عيد لاك بعومر والثورة على الرومان
عيد لاك بعومر والثورة على الرومان
من كتاب قصة الحضارة | لويل ديورانت
كان في الطرق التي جرى عليها أكيبا (عكيبا) من السخف بقدر ما في النتائج التي وصل إليها من الصحة. وقد فسر الشريعة المسطورة تفسيراً عجيباً إذ جعل لكل حرف من حروفها معنى خفياً ثم استمد من هذا التفسير مبادئ حرة؛ ولعل الباعث له على هذا التفسير ما لاحظه من أن الناس لا يقبلون الشيء المعقول إلا إذا كان في صورة غامضة خفية.
وعن أكيبا أخذ هذا التنظيم وذاك العرض لعلمي الدين والأخلاق اللذين انتقلا عن طريق التلمود إلى ابن ميمون، ثم انتقلا آخر الأمر إلى أساليب الفلاسفة المدرسيين.
ولما بلغ سن التسعين وضعفت قواه وأصبح من الرجعيين ألفى نفسه، كما كان في أيام شبابه، محوطاً بالثورة من كل الجوانب.
ذاك أن يهود قورينة، ومصر، وقبرص، وأرض الجزيرة، رفعوا لواء الثورة على روما مرة أخرى في عامي 115 - 116، وأخذ اليهود يقتلون غير اليهود، وهؤلاء يقتلون أولئك حتى أصبح التقتيل هو العادة المألوفة في تلك الأيام. ويقول ديو إن 220.000 قتلوا في قورينة، و240.000 في قبرص.
وتلك أرقام لا يقبلها العقل بطبيعة الحال، ولكنا نعرف أن قورينة لم تنتعش قط بعد هذا التخريب، وأن اليهود ظلوا عدة قرون بعد ذلك الوقت لا يسمح لهم قط بدخول قبرص. ثم أخمدت الفتن، ولكن من بقي من اليهود ظلوا محتفظين بأملهم القوي في ظهور مسيح يعيد بناء الهيكل ويعيدهم ظافرين إلى أورشليم. وأشعل الرومان، بحمقهم وبآلهتهم، نار الثورة من جديد.
ذلك أن هدريان أعلن في عام 130 أنه يعتزم بناء ضريح لجوبتر في مكان الهيكل، ثم أصدر في عام 131 مرسوماً بتحريم الختان وتعليم الشريعة اليهودية علناً. وكانت آخر وقفة وقفها اليهود في التاريخ القديم لاستعادة حريتهم في عام 132 بزعامة شمعون باركوشيبا الذي ادعى أنه هو المسيح. وبارك أكيبا هذه الثورة رغم أنه كان طوال حياته يدعو إلى السلم، وذلك حين إعترف باركوشيبا أنه هو المنقذ.
وظل الثوار ثلاث سنين مستبسلين في قتال الفيالق الرومانية حتى هزموا آخر الأمر بعد أن نفذ طعامهم وعتادهم. ودمر الرومان 985 مدينة في فلسطين وذبحوا 580.000 يهودي ويقال إن الذين ماتوا من الجوع والمرض والحريق كانوا أكثر من هذا العدد. وخربت بلاد اليهود كلها تقريباً، وخرَّ باركوشيبا نفسه صريعاً أثناء دفاعه عن بيثار. وكان الذين بيعوا من اليهود في أسواق الرقيق من الكثرة بحيث انخفض ثمن الواحد منهم حتى ساوى ثمن الحصان.
واختبأ الآلاف منهم في سراديب تحت الأرض مفضلين ذلك على الأسر؛ ولما أحاط بهم الرومان هلكوا من الجوع واحداً بعد واحد، وكان الأحياء منهم يأكلون جثث الموتى.
وأراد هدريان أن يقضي على ما في اليهودية من رجولة وقدرة على الانتعاش، فلم يكتفِ بتحريم الختان بل حرم معه الإسبات والاحتفال بأي عيد من أعياد اليهود أو إقامة أي طقس من الطقوس اليهودية علناً. وفرضت ضريبة شخصية جديدة أكبر من الضريبة السابقة على جميع اليهود، وحرم عليهم دخول بيت المقدس إلا في يوم واحد محدد في العام يسمح لهم فيه بالمجيء إلى دمشق ليبكوا أمام خرائب الهيكل. وقامت في مواضع أورشليم مدينة إبليا كبتولينا الوثنية، وشيد فيها ضريحان لجوبتر وفينوس، وساحات للرياضة وملاهٍ وحمّامات، وحل مجلس يمنيا وحرم أعضاؤه الاجتماع، وأجيز لمجلس عاجز أصغر منه أن يجتمع في لدا Lydda. أما تعليم الشريعة جهرة فقد منع منعاً باتاً، وأنذر كل من خالف ذلك بالإعدام، وأعدم بالفعل عدد من الأحبار الذين خالفوا. وأصر أكيبا، وكان وقتئذ في الخامسة والتسعين من عمره على أن يعلم تلاميذه، فزج في السجن ثلاث سنين، ولكنه لم ينقطع عن التعليم في سجنه، فحوكم، وأدين، وأعدم وهو ينطق بالعقيدة اليهودية الأساسية: "اسمعي يا إسرائيل، الرب إلهنا، والرب واحد".
