قصة سان ميشيل لأكسِل مونتي - الحلقة رقم 22 - المزيد من الأطباء

قصة سان ميشيل لأكسِل مونتي
ترجمة: علي كنعان
الحلقة رقم (22)
XXIII
مزيد من الأطباء
في أحد الأيام ظهرت سيدة في غرفة استشاراتي وهي في هيئة حداد عميق ومعها رسالة من القسيس الإنجليزي. كانت في سن النضج بلا ريب، وهي مكتنزة الأعضاء، تلبس حللا فضفاضة هفهافة ذات تفصيل غريب جدا. قالت، وهي تجلس على الأريكة بحذر شديد، إنها غريبة في روما. وقد تركها موت زوجها الفاجع، الكاهن جوناثان، وحيدة ولا حامي لها في العالم. وكان المبجل جوناثان كل شيء في حياتها، الزوج، الأب، المحب والصديق...
نظرت بإشفاق إلى وجهها الشاحب وعينيها الساذجتين وقلت إني آسف جدًّا من أجلها.
كان المبجل جوناثان...
قلت إني في عجلة ملحة لسوء الحظ، فغرفة الانتظار كانت ملأى بالناس، فماذا بإمكاني أن أفعل لها؟ قالت إنها جاءت لتضع نفسها بين يدي، وهي على وشك أن تضع طفلا. قالت إن الكاهن جوناثان كان يرعاها من سمائه، لكنها لا تتمالك نفسها من الشعور بقلق شديد، فهذا طفلها الأول. لقد سمعت عني كثيرا، وهي الآن، بعد أن رأتني، تشعر بالتأكيد أنها ستكون آمنة بين يدي كما كانت بين يدي المبجل جوناثان. لقد كانت دائما تكن محبة كبيرة للسويديين، حتى إنها كانت مخطوبة يوما لقس سويدي، الحب من أول نظرة لكنه لم يدم. وقد فوجئت أني لا أزال شاب المظهر، في مثل سن القس السويدي تماما، حتى إنها حسبت شبها معينا بيننا. ولديها شعور غريب وكأننا التقينا من قبل، وكأننا يمكن أن نتفاهم بلا كلمات. ولما تكلمت نظرت إلي بغمزة من عينها يمكن أن تجعل المبجل جوناثان يشعر بضيق شديد جدًّا إن كان يراقبها من عل في تلك اللحظة تماما.
سارعت بإخبارها أني لست مولدا ولكني أشعر بلا ريب أنها ستكون بأمان بين أيدي أي من زملائي الذين كانوا جميعا مختصين في هذا الفرع من مهنتنا، على ما أعرف. وهناك على سبيل المثال زميلي المتميز الدكتور بلكينغتون...
كلا، إنها تريدني أنا ولا أي شخص آخر. وبالتأكيد ليس لي القلب الذي يتركها وحيدة بلا حماية بين أيدي غرباء، وحيدة مع طفل بلا أب! وفوق ذلك لا وقت لإضاعته، فالوليد متوقع في أي يوم، أي لحظة. نهضت بسرعة من مقعدي وطلبت عربة أجرة لتأخذها حالا إلى فندق روسيا حيث كانت تقيم.
هل هناك من شيء لا يمكن للمبجل جوناثان أن يعطيه، لو أتيح له أن يرى طفلهما، وهو الذي أحب أمه بكل هذه العاطفة المشبوبة! وطفلهما سيكون ثمرة حب إذا قدر لهما يوما أن يرزقا بواحد، انصهار في واحد من حياتين متوهجتين، من روحين متناغمتين. انفجرت في غمرة من الدموع انتهت بنوبة تشنج هزت كل جسدها بطريقة منذرة إلى أقصى حد. وفجأة امتقع وجهها وجلست ساكنة تماما وقد شبكت يديها على بطنها وكأنها تحميه. وتحولت مخاوفي إلى رعب. كانت جيوڤانينا وروزينا في فيلا بورجيس مع الكلاب، وكانت آن بعيدة أيضا، وما من امرأة في البيت، وكانت غرفة الانتظار ملأى بالناس. قفزت عن كرسيي ونظرت إليها بإمعان. وفجأة تعرفت إلى ذلك الوجه من جديد، فأنا أعرفه جيدا، فلم يكن عبثا أني أمضيت خمس عشرة سنة من حياتي بين نسوة يعانين الهستيريا من جميع البلدان ومن كل الأعمار. أمرتها بحزم أن تمسح دموعها، وأن تتماسك وتصغي إلي بلا مقاطعة. وجهت إليها عدة أسئلة مهنية، وقد زادت أجوبتها المراوغة من اهتمامي بالمبجل جوناثان وموته المبكر. مبكر فعلا لأن وفاة زوجها المحزنة تؤكد أنها كانت في وقت حرج جدًّا من السنة الماضية من وجهة نظري كطبيب. وقلت لها أخيرا، وبكل ما أستطيع من لطف، أنها ليست في سبيل وضع أي طفل. قفزت عن الأريكة، وجهها قرمزي من شدة الغضب، واندفعت خارج الغرفة وهي تزعق بأعلى صوتها أني أسأت إلى ذكرى الكاهن جوناثان!
يعد يومين قابلت القسيس الإنجليزي في الميدان وشكرته لأنه زكاني لدى السيدة جوناثان، معبرا عن أسفي لأني لم أكن قادرا على الاعتناء بها. ولقد صدمت بتصرف القسيس المتحفظ. وسألته ماذا جرى للسيدة جوناثان. تركني بفظاظة قائلا إنها في يدي الدكتور جونز، وهي تتوقع وليدها في أية لحظة.
