, Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi "متى سيصل؟" سألت في نفاذ صبر" اللعنة! لا أعرف. ربما الليلة- ربما الأسبوع القادم. لقد ظللت أترقب وصوله كل يوم طيلة الشهور الثلاثة الماضية!"تملكني اليأس كليةً.افترَّ ثغر....
اقرأ المزيد ... "متى سيصل؟" سألت في نفاذ صبر" اللعنة! لا أعرف. ربما الليلة- ربما الأسبوع القادم. لقد ظللت أترقب وصوله كل يوم طيلة الشهور الثلاثة الماضية!"تملكني اليأس كليةً.افترَّ ثغر الرجل العجوز عن ابتسامة عريضة، وله وجه مسطح بنّي يبدو كما لو أنّ أحدهم جلس عليه، وربت على كتفي فبدت أظافره مثل مخالب النمر البنغالي. "ويحك، ويحك" واستطرد " إنّك سيدة شجاعة، لا تدعي اليأس يسيطر عليك. سوف نصنع حشية للمهرة وسيكون كل شيء على ما يرام!".كان هذا الوعد بالحشية مبهمًا لكنّه يبعث على الراحة. لم يكن لدي أدنى فكرة عما ستكون عليه هذه الحشية، ولم يقل لي غيدينا سوى ما لم تكن عليه. فهي ليست سرجًا جانبيًا. وهي ليست كرسياً. ولا مقعدًا مسيّجًا مع مسند للقدم مثل سروج الحمير المخصصة للأطفال. وهي تصنع عند الحاجة إليها، وينبغي أن تكون جاهزة عند الطلب. ولم نستطع الحصول على أكثر من هذاقمم غير موطوءة وأودية غير مطروقةالباب الرابعL في كورتينا | تأليف:إيمليا إدواردزترجمة حصرية للقرية الإلكترونية ضمن مبادرة الشاعر الاماراتي محمد أحمد السويدي لترجمة 1000 كتاب من العالم إلى العربية تطبيق الوراقالوراق Alwaraq, Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi....
اعرض في فيس بوك , Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi قمم غير موطوءة وأودية غير مطروقةالباب الرابع عشر- من كابريل إلى بوتزنتأليف:إيمليا إدواردزترجمة: أميمة قاسم--وأخيراً آن الأوان لمغادرة كابريل- مغادرة كابريل والدولميت،....
اقرأ المزيد ... قمم غير موطوءة وأودية غير مطروقةالباب الرابع عشر- من كابريل إلى بوتزنتأليف:إيمليا إدواردزترجمة: أميمة قاسم--وأخيراً آن الأوان لمغادرة كابريل- مغادرة كابريل والدولميت، والطرق غير المطروقة لجنوب شرق تيرول، والترحال مرة أخرى عائدين إلى طرق إيطاليا وسويسرا السريعة المزدحمة.أصبح محتماً علينا دخول العالم من جديد عبر مدينة بوتزن. و ربما كانت جميع الطرق تؤدي إلى روما، عندما يكون حجر الزاوية الذهبي في مركز العالم المعروف. وعليه فربما كانت جميع أودية الدولميت وممراته تقود إلى بوتزن بطريقة أو بأخرى. ولا عجب إن كانت لدينا عدة مسارات للتخير منها ما يناسبنا. ولم يكن هنالك طريق لعربات الجياد سوى الطريق الجديد الذي يقع بين جبل ليتمار، والروزنغارتن، المعروف بممر كاريسا. كان هنالك طريق يمر بليفينالونغو والغادر تال المؤدي إلى برونيك، والسكة الحديد، من برونيك إلى بوتزن. ربما سرنا مجدداً في محازاة الأفيزيو في طريق طويل يشق أودية الفاسا، وفيمي، وسيمبرا حتى لافيز، حيث تلتقي السيول بإيزاك ويلتقي الطريق بالسكة الحديد، في مكان ليس ببعيد من ترينت. أو ربما نأخذ طريق الغرودنر تال والألب السويسرية، ونسير بمحازاة البرينر من أتزوانغ، على ارتفاع ضئيل فوق بوتزن.لقد قررنا أن نتبع المسار الأخير. وهو يتميز على غيره من المسارات بعدة فوائد. فهو أولاً سيتيح لنا فرصة بامتداده على طول وادي ليفينالونغو، لرؤية ثلاثة جوانب من المحيط الدائري لجبل سيلا الضخم، فيأخذنا إلى بلدة سان أولريتش، التي لها من الأهمية في منطقة جنوب إقليم تيرول ما لمدينتي انترلاكن وبرينز في سويسرا في مجال تجارة الحفر على الأخشاب. ثم يأخذنا الطريق عبر سلسلة الألب السويسرية على مقربة من ظل جبال لانغ كوفل، بلات كوغل، سكليرن، وهي سانحة لطيفة لزيارة حمامات راتزس، و يهبط بنا أخيراً في مدينة بوتزن بعد سبعة أيام أو أقل حتى من وقت بداية الرحلة تقريباً.فارقنا آل بيزيه المضيافين كما لو كنا نفارق أصدقاءَ لنا، وسرنا بعيداً ونحن نعدهم وأنفسنا بالعودة إلى مدينة كابريل مرة أخرى في المستقبل القريب. كان الطقس في الساعة الخامسة صباحاً يتسم بالاعتدال والإشراق. بيد أننا لبثنا بالفعل أياماً عدة في انتظار طقس أفضل، ولكن السماء لم تزل في تقلبها. كانت أصوات رنين الأجراس تتبعنا ونحن في طريقنا للخروج من القرية، وكانت المسيرة الصاخبة المعتادة تهدر باتجاه الكنيسة. كانوا سيصلّون هذه المرة من أجل طقس صحو بلا أمطار. هتف كليمنتي، " هاهم! هاهم!" وفي صوته نبرة ازدراء " تلك هي الطريقة التي يتبعونها، سيدتي! يراقب القس مقياس الضغط، وعندما يقترب وقت هطول المطر، ينادي في الناس ليجمعهم لصلاة السقيا. وربما أُمطروا قبل أن ينتهي القدّاس. ثم يصرخ " إنّها معجزة!"- وهم يصدقونه – أولئك الشياطين المثيرون للشفقة." وقد تجاوز طريقنا الذي يرتفع عن الأرض بالفعل من المسافة ما يبلغ معه فندق فينازيرز الصغير في أندراز. ثم عبرنا النّهير، وتركنا وادي بوخنشتاين الذي يزداد اتساعه ناحية اليمين، ويحف الآن بمنحدرات مضيق لانا التي تبدأ في الارتفاع الآن. يمتد بنا الدرب صعوداً نحو منبع وادي ليفينالونغو الرئيسي. وتوقفنا لساعة من الزمن لإطعام البغال في القرية الكبرى المعروفة باسمي ليفينالونغو و بياف اندراز معاً. حيث قُدمت لنا القهوة الممتازة في أنظف الغرف الخشبية، حملتها إلينا أكثر صاحبات المنزل البهيجات بدانة. إنَّ هؤلاء الأشخاص أيضاً ينتمون إلى فينازرز، وجيرانهم الذين يسكنون في المنزل المقابل، والذين يديرون بدورهم فندقاً صغيراً هم من الفينازرز: الشيء الذي زاد من حيرتنا إذ أنَّ الفندق الوحيد كان مريحاً جدا، بينما اتسم الآخر بوجود تقارير تثير الشكوك حوله. كان أجودهما يقع إلى جهة الشرق، وهذا للقول بأنّه يقع إلى يمين المسافرين المتوجهين إلى كابريل. وتشرف القرية، اسمها كابولوجو، ومركز بريد الضاحية على حافة جرف شديد الانحدار، ويزيد ارتفاعها بنحو 1500 قدمٍ عن علو مدينة كابريل. كان المنظر من سطح الكنيسة رائعًا جداً، ولا يستحوذ عليه مجرى نُهير كورديفولي العميق وحده من منبعه في رأس الوادي نزولاً لغاية موقع مدينة كابريل، ولكنه يضم أيضاً جبل سيفيتا، والمارمولاتا، وجبل بادون (أو ميزولا)، وسيلا الهائل ومجموعة من القمم التي تقل عنها أهمية. يرتفع الوادي ببطء وثبات من موقع نهر البياف باندراز حتى آرابا- قرية خشبية بائسة المنظر على سفح المنحدرات أدنى جروف جبل سيلا الجنوبية. وكلما ارتفع أصبح أكثر مَحْلاً وأقل إثارة للاهتمام. والقمم المسننة لجبل بادون، تخرج تدريجياً من قلنسوتها التي نسجتها السحب العنيدة، فيظهر لونها القرمزي المسوّد مقابل السماء. وبين الفينة والأخرى يأخذنا الطريق المتعرج، على نحو ما، بمحازاة وادي فيورنتينو، وأكثر ارتفاعاً من منحدرات جبل فريزوليه المتشابكة، فنعانق-بشكل غير متوقع- طلعة جبل بيلمو الشبحية، الرائعة، النائية البعد، تغلق نهاية المشهد البديع في طوله وتألقه، فنراه للحظات قليلة فقط، وللمرة الأخيرة، إذ أنَّ الطريق باتجاهه للداخل، يتلاشى- مثل جبل سيفيتا ومارمولاتا اللذيْن تواريا عن الأنظار تماماً هذه اللحظة. وسوف لن نحظى برؤيتهما بعد الآن في مسار رحلتنا الحالية، ومن يعلم متى سنراهما مجدداً – هذا إنْ كان ذلك مقدّرًا لنا من الأساس.والآن يتمدد جبل سيلا العملاق على الأفق بطوله- وتتكدس مجموعة من أكثر من الأبراج السمراء المصفرة سُمكاً، مثل بضع عشرات من جبال البيلمو الفحمية اللون المتراصة على مسافات شديدة القرب من بعضها البعض. وتبدو الكتلة كما لو أنّها تقسّم نفسها بشكل طبيعي إلى خمسة أجزاء هي على التوالي، كمونة بويه، أو بوردوي سبيتز التي تسد رأس وادي الفاسا، وسيلا سبيتز، ويطلّ على وادي غرودنر، ويشرف البيسادو سبيتز من عل على ممر كولوسكو، وماسور سبيتز الذي يواجه كورفارا ووادي الغدير، وكومولونغو سبيتز، التي تفرض سيادتها على ممر كامبونغو، والذي نسير صوبه الآن. وبينما نحث الخطى باتجاه الشمال صاعدين في المضيق المقفر إلى اليمين، تاركين آرابا ووادي ليفينالونو بعيداً وراءناً في الأسفل، تصادفنا هذه الحصون العملاقة القريبة في الجانب الأيسر على الدوام. والشجيرات هنا قليلة ومتقزمة. وقد اختفت أزهار الألب هنا مفسحة المجال للشجيرات الجافة الخالية من الأوراق. كما غابت عنه أيضاً أزهار الزنابق الذهبية، والجنتيانا، والزهور البرية اليانعة التي زينت معظم الممرات الأخرى وزادتها جمالاً: هذا عدا حفنة من براعم زهور اليديلويس الهزيلة التي تخبيء نفسها هنا وهناك بين الصخور المكسوّة بالطحالب. وقد كان الرجال يعملون في الحصاد ،على أية حال، فوق جميع المنحدرات، منهمكين في حصاد القش الهزيل وهم يغنون أثناء العمل. في البداية يصل إلى أسماعنا صوت واحد، ثم آخر، يلتقط اللحن. ويعود الصدى فيتردد بين جنبات الوادي، والآن يخفت شيئاً فشيئاً، ثم يتصاعد مرة أخرى، عذباً، منساباً، وجامحاً مثل تغريد الطيور - والتي قد ألقت بظلالها بلا شك في جميع هذه الألحان السويدية والتيرولية في الأصل. والآن بالقرب من قمة المعبر، والجبال الجديدة تتقدم صاعدة على الأفق الشمالي- الصليب المقدس، أو Heiligen Kreuz، وهو جبل طويل ينتهي باتجاه الغرب بقمتين توأمين، مثل كاتدرائية لها برجان اثنان قصيران: وقد اتخذت القبة شكل الكاتدرائية ذات البرجين القصيرين، وجرف فيريلا الذي يشبه القبة، وممر ساس انغار، أو ساسندر كوفيل الذي هو في الحقيقة مركز خارجي لجبل غويردينازا العملاق. حال وصولنا إلى قمة الممر وشروعنا في الهبوط، سمعناً دوياً طويلاً وهادراً للرعد من على البعد يصدر من جانب ليفينالونغو، وبالنظر إلى الخلف رأينا السحب تتجمع بسرعة تحت أقدامنا. وفي الأسفل، تقع كمونة كورفارا، في الأسفل، في قلب غور أخضر وموحش، وهي تتكون من حوالي عشرة منازل وكنيسة صغيرة. والطريق منحدر ورطب وزلق- ثبتت البغال حوافرها عليه بمشقة كبيرة- فالعاصفة قادمة. وعليه أسرعنا، وكنا ننزلق تارة ونتعثر تارة أخرى ونحن نسير بأقصى سرعة ممكنة، وصلنا الآن وسط الرعود والبروق إلى مدخل فندق روتينارا. ويتكون هذا النُزُل الصغير من منزلين، أحدهما حديث والآخر قديم. كان المنزل الجديد محجوزاً للطبقة الأرقى من المسافرين، وليس به غرفة عامة ولا مطبخ. تشغل العائلة المنزل القديم، وتطبخ به، ويستضاف فيه المرشدون والمزارعون المسافرون. وقد بني المنزل من خشب الصنوبر اللامع الجديد اللطيف، وأرضيات الطابق العلوي جميعها من الخشب، وكذلك الجدران والسقوف. أما الطابق الأرضي فقد جُصِّصت غرفه وطليت بالجير الأبيض. هل كنا لنحلم بأن نصادف شيئًا من الفن في مكان كهذا؟ من كان يحلم بأنّ الفلاح الشيخ الرزين الذي يغطيه غبار الطحين، والذي قاد لتوّه البغال إلى الإسطبل هو في الواقع أبٌ لفنان شاب ذي موهبة استثنائية؟ ولكنه كان كذلك. فرانز روتينارا، ابن مضيفنا، طالب فنون في فيينا. كان المنزل يعجّ برسوماته التمهيدية. وقد كان أول ما يراه المرء أثناء الصعود إلى الطابق الأعلى لوحة بالطول الكامل لشخصية هوفر في بهو، وقد تم تنفيذها على الجدران بالألوان، بالحجم الطبيعي، مرسومة بطريقة مثيرة للإعجاب، حيث كان يضع شعاراً على يده اليمنى، ورباط بندقيته معلقًا على كاهله. يستخدم أحد أطراف غرفة النوم الكبرى كغرفة معيشة، حيث عُلقت بعض الدراسات الأساسية للطبيعة الصامتة بألوان الزيت، وعدة رؤوس متقنة الرسم بالقلم الرصاص. وفي الطابق السفلي في غرفة تشبه المخزن إلى حد ما، حيث يتم نشر المعاطف المبللة لتجف، وقد تغطت كل بوصة من الجدار المطليّ بالجير الأبيض برسوم لرؤوس، وأذرع وأكف، ورسوم كاريكاتورية، ورسوم نصفية وكاملة لفريردرك الأكبر، وغوته، وشيلر، والمجنون، ومفستوفيليس، وهاملت، وجذع البلفيدير، قتال المصارع، والصياد المتوحش، والكثير مما أعجز عن إيفائه حقه ذكراً وعداً.أجابت الفتاة الجميلة الصغيرة التي قدمت لنا العشاء على أسئلتنا حول" أخيها الذي في فيينا" دون كلل أو ملل. لقد قام بتلوين هاتين اللوحتين من الطبيعة الصامتة عندما كان هنا في الصيف الماضي، أما جصّية هوفر فمنذ أربع سنوات خلت. لقد كان دائماً يرسم، منذ صباه الباكر، وكان قد تلقى دروساً في ميونخ قبل أن يقصد فيينا. إنّه هنا الآن- لقد عاد ليلة البارحة ليؤدي شهر الخدمة السنوي مع سلاح البندقية في كورفارا، وقد ذهب إلى فوق التلة ليلتقي ببعض الأصدقاء في قرية مجاورة. وفي آخر اليوم، عندما يعود الفنان الشاب من "فوق التلة"، سيقوم بزيارتنا بطلب مني. إنّه لم يبلغ الخامسة والعشرين من عمره بعد، وهو حيّي كفتاة. تحدثنا قليلاً عن الفنون، ولكن بما إنَّ الهر فرانز ليس ماهراً في الحديث باللغة الإيطالية، ومستوى الكاتبة في اللغة الألمانية كان محدوداً، فقد ضاع جزء كبير بالضرورة من محتوى الحوار الفني الذي دار بيننا، ولكني خرجت منه بما يكفي لرؤية أنّه يمتلك ما يلزم لمهنة ثابتة في المجال، فلديه طموح يزينه الصبر، والحماسة العميقة لدارس الفن الألماني، وأؤمن بأنّ القدر سيكون إلى جانبه في وضع بصمته الخاصة بمرور الوقت. طبعا تقع قرية كورفارا، على الحدود النمساوية، وسكانها نمساويون جميعا كما لو أنَّ بلدتيْ كامبيديلو وكابريل ليستا على بعد سويعات قليلة من بعضهما البعض. لقد كان الهر فرانز هو الوحيد الذي يتحدث الإيطالية بين أفراد عائلته. فلا روتينارا العجوز ولا ابنته، ولا أي شخص في أنحاء القرية ما عدا القس يفهم أيَّ مقطع لفظي من أية لغة أخرى غير لغتهم الأم. مفاجأة كورفارا الكبرى، على أية حال، تكمن في كنيستها. وبعد ذلك كله لم يكن من المدهش رؤية عبقري منعزل يبرز هنا وهناك، حتى في أكثر البيئات صعوبة. وعلى بعد أميال قليلة من مسقط رأس تيتيان وجدنا آل غيدينا. وفي الوادي حيث ولد بروسيتولون، صادفنا الشاب نحات الخشب الذي من براغاريزا. وبالتالي لم يكن في إنتاج كورفارا لفنانها الخاص ما يثير الدهشة إلى حد كبير. ولكن من المؤكد أنّه أمر مذهل إلى حد ما، عندما تجولنا في الخارج هنا وهناك بعد هدوء العاصفة التي تمخضت عن رذاذ ممل- فحظينا ببعض لمحات هناك في الكنيسة الصغيرة المتواضعة المنظر، ووجدنا أنفسنا محاطين بأكثر الزخارف ترفاً. هنا، حيث على المرء ألا يتوقع سوى الجير الأبيض، تكسو الجدران زخارف العصور الوسطى المعقدة، والأضرحة، والمذابح، والألواح الثلاثية المليئة بنقوش وتصاوير القديسين، والتي زادها التذهيب القشيب روعة وجمالاً، الحوامل، وشُرُفات آلات الأورغ، والمقاعد التي نُحتت بعناية، وقد تم تنفيذ كل هذا وفق الأسلوب القوطي الألماني القديم، ويبدو كل شيء جديداً، ومتوهجاً بالذهب الصقيل ويزهو بالألوان.كان من المذهل جداً رؤية هذه الروعة، لأننا لم نتمكن في الدقائق الأولى من فعل شيء سوى التسكع في صمت، وزادت تلك الدهشة عندما التقينا الآن بالقس صدفة. لقد عرفنا منه أنَّ جميع أشكال الزينة هذه من صنع أهل البلدة الفلاحين- بأيدي العاملين في حصاد القش ذاتهم الذين استمعنا لغنائهم هذا الصباح في الحقل- وقد صمموها بأنفسهم، ونقشوها بأناملهم، ولونوها بأيديهم، وهم الذين قاموا بعملية التذهيب، فهي قرابين مقدسة قدموها بأيديهم وبحرّ إرادتهم. إنّه مكان صغير، وعدد السكان لا يزيد على 260 أو 270 نسمة بما في ذلك الأطفال يقول القسيس مبتسماً: " ولكنهم جميعاً من الفنانين". إنّه قسٌّ نبيل، ويعبر عن نفسه بلغة "إيطالية منتقاة بعناية". ويصف كورفارا محتجاً بأسلوب يتسم بالتهذيب والأدب بأنّها: "بقعة منسية خارج العالم": وعن الكنيسة يقول- على الرغم من أنَّ المرء يخال أنّه لا محالة يشعر بالفخر حيالها- "جميلة بالنسبة لمكان فقير كهذا." وعندما مدحت الزينة، رفع كتفيه استهجاناً، الشيء الذي يشير إلى أنّه ربما كان من يُفضّل تنفيذها بإمكانيات أكبر. " إننا نملك شيئاً واحداً رائعاً، لم تره السيدات بعد، ولكنه شيء سيسرني أن أريهن إياه، إن لم يكن لديهن مانع في تكبد مشقة العودة."عليه عدنا أدراجنا- لقد حدث هذا اللقاء أمام بوابة فناء الكنيسة- فدخلنا الكنيسة مرة أخرى، وتبعناه حتى ظهر المذبح، حيث كان هناك زوج من الأبواب الملونة والتي طويت الآن بعيداً عن النظر، ولكنها تعاد إلى الجانب الأمامي في فترة الصوم الكبير كما يقول. هذه اللوحات تجسّد قطع رأس القديسة كاثرين، التي كرُست لها هذه الكنيسة. ووفقاً للراعي، فإنها قد نُفذت في القرن الرابع عشر أو الخامس عشر بأنامل فنان إيطالي يدعى تيشيني، والذي كما تقول القصة ( وهي القصة ذاتها دائماً عندما يتعلق الأمر بكنوز القرية) قد حبسته أحوال الطقس السيئة في كورفارا، فرسم هذه اللوحات وقدمها للكنيسة نظير حفاوة استقبال القس له وكرم ضيافته. وليس لدى راعينا ما يقوله أكثر من ذلك. فهو لا يعرف أكثر مما أعرفه، من كان هذا التشيني؟ ومتى عاش وأين؟ أو متى جاء. ليس هنالك ذكر له في الأجزاء الشاملة لكروي وكافالكاسيل في كتاب " التلوين في شمال إيطاليا،" وأعماله في كورفارا لم تحصل على سطر واحد من الاهتمام في صفحات دليل بول، أوكتاب السيدين جلبرت وتشيرشل:" جبال الدولمايت". وأنا، الذي لم أسمع عنه من قبل، أستطيع الحكم فقط من أسلوب عمله أنّه كان من شمال إيطاليا ويتبع المدرسة البيلنيسكية. وقد اتسمت اللوحات، والمنفذة على ألواح، بالأسلوب الكريستالي البراق القديم، وتذكرني بعمل ميملنغ حتى أكثر من أعمال الفنانين الفريوليين. كانت القديسة كاثرين نحيلة، مستديرة الوجه، شقراء، ذات سحنة ألمانية، بينما اللمسة النهائية المتقنة للأزياء، والاستخدام الرقيق للتذهيب، والمعالجة الدقيقة للنقوش والتراكيب، تذكرني بأحد أعمال كارلو كريفيلي.هنالك أربع لوحات أخرى، مرسومة على الألواح أيضاً، للقديسة كاثرين وغيرها من القديسين تزين واجهة المذبح. كانت هذه الأعمال أكثر عمقاً في أسلوبها، ولكن من الواضح أنّها تنتمي إلى الفترة ذاتها، ويعتقد القس أنّها قد رُسمت بالأنامل ذاتها. وجميع هذه اللوحات مثيرة للاهتمام على كل المستويات: بينما اللوحة الأكبر في الخلف نادرة لدرجة لا يرقى إليها الشك من حيث الجمال والقيمة. وبينما كنا نغادر الكنيسة، أتت فتاتان صغيرتان جرياً وراء القس، لتقبِّلا يده: وهو فعل يدل على الاحترام، وقد طلب منا الإذن بطريقته الاعتذارية المبتسمة، قائلاً إنّها العادة هنا، وأنّ الأطفال "بسطاء ويتصفون بحسن النية".وبما أننا وصلنا الآن إلى مفترق الطرق، فقد تمنى لنا رحلة سعيدة، ورفع قلنسوته الضيقة الصغيرة في تهذيب، واستدار عائداً إلى منزله- وهو منزل أبيض بهيج المنظر ذي ستائر أنيقة وأصص للزهور في النوافذ، وكلب بدين من نوع البودل يربض عند الباب. والآن ونحن في طريق عودتنا إلى الفندق، بدأت قطرات المطر تزداد سمكاً، والضوء يضعف شيئاً فشيئاً، نحن نواجه ظاهرة. تقف في الفناء الصغير بين الفندق والملحق، التصفيق والإيماء وسط مجموعة قوامها عائلة روتينارا، ومرشدينا، وثلة متنوعة من الرجال وصَبية الإسطبل وهي ترتدي زوجاً من الأحذية القصيرة، وقبعة من القش المضروب، ورداءً بنياً ربما يجوز تشبيهه إما كتنورة طويلة، أو كأقصر الصدريات. كان شعرها رملياً ولونه قرمزيّ، وربما كانت في أي عمر بين الخامسة والأربعين والستين. وتحمل حقيبة ظهر على ظهرها، وعصا للتسلق في يدها. كان الصوت صوت رجل، والوجه مسمّر وعليه من غبار السفر ما عليه، وهو وجه امرأة. لقد كانت تثرثر بالألمانية- وكانت على ما يبدو تصف رحلة يومها الشاقة عبر الجبال- ويبدو أنّها راضية عن الضحكات المدوية التي تقاطع سردها الفينة بعد الأخرى. " مرشد؟" تستغرب، وهي تجيب على ملاحظة لأحد المتفرجين. " لا لست أنا! ما الذي أريده من مرشد؟ لقد حملت حقيبتي بنفسي، وسرت في طريقي من فرنسا، فسرت خلال إنجلترا، وعبر إيطاليا، وأنحاء فلسطين. ولم أستخدم مرشداً أبداً من قبل، ولم أتمنَّ أن يكون لدي واحد. أنتم جميعاً كسالى، وليس لدي علاقة بكم. فالتعب لا يعني لي شيئاً- والمسافة لا تسوى شيئاً بالنسبة لي- والخطر ليس بشيءٍ في قاموسي. لقد اختطفني اللصوص من قبل. ماذا عن ذلك؟ فإن كان معي مرشد فهل كان سيقاتلهم؟ محال أن يفعل ذلك! بل كان سيطلق ساقيه هرباً. حسناً لم أقاتل ولم أهرب. لقد صادقت خاطفيّ- وقمت بتلوين صور لهم- لقد أمضيت شهراً معهم، ثم افترقنا، كانوا أفضل رفاق في العالم. أف! المرشدون، بالله عليكم؟ فكلهم لا نفع لهم سوى مع العاجزين، ليس معي. إنني لا أخشى شيئاً، لا البابا ولا الشيطان". تفاجأت إلى حد ما بسبب هذه الخطبة النارية، ودخلنا، وغادرت وهي تتحدث. وأنا لا أعرف إن كان قد خالجني هذا الشعور بالامتنان والراحة العميقين قط أكثر من اللحظة التي عرفت فيها أنّ هذه السيدة ألمانية. إنّها ليست بالغريبة في كورفارا، على ما يبدو، ولكنها تظهر بين كل فترة وأخرى في هذا الزي المجنون، وفي بعض الأحيان تمكث في فندق روتينارا لعدة أسابيع معاً. فهي تلون، وتدرس النباتات، وأعتقد أنّها قالت إنّها تكتب أيضاً. غوسيبي الذي يصفها بالسيدة " القبيحة جداً والمبهجة جداً" يخبرنا في اليوم التالي كيف قد تناولت عشاءها في الليلة الماضية على مائدة المرشدين، حيث حظوا بالكثير من المتعة والمرح.الطريق من كورفارا إلى سان اولريتش يقع على طول وادي غدير تال، عبر قرية كولفوسكو، وصعوداً في الوادي الموحش بين جبل الغويردينازا والسيلا العملاقين.* ولم تك ثمة نفس حية في كولفوسكو أثناء مرورنا خلالها- لم يكن هنالك شيء سوى المسيح الهزيل الشبحي على جانب أحد المنازل، يكاد يكون بالحجم الحقيقي، وهو ملطخ من الرأس إلى القدم بشكل مرعب برشاش يبدو كأنه دم. وكانت القرية قد خرجت عن بكرة أبيها إلى فوق التلال، - "الأكبر والأصغر يعملان مع الأقوى" في حصاد القش.ومن فوق بلدة كورفارا وإلى غاية سطح الممر، يمرّ طريقنا قريباً تحت المنحدرات الهائلة لذلك الجزء من جبل سيلا المعروف بالبيسادو سبيتز. ويتمتع الجبل في هذا الجانب بتناسب رائع، ويحتفظ دوماً بشبهه غير المسبوق بقلعة عملاقة، وتظهر بين الحين والآخر من خلال الجروف في تلك الحصون العملاقة، لمحات من هضبة ثلجية رائعة بين جنباته، وطيات زرقاء من الجليد الذي يزحف إلى الأسفل هنا وهناك، أو هبوط غطاء من الضباب. وكلما صعدنا إلى الأعلى، أفسحت آخر حزم الذرة والكتان مكانها للفضاء الواسع النائي للمرج المائي الذي تقطنه شبكة من دروب الماشية غير المنتظمة، والمنتشرة في المكان مثلها مثل عدد من الصلبان الخشبية. كانت هذه العلامات حيث وُجد المسافرون وهم موتى. إنّهم يقولون ذلك في كورفارا إنَّ ممر كولفوسكو هذا هو الأخطر بين جميع ممرات الدولمايت، وإنَّ الريح في الشتاء تهتاج هنا بغضب حتى أنّها تسوق الثلج والبرد في سحب عظيمة تدفن وتخنق الرجال والماشية أثناء حركتها. وليس ثمة طريق محدد هناك أيضاً، كما إنَّ الغدر من شيم المستنقعات أينما كانت. والآن بلغنا القمة وتجاوزناها، ويرتفع جبل لانغ كوفيل إلى اليسار فوق الغابات وقمم الهضاب، والبرج المنعزل بصخوره العديدة. المضيق المسقوف يكسوه غطاء رقيق من غابات أشجار التنوب التي تتسع أمامنا، والمطر الوشيك الطويل الذي يبدأ مرة أخرى غزيراً وسريعاً، والطريق الذي استحال فجأة إلى آخر شديد الانحدار على نحو تصعب معه القيادة فيه، فكان علينا الترجل والمشي في عاصفة تشتد، هبوطاً في جانب شديد الانحدار من الجبل حتى حديقة القديسة مريم. أولى القرى في رأس وادي غرودنر تال. وهنا جلسنا في استراحة صغيرة حتى استعادت السماء صفوها من جديد، ثم حثثنا الخطى متجهين إلى قرية القديس اولريتش. أصبح طريقنا الآن يقع على طول وادي الغرودنر تال: أخضر ومكسو بالغابات، مطهم بمناظر القرى. كان جبل سيلا يتلاشى من المشهد تدريجياً وهو يتجه إلى الوراء جهة اليسار. وأصبح جبل لانغ كوفيل الآن أكثر ارتفاعاً وشموخاً. وأضحى جبل بلات كوغل مرتفعاً مثل نصف قبة ليأخذ مكانه في المشهد. ومنحدرات مرج سيسر الألبية المغطاة بالأشجار والقريبة من الوادي إلى اليسار، وجبل الاسكليرن، الذي يرى للمرة الأولى ضمن مشهد الوادي، الذي يظهر كجدار صخري أسود منحدر عليه بقع من الجليد هنا وهناك. لقد غاب الآن آخر أثر لإيطاليا. غدت جميع المناظر الطبيعية والبيوت والأشخاص والأسماء واللافتات فوق الأبواب ألمانية الطابع. أصبح الفلاحون يلتقون في الطريق في مجموعات رباعية، شُقرٌ، زرق العيون وأجلاف. يحمل الرجال المشغولات الخشبية على ظهورهم، كما في سويسرا. وقد بدت اللافتات والرموز المميزة التي لا تكاد تخطئها العين تنبئ باقترابنا من سان اولريتش. ازداد حجم الصلبان التي على الطريق، وحسُنت نقوشها و زهت ألوانها وقد تميز البعض منها بالذهب. وبعد كل فترة والأخرى نمر بكوخ ينتصب بالقرب من مدخله قفص تتكدس فيه الخيول الخشبية الصغيرة. وفي بوابة منزل آخر كان أحد العمال يقوم بتلميع كرسيّ منحوت بعناية. و نمر الآن بعربة محمّلة بسيقان العرائس فقط لا سواها، وقد لونت كل ساق بجورب أبيض أنيق وصندل أخضر زمردي اللون!وها قد ظهرت عاصمة أرض الألعاب تظهر للعيان- قرية فخمة الهيئة، كثيفة المنازل تتناثر على مساحة عريضة طويلة على امتداد منحدرات الضفة الغربية للغدير. كانت المنازل عبارة عن مساكن ألمانية تيرولية حقيقية، واسعة، كثيرة النوافذ، عريضة المزاريب وذات أبواب لامعة الخضرة، وواجهات الحدائق تعجّ بالأزهار. وهنالك كنيستان- واحدة صغيرة عتيقة تقع في الجزء الأدنى، والأخرى كبيرة أنيقة وتقع في الجزء الأعلى، وبرج جرس بصَليّ مطلي باللون الأحمر. وبها نصف دزينة على الأقل من الفنادق، تبدو عليها جميعا مظاهر النظافة والازدهار. باختصار كان المكان بشكل عام ذا سمت تجاري مشرق ورائج، مثل بلدة صناعية سويسرية. وهنا في فندق الحصان الأبيض، استقبلتنا مجموعة من الفتيات الباسمات بحفاوة بالغة، كن جميعهن شقيقات، أخذننا إلى غرفنا التي كانت ممتازة، وقدمن لنا اللحم المشوي وثمار الأجاص المجففة للعشاء، ثم تقاسمن أداء بعض مقاطع الأغاني والعزف على القانون في تلك الأمسية للترويح عنّا.