وظل اليهود قروناً عدة يعانون آثار النكبة التي حلت بهم بعد ثورة باركوشيبا، وإن كان أنطونينس بيوس قد خفف من صرامة مراسيم هدريان، ودخلوا من هذه اللحظة في دور الكهولة، وتخلوا عن كل العلوم الدنيوية ما عدا الطب، ونبذوا الهلنستية على اختلاف صورها، ولم يتلقوا السلوى أو الوحدة إلا من أحبارهم، وشعرائهم الصوفيين وشريعتهم.
ولسنا نعرف شعباً آخر قد طال نفيه كما طال نفي اليهود، أو عانى من الأهوال مثل ما عانوا. لقد حرم عليهم أن يدخلوا المدينة المقدسة، وأُرغموا على تسليمها للوثنية ثم للمسيحية، وشُردوا في كل ولاية من ولايات الدولة الرومانية وإلى ما وراء حدود تلك الدولة، وضُربت عليهم المذلة والمسكنة، ولم يجدوا لهم صديقاً حتى بين الفلاسفة والقديسين، فابتعدوا عن المناصب العامة وعكفوا في عزلتهم على الدرس والعبادة، واستمسكوا أشد الاستمساك بأقوال علمائهم، وأخذوا يتأهبون لكتابتها آخر الأمر في تلمود بابل وفلسطين. وهكذا اختبأت اليهودية في ظلمات الخوف والفزع، بينما كانت وليدتها المسيحية تخرج لفتح العالم وسيادته.
———————————-
بي بي سي: ( في عيد لاك بعومر) إن المتدينين اليهود يمتنعون في هذه الأيام عن مظاهر الفرح ويمتنعون أيضاً عن الحلاقة وذلك حداداً على أرواح اليهود الذين قُتلوا في أثناء الثورة على الرومان والتي قادها باركوشيبا.
وكان في مقدمة أولئك القتلى الحاخام عكيبا الزعيم الروحي لهذه الثورة ومعه 24 ألفاً من تلامذته ومقاتلي باركوشيبا، وذُكر أن وباء تفشى وأودى بحياة كثير من المقاتلين إلا أن الوباء توقف عن الانتشار يوم لاك بعومر بين تلامذة الحاخام عكيبا ولذلك يُسمح في هذا اليوم بإقامة حفلات الزواج والأفراح.
عيد لاك بعومر والثورة على الرومان
من كتاب قصة الحضارة | لويل ديورانت
كان في الطرق التي جرى عليها أكيبا (عكيبا) من السخف بقدر ما في النتائج التي وصل إليها من الصحة. وقد فسر الشريعة المسطورة تفسيراً عجيباً إذ جعل لكل حرف من حروفها معنى خفياً ثم استمد من هذا التفسير مبادئ حرة؛ ولعل الباعث له على هذا التفسير ما لاحظه من أن الناس لا يقبلون الشيء المعقول إلا إذا كان في صورة غامضة خفية.
وعن أكيبا أخذ هذا التنظيم وذاك العرض لعلمي الدين والأخلاق اللذين انتقلا عن طريق التلمود إلى ابن ميمون، ثم انتقلا آخر الأمر إلى أساليب الفلاسفة المدرسيين.
ولما بلغ سن التسعين وضعفت قواه وأصبح من الرجعيين ألفى نفسه، كما كان في أيام شبابه، محوطاً بالثورة من كل الجوانب.
ذاك أن يهود قورينة، ومصر، وقبرص، وأرض الجزيرة، رفعوا لواء الثورة على روما مرة أخرى في عامي 115 - 116، وأخذ اليهود يقتلون غير اليهود، وهؤلاء يقتلون أولئك حتى أصبح التقتيل هو العادة المألوفة في تلك الأيام. ويقول ديو إن 220.000 قتلوا في قورينة، و240.000 في قبرص.
وتلك أرقام لا يقبلها العقل بطبيعة الحال، ولكنا نعرف أن قورينة لم تنتعش قط بعد هذا التخريب، وأن اليهود ظلوا عدة قرون بعد ذلك الوقت لا يسمح لهم قط بدخول قبرص. ثم أخمدت الفتن، ولكن من بقي من اليهود ظلوا محتفظين بأملهم القوي في ظهور مسيح يعيد بناء الهيكل ويعيدهم ظافرين إلى أورشليم. وأشعل الرومان، بحمقهم وبآلهتهم، نار الثورة من جديد.
ذلك أن هدريان أعلن في عام 130 أنه يعتزم بناء ضريح لجوبتر في مكان الهيكل، ثم أصدر في عام 131 مرسوماً بتحريم الختان وتعليم الشريعة اليهودية علناً. وكانت آخر وقفة وقفها اليهود في التاريخ القديم لاستعادة حريتهم في عام 132 بزعامة شمعون باركوشيبا الذي ادعى أنه هو المسيح. وبارك أكيبا هذه الثورة رغم أنه كان طوال حياته يدعو إلى السلم، وذلك حين إعترف باركوشيبا أنه هو المنقذ.