وانتشر الخبر في أقل من أربع وعشرين ساعة. كل شخص علم به، الأطباء الأجانب كلهم عرفوه وأحبوه، وجميع مرضاهم عرفوه، الصيدليان الإنجليزيان عرفاه، والخباز الإنجليزي في شارع باوينو علم به، والطاهي علم به، وجميع البنسيونات في شارع سستينا علمت به، وفي جميع غرف الشاي الإنجليزية لم يتحدث الناس بأي شيء آخر. وسرعان ما عرف كل(1 ) عضو في الجالية البريطانية في روما أني ارتكبت خطأ فاضحا وأني أسأت إلى ذكرى المبجل جوناثان. كان كل شخص يعرف أن الدكتور جونز لم يغادر فندق روسيا وأنهم أرسلوا في طلب القابلة في منتصف الليل. وفي اليوم التالي انشطرت الجالية الإنجلزية في روما إلى معسكرين معاديين. هل سيكون ثمة وليد أم لن يكون هناك من وليد؟ جميع الأطباء الإنجليز ومرضاهم، رجال الدين ورعاياهم المخلصون، والصيدلي الإنجليزي في شارع كوندوتي، كانوا كلهم متأكدين أن ثمة سيكون وليد. وجميع مرضاي، والصيدلي المنافس في ميدان مغنانيللي، وكل باعة الأزهار في ميدان اسبانيا، وجميع عارضات الأزياء على درجات ثالوث مونتي تحت شبابيكي، وكل المتعاملين مع الأشياء القديمة، وكل الحجارين في شارع مارغوتا، أنكروا جميعا بصورة مؤكدة أن يكون ثمة وليد. وكان الخباز الإنجليزي مترددا. وصديقي القنصل الإنجليزي كان معارضا، ولكنه أرغم على اتخاذ موقف ضدي لأسباب وطنية. وكان وضع السنيور كورناتشيا، متعهد دفن الموتى، حساسا بشكل خاص ويتطلب التعامل معه بعناية. فمن جهة، كانت ثقته في كفاءتي لا تتزعزع لأني متعاون مبدئي معه. والحقيقة الدامغة، من جهة ثانية، أن توقعاته كمتعهد لدفن الموتى كانت أشد سطوعا بكثير إذا ثبت أني مخطئ أكثر من أن أكون مصيبا. وسرعان ما انتشرت الإشاعة أن الدكتور بلكينغتون قد استدعي إلى فندق روسيا للاستشارة وقد اكتشف أن ثمة وليدين بدلا من واحد. وتأكد السنيور كورناتشيا أن السياسة الصحيحة الوحيدة أن ينتظر ويرى. ولما علم الناس أن القسيس الإنجليزي قد أنذر أن يكون على أتم استعداد في أي ساعة من النهار أو الليل للتعميد في لحظة الوفاة في حالة عسر الولادة، لم يعد هناك من مجال للتردد. وانتقل السنيور كورناتشيو للمعسكر المعادي بقضه وقضيضه، متخليا عني لقدري. إن الطفل، من وجهة نظر السنيور كورناتشيا المهنية كمتعد لدفن الموتى، كان جيدا كشخص كبير مكتمل. ولكن لمَ لا يكونان طفلين! ولمَ لا يكونان كذلك...؟
ولما دخلت فندق روسيا ممرضة غرة بزيها الزخرفي من جبال سابين، فإن أمارات جلية من تثبيط الهمة أصبحت مكشوفة بين حلفائي. ولما وصلت من لندن عربة أطفال وعرضعت في بهو الفندق، فقد أمسى وضعي حرجا تقريبا. وقد ألقت جميع السيدات السائحات في الفندق نظرة ودية على العربة وهن يعبرن البهو، وجميع الندل كانوا يقومون بمراهنات على التوأم بنسبة اثنين إلى واحد، وكل رهان، على أن لا طفل، قد توقف نهائيا. ولقد اعترضني عديد من الناس في حفلة الحديقة في السفارة الإنجليزية، حيث شكل الدكتور بلكينغتون والدكتور جونز وباتفاق معلن من جديد، مركزا لمجموعة نشيطة من المستمعين إلى آخر الأنباء من فندق روسيا. وأخذني السفير السويدي جانبا وقال لي بصوت غاضب إنه لا يريد أن يكون له بعد اليوم أي علاقة معي، فلديه أكثر مما يكفي من نزواتي، ولنستعمل كلمة لطيفة. وقد وصل إلى علمه في الأسبوع الأخير أني دعوت طبيباً إنجليزيا كبيرا وجديرا بالاحترام ضبعا. وأمس أخبرت زوجة القسيس الإنجليزي زوجته ذاتها أني أهنت ذكرى كاهن اسكوتلندي. وإذا اعتزمت أن أواصل بهذه الطريقة، فمن الأفضل أن أرجع إلى أناكابري قبل أن تدير الجالية الأجنبية كلها ظهرها لي.
وبعد أسبوع آخر من القلق الشديد بدأت علامات ردود الفعل تستقر. وتوقفت المراهنات الآن بين الندل بالتعادل، مع قلة من عروض جبانة بخمس ليرات بأن ليس هناك إطلاقا أي وليد. ولما انتشرت الأخبار بأن الطبيبين تشاجرا وأن الدكتور بلكينغتون انسحب والطفل الثاني تحت سترته الفراك الطويلة، فإن جميع المراهنات على التوأم بلغت منتهاها. ومع مرور الوقت ازدادت أعداد المتخلين يوما بعد يوم، وكان القس الإنجليزي ورعيته ما يزالون محتشدين بجرأة حول عربة الطفل. وكان الدكتور جونز والقابلة والممرضة ما يزالون نائمين في الفندق، لكن السنيور كورناتشيا كان قد هجر السفينة الغارقة من قبل، وقد نبهته إلى ذلك حاسة الشم الحادة لديه.
وأخيرا جاءت الضربة الساحقة من رجل اسكوتلندي عجوز ذي نظرة ماكرة لما دخل غرفة معاينتي وجلس على الأريكة حيث جلست أخته من قبل. قال لي إن من سوء حظه أنه أخو السيدة جوناثان. وقال إنه وصل من دندي مساء البارحة. ولا يبدو عليه أنه قد أضاع وقته. فقد سوّى أمره مع الدكتور بلكنغتون بأن دفع له ثلث فاتورته، وقد طرد الدكتور جونز، وراح يسألني عن عنوان أرخص مأوى للمجانين. وكان يرى أن الدكتور ينبغي أن يحتجز في مكان آخر.
أعلمته أن حالة أخته لا تستدعي مأوى مجانين، وهذا من سوء حظه. قال: إذا كانت حالتها لا تستدعي مأوى مجانين، فهو لا يدري ما تكون. لقد توفي المبجل جوناثان من الكبر وضعف العقل منذ أكثر من سنة، واحتمال تعرضها لأي غوايات أخرى غير قابل للتصديق، وهو الشيء المخبل المزمن. لقد جعلت نفسها من قبل أضحوكة دندي كلها بالطريقة ذاتها التي جعلت نفسها الآن أضحوكة روما كلها. قال إنه عانى منها ما يكفي، وهو لا يريد أي مزيد في تعامله معها. قلت: ولا أنا، لقد كنت محاطا بإناث مصابات بالهستيريا طوال خمس عشرة سنة، وأريد أن أستريح. والشيء الوحيد هو أن تعود بها إلى دندي.
أما بشأن طبيبها، فأنا متأكد أنه بذل أفضل ما لديه من مهارته. أعرف أنه طبيب عسكري هندي متقاعد وله خبرة محدودة بالهستيريا. وأنا أعتقد أن ما ندعوه بـ"الورم الكاذب" كان نادر الحدوث في الجيش الإنجليزي. لكنه ليس نادرا جدًّامع النساء الهستيريات.
هل كنت أعلم أن لديها من الوقاحة ما جعلها تطلب العربة من المخازن باسمه، وكان عليه أن يدفع خمسة جنيهات من أجلها، وكان بإمكانها أن تحصل على عربة مستعملة ممتازة في دندي بجنيهين. هل يمكن أن أساعده في إيجاد من يشتري العربة؟ وهو لا يبغي أي ربح فيها، لكنه يود أن يسترد نقوده.
أخبرته أنه إذا ترك أخته في روما فستكون قادرة تماما على طلب عربة اطفال أخرى من المخازن. وبدا متأثرا كثيرا بهذه المناقشة. لقد أعرته عربتي ليأخذ أخته إلى المحطة. ولم أرهما قطّ مرة ثانية.