وقد هبت في تلك الليلة عاصفة رعدية أخرى، تلتها ثلاثة أيام سيئة الطقس، كان لدينا أثناءها من الوقت ما يكفي للسؤال عن الحرفة العجيبة لهذه البلدة، ورؤية الناس في العمل. ونظراً لأنّ هذه البلدة هي عاصمة أرض الألعاب كما قلت من قبل. لم نكن نعرف عن سان اولريتش شيئاً قبل عدة أسابيع فقط، وحتى عندها لم تكن المعلومة دقيقة، كقرية تصنع فيها الألعاب الخشبية وتماثيل المسيح التي تنصب على الأرصفة، والآن وجدنا أنّنا كنا على علاقة حميمة بالمكان منذ طفولتنا الباكرة. إنَّ الحيوان الجميل على المنصة المدولبة الصغيرة التي كنا نعتبرها حصاناً أسودَ، تنتشر على جسده بقع على هيئة أقراص قرمزية اللون، وله عُرفٌ وذيل مصنوعان من وشاح من الفرو العتيق- من سلالة غرودنر تال النقية. وهذه الدمى الخشبية المجمعة من كل الأحجام، من أطفال لا يزيد طولها عن نصف بوصة، إلى أمهات لعائلات يصل ارتفاعها إلى قدمين، والتي تزول سحناتها دائما عند غسل وجوهها- إنهم سكان الأرض الأصليين. تلك الأعضاء الصغيرة المبهجة ذات الأنابيب الحمراء والبراميل المسننة، التي تديرها أشد الدمى التي عرفناها احتمالاً للأعمال الشاقة في العمل. وصناديق المناظر الطبيعية هذه التي تقف أشجارها المجعدة المخروطية الشكل، ومنازلها ذات السقوف الحمراء تجسيداً صادقاً "لتيمبي ووديان الأركاديا": إنّ سفينة نوح (منزل تيرولي في زورق) تكون فيه الحيوانات أصدق طبيعة من أصولها التي تعيش في حدائق الحيوان، وإنّ القرود بلا شك مرحلة انتقالية بين الإنسان والقرد، وإنّه يمضي حياته منكباً على طرف عصا، وتلك الأحصنة الهزازة التي تشبه جوانبها الأمامية والخلفية كرسيًّا بمسندين للذراعين. إنّ تلك العربة ذات البراميل الثابتة، وأولئك الجنود الخشبيين ذوي الخصر الصغير والأنوف المثلثة بشكل خارق للطبيعة- جميع هذه الأشياء- كل كنوز طفولتك وطفولتي الأولى الغريبة المألوفة الرخيصة- جميعها أتت، أيها القاريء، من سان اولريتش. وهي ما زالت تصدر من سان اولريتش إلى يومنا هذا- وسوف تظل كذلك، عندما نصبح أنا وأنت في طي النسيان. لأننا محض بشرٍ فانين، ولكنَّ هؤلاء المحاربين الخشبيين وتلك العرائس المجمعة تحمل حيواتٍ سحرية، ويظل شبابها عصياً على البلى، متجدداً إلى الأبد. أما أكبر مستودعين للبيع بالجملة في القرية فتعود ملكيتهما للهر بيرجر والسيدين إنسام وبرينوت، وهما يبرزان مؤسستيهما في استعداد وتمدن. إنني لا أعرف حقاً متى رأيت مشهداً هكذا يجمع بين الغرابة الفائقة والتسلية الممتعة. ففي متجر إنسام وبرينوت وحده، طوّف بنا حول أكثر من ثلاثين من غرف العرض الكبيرة، وقد كانت اثنتا عشرة غرفة منها ملأى بالدمى، لا أعرف متى رأيت منظراً غاية في الغرابة والترفيه معاً- الملايين منها، الكبيرة والصغيرة، والملونة وغير الملونة، في سلال وحقائب وعلى الأرفف، وفي طرود محزومة ومعدة للتصدير. وفي إحدى الغرف التي خصصت للأقزام بحجم بوصة ونصف طولاً، تكدست العرائس في كومة بشكل عشوائي من الأرض حتى السقف حرفياً. وقد بدت كما لو أنّها قد ألقيت على الأرض من العربات المحملة. وغرفة أخرى تحتوي فقط على الأحصنة: وغرفتين أخريان مخصصتان للعربات التي تجرها الجياد، وممر طويل مكدس بالمنصات الخشبية دون سواها ليتم تركيبها مع الأحصنة تباعاً. وغرفة خرى تحتوي على رؤوس الدمى. أما العلية الكبيرة المظلمة في سطح المنزل فهي مجهزة بالكامل بالسلال الهائلة الحجم، مثل قبو النبيذ، وقد امتلأت كل سلة إلى حدها بنوع مختلف من اللعب، جميعها من الخشب فقط، بانتظار التلوين. وقد كانت الأقبية هي الأخرى مملوءة ببضائع من النوع ذاته، ملونة وجاهزة للبيع. والآن، جميع سكان البلدة، رجالاً ونساءً سواءً، تربوا على أحد أقسام هذه الصناعة في قناعة وافتقار للطموح، وبدأوا العمل من عمر السادسة أو السابعة، وقد كان العمل مستمراً بلا انقطاع على مدار السنة. ولم يتوقف بائعو التجزئة عن طلب هذه المنتجات. وقد أظهرت نتيجة آخر تعداد سكاني أنَّ عدد العاملين في الحفر على الخشب يبلغ 2000 شخصاً من مجمل عدد السكان البالغ 3493 نسمة فقط. وحدث ولا حرج عن نسبة العاملين في التلوين والتذهيب. وبعض هؤلاء المشتغلين في الحفر على الخشب والتلوين فنانون بالمعنى الأصيل للكلمة، أما الآخرون فمجرد آلات بشرية تضطلع بصنع الدمى، بينما تقوم آلات بشرية أرى بصنع علب الكبريت وأعواد الثقاب. ويتوقع من صانع الدمى "البارع" أن ينهي عمل عشرين دزينة من الدمى المصغرة المركبة التي يبلغ طولها بوصة ونصف في اليوم، ومن هذا الحجم وحده يشتري إنسام وبرينوت 30 ألفاً في الأسبوع طوال السنة. أما النظام الدوري فهو بالنسبة لبائعي الجملة الذين يشترون البضائع مباشرة من الصانعين، ليقوموا بتخزينها لديهم حتى يتم طلبها ولا يخرجونها إلا إلى التلوين، لأنّ الطلب يكون من لندن أو أي مكان آخر. وعليه فإنّ عمل النحات يكون منتظماً ومتقناً، ولكن يفتقر عمل الملّون إلى الاستقرار لاعتماده على طلب التلوين من عدمه.أما مخازن الهر بيرجر، على الرغم من امتلائها بالدمى وغيرها من الألعاب، فتحتوي معظم أجزائها على منتجات تفوق تلك التي تباع في محلات السيدين إنسام وبرينوت من حيث القيمة والمستوى الفني. جميع الاستديوهات في أوروبا مزينة بالرسوم التشكيلية لشخصيات بأحجام كبيرة أو صغيرة من متاجر الهر بيرجر، بل أيضاً تحتضن نماذج لأحصنة أنيقة البنية. وهنا أيضاً، تتدرج بشكل كبير جميع أطوال الممرات خافتة الإضاءة، وتقف صفوف من القديسات الجميلات، بالحجم الطبيعي، و ملونة بجمال، يرتدين الثياب الغنية بالنقوش والحفر بالذهب:- القديسة سيسيليا، مع نموذج مصغر لآلة الأورغ، والقديس ثيودور البطولي بدرعه المتلأليء، والقديس الوقور الوسيم كريستوفر مع الأطفال المسحاء على أكتافهم، والقديسون الفلوريانز بدلائِهم، ونماذج السيدة العذراء المتوجة بالنجوم، والراهبات مثل الأم دولوروساس، والإنجيليون بشعاراتهم، القديس بطرس بمفاتيحه، ومجموعة من القديسين الآخرين، والملائكة والشهداء. وجدنا في الممرات الأخرى نسخاً لذات الشركة الكبرى بجميع درجات الصغر. وفي غرفة أخرى لدينا مسحاء بجميع الأحجام، ولجميع الأغراض، ملونة وغير ملونة، بالعاج والأبنوس والخشب، من أجل تزيين جرن الماء المقدس، ومن أجل المصلى، ومذبح الكنيسة، والأضرحة على جانب الطريق. بعض هذه الأعمال تستوفي شروط العمل الفنيّ، وقد تمت قولبتها بدقة، وفي أحوال كثيرة يتم تلوينها بشكل متقن للغاية. وهنالك محاكاة بالحجم الكامل لتمثال الرحمة تم صنعه بواقعية متقنة، ليس من أجل الحياة بل من أجل الموت، وكان ذلك أمراً مذهلاً للغاية. وربما خشيت من الجزم بعدد الغرف التي تمتليء بالمسحاء الصغار التي مررنا بها بينما كنا نصعد إلى الطوابق العليا لدار الهر بيرجر الواسعة. لقد كانت موجودة في جميع الأحوا ، تعدّ بمئات الآلاف، من جميع الأنواع، وكل الأثمان، وكل مراحل التنفيذ. وفي العلية رأينا أتلالاً من السلال المخصصة فقط لتخزين أكاليل الشوك. وقد خصصنا يوم واحد لزيارة المنازل واحداً واحداً، ورؤية الناس وهم يعملون. وبما أنّ المئات منهم يقومون بفعل الأشياء ذاتها في الواقع، وقد كانوا يقومون بها طوال حياتهم، بدون أية أفكار تتجاوز القسم الذي يعملون فيه الآن، فقد سادت حالة من التشابه الحتمي في هذا الجزء من الجولة والتي كان من الممل تكرارها. وسوف أقدم على أية حال مثالاً أو اثنين. وفي منزل واحد وجدنا امرأة متقدمة في السن جداً تعمل، واسمها ماجدلينا بالدوف. لقد كانت تنحت القطط، والكلاب، والذئاب والخراف، والماعز والأفيال. وظلت طوال عمرها تصنع هذه الحيوانات الستة، وليس لديها أية فكرة عن كيفية نحت أي شيء آخر. وهي تصنعها بقياسين، وتنتج ما يقارب الألف قطعة كل سنة. ليس لها نموذج ولا رسم لأي نوع منها لتعمل وفقاً له، ولكنها تمضي في عملها بإتقان وأناة، مستخدمة قطع الخشب من شتى الأحجام، وتشكّل قططها وكلابها وذئابها وأغنامها ومعزاتها، وأفيالها بسهولة وقدر من الصدق تجاه الطبيعة إلى حد يمكن وصفه بالعبقرية إن لم تكن غاية في الآلية. لقد تعلمت ماجدلينا بالدوف من والدتها طريقة نحت هذه الحيوانات الستة، وقد تعلمت أمها، بالطريقة ذاتها من جدتها. وقامت ماجدلينا الآن بتدريس الفن لحفيدتها، وهكذا سوف يتم توارث الفن عبر الأجيال.في المنزل المجاور، الويس سينونر، رجل بني السحنة، وسيم، وقوي البنية يرتدي قميصاً أزرق، وينحت تماثيل المسيح الكبيرة للكنائس. لقد وجدناه يعمل على واحد بثلاثة أرباع الحجم الطبيعي. وكان الشكل الكامل عدا الذراعين في قطعة واحدة، مثبتة على قضيب حديدي بين عمودين اثنين، حتى يستطيع إدارته وفق رغبته. إنّها لا تزال قطعة خام، نصف جذع شجرة، ونصف إله، وبها جمال غريب مثير للشفقة ينبثق من القسمات التي لم تكتمل بعد. إنّ رؤية الهر سينونر في العمل لمشهد بديع. ولم يكن لديه هو الآخر، مثالٌ، ولم تكن قد عُلّمت بالنقاط حتى كما هو متعارف عليه عند الحفر على الرخام. لم يكن لديه دليل من أي نوع، ماعدا معرفته التامة ولكنه ينهمك في العمل بطريقة رائعة. يقوم بتجريف الخشب إلى قشور طويلة في كل من ضرباته السريعة، ويبعث بالقطع الطائرة في كل اتجاه. بيد أنّ الويس سينونر هنا فنان. ويتطلب منه صنع تمثال بثلاثة أرباع الحجم الكامل عشرة أيام من العمل، وخمسة عشر يوماً لتنفيذ واحد بالحجم الطبيعي. وبالنسبة لهذا الأخير فإنَّ تكلفة الخشب تصل إلى خمسة عشر فلوريناً، والثمن الذي يطلبه للتمثال من الحجم الطبيعي خمسة وأربعون فلورينا، أي حوالي أربعة جنيهات وعشرة شلنات إنجليزية. ووجدنا في منزل آخر، أسرة بكاملها تنحت الجماجم والعظام المتقاطعة، ليتم تركيبها على قواعد الصلب- ومن الواضح أنّه ليس قسماً مبهجاً من هذه الحرفة. وتنحت الأسر في منازل أخرى الأحصنة الهزازة، والدمى، وجميع اللعب المذكورة آنفاً، وفي غيرها أسر من الرسامين. وتقوم النساء بتلوين اللعب العادية بشكل رئيسي. وفي أحد المنازل وجدنا حوالي عشر فتيات يلونّ الأحصنة الرمادية بنقط سوداء. وفي منزل آخر قمن بتلوين الأحصنة الحمراء فقط بنقط بيضاء. إنّه قسم مستقل من الصنعة لتلوين السروج واللُجُم. بوسع اليد الخبيرة تلوين اثنتي عشرة دزينة من الأحصنة في اليوم، ويبلغ طول كل حصان حوالي قدم واحد. وعلى هذا فهي تكسب خمسة وخمسين سولدي، أي ما يعادل شِلنين وثلاث بنسات إنجليزية. لقد تأملت لفترة ما في تفاصيل هذه الصنعة الغريبة، وذلك بسبب أنه رغم ممارستها في مكان ناء وبعيد، وبطريقة غاية في التقليدية، إلا أنّها ما تزال تزود شريحة كبيرة من المشترين في العالم بدمىً من إنتاجها. ويقال إنَّ هذا الفن قد دخل إلى الوادي في بداية القرن الماضي، بشهادة الإمدادات التي لا تنضب من أخشاب الصنوبر الحجري، أو pinus cembra الذي تنتجه غابات الغرودنر تال، وهو الخشب الذي يستخدم بشكل خاص للنحت الزهيد، كونه ناصع البياض، ناعم النسيج، وصلبًا، ومع ذلك فهو طري وسهل العمل عليه. وقد قام سكان سان اولريتش مؤخراً بترميم كنيستهم الرئيسية وتزيينها. وقد أصبحت الأجمل في جنوب تيرول الآن. إنَّ النحت على الحجر والتزيين الخارجي تم ترميمه بواسطة الهر بليز اوفينتورا من بريكستن، أما النوافذ الملونة فقد نفذها ناكايزر من إنسبروك. والزخرفة المتعددة الألوان بواسطة الهر بارت من سان اولريتش، والتماثيل الخشبية الكبيرة بيد الهر موشنيت، وهو أيضاً من سان اولريتش والشخصيات الأصغر حجماً على المذابح والمنبر، مثلها مثل النحت الخشبي بشكل عام نفذت جميعها بواسطة فنانين محليين. وقد استخدمت الألوان وتقنية التذهيب بسخاء بالطبع في جميع الأجزاء الداخلية، ولكن الأثر العام كان يتمثل في الترف والانسجام وليس في المغالاة على أقل تقدير. تتدلى من فوق المذبح العالي، نسخة ممتازة من عذراء سيمابويه الفلورنسية الشهيرة. تسمى لهجة غرودنر تال بلغة لادين، ومن المفترض أنّها مشتقة بشكل مباشر من اللاتينية الأصلية في وقت يتزامن مع فترة الحكم الروماني. وهي تختلف بشكل واسع عن لهجات اللغة الإيطالية الحديثة، وعلى الرغم من أنّها في بعض المواقع تكون أقرب تجسيداً للغة الريتو رومانسك المتحدثة في كريسونس، والرومانية الدنيا لإنجادين، فهي لا تتميز بعد، كما قيل لنا، بشكل منفصل من الاثنتين عن طريق " فروق محددة جيداً في كل من النحو والمعجمية،" كما تشير " إلى القرابة أكثر من هوية المخزون" وأولئك الذين يقرون مع شتايب بوحدة اللغتين الريتيكية والترورية، ومن يتفق ونيبوهر في التصديق بأنَّ الريتيكية في هذه المناطق من الألب عبارة عن المخزون التروري الأصلي، يعزز القول بوجود أصل أبعد لهذا الجزء المفرد من إحدى اللغات القديمة. وبلا شك يبدو أنه من المعقول جداً افتراض أن اتجاه موجة الهجرة في الأصل كان من الجبال إلى السهول، بدلاً عن القول بأنّ سكان مسطحات اللومباردي الخصيبة الأصليين قد استعمروا بالضرورة تلك المعاقل الألبية القاحلة نسبياً. ويلقى هذا الرأي- تجازف الكاتبة بالاعتقاد- دعماً كبيراً من حقيقة أنَّ عدداً كبيراً من البرونز المدفون، الذي يتسم بالصفات الأترورية، قد تم اكتشافه في عدة مناسبات خلال السنوات الخمس الأخيرة في ضاحية سان اولريتش الحالية. وقد جمعت هذه الأشياء واضطلع الهر بيرجعر بتنظيمها على نحو يتسم بالذكاء، وترى الآن في معرضه. فهي تعبيء خزانتين اثنتين، وتضم الأدوات العادية المكتشفة في مقابر تعود لتأريخ مبكر، مثل الأساور، والخواتم، والأبازيم، وآلات عزم الدوران، والأقراط، والأسلحة، وغيرها وغيرها. وربما اهتم علماء فقه اللغة بمعرفة وجود كتاب عجيب هناك حول غرودنر تال، ولغته، مع المخزون وقواعد النحو للغة ذاتها، لدان جوزيف ويان، وهو من سكان فاسا تال، ويعمل الآن راعياً لكنيسة سان اولريتش.ومن سان اولريتش إلى مرج السيسر الألبي، يقودنا الطريق صعوداً عبر وادٍ تكسوه الغابات يعرف باسم مضيق بافلر. وفي مزاج يعكره الملل من الانتظار الطويل لطقس أكثر ملاءمة للسفر، بدأنا أخيراً في صباح يتأرجح صفوه بين الشك واليقين، فوجدنا الطرقات مبللة وزلقة، وتعكرت جداول الجبال من المطر الذي ظل يهطل طوال الأيام الثلاثة الماضية. وانتشرت المساكن النظيفة المزدانة بجصّيات للقديسين والسيدة العذراء بكثافة على المنحدرات الدنيا باتجاه سان اولريتش، تحفها الحدائق الغنية بالمناحل والزهور مثل الأكواخ الإنجليزية. وتضمحل تدريجياً بينما نواصل الهبوط على المضيق، ويصل المشهد إلى نهايته باجتياز الكنيسة الصغيرة الوحيدة وقرية سان بيترو. ومن ثم أصبح الطريق طويلاً وزلقاً لبضع ساعات، ووصلنا أخيراً إلى مستوى تلك الهضبة الشاسعة الخصيبة المعروفة باسم سيسزر الألب- وهي الأكبر والأجمل بالتأكيد بين جميع المراعي الجبلية بأقليم تيرول الأعلى. تتناثر عليها مجموعات من أشجار التنوب الداكنة اللون، وأكواخ صغيرة بنّية وقطعان من الماشية الوديعة، وجماعات التبانين. وتحرسها نصف دائرة من الجبال العملاقة المهيبة، تموج مبتعدة، ومعها عشبها الأشد خضرة، وزهورها البرية الأغنى، لأميال وأميال حولنا. وهناك إلى الجنوب الغربي، تتدحرج الهضبة العظمى حتى سفح جبل سكليرن، والذي يتجلى على هذا الجانب بشموخ وهيبة من بين غيوم الضباب الكثيفة. وثمة قمة منخفضة من الصخور المهشمة السوداء تدعى روس-زان أو فك الحصان، وقد اشتق الاسم من شبهها بصف من الأسنان المتساقطة في عظم فك صخري، وهي تربط جبل سكليرن بالطرف الشمالي من سلسلة روزينغارتن، من جهة والطرف الجنوبي من مرج السيسر الألبي، وبالقمة التي يبرز منها جبلا بلات كوغل ولانغ كوفيل. ولكن الروزينغارتن متوارية جدا وسط الضباب الذي لا يفتأ يحلّق مع الريح من جانب مدينة بوتزن. وعلى أية حال فإنَّ جبل لانغ كوفل كئيب وموحش، يحده برواز متعرج من الجليد المعلق فوق صدع عميق في وسط قممه المشرئبة، وجبل بلات كوغل* يربض مثل علجوم عملاق، مديرًا ظهره ناحية جبل سكيلرن، الذي يظهر وحيداً، وفي بعض الأحيان كلاهما معاً، تحت الشمس المشرقة أو في الظل، كما تتجمع الأبخرة وتتفرق. إنّه منظر عريض متجدد، يستوعب جبل المارمولاتا وجبل توفانا والكثير من القمم الشهيرة أيضاً، ويمكن رؤيته من هنا، ولكن الغمام يلف ذلك الجانب بالكامل اليوم، ولا يفلت من ستار الضباب سوى جبلي سيلا وغيردينازا الهائلين الشامخين. وبين الفينة والأخرى يُرفع الستار للحظة باتجاه الغرب، فنحصل على لمحات وجيزة من الهضاب المكسوة بالغابات، والأودية المتألقة تحدها سلاسل الجبال البعيدة، الزرقاء والرقيقة والحالمة، كما لو أنّها مرسومة على الجو المشمس. ولكن (فضلاً عن امتياز المنظر على ثلاثة من الجيران، جبل لانغ كوفيل، وجبل بلات كوغل، وجبل سكليرن). فإنّ روعة مرج سيسر الألبية تكمن في مرآه- مرأى مرج سيسر الألبية- تخيل أحد البراري الأمريكية قد ارتفع بشكل فعلي إلى ما فوق هضبة يتراوح ارتفاعها ما بين 5.500 إلى6000 قدم- تخيل أنَّ بحراً مائجا من العشب الطويل قد حاز على طوفان عاتٍ من أشعة الشمس الصيفية، والظلال الطافية للسحب- لاحظ كيف يتسنى لهذا العالم العلوي من المراعي إطعام الف وثلاثمائة إلى ألف وخمسمائة رأس من الماشية القرْناء، بما في ذلك ثلاثمائة من مساكن الرعاة وأربعمائة من شاليهات القش، لدعم العدد الصيفي الكبير من التبانة، وقطعان الماشية، وهو لا يزيد في المساحة عن ستة وثلاثين ميلاً إنجليزياً في محيطه، ثم بعد كل ذلك، أشك في عدالة أي صورة ذهنية قد تتشكل في مخيلتك. إنَّ الهواء هنا نقي لحد لا يوصف، ومنعش وزكي. الشيء الذي يوفر لنا طريقاً يقود إلى الأعلى من سويسرا أو كمونة كاستيلروث، وفندق جيد إلى حد ما على رأسه، أما مرج سيسر باعتباره منتجعاً جبلياً، فسوف يتفوق على مونتي جينيروسو، والبيسبرون، وسيليسبيرغ، وكل البلدات "الصيفية" في هذا الجانب من إيطاليا خارج المنافسة. يحفظ مزارعو هذه الأجزاء أساطير كثيرة عن بحيرة تعود لما قبل التأريخ، يقال إنّها كانت في الزمان القديم تحتل مركز هذه الهضبة الألبية، وهي أسطورة تكتسب بعض لونها من حقيقة أنها دون فجوة مضيق بافلر في الأسفل التي يجري ماؤها إلى وادي غرودنر، وسوف تكون هنالك بحيرة في هذا الوقت في منطقة الضغط الجوي المنخفض على القمة. وبعد التسكع والبقاء هنا لبضع ساعات تقريباً، بدأنا أخيراً الهبوط باتجاه مجرى الشيبيتاك، وهو نهر يجري في قاع الصدع العميق الذي يقسم مرج السيسر الألبي من الواجهة الشمالية الغربية لجبل سكليرن.* ونأتي الآن لكوخ بائع جبن على بعد بضع مئات من الأقدام تحت حافة الهضبة، لقد طلبنا استراحة منتصف النهار. وهكذا قدمت لنا طاولة وأريكة ووضعتا في الظل، كانت السيدة الطيبة تمدنا بأطباق خشبية غنية بالقشدة ذهبية اللون، أما البغال فتركت ترعى. ودلف المرشدون إلى الداخل لاحتساء كأس من النبيذ الأحمر رفقة الراعي وابنائه، كان الضباب ينقشع بعيداً، كتل جبل سكليرن الضخمة بدأت بشكل رائع من فوق الغابات وراء الشاليه- كما لو أنها تتهيأ لتُرسم. ومن هذه النقطة إلى الأسفل حتى دار الحمام في راتزيس، كان الطريق يسير عبر غابات التنوب التي تحجب بدورها الجبال القريبة والمشهد البعيد. وحوالي منتصف الطريق هبوطاً، مررنا بمنظر القذيفة المحطمة لقلعة شسلوس هاوينشتاين، التي كانت في يوم من الأيام سكناً لأوسالد الذي جاء من فولكينشتاين، وهو فارس معروف ورحالة وكاتب أغانٍ، ولد في عام 1367، وقاتل ضد الترك في نيكولوليس في 1396، وشهد اقتحام سبتة عام 1415، ولقي مخاطر عظيمة في البر والبحر في شبه جزيرة القرم، وفي أرمينيا، وفي فارس، وآسيا الصغرى، وإيطاليا، واسبانيا، وانجلترا، والبرتغال، والأراضي المقدسة، ومات هنا في قلعة هاوينشتاين في عام 1445، ووري جسده الثرى في كنيسة آبي الشهيرة بنيوستيفت بالقرب من بريكزين، حيث يمكن رؤية مقبرته حتى هذا اليوم. نُشرت أغنياته العاطفية، وترانيمه، وحكاياته الشعرية التأريخية في إنسبرونك، وقد تم تجميعها من نسخ المخطوطات القديمة الثلاث الموجودة، واحدة منها تعود للكونت فولكيشتاين الحالي، وثانية تملكها المكتبة الإمبريالية في فيينا، والأخيرة في متحف الدولة التيرولية في إنسبروك. رؤوس جبل سكليرنإنّه لمن الصعب تخيل وجود مكان أكثر وعورة وبدائية من دار حمّام راتزيس. إنّه يقع على سفح تلك القمم الهائلة التي رأيناها للتو من كوخ الراعي، ولكننا هبطنا نحو 1800 قدم مذاك، ووجدنا أنفسنا الآن على عتبة مبنى لا يمكن وصفه إلا بأنّه كوخان خشبيان يربط بينهما ممر مسقوف. كانت الحمامات في الدور الأرضي، وغرف النوم في الطابقين العلويين. وهنالك معبد صغير، وملعب للبولينغ، وغرفة معيشة واحدة كبيرة، حيث تناول الطعام والتدخين واللعب بالورق يجري على قدم وساق طوال اليوم، وملحق أكثر انخفاضاً بحوالي ثلاثمائة ياردة للطبقة المتواضعة من المرضى، فيكتمل كاتلوج عوامل الجذب والمصادر المتنوعة لآل راتزيس. أما ما يكون عليه السكن في ذلك الملحق فهو شيء يستحيل تصوره، لأنّ في المبنى الرئيسي هنا توجد غرف صغيرة تبلغ أبعادها عشرة أقدام × ثمانية، وتحتوي على سرير محشو بالقش، وحوض استحمام خشبي، ومقعد، وطاولة، ومقراب في حجم كتاب قياسه ثمن صفحة، وليس ثمة قطعة من السجاد أو الستائر من أي نوع، إنّها أفضل إقامة بوسعهم توفيرها. كانت عشيقة آل راتزيس، أرملة نشطة، صافية الفكر تجارية الذهنية، لها تسعة أطفال، الشيء الذي يرفع عدد الأسرة في دار الحمام إلى سبعين سريراً، ولربما زاد عدد النزلاء إن وُجد في المكان متسع لذلك. وأكثر عملائها من الحرفيين الصغار وعائلاتهم من بوتزين والمزارعين الفلاحين من القرى المجاورة. وهنالك عينان من المياه، واحدة مطعمة بالحديد والأخرى بالكبريت، لتزويد الزوار بالحمامات والعلاج. وثمة قس يحضر يومياً، ولكن ليس هناك طبيب، ويبدو أنّ المرضى يختارون العيون وفق هواهم. والحمامات من أبسط الأنواع، عبارة عن صناديق من خشب الصنوبر على هيئة الأكفان، ذات أغطية خشبية لتصل إلى ذقن شاغلها، وبداخلها رف خشبي لدعم رأسه من الخلف. كانت هذه الصناديق قد صفت جنباً إلى جنب في صفوف من ثمانية أو عشرة صناديق، تملأ مجموعة من غرف الطابق السفلي منخفضة السقف شديدة العتمة، وتشبه بالضبط صفوفاً من الأكفان في سلسلة من الأقبية الكئيبة. وقد تصاعد هذا الأثر حد الرعب عندما قام أحد الغرباء الغافلين الذي ينظر بخجل، كما فعلت، من خلال الباب المفتوح على مصراعية، لرؤية رأس يطل من غطاء كفن في ركن مظلم، ويسمع صوتاً عميقاً يقول في لهجة جنائزية:-"مساء الخير" ليلة واحدة في راتزس أكثر من كافية لإرضاء أغلب المسافرين الذين يغلب عليهم حب الاستطلاع. ولا يملك أي شخص الحق في التذمر من ضوضائها، أو دخان التبغ الذي يعبق به هواؤها، أو الزحام المزعج، أو مساكنها الخشنة. إنَّ المكان كما هو يناسب أولئك الذين اعتادوا على ارتياده. فنحن لا نذهب هناك من أجل الكبريت أو الحديد ولا من أجل الهرب من الحرارة القائظة في بوتزن، فنحن فوق كل ذلك دخلاء، ويجب أن نقبل بالأمور كما هي. سنغادر راتزس صباح الغد في الساعة التاسعة والنصف، حيث علينا أن نكون في أتزوانغ بحلول الساعة الثانية بعد الظهر للحاق بالقطار المتوجه إلى بوتزن. كان الصباح جميلاً ولكن الحزن كان يعتصرنا طوال اليوم، لأنّها كانت آخر رحلة لنا مع البغلين نيسول الأبيض ونيسول الأسود. كان الدرب يمتد في البداية خلال غابات التنوب، ويدور حول قاعدة القمم العظيمة، ويمر بصدع رهيب في مصب نهر حيث سقط قسم كبير من جبل سكليرن فجأة قبل اثنتي عشرة سنة فقط، فانتشرت كتل الركام الضخمة في المضيق والمراعي، وجانب الجبل بكامله. والآن ما زلنا في رحلة الهبوط، نمر بالمزارع والقرى والكنائس، وحقول الأجاص والكرز، وأحزمة من القمح المحمّر، والشعير ذي اللحى، ووصلنا أخيراً إلى فتحة يتسنى لنا من خلالها رؤية منظر شهير. من هنا ننظر إلى ثلاثة مشاهد عظيمة للوادي- ناحية الشمال طريق الصيادين الذي يمتد حتى مدينة بريكستن، و ممر برينر، وإلى الجنوب باتجاه بلدية ترينت، ووادي نون، والشمال الغربي على طول الطريق العريض لوادي إيتش الأعلى في اتجاه بلدة ميرانو. وفي قاع خندق عميق بين الجدران الهائلة للجرف، قريباً من المنطقة التي تقع أسفل أقدامنا كما تبدو، يتدفق نهر إيزاك العريض بتياره السريع ومياهه الرمادية. أما الطريق السريع الذي يقود مباشرة إلى مدينة فيرونا فيبدو كخط أبيض عريض على هذا الجانب من النهر، وتمتد السكة الحديدية بطول الضفة الأخرى كخط أسود ضيق ينقب هنا وهناك عبر فتحات النفق الصغير التي تشبه جحور الأرانب. عالم علوي كامل من الهضاب الخضراء والمراعي الألبية، والقرى والكنائس وحقول الذرة، وغابات الصنوبر، يقع على مد البصر كخريطة على طول الهضبة، بترت منها هذه الوديان الثلاثة، ووراء هذا العالم العلوي، تزداد قمم الجبال البعيدة الشبحية شموخاً بعد. ومن هذا الموقع يصبح الطريق زلقاً ومتعرجاً فجأة. فهو متحدر إلى الأسفل طبقة بعد الأخرى. وألفينا الآن أول مزرعة للأعناب، وسمعنا صرخة زيز الحصاد الداوية لأول مرة. والآن يتناهى إلى أسماعنا صوت نهر إيزاك السريع يأتينا من خلال الأشجار. نعبر الآن الجسر المسقوف في الوادي، ونترجل عند المحطة. هذه هي أتزوانغ، هنا السكة الحديدية، فنحن مجدداً في قاع عالم الأرض المشتركة، القائظة الحر، والكثيرة الغبار والحركة. وفي اتزوانغ فارقنا كليمنتي والبغال، بينما يمضي غوسيبي معنا حتى بوتزن، كان كليمنتي يودعنا على مضض، ول. "على الرغم من حداثة عهدها بالمزاج العاطفي،" تبادلت إيماءات الوداع المؤثرة جداً مع نيسول الأبيض. أما بخصوص نيسول الداكن، فقد كان جلداً قاسي القلب حتى النهاية، لقد هز أذنيه ووثب بقائمتيه بسرور، فلابد قد أدرك أنّه تخلص مني أخيراً، ويبتهج لمعرفة ذلك. والآن ونحن قد وصلنا إلى مدينة بوتزن، ألفينا أيضاً نهاية جولتنا لمنتصف الصيف هذا. وسنتسكع لمدة أسبوع في هذه البلدة العتيقة الطريفة التي تنتمي إلى عهد العصور الوسطى. لأسبوع كانت قمم سكليرن، والواجهة الكبرى لجبل روزنغارتن تنظر لينا من عل من وراء إيزاك. وطوال ما استطعنا التسكع في كل مساء حتى الجسر القديم الذي يقع إلى الأسفل وراء الكاتدرائية، وانظر ضوء الغروب يطبع على تلك القمم الشامخة لوناً قرمزياً رائعاً، فنحن نشعر بأننا لم نغادرهم بعد على الإطلاق. لقد كانت هذه آخر جبال الدولميت. ولوحنا لهم مودعين من ذلك البرج. النهاية. ملاحظات: * تقدر منطقة جبل غيردينازا العملاق بالكامل بحوالي اثنين وعشرين ميلاً مربعاً، وارتفاعها يزيد على 9000 قدم فوق سطح البحر. أما جبل سيلا العملاق فهو يحتل مساحة لا تقل عن أربعة عشر ميلا مربعاً. القمة الأساسية للجبل الأخير، أي بويه، أو بوردويه سبتز، الذي صعده د. غرومان، والتي قدر ارتفاعها ب10.341 قدماً. ولا علم لدي إن كانت أي من القمم الأربعة الأخرى قد قيست من قبل. وإلى مدى بسيط تجاوزت كتلتا الغيردينازا والسيلا جميع كتل الدولمايت الأخرى. يقدر بول ارتفاع جبل لانغ كوفل ب10.392 قدماً، وجبل بلات كوغل ب 9.702 قدماً. وقد قال عن الأخير إنّه :" يسهل الوصول إليه من سيز، أو بصورة مريحة أكثر من سانتا كريستينا في وادي غرودنر تال." أما جبل لانغ كوفل فأول من تسلقه هو الدكتور غرومان في عام 1869. وتسلقه السيد وايتويل دون أن يصل إلى قمته في عام 1870، ومرة أخرى صعد السيد كيلسو إلى أعلى قممه في اليوم الحادي عشر من شهر يوليو عام 1872، وكان يرافقه سانتو سيوربايز من كورتينا.* ارتفاع جبل سكليرن يصل إلى 8.405 فقط، ولكنه يشهق في وحدة عظيمة، وقممه قاحلة جداً ورأسية. حتى أنّ العديد من جبال الدولمايت التي تفوقه طولاً تبدو أقصر منه. ويمكن التمتع بتسلق سلس وسهل من فولز، والمنظر من فوق القمة جميل للغاية، على الرغم مما قيل بأنّه ليس أفضل من ريترهورن الأقرب إلى بوتزن، ويشمل جبل اداميلو، واورتيلر، واويتزال، وانولزر الألبية. أما الأفق الجنوبي الشرقي، على أية حال، وبالتالي جميع الدولمايت الأساسية تتوارى خلف أقرب كتلة لجبل روزينغارتن. " ليس هنالك جبل في الألب قد حاز هذا الصيت العظيم بين علماء النبات نسبة لغناه بالزهور، وعدد النباتات النادرة التي ينتجها مثل سكليرن." بول في كتابه جبال الألب الشرقية. ص 484.------. _________________________بتكليف ورعاية من الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، وبدافع من حب المعرفة والسعي لنشرها قامت القرية الإلكترونية بتوفير هذه النسخة من الكتاب وسوف نقوم بنشرها على حلقات تباعاً هنا في جوجل بلس نأمل أن تحوز إعجابكم وأن تكون مساهمة في #نشر_المعرفةصفحتنا الرسمية في فيس بوك :https://www.facebook.com/mohammed.suwaidi.poet/منصتنا في جوجل بلس لمتابعة باقي مشروعاتناhttps://plus.google.com/+HisExcellencyMohammedAhmedAlSuwaidi?hl=ar(جميع الحقوق محفوظة, Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi....
