترجمتها: سطيحة، شرفة، دكة، مصطبة، لكن هذه المفردات لا تؤدي المعنى الدقيق. (م)     --------------------   هذه الملحمة الإنسانية  لاكسيل مونتي يصعب أن نَفيها حقها في مقالة موجزة، خاصة وهو يعبر بعمق وألم عن المعركة الدائرة بين الموت والحياة... فالمعركة منظمة في أدق تفاصيلها وفق قانون من التوازن بين الحياة والموت لا يقبل التغيير... لذا أترك للقارئ متعة قراءتها، كما استمتعت. محمد أحمد السويدي بتكليف ورعاية من الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، وبدافع من حب المعرفة والسعي لنشرها قامت القرية الإلكترونية بتوفير هذه النسخة من قصة سان ميشيل مترجمة باللغة العربية – ترجمها علي كنعان. (جميع الحقوق محفوظة) صفحتنا الرسمية في فيس بوك : https://www.facebook.com/mohammed.suwaidi.poet/ منصتنا في جوجل بلس لمتابعة باقي مشروعاتنا  https://plus.google.com/+HisExcellencyMohammedAhmedAlSuwaidi?hl=ar   , Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi,,

Related Articles

سان ميشيل - لأكسِل مونتي - استهلال
قصة سان ميشيل لأكسِل مونتي - الحلقة رقم 1 - الصِّبا
قصة سان ميشيل لأكسِل مونتي - الحلقة رقم 2 - الحي اللاتيني
قصة سان ميشيل لأكسِل مونتي - الحلقة رقم 3 - شارع ڤيليير
قصة سان ميشيل لأكسِل مونتي - الحلقة رقم 4 - طبيب من أحدث طراز
قصة سان ميشيل لأكسِل مونتي - الحلقة رقم 5 - قصر رامو
قصة سان ميشيل لأكسِل مونتي - الحلقة رقم 7 - نابولي