* * *
إن نبوءة السفير السويدي محققة حتى الآن، وأنا كنت الفائز بسهولة. لكن سرعان ما كان علي أن أتعامل مع منافس أشد خطرا بكثير وقد أخذ يمارس عمله يومئذ في روما. ولقد علمت أن نجاحي السريع هو الذي جعله يتخلى عن عمله الرابح ويستقر في العاصمة، وأعتقد أن هذا صحيح. كان يتمتع بشهرة ممتازة بين أبناء بلده كطبيب ماهر ورجل ساحر. أصبح في الحال شخصية رائعة في المجتمع الروماني في حين كنت أختفي أكثر فأكثر، وقد تعلم ما أردت أن أعرف. كان يقود عربة أنيقة كعربتي، وقد استمتع كثيرا في شقته الفخمة في الشارع الرئيسي، وصعوده كان سريعا كما كان شأني. لقد زارني، واتفقنا أن في روما متسعا لكلينا، وكان دمثا معي دائما حيثما التقينا. كان من الواضح أن لديه خبرة كبيرة جدا، وهي مكتسبة بصورة أساسية من الأميركيين، وكثير منهم يحتشدون في روما ليكونوا تحت عنايته، كما علمت. كان لديه مجموعته الخاصة من الممرضات، وداره الخاصة لرعاية الرضع خارج بورتا بيا. كنت أحسبه في البداية طبيب سيدات، لكني سمعت في ما بعد أنه اختصاصي بأمراض القلب. ومن الواضح أنه كان يمتلك موهبة فريدة لزرع الثقة في مرضاه، فلم أسمع اسمه يذكر أبدا إلا بالثناء والامتنان. وهذا ما لم يفاجئني لأنه، بالمقارنة معنا جميعا، شخصية مدهشة حقا، بعينين ثاقبتين وذكيتين بشكل استثنائي، وبراعة رائعة في الكلام، وهذه سمات رابحة. لقد تجاهل كليا زملاءه الآخرين، لكنه طلبني مرتين للاستشارة، في حالات عصبية بشكل خاص. بدا أنه كان يعرف (صاحبه) شاركو بشكل جيد تماما، وقد زار عدة عيادات ألمانية. وكنا تقريبا على اتفاق دائم في التشخيص والعلاج، وسرعان ما توصلت إلى قناعة أنه يتقن مهنته كما أتقنها، على أقل تقدير.
وأرسل لي مرة رسالة مخربشة بسرعة طالبا إلي أن أجيء حالا إلى فندق كونستانزي. كان يبدو مستثارا أكثر من المعتاد. أخبرني بكلمات قليلة عاجلة أن المريض كان تحت إشرافه منذ بضعة أسابيع، وقد استفاد كثيرا من العلاج أول الأمر. لكن حالته انقلبت إلى أسوأ في الأيام الأخيرة، وعمل القلب لم يكن كافيا، وهو يود أن يعرف رأيي. وفوق كل شيء، ليس لي أن أنذر المريض ولا عائلته. قدِّرْ مفاجأتي حين تعرفت في مريضه إلى رجل كنت محبا له ومعجبا به طوال سنين كما كان كل شخص يمكن أن يكون التقى به، إنه مؤلف "الشخصية الإنسانية وبقاؤها بعد موت الجسد". كان تنفسه ظاهريا وصعبا، وجهه كان أزرق ومتعبا، ولم يبق منه إلا عيناه الرائعتان. ناولني يده وقال إنه مسرور بأني جئت أخيرا، وكان مشتاقا لعودتي. ذكرني بآخر لقاء لنا في لندن، لما تعشيت معه في جمعية البحث النفسي، وكيف بقينا ساهرين طوال الليل نتحدث عن الموت وما وراءه. وقبل أن ألتقط الوقت لأجيب، أخبره زميلي أن عليه ألا يتكلم مخافة نوبة أخرى ثم ناولني سماعته. ولم يكن ثمة من داع لفحص مطول، لأن ما رأيته كان كافيا. أخذت زميلي جانبا وسألته إن كان أخبر العائلة. وكانت مفاجأة شديدة لي أنه لم يكن متحققا من الوضع، وتحدث عن إعادة حقنات الاستركنين( 2) على فترات قصيرة، ومحاولة مصله في اليوم التالي، وأرسل في طلب زجاجة بورغندي من نوع خاص من الجراند أوتيل. قلت إني ضد المنبهات من أي نوع كان، لأن تأثيرها الوحيد الممكن هو أنها ترفع من جديد قابلية العذاب، التي خفت بفضل الطبيعة الرحيمة. وليس لنا من شيء آخر نفعله من أجله إلا أن نساعده في ألا يتعذب أكثر. وبينما كنا نتحدث، دخل الغرفة البروفيسور وليام جيمس، الفيلسوف الشهير، وأحد أصدقائه المقربين. قلت له إن العائلة ينبغي أن تعلم حالا، إنها مسألة ساعات. وبما أنهم على ما يبدو كانوا جميعا واثقين بزميلي أكثر مني، ألححت أن طبيبا آخر يجب أن يستدعى للاستشارة. وبعد ساعتين وصل البروفيسور باتشيلي، أعظم طبيب استشاري في روما. معاينته كانت أقصر حتى من معاينتي، وقراره كان أقصر.
"سيموت اليوم"، قال بصوته العميق.
وأطلعني وليام جيمس على الميثاق المقدس بينه وبينه صديقه بأن أيا منهما دنا من الموت أولا ينبغي عليه أن يبعث برسالة إلى الآخر لدى عبوره إلى المجهول ـــ وكان كلاهما يعتقد بإمكانية تواصل كهذا. كان مثقلا بالحزن حتى إنه لم يستطع أن يدخل الغرفة، لقد ارتمى على كرسي بالقرب من باب الغرفة، ودفتر مذكراته على ركبتيه، والقلم في يده، جاهزا لتدوين الرسالة بدقته المنهجية المألوفة. ودخل بعد الظهر في حالة تنفس مضطربة، تلك الإشارة الفاجعة للقلب باقتراب الموت. وطلب الرجل المحتضر أن يتكلم إلي. كانت عيناه هادئتين وادعتين.
قال: "أعرف أني سأموت، وأعرف أنك ستساعدني. أهو اليوم أم غدا؟"
"اليوم".
"يسرني أني جاهز، لا أشعر بأي خوف. وأنا سأعرف أخيرا. أخبر وليام جيمس، أخبره..".
وتوقف صدره بتنهيدة ساكنا في لحظة رهيبة من سر الحياة.
وسألت وأنا أنحني على الرجل الميت: "أتسمعني؟ أتعاني؟"
غمغم: "لا، أنا متعب جدًّا وسعيد".
كانت هذه كلماته الأخيرة.
ولما خرجت مبتعدا، كان وليام جيمس لا يزال جالسا ساندا ظهره إلى كرسيه، ويده على وجهه، ودفتره المفتوح لا يزال على ركبتيه. وكانت الصفحة بيضاء.