اعرض في فيس بوك , Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi قمم غير موطوءة وأودية غير مطروقةالباب الثالث عشر- فرونو دي زولدو وزوبيهتأليف:إيمليا إدواردزترجمة: أميمة قاسم---- لا تزال أمامنا طلعة أخرى مهمة لنقوم بها من كابريل،....
اقرأ المزيد ... قمم غير موطوءة وأودية غير مطروقةالباب الثالث عشر- فرونو دي زولدو وزوبيهتأليف:إيمليا إدواردزترجمة: أميمة قاسم---- لا تزال أمامنا طلعة أخرى مهمة لنقوم بها من كابريل، قبل أن ننهي معسكرنا ونغادر. يجب علينا الذهاب إلى ممر الليغي، وزيارة وادي زولدو، ونحج إلى قرية بعينها تدعى زوبيه، والتي كان يتردد عليها تيتيان، ثم نعود مروراً بوادي فيورينتينو. لم تظهر بعد المواقع الرئيسية لهذه الرحلة. وقد اجتزنا بالفعل عدداً من الممرات، وعبرناً أودية غير قليلة، وقد أذهلتنا بشدة أعمال تيتيان على اختلاف درجات أصالتها، ولكن ما كنا نود رؤيته حقاً هو منظر الجهة الأخرى من جبل سيفيتا، والنظر عن كثب إلى جبل بيلمو. ويمكن الوصول إلى كليهما باتباع خط السير الذي رسمناه مسبقاً، وبما أنّ الوقت المحدد والمؤكد للبعثة لا يتجاوز الأيام الثلاثة، حزمنا حقائبنا السوداء مرة أخرى، وعبأنا سلة الزاد، ونهضنا في باكورة صباح مشرق، وغادرنا. وفي هذه المرة قام الشاب سيزاري بيزيه، الغاريبالديّ السابق، والذي لديه أخت متزوجة في بياف دي زولدو، ويريد رؤيتها، بالسير معنا تطوعاً- وهو رجل وسيم طويل كالعسكريين، بمعطفه المعلق بخفة على أحد كتفيه، وبمنديل حريري أصفر يطوّق عنقه، وباقة من القرنفل في قبعته، حاملاً عصى التسلق في يده.وفي هذه المرة، مثل سابقتها، يسير طريقنا في البداية بجانب البحيرة، ولكن يضرب حاليا وراء قرية الليغي، ويصعد في الوادي الصغير اللطيف، مثقلًا بأشجار الجوز والليمون، يشقه غدير صقيل يكثر في حوضه المكسو بالطحالب- والتي اكتسب قاعه بسببها لوناً بنيّاً يذكرنا بإطارات العجلات القديمة. يصعد الدرب ويتشعب باستمرار، يمر عبر الأراضي الزراعية، وبيوت المزارع، والحظائر، والحقول، والحدائق، والمنحدرات الخضراء التي تتخللها صفوف من الكتان الأصفر المنشور ليبيضّ تحت أشعة الشمس، ومدرجات إثر أخرى: قمح، وشعير، وكتّان، وقنّب، وبطاطا، والذرة الهندية ذات الأوراق الذهبية، والبراعم المزدانة ذات الشعيرات الرقيقة.وكل ما ازداد ارتفاع الطريق ازداد جبل سيفيتا بدوره ارتفاعاً، فقممه الدنيا تنفصل عن بعضها في تناسب كبير مع الكتلة الرئيسية، بينما تشمخ القمم الحادة المدببة في كبد السماء الصافية الزرقاء.ويتعاظم هيكل الجبل بالتالي مع كل خطوة إلى الأعلى في ذاك الطريق. الرقع البيضاء التي بدت مثل انجرافات الجليد على الوادي، تبدو الآن كما لو أنها أنهار جليدية يغلفها الثلج، و يتخللها وميض أزرق فضي، ومن حين لآخر، ونحن نقترب منها، تطلّ علينا هوّة دائرية غريبة أخرى، أو اوتشي” occchi” كما يسمونها هنا، على مقربة من أعلى قمة صغيرة، مثل حفرة شُقت في شفرة خنجر. وهكذا خرجنا بعد طول مسير من المضيق، في محاذاة مناظر من صفحة البحيرة ذات اللون الأخضر المزرق. تسلقنا مرجاً زلقاً وعراً أجرداً ليس فيه شجرة واحدة تحجب عنا حرارة الشمس المحرقة. فجأة انبرى من تحت أقدام نيسول الأبيض، ثعبان طويل بلون أزرق فولاذي مرّقط باللون الأبيض، فأطلق كليمنتي شهقة حرب شديدة- ول. صرخة- بينما أطلق البغل صوتاً كالشخير من شدة الرعب! وثب غوسيبي والصغير بيزيه إلى الأمام بعصّاتيهما، وفي ثانية واحدة سقط الثعبان المسكين (الذي كان في سمك رسغ الإنسان، وحوالي أربعة أقدام طولاً، لكني أثق بأنّه غير مؤذٍ) صريعاً على جانب الطريق. دخل الطريق الصخري الآن عبر أحد دروب البغال المهجورة الخالية الذي يحيط بجوانب جبل فيرنازا الكالحة- جبل بشع المنظر سحقت الانهيارات الصخرية المتعاقبة قممه المنخفضة السوداء في الماضي، فتغطت منها المنحدرات الجرداء بالركام المبعثر، والكتل القرمزية الضخمة اكتست ببثور من الاشنات السامّة. ندور الآن حول رأس الوادي الصغير الذي صعدناه عندما جئنا من الليغي، فوصلنا أخيراً إلى هضبة معشوشبة في سفح منحدر صخري معلق هو في الحقيقة- وإن كان السكان المحليون يدعونه جبل كولداي- الجناح الشمالي الشرقي العظيم لجبل سيفيتا لا سواه. ويبدو المنظر جميلاً إلى الأعلى من هنا، حيث يختبيء في أحد الأغوار بين الصخور نهير صغير يدعى لاغو كولداي، لكنْ لم يكن لدينا ما يكفي من الوقت للتسلق لرؤيته. ينتهي الطريق بعد جبل كولداي بمضيق جميل تتناثر عليه الصخور، مثل مضيق افيزيو، حيث يؤدي صاعداً إلى الفيداجا الألبية. وشيئاً فشيئاً تبدد منظر واجهة جبل سيفيتا الواجمة التي تقع خلف صخور كولداي، وبالنظر إلى الخلف نجد أنَّ البحيرة قد غابت بعيداً عن الأنظار. هبط جبل ساسو بيانكو الذي كان حتى الآن سامقاً في قلب السماء فجأة بكامله تحت الأفق، وقد حجبته مرتفعات جبل مارمولاتا التي لا يبدو لارتفاعها حدٌ. وقد حضرت في المشهد: جبال البوي، والسيما دي بابي، وجبل فيرنالي وساسو دي فال فريدا، والعديد من القمم الآخرى التي أصبحت مألوفة الآن. ولكن كان المارمولاتا هو وحده المستأثر على انتباه المرء، فمن الواضح أنّه يسود المشهد. لزمت غيمة شموس الآن مكانها في أعلى القمة وبدت تنقشع قليلاً قليلاً وتغادر الصخرة النبيلة المميزة وهي تتنفس الصعداء في وجه السماء الغربية. "انظرواّ" يقول بيزيه الصغير لدى رؤيته الرسم الذي ما زال قيد التحضير. "لقد ألقت المارمولاتا بوشاحها جانباً لتُرسم صورتها".إنّه منظر بديع للجبل، حتى وإن كانت جميع أنهاره الجليدية وثلوجه خارج مدى البصر. ومن هنا، كما كان الأمر من ساسي بيانكو، يرى المرء شكله الحقيقي، وقمته الفعلية، بينما لم يكن بالإمكان تشكيل أية فكرة من الموقع الأول ولا التقاط أي أثر منظور من موقعي تري ساسي أو فيداجا. وكان بمقدور كليمنتي التعرف على رأس الركام الثلجي الذي وضع عليه ف. ف. ت. جهاز الباروميتر خاصته عندما بلغ هذا القمة. جبل مارمولاتا كما يبدو من ممر الليغيوالآن يبرز ممر معشوشب، على بعد ربع ساعة تقريبا من هنا في نهاية الطريق. يفترض أن نشاهد جبال فال دي زولدو من هناك، ونأخذ راحة منتصف اليوم تحت أي ظل نصادفه هناك. وهنالك أيضاً- كما يتنبأ بيزيه الصغير في بهجة- سوف نكون على مقربة من كوخ صيفي حيث يمكن شراء الحليب والقشدة أيضاً.تابعنا السير بصبر نافذ، ولكن توقفنا فجأة قبل القمة بقليل، في دهشة لرؤية جبل بيلمو الذي يغطيه الثلج، محصّن ومذهل- يشمخ مرة واحدة كما يبدو من خلف المنحدرات وغابات التنوب إلى يسار الممر، وهو في قرب جبل سيفيتا إلينا. تصعد كتل البخار الهائلة وتهبط حول تلك البروج العظيمة، ولا تنكشف عنها بالكامل ولو للحظة واحدة أبداً، وتبدو كلٌ منها هي الأقوى لأثر تلك اللمسة من الغموض.والآن على بعد بضع ياردات صعوداً، تختفي جبال المارمولاتا، والساسو بيانكو، والبوي، والبقية معاً، ويمتد أمامنا تحت ضوء الشمس مرج أخضر جميل، تزينه الصخور المنثورة، وأجمات التنوب، ويحده خط من قمم الجبال في روعة وجموح كل ما رأينا حتى الآن. ووفقاً للخريطة لا بد أنّ هذه هي السلسلة الكبرى التي تسود فيها قمتا جبل برامبير وجبل بيسيديل (كلاهما من القمم غير الموطوءة). سنعسكر هنا في الأعلى لساعة ونصف الساعة، وسيخرج الشباب لرعي البغال بينما نتناول غداءنا. اختفي كليمنتي على جانب الهضبة، وعاد متثاقلاً حاملاً طبقاً من القشدة في كلتا يديه، والتي خُفقت مع النبيذ والسكر، وأُكلت في حضرة ذلك المشهد، وقد كانت تضاهي في لذتها "الكريمة الحلوة" التي تقوم حواء بإعدادها لتسلية الملائكة على أقل تقدير. يمر بنا الآن قطيع من الأبقار من الكوخ ليحدق في وجوهنا الغريبة، لقد دفع كليمنتي مبلغ نصف ليرة وهو ثمن باهظ جداً حد أنني بدأت أخشى أننا لابد أن أعطيناه قطعة ذهبية دون قصد. ويؤدي الممر الضيق العميق الآن من أدنى قمة المعبر بقليل إلى حيث يفتح جبل فال دي زولدو على المدى واسعاً أمام خطواتنا، مشمساً، مصقولاً ومرصعاً بالقرى والأبراج.والآن، أخيرًا، نرى ظهر جبل سيفيتا. أصبح أليفاً مثلما جميع النواحي المختلفة التي يتجلى بها الدولمايت بغرابة من اتجاهات متباينة بأسلوب لا يخلو من غرابة. وهنا يحدث تحوّل قد لا تتنبأ به أكثر المخيّلات تفرداً على الإطلاق. وحدث ولا حرج عن استحالة التعرف على جبل سيفيتا من جانب الزولدو، لأنَّ الجبل لا يشبه نفسه إلى حد مدهش، حتى إنّه على الرغم من ذلك، لابد للمرء أن يقول- حتى عند الدوران حول زاويته فقط- أنّ التباين في الشكل، والمعالم، والامتداد أيضاً، يتجاوز الحد المقبول في أغلب الأحوال. فهو هاديء، عمودي، ومهيب على جانب الليغي، ولكنه هنا جامح ومضطرب، ومتفاوت. فيبدو من ناحية الليغي واسعاً، شامخاً، منتظماً- ويتكون هنا من تتابع طويل من الدعائم الضخمة المتراخية تفصلها عن بعضها البعض وديان وعرة، تنبع منها مياهه و تتدفق سيوله. أما من كابريل فيبدو الجبل كما قلت آنفاً مثل آلة أورغ عملاقة، أما من هنا فيبدو كما لو أنّ كل أنبوب عمودي في واجهة تلك الآلة ليس سوى القطعة الأخيرة الصخرية الضيقة التي تنتهي إليها كل من هذه الركائز. وهكذا عند النظر إليها من منظور جانبي، لا أستطيع مقارنة وحشيتها وبربريتها بأي شيء كان، ناهيك عن منظر الدعامات الطائرة المزدانة والمنقوشة على نحو بديع أسفل سقف كاتدرائية ميلانو، والتي تعرف بالحديقة النباتية.وقد قام السيد ف. ف. تاكيت بأول رحلة تسلق لجبل سيفيتا، والذي يعطي قيمة لارتفاعه تناهز 10.440 قدماً. وتُرى القمة الوحيدة المتوجة بالثلوج بسهولة من هذا الجانب، وتبدو كما لو أنّ الوصول إليها سهل ولا يتطلب كبير عناء.يتمتع وادي زولدو بثراء زراعي كبير، وتتميز منازله الزراعية بالقوة والمتانة، ويبتسم وجه المدينة كلها ازدهاراً ورخاءً: القرى الصغيرة الغبراء المعتادة بجصّياتها الدينية المألوفة في الواجهات الرئيسية للمنازل، الكنائس الصغيرة العادية، ونوافير القرية ذاتها، تتبع إحداها الأخرى بكثافة أكبر من معظم القرى الأخرى. وفي سان نيكولو حيث يضيق الوادي وتتقارب الصخور من نهر مايه المتسارع على مسافة بعيدة أسفلنا، سرنا في طريق ممتاز من الطرق المخصصة للعربات التي تجرها الجياد والذي يبدأ من هذه النقطة إلى لانغاروني، عبر منعطف هائل. ولدى إحدى القرى والتي تدعى دونت، على مسافة ما أسفل سان نيكولو، اقترحنا أن نتوقف لقضاء الليل: ولكن لتحذيرنا من افتقار النُزل إلى النظافة، والنظام بشكل عام، واصلنا المسير صوب فورنو دي زولدو حيث يخبر دليل بول عن "الغرف المريحة في فندق سيرسينا."وصلنا بعد مضي ثلاثة أرباع الساعة، وحططنا رحالنا لدى بوابة منزل كبير جداً، قديم جداً، وذي مظهر غاية في القذارة على قمة طريق صغير منحدر في قلب القرية. مررنا عبر مطبخ حجري كئيب حيث يجلس حوالي خمسة عشر أو عشرين من عمال الحصاد يأكلون عصيدة الذرة في أطباق خبية. أُرشدنا إلى غرفة واسعة عبر درج مظلم، كانت أرضية الغرفة التي تراكمت عليها قذارة القرون. الأريكة، والمقاعد، وستائر النوافذ تبدو كما لو أنّها تتساقط نتفاً من البلى، ولا يربط بين أسمالها سوى خيوط العنكبوت. تفتح النوافذ على مرج جانبي منحدر يحتشد فيه الأطفال الآن من كل أنحاء البلدة، ليس لشيء سوى إلصاق أنوفهم مقابل الألواح الزجاجية والتحديق بنا، حتى جلبت الشموع، وسحبت وأسدلت الستائر لإبعادهم. ونسبة لأنَّ بهو الاستقبال، الذي يكون في معظم الفنادق التيرولية أنظف وأفضل مكان في المنزل، وهو الأكثر كآبة في وحشية أثاثه العتيق، والنقوش القديمة، والسروج البالية، وحقائب عدة الفرس، والجلود العارية، والأغراض المبعثرة المغبرة من كل الأنواع التي صادفت الأسماع أو الأنظار خارج أرض القرية. أمّا سكان سيرسينا أنفسهم أشخاص راقون يتسمون بجمال السلوك، وقد امتلك أجدادهم العقارات في وادي زولدو لأكثر من خمسمائة سنة. كانت كنة المنزل بانتظارنا وهي امرأة شابة وجميلة، وتبدو عليها مظاهر التهذيب، وقد أصابتها متطلباتنا المتواضعة القليلة بالحزن. أما نحن فلم نكن مسافرين غير واقعيين، كما أعتقد، ولكننا كنا على الطريق راكبين وراجلين لفترة تقارب الاثنتي عشرة ساعة، ونأمل في بعض الماء والمناشف والطعام والقهوة وهي أشياء لا تنافي الطبيعة بأي حال. وعلينا الانتظار إلى الأبد لنحصل على جميع هذه الأشياء. حتى إن طلبنا مفرشاً للطاولة يعد مشكلة خطيرة، وكوننا لا نستطيع مثل عمال الحصاد أن نتناول عصيدة الذرة هو أكبر مما تستطيع السيدة الشابة سيرسينا احتماله. وبعد فترة غير قصيرة أحضرت لنا بضع قطع صغيرة من اللحم المسوّد بالدخان، وطبقاً من السلاطة غير المغسولة، وبعض الفطائر الدسمة: وهذه السيدة الصغيرة، أثناء صلواتها، كما أتخيل، بينما تنتظر بجانب الطاولة، ثم تسير بهدوء إلى منظار زجاجي في الطرف الأقصى، ثم تحاول جاهدةً تجربة قبعة ل. وجميع خواتمي وأساوري. لقد كان عشاءً فظيعاً، في أعقاب ليلة رهيبة شديدة الحر وثقيلة، ساهرة، ومفعمة بالحياة بطريقة تربط في ذهني وللأبد بين جبل فورنو زولدو والمثل العربي الذي يصف "ملاغا" بأنّها مدينة: " يرقص فيها الذباب على ألحان يعزفها البعوض." جُلبت البغال باكراً في الصباح التالي، فأمامنا يوم طويل، حيث زوبيه، على مسافة تفوق الساعات الثلاث من فورنو دي زولدو، وعلينا زيارتها في الصباح، وقد قطعنا وعداً بناءً على طلب السيدة بيزيه أن نتصل بابنتها المتزوجة التي تسكن في بياف زولدون حوالي ربع ساعة صعوداً من فورنوز. وبينما كنا نتناول إفطارنا وقد تجاوز الوقت الساعة الخامسة صباحاً بقليل، رنت أجراس الكنيسة بنغمة جزلى. مما يشير إلى أحد أعياد القديسين أو مراسم الزفاف، فاستفسرت عن المناسبة السعيدة وعلمت، ولم يفاجئني ذلك، أنَّ أحد السكان المسنين والمحترمين جداً قد أسلم الروح.يدعى وادي زوبيه أحياناً وادي روتورتو، وهو يتفرغ من وادي زولدو في زاوية حادة من موقع أسفل جبل فورنو بقليل، ويجري باتجاه الشمال صوب بيلمو. ويقع طريقنا هناك في البداية عبر سلسلة من القرى، كامبو، والبياف، ودوزا، وبرا، وبراغاريزا. مروراً بالبياف، التقينا بسيزاري بيزيه الذي كان سيأخذنا إلى مرسم فالينتينو غامبا، أحد نحاتّي الخشب، تعلّم النحت بنفسه. وهو يعيش في براغاريزا- قرية بائسة، خربة على جانب الهضبة المنحدر على بعد ميل أو اثنين، حيث لمحنا مرآه للمرة الأولى جالساً في يأس على عتبة كوخ صغير. وعندما خاطبه بيزيه الشاب، ودعاه ليريه مرسمه، نهض في ارتباك، وسبقنا إلى الحجرة الخلفية الصغيرة حيث يوجد إطار بيضاوي هائل من خشب الصنوبر المحفور مخصص لمعرض فيينا لهذه السنة (1873). وهو غير عملي، مبالغ فيه، ومليء بالزخارف، وأشكال الفاكهة والزهور والآلات الموسيقية، وآلهة الحب، وما شابه ذلك، وكبير الحجم جداً وثقيل أيضاً، غير ملائم لمرآة ولا صورة، ولكنه مدهش في ذاته كمحاولة لعبقري لم يحز من التعليم نصيباً. وتمثال نصفيّ لإيطاليا، من الخشب أيضاً، مفعم بالتعابير الرقيقة والعذبة، وقد سرني أكثر من الإطار. وانشغل فكري بضرورة الاستعلام عن ثمن التمثال. إنّه بالحجم الطبيعي، ويزن- الله وحده يعلم كم يزن، ولكن بكل تأكيد يكافيء في الوزن كل ما نحمل من متاع مجموعاً إلى بعضه. ولم يتسنَّ لي طرح السؤال المشؤوم في وقت أبكر من الآن، لدى رؤيتي وميض أمل في وجه الرجل المسكين. عاتبت نفسي على ذلك التصرف. وقد طلب مني مائتي ليرة فقط ثمناً له- أقل من عشر جنيهات- ولكني لم أستطع أن أتحمل عبئاً إضافياً أكبر في رحلة كهذه مما لو كنت في برج الكنيسة. لذا طلبت بطاقته التعريفية، ووعدته بإرسال أصدقائي الإنجليز ليبحثوا عن إطاره الصيف القادم في فيينا. وغادرت وأنا في حرج لإدراكي بأنني قلت أكثر مما أردت قوله.من براغاريزا يسير الطريق بين هضباب تكسوها الغابات على وادٍ صاعد بلا نهاية. وكلما ابتعدنا أصبح الطريق أشد وعورة وانحداراً، وكلما أقفر الوادي زاد صخب النهر. ثم أخيراً تعيّن علينا الترجل وترك البغال تتسلق وحدها. وكما البارحة، يبزغ فجأة منظر البيلمو، وهو أسمر مصفر، وحصون مخددة بالثلوج تظهر، وراء صفحة هضبة قريبة- قريبة جداً حتى أنّها تبدو وكأنّها تعتلي رؤوسنا. حالياً- لأننا في اللحظة المناسبة تماماً لرؤيته بوضوح لدقائق قليلة- تبحر سحابة بيضاء عظيمة ببطء من مكان ما على البعد، فتغطي ناحية الجبل بعباءة، لم تبقَ لنا سوى لمحات سريعة الزوال منه بين الفينة والآخرى، من خلال الفُرج التي تلوح بين أوشحة الضباب. وأخيراً وصلنا إلى زوبيه، قرية صغيرة بنية اللون وكنيسة بيضاء تشرئب عالياً على جانب من الجبل أخضر، يشرف علينا من قمة درب يبلغ ارتفاعه 400 قدمٍ كاملٍ فوق مستوى سطح الوادي. وتتضم تلك الكنيسة البيضاء الصغيرة في جنباتها أعمال لتيتيان، والتي تعتبر الأفضل في كافة أرجاء هذا الإقليم. وبعد رحلة مضنية طويلة نحو قمة الهضبة في شمس حارقة، على الأقل إلى البيوت والكنيسة. كان الباب مفتوحاً، فعبرناه إلى المظلة الباردة في الداخل، يتبعنا جميع الرجال الذين خرجوا من فناءٍ خشبي مجاور. وهناك وحول المذبح المرتفع، تتدلى لوحة تيتيان، بلا ستار، معفرة بالغبار، وشاحبة من دخان الشمعدانات طيلة قرون من القداسات. إنها لوحة صغيرة لا تتجاوز أبعادها أربعة أقدام في ثلاثة، وتظهر فيها العذراء والطفل على العرش، في رعاية القديس مرقس والقديس غيرولامو، مع القديسة حنّا الجالسة على عتبات العرش. إنّها لوحة معقدة ككل، فالعذراء والطفل مرسومان بأسلوب واقعي وصعب يعود لبواكير عهد المدرسة الألمانية، ويبدو كما لو أنه لم يصدر عن فرشاة تيتيان. فرسم القديس غيرولامو والقديسة حنّا بالكاد يرتفع عن المتوسط، ولكن يتسم رأس وكفا القديس مرقس بالجمال حقاً، وقد فاقا بقية اللوحة بكثير. الألوان هي الأخرى كانت غنية وثابتة في جميع أجزاء العمل. لقد تم تلوين قطعة المذبح هذه، كما قيل. بناء على تكليف واحد من أعضاء عائلة بالاتيني في عام 1526، وصنفها السيد جلبرت من بين " أعمال تيتيان القليلة جداً التي لا يتطرق إليها الشكّ"، كما إنّها حظيت بالحماية في بين جبال الموطن الأصلي للفنان، ولكن بغضِّ النظر عن صيتها، فقد وجدت من الصعب تصديق أنّ المعلم العظيم لم يلوّن منها أكثر من رأس وكفيّ القديس مرقس.وعندما سمع راعي الأبرشية بوجود غرباء في الكنيسة، أتى فوراً ليقوم بواجبه تجاه فنانه تيتيان. لقد كان قسّاً متواضعاً وبديناً، وردي السحنة، ولطيفاً، تفوح منه رائحة الثوم، ويلبس رداءً قصيراً باللون الأزرق الفاتح، وصدرية باللون الأزرق الفاتح، وجوارب رمادية اللون من الصوف، ومعطفًا كنسيًا أسودَ طويلًا، وقنينة قديمة تحوّل لونها إلى الأخضر بفعل الزمن. لقد كان يتحدث بسرعة وكثافة، مخبراً كيف أنَّ تيتيان قد جاء في يوم ما إلى زوبيه لتمضية العطلة إبان انتشار الطاعون، وكيف أنّه عمل على تلوين اللوحة من وقت لآخر، بأمر من النبيل المذكور آنفاً، والذي رغب في أن يضعها في الكنيسة كقربان للشكر، وكيف عُلقت هناك في احترام وهدوء لقرون؛ حتى جاء الفرنسيون بهذا الطريق في عهد نابليون الأول، وهددوا بتجريد الكمونة من كنزها، حيث صنع رجال زوبيه أسطوانة خشبية، ولفوا اللوحة عليها، ودفنوها في صندوق أسفل شجرة في الغابة. قال راعي الأبرشية "وانظر!، قد ترى علامات الأسطوانة على القماش حتى هذا اليوم. وما زالت الأسطوانة بحوزتنا، سيدتي، ما زلنا نحتفظ بالأسطوانة!"قلت أنا شيئاً، لم أعد أتذكره، لتأكيد أنّ تيتيان العبقري كان يستحق الاهتمام بها، وأنَّ الكمونة لم تقيمها بدرجة أكبر. " تقييمها!" كرر هو العبارة، فقام بغير داعٍ. " تقييمها يا سيدتي؟ بالطبع نحن نقيّمها. لقد عرضت علينا حكومات كثيرة شراءها. وكان بوسعنا بيعها بثلاثة آلاف دوكات من الذهب غداً، إن قررنا ذلك. حسنًا! نحن ستمائة نسمة هنا في بايزي. رجالنا فقراء- جميعهم-فلاحون في الصيف، وملازمون في الشتاء، لكن أعمال تيتيان لا تشترى بالمال!"ولقد عرفنا فيما بعد أنّ راعي الكنيسة ذا الحس الجمعي هذا كان من اكبر صائدي حيوانات الشامواه في شبابه، وواحدًا من أوائل من تسلقوا أقاصي جبل البيلمو.نغادر الآن قرية زوبيه على جانب هضبتها وهبطنا إلى الوادي مرة أخرى، نقتنص بعض اللمحات الرائعة من القمم العجيبة التي يتكشف عنها الضباب والغيوم باتجاه جبل سفورنيوي، وسلسلة بريماجيوري. والآن بعد استراحة قصيرة في ظل مجموعة من الأشجار بجانب إحدى العيون، نستأنف المسير مرة أخرى، فننزل إلى آخر الطريق، حتى نجد أنفسنا مرة أخرى في بياف دي زولدو، ونقف ببوابة منزل أبيض كبير، حيث رحبت بنا أخت الشاب بيزيه، السيدة بيليغريني. لقد تزوجت السيدة بيليغريني من رجل حاز الغنى وشرف المحتد معاً، ويعيش حياة بطريركية، لا تخلو من سعة ورغد في العيش، مثل الطبقة العليا الإنجليزية التي عاشت في عهد أسرة تيودور المالكة. تحمل مفاتيحها في حزامها، وتقوم بنفسها على شئون ألبانها وأجبانها وأبقارها وخنازيرها، ودواجنها، ومطبخها. اقتادتنا من خلال درج فسيح، عبر بهو عُلقت فيه صور أفراد عائلة بيليغريني الذين كان منهم الأساقفة، والمأمورون، والقباطنة، والسادة الذين تجّملت سحناتهم بالمساحيق، في معاطف مزدانة بالكشكشات والدانتيل، حتى انتهينا إلى غرفة استقبال حيث كانت المائدة معدة لتناول وجبة الغداء. كان سيد المنزل غائباً حتماً، فهو في معرض للماشية في لانغاروني، ولكن حلَّ سيزاري بيزيه محله في الطاولة، حيث كان كل شيء طازجاً ووفيراً، وبيتي الصنع وشهياً.ذهبنا بعد الغداء لزيارة الكنيسة-وهي ذات هيكل كبير، وصحن قوطي جميل، يحتوي على لوحتين أو ثلاث من اللوحات الإيطالية العجيبة العتيقة، ولوحة مذبح مهمة من أعمال الحفر لأندريه بروسيتولون، وغرينلينغ جيبونز من جنوب تيرول، مولود في وادي زولدو هذا عام 1662. إنّه موضوع غريب، وطريف، وتم تجسيده بطريقة مثيرة للإعجاب لكن النظر إليه لا يبعث على السرور. وهم يسمونه مذبح الأرواح Altare degli Animi. تجسّد شخصيتان، المعاناةَ الإنسانية والأسى البشري، ويحرس كل منهما هيكل عظمي للتحذير، ودعم منصة المذبح. ويتوّجُه من الأعلى ملاكان ولوحة الرحمة. كان التنفيذ متقناً، بيد أنّ العمل كان يترك في النفس انطباعاً مؤلماً للغاية.تسكعنا في المساء بين الحقول والمروج التي تقع وراء القرية، ورسمت الكاتبة بعض القمم الغريبة ( يدعوها البعض جبل سيراتا، والآخرون روكيتا) والتي تُرى من كل ناحية من نواحي المكان. وهنالك بالطبع الصعوبة المعتادة في الإفلات من فخ المتطفلين. وقد حدقت فيّ سيدة عجوز ترتدي قباقيب خشبية لفترة طويلة من الزمن، من عتبة باب كوخها، فاتت تعرج، وتمسح الرسم في ذهول يكاد يثير الضحك. جبل سيراتا" لم تفعلين ذلك؟" تتساءل وهي تشير إليَّ بأصبع معروق، وهي تمعن النظر في وجهي من الجانب مثل غراب.فأجبتها بأنني أفعل ذلك حتى أتذكر الجبل عندما أكون بعيدة عن هنا."وهل سيجعلك ذلك تتذكرينه؟" قالت هي في نبرة لا تخلو من ريبة.وعن هذا أجبت بأنّه سوف لن يؤدي هذا الغرض فقط، بل سيكون سبباً في أن يعرفه الكثير من أصدقائي الذين لم يأتوا إلى هنا. ولا بدّ أنّ هذا، على أية حال، يفوق قدرتها على التصديق."ومن أين أنت؟" سألت تالياً- بعد صمت طويل. وأجبتها:" من بلد سمعتِ عنه مراراً بلا شك، من إنجلترا."" من إنجلترا! يا يسوع ماريا! من إنجلترا! وأين هي إنجلترا؟ هل هي قريبة من ميلانو؟" ولدى إخبارها بأنّها على مسافة أبعد بكثير من ميلانو وفي الاتجاه المعاكس تماماً، لم تزد على أن تهز رأسها في صمت من فرط ارتباكها. وطفقت تعرج عائدة من حيث أتت.وعندما وصلت إلى منتصف المسافة على الجهة المقابلة من الطريق، توقفت قليلاً، في لحظة استراحة للتأمل، ثم قفلت عائدة، مسلحة بسؤال أخير." هيا! هلا أخبرتيني- اصدقيني القول- لم تأتون إلى هنا جميعكم؟ لم تسافرون؟"وأجبت عن هذا السؤال بالطبع بأننا نسافر لنرى البلاد. فكررت عبارتي " لتروا البلاد!" فعقدت أصابع يديها الذاويتين قائلة: " يا ربي العظيم! إذن أليس لديكم جبال ولا أشجار في إنجلترا؟" وفي ذلك المساء عندما كنا نتناول عشاءنا جاء غوسيبي ليقول إنَّ النحات الصغير موجود في الأسفل، وقد أحضر التمثال من براغاريزا، ليعرف إن كنت سأقدم له عرضاً بخصوصه. أحضر التمثال النصفي إلى هنا؟ فتصورته يرزأ به طوال الطريق المغبر- وأراه كما رأيته هذا الصباح، شاحباً، يبدو على محيّاه القلق، بارز المرفقين، وفي هذه اللحظة شعرت كما لو أنّ من قدري أن أعود وأشتريه. وما كان من ل. عندما رأتني إلا وأن نعتتني بالمجنونة الخطيرة، وحتى غوسيبي اضطر إلى تحذيري بأدبٍ قائلاً إن كانت السنيورة تريد حقاً شراء "الرأس الخشبية" فلابد أن نطلب بغلاً إضافياً في المستقبل لحمله. وعليه- وبدون أن تواتيني الجرأة الكافية للقائه- فلا يجب أن أرتكب حماقة كهذه- أرسلت إليه رفضاً مهذباً، ولم أسمع عن الرجل المسكين مجدداً.