وظل الثوار ثلاث سنين مستبسلين في قتال الفيالق الرومانية حتى هزموا آخر الأمر بعد أن نفذ طعامهم وعتادهم. ودمر الرومان 985 مدينة في فلسطين وذبحوا 580.000 يهودي ويقال إن الذين ماتوا من الجوع والمرض والحريق كانوا أكثر من هذا العدد. وخربت بلاد اليهود كلها تقريباً، وخرَّ باركوشيبا نفسه صريعاً أثناء دفاعه عن بيثار. وكان الذين بيعوا من اليهود في أسواق الرقيق من الكثرة بحيث انخفض ثمن الواحد منهم حتى ساوى ثمن الحصان.
واختبأ الآلاف منهم في سراديب تحت الأرض مفضلين ذلك على الأسر؛ ولما أحاط بهم الرومان هلكوا من الجوع واحداً بعد واحد، وكان الأحياء منهم يأكلون جثث الموتى.
وأراد هدريان أن يقضي على ما في اليهودية من رجولة وقدرة على الانتعاش، فلم يكتفِ بتحريم الختان بل حرم معه الإسبات والاحتفال بأي عيد من أعياد اليهود أو إقامة أي طقس من الطقوس اليهودية علناً. وفرضت ضريبة شخصية جديدة أكبر من الضريبة السابقة على جميع اليهود، وحرم عليهم دخول بيت المقدس إلا في يوم واحد محدد في العام يسمح لهم فيه بالمجيء إلى دمشق ليبكوا أمام خرائب الهيكل. وقامت في مواضع أورشليم مدينة إبليا كبتولينا الوثنية، وشيد فيها ضريحان لجوبتر وفينوس، وساحات للرياضة وملاهٍ وحمّامات، وحل مجلس يمنيا وحرم أعضاؤه الاجتماع، وأجيز لمجلس عاجز أصغر منه أن يجتمع في لدا Lydda. أما تعليم الشريعة جهرة فقد منع منعاً باتاً، وأنذر كل من خالف ذلك بالإعدام، وأعدم بالفعل عدد من الأحبار الذين خالفوا. وأصر أكيبا، وكان وقتئذ في الخامسة والتسعين من عمره على أن يعلم تلاميذه، فزج في السجن ثلاث سنين، ولكنه لم ينقطع عن التعليم في سجنه، فحوكم، وأدين، وأعدم وهو ينطق بالعقيدة اليهودية الأساسية: "اسمعي يا إسرائيل، الرب إلهنا، والرب واحد".
وظل اليهود قروناً عدة يعانون آثار النكبة التي حلت بهم بعد ثورة باركوشيبا، وإن كان أنطونينس بيوس قد خفف من صرامة مراسيم هدريان، ودخلوا من هذه اللحظة في دور الكهولة، وتخلوا عن كل العلوم الدنيوية ما عدا الطب، ونبذوا الهلنستية على اختلاف صورها، ولم يتلقوا السلوى أو الوحدة إلا من أحبارهم، وشعرائهم الصوفيين وشريعتهم.
ولسنا نعرف شعباً آخر قد طال نفيه كما طال نفي اليهود، أو عانى من الأهوال مثل ما عانوا. لقد حرم عليهم أن يدخلوا المدينة المقدسة، وأُرغموا على تسليمها للوثنية ثم للمسيحية، وشُردوا في كل ولاية من ولايات الدولة الرومانية وإلى ما وراء حدود تلك الدولة، وضُربت عليهم المذلة والمسكنة، ولم يجدوا لهم صديقاً حتى بين الفلاسفة والقديسين، فابتعدوا عن المناصب العامة وعكفوا في عزلتهم على الدرس والعبادة، واستمسكوا أشد الاستمساك بأقوال علمائهم، وأخذوا يتأهبون لكتابتها آخر الأمر في تلمود بابل وفلسطين. وهكذا اختبأت اليهودية في ظلمات الخوف والفزع، بينما كانت وليدتها المسيحية تخرج لفتح العالم وسيادته.
———————————-
بي بي سي: ( في عيد لاك بعومر) إن المتدينين اليهود يمتنعون في هذه الأيام عن مظاهر الفرح ويمتنعون أيضاً عن الحلاقة وذلك حداداً على أرواح اليهود الذين قُتلوا في أثناء الثورة على الرومان والتي قادها باركوشيبا.
وكان في مقدمة أولئك القتلى الحاخام عكيبا الزعيم الروحي لهذه الثورة ومعه 24 ألفاً من تلامذته ومقاتلي باركوشيبا، وذُكر أن وباء تفشى وأودى بحياة كثير من المقاتلين إلا أن الوباء توقف عن الانتشار يوم لاك بعومر بين تلامذة الحاخام عكيبا ولذلك يُسمح في هذا اليوم بإقامة حفلات الزواج والأفراح.
, Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi,,
Related Articles