لقد رأيت من زميلي شيئا كثيرا والعديد من مرضاه أيضا في ذلك الشتاء. كان يتحدث دائما عن النتائج الرائعة لمصله، وعن دواء آخر لدفتيريا الصدر كان يستعمله مؤخرا في داره للتمريض بنجاح ممتاز. ولما أخبرته كم كنت مهتما بدفتيريا الصدر وافق أن يأخذني إلى مستشفاه الخاص وأراني بعض مرضاه الذين يعالجهم بالدواء الجديد. وقد فوجئت بشدة أن أتعرف بينهم إلى إحدى مرضاي السابقين، وهي سيدة أميركية ثرية ولديها كل أعراض الهستيريا الكلاسيكية، وقد صنفتها كمريضة بالوهم، وهي تبدو بشكل جلي في حالة جيدة كما كانت دائما. كانت في السرير لأكثر من شهر، تشرف عليها ممرضتان ليلَ نهار، وتؤخذ الحرارة كل أربع ساعات، وتحقن تحت الجلد بأدوية غير معروفة عدة مرات في اليوم، وقد نظم أدق تفاصيل حميتها بأقصى وسواس، وكانت تأخذ جرعات النوم ليلا، وفي الواقع كل ما تريد. ولم يعد لديها دفتيريا صدري أكثر مما لدي. ومن حسن حظها أنها كانت قوية كحصان، وهي قادرة على مقاومة أي علاج. قالت لي إن زميلي أنقذ حياتها. وسرعان ما تبين لي أن أكثر المرضى في المشفى الخاص يشكون من حالات متشابهة تقريبا تحت نظام المستشفى الصارم، ولا يعنيهم من الأمر شيء إلا حياة البطالة، فلديهم وفرة من المال أكثر من اللازم، وهم يرغبون بأن يكونوا مرضى ويشرف عليهم الطبيب. إن ما رأيته بدا مهما كالخنّاق الصدري، في أقل تقدير. كيف تم ذلك، وما هي طريقته؟ وبقدر ما استطعت أن أستجلي الأمر، فإن الطريقة تتوقف على وضع النساء في الأسرة من اللقاء الأول بتشخيص مذهل أنهن يعانين من مرض خطير، ويتيح لهن أن يتماثلن للشفاء تدريجيا نازعا عبء الإيحاء من عقولهن المشوشة. وكان سهلا أن أصنف زميلي كأخطر طبيب قابلته في حياتي. ولم أكن مستعدا لتصنيفه مجرد مشعوذ. واعتباري له كطبيب مقتدر كان بطبيعة الحال متناغما تماما مع كونه مشعوذا ــ فالخطان يسيران معا باتساق، وهنا يكمن الخطر الرئيس للمشعوذين. لكن المشعوذ يعمل منفردا كالنشال وقد أخذني هذا الرجل إلى مشفاه ليعرض أخطر ما يقوم به من حالات مدمرة بزهو كبير. كان مشعوذا طبعا، لكنه بالتأكيد مشعوذ من طراز نادر، وهو يستحق دراسة أقرب. وعلى كثرة ما رأيت منه كنت مصدوما بالتسارع المرضي لجهازه العقلي، بعينيه القلقتين، وسرعته الفائقة بالكلام. لكنها طريقته في إعطاء منبه القلب، وهو أقوى وأخطر سلاح في مقاومة أمراض القلب، ما أطلق أول نغمة إنذار في أذني. وفي إحدى الليالي تلقيت دعوة من ابنة واحد من مرضاه تتوسل إلي أن آتي حالا في طلب ملح من الممرضة. أخذتني الممرضة جانبا وقالت لي إنها أرسلت في طلبي لأنها توجست خوفا من شيء كان غلطا، وهي تشعر بقلق شديد إزاء ما كان يجري. وكانت مصيبة في ذلك. لقد كان مواظبا على إعطاء القلب منبه القمعية لمدة أكثر من اللازم، وكان المريض في خطر مباشر على حياته من تأثير العلاج. كان زميلي على وشك أن يعطيه حقنة أخرى لما انتزعت المحقنة منه وقرأت الحقيقة الرهيبة في عينه. فلم يكن مشعوذا، إنما كان مجنونا.
ماذا كان علي أن أفعل؟ أتهمه بأنه مشعوذ؟ إن هذا سيزيد من عدد مرضاه وربما من ضحاياه. أتهمه بالجنون؟ هذا يعني تدمير تام لمجرى حياته يتعذر إصلاحه. أي البراهين يمكن أن أقدم؟ الموتى لا يتكلمون، والأحياء لا يمكن أن يتكلموا. مرضاه، ممرضاته، أصحابه، سيقفون جميعهم ضدي، فأنا الرابح من بين جميع الرجال في سقوطه. ألا أفعل شيئا، وأدعه في مكانه، وسيطا مجنونا للحياة والموت؟
قررت بعد طول تردد أن أتكلم إلى سفيره الذي كان، كما أعلم، على علاقة ودية معه. رفض السفير أن يصدقني. كان يعرف زميلي من سنوات، وكان ينظر إليه كطبيب مقتدر ويمكن الاعتماد عليه، وهو نفسه استفاد كثيرا من علاجه وكذلك عائلته. وكان يعتبره دائما سريع الهياج جدًّا وغريب الأطوار إلى حد ما. أما بالنسبة لحالته الذهنية فهو واثق أنه سليم العقل مثلنا. وفجأة انفجر السفير في واحدة من قهقهاته الصاخبة المعتادة. قال إنه لم يتمالك نفسه، والمسألة مضحكة أكثر من اللازم، وهو يشعر بالتأكيد أني لن أستاء منه، وكان يعرف أني أتمتع بحس معين من المرح. وقال لي إن زميلي زاره في صباح اليوم ذاته طالبا منه رسالة تعريف إلى السفير السويدي، ليتحدث إليه في أمر خطير جدا. وهو يرى أن من واجبه أن ينبه السفير السويدي ليبقيني تحت مراقبته، فقد كان مقتنعا أن ثمة خللا ما في عقلي. وأنا بينت للسفير أن هذا دليل ثمين، إنه ما يمكن أن يفعله المجنون بدقة في مثل هذه الظروف، فلا يمكن لأحد أن يبالغ في تقدير مكر المجنون.
ولدى عودتي إلى البيت استلمت من زميلي وريقة عسيرة القراءة وقد استنتجت أنها دعوة للغداء في اليوم التالي ــ وقد لفت انتباهي تغير خطه اليدوي. وجدته في غرفة المعاينة، واقفا أمام مرآة، يحدق بعينيه الجاحظتين إلى انتفاخ خفيف في حنجرته، تضخم في الغدة الدرقية كنت قد لاحظته من قبل. وسرعة نبضه فوق المعتاد جعلت التشخيص سهلا. قلت له إن معه مرض جريفز( 3). قال إنه كان يشتبه بذلك وطلب مني أن أساعده. قلت له إنه مرهق وعليه أن يتخلى عن العمل بعض الوقت، وأفضل شيء له هو أن يعود إلى بلاده لاستراحة طويلة، وقد نجحت في إبقائه في السرير حتى جاء وصول أخيه. غادر روما بعد أسبوع، ولم يرجع مرة ثانية. وقد علمت أنه مات في السنة التالية في مأوى الأمراض العقلية.
--------------------
(1 ) نلاحظ أن الكاتب كرر كلمة "كل" أو "جميع" بشيء من المبالغة في هذه الفقرة، ليسخر من الجهلة الذين صدقوا إشاعة الحمل! (م)
( 2) Strychnine
( 3) Graves’ disease
--------------------
هذه الملحمة الإنسانية لاكسيل مونتي يصعب أن نَفيها حقها في مقالة موجزة، خاصة وهو يعبر بعمق وألم عن المعركة الدائرة بين الموت والحياة... فالمعركة منظمة في أدق تفاصيلها وفق قانون من التوازن بين الحياة والموت لا يقبل التغيير... لذا أترك للقارئ متعة قراءتها، كما استمتعت. محمد أحمد السويدي
بتكليف ورعاية من الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، وبدافع من حب المعرفة والسعي لنشرها قامت القرية الإلكترونية بتوفير هذه النسخة من قصة سان ميشيل مترجمة باللغة العربية – ترجمها علي كنعان. (جميع الحقوق محفوظة)
صفحتنا الرسمية في فيس بوك :
منصتنا في جوجل بلس لمتابعة باقي مشروعاتنا
https://plus.google.com/+HisExcellencyMohammedAhmedAlSuwaidi?hl=ar
قصة سان ميشيل لأكسِل مونتي
ترجمة: علي كنعان
الحلقة رقم (22)
XXIII
مزيد من الأطباء
في أحد الأيام ظهرت سيدة في غرفة استشاراتي وهي في هيئة حداد عميق ومعها رسالة من القسيس الإنجليزي. كانت في سن النضج بلا ريب، وهي مكتنزة الأعضاء، تلبس حللا فضفاضة هفهافة ذات تفصيل غريب جدا. قالت، وهي تجلس على الأريكة بحذر شديد، إنها غريبة في روما. وقد تركها موت زوجها الفاجع، الكاهن جوناثان، وحيدة ولا حامي لها في العالم. وكان المبجل جوناثان كل شيء في حياتها، الزوج، الأب، المحب والصديق...