وبحلول الساعة الخامسة والنصف صباحاً غادرنا مرة أخرى، ممتنين لرؤية فورنو دي زولدو في النهاية بفندقه القذر، وصاغته، وتجارة الحديد الصاخبة فيه. وهبطنا بعيداً بمحازاة النهر في تجويف زلق أسفل القرية، هناك ربما تُرى صفوف طويلة من الورش حيث يتصاعد الدخان على الدوام من الحرائق الكثيرة. وهنا رجال زولدو الذين يمتهن السواد الأعظم منهم الحدادة، وكانوا يصنعون المسامير من زمن سحيق، ويرسلون بضائعهم على ظهور البغال إلى لانغاروني في الأسفل، ويتلقون بالطريقة ذاتها خزائن من الحديد القديم من سينيدا، وكونيغليانو، وحتى من البندقية. وسنعود اليوم إلى كابريل عبر ممر يقود من رأس وادي دي زولدو إلى رأس وادي فيورينتينو، ويدور حول سفح جبل بيلمو بين ذلك الجبل وجبل كروت؛ لأنَنا لم نك نفعل شيئاً في الساعات الأربع الأولى من الرحلة، سوى اقتفاء آثار مسارنا ليوم أمس الأسبق ببساطة لمسافة قصيرة بعد دونت (حيث يوجد طريق سهل وجميل يؤدي إلى اغورو عبر وادي دورام). يرتفع جبل البيلمو، شاحباً، وظليلاً وأكثر "هيبة"، بينما في سان نيكولو يعود جبل سيفيتا إلى الأنظار مرة أخرى- نصف متوارٍ خلف الضباب الفضي المتدحرج. في ما بعد ماريزون، حوالي نصف المسافة بين تلك القرية وبيكول، تنقسم الطرق، وننعطف من وادي زولدو صاعدين في وادٍ طويل معشوشب، مموج يقع بين جبل بيلمو، وجبل كروت، وظهر جبل فيرنازا. يعرف هذا الوادي باسم وادي بالافافيرا، وهو ملكية عامة لكمونتي ماريزون وبيكول، اللتين تقتسمان المراعي بينهما مناصفة. وبين جبل كروت- جبل صغير بيد أنّه جبل يأخذ شكل الهرم إلى حدٍ كبيرٍ- وجبل البيلمو، والذي يبدو من هنا مثل برج من أبراج بابل ملفوفاً بقطع من السحاب، ويرتفع هناك منحدر أخضر طويل يقود إلى قمة المعبر. ونأخذ أولى فترات الراحة هنا تحت ظل شجرة كبيرة على تلة يكسوها العشب. وقد رفعت السروج، واستخدمت كمقاعد، ونهلنا من العين القريبة التي تلفها الشجيرات ماءً صافياً، وذهب كليمنتي مرة أخرى لجلب القشدة من مزرعة حليب على مسافة ليست بالبعيدة. وهكذا طفقنا- جلوساً في الهواء الطلق، تحت أشد السماوات زرقة- نأكل القشدة بملاعق خشبية ومن طبق خشبي، ونأخذ راحتنا على الطريقة الرعوية النقية التي يتمناها حتى قلب الجميلة سكودري.رحلة اليوم من الرحلات الطويلة، وسوف يكون من الضروري أن ندع البغال تأخذ راحتها مرة أخرى بين كل فترة وأخرى، وعليه فسنواصل المسير الآن، وحوالي منتصف النهار سنصل إلى قمة المعبر، الذي يدعوه البعض باسم معبر دي بالافافيرا، والبعض الآخر يطلق عليه اسم فورسيلا ستاولانزا.وهكذا كان الطريق يتجه إلى الأسفل بين أشجار الصنوبر واللاريس المتناثرة حتى قاعدة جبل البيلمو. ويبدو في بداية الدولمايت الكبرى كبرج واحد فقط لا يخلو من غرابة، ثم برج آخر مايزال حتى الآن مختبئاً وراء الأول، يتجلى للأنظار شيئاً فشيئاً، وأخيراً انقسما، فبدت لنا قطعة من السماء الزرقاء بينهما. وكل انثناءة في الطريق الآن صارت تقرّبنا، وبالتالي تبدو تلك الكتلة الضخمة وكأنّها معلقة فوق رؤوسنا، وقد سدت علينا نصف قبة السماء، صخرة وراء صخرة، ومنحدر تلو الآخر.والآن، وبما أننا على مدى مائتي قدم من سفح الجبل ، فقد أدركنا- علماً بأنّه يمكن معرفة ذلك بدون البدء في التسلق حتى_ كم هو مذهل في الحجم والانحدار والوعورة. لقد اقتربنا كثيراً حتى إنَّ صياد الشامواه بالكاد يزحف دون أن يُشاهد على طول واحد من هذه الجروف الضيقة، على ارتفاع ثلاثة أو أربعة آلاف قدم، بيد أنّ مدى الجبل بكامله هائلٌ، حتى إنّ امرأة كانت تسير في طريق يؤدي عبر منحدر الركام هناك، بدت بالكاد كنقطة سوداء على سطح صخرة.يسدّ جبل بيلمو مشهد نهاية وادي فيورينتينو بكامله. يسير الدرب فوق جرف منخفض يقع في الجهة المقابلة، وهو فورسيلا فورادا (6896 قدماً) ويؤدي مباشرة إلى سان فيتو على سفح جبل الانتيلاو في وادي الامبيزو. وهو يقابل في موقعه فورسيلا ساتولانزا التي أتينا عبرها من سفح جبل سيفيتا في وادي زولدو. ويبدو ارتفاع جبل البيلمو، وفق ما هو مؤكد حتى الآن، 10.377 قدماً، وهذا للقول بأنّه يساوي في ارتفاعه جبل سيفيتا بفارق أقدام قليلة، ودون قمة الانتيلاو بحوالي 200 قدم بالكاد. وقد تكرر تسلق الجبل من قبل صيادي حيوانات الشمواه الشجعان الذين لا تنقصهم الجراة والقادمين من وادي زولدو، فقد اكتشفوا أربعة طرق منفصلة يمكن عن طريقها الوصول إلى الهضبة الكائنة أعلاه. كما كان فوكس من متسلقيه أيضاً، وكذلك مؤلف كتاب "الدليل إلى الألب الشرقية" والذي بدأ الصعود من جانب بوركا، فوق وادي ناغاروني. وأفضل طريقين على أية حال يفترض أنهما يبدآن إما من زوبيه أو فويق سان نيكولو في وادي زولدو. يصف السيد بيل جبل بيلمو بأنّه " قلعة عملاقة من أكثر البنيات ضخامة، تحميها تحصينات خارجية انهارت أسوارها في عدد من المواقع على جروف يبلغ انحدارها 2000 قدماً." ويقول أيضاً : " وقد زاد شبهها بالبناء بحقيقة أنَّ الطبقات تقع في مسارات أفقية، حيث صدف أنَّ العديد من المناطق الأشد انحدارا من الجبل اُزيحت باتجاه الحواف بحيث يتسع المجال لمرور حيوانات الشمواه ومطارديها." ومن فورسيلا ستاولانزا، جبل روكيتا في وادي الامبيزو، وقد تجلى مرأى الرصيف المتعرج لبيك دي ميزودي للعيان فوق منحدرات فورسيلا فورادا. وتبرز أعلى قمم جبل سيفيتا فوق غابات التنوب التي تحد الواجهة الشرقية لجبل كروت، وعلى مبعدة، وراء منظر وادي فيورينتينو المشمس، وقمة جبل مارمولاتا الزرقاء الشاحبة في مواجهة الأفق، والتي تضفي ثلوجها على المنحدر لون الجليد الفضي.والآن وبمحازاة مسار غدير فيورينتينو اليافع، نسير تاركين جبل بيلمو وهو يبتعد إلى الوراء مع كل خطوة. وبدأت قرى بيسكول، وسيلفا، وكول دي سانتا لوشيا، وجبل فريزوليه، وساسو بيانكو، تظهر واحدة تلو الأخرى.نزلنا للحظات قصيرة في بيسكول، فزرنا كنيستها الصغيرة لرؤية وعاء خبز القربان المنقوش من أعمال الفنان بروسيتولون- وهو شيء صغير مثل اللعبة- وثبت أنّه تذكار لبلاداتشينو في كنيسة سان بيتر، على دعامتين من الأعمدة المبرومة المزينة بالأزهار، ومكلل بغطاء مزين، ويضم مجموعة مشهد صلب المسيح التي يقارب ارتفاع شخوصها الثلاث بوصات. وحشد من بعض الملائكة الصغار وأجساد الأطفال خارج الغطاء، اتسم تصميمها وتنفيذها بالرقة ويحفز الذاكرة على استحضار تصميمات لوكا ديلا روبيا. ويقدّر أهل بيسكول معبدهم الصغير، تماماً مثلما يفعل أهل زوبيه تجاه أعمال تيتيان، وقد آثروا الاحتفاظ بها على بيعها بأثمان باهظة. إنّها الساعة الواحدة، وقد كنا على الطريق منذ الساعة الخامسة والنصف صباحاً. نال الرهق من بغالنا كل منال وبدأت تتعثر مع كل خطوة. يمتد وادي فيورنتينو على مد البصر، وبدت قرية سيلفا، حيث سنأخذ قسطاً من الراحة لحوالي ساعتين كاملتين، كما لو أنّها تزداد ابتعاداً عنّا. وأخيراً وصلنا على أية حال، ووقفنا بباب فندق صغير على جانب الطريق، وهو أشد ما رأينا تقشفاً، ولكنه نظيف وجيد التهوية. وسيحظى البغلان هنا بنصيب وافر من الذرة الهندية، والخبز والنبيذ للرجال، وأُخذنا نحن إلى حجرة علوية بيضاء، فأشعلنا موقدنا الغازي لتحضير أحد أطباق الأطعمة الجاهزة من علامة لايبيج.تبعتنا نساء المنزل- ثمّة أربعُ منهن- إلى غرفتنا هذه حالما قدمن الذرة والنبيذ في الأسفل. ووقفن فاغرات أفواههن فاتحات أعينهن على وسعها من شدة الفضول، يراقبن كل ما نفعل، كما قد تفعل مجموعة من الأطفال يراقبون حركات بعض الوحوش البرية الحبيسة في أحد الأقفاص. لقد قمن بتفحص قبعاتنا، ومظلاتنا، ومعاطفنا وكل شيء وضعناه جانباً. وقد أصابهن السخان بالذهول دهشة. أما منظار ل. المقرّب الموضوع في النافذة، فقد كن يتطلعن إليه باستغراب كبير، ولابد أنّهن خلنه جهازاً من النوع الذي قد يفجر المبنى بكامله بغتة. وهن في الحقيقة، قرويات متوردات البشرة، حسنات الطبع، ولكنهن في جهلهن وافتقارهن للمدنية مثل سكان قارة استراليا الأصليين.من الواضح أنّ أكبر الأربعة حجماً وأكثرهن تورداً – وهي عشيقة صاحب المنزل كما يبدو- هي من خرجت أولاً من حالة الذهول، وبدأت أسئلتها تنهمر مكررة إجاباتي في حس من الانتصار، كما لو أنّها تفسرها للبقية، وتستجوبني بتوق وبصورة غير مفاجئة كمجلس بايلي القديمة. من أين جئناً؟ من فورنو دي زولدو! أجل أجل، فهي تعرف ذلك، فقد أخبرها الرجال في الطابق السفلي عن الكثير من الأمور. ولكن قبل فورنو دي زولدو. من أين جئنا قبل فورنو دي زولدو. لقد جئنا بالتأكيد من مكان بعيد جداً- من lontana؟ على سبيل المثال. على سبيل المثال!- أين ولدنا! في إنجلترا! يا لمريم العذراء! في إنجلترا!وهنا تلقي بأيديها إلى الأعلى، وتفعل الثلاث الأخريات الشيء نفسه! " ولكن هل أتيتن هكذا طوال الطريق من إنجلترا؟"ماذا تعني بعبارتها "هكذا"، يستحيل الجزم بذلك. فهي على الأرجح تفترض أننا ركبنا البغلين طول المسافة براً وبحراً، مع حقيبة صغيرة سوداء لكلٍ على سبيل المتاع، ولكن الطريقة الأسهل هي هز الرأس نفياً." يا للروح القدس! ووحدكن؟ وحدكن تماماً؟"مرة أخرى، لتجنب الشرح والتفسير، أومأت أن نعم." أيتها المسكينات! المسكيناتّ" " يا لصغيراتي! الصغيرات لصغيراتي!" هل انتن أخوات؟"وهززنا الرأس هذه المرة بدلاً من الإيماءة. " أمتزوجة أنتِ؟"نفيٌ آخر، حيث تفاجأت حد الذعر في الغالب. " هيا؟ الست متزوجة؟ كلتاكما؟"" يا إلهي العظيم! وحدكما، ولستما متزوجتين؟ يا للمسكينات!، يا يا للمسكينات!"وهنا صرن جميعاً يهتفن " مسكينات" في جوقة، بحس من الاهتمام الأصيل والعطف الذي شعرنا بالخزي من ضحكاتنا المستهترة التي لم نستطع كتمانها إثر سماع مواساتهن. وبما أنَّ التعب قد أخذ منا كل مأخذ، واشتدت رغبتنا في الراحة فقد اضطررت أخيراً إلى صرف الجوقة وقائدها، وعندما أيقنت من ذهابهم، أوصدت الباب من الداخل. وهكذا أخيراً استطعنا تناول وجبة الايبيج في سلام. وبما أننا كنا على بعد ساعتين فقط من الديار، وما زال لدينا النهار بطوله، نجحت الكاتبة في الحصول على رسم تمهيدي لجبل بيلمو كما يبدو من النافذة المفتوحة، إلى أسفل، في أقصى الوادي. وما تبقى من الرحلة بشكل عام يمتد على طول شفير جبل فريزوليه، مروراً بكول دي سانتا لوشيا. وما بعد قرية سيلفا بقليل، دخلنا في الأراضي النمسوية، تاركيها مرة أخرى على جانب الهضبة فويق كابريل، ووصلنا إلى المنزل عبر طريق مألوف متعرج بعد الساعة السادسة مساء بقليل. ______________________________________* تُلاحظ هذه القمم الثلجية بشكل عام على الجوانب قبالة قرية زوبي ووادي الامبيزو. والتي كنت أقارنها بدرجات العرش العملاق في مكان آخر. وتصعب ملاحظتها من وادي فيورينتينو. ______________________________________ . _______________________بتكليف ورعاية من الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، وبدافع من حب المعرفة والسعي لنشرها قامت القرية الإلكترونية بتوفير هذه النسخة من الكتاب وسوف نقوم بنشرها على حلقات تباعاً هنا في جوجل بلس نأمل أن تحوز إعجابكم وأن تكون مساهمة في #نشر_المعرفةصفحتنا الرسمية في فيس بوك :https://www.facebook.com/mohammed.suwaidi.poet/منصتنا في جوجل بلس لمتابعة باقي مشروعاتناhttps://plus.google.com/+HisExcellencyMohammedAhmedAlSuwaidi?hl=ar(جميع الحقوق محفوظة, Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi....
اعرض في فيس بوك , Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi قمم غير موطوءة وأودية غير مطروقةالباب الثاني عشر- ساسو بيانكوتأليف:إيمليا إدواردزترجمة سماح جعفر أوروغرافيا ساسو بيانكو - موقعه البانورامي - امتداده الظاهري -....
اقرأ المزيد ... قمم غير موطوءة وأودية غير مطروقةالباب الثاني عشر- ساسو بيانكوتأليف:إيمليا إدواردزترجمة سماح جعفر أوروغرافيا ساسو بيانكو - موقعه البانورامي - امتداده الظاهري - جيولوجيته - تسلق الجبل - صباحٌ رائعٌ - احتفال آخر - منطقة الذرة - ملكية بيزي - منطقة الزهور البرية - انتظار الضباب - المنحدر الأخير القمة - المشهد من الشمال - زيلرثال وقمم أخرى - لمحات من الجانب الجنوبي - الارتفاع المقدر لساسو بيانكو - النزول - إبهاج السكان المحليين.الفصل الثاني عشرساسو بيانكو يقول تاتشستون، "إنه ليس جذابًا يا سيدتي، لكن على الأقل فهو ينتمي إلى منطقتنا". لن أقول الآن إنَّ ساسو بيانكو ليس جبلًا جذابًا - لا سمح الله! ولا أنه جبل غير مهم. ولا حتى أنه جبل صغير. لن أنتقص من قدره في البداية، حتى أتمكن من تفحصه بشكل كامل حتى النهاية. ولن أقلل من تقييمه من أجل ترسيخ توازي حازق بيني وبين التصرف بحماقة.في الوقت نفسه، أنا متلهفة لعدم المبالغة في تقدير جدارته وفضائله الخاصة؛ لأنه بالنسبة لقمم الجبال كما هو الحال مع الأشياء الأخرى: - بعد أن نسعى لتفحصها بشكل كامل لأننا نقدرها، نواصل تقييمها لأننا تفحصناها. حتى إننا قد نعترف بعدم جاذبيتها، كما اعترف تاتشستون بعدم جاذبية أوديري؛ لكننا نميل بشكل دائم إلى المبالغة في تقديرها سرًا - ببساطة لأنها تخصنا. لذلك قررت أن لا أقع في حب ساسو بيانكو دون تفكير، وأنَّ اللوحة التالية التي سأرسمها حوله لن تكون إطرائية فقط. لا يمكنني وصف ساسو بيانكو بشكل أفضل من تلك الكلمات التي استخدمها كليمينتي. إنه ليس جبلًا من المرتبة الأولى، لكنه أفضل من أن يكون جبلًا من المرتبة الثانية، لأنه أعلى من الريغي بـ 2000 قدم، إن لم يكن 2200 قدم، وأعلى من نيسيل بحوالي 240 قدمًا. ترتفع قمته أكثر بـ 200 قدم فوق بحيرة أليغي من ارتفاع قمة مونتي جينيروسو فوق بحيرة لوغانو. وترتفع إلى حد كبير فوق خط الأشجار، وتَقْصُر فقط على خط الثلوج. ولقد وجدنا انجرافًا ثلجيًا ينخفض لـ 100 قدم تحت القمة، وربما هناك انجرافات أخرى لم نرها بين الفجوات التي يصعب الوصول إليها. كان الثلج صلبًا ونقيًا، ولكن كميته لم تكن كبيرة.لا أعرف أي جبل سويسري يمكنني مقارنته بساسو بيانكو بدقة في ما يتعلق بموقعه. يبدو الريغي كحارس منعزل، وموقعه بعيدٌ وغير ملفتٍ للنظر. ويمكن قول الشيء نفسه عن مونتي غينيروسو، على الرغم من نطاقه البانورامي الذي لا مثيل له. يطل إغيسكورن كله على جانب واحد. ويطل غورنيرغات على الثلج والجليد ويمكن اعتبار بوي محصورًا للغاية. لكن ساسو بيانكو يقف في وسط أحجار الدولوميت، مثل الكرة الوسطى على لوح سوليتير، المحاطة من جميع الجهات بأشياء عملاقة. إذا كان بوسع المرء أن يتخيل جبلًا منفصلًا، واضحًا من جميع الجهات، ويشغل على سبيل المثال موقع قرية ليوك في وادي الرون، ويحتل موقعًا مرتفعًا بما يكفي لشغل الدائرة الكاملة لأوبيرلاند ومونتي روزا ومونت بلانك، هذا الجبل سيمثل إلى حد ما ساسو بيانكو بالنسبة للمشهد الذي يشمله. لا أعرف كيف سيكون المشهد من قمة بيلا تولا في وادي الرون. ولكن انطلاقًا من وضعه على الخريطة، يبدو أنه من الممكن أن يوفر بالضبط الشيء نفسه الذي أبحث عنه.كتلة مونتي بيزا كبيرة جدًا. تمتد من النقطة المعروفة محليًا باسم مونتي ألتو على الغرب، و مونتي فورسا على الشرق، ومن فال بترونيا على الشمال إلى وادي بيويس في الجنوب، ولا بد أنها تغطي مساحة ما يقرب من ثلاثة أميال ونصف في الطول وميلين ونصف في العرض.هذه بالطبع ليست سوى قياسات تقريبية تستند جزئيًا للملاحظة الشخصية، وجزئيًا إلى الخريطة المفصلة للنمسا. يتجاوز ساسو بيانكو في نطاقه وارتفاعه (أو بشكل أدق مونتي بيزا) مونتي ميغون ومونتي فريسولت ومونتي فرينازا.أنا لست مختصة في الجيولوجيا الجبلية لتكوين رأي؛ ولكن وفقًا لخريطة الكرة الجيولوجية، فإنه يتكون جزئيًا من الرخام السماقي ، وجزئيًا من الصخور الجيرية. تتكون منحدرات القمة ذات الألوان الفاتحة التي تواجه الشمال، (وهي الجزء المعين بشكل خاص على أنه ساسو بيانكو) على الأرجح من حجر الدولوميت. في كل من اللون والملمس تشبه الصخور دائمًا تلك التي تتكون منها قمم بريمييرو وأمبيزو.بالطبع قررنا الصعود إلى القمة بعد أن نعود إلى كابريلي مباشرة. يبدو أن الطريق صعودًا، على الرغم من طوله، سهل إلى حد كبير. كانت هناك العديد من الطرق التي تؤدي من وادي أليغي إلى الأراضي الزراعية والنجوع المنتشرة على طول الجانب الشرقي من الجبل. لكن كليمنتي أوصى بطريق ينطلق من فال بيتورينا، حيث بإمكاننا أن نركب البغال حتى نصل إلى المرتفعات التي تبعد حوالي ساعة عن القمة. وبالنسبة للوقت الذي نحتاجه للوصول من كابريلي إلى القمة فقد قال إنه ربما يمتد من أربع إلى خمس ساعات، بما في ذلك الساعة الأخيرة التي سنقطعها سيرًا على الأقدام. كل هذا بدا لطيفًا بما فيه الكفاية؛ لذلك تم ترتيب أن يراقب جوزيبي حالة الطقس، وأن يغادر المنزل في الساعة الثالثة صباحًا مهما كانت حالة الطقس. وفي صباح اليوم الرابع بعد عودتنا، كان الجو مواتيًا على ما يبدو، وقد أعطانا جوزيبي الإشارة قبل الفجر بقليل، وبحلول الساعة الخامسة صباحًا كنا في طريقنا.لم نرَ صباحًا جميلًا كهذا قط. جميع الحشائش، والأعشاب البرية، والأشجار، كلها منقوعة بالندى وتتألق في الشمس. تبدو الطيور جامحة بالبهجة، وهي تغني برشاقة بين الأوراق الخضراء الرطبة. عبرنا الجسر الخشبي واتخذنا الطريق المألوف فوق وادي بيتورينا الصغير، كما لو كنا متجهين نحو سوتوغودا، سمعنا أجراس كنيسة روكا ترن بصوت عالٍ في الهواء، ومرت مجموعة من الفلاحين في ملابس عطلتهم، لأنه كان يوم عطلة في هذا الصباح المشرق، وتعقد بعض الاحتفالات في روكا اليوم. خلع الرجال والنساء قبعاتهم أثناء مرورنا. وتمنوا جميعهم لنا صباحًا جيدًا، وسألونا جميعهم إلى أين نحن ذاهبون.ابتعدنا قليلًا عن الطريق الممهد، ونزلنا نحو حافة الماء، وعبرت البغال طريقها على طول الحجارة الرخوة المتاخمة لجدول وادي بيتورينا. ومن ثم التففنا حول قاعدة التل الذي بنيت عليها روكا، وعبرنا الجسر العالي نحو ظلال غابات الشوح شمالي مونتي بيزا. كان الطريق الحاد والصخري يتجه نحو الشرق وقادنا إلى مساحة من الأراضي الزراعية التي تطل على كورديفولي.تمتد غابات الشوح الداكنة إلى الوادي بالأسفل، وتتسلق غابات الشوح الأعلى ارتفاعًا الجانب الجبلي؛ في حين، يمتد بين كليهما حزام أخضر من حقول الذرة يتخلله الخشخاش القرمزي الذي يتموج في النسيم وأشعة الشمس. تعلو قمة كابريلي خلف حافة الغابة، بينما يرتفع شبح من الضباب في الاتجاه نحو أليغي. في الوقت الحاضر تنبثق ينابيع قاحلة؛ وأعداد كبيرة من الأطفال، تمتلئ أيديهم البنية الصغيرة بالخشخاش وزهور الذرة ويطاردون بعضهم بعضًا في الجانب الجبلي. هذا في الواقع هو الجمال الشاعري للمشهد بأكمله الذي حرك إعجاب إل. أيضًا، وجعلها تعترف بأنها حتى لو لم ترَ أكثر من ذلك، فإنها سعيدة لأنها جاءت (رغم أنها كانت تريد البقاء في النزل وعدم القدوم معنا).في هذه الأثناء، عبرنا سلسلة من الممرات الضيقة المتعرجة بين حقول القمح والشعير والكتان والقنب. أخذ نيسول الداكن - وهو سارق خبيث - قضمات ضخمة من اليمين واليسار، وترك خلفه دمارًا كثيرًا. لكن نيسول الطيب، على العكس من ذلك، نظر إلى هذه الحقول من حوله بتوق ولكنه أطاع اليد التي تمسك بلجامه.في الوقت الحاضر تركنا الحقول وراءنا وعدنا مرة أخرى إلى ظلال الغابة. كان الطريق شديد الانحدار هنا وهناك فكنا نضطر للنزول عن البغال والمشي قليلًا. ومن ثم خرجنا نحو منطقة مليئة بالأراضي العشبية المليئة بالتبن، وعلمنا أنَّ كل هذا المكان يعود إلى سينيورا بيزي. وأنها تمتلك أربعة وعشرين من هذه المراعي هي حتى الآن، وأنَّ نصف الجانب الجبلي ينتمي إلى عائلتها من العصور القديمة. من هذه النقطة تمتد المراعي كحديقة غنية بالعشب وتتخللها كتل من الشوح والأركس. وعندما يرتفع الطريق تتناقص الأشجار وتصبح الورود البرية أكثر وفرة. بعد وقت قصير أصبحنا وسط حديقة كثيفة من البنفسج الأبيض والأصفر، أذن الفأر، الزنابق البرتقالية والخطمية، والبازلاء الحلوة البرية، القبس، والجريس الأرجواني. هنا، أيضًا، رأينا لأول مرة زهرة غريبة وبشعة تحمل قمة ليفية مثل الجوانب المعقوفة لأرجل العناكب يسمونها "Capelli di Dio" أو شعر الرب. يُطلق على "أذن الفأر" اسم "Fior di Santa Lucia" أو "زهرة القديسة لوسي". والبرسيم الأبيض الذي يعرف كزهرة برية في جنوب تيرول يطلق عليه هنا اسم "Fior di San Giovanni"، أو زهرة القديس جورج.عندما أنظر إلى الوراء الآن نحو مونتي ميغون، أرى أننا تجاوزنا منذ فترة طويلة ساسو دي رونش، الذي لا يبدو من هنا أكبر من مَعْلم؛ وقد أصبحنا بالفعل أعلى من أعلى قمة في جبل فريسوليت. في هذه الأثناء، يظل الندى الصباحي يرتفع في الكتل البخارية البيضاء من أعماق الوادي في الأسفل، مما يهدد باعتراض الرؤية. إذا ارتفعت هذه الكتل البخارية أكثر عند وصولنا إلى القمة، كما يبدو أنه من المرجح جدًا أن يحدث، فمن الواضح أنَّ فرصنا في رؤية مشهد بانورامي تتضاءل أكثر. والآن بينما نترك المنطقة البرية في الأسفل، يصبح الطريق الذي يدور حول مدرج ضخم في الجانب الجبلي حادًا للغاية، ويتجه صعودًا نحو المراعي الأخيرة. ومع ذلك، فالمزارعون يتنقلون منذ الأبد في هذه الأماكن البعيدة عن الصخور الزلقة، وقد تمكنوا منذ قرون من سحب عرباتهم القاسية إلى الأعلى والأسفل عندما حلول موسم جمع القش. يندفع البغلان عبر هذا الطريق ويصلان إلى المستوى الأخضر. عبثًا يصرخ كليمنتي ويهرول خلفهما، ولكنهما يندفعان بقوة حتى يصلا إلى جوف صغير بين الشجيرات والأعشاب العميقة، ويدفنان أنفيهما في مياه باردة كانا قد اشتماها من مسافة بعيدة.يلحق بهما كليمنتي وهو لاهث ويخرج رأسيهما من الماء، ويعنفهما. "يا أيتها الأم المقدسة! لم لا يهتما عندما أتحدث إليهما؟ يا أيتها الأم المقدسة! لمَ يشربا الماء البارد بينما هما ساخنان مثل الكعك الساخن في الفرن؟ يا إلهي! هل يريدان أن يمرضا ويموتا، فقط لإغاظة السيد الذي يحبهما؟ إيه، يال آذانهما الطويلة! هل هم أصمان؟ إيه، هذان البغلين! ألا يفهما الإيطالية؟"كان المكان عبارة عن هضبة عشبية طويلة، بها عددٌ قليلٌ من أشجار الصنوبر القديمة المتناثرة حولها، واثنين أو ثلاثة من الشاليهات المنخفضة. هنا ينتهي طريق العربات؛ لكننا ظللنا نمتطي البغال على طريق جيد لمسافة أبعد، ووصلنا إلى أرض في أقصى نهاية المرعى، ومن ثم انتقلنا أخيرًا على حافة واسعة تنتهي نحو الشمال الشرقي بواسطة منحدر طويل وحائط صخري عريض. تمتد هذه التلال إلى اليمين واليسار بعيدًا نحو شلالات وادي ضبابي لا يسبر غوره. تمتد غابة عظيمة تحجب الكتلة الغربية لمونتي بيزا بأكملها إلى الجنوب الغربي. باختصار، لا يوجد شيء فوق النقطة التي وصلنا إليها الآن سوى المنحدر المؤدي إلى القمة.قلت، "لكن أين القمة؟" ضحك كليمنتي وهو يهز رأسه، بينما يراقبنا ننظر بشغف نحو جدار الصخور فوقنا.وقال، "آه، لا سيدتي. يجب علينا ترك البغال هنا؛ ومن هذه النقطة، أمامنا ساعة من المشي. القمة على ارتفاع سبعمائة أو ثمانمائة قدم على الأرجح!"وتبين لاحقًا أنها أعلى من ألف قدم.يا إلهي! يحوم الضباب على هذا الجانب بسرعة مخيفة. يختفي وادي بيتورينا وجميع جوانب سوتوغودا بجانب المنحدر؛ لكن فال دي أليغي، سيفتا، وجميع القمم التي تقع على الجنوب الغربي من موقعنا، أصبحت مرئية الآن فقط بشكل متقطع حين تنجرف الأبخرة أو تتقسم. يطل فال بيويس على شنشنيجي وسيما دي بابي مثل مرجل ضخم يرسل كميات كبيرة من الأبخرة السريعة.من الواضح أنَّ الاستمرار في الوقت الحاضر عديم الجدوى؛ لذا فقد استخدمنا السروج كمقاعد وارتحنا على العشب بينما ترعى البغال، بينما أشعل الرجال الذين كانوا يتسلقون نحو القمة منذ أكثر من أربع ساعات سيجارهم واستلقوا في ظل صخرة كبيرة.نحن بالفعل فوق مستوى الأشجار هنا. تظهر زهور الألب والجنطيانا الزرقاء الداكنة ؛ لكن العشب في تلك الأنحاء ينمو رقيقًا وهشًا. وفقًا للخريطة فقد غادرنا بالفعل كابريلي وصرنا على ارتفاع أكثر من 3500 قدم. وهذا يعني، أننا ارتفعنا لأكثر من 200 قدم أعلى من ممر فيداجا، وما بين 20 و 30 قدمًا أعلى من ممر تري ساسي، حيث كنا قد وصلنا إلى مستوى الثلج هناك.استهلكنا نصف ساعة في حساب الارتفاعات ودراسة الخرائط ومشاهدة تقدم الضباب. في بعض الأحيان تشرق الشمس وتجعل الضباب يتفرق لبضع لحظات. في بعض الأحيان يتحرك الضباب كما لو كانت الريح تطارده، متنقلًا حول التلال، ويعمينا بوهجه الأبيض تاركًا الكآبة خلفه. قررنا المضي قدمًا نحو القمة. يعتقد كليمنتي، الذي يعرف المناخ، أنَّ الضباب سينقشع في منتصف النهار، وأننا ربما نكون قد وصلنا حينها إلى القمة للاستفادة من أي تغيير مفاجئ في الطقس نحو الأفضل. الساعة الآن 10.20 صباحًا، ولدينا ساعة كاملة من التسلق أمامنا. في هذه الأثناء تركنا الفتى الصغير الذي وجدناه على هذا الطريق ليكون مسؤولًا عن البغال، مع أوامر صارمة بعدم السماح لها بالتحرك بالقرب من حافة الهاوية على كلا الجانبين؛ - وهو الواجب الذي نفذه عن طريق الاستلقاء على الفور ووجهه في العشب الرطب والاستغراق في النوم.