نظرت بإشفاق إلى وجهها الشاحب وعينيها الساذجتين وقلت إني آسف جدًّا من أجلها.
كان المبجل جوناثان...
قلت إني في عجلة ملحة لسوء الحظ، فغرفة الانتظار كانت ملأى بالناس، فماذا بإمكاني أن أفعل لها؟ قالت إنها جاءت لتضع نفسها بين يدي، وهي على وشك أن تضع طفلا. قالت إن الكاهن جوناثان كان يرعاها من سمائه، لكنها لا تتمالك نفسها من الشعور بقلق شديد، فهذا طفلها الأول. لقد سمعت عني كثيرا، وهي الآن، بعد أن رأتني، تشعر بالتأكيد أنها ستكون آمنة بين يدي كما كانت بين يدي المبجل جوناثان. لقد كانت دائما تكن محبة كبيرة للسويديين، حتى إنها كانت مخطوبة يوما لقس سويدي، الحب من أول نظرة لكنه لم يدم. وقد فوجئت أني لا أزال شاب المظهر، في مثل سن القس السويدي تماما، حتى إنها حسبت شبها معينا بيننا. ولديها شعور غريب وكأننا التقينا من قبل، وكأننا يمكن أن نتفاهم بلا كلمات. ولما تكلمت نظرت إلي بغمزة من عينها يمكن أن تجعل المبجل جوناثان يشعر بضيق شديد جدًّا إن كان يراقبها من عل في تلك اللحظة تماما.
سارعت بإخبارها أني لست مولدا ولكني أشعر بلا ريب أنها ستكون بأمان بين أيدي أي من زملائي الذين كانوا جميعا مختصين في هذا الفرع من مهنتنا، على ما أعرف. وهناك على سبيل المثال زميلي المتميز الدكتور بلكينغتون...
كلا، إنها تريدني أنا ولا أي شخص آخر. وبالتأكيد ليس لي القلب الذي يتركها وحيدة بلا حماية بين أيدي غرباء، وحيدة مع طفل بلا أب! وفوق ذلك لا وقت لإضاعته، فالوليد متوقع في أي يوم، أي لحظة. نهضت بسرعة من مقعدي وطلبت عربة أجرة لتأخذها حالا إلى فندق روسيا حيث كانت تقيم.
هل هناك من شيء لا يمكن للمبجل جوناثان أن يعطيه، لو أتيح له أن يرى طفلهما، وهو الذي أحب أمه بكل هذه العاطفة المشبوبة! وطفلهما سيكون ثمرة حب إذا قدر لهما يوما أن يرزقا بواحد، انصهار في واحد من حياتين متوهجتين، من روحين متناغمتين. انفجرت في غمرة من الدموع انتهت بنوبة تشنج هزت كل جسدها بطريقة منذرة إلى أقصى حد. وفجأة امتقع وجهها وجلست ساكنة تماما وقد شبكت يديها على بطنها وكأنها تحميه. وتحولت مخاوفي إلى رعب. كانت جيوڤانينا وروزينا في فيلا بورجيس مع الكلاب، وكانت آن بعيدة أيضا، وما من امرأة في البيت، وكانت غرفة الانتظار ملأى بالناس. قفزت عن كرسيي ونظرت إليها بإمعان. وفجأة تعرفت إلى ذلك الوجه من جديد، فأنا أعرفه جيدا، فلم يكن عبثا أني أمضيت خمس عشرة سنة من حياتي بين نسوة يعانين الهستيريا من جميع البلدان ومن كل الأعمار. أمرتها بحزم أن تمسح دموعها، وأن تتماسك وتصغي إلي بلا مقاطعة. وجهت إليها عدة أسئلة مهنية، وقد زادت أجوبتها المراوغة من اهتمامي بالمبجل جوناثان وموته المبكر. مبكر فعلا لأن وفاة زوجها المحزنة تؤكد أنها كانت في وقت حرج جدًّا من السنة الماضية من وجهة نظري كطبيب. وقلت لها أخيرا، وبكل ما أستطيع من لطف، أنها ليست في سبيل وضع أي طفل. قفزت عن الأريكة، وجهها قرمزي من شدة الغضب، واندفعت خارج الغرفة وهي تزعق بأعلى صوتها أني أسأت إلى ذكرى الكاهن جوناثان!
يعد يومين قابلت القسيس الإنجليزي في الميدان وشكرته لأنه زكاني لدى السيدة جوناثان، معبرا عن أسفي لأني لم أكن قادرا على الاعتناء بها. ولقد صدمت بتصرف القسيس المتحفظ. وسألته ماذا جرى للسيدة جوناثان. تركني بفظاظة قائلا إنها في يدي الدكتور جونز، وهي تتوقع وليدها في أية لحظة.