تقدمنا مجددًا ببطء ولكن بثبات، إلى أعلى المنحدر الطويل وإلى سفح جدار الصخرة المذكور. هنا ليست هناك عتبات جاهزة محفورة. علينا أن نتسلق بقدر ما نستطيع، والتسلق ليس بالأمر السهل. الشقوق الصغيرة التي يمكن استخدامها لتثبيت الأقدام توجد في أماكن متباعدة إلى حد بعيد لدرجة أنَّ الأمر يشبه تسلق درجات الهرم الأكبر. توقعنا رؤية بعض العلامات على اقترابنا من القمة بعد هذه الرحلة القاسية. ولكن على العكس من ذلك، فقد وجدنا أنفسنا بعيدين عنها على ما يبدو أكثر من أي وقت مضى. ولا يزال المنحدران الثاني والثالث يرتفعان أمامنا موحشين وقاحلين كالمنحدر الذي عبرناه بالفعل.حتى زهور الألب اختفت الآن، ولا يوجد أي نوع من الشجيرات لكسر رتابة السطح. لكن نبتة الجنطيانا تصنع سجادة زرقاء تحت أقدامنا. ونبتة كف الأسد التي نادرًا ما نراها في أي مكان أخر تنتشر هنا مثل العشب. في الوقت الحاضر مررنا بكومة ثلجية غير ذائبة أسفل القمة. ثم بدأ جيش كامل من القمم البعيدة بالظهور فجأة؛ وهكذا، بعد ست ساعات، وجدنا أنفسنا على القمة دون سابق إنذار!كان بإمكاننا بالطبع الحصول على يوم أفضل؛ لكن كان الأمر أشبه بجائزة أن نرى المشهد من الشرق والغرب خاليًا تمامًا من الضباب. لا تزال الأبخرة تغلي في الجنوب والجنوب الشرقي، ولكنها ليست بالقوة ذاتها التي كانت عليها منذ ساعة تقريبًا. في جميع الأحوال فإنها تتفرق من وقت لآخر، بحيث نرى في النهاية جميع القمم القريبة من تلك الأنحاء.الساعة الآن الحادية عشر والنصف ولم نتناول أي شيء من الساعة الخامسة تقريبًا، وجميعنا جياع لأننا على ارتفاع يتراوح ما بين أربعة إلى خمسة آلاف قدم بعيدًا عن مائدة الإفطار. لذا قبل محاولة التحقق من القمم، أو الارتفاعات، أو المسافات النسبية من أي نوع، فقد أعددنا مأدبة الغداء المكونة من الوجبة المألوفة من البيض المسلوق والخبز. أخذ كليمنتي كتلة كبيرة من الثلج، وأذابها في الشمس وخلطها مع قليل من البراندي، وصنع بيرة لذيذة باردة مثل الثلج نفسه.في خضم هذه الاحتفالية المقتصدة، رأى جوزيبي بعيني صياد شامواه متحمسة، خادمةَ إل. (التي كان يدعوها "سنيورا كاميريرا") على جسر كرديفولي خارج القرية. أنا وإل لم نرَ سوى بقعة سوداء صغيرة، لا تزيد عن رأس الدبوس. لكن كليمنتي تمكن من رؤية مظلتها الشمسية حتى. في لحظة نهض الرجلان وربطا منديل جيب بمظلة بيضاء مربوطة بعصا تسلق واستخدماها كإشارة. الإثارة التي سببها هذا الحادث لم تهدأ حتى تلاشت البقعة السوداء، بعد أن بقيت ثابتة على الجسر لمدة ربع ساعة، ومن ثم حُجِبت عن البصر في اتجاه كابريلي.انتهى الغداء، وانشغلنا بتفحص الخرائط لتحديد كل ما هو مرئي من البانوراما. نجلس الآن على حافة المنحدرات الصخرية الكبيرة التي رسمها كاتب قبل فترة وجيزة من أسفل ساسو دي رونش. 'إنَّ كل القمم والوديان الموجودة على هذا الجانب تنتشر أمامنا، مثل سطح خريطة ثلاثية الأبعاد. ننظر إلى مونتي ميغون ومونتي فريسوليت، وكلاهما أخضر في قمته، وتتناثر عليه قرى صغيرة، ومزارع، وحقول، وغابات التنوب. يقدر ارتفاع مونتي ميغون بحوالي 7838 قدم. لكن مونتي فريسوليت أقل بكثير. يتبدى وادي بيتورينا تحت أقدامنا، ويمكن للمرء أن يسقط حجرًا تقريبًا إلى ساحة روكا الصغيرة، حيث تجري الاحتفالات بسرور. يمكننا أن نرى الفلاحين يتحركون جيئة وذهابا بين الكنيسة ومقصورة بيضاء كبيرة على رأسها علم أحمر. عندما تهب الرياح بهذه الطريقة، فإنها تجلب أصداء باهتة من الأجراس، وعزف الفرقة النحاسية. أما بالنسبة للفلاحين فهم يبدون مثل سرب من الحشرات السوداء الصغيرة جدًا، وكلها تتحرك. يبدو مونتي فيرناتزا على اليمين أصغر بكثير من مونتي ميغون، ولكنه ليس منخفضًا مثل مونتي فريسوليه.وباستثناء سلسلة من الصخور البركانية الصخرية على جانب ممر أليغي، فإنَّ هذا الجبل أخضر وصالح للزراعة مثل الجبال الآخرى، ويبلغ ارتفاعه حوالي 6500 قدم. وهو ارتفاع كبير بالنسبة للجبال الصغيرة في جوارنا. القمتان الأكبر والأقرب (كل منهما يبعد لمسافة ميلين في خط مباشر) هما مارمولاتا وسيفتا. تشغل الأخيرة كل المساحة الجنوبية الشرقية للأفق. تتدفق كتل كبيرة من البخار من وقت لآخر عبر تلك الشاشة الشاسعة الممزقة؛ لكنها تنزل وتبتعد، وترفع القمة رأسها النبيل باستمرار إلى الأعماق الزرقاء الصافية للسماء العليا. يقف مارمولاتا بشكل جريء غير محصور حتى بخيط من البخار. رأى السيد غيلبرت هذا الجبل من ساسو دي دام، وقد قارنه من الناحية الغربية بقرطاسية ضخمة، جانبها الرأسي إلى الجنوب، ومنحدرها الثلجي الطويل إلى الشمال. ولكن هنا من الطرف الشرقي، فمن الواضح أنَّ المنخفضات الحادة التي تقسم القمم، تشبه على نحو غير مألوف القبعة الجاهزة المألوفة التي يرتديها نابليون الأول، يمثل الجانب المنحدر بالطبع مقدمة القبعة، والمنحدر الثلجي مؤخرة القبعة. تيار عظيم من الثلوج يكمن في شق الممر الضيق، وقد خُطِطَ كل المنحدر الشمالي بالفضة المطلية؛ لكن الأنهار الجليدية الكبيرة والثلوج التي تقع في اتجاه فيداجا غير مرئية من هنا.ترتفع البداية الخضراء لممر فيداجا، والطريق المتعرج المنخفض لمونتي بادون، إلى الشمال فقط من الطرف الشرقي لمارمولاتا، الذي تدعمه على هذا الجانب المنحدرات السوداء لسيرانتا. يبدو مونتي فيرنالي هنا كما يبدو للناظر من كانازي وكأنه مقابل مصغر لمارمولاتا، يرقد بالقرب من الجدار الجنوبي لجارته الضخمة، ويفصله عنها فقط منحدر أخضر صغير أعلى بكثير من ممر فيداجا، الذي يشير إليه كليمنتي باسم فورسيلا دي كونترين (9،052 قدم)، والمعروف أيضًا باسم فورسيلا دي فال أومبريتا، وباسو دي فال فريدا. ونحو الجنوب الغربي يمتد ساسو دي فال فريدا بلا اكتراث؛ خلفه قليلًا يأتي مونتي ريكوبيتا، المعروف محليًا باسم مونزون، والذي يبلغ ارتفاعه 8,634 قدمًا في الطول؛ وعلى نفس الخط ناحية الغرب يقبع مونتي لاتيمار، الذي ترتاح على قمته الأبخرة طوال اليوم. ترتفع جبال سيلا ماسيف التي تشبه الثلوج شمال غرب مارمولاتا، على بعد حوالي تسعة أميال، والتي لا نرى سوى قمتين فقط من قممها - بوي وكامبولونغو - من هذا الجانب؛ بينما ترتفع في الفتحة بين بوي ومارمولاتا صخرة وحيدة يطلق عليها اسم لانغ كوفل، ويبلغ ارتفاعها 10,392 قدم في الطول، وتبعد حوالي 13 ميلًا من مارمولاتا. لمحة صغيرة عن روزنغارتن تظهر أيضا في الفجوة فوق فورسيلا دي كونترين. بالعودة إلى النقطة التي بدأنا منها، وبالنظر شمالًا فوق قمة مونتي ميغون، فإنَّ الخط الضيق ذي اللون الثلجي في سيتاس ساس ينقسم من مونتي لاجازوي بواسطة ممر فالبارولا الذي يظهر الآن. ساسو ديستريا والتي تبدو مهيبة جدًا عن قرب، تبدو من هنا كصخرة هرمية صغيرة لا أهمية لها؛ تتضاءل قمة مونتي نوفو إلى قمة جبلية صغيرة على منحدر أخضر طويل؛ يمر طريق العربات في تري ساسي بين كليهما مثل الخيط الأبيض؛ ويظهر مونتي توفانا المتلألئ والمغطى بالغيوم قمته الهرمية عندما يتلاشى الضباب لبضع لحظات. نحصل على لمحات ضبابية من توفانا لقمم كريستالينو، كريستالو، دري زينيين، سورابيس وكوردا مالكورا؛ وتقسمهم روشيتا والقمة الجبلية الرائعة لبي دي ميزودي مثل السياج؛ بينما إلى الشرق يظهر بيلمو بين الحين والآخر، واضحًا تمامًا من القاعدة إلى القمة. بين بيلمو وكوردا مالكورا يظهر جزءٌ من مامورلاتا ومنحنى أنتيلاو من خلال الفتحات الشبيهة بالنافذة في السحب. وأخيرًا، بدءًا من الشمال الغربي إلى الشمال الشرقي، في ذلك الاتجاه وحده يكون الأفق واضحًا بشكل دائم، ننظر إلى بحر من القمم البعيدة جدًا التي تصل بعيدًا إلى قلب شمال تيرول. للأعلى قليلاً وإلى يسار سلسلة سيت ساس، ندرك بمساعدة الخريطة أعلى قمم جبال زيلرثال: - فوش ستاين بالقرب من ممر برينر، يبلغ ارتفاعه حوالي 11،45 قدمًا؛ تتراوح قمم جبال هورنشبيتسن من 10,333 قدمًا إلى 10,842 قدمًا؛ ويبلغ ارتفاع هوشفيلر 11.535 قدمًا. نحو الشمال الشرقي قليلًا، بالضبط فوق سيت ساس، تمتد خطوط ثلجية طويلة متوهجة في الشمس في منتصف النهار تتميز جبال أنثولزر خلف برانك، وأعلى نقاطها هي ويلدقال (10,785 قدمًا)، وشنبيج نوك (11,068 قدمًا) وهوشقال والذي لا يزال كما أعتقد مجهولًا، ويبلغ ارتفاعه 11284 قدمًا. ويعتقد كليمنتي أنه يرى قمتي دري هرن (11,492 قدمًا) وفنديغير (12,053 قدم) نحو أقصى الشمال الشرقي. ويبعد هذان الأخيران أربعين ميلًا تقريبًا. انتقلنا الآن من النصف الشمالي حيث يكون كل شيء واضحًا إلى حد كبير، ووصلنا بشكل مخيّب للآمال بشكل مفرط إلى الجزء الذي يتدفق فيه الضباب في الجنوب؛ والذي ربما يتلاشى هنا وهناك في بعض الأحيان، كما لو أنه حُرِكَ فجأة بفعل الرياح من الجنوب الغربي، ليظهر الجدار الهائل لـ سيمون ديلا بالا؛ يظهر كاستلازو قبالة ممر كوستونزيلا، وخلف كاستيازو، و سيما دي أليغي؛ وتظهر كل قمم بريميرو الكبيرة في لمحات منفصلة، من بالا دي سان مارتينيو إلى ساسو دي كامبو. يتأرجح "باين دي سان لوكانو"، الذي يظهر من الجانب الجنوبي، بين الحين والآخر، كما يفعل المخروط البركاني لسيما دي باب. لا يمكننا التكهن بما يمكن رؤيته في هذا الجانب في ظل ظروف أكثر ملاءمة؛ ولكنني أعتقد أنَّ المشهد من الجزء الجنوبي، بما في ذلك مجموعة بريميرو، ستكون أفضل من مونتي بافيوني، الذي يبعد حوالي 200 قدمٍ عن ساسو بيانكو. وكما هو الحال، حين بان حجاب نصف الأفق باستمرار، نجحنا في تحديد القمم العظيمة الأكثر أهمية، بما في ذلك جميع قمم الدولوميت. من المخيب للآمال دائمًا ألا يكون باستطاعة الكاتب تقديم أي نوع من الخطوط العريضة للمشاهد البانورامية، مهما كان الوضع قاسيًا في القمة. ولكن كان من غير المجدي أن نحاول في ظل مثل هذه الظروف المعيبة، حيث لم تكن القمة واضحة سوى بما يعادل خمسًا وأربعين درجة طوال الوقت. في ما يتعلق بارتفاع "ساسو بيانكو"، أعتقد أنه لا يمكن أن يكون هناك شك في أنه يتجاوز الـ 8000 قدم. لا شك أنَّ المسافر الأكثر خبرة في استخدام الخرائط سيكون قادرًا على تحديد هذه المسألة في نطاق بضعة أقدام؛ لكنني يجب أن أكون قادرة على إعطاء قياس محدد بشكل كبير لو استطعت. لقد لاحظنا نقصًا شديدًا في السوائل على طول الطريق من كابريلي إلى القمة، ووجدنا أنه يظهر انخفاضًا مساويًا لارتفاع 4500 قدم. هذا (دون أي تصحيح لدرجة الحرارة المتوسطة لعمود الهواء بين المحطات العلوية والسفلية) إذا أضيف إلى الارتفاع الذي يقف عنده كابريلي فوق مستوى سطح البحر، والذي يبلغ 3768 قدمًا - سيعطي ارتفاعًا يصل إلى 8776 قدمًا. ومع ذلك، تختلف درجة الحرارة اختلافًا كبيرًا، فقد كانت الحرارة شديدة عندما كنا نلتف حول الجبل من الشرق إلى الجنوب، وتغيرت إلى البرودة والرطوبة فجأة عندما وصلنا إلى المنطقة الضبابية على عمق ألف قدم تحت القمة. لم ترتفع هذه السحب الضبابية أبداً إلى قمة القمة الفعلية خلال الساعتين اللتين بقينا خلالهما على القمة. على العكس من ذلك، تشرق الشمس دون انقطاع، ولابد أنَّ درجة الحرارة قد كانت تتراوح بين 70 إلى 75 درجة مئوية". لن أخوض في الاستدلال بالنتائج من هذه الملاحظات غير الكاملة، فقد قدمت ملاحظاتي إلى متسلق جبال بارز، والذي أفضِّل رأيه بكلماته الخاصة: - "بافتراض أنَّ درجة الحرارة على التوالي 50 درجة و 70 درجة، يجب أن نحصل على تصحيح بـ 280 قدمًا ويجب إضافته إلى الـ 4,500 قدمًا. سوف يصل الارتفاع بعد ذلك إلى 3,376 + 4,500 + 280 = 8,156 قدم؛ لذا أعتقد أنه يمكنك أن تحسبي ارتفاعه بأمان لأكثر من 8000 قدم. لقد تحدثتِ عن أنَّ القمة أعلى من قمة مونتي ميغون بـ 400 إلى 600 قدم. والآن يبلغ ارتفاع ترينكر 7,838 قدم، مما سيجعل ارتفاع ساسو بيانكو 8,238 أو 8,438 قدم؛ وبهذه الطريقة أيضًا تحصلين على تقدير يفوق الـ 8000 قدم". في الوقت الحاضر، وحتى يقوم مسافر أكثر كفاءة بتحديد هذه النقطة بدقة، فقد يصل ارتفاع ساسو بيانكو لما يتجاوز الـ 8000 قدم.بعد أن أمضينا ساعتين على القمة، ولم نرَ أي أمل في أي تغيير للأفضل على الجانب الجنوبي، حزمنا أشياءنا على مضض ونزلنا. في الوقت الذي وصلنا فيه إلى مراعي سينيورا بيزي، كان الاحتفال يوشك على الانتهاء في روكا، وكان الفلاحون الذين يعيشون في المزارع والبيوت المتناثرة في مونتي بيزا يعودون إلى منازلهم. سألنا الجميعُ: ما إذا كنا قد حصلنا على مشاهد جيدة؛ ما إذا كنا متعبين للغاية؛ ما إذا كنا قد وجدنا الأمر صعبًا؛ وكم من الوقت استغرقنا للوصول إلى القمة.قال رجل مُسِنٌّ، "برافو! برافو! سنيورا. لقد تسلقتم جبلنا؟ إنه جبل جميل! . . . لكنكم أول غرباء يهتمون باستكشافه فعلًا".كنت مسرورة لرؤية غبطتهم وشعورهم بالإطراء جراء ذلك؛ فقد رأوا بعثتنا كمجاملة غير مباشرة لهم، كما لو أنهم ولدوا وتربوا على الجبل.وصلنا في النهاية إلى كابريلي حوالي الساعة الخامسة والنصف. لقد استغرقت رحلتنا السابقة اثنتي عشرة ساعة ونصف: - أي أننا استغرقنا ست ساعات للوصول إلى القمة، بما في ذلك التوقف؛ و ساعتين على القمة وأربع ساعات ونصف للنزول.كان بإمكاننا أن نحظى بيوم أفضل كما قلت سابقًا. كان بإمكاننا أيضًا (بوجود خط متواصل تقريبًا من الوديان، ولا توجد سلسلة جبال ذات أهمية بينها)، أن نرى مباشرة من حدود فينيسيا والبحر الأدرياتيكي في الجنوب؛ إلى بحيرة غاردا في الجنوب الغربي؛ وربما، إذا لم يكن مارمولاتا يعترض الطريق، كان يمكننا رؤية قمة أولتر إلى الغرب. على أي حال، كان المشهد نحو الشمال والشمال الغربي جيدًا للغاية؛ والمشهد القريب لمجموعة الدولوميت المحيطة بأكملها (والتي هي أكثر انحرافًا من أي قمم بعيدة والتي يمكن رؤيتها باستمرار من مرتفعات أخرى) الأكثر أهمية. فكرت في الواقع لو أنَّ هناك أي نقطة أخرى يمكن من خلالها رؤية جميع عمالقة المقاطعة في آن واحد، وبها الكثير من المزايا. _________________________بتكليف ورعاية من الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، وبدافع من حب المعرفة والسعي لنشرها قامت القرية الإلكترونية بتوفير هذه النسخة من الكتاب وسوف نقوم بنشرها على حلقات تباعاً هنا في جوجل بلس نأمل أن تحوز إعجابكم وأن تكون مساهمة في #نشر_المعرفةصفحتنا الرسمية في فيس بوك :https://www.facebook.com/mohammed.suwaidi.poet/منصتنا في جوجل بلس لمتابعة باقي مشروعاتناhttps://plus.google.com/+HisExcellencyMohammedAhmedAlSuwaidi?hl=ar(جميع الحقوق محفوظة), Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi....
اعرض في فيس بوك , Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi قمم غير موطوءة وأودية غير مطروقةالباب الحادي عشر - فاسا ثال وممر فيداجاتأليف:إيمليا إدواردزترجمة: سماح جعفر--- قرية في فوهة البركان - بريدازو وتجارتها - الازدهار مقابل....
اقرأ المزيد ... قمم غير موطوءة وأودية غير مطروقةالباب الحادي عشر - فاسا ثال وممر فيداجاتأليف:إيمليا إدواردزترجمة: سماح جعفر--- قرية في فوهة البركان - بريدازو وتجارتها - الازدهار مقابل الروعة - صور من الحضارة الإتروسكانية - وادي أفيسيو - موينا - الرخام السماقي لفيسا ثال - فيغو و البتول البدينة العاصمة - مونتي فيرنالي - مضيق أفيسيو - جبل فيداجا وبحيرة فيداجا - مضيق سهوغودا مرة أخرى - العودة إلى كابريلي. ---يرى المراقب غير الملم بالمبادئ العلمية من النظرة الأولى أنَّ بحيرات ألبانو ونيمي تحتلان فوهات البراكين المنقرضة. تشبه الفوهات المتميزة هناك الكأس، وتخبر قصتها الخاصة. يجب عليك تسلق أحد الجبال لتتمكن من رؤيتها. وعندما تقف على حافة؛ - فستتمكن من رؤيتها في الأسفل؛ تمشي حولها؛ أو قد تنزل إلى مستوى الماء "في الأسفل". لا شيء يمكن أن يكون أكثر وضوحًا، أو أكثر إرضاءً. ولكن من المذهل أن يتم إخبارك أنَّ بريدازو تحتل فوهة بركانية منقرضة، وأنَّ الجبال التي تطوقها من جميع الجوانب - مثل مونتي مولات، ومونتي فيسينا، وفيشورن وغيرها - تتكون من صخور نارية، مثل الحمم البركانية، تم إلقاؤها من هذا المحور القديم الذي يعود إلى فترة بعيدة من التاريخ الجيولوجي التي يصعب قياسها.هنا لا يوجد مخروط ولا جبل ولا مدرج صخري من المنحدرات المتقاربة؛ لا شيء، باختصار، في التربة الغرينية أو في المرتفعات المحيطة التي قد تتواءم مع أفكار المرء حول المشهد البركاني.يجب أن يكون هناك مركز ثوران عظيم هنا كما أخبرنا ريتشثوفن وآخرون، يتفجر مرارًا وتكرارًا، وفي كل مرة يرمي نوعًا مختلفًا من الصخور - أولًا السيانيت ثم الغرانيت التورماليني؛ ثم الرخام السماقي؛ ثم الصخور الداكنة؛ ثم، الأهم من ذلك، الصخور النارية، والسيانيت البرورفيري الفريد، الذي يشتهر بالبلورات، وغير معروف في مكان آخر. هذا التنوع الكبير في مادة صخور بريدازو، والثروة المعدنية الهائلة الناتجة عن هذا التنوع، هو ما اجتذب لأكثر من قرن من الزمان هذا العدد الكبير من رجال العلم من جميع أنحاء أوروبا.المدينة الآن هادئة كفاية، باستثناء ما يتعلق بنشاطها التجاري - يقال إنها تحتل مركز الفوهة القديمة. وهي تقع في منتصف الطريق بين كافاليس وموينا، عند تقاطع وادي فيمي أو وادي فليمس مع وادي ترافيغولو. إنه مكان مزدهر للغاية. وعلى الرغم من أنَّ لسان قومها إيطالي، إلا أنهم نمساويون بالكامل في تعاطفهم، ويُزَعَمُ أنهم أتوا من سلالة توتونية. هم أذكياء بشكل خاص، كادحين، وحيويين. لديهم وادي خصب يعرفون كيف يزرعونه، وجبال غنية بالمنتجات المعدنية التي تتطور بسرعة وبنجاح. وباعتبارهم حرفيي حديد، تجار قش، ومقاولين متعاقدين، فإنهم يمارسون تجارة شمالية واسعة، ويسافرون سنويًا لأغراض التجارة في ألمانيا والمجر وترانسيلفانيا وسويسرا. تعطي مسابك الحديد الكبيرة والمطاحن المتزايدة جوًا غير مرغوب من النشاط إلى المكان. تتنامى أعمال جديدة، ساحات جديدة، مساكن جديدة وكبيرة بسرعة في كل اتجاه. أقيمت مؤخرًا كنيسة قوطية جديدة ذات سقف أنيق من البلاط الملون بالأحمر والأخضر والأصفر، على الجانب الجنوبي من القرية وأصبح المكان مركز ضاحية متزايدة؛ يقال إنَّ المدارس ممتازة؛ وقد أخبرني كاهن مستنير بمعظم التفاصيل السابقة، وقال إنَّ الأطفال مليئون بالروح والذكاء. كما أخبرني أنه لا توجد الآن أي أسرة نبيلة في بريدازو. ولكن فقط طبقة وسطى إقليمية وتجارية غنية. وقُدر إجمالي عدد سكان المكان بما يزيد عن 3000 نسمة. الإزدهار والروعة، ولحم الخنزير، لا يسافرون يدًا بيد؛ ويجب الاعتراف بأنَّ هذه المسابك وساحات الخشب لا تضيف إلى الجمال الرعوي للوادي. إنهم يفسدونها على الفنان، تمامًا كما أفسدت المصانعُ التي تم إنشاؤها خلال السنوات العشرين الأخيرة؛ وادي غلاروس الخيالي في سويسرا. ومع ذلك، بين المنازل الخشبية في الجزء القديم من القرية، حيث تغسل النساء خضرواتهن ويفرغن أباريقهنَّ في النافورة الحجرية في منتصف الشارع، يمكن العثور على بعض المواضيع الشبيهة. الكنيسة القديمة بجرسها التريولي المميز وسقف الجملون الحاد، تعود إلى القرون الوسطى الساحرة. يمكنك رؤية المروج في الجزء الخلفي من صحن الكنيسة، والتطلع إلى وادي ترافينغولو مباشرةً. بدا جبل فيزانا يرتفع قبالة الأفق البعيد، وبدا لي كأنه يستحق رسمًا دقيقًا.وبينما كنت أقوم بإعداد الرسمة - في ظلال ضريح صغير بين المسارات - جاء جنديان نمساويان، وظلا ينظران إلى المكان. كانا رفقيين بسيطين ودودين من سكان ترينت المحليين، وقد كانا يقيمان مع ثلاثة جنود آخرين من فوجهما في بريدازو. ولما لم أكن أدرك أنهما يعملان كشرطة محلية ودورية عسكرية في الوقت نفسه، سألتهما عما يتطلعان للقيام به في هذا المكان الهادئ.قال أكثرهما حديثًا، "كلا يا سيدتي لدينا عمل كثير بين أيدينا لنقوم به. فنحن نقوم بدوريات في الغابات والطرق والمسارات لمسافة اثني عشر ميلًا في كل اتجاه ليلًا ونهارًا على حد سواء. جولاتنا طويلة ومرهقة - فترات الراحة وجيزة جدًا. نحصل على يوم واحد للراحة في كل سبع ليالٍ، ولليلة واحدة في كل أربعة أو خمسة ليالٍ.علمت بعد ذلك أنه كان هناك خمسة جنود آخرين يقيمون في كافاليس، وكثيرون في موينا، وهكذا في جميع المدن الصغيرة؛ وطبقًا للانطباع العام فقد كان هؤلاء الرجال يعملون أكثر من طاقتهم.كان نزل نافي أودور (السفينة الذهبية) (دون الانتقاص من النزل في كابريلي أوبريميرو) بلا شك أفضل النزل التي مررنا بها خلال الجولة بأكملها.المنزل كبير، نظيف، ومؤثث بشكل جيد؛ الطعام ممتاز؛ والإقامة جيدة من كل الجوانب. المالك - الذي يدعى فرانشيسكو غياكوميللي - رجل رزين، مطلع في علم المعادن وعالم جيولوجي، وقد أحس بالفخر بإخبارنا عن العلماء اللامعين الذين زاروا من وقت لآخر منزله واستكشفوا الحي تحت إشرافه. وهو يحتفظ بمجموعات من المعادن المحلية للبيع، وقد ذهلنا لرؤية بلورات الأورثوكلاز بينها فقد كانت كبيرة وجميلة بشكل استثنائيِ.وقد رأينا بين هذه البلورات في صندوق عرض العينات الخاص بالسيد جياكوميللي، سوارًا صغيرًا من البرونز من نمط الأتروسكان مصنوعًا بطريقة دقيقة للغاية، مغلفًا بالصدأ الأخضر من العصور القديمة. وعلمت أنه تم اكتشافها مع أشياء مشابهة أخرى خلال إنشاء الطريق الجديد بالقرب من قرية زيانو المجاورة.يضم الاكتشاف سيفًا، طوقًا معدنيًا، عددًا من الدبابيس البرونزية، والعديد من الأساور. كل تلك الأشياء باستثناء هذا السوار تم شراؤها على الفور بواسطة رجل فيينى تصادف أنه كان يقيم في بريدازو في ذلك الوقت. من الواضح أنه لم يتم العثور على أي مزهريات، ولم تكن هناك إشارة إلى أنَّ صانعي الطرق قد اقتحموا مقبرة. بدا كما لو أنَّ محاربًا قد سقط في تلك البقعة تمامًا وتم دفنه على عجالة. من جهة أخرى فإنَّ هذا السوار الصغير (الذي ضلَّ طريقه عن طريق الخطأ وهرب من جامع التحف الفييني، ومن ثم قمت بشرائه بنفسي) كان من الواضح أنه يعود لامرأة. من المثير للاهتمام معرفة أنَّ مثل آثار هذه الهجرة الشمالية للأتروسكان عندما كانوا مطاردين بواسطة الغال من مستوطناتهم في بو، تم العثور عليها في ماتري، سوننبرغ، وأماكن أخرى من جنوب التيرول: - واحد من الاكتشافات الكبيرة كانت العثور على دلو برونزي منقوش بالقرب من مصب فال دي كيمبرا (وهو في الواقع امتداد لوادي فييم في الغرب) في عام 1828. لقد رأيت بنفسي، في متحف السيد سارتوريس في بريميرو، مزهرية صغيرة على شكل قارورة كروية من صلصال أصفر مع زخرفة حمراء، لم أتشكك أبدًا أنها من صنع الأتروسكان، وقد أخبروني أنه وجدها بنفسه في مكان غير بعيد عن المدينة.سوف أحكي أكثر عن الاكتشافات الضخمة الرائعة التي تمت في سانت أولريش في غرودنر- تال، عام 1848، والأشياء الإترورية المشهورة التي عثر عليها في تلك المقابر.يعتبر نزل السفينة الذهبية في بريدازو منزلًا قديمًا مثيرًا للاهتمام، وقد كان ينتمي إلى عائلة جياكوميللي لعدة قرون. كان آل غياكوميللي كما قلت في مكان آخر نبلاء في يوم من الأيام، وما زالت شعارات النبالة خاصتهم تزين العديد من المداخل المنحوتة القديمة والسقوف وقطع المداخن في منزل أجدادهم؛ لكن ذلك كان منذ فترة طويلة، وقد صاروا نزليْن منذ أكثر من قرن. الكتاب الذي يوقع فيه زوارهم عبارة عن مجلد موقر، ويحتوي بجانب التوقيعات غير المهمة التي تملأه، على توقيع خطي لألكسندر فون هومبولت ، فوش، ريشتهوفن، السيد رودريك مورشيسون، وجان بابتيست إيلي من بومونت، وغيرهم من المشاهير الأوروبيين. لكنْ بعض صائدي الأوتوغرافات الشنيعين قاموا بسرقة واحد من أعظم الكنوز التي احتوى عليها الكتاب - توقيع مكتشف نجمة جورج.هنا أيضًا، من بين أحدث التوقيعات، ترك الدكتور راينهارت من ميونيخ تحذيرًا في الجملة البليغة التالية: - "Viator! Cave Tabernum Bemkart in Campidella!"كان هذا التحذير المشؤوم - الذي كان مثيرًا للإعجاب أكثر لكونه مبهمًا للغاية - هو سبب تقريرنا عدم قضاء ليلة، أو حتى راحة منتصف النهار، في النزل المعني. تساءلتُ كم من المسافرين منذ ذلك الحين قد قبلوا تحذير الطبيب مثلنا؟ وماذا كان سيحدث لنا إذا أهملنا ذلك التحذير؟لا يمثل "فال فييم" أو "فيلمس تال" (الذي يقع في منتصفه "بريدازو") سوى جزءٍ واحدٍ من الوادي المتعرج الطويل جدًا الذي يُطلق عليه جزئيًا "فال فاسا"، جزئيًا "فال فييم"، جزئيًا "فال كيمبرا"، والذي يبدأ بـمصب أفيسيو في ذلك المنخفض بين مارمولاتا و مونتي بادون والذي يعرف باسم ممر فيداجا، وينتهي حيث سيل ديبوزس في نهر إيساك في لافيس، سبعة أميال شمال ترينت. الاسم الجماعي لهذه السلسلة من الوديان هو وادي أفيسيو. وباستثناء الطرف العلوي لفاسا، فإنَّ هذا هو الأقل جمالًا من أي جزء يأتي ضمن بوصلة رحلتنا.تركنا بريدازو بعد يوم واحد من الراحة - لكن ما هو جذاب للجيولوجيين وأخصائيي المعادن، فإنه لن يكون ممتعًا للزوار غير المتخصصين - سافرنا بعد ذلك على طريق الوادي لقضاء بضع ليال في فيغو في فاسا ثال، ومن ثم إلى استكشاف روزنغارتن، وبعدها صعود ساسو دي ميغوني.