وانتشر الخبر في أقل من أربع وعشرين ساعة. كل شخص علم به، الأطباء الأجانب كلهم عرفوه وأحبوه، وجميع مرضاهم عرفوه، الصيدليان الإنجليزيان عرفاه، والخباز الإنجليزي في شارع باوينو علم به، والطاهي علم به، وجميع البنسيونات في شارع سستينا علمت به، وفي جميع غرف الشاي الإنجليزية لم يتحدث الناس بأي شيء آخر. وسرعان ما عرف كل(1 ) عضو في الجالية البريطانية في روما أني ارتكبت خطأ فاضحا وأني أسأت إلى ذكرى المبجل جوناثان. كان كل شخص يعرف أن الدكتور جونز لم يغادر فندق روسيا وأنهم أرسلوا في طلب القابلة في منتصف الليل. وفي اليوم التالي انشطرت الجالية الإنجلزية في روما إلى معسكرين معاديين. هل سيكون ثمة وليد أم لن يكون هناك من وليد؟ جميع الأطباء الإنجليز ومرضاهم، رجال الدين ورعاياهم المخلصون، والصيدلي الإنجليزي في شارع كوندوتي، كانوا كلهم متأكدين أن ثمة سيكون وليد. وجميع مرضاي، والصيدلي المنافس في ميدان مغنانيللي، وكل باعة الأزهار في ميدان اسبانيا، وجميع عارضات الأزياء على درجات ثالوث مونتي تحت شبابيكي، وكل المتعاملين مع الأشياء القديمة، وكل الحجارين في شارع مارغوتا، أنكروا جميعا بصورة مؤكدة أن يكون ثمة وليد. وكان الخباز الإنجليزي مترددا. وصديقي القنصل الإنجليزي كان معارضا، ولكنه أرغم على اتخاذ موقف ضدي لأسباب وطنية. وكان وضع السنيور كورناتشيا، متعهد دفن الموتى، حساسا بشكل خاص ويتطلب التعامل معه بعناية. فمن جهة، كانت ثقته في كفاءتي لا تتزعزع لأني متعاون مبدئي معه. والحقيقة الدامغة، من جهة ثانية، أن توقعاته كمتعهد لدفن الموتى كانت أشد سطوعا بكثير إذا ثبت أني مخطئ أكثر من أن أكون مصيبا. وسرعان ما انتشرت الإشاعة أن الدكتور بلكينغتون قد استدعي إلى فندق روسيا للاستشارة وقد اكتشف أن ثمة وليدين بدلا من واحد. وتأكد السنيور كورناتشيا أن السياسة الصحيحة الوحيدة أن ينتظر ويرى. ولما علم الناس أن القسيس الإنجليزي قد أنذر أن يكون على أتم استعداد في أي ساعة من النهار أو الليل للتعميد في لحظة الوفاة في حالة عسر الولادة، لم يعد هناك من مجال للتردد. وانتقل السنيور كورناتشيو للمعسكر المعادي بقضه وقضيضه، متخليا عني لقدري. إن الطفل، من وجهة نظر السنيور كورناتشيا المهنية كمتعد لدفن الموتى، كان جيدا كشخص كبير مكتمل. ولكن لمَ لا يكونان طفلين! ولمَ لا يكونان كذلك...؟
ولما دخلت فندق روسيا ممرضة غرة بزيها الزخرفي من جبال سابين، فإن أمارات جلية من تثبيط الهمة أصبحت مكشوفة بين حلفائي. ولما وصلت من لندن عربة أطفال وعرضعت في بهو الفندق، فقد أمسى وضعي حرجا تقريبا. وقد ألقت جميع السيدات السائحات في الفندق نظرة ودية على العربة وهن يعبرن البهو، وجميع الندل كانوا يقومون بمراهنات على التوأم بنسبة اثنين إلى واحد، وكل رهان، على أن لا طفل، قد توقف نهائيا. ولقد اعترضني عديد من الناس في حفلة الحديقة في السفارة الإنجليزية، حيث شكل الدكتور بلكينغتون والدكتور جونز وباتفاق معلن من جديد، مركزا لمجموعة نشيطة من المستمعين إلى آخر الأنباء من فندق روسيا. وأخذني السفير السويدي جانبا وقال لي بصوت غاضب إنه لا يريد أن يكون له بعد اليوم أي علاقة معي، فلديه أكثر مما يكفي من نزواتي، ولنستعمل كلمة لطيفة. وقد وصل إلى علمه في الأسبوع الأخير أني دعوت طبيباً إنجليزيا كبيرا وجديرا بالاحترام ضبعا. وأمس أخبرت زوجة القسيس الإنجليزي زوجته ذاتها أني أهنت ذكرى كاهن اسكوتلندي. وإذا اعتزمت أن أواصل بهذه الطريقة، فمن الأفضل أن أرجع إلى أناكابري قبل أن تدير الجالية الأجنبية كلها ظهرها لي.
وبعد أسبوع آخر من القلق الشديد بدأت علامات ردود الفعل تستقر. وتوقفت المراهنات الآن بين الندل بالتعادل، مع قلة من عروض جبانة بخمس ليرات بأن ليس هناك إطلاقا أي وليد. ولما انتشرت الأخبار بأن الطبيبين تشاجرا وأن الدكتور بلكينغتون انسحب والطفل الثاني تحت سترته الفراك الطويلة، فإن جميع المراهنات على التوأم بلغت منتهاها. ومع مرور الوقت ازدادت أعداد المتخلين يوما بعد يوم، وكان القس الإنجليزي ورعيته ما يزالون محتشدين بجرأة حول عربة الطفل. وكان الدكتور جونز والقابلة والممرضة ما يزالون نائمين في الفندق، لكن السنيور كورناتشيا كان قد هجر السفينة الغارقة من قبل، وقد نبهته إلى ذلك حاسة الشم الحادة لديه.
وأخيرا جاءت الضربة الساحقة من رجل اسكوتلندي عجوز ذي نظرة ماكرة لما دخل غرفة معاينتي وجلس على الأريكة حيث جلست أخته من قبل. قال لي إن من سوء حظه أنه أخو السيدة جوناثان. وقال إنه وصل من دندي مساء البارحة. ولا يبدو عليه أنه قد أضاع وقته. فقد سوّى أمره مع الدكتور بلكنغتون بأن دفع له ثلث فاتورته، وقد طرد الدكتور جونز، وراح يسألني عن عنوان أرخص مأوى للمجانين. وكان يرى أن الدكتور ينبغي أن يحتجز في مكان آخر.
أعلمته أن حالة أخته لا تستدعي مأوى مجانين، وهذا من سوء حظه. قال: إذا كانت حالتها لا تستدعي مأوى مجانين، فهو لا يدري ما تكون. لقد توفي المبجل جوناثان من الكبر وضعف العقل منذ أكثر من سنة، واحتمال تعرضها لأي غوايات أخرى غير قابل للتصديق، وهو الشيء المخبل المزمن. لقد جعلت نفسها من قبل أضحوكة دندي كلها بالطريقة ذاتها التي جعلت نفسها الآن أضحوكة روما كلها. قال إنه عانى منها ما يكفي، وهو لا يريد أي مزيد في تعامله معها. قلت: ولا أنا، لقد كنت محاطا بإناث مصابات بالهستيريا طوال خمس عشرة سنة، وأريد أن أستريح. والشيء الوحيد هو أن تعود بها إلى دندي.
أما بشأن طبيبها، فأنا متأكد أنه بذل أفضل ما لديه من مهارته. أعرف أنه طبيب عسكري هندي متقاعد وله خبرة محدودة بالهستيريا. وأنا أعتقد أن ما ندعوه بـ"الورم الكاذب" كان نادر الحدوث في الجيش الإنجليزي. لكنه ليس نادرا جدًّامع النساء الهستيريات.
هل كنت أعلم أن لديها من الوقاحة ما جعلها تطلب العربة من المخازن باسمه، وكان عليه أن يدفع خمسة جنيهات من أجلها، وكان بإمكانها أن تحصل على عربة مستعملة ممتازة في دندي بجنيهين. هل يمكن أن أساعده في إيجاد من يشتري العربة؟ وهو لا يبغي أي ربح فيها، لكنه يود أن يسترد نقوده.
أخبرته أنه إذا ترك أخته في روما فستكون قادرة تماما على طلب عربة اطفال أخرى من المخازن. وبدا متأثرا كثيرا بهذه المناقشة. لقد أعرته عربتي ليأخذ أخته إلى المحطة. ولم أرهما قطّ مرة ثانية.