كان اليوم غائمًا عندما بدأنا وكانت أمامنا رحلة مملة إلى حد ما. تمتد طريقنا في البداية بين مجموعة مزدوجة من التلال المنخفضة المكسوة جزئيًا بغابة صنوبر، وجزئيًا بأشجار منخفضة. هذه التلال التي تكونت من الصخور النارية الداكنة التي ألقيت من فوهة بريدازو، تخفي القمم العلوية وهي ليست رائعة على الإطلاق. بعد وقت قصير ظهر طريق مستقيم على بعد أميال من قرية موينا. خلال السير في هذا الطريق بدأت قمم دولوميت قليلة في الظهور هنا وهناك فوق التلال الجرداء إلى اليسار. وإلى الأمام مباشرة، أبعد من موينا، ارتفع مونتي بو وبدا وكأنه حصن هائل على قاعدة كبيرة من الصخور، تختفي أبراجه فوق السحاب. يُعرف مونتي بو أيضًا باسم مونتي بوردوي، إلى أقصى الجنوب من قمم سيلا ماسيف الضخمة. وقد تسلقه الدكتور غرهمان وقد كان ارتفاعه يصل إلى 10341 قدم.عند مرورنا بموينا - وهي قرية كبيرة مكسوة بالأخشاب - وعبور الجسرين، تركنا الطريق المرتفع وسلكنا طريقًا منزلقًا على الضفة المقابلة من الجدول. إنه الوادي نفسه، و الماء نفسه. ولكن هنا فوق موينا، يطلق عليه اسم فاسا ثال. وبالنظر إلى الأسفل من هذه الأرض المرتفعة نرى المشهد المطل على جبل لاتيمار (8،983 قدم) وغابات تنوبه الشاسعة؛ في حين ظهرت القمم البرية لروزنغارتن ولانغ كوفل فوق المنحدرات السفلية لكوستا-لونغا.يبدأ الرخام السماقي المشهور لفاسا ثال في الانبثاق في بقع قرمزية بين التلال السفلية في تناقض ثري مع قمم الدولوميت الشاهقة المرتفعة في البعيد، ومن ثم تظهر في جدران الجرف التي تقع على حدود أفيسيو في الأسفل. يتشكل عمودان من الحجر السماقي حيث يأخذ التيار انحناء مفاجئًا على كل جانب، ويشكلان بوابة طبيعية تندفع من خلالها المياه بتهور.الآن عبرنا مجرى النهر مرة أخرى، ومررنا عبر قرية سوراغا. هنا، كل شيء ما عدا العشب والأشجار، قرمزي. الحقول المحروثة قرمزية؛ الوحل بالأقدام قرمزي؛ الجدول الصغير الذي يجري أسفل الوادي على جانب الطريق قرمزي؛ البرك قرمزية أيضًا. حتى الطرق يتم إصلاحها بالحجر السماقي، وقد كوُمِت كُتلٌ كبيرة منه على جانب الطريق، في انتظار مطرقة كسر الحجر.يبدو أنَّ السماء التي كانت قاتمة طوال اليوم، تنزل إلى أسفل أكثر، مثل ستارة رمادية ثقيلة. بدأ الهواء يبرد. انتشر لون خفيف من الرصاص على الأرض؛ وبدا أنَّ الطريق الطويل الباهت الذي نعبره يصبح أطول وأكثر كآبة كلما اتبعناه أكثر. بعد فترة رأينا قرية فيغو، وهي قرية على تل مرتفع على الجانب الأيسر، مدعومة بالمنحدرات العالية لغابات التنوب. هناك مسار شديد الانحدار يؤدي إلى القرية، يطل على الشمال الشرقي حيث لا يزال الأفق واضحًا، ومن خلاله حصلنا على لمحة سريعة لجبل مارمولاتا. وها نحن الآن يقودنا فتى مبتسم ويضع بعض الفراولة البرية في قبعته ويدعى ريزي، ابن ريزي الكبير الذي يدير النزل هنا في فيغو - بيت كبير، مظلم، كئيب، يقع مدخله قبالة سقيفة قذرة أعلى درج ويبدو كما لو أنه لم يتم تنظيفه خلال نصف القرن الماضي. هنا استقبلتنا ابنة المالك، وهي آنسة بدينة ومتوردة الخدين مليئة بالنشاط وروح الدعابة، وقد بذلت قصارى جهدها لجعلنا موضع ترحيب. ومع ذلك، فقد كان النزل ممتلئًا تمامًا، باستثناء غرفة واحدة كبيرة مضلعة مع نوافذ تطل على الشرق والشمال، وسقف يرتفع حوالي سبعة أقدام من الأرض. وقد كنا محظوظتين لتأمين تلك الغرفة حتى؛ لأنه قبل نصف ساعة من تأجيرنا للغرفة وصلت مجموعة من المتسلقين الألمان الجائعين والمزعجين، الذين يستيقظون مبكرًا للتسلق بالحبال وفؤوس الجليد والأحذية المكسوة بالمسامير. ربما تسببت الأمسية الباردة والممطرة، ووجبة العشاء التي لا تقدم في وقت محدد، والجيران الصاخبون في الغرف المجاورة لنا، بشكل غير عادل، في أن لا نكون انطباعًا جيدًا عن فيغو. كان المنزل أيضًا مليئًا بروائح كريهة؛ كما أنَّ كومة السماد في ساحة الأبقار تحت إحدى نوافذنا لم تساعد في تحسين الجو. لذلك عندما جاء الصباح، جالبًا بحرًا من الضباب الأبيض الذي أخفى جميع قمم الجبال، قررنا أن نبدأ رحلتنا في أسرع وقت ممكن. حاولت المضيفة البدينة أن تقنعنا عبثًا بأنها ستمطر اليوم بالتأكيد، وأنه علينا أن نؤجل الأمر حتى الغد حيث سنكون محاطين بالمناظر المذهلة والطقس الرائع. عبثًا استنفذت بلاغتها لإخبارنا بخطورة عبور ممر فيداجا في الضباب والمطر. لم نكن نعتقد أنه سيكون مبللًا. كنا نعرف أننا يمكننا أن نعبر ممر فيداجا مرة أخرى نحو كابريلي في أي يوم نختاره. ولكننا كنا مصممين على العودة إلى المنزل.لذا، فحوالي الساعة السادسة والنصف صباحًا كنا على الطريق مرة أخرى، فرحين بالابتعاد عن فيغو، وآملين أن يكون يومًا محتملًا.إنه صباح حلو طازج. تتدحرج الأبخرة وتتصاعد، وتنفصل الغيوم، وتبتعد عن أشعة الشمس الساطعة ومن ثم تعبر جوانب التلال. لكن قمم الجبال ما زالت محجوبة بجمهرة من الضباب الناعم والأبيض، وتظهر أجزاء منها فقط هنا وهناك. ومع ذلك وبوثوقنا في أنَّ الطقس سيكون جيدًا ضحكنا على حديث المضيفة البدينة وتقدمنا في طريقنا بغبطة. ازاداد الوادي جمالًا عند كل منعطف. عندما وصلنا مازين وجدناها قرية صغيرة خلابة مع خلفية يرسمها الوادي والشلال، وعندما اقتربنا من كامبيديللو تطلعنا بحماس إلى قمم الدولوميت الغريبة التي تعلو القرية. كان الضباب سميكًا، ولكن ها هي القمم هناك تلتمع بلون رمادي كالأشباح. هنا أيضًا يقع النزل الصغير الذي حذرنا منه الدكتور راينهارت من ميونيخ. بدا من الخارج جميلًا نوعًا ما لكن رؤية قزمين متسخين وقبيحين للغاية - رجل وامرأة - على الشرفة يحدقان فينا جلعنا راضيين تمامًا عن تجاوز المنزل.عندما صعدنا قليلًا في الوادي وصلنا إلى قريتي غريس و كانازي؛ توقفنا لبضع دقائق فقط في كانازي لإطعام البغال، ومن ثم أسرعنا نحو فيداجا. لا يزال المشهد يزداد جمالًا. على سفوح التلال منحدرات الذرة والغابات والمراعي؛ في الوادي، جدول هائج يتدفق بين أشجار النُّضَار والصنوبر. بعدها يظهر جبل هرمي أسود ومتعرج على جانب ومغطى بالثلج على الجانب الأخر، على رأس وادي مفتوح على اليمين. حسبناه في البداية مارمولاتا؛ لكننا اكتشفنا بعدها أنه مونتي فرنيل، وهو جبل أقل شهرة ولكنه أكثر صعوبة، يبلغ ارتفاعه 9،845 قدمًا.انعطف الطريق الآن نحو اليسار، ليربط بين القرى الصغيرة البائسة في ألبا وبينيا، وارتفع بسرعة من خلال ممر صخري كبير يصبح أكثر وحشية كلما صعدنا فيه أكثر. كانت المنحدرات الحادة تغلقه من جانب، والمنحدرات الجرداء التي تتصادم مع الصخور المتعرجة من الجانب الآخر. بدا شلال أفيسيو مثل جدول صغير يتسلل من صخرة إلى أخرى في شلالات صغيرة لا تعد ولا تحصى. أشجار الشوح والأرزية المنتشرة في الأنحاء صنعت سقفًا أخضرًا فوق رؤوسنا، وقد غُطِي المسار بسجاد من الأشواك العطرة وكانت البغال تتدحرج عليه بلا ضجة. في الوقت الحاضر، ننتظر رؤية شلال ينبع من الأعلى وينزل ليصطدم بالمنحدر الكبير إلى اليمين، وينحدر بقفزتين جريئتين، ويختفي وسط أعماق الغابة أدناه.المضيق الآن أقرب وأكثر حدة، وقد حُدد مسارنا بواسطة درابزين يطوق صخرة ضخمة أمامنا مباشرة. المكان هنا شديد الانحدار وزلق وغير مناسب لامتطاء البغال، لذلك فقد مشينا.واحسرتاه! كانت المضيفة البدينة محقة في النهاية. الضباب الذي كان ينحرف قليلًا عن وجوهنا خلال النصف ساعة الأخيرة، ازدادت عزيمته الآن وأصبح مطرًا غزيرًا. تقدمنا خلال الطريق الصخري مبتلين وصامتين وتمنينا العودة إلى فيغو. قال كليمنتي إننا سنصل إلى بعض الشاليهات وسُقُفِ الماشية بعد ساعة؛ ولكن لا توجد تكية في الأنحاء، كما هو الحال في معظم الممرات الأخرى. ومع ذلك، عندما وصلنا إلى أسوأ درجة من الانحدار وجدنا "محطة" ممتدة قبالة الصخر؛ وتؤدي إلى كنيسة صغيرة لا تتجاوز بكثير حجم كشك الحارس، والتي شعرنا بالامتنان لاتخاذ مأوى داخلها بشكل مؤقت. زُيّنَ المذبح الصغير بصورة تمثل صلب المسيح وبعض الأزهار البرية في كأس مكسور، الشموع النذرية التي شكلت على هيئة قلوبٍ، أذرعٍ، أرجلٍ، أعين وما شابه؛ صندوق صغير به شق في غطائه تم وضعه بشكل آمن في محراب في الجدار لاستقبال الجندي الضال.أخذنا نجفف ثيابنا من مياه الأمطار فرحين بالدقائق القليلة التي سنقضيها بعيدًا عنه، وتقاسمنا مع الرجال ما تبقى لدينا من الخبز والنبيذ. لم ننسَ البغال الرطبة، وقدمنا لها بعض الخبز، وقد واستهم إل. بقطع من السكر.كانت الأمطار تتدفق عندما هممنا بالتحرك مجددًا، واستمرت في التدفق بثبات. استمر تقدمنا لساعة كاملة أخرى في ظل هذه الظروف الممتعة، دائما على أقدامنا؛ ثم فجأة وجدنا أنفسنا قريبين من النهاية الغربية لمارمولاتا. رغم أنها لم تكن مرئية حتى هذه اللحظة، فقد صارت تلوح في الأفق فجأة الآن. نهر جليدي أزرق متغضن رائع، يمتد من خلال الضباب مثل يد مرعبة تمسك بالصخرة الرمادية فوقها؛ في حين ينحدر وراءها وفوقها حقل شاسع من الثلج النظيف، دون علامة على نهاية أو حد.وبالانتقال من هذا المشهد الكبير إلى الجرف الصخري الذي وصلنا إليه للتو، فقد وجدنا أنفسنا في حديقة من الورود البرية. لم تكن هناك ورود في المضيق أسفلنا؛ لا شيء من جانب الطريق الذي أتينا منه؛ لكنها هنا جميلة ووفيرة، كما لو أنَّ فيرني العادلة قد مرّت بهذا الطريق مؤخرًا، واتبعت الورود مسارها:"كما لو أنها زرعتها بقدميها الميكرونية!"ولأننا كنا مبتلين أكثر من اللازم فقد أرسلنا كليمنتي إلى أعلى الصخرة ليجلب لنا بعض باقات من الإديلويس النادر الأبيض المخملي، في حين أسرعنا في جمع النباتات الدنيا التي تنمو في متناول اليد. وهكذا في المطر المتساقط وجدنا بعض العينات من البنفسج، الدرياس ثماني البتلات، الزُّغْدَةِ، صائد الحشرات، العليق، بالإضافة إلى العديد من أنواع بخور مريم، نبتة كف الذئب، والسرخس.بعد أن صعدنا إلى الأعلى قليلًا وصلنا إلى ذروة الممر- عالم علوي منعزل ومليء بالكنوز الغنية، تحده إلى اليسار القمم الجبلية لمونتي بادون، وعلى اليمين المنحدرات السفلى لمارمولاتا، والتي ترتفع مباشرة من المستوى العشبي الذي نقف عليه. كان هذا هو بيانا فيداجا، أو جبل فيداجا. يوجد هنا حوالي اثني عشر كوخًا خشبيًا مجمعة معًا تقريبًا؛ مجرد ملاجئ - ملاجئ وسُقُفٍ، واحد منها، أكثر ضيقًا من البقية، مزينة برسمة ملونة للمسيح على المدخل، وهي بمثابة مكان لراحة المسافرين الذين هم على وشك صعود الجبل.خمد عنف الأمطار قليلًا الآن، وأصبح الطريق مستوٍيًا أكثر، واستطعنا أن نمتطي البغال مرة أخرى. ها نحن نمضي قدمًا؛ يزحف النهر الجليدي الثاني والثالث إلى المشهد بينما تركنا الأول خلفنا. وكلاهما يظهران حافة بنية اللون من الركام؛ كان النهر الجليدي الأخير هائلًا من حيث الحجم، ويبدو كبيرًا مثل النهر الجليدي السفلي في غريندلوالد. على الرغم من أننا ننظر نحو ذلك المشهد، إلا أنَّ الضباب الطويل الغريب الذي يشبه الأشباح تدفق بسرعة عبر الثلج وحجب جميع الصخور البنية المتاخمة للممر. في لحظة ذاب الجبل العظيم، ولم يعد بوسعنا رؤيته بعد الآن. جبل فيداجا هو مجرد امتداد لمارمولاتا لا أكثر. يبدأ في الغرب، وينتهي في الطرف الشرقي من الجبل. عند سفح الصخرة المظلمة الضخمة المعروفة باسم بيز سيرانتا، تقع حديقة خضراء داكنة صغيرة رائعة تحيط بها منحدرات أزهار جبلية قرمزية. توقف المطر الآن للحظة، وأصبحت مياهه هادئة مثل صفائح الزجاج الأخضر ولا تحركها سوى أقدام دجاج الماء الصغير.قطعنا مسافة أخرى قبل أن نصل إلى حجر مائل مستطيل يحمل نقشًا غير مقروء. هذا هو حجر الحدود القديم بين إيطاليا والنمسا - وهو أحد الأقسام القليلة التي بقيت دون تغيير عند التعديل الأخير للخط الحدودي. ينتمي نصف مارمولاتا لهابسبورغ ، ونصفه الآخر إلى المملكة الإيطالية. رُسم خط الترسيم، بشكل عبقري على طول قمم التلال والأنهار الجليدية، لذا فإنه من غير المحتمل أن يصبح منطقة متنازعًا عليها، ما لم يحدث ذلك بسبب أعضاء من نوادي جبال الألب الأوروبية المختلفة. من هذه النقطة، كل شيء منخفض. طريقنا يكمن على طول منحدر أخضر شاسع، بعد مجرى سيل كاندياري، ولكنه يمتد لمسافة طويلة على حافة أخدود مغطى جزئيًا بالثلوج غير المذابة. بالنسبة للطريق على جانب كاندياري فقد جرفه مؤخرًا سيل من الثلوج والمياه من مارمولاتا، وأصبح منحدر الجبل بأكمله هنا كتلة واحدة من الطين الأحمر الناعم، زلقًا أكثر بسبب الجليد، ومليئًا بالحفر والأتربة، وصار عبوره صعبًا جدًا. أما في الأسفل، فالطريق يمتد عبر مراعٍ شبيهة بالمنتزهات الغنّية العميقة في أعماق البرية، وقد أوصلنا في النهاية إلى الطرف الأعلى من ممر سوتوغودا.حالما دخلنا الممر الضيق اختفت الغيوم بطريقة سحرية. ثم أشرقت الشمس بروعة لتضيء الصخور على جانب ومن ثم على الجانب الآخر. انطلق البخار الرطب من ملابسنا المبتلة كما لو كانت معلقة قبالة نيران مشتعلة. خلع الرجال معاطفهم، ووضعوها فوق حمولاتهم لتجف. أنزلت البغال آذانها ودلكت أنوفها معًا، كما لو كانت تهمس لبعضها البعض بأنَّ هناك رائحة منزلية في الهواء، وأنَّ الإسطبل القديم المألوف لا يمكن أن يكون بعيدًا. وبالفعل لم يكن بعيدًا؛ لأننا وصلنا بالفعل إلى وادي بيتورينا. تلك المنحدرات الخضراء إلى اليسار هي منحدرات مونتي ميغون. وأشجار التنوب على اليمين هي غابة مونتي بيزا. والآن تظهر القرى المتداعية لسوتوغودا وسورارا؛ ثم روكا على جانب التل. ثم المسار المألوف أسفل الجدول وعبر الجسر الخشبي؛ ثم أخيرًا كابريلي، حيث الترحيب الحار ينتظرنا، كومة من الحروف الإنجليزية، والراحة. _______________________بتكليف ورعاية من الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، وبدافع من حب المعرفة والسعي لنشرها قامت القرية الإلكترونية بتوفير هذه النسخة من الكتاب وسوف نقوم بنشرها على حلقات تباعاً هنا في جوجل بلس نأمل أن تحوز إعجابكم وأن تكون مساهمة في #نشر_المعرفةصفحتنا الرسمية في فيس بوك :https://www.facebook.com/mohammed.suwaidi.poet/منصتنا في جوجل بلس لمتابعة باقي مشروعاتناhttps://plus.google.com/+HisExcellencyMohammedAhmedAlSuwaidi?hl=ar(جميع الحقوق محفوظة) , Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi....
اعرض في فيس بوك , Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi قمم غير موطوءة وأودية غير مطروقةالباب العاشربريميرو إلى بريدازوتأليف:إيمليا إدواردز- ترجمة: سماح جعفر-----بريميرو وتاريخها - الفضة فيما مضى- العمال وعروضهم - ترانساكوا....
اقرأ المزيد ... قمم غير موطوءة وأودية غير مطروقةالباب العاشربريميرو إلى بريدازوتأليف:إيمليا إدواردز- ترجمة: سماح جعفر-----بريميرو وتاريخها - الفضة فيما مضى- العمال وعروضهم - ترانساكوا وعمالقتها - أحجار دولميت بريميرو – وادي دي كانالي - مونتي بافيوني وقمم فيلتري - مونتي أرزون - مونتي ديلو شيوس - تقدميو بريميرو - المغني القادم - سنيور سارتوريس وفن النحالة - الوادي العلوي لشيسموني - سان مارتينو دي كاستروزا - الرغبة في قصة عن الأشباح - شيموني ديلا بالا - ممر كاستونزيلا - نزل بانيفيجو - وادي ترافيقنولوفي - بريدازو.-تقع بلدة بريميرو جزئيًا في السهل، وتمتد جزئيًا على التل الذي بنيت عليه الكنيسة. المنازل في المكان لها طابع شبه فينيسي، مثل المنازل في شينيدا ولونجارون. المنازل الموجودة في التل مشيدة على الطريقة القوطية الألمانية، وتذكر المرء بالمباني من القرون الوسطى ذات الأسطح العريضة في خلفيات لوحات ألبرت دورير. ويرجع هذا التجاور الغريب للأساليب المعمارية المختلفة إلى حقيقة أنَّ بريميرو، في حد ذاتها إيطالية بشكل تام أكثر من كابريلي أو أغوردو، وقد تم نقلها إلى سيادة النمسا واستعمارها جزئيًا من قبل الألمان حول النهاية الأخيرة من القرن الرابع عشر. جاء التديشي هنا لعمل منجم فضة مشهور، واكتسبوا الثروة، وبنوا الكنيسة، وتركوا تأثيرهم على المكان، كما ترك الرومان تأثيرهم في بلاد الغال، والإغريق في صقلية. التاريخ المبكر لبريمييرو - كيف أصبحت موضوعًا لأول مرة للقوطيين؛ ثم اللومبارد؛ ثم في عام (د. 1027) لأساقفة ترينت؛ مرة أخرى في عام (1300 أ.د.) إلى سكاليغيري من فيرونا؛ في عام (أ.د. 1315) إلى الأمير تشارلز من لوكسمبورغ؛ وأخيرًا إلى الأرشيدوق في منزل هابسبورغ - هو تكرار لتاريخ معظم الأماكن على طول خط حدود بيلونيز. لقد تم غزو الوادي مرتين أو ثلاث مرات على الأقل، وتم محاصرة كاستيل بيترا، من قبل فينسيا كما هو مثبت تاريخيًا. ومع ذلك، لا يبدو أنَّ بريميرو أصبحت في السابق أيقونة حقيقية للجمهورية العظيمة، على الرغم من أنَّ قرية ترانساكوا المجاورة (التي هي في الواقع إحدى ضواحي بريميرو، ولا تنفصل عن المدينة إلا بواسطة مرج أو اثنين) تم التنازل عنها، واحتفظت بها فينسيا بلا منازع لمدة طويلة سواء قبل وبعد التاريخ الذي وقع فيه بقية الوادي في قبضة النمسا القوية - وهي قبضة محكمة حتى يومنا هذا. بالنسبة لـ بريميرو، فهي إيطالية في طبيعتها، ومناخها، ولغتها، لكنْ انتماؤها الوطني —— لا زال نمساويًا. مررنا من الحدود في مكان ما في منتصف الطريق بين قرية غوسالدا وأوستريا على ممر شيريدا: الحدود، دخلنا مرة أخرى إلى أراضي الإمبراطور فرانسيس جوزيف دون أن نعرف ذلك.في الآونة الأخيرة خلال شهر يوليو 1872، لم يكن الوصول إلى بريميرو بالمركبات ذات العجلات ممكنًا مثل فينيسيا. أيًا كان الحال الآن، لم يكن هناك أي خط من طرق النقل غير المنقطع المؤدي إلى أو من الوادي في أي اتجاه. مهما كانت الوجهة التي تريدها، يمكنك القيادة لأميال قليلة بهذا الطريق، أو أميال قليلة بذلك الطريق؛ ثم يجب أن تأخذ عصا التسلق أو السرج. باختصار، تم منع كل طريق إلى العالم الخارجي من خلال دائرة من الممرات، والتي كانت جميعها مناسبة لامتطاء البغال، ولكنها لم تكن ممكنة من الناحية العملية حتى للكاريتات. ومع ذلك، فإنَّ هناك طريقًا عسكريًا جيدًا قيد الإنشاء بين بريميرو وبريدازو، حتى يتم إنشاء اتصال مباشر للسيارات مع السوق الجديد على خط بوتسين وبرينر. كان هذا الطريق مفتوحًا بالفعل في الصيف الماضي ويمكن أن يوصلك حتى سان مارتينو، وكان قيد التقدم لأميال. ربما يكون قد وصل الآن حتى وادي ترافيقنولوفي. هناك طريق ممتاز آخر يمتد جنوبًا من بريميرو إلى بونتيتو، وهو الحد الأقصى للحدود النمساوية. ولكن هناك، للأسف، يصبح الطريق على الجانب الإيطالي شديد الانحدار ويستمر حتى فونساسو. ومع ذلك، من فونساسو يؤدي طريق نقل آخر إلى فلتري، وفي فلتري هناك شبكة طرق سريعة تمتد إلى بيلونو وترفيسو وباسانو وترينت.قبل أقل من عشر سنوات، كان بريميرو أكثر بدائية مما هي عليه الآن. قيل لنا إنَّ الصحف اليومية كان يتم إيصالها على ظهر البغل. لا صخب عجلات يزعج الشوارع الصامتة؛ لا آثار لعجلات تشوه الرصيف. في الليل يبدأ سكان المدينة الطيبين بالخروج وهم يحملون أضواءَ لامعة، ويعلقون مصابيح الزيت هنا وهناك خارج أبوابهم. الأمور ليست تمامًا مثل أركاديان الآن. يتم حمل الأكياس على الأقل على بعد بضعة أميال أسفل الوادي في كاريتة. لا يمكن اعتبار قعقعة العجلات ظاهرة؛ تم بناء مقياس غاز بالقرب من مدخل المدينة. والسكان يبذلون كل ما في وسعهم للحصول على سلك تلغرافي يصلهم بفلتري.المدينة نظيفة ومبهجة ورائعة للغاية. في الساحة، وفي بعض الشوارع الجانبية (هناك شوارع جانبية في بريميرو)، يرى المرء العديد من المنازل الكبيرة والجيدة. يسمونها بلازوس. وقد تم بناء بعض هذه المباني بمداخل مقوسة رائعة وكبيرة، وأضاءتها نوافذ ثنائية فينيسية ذات صنابير مقوسة وأعمدة ملتوية. بعضها غني بالشرفات الأنيقة من الحديد المطاوع. وعلى باب أحد المنازل، شاهدت قارعًا متقنًا ومقبضين على شكل تمثالين نصفيين لامرأتين مصنوع ببراعة. ترتفع البيوت الألمانية إلى أعلى التل - حيث أنَّ الأرضيات التي تتكون من مربعات من الخشب - مختلفة تمامًا. لديهم نوافذ صغيرة مملوءة بألواح زجاجية دائرية يبلغ قطرها حوالي ثلاث بوصات، وأسقف عالية شديدة الانحدار ممسكة بصفوف من السبات وتعلوها أحواض رائعة. المكتب الأثري بأبراجه الغريبة، جدرانه المكسوة بالزهور، نوافذ القرون الوسطى، وصفوف من الدروع الجدارية المحاطة بمحاور دائرية باهتة، سيكون في مكانه الصحيح إذا تم نقله إلى فيرتزبرغ أو أولم. تم بناء هذا المبنى الغامض، الذي يقع على قمة التل فوق الكنيسة، بواسطة عمال الفضة قديمًا، ربما كنوع من الحراسة، وكمكان للإيداع أو متجر للمعادن الثمينة.العديد من البيوت، على التلة وإلى الأسفل، مزينة خارجيًا بأفاريز وأرابيسك ذي طابع بسيط. في حين أنَّ معظم المنازل - تقريبًا - كتبت على مداخلها هذه العبارة التقية: - "المسيح معنا. قف ثابتًا!" كانت أول ليلة نقضيها في بريميرو في يوم الأحد. بدأت أجراس الكنيسة ترتعد بمرح قبل الساعة الخامسة مساءً واستمرت حتى العاشرة. كانت الشوارع مليئة بالفلاحين في ملابس عطلتهم؛ وفي الساحة جلست مجموعة من النساء الريفيات مع سلال من الكرز القرمزي، والكمثرى الذهبية الصغيرة، والخس الأخضر للبيع. كان مشهدًا لطيفًا ومعبرًا. بدا الرجال ببناطليهم التي تصل إلى الركبة وجواربهم البيضاء، وقبعاتهم مخروطية الشكل، والسترات الموضوعة بشكل فضفاض على كتف واحد مثل عباءة، وكأنهم خرجوا للتو من إحدى رسومات بينيللي. ارتدى البعض وشاحًا قرمزيًا حول الخصر وحفنة من الريش في القبعة. كانت النساء يرتدين أوشحة بيضاء على رؤوسهن، ويربطن شعرهن على طريقة الماركيزة دي سيفينيه. كانت أصواتهنَّ متقاربة على نحو غريب - لينة وعميقة وحلقية. عندما نظرت إلى باب الكنيسة بينما كان الحشد يمارس القداس، شاهدت صحن الكنيسة بأكمله كبحر من ربطات الرأس البيضاء، وفي الوقت الحالي، كنت أتصور نفسي مرة أخرى في كنيسة بيجيناج في بروغ.إنها كنيسة قاتمة. وتبدو من الطراز التوليرني من الخارج أكثر من الألماني، مع سقف حاد بشكل غير مألوف وقمة عالية. وقد بنيت من الداخل على الطراز القوطي شديد التناسب من القرن الثالث عشر. على جانبي المدخل الرئيسي مقعدان مقوسان مغطيان بسنادتين من خشب البلوط المنحوت القديم، يواجهان النافذة الشرقية والمذبح؛ المحامل الدرعية لعمال الفضة منقوشة على جدران المثلث. بعد أن سمعت الكثير عن وعاء قربان مقدس فضي عتيق (أو المزار المحمول) مصنوع من الفضة الخالصة لمناجم بريميرو وأنَّ عمال مناجم الفضة قد قدموه للكنيسة قبل ستمائة سنة، انتظرنا حتى تفرق الجمع، ثم طلبنا رؤيته. استقبلنا كاهن متزنٌ ومهذب في الموهف (غرفة المقدسات)، وأُخرج قربانًا من وعاء كبير من السنديان، عتيق كما الكنيسة نفسها. هذا الأثر التاريخي الغريب، الذي تم الحفاظ عليه دون إصابة خلال جميع تقلبات العصور الوسطى، يقف على ارتفاع حوالي قدمين - برج مستدق قوطي، يشبه إلى حدٍ ما برج كاتدرائية ميلانو. يعلوه صليب مذهب؛ وقد ألحق به العديد من الأبراج الصغيرة الرقيقة التي ملأت بمجسمات للإنجيليين والقديسين.تنامى فضولنا، شكرنا الكاهن الشاب وغادرنا؛ بينما انحنى بطريقة فخمة، وتمنى لنا "Viaggio sano، buon divertimento، e salute": الرحلة الجيدة، المتعة والصحة.كان من المستحيل عدم الشعور بالدهشة بشكل متواصل في صباح يوم الأحد بسبب صوت الأعيرة النارية المتكرر من المسكيت والمدافع الصغيرة التي استمرت في إيقاظ أصداء الجبال حولها. جاءت هذه الأصوات من قرية ترانساكوا الصغيرة على الجانب الآخر من الوادي، حيث كان القرويون يقيمون مهرجانًا كبيرًا تكريمًا لوصول الكاهن الجديد. عندما توجهنا نحو المكان في المساء، وجدنا قوس نصر أخضر مقامًا في مدخل الطريق إلى ترانساكوا على الطرف الأبعد من الجسر، وآخر عند مدخل القرية. كما زينت الشرفات بالأكاليل.كان كل شيء هادئًا الآن. توجه الكاهن إلى منزله الجديد، وتوجه القرويون إلى منازلهم. توجهنا نحو الكنيسة الفارغة، ورأينا إشعارًا على الباب يفيد بأنها كنيسة مكرسة للقديس مرقس، كما هو متوقع في أبرشية كانت في يوم من الأيام تعتمد على فينيسيا."هل أتت السيدات لرؤية لوحة تيتان "، جاء الصوت من ورائي. "لكنْ المكان مظلم جدًا - مظلم جدًا! يجب أن تزوروه في منتصف النهار، عندما يتسلل الضوء خلال النافذة الجانبية".التفت، ورأيت قندلفت واهِنًا رثَّا، يرتدي ملابس سوداء، ويحمل مفتاحًا كبيرًا في يده. لقد جاء ليقفل الكنيسة، ووجد الغرباء في الداخل.كل بلدة صغيرة غير معروفة، وكل قرية غامضة كانت تابعة لفينيسيا في الماضى بها لوحة لتيتان. وبخلاف لوحة تيتان في بيفي دي كادوري، التي هي حقيقية دون شك، وتلك التي في زوبي التي رأيتها مرارًا، فهناك عشرات من اللوحات الآخرى المنتشرة عبر البلاد والتي سيعتبر وصفها بالنسخ المقلدة مجاملة. هناك لوحة كان من المفترض أن نراها ذات مرة في شنشنيجي. ولكن سمعنا أنها ربما ليست أصلية، ولذلك فقد فضلنا الاستراحة في نزل البرجو والذهاب إلى الكنيسة في الصباح خلال أشعة الشمس الحارقة.يمثل المذبح - قطعة في ترانساكوا تمثل صورة نصفية مثالية لسانت مارك ويدعى أنها من أعمال تيتيان. ويقال إنه تم تقديمها إلى الكنيسة من قبل أحد دوقات فينيسيا. لم تبدُ اللوحة جيدة في ضوء الغسق.يبدو المنظر من الجسر في المساء، والذي يطل على كاستل بيترا والجبال على قمة وادي بريميرو، فريدًا وجميلًا. وتبدو قمة سيميدا منتصبة بقممها ومرتفعاتها مثل أشواك الشيهم؛ وقد قارن السيد ليزلي ستيفن ساس ماور ، الوحش العظيم ذا الرأسين بإصبع وإبهام منتصبين في يد ضخمة؛ سميت قمة دي بيل على اسم مؤلف كتاب "مرشد جبال الألب"؛ ترتفع مجموعة كبيرة من القمم الأخرى، الكثير منها بدون اسم إلى يومنا هذا، قبالة السماء في مخطط غريب، وتأخذ آخر نظرة نحو الشمس الغربية.ولقد ذكرت أسماءهم هنا بعد أن عرفتها بتيقن. ولكن قمم بريميرو كثيرة واستثنائية لدرجة أنه لا يمكن للمرء معرفتها وتحديدها بيقين إلا بعد البقاء في المكان ليوم أو اثنين ورؤيتها مرارًا وتكرارًا من زوايا مختلفة. ومع ذلك، يجب استثناء ساس ماور من هذا التأكيد العام. لأنه جبل لا يمكن للمرء إخطاءه حتى لو رآه مرة واحدة فقط. ولكن في الوقت نفسه، يجب أن تتم رؤيته من أكثر جوانبه استثنائية، إما من خلال وادي بريفيتالي أو وادي دي كانالي- وهما فرعان متباعدان يأتيان من الوادي العلوي وراء كاستيل بيترا.هذا الاستخدام لكلمة "كانالي"، يطلق على الجداول والسيول التي تجري في مناطقها الطبيعية، ويوفر مثالًا غريبًا، من بين أشياء أخرى كثيرة، عن مدى تأثر الفكر الفينيسي في جميع أنحاء هذه الأجزاء من جنوب التيرول. في فينيسا، كل نهر وجدول هو قناةً (كانالي)؛ وحيثما وضعت فينيسيا قوانينها، فقد وضعت لغتها المميزة أيضًا.كرسنا يوم الأثنين الذي تلى وصولنا لزيارة وادي دي كانالي، والذي بلا شك يعد أروع مشهد في بريميرو. الطريق في هذا الجانب يمر خلال توناديغو، عبر الطريق الذي مشينا خلاله مساء يوم السبت المرهق، ويتجاوز المنحدر الحجري المتوج بكاستيل بيترا. وبمجرد أن وصلنا إلى القمة، اتجهنا نحو الشمال تقريبًا، تاركين إلى اليمين الطريق المؤدي إلى ممر شيريدا، وتسلقنا خلف القلعة على طول الضفة اليسرى لجدول سريع يتدفق نحو الوادي.بعد أن تتبعنا هذا المسار لمدة ثلاثة أرباع الساعة، وصلنا إلى مساحة مفتوحة من العشب، يبلغ عرضها نحو ميل، وطولها ميل ونصف، في الطرف العلوي منها يقف منزل أبيض متواضع محاط بالحظائر والمباني الزراعية. وقد تم بناء هذا المسكن الصيفي الصغير في السنوات الأخيرة بواسطة الكونت ويلسبيرغ، الذي يمتلك أيضًا "قصرًا" في بريميرو، والذي أقام أسلافه (الذين كانوا يمثلون يومًا ما إقطاعيي الوادي، وبإمكانهم إنزال الحياة والموت بأتباعهم) قلعة يونانية، تطفو على صخرة لا يمكن الوصول إليها مثل نصب القديس سمعان العمودي المنعزل، ومع ذلك كانت مشيدة بحيث تراقب وتحرس فم الوادي. تحيط منحدرات التنوب القاتمة بهذه الجولة الرائعة حول المروج؛ ضوضاء الجدول غير مرئية خلال التجويف المدغلِ إلى اليسار؛ تتجول الأبقار والماعز هنا وهناك على العشب الأخضر؛ بينما المشهد الرعوي كله "محدد" بسيرك من قمم الدولوميت ذات الكثافة العالية. تقع الجبال المحيطة بوادي بونا في مدرج واسع؛ ولكن هنا تقترب جدران الدولوميت المحطمة، الرمادية والكبريتية المتشققة، والتي بها القليل من الحمرة الصدئة من الوادي في خطين طويلين، لا يفصل بينهما أكثر من ميل ونصف بعيدًا عن أكثر النقاط اتساعًا، وتضيق حتى تجتمع في شكل زاوية حادة في قمة الوادي.هنا، حيث المروج سلسة والفضاء واسع النطاق فيما بينها، اجتمع خطان متقاربان من القمم أمام أعيننا - واحد يمتد شرقًا وغربًا؛ الآخر يصعد من الجنوب الشرقي للالتقاء به. الأول هو الأضخم على الإطلاق. بدءًا من قمة سيميدا - التي يرتفع من ورائها إبهام ساس ماور الوهن الاستثنائي، العمودي أكثر من برج بيزا المائل - تمتد السلسلة في عملية مسح متواصلة واحدة، تعطي لمحة أولية عن بالا دي سان مارتينو؛ والتي تمتد نحو قمة دي فرادوستا؛ بعد ذلك عبر قمتين لا اسم لهما تتقسم النتوءات الصخرية لرؤوس أسهم متناثرة؛ أخيرًا على قمة دي كانالي، بإمكانك رؤية المشهد كله من خلال هذه النقطة.لا تجد الأنهر الجليدية مكانًا للراحة بين هذه المنحدرات العمودية. توجد فقط حافة ضيقة محاطة باللون الأبيض، أو هضبة وسيطة صغيرة مغطاة بالثلج الباهر، متناثرة هنا وهناك لتمييز خط الصقيع الأبدي.هناك ملمحان صغيران لكنهما مثيران للفضول في المشهد ويستحقان الذكر: فتحتان دائريتان، إحداهما تخترق الجزء العلوي من شيء يشبه نصل سيف معزول يبرز من كتف صخري على قمة مجهولة قبل قمة دي كانالي على يسار الوادي؛ وثقب آخر متشابه على وجه التحديد يخترق نصل سيف مشابه للآخر تمامًا يبرز من حافة ساسو أورتيغا على يمين الوادي.ما هو القطر الفعلي لهذه الثقوب الغريبة، أنا غير قادرة على التخمين؛ لكنها تبدو دقيقة تمامًا، ويشابه حجمها فتحة مصنوعة بواسطة كرة مدفع كبيرة. أي شخص زار وادي غريندلوالد من قبل سيتذكر مشهدًا مماثلًا، يعرف محليًا باسم مارتنسلوخ، في قمة إيغهر. بقينا هنا لفترة تسمح لنا برؤية المخطط المصاحب للمساحة كما رأيناه من قبل من كاونت ويلسبيرغ، بدأنا في التحرك مرة أخرى؛ بدأت الغيوم تتجمع حول قمة دي كانالي، ونحن ما زلنا بعيدين عن رأس الوادي. يقبع الطريق هنا تحت ظلال الغابة؛ ثم على جانب الجدول – ويبدو من هنا كبيرًا جدًا، ويحده مسار واسع من الحجارة البيضاء الساطعة؛ ثم من خلال المزيد من الغابات، مع فتحات هنا وهناك يمكننا من خلالها رؤية الجبال العظيمة التي تبدو أقرب وأسمى. بالنسبة للجبال الأبعد، يصبح هذا التأثير الساحق أكثر سطوة، حتى ينتهي الأمر كله في نهاية المطاف في مشهد من العظمة المتوحشة غير المسبوقة إذا جاز لي أن أقول ذلك، عبر الطريق المسدود في ماكوجناجا.في الوقت الذي وصلنا فيه إلى هذه النقطة النهائية، تجمع الضباب الخاطف بطريقة مذهلة، وعلى الرغم من أنها تُحسّن غموض وروحية المشهد، إلا أنها كانت مخيبة للآمال في نهاية الرحلة التي استغرقت أكثر من ثلاث ساعات. كان ساسو دي كامبو، الذي لم نستطع رؤيته بوضوح أبدًا، محاطًا بأبخرة كثيفة بحيث لم نتمكن من رؤية شيء إلى الجزء السفلي منه. كانت قمة دي كانالي الضخمة، التي كانت مرئية قبل أقل من ساعة قد فقدت نصفها بالفعل في سحابة رمادية ثقيلة. كان هناك خط مسنن طويل من العقيد الحجري يوحّد القمتين الكبيرتين. كانت المراعي الخضراء وأشجار التنوب الداكنة، تتسلق إلى حوالي ثلث ارتفاع قمة دي كانالي؛ بينما رأينا عددًا لا يحصى من الخيوط البيضاء للشلال تتقافز من حافة إلى حافة وتتراجع أسفل المنحدرات في كل اتجاه. هذه المياه، التي تم تجميعها في ثلاث ثغرات طاحنة، هرعت من ثلاث نقاط مختلفة، وتوحدت إلى حد ما في مجرى مائي واسع؛ وقد ملأ صوتها الهواء مثل زئير بحر متجه نحو ساحل حديدي. كانت أشجار التنوب ترتعش كما لو أنَّ هناك عاصفة قريبة. أشك أنَّ هناك مشهدًا أكثر عزلة وكآبة وضخامة يمكن العثور عليه في هذا الجانب من جبال الأنديز.يمكن القيام بالعديد من الرحلات المثيرة من بريميرو التي لا يمكن للمسافر الذي لا يملك سوى يومين أو ثلاثة أن يأمل في تحقيق نصفها حتى. المكان، في الواقع، مناسب ليتم اختياره لإقامة مطولة، ويمكن التعامل معه كمقر رئيسي حتى يتم استنفاد المناطق المحيطة به. لقد ندمنا على الوقت الذي لم يكن في وسعنا القيام بذلك. يقال إنَّ صعود مونتي بافيوني (وهو جبل غريب على هيئة هرم صغير، بعيد في الجنوب من بريميرو، ويشكل أعلى نقطة في النطاق المعروف باسم فيتي دي فلتري) ليس صعبًا.يمنح المشهد من القمة رؤيةً كاملةً لساحل البحر الأدرياتيكي بالكامل من فم إيسونزو على رأس خليج تريست من جهة، إلى كيوجيا، على بعد عشرين ميلًا جنوب مدينة فينيسيا من جهة أخرى.يمكن العثور على العديد من النباتات النادرة في الجبل:شقائق النعمان، الشقّار النرجسي الأزهار، الفَصِيلَةُ الحَوْذَانِيَّةُ، الحوذان الزاحف، الأزهار الجبلية، حب الكريش البرانسي، التين القزمي، خرم الإبرة البحري، حشيشة الملاعق، النجميات، النباتات اللاحمة، القرنفليات، الجنطيانا البرودية، عشبة القوى الإيطالية، كاسر الحجر اللاورقي، البولفينية المتطاولة، أخيليا بقلة العطاس، السلسفي الأرجواني، زهرة الخطم، فصيلة لسان الحَمَل، النبات المعمر، زَهْرَةُ الرَّبِيعِ المَرْجِيَّةُ، كاسيات البذور، الشوفان وحَشِيشَة الطِّحَال.شملت هذه الرحلة القصيرة المبيت لليلة في سرير من القش في نزل على جبال إغنرولا عند سفح صخور بافيوني؛ ولكن هذا الأمر لم يكن ليردعنا لو أننا كنا نسافر في مجموعة كبيرة.صعود جبل أرزون، وهو جبل يرتفع حوالي 8700 قدم، ويقع في موقع مركزي على بعد ثلاثة أميال شمال غرب بريميرو، هو أمر يوصي به المرشدون المحليون بشدة أيضًا. ومع ذلك، فإنَّ الذهاب إلى مونتي ديلو شيوس على جبل فيدرن، وهو جبل مشجر صغير يقع على حدود الضفة الغربية لسيزرنون، على بعد ثلاثة أميال تقريبًا تحت بريميرو، هو نزهة ممتعة للغاية، ويمكن للمرء إنجازها على البغال. يمتد الطريق على طول الطريق الرئيسي حتى قريتي ميزانو وإيمر؛ عبر جسر شيسموني، وعبر مسار عربات خشن مليء بمخلفات الفحم، يمتد عبر منحدرات الصنوبر نحو ممر نانا. يرتفع الطريق بشكل مستمر. تركنا وادي بريميرو وراءنا وبعد وقت قصير اختفى عن الأنظار. أصبح صوت الجدول في الأسفل غير مسموع. التقينا بقافلة من البغال المحملة بأكياس سوداء ضخمة من الفحم، وكان علينا أن نلتصق بالصخرة لكي ندعها تمر. ومع ذلك، فإنها حسب طبيعة البغال، تفضل حافة الهاوية، وتختار طريقها بينما نصف أعبائها الضخمة متدلية عبر الهاوية.في القمة، عندما صعدنا على ارتفاع خمسمائة قدم فوق الوادي، عبرنا تحت سقف قريب من الصخور، ووجدنا أنفسنا في فم الكهف العملاق الذي يبدو كما لو أنه تم تجريفه بواسطة مياه كثيرة، منذ عصور مضت، عندما كان العالم قيد الإنشاء.خلف هذا الكهف هناك جدار نصف دائري من حافة هاوية عمودية، وفي نهايته يتسلل شلال صغير فوق الحافة ويتشتت في الضباب قبل أن يصل إلى البركة البنية في الأسفل. يتحول مسارنا فجأة إلى داخل الكهف وحوله، ثم على طول ممشى خشبي دائري مدعوم بخشب الصنوبر - جذوع مدفوعة قبالة الجدار الصخري المقابل. هذا هو مونتي ديلو شيوس. بدا الجرف غير آمن بشكل فظيع، ولكنه رائع للغاية. المشهد بأكمله، على نطاق أوسع، يُذكّر المرء بالكهوف في تيفولي. نحتت لوحة صغيرة للمسيح تحت سقف البيت المتمركز قبالة الصخرة في بداية الجسر. ورجل عجوز ذو شعر أبيض أتى عبر هذا الطريق، وسحب قبعته وبقي ممسكًا بها بينما كنا نمر.من هذه النقطة، قيل لنا إنه يتوجب علينا الصعود لما يقرب خمسمائة قدم فقط للوصول إلى قمة إغنرولا؛ لكننا لم نجرؤ على الذهاب أبعد من ذلك، لأنَّ الشمس كانت قد بدأت في الغروب بالفعل، وقد خشينا أن يداهمنا الغسق هناك. لكننا لا نزال نحس بالدهشة لأننا قطعنا ثلث المسافة إلى مونتي بافيوني دون أن نعرف ذلك. تركنا بريميرو متجهين نحو بريدازو. . . . لكن كيف يمكنني ترك بريميرو دون قول كلمة واحدة عن سنيور برسبيرو؟ ——— سنيور برسبيرو، اللطيف، النيق ، الدمث، الذي لا يعرف الكلل، الفصيح؛ سنيور برسبيرو، الذي كان حلمه أن يصبح عضوًا في نادي جبال الألب الإيطالي؛ والذي يعتقد أنَّ الأمة البريطانية هي الأكثر استنارة في العالم؛ والذي يمجد بول وليزلي ستيفن لدرجة أنه يخلع قبعته عند ذكرهم؛ وكأنهم كانوا قديسيه؛ و يتخيل بشكل غامض أن كل سائح إنجليزي يجب أن يكون مشهورًا بطريقة أو بأخرى؛ والذي يظن أنَّ كل توقيعاتنا تستحق الحصول عليها؛ وأنَّ عائلة سميث العالمية تمثل زهرة الجنس البشري! هل أنسى يومًا بعد ظهر ذلك النهار المحترق، عندما ارتدى ملابسه البيضاء، وزرّر بذلته كلها، وحمل مظلته الحريرية المخططة تحت إبطه، ورافقني إلى متحف سنيور سارتوريس؟ أو في ذلك المساء عندما أتى وتحدث لمدة ساعتين دون توقف عن تعليم الدولة، نظرية داروين، آلة الحساب، عقوبة الإعدام، رجل ما قبل التاريخ، كابل المحيط الأطلسي، حق الاقتراع العالمي، الفلسفة الوضعية، الطيف الشمسي، مزاعم ألاباما، ومصادر النيل، النظام العسكري البروسي، حرية الصحافة، مسدس آرمسترونغ، قناة السويس، وثوران بركان فيزوف وحقوق المرأة! رجل عجوز طيب، متحمس للجمهور، حريص على الترويج لشيء مثل الثقافة والتقدم في مدينته الأصلية، ويهتم بكل ما يثير العالم الخارجي الكبير وراء حدوده! ومهتم بإنشاء نظام أكثر سرعة للاتصال البريدي، للحصول على البريد القادم من فلتري، لتحسين التدريس في مدارس بريميرو، وإنشاء صحيفة محلية - هذه من بين الأحلام التي يسعى لتحقيقها. وقد أنشأ المسرح الاجتماعي الصغير (لأنَّ لبريميرو مسرح هواة صغيرًا ومسرحيات درامية خاصة بها) ويشرف الآن على إدارته. الطريق الجديد إلى بريدازو لم يتم افتتاحه بعد، وعلى الأرجح، لن يتم افتتاحه على مدى السنوات العشر القادمة، ولكنه كان يحفز التساؤلات حول هذا الموضوع باستمرار في بريميرو.قال، "أوه سيدتي"، مقتبسًا دون قصد الكلمات الغاضبة لغوته، "ما نريده في وادينا الصغير هو مزيد من الضوء. شعبنا ليس فقيرًا، لكنهم يسكنون في ظلام الجهل. لدينا مدارس للأطفال هذا صحيح؛ ولكن ما الذي يتوجب فعله بخصوص آبائهم الذين يعتبرون الجغرافيا بمثابة زيت ابتكار - يمكن أن يرفع - الشيطان!"أعتقد أنه في تلك الليلة نفسها، عندما أطفأت جميع المصابيح وخلد العالم الصغير لـ "بريمييرو" في نوم عميق، سمعنا نغمة لذيذة وغنية وحلوّة وقوية، انطلقت فجأة عبر صمت الليل. بدأ الصوت وكأنه آتٍ من مسافة بعيدة - عاد مرة أخرى - ثم توقف فجأة تحت نوافذنا. كان الهواء فيرديًا، مبتذلًا وعاديًا بما فيه الكفاية؛ لكن الصوت كان طازجًا ولا عيب فيه، وكان ينتمي، كما علمنا في اليوم التالي، إلى الشاب بونيتي، الابن الثاني للمالكة. أخبرنا أنَّ اسمه قد تم وضعه بالفعل على كتب كونسرفتوار ميلانو، وأنه سيبدأ دراسته الصوتية في نوفمبر. ويقال إنهم لم يسمعوا صوتًا بهذا التميز داخل أسوار الأكاديمية منذ أكثر من ربع قرن.في ما يتعلق بالسيد سارتوريس الذي كنت أتحدث عنه مسبقًا، يبدو أنه قام بإنشاء نحالة بطريقة علمية تمامًا. وقد اكتشف بنفسه كيف ينظم إنتاجية النحل، وقيل إنه قادر على نقل ملكة النحل وأتباعها بيديه العاريتين من خلية إلى خلية دون أن يصاب بأذى. لا أستطيع أن أعرف إلى أي مدى قد يكون هذا صحيحًا؛ لكنني رأيت متحفه ومنحله - الأول عبارة عن مجموعة من النحل والخنافس والفراشات والأخشاب والمعادن والمنتجات الكيميائية للمنطقة - وخلايا النحل الأخرى، مائة وثلاثين في العدد، تحتوي على مجموعة من عدة ملايين من النحل، كلها معبأة في حديقة خلفية صغيرة جدًا لا تتجاوز ثمن فدان. يقوم أبوه وأخته بعرض هذه الأشياء بفخر كبير. لكن السيد سارتوريس، لم يعد يعيش في بريميري. على الرغم من أنه لم يبلغ بعد ثلاثين عامًا من العمر، فقد تم تعيينه مديرًا لمقاطعة الحكومة في ميلانو، وهو يعمل على تطوير نظامه بنجاح غير عادي.والآن يجب أن نقول وداعًا لبريميرو وجميع نبلائها؛ يجب أن نقول وداعًا ونذهب مرة أخرى، لأنه لا يزال هناك العديد من الأماكن التي يمكن رؤيتها والعديد من الأميال التي يمكن عبورها، ولا يمكن أن تستمر الجولات الممتعة وإشراق الصيف إلى الأبد. وهكذا، نمتطي بغالنا مرة أخرى، خلال صباح مشرق، مغمورين بالأمنيات والدعوات الجيدة، ومحملين بشهادة فراق من سنيورا بونيتي على هيئة كعكة كبيرة - كبيرة جدًا بحيث يصعب إدخالها في السلة.بدأنا رحلتنا عبر الطريق العسكري الجديد بقدر ما تم الانتهاء منه، ومن ثم على طول وادي سيسمون - ذلك الوادي العظيم الذي ينحدر من الشمال الغربي، يجري بالتوازي مع وداي برفيتالي، وينقسم من خلال النطاق الذي ينتهي بقمة سيميدا. بعد المسار نفسه تقريبًا في أول الطريق، وعبور النهر بالقرب من سيرور، (حيث يمكن أن ترى حتى وقتنا الحالي مدخل منجم الفضة القديم) تظهر "سترادا" الجديدة في سلسلة من التعرجات الجريئة، وتحمل على ارتفاع كبير على طول المنحدرات المتعرجة المتاخمة للضفة الغربية من الجدول. هنا، كل شيء صامت، كل شيء انفرادي. زوجان من طيور الحباك المقلنس النمساوية - مجموعة صغيرة من مرممي الطرق يعملون على جانب الطريق - حمار صغير يترنح أسفل حمولة ضخمة من التبن؛ هذه كلها أشياء حية نلتقيها لساعات. لكن الجبال العظيمة على الجانب الآخر من الوادي تمنعنا من الرفقة خلال أميال عديدة، وهي سلسلة رائعة من قمم الدولوميت، والتي ربما لا تضاهي روعتها تلك الموجودة في وادي دي كانالي، ولكنها ترتفع إلى ارتفاع أكثر انتظامًا .عبرنا تلك القمم واحدًا تلو الآخر. أولًا، قمة سيميدا، التي يدعوها السيد غيلبرت جبل الانبثاق، والتي بدت لي أشبه بوحش بحري غريب يتجول في كل مكان بمجساته الهائلة؛ بعد ذلك تأتي الأبراج المائلة لساس ماور. ثم قمة كميرالا (التي أخذت اسمها من أخشاب كميرالا أسفلها)، و قمة برافيتالي، و قمة دي بول، ثلاثة أسماء لم تدخل بعد في الخرائط؛ وأخيرًا، كان الجدار العمودي الشاسع في بالاز دي سان مارتينو، الذي يرتفع بشكل أكبر وأكثر حدة مع كل سفح على الطريق، ويبدو وكأنه يملأ المشهد. ومع ذلك، فقد ابتعدنا عن هذه البانوراما العظيمة خلال خشب الصنوبر وعبر جبل شاهق متموج بالخضرة التي تزينها الزنابق الذهبية الرائعة؛ ومن ثم وصلنا إلى الكنيسة الصغيرة و "نزل" سان مارتينو.عقب الوصول إلى هناك بعد أربع ساعات، توقفنا لنأخذ نصف ساعة من الراحة قبل أن نتوجه نحو ممر كوستونزيلا. إنه مكان كبير وقذر ومدمر - كان ذات مرة ديرًا؛ ثم مكان إقامة إقطاعي؛ الآن نزل ومزرعة في آن واحد. بني في وقت ما في منتصف القرن الحادي عشر، بينما كان إدوارد المعترف موجودًا في إنجلترا، وعندما كان أساقفة ترينت هم أسياد بريميرو. لقد كان هؤلاء الحكام الروحيون هم الذين أقاموا الكنيسة والدير والنزل، وخصصوها لسان مارتينو.بعد أن طلبنا القهوة، تم اصطحابنا إلى غرفة علوية كبيرة في نهاية ممرات متشعبة. لقد كانت غرفة فخيمة في وقت من الأوقات - ربما كانت غرفة للمسافرين المميزين. الجدران والسقف كلها من خشب البلوط، ومغطاة بألواح مربعة مزينة بمجسمات ونقوش غنية. هناك درع منحوت موشح بعلم ويلسبيرغ ذي ألوان ذهبية باهتة يخلد ذكرى الوقت الذي توقف فيه المبنى عن كونه ديرًا وأصبح مكان إقامة باروني. صور قديمة لعائلات ويلسبيرغ المتوفين والذين تركوا المكان، معلَّقةٌ على الجدران ومكدسة في الزوايا، ملفوفة بخيوط العنكبوت ومحملة بغبار السنوات - خدم يرتدون شعرًا مستعارًا، وسادة يرتدون الدانتيل، والقادة شجعان يرتدون دروعًا براقة. هناك أميرة كنسية ترتدي لباسًا دينيًا، بأيد بيضاء طويلة تبدو وكأنَّ فان ديك هو من رسمها؛ لا بد أنها كانت جميلة في زمانها، إذا لم يكن الرسام القديم يجاملها. هؤلاء اللوردات والسيدات الراحلون، إلى جانب الموقد القديم الغريب من الخزف الأبيض والأزرق، وسريرين بائسين، وطاولة خشبية، وأربعة كراسي ذات قعر، كلها أثاث تحتويه الغرفة. يجب أن تكون غرفة مسكونة، ولا بد أنها المكان المناسب لوضع مشهد قصة الأشباح. إنَّ البيت كله، في الحقيقة، يحيط به مظهر قاتل، وهو مكان منعزل، بائس، ومن العصور الوسطى، حيث أنَّ أي روائي حساس قد يرغب في أن يكتب عنه حكاية. ينتهي الطريق الجيد في سان مارتينو؛ ولكنه يمتد خلال طريق غير منتهٍ وغير معبد لميلين أو ثلاثة أميال أخرى؛ ولكننا صعدنا مباشرة أعلى العقيد الصخري - وقد وجدنا أنفسنا فجأة على قمة الممر، نقف أسفل قاعدة سيمون ديلا بالا. الهواء هنا بارد ونادر. يرتفع الممر إلى ارتفاع 6،657 قدم؛ جدار الدولوميت المذهل فوق رؤوس القمم يصل إلى 11,000 قدم، والتي 3000 آلاف قدم منها تبدو على مثل هاوية معلقة. في الشكل يشبه القبر العملاق، مع حجر هرمي متقلب على القمة. الشقوق العمودية التي تبدو وكأنها جاهزة للتحطم والانهيار في أي لحظة ، تعطي مظهرًا مخيفًا لانعدام الأمن للكتلة بأكملها. ليس ماترهورن نفسه، رغم كل مظاهره القاسية وقصته المأساوية، هو ما يشعر المرء بمثل هذا الإحساس بالخطر، والشعور بالضيق والعجز الخاصين به، كما هو الحال في سيمون ديلا بالا.إذا نظرنا إلى الوراء من هذا الارتفاع باتجاه بريميرو، نحصل على منظر رائع من بالا دي سان مارتينو، و ساس ماور، ووادي دي كانالي؛ ومن ثم بافيوني و فيتي دي فلتري؛ وخلف كل ذلك مرة أخرى، بحر هائل من القمم الزرقاء والبنفسجية الشاحبة، بعضها تطوق بحيرة غاردا، في حين يراقب البعض قمم فيرونا.والآن بدأت الغيوم، التي تجمعت في آخر ساعة أو ساعتين في أعقابنا، تصعد الممر وتصرخ عبر وجه الدولوميت العظيم. سرعان ما حجبت كل القمم السفلية؛ وتصاعدت الأبخرة في جمهرة غاضبة. بدأت القمم الضخمة الآن في التلاشي.مررنا عبر مبنى غير مصقول (يفترض أنه نزل جديد) على الجزء العلوي من الممر، ونظرنا نحو قمة كوستونزلا. هنا تظهر مشاهد جديدة تمامًا أمام أعيننا. احتجب المرج العظيم بعيدًا لمسافة شاسعة تحت الأقدام. إلى الشمال يظهر بحر آخر من قمم تنتهي مع قمم خارج انسبروك. إلى الشرق تكمن التلال المشجرة والمراعي الغنية. إلى الغرب منحدر حاد من غابات الصنوبر لا نهاية لها على ما يبدو تحدها مجموعة جديدة من القمم المظلمة والمنخفضة والأرجوانية هنا وهناك مع الثلج. وقد اقتربنا من مونتي كولبريكون. لا تحتاج إلى معرفة جيولوجية لترى على الفور أن هذه الجبال الجديدة ليست دولوميت. أو أننا، في الواقع، ندخل على أول برفيريات في بريدازو.يتحول المسار الآن فجأة إلى اليسار، وينخفض من خلال غابات الصنوبر. في مكان ما بين تلك الهوائيات الخضراء، في منتصف الطريق بين هذا المكان و بريدازو، يقع نزل بنفاجيو، حيث نرتاح خلال منتصف اليوم. على شفا الانحناء، نقطع الوعود، ونعد أنفسنا بالسير لأبعد ما نستطيع، ونترك الرجال والبغال خلفنا. إنها غابة كبيرة. أشجار الصنوبر البدائيّة هنا ذات حجم هائل، ترتفع من ثمانين إلى أكثر من مائة قدم، هائلة في الطوق، وتزيّنها الطحالب الرمادية والخضراء الهائلة. ما عدا الصنوبر تحت قمة جبل فينغرن على جانب جريندلوالد، لم أشاهد أبدًا أي شيء قديم ومهيب لهذا الحد.عندما ننحدر تصبح الأشياء أصغر، وبعد أول خمسمائة أو ستمائة قدم تتضاءل إلى حجم متوسط.الطريق جيد إلى حد ما، بارد ومظلل، يمتد لمسافة أكثر من 1500 قدم في سلسلة من التعرجات وتشغله هنا وهناك مشاهد شاملة لغابات ووديان، يقودنا في النهاية إلى فضاء مفتوح من المراعي الخضراء، في وسطها تتجمع كنائس صغيرة، وفندق جميل أبيض، ومجموعة من المباني الزراعية الخلابة. تحيط سفوح التلال المنحدرة من غابات الصنوبر بهذا العش الصغير من كل جانب. هناك صوت لطيف يأتي من الماء الجاري، ورنين أجراس البقر في الهواء. بينما يغني صانعو القش على المنحدر العشبي خلف المنزل أثناء عملهم - يغنون ما يبدو وكأنه ترنيمة ألمانية قديمة من أربعة أجزاء.إنه مكان منعش؛ هادئ جدًا، رعوي، نظيف جدًا، لدرجة أننا نميل إلى تغيير خططنا، والبقاء هنا إلى الغد.ومع ذلك، عندما انتهت مدة الساعتين أحضرت البغال وتقدمنا في طريقنا بأسى مرة أخرى. عند هذه النقطة دخلنا وادي ترافيغونلي؛ رأينا هناك جدولًا عميقًا بين غابات شديدة الانحدار، يتسع بعد فترة إلى حقول ذرة ومراعٍ غنية بجميع أنواع الزنابق البرية، البرتقال، وأشياء أخرى. وهكذا، بينما نهبط وتتبعنا من حين لآخر زخات خفيفة متبوعة بتدفقات من أشعة الشمس المشرقة، وصلنا بعد ما يقرب من ثلاث ساعات أخرى إلى بريدازو، وهي قرية شاسعة على مساحة خضراء في نهاية الوادي؛ تبدو وكأنها مكان مزدهر. المنازل كبيرة وفخمة على الطراز التيرولي. ترتفع أبراج كنيستين عاليًا فوق السقوف العنقودية. تنتشر المباني الزراعية والشاليهات البنيّة ذات الطابع السويسري على المنحدرات الخضراء المحيطة. وعندما نقترب أكثر، فإننا نمر عبر ضواحي واسعة من مطاحن المنشار وساحات الأخشاب، التي تنتشر هنا على كلا ضفتي الجدول. والآن - في أعقاب الموكب الطويل من الأبقار ذات اللون الكريمي، التي تشبه الخيول بأحذية حديدية، وتحمل أجراسًا هائلة حول أعناقها - ندخل إلى المدينة. ركض الأطفال في الطريق وصرخوا أثناء قدومنا. وأتى الناس الأكبر سنًا إلى أبواب منازلهم وحدقوا في صمت.رفع الدرك النمساوي على باب دار الحراسة إصبعين إلى جانب قبعته لتحيتنا بطريقة عسكرية أثناء مرورنا. بعد ذلك، وعند وصولنا إلى مساحة مفتوحة من المنازل المتناثرة المحيطة بالكنيستين، وجدنا أنفسنا أمام باب نزل كبير، قديم الطراز، متعدد النوافذ، يبدو كنظير جيد لنزل "ستيرن" القديم في إنسبروك؛ تتأرجح سفينة ذهبية فوق مدخله المقوس - علامة نافي أدورو. _______________________بتكليف ورعاية من الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، وبدافع من حب المعرفة والسعي لنشرها قامت القرية الإلكترونية بتوفير هذه النسخة من الكتاب وسوف نقوم بنشرها على حلقات تباعاً هنا في جوجل بلس نأمل أن تحوز إعجابكم وأن تكون مساهمة في #نشر_المعرفةصفحتنا الرسمية في فيس بوك :https://www.facebook.com/mohammed.suwaidi.poet/منصتنا في جوجل بلس لمتابعة باقي مشروعاتناhttps://plus.google.com/+HisExcellencyMohammedAhmedAlSuwaidi?hl=ar(جميع الحقوق محفوظة), Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi....