* * *
إن نبوءة السفير السويدي محققة حتى الآن، وأنا كنت الفائز بسهولة. لكن سرعان ما كان علي أن أتعامل مع منافس أشد خطرا بكثير وقد أخذ يمارس عمله يومئذ في روما. ولقد علمت أن نجاحي السريع هو الذي جعله يتخلى عن عمله الرابح ويستقر في العاصمة، وأعتقد أن هذا صحيح. كان يتمتع بشهرة ممتازة بين أبناء بلده كطبيب ماهر ورجل ساحر. أصبح في الحال شخصية رائعة في المجتمع الروماني في حين كنت أختفي أكثر فأكثر، وقد تعلم ما أردت أن أعرف. كان يقود عربة أنيقة كعربتي، وقد استمتع كثيرا في شقته الفخمة في الشارع الرئيسي، وصعوده كان سريعا كما كان شأني. لقد زارني، واتفقنا أن في روما متسعا لكلينا، وكان دمثا معي دائما حيثما التقينا. كان من الواضح أن لديه خبرة كبيرة جدا، وهي مكتسبة بصورة أساسية من الأميركيين، وكثير منهم يحتشدون في روما ليكونوا تحت عنايته، كما علمت. كان لديه مجموعته الخاصة من الممرضات، وداره الخاصة لرعاية الرضع خارج بورتا بيا. كنت أحسبه في البداية طبيب سيدات، لكني سمعت في ما بعد أنه اختصاصي بأمراض القلب. ومن الواضح أنه كان يمتلك موهبة فريدة لزرع الثقة في مرضاه، فلم أسمع اسمه يذكر أبدا إلا بالثناء والامتنان. وهذا ما لم يفاجئني لأنه، بالمقارنة معنا جميعا، شخصية مدهشة حقا، بعينين ثاقبتين وذكيتين بشكل استثنائي، وبراعة رائعة في الكلام، وهذه سمات رابحة. لقد تجاهل كليا زملاءه الآخرين، لكنه طلبني مرتين للاستشارة، في حالات عصبية بشكل خاص. بدا أنه كان يعرف (صاحبه) شاركو بشكل جيد تماما، وقد زار عدة عيادات ألمانية. وكنا تقريبا على اتفاق دائم في التشخيص والعلاج، وسرعان ما توصلت إلى قناعة أنه يتقن مهنته كما أتقنها، على أقل تقدير.
وأرسل لي مرة رسالة مخربشة بسرعة طالبا إلي أن أجيء حالا إلى فندق كونستانزي. كان يبدو مستثارا أكثر من المعتاد. أخبرني بكلمات قليلة عاجلة أن المريض كان تحت إشرافه منذ بضعة أسابيع، وقد استفاد كثيرا من العلاج أول الأمر. لكن حالته انقلبت إلى أسوأ في الأيام الأخيرة، وعمل القلب لم يكن كافيا، وهو يود أن يعرف رأيي. وفوق كل شيء، ليس لي أن أنذر المريض ولا عائلته. قدِّرْ مفاجأتي حين تعرفت في مريضه إلى رجل كنت محبا له ومعجبا به طوال سنين كما كان كل شخص يمكن أن يكون التقى به، إنه مؤلف "الشخصية الإنسانية وبقاؤها بعد موت الجسد". كان تنفسه ظاهريا وصعبا، وجهه كان أزرق ومتعبا، ولم يبق منه إلا عيناه الرائعتان. ناولني يده وقال إنه مسرور بأني جئت أخيرا، وكان مشتاقا لعودتي. ذكرني بآخر لقاء لنا في لندن، لما تعشيت معه في جمعية البحث النفسي، وكيف بقينا ساهرين طوال الليل نتحدث عن الموت وما وراءه. وقبل أن ألتقط الوقت لأجيب، أخبره زميلي أن عليه ألا يتكلم مخافة نوبة أخرى ثم ناولني سماعته. ولم يكن ثمة من داع لفحص مطول، لأن ما رأيته كان كافيا. أخذت زميلي جانبا وسألته إن كان أخبر العائلة. وكانت مفاجأة شديدة لي أنه لم يكن متحققا من الوضع، وتحدث عن إعادة حقنات الاستركنين( 2) على فترات قصيرة، ومحاولة مصله في اليوم التالي، وأرسل في طلب زجاجة بورغندي من نوع خاص من الجراند أوتيل. قلت إني ضد المنبهات من أي نوع كان، لأن تأثيرها الوحيد الممكن هو أنها ترفع من جديد قابلية العذاب، التي خفت بفضل الطبيعة الرحيمة. وليس لنا من شيء آخر نفعله من أجله إلا أن نساعده في ألا يتعذب أكثر. وبينما كنا نتحدث، دخل الغرفة البروفيسور وليام جيمس، الفيلسوف الشهير، وأحد أصدقائه المقربين. قلت له إن العائلة ينبغي أن تعلم حالا، إنها مسألة ساعات. وبما أنهم على ما يبدو كانوا جميعا واثقين بزميلي أكثر مني، ألححت أن طبيبا آخر يجب أن يستدعى للاستشارة. وبعد ساعتين وصل البروفيسور باتشيلي، أعظم طبيب استشاري في روما. معاينته كانت أقصر حتى من معاينتي، وقراره كان أقصر.
"سيموت اليوم"، قال بصوته العميق.
وأطلعني وليام جيمس على الميثاق المقدس بينه وبينه صديقه بأن أيا منهما دنا من الموت أولا ينبغي عليه أن يبعث برسالة إلى الآخر لدى عبوره إلى المجهول ـــ وكان كلاهما يعتقد بإمكانية تواصل كهذا. كان مثقلا بالحزن حتى إنه لم يستطع أن يدخل الغرفة، لقد ارتمى على كرسي بالقرب من باب الغرفة، ودفتر مذكراته على ركبتيه، والقلم في يده، جاهزا لتدوين الرسالة بدقته المنهجية المألوفة. ودخل بعد الظهر في حالة تنفس مضطربة، تلك الإشارة الفاجعة للقلب باقتراب الموت. وطلب الرجل المحتضر أن يتكلم إلي. كانت عيناه هادئتين وادعتين.
قال: "أعرف أني سأموت، وأعرف أنك ستساعدني. أهو اليوم أم غدا؟"
"اليوم".
"يسرني أني جاهز، لا أشعر بأي خوف. وأنا سأعرف أخيرا. أخبر وليام جيمس، أخبره..".
وتوقف صدره بتنهيدة ساكنا في لحظة رهيبة من سر الحياة.
وسألت وأنا أنحني على الرجل الميت: "أتسمعني؟ أتعاني؟"
غمغم: "لا، أنا متعب جدًّا وسعيد".
كانت هذه كلماته الأخيرة.
ولما خرجت مبتعدا، كان وليام جيمس لا يزال جالسا ساندا ظهره إلى كرسيه، ويده على وجهه، ودفتره المفتوح لا يزال على ركبتيه. وكانت الصفحة بيضاء.
لقد رأيت من زميلي شيئا كثيرا والعديد من مرضاه أيضا في ذلك الشتاء. كان يتحدث دائما عن النتائج الرائعة لمصله، وعن دواء آخر لدفتيريا الصدر كان يستعمله مؤخرا في داره للتمريض بنجاح ممتاز. ولما أخبرته كم كنت مهتما بدفتيريا الصدر وافق أن يأخذني إلى مستشفاه الخاص وأراني بعض مرضاه الذين يعالجهم بالدواء الجديد. وقد فوجئت بشدة أن أتعرف بينهم إلى إحدى مرضاي السابقين، وهي سيدة أميركية ثرية ولديها كل أعراض الهستيريا الكلاسيكية، وقد صنفتها كمريضة بالوهم، وهي تبدو بشكل جلي في حالة جيدة كما كانت دائما. كانت في السرير لأكثر من شهر، تشرف عليها ممرضتان ليلَ نهار، وتؤخذ الحرارة كل أربع ساعات، وتحقن تحت الجلد بأدوية غير معروفة عدة مرات في اليوم، وقد نظم أدق تفاصيل حميتها بأقصى وسواس، وكانت تأخذ جرعات النوم ليلا، وفي الواقع كل ما تريد. ولم يعد لديها دفتيريا صدري أكثر مما لدي. ومن حسن حظها أنها كانت قوية كحصان، وهي قادرة على مقاومة أي علاج. قالت لي إن زميلي أنقذ حياتها. وسرعان ما تبين لي أن أكثر المرضى في المشفى الخاص يشكون من حالات متشابهة تقريبا تحت نظام المستشفى الصارم، ولا يعنيهم من الأمر شيء إلا حياة البطالة، فلديهم وفرة من المال أكثر من اللازم، وهم يرغبون بأن يكونوا مرضى ويشرف عليهم الطبيب. إن ما رأيته بدا مهما كالخنّاق الصدري، في أقل تقدير. كيف تم ذلك، وما هي طريقته؟ وبقدر ما استطعت أن أستجلي الأمر، فإن الطريقة تتوقف على وضع النساء في الأسرة من اللقاء الأول بتشخيص مذهل أنهن يعانين من مرض خطير، ويتيح لهن أن يتماثلن للشفاء تدريجيا نازعا عبء الإيحاء من عقولهن المشوشة. وكان سهلا أن أصنف زميلي كأخطر طبيب قابلته في حياتي. ولم أكن مستعدا لتصنيفه مجرد مشعوذ. واعتباري له كطبيب مقتدر كان بطبيعة الحال متناغما تماما مع كونه مشعوذا ــ فالخطان يسيران معا باتساق، وهنا يكمن الخطر الرئيس للمشعوذين. لكن المشعوذ يعمل منفردا كالنشال وقد أخذني هذا الرجل إلى مشفاه ليعرض أخطر ما يقوم به من حالات مدمرة بزهو كبير. كان مشعوذا طبعا، لكنه بالتأكيد مشعوذ من طراز نادر، وهو يستحق دراسة أقرب. وعلى كثرة ما رأيت منه كنت مصدوما بالتسارع المرضي لجهازه العقلي، بعينيه القلقتين، وسرعته الفائقة بالكلام. لكنها طريقته في إعطاء منبه القلب، وهو أقوى وأخطر سلاح في مقاومة أمراض القلب، ما أطلق أول نغمة إنذار في أذني. وفي إحدى الليالي تلقيت دعوة من ابنة واحد من مرضاه تتوسل إلي أن آتي حالا في طلب ملح من الممرضة. أخذتني الممرضة جانبا وقالت لي إنها أرسلت في طلبي لأنها توجست خوفا من شيء كان غلطا، وهي تشعر بقلق شديد إزاء ما كان يجري. وكانت مصيبة في ذلك. لقد كان مواظبا على إعطاء القلب منبه القمعية لمدة أكثر من اللازم، وكان المريض في خطر مباشر على حياته من تأثير العلاج. كان زميلي على وشك أن يعطيه حقنة أخرى لما انتزعت المحقنة منه وقرأت الحقيقة الرهيبة في عينه. فلم يكن مشعوذا، إنما كان مجنونا.
ماذا كان علي أن أفعل؟ أتهمه بأنه مشعوذ؟ إن هذا سيزيد من عدد مرضاه وربما من ضحاياه. أتهمه بالجنون؟ هذا يعني تدمير تام لمجرى حياته يتعذر إصلاحه. أي البراهين يمكن أن أقدم؟ الموتى لا يتكلمون، والأحياء لا يمكن أن يتكلموا. مرضاه، ممرضاته، أصحابه، سيقفون جميعهم ضدي، فأنا الرابح من بين جميع الرجال في سقوطه. ألا أفعل شيئا، وأدعه في مكانه، وسيطا مجنونا للحياة والموت؟
قررت بعد طول تردد أن أتكلم إلى سفيره الذي كان، كما أعلم، على علاقة ودية معه. رفض السفير أن يصدقني. كان يعرف زميلي من سنوات، وكان ينظر إليه كطبيب مقتدر ويمكن الاعتماد عليه، وهو نفسه استفاد كثيرا من علاجه وكذلك عائلته. وكان يعتبره دائما سريع الهياج جدًّا وغريب الأطوار إلى حد ما. أما بالنسبة لحالته الذهنية فهو واثق أنه سليم العقل مثلنا. وفجأة انفجر السفير في واحدة من قهقهاته الصاخبة المعتادة. قال إنه لم يتمالك نفسه، والمسألة مضحكة أكثر من اللازم، وهو يشعر بالتأكيد أني لن أستاء منه، وكان يعرف أني أتمتع بحس معين من المرح. وقال لي إن زميلي زاره في صباح اليوم ذاته طالبا منه رسالة تعريف إلى السفير السويدي، ليتحدث إليه في أمر خطير جدا. وهو يرى أن من واجبه أن ينبه السفير السويدي ليبقيني تحت مراقبته، فقد كان مقتنعا أن ثمة خللا ما في عقلي. وأنا بينت للسفير أن هذا دليل ثمين، إنه ما يمكن أن يفعله المجنون بدقة في مثل هذه الظروف، فلا يمكن لأحد أن يبالغ في تقدير مكر المجنون.
ولدى عودتي إلى البيت استلمت من زميلي وريقة عسيرة القراءة وقد استنتجت أنها دعوة للغداء في اليوم التالي ــ وقد لفت انتباهي تغير خطه اليدوي. وجدته في غرفة المعاينة، واقفا أمام مرآة، يحدق بعينيه الجاحظتين إلى انتفاخ خفيف في حنجرته، تضخم في الغدة الدرقية كنت قد لاحظته من قبل. وسرعة نبضه فوق المعتاد جعلت التشخيص سهلا. قلت له إن معه مرض جريفز( 3). قال إنه كان يشتبه بذلك وطلب مني أن أساعده. قلت له إنه مرهق وعليه أن يتخلى عن العمل بعض الوقت، وأفضل شيء له هو أن يعود إلى بلاده لاستراحة طويلة، وقد نجحت في إبقائه في السرير حتى جاء وصول أخيه. غادر روما بعد أسبوع، ولم يرجع مرة ثانية. وقد علمت أنه مات في السنة التالية في مأوى الأمراض العقلية.
--------------------
(1 ) نلاحظ أن الكاتب كرر كلمة "كل" أو "جميع" بشيء من المبالغة في هذه الفقرة، ليسخر من الجهلة الذين صدقوا إشاعة الحمل! (م)
( 2) Strychnine
( 3) Graves’ disease
--------------------
هذه الملحمة الإنسانية لاكسيل مونتي يصعب أن نَفيها حقها في مقالة موجزة، خاصة وهو يعبر بعمق وألم عن المعركة الدائرة بين الموت والحياة... فالمعركة منظمة في أدق تفاصيلها وفق قانون من التوازن بين الحياة والموت لا يقبل التغيير... لذا أترك للقارئ متعة قراءتها، كما استمتعت. محمد أحمد السويدي
بتكليف ورعاية من الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، وبدافع من حب المعرفة والسعي لنشرها قامت القرية الإلكترونية بتوفير هذه النسخة من قصة سان ميشيل مترجمة باللغة العربية – ترجمها علي كنعان. (جميع الحقوق محفوظة)
صفحتنا الرسمية في فيس بوك :
https://www.facebook.com/mohammed.suwaidi.poet/
منصتنا في جوجل بلس لمتابعة باقي مشروعاتنا
https://plus.google.com/+HisExcellencyMohammedAhmedAlSuwaidi?hl=ar
, Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi,,
Related Articles