اعرض في فيس بوك , Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi قمم غير موطوءة وأودية غير مطروقةالفصل التاسع- إلى أغواردو وبريميروتأليف:إيمليا إدواردزترجمة: سماح جعفر---- صعوبة التقدم خلال الطريق - البحث عن خشب شونشنيجي - وادي....
اقرأ المزيد ... قمم غير موطوءة وأودية غير مطروقةالفصل التاسع- إلى أغواردو وبريميروتأليف:إيمليا إدواردزترجمة: سماح جعفر---- صعوبة التقدم خلال الطريق - البحث عن خشب شونشنيجي - وادي الصخور - أغواردو وساحتها - مناجم فال ايمبيرينا - العشاء - العاصفة الرائعة - فولتاجو وفراسيني - القمم النائية - معبر غوسالدا - أرض أو ندرة - مونتي برابيلو - معبر غيرسيدا - رحلة بلا نهاية - قلعة بيترا - وأخيرًا بريميرو - الخطوط القديمة أم أصحاب النزل التيرولينية. - بعد أن استيقظنا فجرًا، كنا على الطريق قبل الساعة السادسة، متجهين إلى أغواردو. اجتمع آل بيتسي أمام باب المنزل لتوديعنا. ووقف الضابط النمساوي وهو يرتدي قميصًا دون أكمام في نافذة الطابق الثاني ليرانا ونحن نرحل، كان ذاك الضابط يجلس عادة على الطريق ويهدئ روحه المثقلة بالجرم من خلال نحت كسر متصدع على نحو متواصل، بينما يدخن غليونه الثاني، إن لم يكن الثالث؛ ويتوقف عن نحت الصدع من حين لآخر ليبرم شاربه مع شعور بالاحتقار الهادئ للجميع.استغرقنا بعض الوقت لحزم الحقائب، ولتوديع الجميع، ومحاولة إقناع نيسول الأسود لحمل أغراضي. لدى نيسول طريقة منافقة للوقوف بثبات حتى اللحظة التي يوشك فيها جوزيبي على مساعدتي لامتطائه، ثم يبدأ بالرفس فجأة، مما أثار استياءً هائلًا داخلي وجلب تسلية لسكان الحي. عندما تكرر الأمر حوالي ست أو سبع مرات، تمت إزاحته في زاوية بالقوة، بينما تمكنت من امتطائه في النهاية بمساعدة كرسي. الطريق إلى شونشنيجي قريب من وادي أليغي، بحيث أنَّ أول خمسة أميال أو أكثر بدا كل شيء مألوفًا. كان الهواء منعشًا، ولكن السماء كانت ترسل أشعة الشمس الساطعة. بدت سيفتا أمامنا بروعتها الغامضة. غنّت طيور القُبُّرة كما لم أراها تغني أبدًا في أي مكان باستثناء المخيم بين روما وتيفولي.كان هناك ما يقرب من أربعين أو خمسين فلاحًا حفاة يجمعون الأخشاب الطافية صباح اليوم على طرف البحيرة. بعضهم كانوا يخوضون في المياه؛ وبعضهم صنعوا طوافات من جذوع الأشجار، وبعضهم وقف على الشاطئ وثبتوا الطوافات بواسطة خطافات طويلة. صنع أحد الفلاحين النشطين طوافته الصنوبرية على هيئة حصان، وجذبه إلى الشاطئ ببراعة غير مألوفة. كان المشهد كله رائعًا للغاية ومسلٍيًا. وقد بدا أولئك الرجال بأكمام قمصانهم المطوية وأرجل بنطلوناتهم المرفوعة فوق ركبهم مثل رجال شرطة نابولي. بين الحين والآخر، كانوا يبدأون جميعًا بإطلاق صرخة طويلة، مما يضيف إلى حد كبير للتأثير البري.بالتجول على حدود البحيرة، نقترب في كل لحظة من المنحدرات السفلية لسيفتا؛ اقتربنا من موقع الانهيار الجليدي الكبير الذي حدث عام 1771؛ ورأينا صخورًا ساقطة ضخمة، مثل أرض معركة الجبابرة. في مكان ما أسفل هذه الجبال المكونة من الأنقاض تقع قريتان مدفونتان. لم يعد أحد يتذكر بالضبط المكان الذي كانتا فيه. وحقيقة أنَّ أليغي تقع بالقرب من وسط الماء الحالي، هي الحقيقة الوحيدة التي يعرفها الجميع. يقف بيت أبيض منعزل نصفه مزرعة، ونصفه نُزْل، على تلة فوق النقطة التي يتدفق منها شلال كورديفولي، الذي تضخمه جميع السيول الآتية من سيفتا، ويندفع في الطرف الأدنى من البحيرة وينسكب بقوة أسفل ممر سوتوغودا الضيق ويقود إلى شونشنيجي. بعد أن ظل الطريق يرتفع لمسافة طويلة على جانب الجبل، انحدر تدريجيًا إلى مستوى النهر، وعبرنا مرارًا وتكرارًا عن طريق الجسور الخشبية الخلابة. هنا أيضًا، رأينا أفعى تشمس نفسها فوق كومة من الحجارة على جانب الطريق، حاولت أن تبتعد حين رأتنا، لكن كليمنتي قتلها على وجه السرعة، فقد ركض نحوها سريعًا وهز عصاه وكأنه مجنون. في هذه الأثناء، هبت رياح جنوبية غربية عبر الممر الضيق مثل الإعصار، دون أن تخفف بأي حال من الأحوال أشعة الشمس الحارقة، أو الوهج الذي يتصاعد من الحرارة المنبعثة من الطريق تحتنا.وصلنا إلى مكان قريب من شونشنيجي حوالي الساعة 10:30 صباحًا، وهي قرية صغيرة في منطقة مفتوحة بين شلال كورديفولي وشلال دي كانال. كان اسمها مونتي بلسا، وهي في الواقع نتوء جبلي طويل ممتد من سيفتا. رأينا قمة دي بيب، وهي قمة بركانية يبلغ ارتفاعها 8،239 قدمًا؛ والجبال الجنوبية لمونتي بيزا المطوقة بمدرجها الطبيعي، المنطقة المركزية منها أرض خصبة مرورًا بخطوط طويلة من الأشجار. مكثنا لساعتين في نزل صغير فقير في وسط القرية، وكنا سعداء لإيجاد مكان نحتمي فيه من الرياح والشمس في غرفة في الطابق العلوي، بينما كان الرجال يتناولون الطعام، وتتغذى البغال. يتعلم المرء سريعًا أن لا يتهور في أكل اللحوم والمشروبات الغريبة في هذه القرى النائية. قبل أن نبدأ رحلاتنا في الصباح كنا نتناول بعض الخبز الطازج والبيض المسلوق؛ وهكذا، عند الوصول إلى مكان جديد نسأل فقط عن الجبن والنبيذ والخس الطازج من الحديقة. لا يكون الجبن مستساغًا في كثير من الأحيان، ونعطي النبيذ عمومًا للرجال؛ ولكن بالنسبة لأننا يجب أن نطلب شيئًا وندفع ثمنه، فإنَّ تلك الأشياء تفي بالغرض. عندما نكون متعبين على نحو غير عادي، أو نميل إلى الانغماس في الكماليات، فإننا نطلب حساء ليبيغ أو شاي.خلف شونشنيجي، تتغير طبيعة المشهد فجأة. لا زلنا نرى شلال كورديفولي، ولكنه لا يشبه تمامًا مظهره الرعوي الذي كنا نراه إما أعلى أو أسفل كابريلي. المسطحات القاحلة التي شوهها الانهيار الجليدي لا تعد ولا تحصى ممتدة عبر الطريق الضيق؛ تتراص الصخور الساقطة بكتلتها الكبيرة في كل مكان في فوضى كبيرة؛ بينما يقطع الطريق مرارًا وتكرارًا بحواجز ضخمة من الأنقاض الصلبة. وتكرر كثرة الطرق الجانبية القصة المأساوية القديمة للموت المفاجئ. قصة السيل الذي واجهته آلاف العقبات وسحقها بغضب. تمكنا من رؤية قمم الأحجار الدولميتية الجيرية المتناثرة هنا وهناك للحظة ثم اختفت مرة أخرى. تجولت امرأة عمياء بعكازاتها في استراحة مزار مزخرف على جانب الطريق ورفعت صوتها المتوسل نحونا. بدا كل شيء حزينًا؛ بدا كل شيء مقفرًا.اتسع الممر الضيق شيئًا فشيئًا؛ وتبدى المرتفعان التوأمان العظيمان لمونت لوكانو والقمم المنشقة من مونتي بيز في الأفق؛ وكتغير سريع في المشهد على ساحة كبيرة، تفتَّح أمامنا وادٍ إيطالي مشمس غني بالكروم والكستناء وحقول من الذرة الهندية.من تلك النقطة بدأ الطريق يتعرج مرة نحو الظل ومرة نحو ضوء الشمس، ويجتاز قرية جنوبية تشبه تمامًا الأجزاء الداخلية لنابولي، حيث لا تشبه البيوت هنا تلك البيوت المزينة بأسلوب تيرولي في كل قرية صغيرة وعلى حوائطها لوحات جدارية مطموسة للمادونا والقديسين. المنازل هنا مبنية على مزارع كبيرة مملوءة بالخنازير والدواجن والأطفال، وتبث في المناظر الطبيعية جوًا من الرخاء السلمي تمامًا. تعلق الحانات على جانب الطريق اللافتات التقليدية التي كتب عليها: "Buon Acqua gratis، e Vendita di Buon Vino" (المياه الجيدة لأجل لا شيء والنبيذ الجيد للبيع). ظهرت منازل متفرقة وكنيسة مهمة جديدة ذات قبة كبيرة وقبتين صغيرتين في الأفق البعيد من الوادي. كانت تلك أغواردو، المكتب المعماري، العاصمة، أو المكان الرئيسي في المقاطعة.قطعنا ميلين آخرين فوق المسطح المترب ومن ثم وصلنا إلى هناك. استقبلنا نُزْل كبير في الطرف العلوي من ساحة بحجم ميدان ترافالغار على الأقل - مكان خالٍ من الراحة به رواق ومقهى في الطابق الأرضي، وغرف علوية نصف مفروشة لا تعد ولا تحصى. قادتنا إلى الطابق العلوي فتاة كسولة تلف شعرها في كعكة ضخمة (حيث لم يبدُ هناك سيد أو سيدة أو نادل في المكان) استحوذنا على كل الطابق الفارغ، وسألنا بالطبع "السؤال الأول" الذي يسأله المسافرون المتعبون،" ماذا يمكننا أن نتناول على العشاء؟"أتت الإجابة على هذا السؤال في شكل قائمة أسعار عادية. كان بإمكاننا الحصول على أي شيء من الحساء إلى الثلج إذا أردنا ذلك؛ لذلك، في ساعة طيش طلبنا عشاءً "حقيقيًا"، مكونًا من عدة أصناف، بما في ذلك سمك السلمون المرقط والدجاج المسلوق. حتى إننا تحدثنا بشكل مبهم عن قضاء يوم أو اثنين في أغواردو لنتمتع لفترة أطول بمثل هذه الأماكن الفاخرة.بعد أن استرحنا تحركنا لرؤية المدينة.من الغريب أن أقول أنه لا توجد مدينة، هناك ساحة فقط. قد يكون من الممكن أن تكون البيوت كافية هناك لإنشاء مدينة، إذا كان من الممكن جمعها معًا وترتيبها ضمن حدود معقولة؛ لكنها تظهر هنا وكأنها مجرد حواف حجرية تزين ثلاثة جوانب من الحظيرة المهجورة الكبيرة حيث يتجمع كل الأطفال، وكل الكلاب الضالة، وجميع لاعبي الكرة. ثلاث جهات فقط؛ لأنَّ الجهة الرابعة تحتلها بالكامل فيلا الكونت مانزوني المتداعية، بمصاريعها غير المطلية، ونوافذها المحطمة، وتماثيلها الخارجية التي تمثل الآلهة والإلهات المبتذلين الذين يجتمعون أمام السماء مثل جيش من البهلوانات وفتيات الباليه الحجريات. تقع الكنيسة بالقرب من الفندق في الجزء العلوي أو الجانب الشرقي من بيازا، وهي عبارة عن عمل حديث على طراز عصر النهضة من تصميم سيغوزيني. وبما أنَّ الباب كان مفتوحًا فقد رفعنا الستار الثقيل ودخلنا؛ ولكن الأمر بدا مثل الدخول إلى "فوضى وظلمة قديمة." كل الشبابيك كانت مغلقة أمام ضوء النهار المتلاشي. كان هناك قسيس كبوشي وبعض النسوة الراكعات هنا وهناك، وبدوا كظلال أكثر من الظلال نفسها. مصباح يحترق بشكل خافت أمام المذبح العالي - حيث تتوهج بضع شمعات أمام ضريح المادونا- حيث الطلاء الباهت، الخطوط الجدارية، قطع المذبح والتماثيل مرئية بشكل غير واضح. لم يكن الحصول على أي فكرة عن الزخارف، أو حتى نسب الكنيسة ممكنًا لذلك أجلنا تفحصها حتى الغد، وتجولنا في الساحة بدلًا عن ذلك.بعد أن انتهينا من ذلك، وبعد أن تفحصنا شارعًا خلفيًا ضيقًا يمتد فوق التل خلف المدينة، عدنا إلى المنزل (المنزل هو النزل في "مينيير") لتناول العشاء. وهنا يجب أن أقول إنَّ المنزل سمي على مناجم النحاس والرصاص والزنك التي تشكل الكنز التجاري للمنطقة. تقع هذه المناجم عند مصب شلال فال إمبرينا، على بعد حوالي ميلين من أغواردو، والتي كانت تنتمي سابقًا إلى جمهورية فينيسيا، وهي الآن ممتلكات حكومية. ومع ذلك، يتم تنفيذ الأعمال بتقتير شديد لدرجة أنَّ الناتج الصافي لا يتجاوز 50.000 ليرة أو حوالي 2000 جنيه إسترليني سنويًا. وقيل إنَّ هناك منجمًا سريعًا للفضة بالقرب من غوسالدا، على بعد ستة أميال تقريبًا في اتجاه آخر، أقامته شركة خاصة، يجلب واردات بشكل أفضل. هل قلت إننا عدنا إلى المنزل لتناول العشاء؟ آه، حسنًا، لقد كانت أمسية قائظة وفاترة وكان هناك رعد في الهواء؛ ولحسن الحظ، لم نكن جائعين جدًا. لن أتناول التفاصيل الحزينة. يكفي فقط أن أقول إنَّ الدجاج المغلي لم يأت فقط بريشه مثل زعيم أفريقي في لباسه الكامل، بل إنَّ أعضاءه الداخلية لم تنتزع أيضًا. وقد أعدت بقية الأطباق بنفس الروح: - "لم نتفاهم معهم" من ناحيتي، وحتى يومنا هذا أعتقد أنَّ الطباخ كان مجنونًا. اختفى حلم قضاء يوم أو يومين في أغواردوا أثناء تناول العشاء. وعقدنا العزم على التوجه بأسرع ما يمكن لبريميرو؛ وهكذا، بمجرد أن رفعت المائدة، أرسلنا في طلب جوزيبي وطلبنا منه إحضار البغال أمام الباب في الساعة السادسة والنصف من صباح اليوم التالي. في تلك الليلة حلت عاصفة هائلة؛ أشرس عاصفة رأيناها حتى الآن. بدأت فجأة، مع صوت الرعد فوق سطح الفندق مباشرة، ومن ثم استمر البرق والرعد بشكل مستمر لأكثر من نصف ساعة قبل سقوط المطر. بدا أنَّ البرق يمر بشكل مائل على طول الغيوم في تيارات خشنة، وينتهي كل مرة بتوجيه سهامه مباشرة نحو الأرض. كانت تلك التيارات الكهربائية في حد ذاتها بيضاء، لكن الضوء الذي ألقته على المكان كان باللون البنفسجي اللامع، غني بالألوان كانفجار ضوء البنغال. لم أرَ أبدًا أي شيء يساوي حيوية هذا الضوء البنفسجي، أو الطريقة التي جرد بها الجبال العظيمة على الجانب المقابل من الوادي من ظلامها فحسب، بل إبرازه بوضوح شديد كل ورقة منفصلة على الأشجار، وكل قرميدة في أبعد المنازل، وكل ورقة عشب في الساحة أمامنا.ظلت هذه البروق تتابع في في فترة لا تتجاوز الخمسة عشر ثانية كل مرة لمدة عشر دقائق، وأحيانًا في فترة لا تتجاوز الخمس ثوانٍ؛ بحيث بدا وكأن هناك "بروق ظلام" و "بروق ضوء". ظلت أجراس الكنيسة تقرع كالعادة طوال وقت العاصفة؛ ولكن أصوات الرعد تناوبت باستمرار، وتردد صداها وتكرر بشكل كبير من مدرجات الجبال المحيطة. وشيئًا فشيئًا - بعد مرور أربعين دقيقة - جاء انفجار كبير يصم الآذان، وكأنَّ جبلًا قد انفجر؛ وبعد ذلك، تساقط المطر الغزير، مطر فقط، حتى الساعة الثانية صباحًا. ومع ذلك، بحلول الساعة السادسة والنصف، عندما خرجنا من أغوردو، كان الطقس رائعًا كما كان دائمًا. كانت السحب البيضاء تبحر أمام الريح. ملأت النسمات العليلة التي تشبه تلك التي تأتي بعد العواصف الصيفية الهواء. بدت الأشجار، العشب، الزهور البرية وحتى الجبال، كما لو أنَّ ألوانها قد عولجت بفرشاة مبلّلة، ومن ثم تركت لتجف في الشمس.يبدأ طريقنا عبر جسر كورديفولي ثم يصل إلى مسار شديد الانحدار، ضيق جدًا، مرصوف جزئيًا، ومظلل على كلا الجانبين بشجيرات البرباريس، كانت الورود البرية في كل مكان، وأشجار الجوز مليئة بالفعل بمجموعات من الفاكهة الجديدة. تبدو مونتي لوكانو في الشكل مثل الشقيق الأصغر لبيلمو، تعلو نحو ضباب الصباح من جهة، وتظهر القمم البرية لمونتي بيز ومونت اجنارا بين الحين والآخر على الجهة الآخرى. وهكذا وصلنا إلى فولتاجو واجتزناها - وهي قرية خلابة تحيط بها غابات خضراء ومنحدرات من الذرة الهندية. وفي أسفل الوادي تتألق أغوردو، بقبابها البيضاء؛ وقبالة الأفق الشرقي، ترتفع القمم الوردية لـ مونتي لاستي، القمة الغامضة لجبل مونتي برامبير، وقمة صغيرة منعزلة تسمى جزيلا دي فيسكوفا، والتي تبدو مثل إصبع موجَّه نحو السماء.بعد ذلك مررنا بقرية مليئة بالكرز، وببساتين مليئة بالفاكهة القرمزية - ثم وادٍ رومانسي يسمى فال فالينا- ثم قرية فريسيني المتناثرة، مع كنيستها الصغيرة في وسط جبل المرج، والذي تحيط به غابات أشجار الشوح. من الذي كان يحلم بإيجاد مصنع لتصنيع آلات البيانو في مثل هذه الزاوية الضائعة من التلال، أو صانع كمنجات وكونتراباس بالقرب من فولتيج؟ ولكن في فريسيني، تبين أنَّ البيانو الذي يصنع هناك ذو سمعة محترمة، ويقال إنَّ الكمنجات الكبيرة والصغيرة التي يصنعها فالنتينو كونيديرا في فولتيج متميزة بشكل استثنائي. والآن، بينما نتجول عبر هذه المساحة من المروج الممتعة، تزحزح الضباب فجأة وكشف عن لمحة مذهلة من ثلاث مسلات هائلة، يبدو أنَّ ارتفاعها يبلغ أميالًا. كانت تلك قمم ساسو دي كامبو، إحدى أعلى قمم "بريميرو"، التي لم يتسلقها أي شخص من قبل، ويقدّر أنها تعلو إلى ما يصل إلى 10000 قدم فوق مستوى البحر. تفرق الضباب ثم تجمع ثانية؛ تبرز القمم للحظة في ضوء الشمس الساطع، ثم تذوب وكأنها مصنوعة من الهواء! وقد كانت تلك أول وآخر مرة نشاهد فيها ساسو دي كامبو.يرتفع الطريق دائمًا، ويمتد الآن عبر منطقة مشجرة، صخرية ولكنها ظليلة، ولا زال سرب الفراشات الرائعة يحوم حولنا، ومن ثم أصبح الطريق نفقًا من الخضرة، لا يتسع إلا لمرور شخص واحد وبغل في كل مرة. تلتقي فروع الصنوبر وتصدر حفيفًا في الأعلى؛ قطرات الندى تتساقط من صخرة إلى أخرى، وتتدفق بين الحين والآخر عبر الطريق؛ بينما تزدان الضفاف على كل جانب بجميع أنواع الطحالب الغنية، الفراولة البرية، السراخس، البلوط، والزان. إذا لم يكن الممر شديد الانحدار وزلقًا، وكان الجهد صعبًا بالنسبة للبغال، لم نكن لنرى مكانًا أكثر طلاوة في يوم كهذا؛ لأنَّ الطقس يزداد سخونة كل ساعة، بينما تشرق الشمس وتتدفق الأبخرة. لكن سحب البغال كان عملًا طويلًا جدًا وصعبًا جدًا؛ ولأنَّ الطريق يتحول في العديد من الأماكن إلى درج مكسور من الصخور الرطبة فقد عانى خلالها البغلان ويصارعان بأقصى صعوبة، على الرغم من كونهما دون ركاب. في النهاية، بعد أن خطونا خطوة كبيرة أخيرة، تفتحت أمام أعيننا هضبة شاسعة شبيهة بالمنتزهات تتناثر فوقها مجموعات أشجار التنوب، تشقها مئات الينابيع الصغيرة، وقد كانت مشرقة بالورود البرية، مثل بحر متدفق بالمروج الخضراء الغنية. كانت تلك قمة ممر غوسالدا. تقع قرية غوسالدا، وهي قرية صغيرة متعرجة على الجانب الجبلي، مواجهة لمونتي بيتون ومونتي برابيلو ووادي ميس، على بُعد حوالي ميلين. وهناك توقفنا لأخذ استراحة منتصف نهار عادية في نزل صغير متواضع. وجدنا مكانًا مناسبًا للجلوس على طاولة جيدة وزوجين من المقاعد الخشبية، ونافذة مفتوحة تطل على منظر ساحر على الوادي والجبال. طلبنا، كالعادة، الخبز والجبن والنبيذ. ووضحنا أنَّ النبيذ للرجال، وأننا بحاجة إلى كوب شاي وملاعق لأنفسنا؛ لكن صاحبة المكان، وهي امرأة غبية مصابة بتضخم الغدة الدرقية هزت رأسها ووقفت حائرة."كوب؟ " كررت متسائلة،"كوب؟" ولما وجدت أنه من المستحيل أن أجعلها تفهم ما هو الكأس، قمت برسم كوب وملعقة على الجدار الأبيض المغسول؛ ومن ثم، زودتنا بوعائي بودينغ وملاعق معدنية كبيرة، بحيث بدونا مثل شخصيات كرتونية تتناول الشاي في فقرة إيمائية."يا إلهي! أنت تحملين النار معك!" صرخت طفلة الطبيعة تلك، وحدقت في المصباح المشتعل وفمها مفتوح على اتساعه بدهشة.ولعدم اهتمامي بالخوض في نقاش حول طبيعة واستخدامات الكحول والنبيذ، تجرأت على تذكيرها بالخبز، واستفسرت عما إذا كانت قد قدمت النبيذ للرجال.أومأت ومن ثم هزت رأسها مرة أخرى، مع وقفة قصيرة.أجابت، "النبيذ نعم، الخبز لا".يبدو من المعقول فقط أن نفكر أنه ما دام الخبز قد نفذ في المنزل، فيجب عليها أن ترسل لجلبه على الفور. لكن لا. لم تهز رأسها هذه المرة بل إصبعها - وهي إيماءة إيطالية تمامًا. لا فائدة من الإرسال في طلب الخبز. لا يوجد شيء. لا يوجد خبز في "المدينة". لا أحد لديه خبز - لا أحد في غوسالدا. ولا حتى باروكو. كل شيء يأتي من الوادي. يأتي الخباز من الوادي مرتين في الأسبوع، لكنه ليس دقيقًا في مواعيده دائمًا، لقد مضت خمسة أيام منذ آخر مرة أتى فيها، ولا يوجد فتات خبز متبقٍ في القرية.سألت، عندما وصلت إلى نهاية هذا التصريح المذهل، "ولكن لماذا لا تصنعون الخبز الخاص بكم هنا في غوسالدا؟""إيه سيدتي، ليس لدينا خباز"."وماذا تأكلون عندما لا يأتي الخباز؟""إيه سيدتي، نأكل عصيدة من دقيق الذرة".لحسن الحظ، كان لدينا القليل من الخبز في سلة الغداء؛ ولكن أقل من المعتاد، بعد أن أعطينا بعضًا منه للبغال نظير سعيها في ذاك الممر الضيق. لكننا كنا أفضل حالًا من جوزيبي وكليمنتي، اللذيْن لم يحصلا على أي شيء: - ولا حتى طبق من عصيدة دقيق الذرة. يبلغ تعداد سكان هذه القرية أربعمائة أو خمسمائة نفس على الأقل. بدا الفلاحون في المنطقة الجبلية بين أغوردو وبريمييرو، بقدر ما يمكن للمرء أن يحكم من خلال رحلة ليوم واحد، أشد فقرًا، أقذر، وأكثر جهلًا من أي مكان آخر. كان معظم الذين مررنا بهم خلال الطريق، أو رأيناهم يعملون في الحقول مصابين بانتفاخ الغدة الدرقية؛ وقليلون فهموا أي شيء غير لهجتهم العامية البربرية. حتى صاحبة نزل غوسالدا، على الرغم من أنها كانت بلا شك متفوقة على العديد من جيرانها، إلا أنها لم تتحدث إلا قليلًا من الإيطالية، ولم يكن لديها أي معلومات محلية. وعندما سُئلت عن اسم الجبل النبيل الذي يظهر كسمة أساسية من خلال نوافذها الأمامية، أجابت أولًا بأنه مونتي سيريدا. بعد ذلك قالت ساسو دي ميس؛ وأقرت أنها لم تكن تعرف على وجه اليقين ما إذا كان له اسم على الإطلاق. رغم أنَّ هذا سؤال لا بد أنه وجه إليها باستمرار. لكن الجبل، كما هو محدد في الخريطة، أثبت أنه مونتي برابيلو، أعلى نقطة منه (تسمى أحيانًا إل بيز، وأحيانا إل بيزوكو) ترتفع إلى ارتفاع يصل إلى 6733 قدم فوق مستوى البحر.ممر ثانٍ - ممر شيريدا- يقع بيننا وبين بريميرو. وتقدر المسافة بنحو ساعتين إلى هناك من غوسالدا، هناك طريق جيد لتعبره البغال. بدأ الطريق بشكل جميل، وكان منحدرًاٍ ولكنه ظليل، وينتهي بين ركام صخري، وشَيعٌ عالٍ وأشجار مقوسة. ومع ذلك، فقد كان المشهد لطيفًا للغاية ليستمر لوقت أطول؛ وعاجلًا سوف نصبح عرضة بدرجة مبالغ فيها لأسوأ سمات وأسوأ أجزاء ممر غوسالدا. كان ممر غوسالدا شديد الانحدار، لكنْ ممر شيريدا منحدر أكثر بالتأكيد. كان ممر غوسالدا رطبًا تحت أقدامنا؛ ولكن ممر شيريدا يبدو لأميال لا أكثر ولا أقل كسرير سيل صغير؛ لا رغبة للسيول الكبيرة فيه. لمرتين اضطررنا إلى الترجل وشق طريقنا سيرًا على الأقدام من الحجر إلى الحجر عبر جداول متدفقة يبلغ عرضها حوالي ثلاثين قدمًا فقط.ما يثير التساؤل هو ما إذا كان هناك شخص يعيش في هذا المكان الذي يصعب الوصول إليه؛ ومع ذلك، فقد كنا نجتاز المنازل الريفية باستمرار، ومجموعات البيوت على جانب الطريق؛ وقد كان أسفل الوادي العظيم مكتظًا بشكل كثيف. امرأة تقف عند باب حديقتها وهي ترضع طفلًا نحيلًا يبلغ من العمر حوالي ستة أشهر، استفسرت بلهفة من أين أتينا، وإذا ظننا أنَّ المكان هنا "سيء؟ "وبعد أن أكدنا لها أننا لا نعتقد أنه "سيء" بل "جميل"، أبكمتها الدهشة."وإلى أين! إلى أين أنتم ذاهبون؟" كان سؤالها التالي، سألته بنوع من الحماس المحموم، كما لو كانت حياتها تعتمد على الجواب.أجبتها بأننا ذاهبون إلى بريميرو، بريدازو، فيغو، وأماكن أخرى."بريميرو!" كررت لاهثة، "إلى بريدازو! رحمتك يا مادونا ما عدد الطرق السيئة التي أمامكم!"قالت تلك الكلمات ومالت نحو البوابة وراقبتنا بتعاطف صادق وعجب طوال الطريق.الآن غاص الوادي إلى أسفل، وارتفعت الجبال مع كل خطوة على الطريق. كان الطريق شديد الانحدار إلى حد كبير. تركت البغال نفسها وتسلقت بطريقة أكثر ذكاء، وتصرفت بطريقة تتفوق على أولئك الذين يسيرون على الأقدام. وفي النهاية وصلنا إلى مكان لم يعد من الممكن وصفه بأنه طريق ولكن حاجز؛ يمتد في الحقيقة عبر جدار صخري أسفل الهضبة التي كنا نتسلقها طوال هذا الوقت. هنا يجب مساعدة البغال؛ ومن خلال الدفع جزئيًا، والسحب جزئيًا وصلنا إلى القمة في النهاية.والآن هناك منطقة أخرى رائعة، تشبه إلى حد ما قمة غوسالدا، لكنها أكثر وحشية وقحولة، تنفتح بالطريقة نفسها وفي الاتجاه نفسه، مثل المروج المسحورة في الحكاية الخيالية التي تمتد إلى الأبد بلا نهاية. بهجة واهنة صغيرة في وسط هذه البرية شعر بها مرشدونا الجوعى، الذين لم يجدوا هنا فقط النبيذ الجيد بل الخبز الأبيض أيضًا، الكثير منه.ومع ذلك، يجب أن تكون فترة راحة قصيرة، لأنَّ اليوم يتقدم، وقد أمضينا بالفعل تسع ساعات على الطريق، بما في ذلك التوقفات. سأل جوزيبي، ونحن ننطلق من جديد، "كم تبقى من الوقت حتى نصل إلى بريميرو؟"وأجابت المرأة الطيبة بالطريقة نفسها التي أجابت بها المرأة سابقًا في غوسالدا: -"ساعتان ونصف!" كقاعدة عامة، فإنَّ الورود البرية الأجود في جميع أنحاء هذه الأقاليم الجبلية تكثر في المواقع المكشوفة، وتزدهر على نحو راقٍ على ارتفاعات لا تقل كثيرًا عن حد الغطاء النباتي. في شيريدا، بدلًا من النمو بطريقة فوضوية غنية كما هو الحال في أماكن أخرى، فإنها تفصل إلى مجموعات مميزة؛ تظهر هنا على سفح تل في مجموعات من الزنابق الملونة؛ لا يجرؤ أي رسام على تمثيل هذه المنحدرات المذهلة للورود المتعاقبة والألوان الذهبية والزرقاء.في النهاية، بدأ المسار بالهبوط، وارتفعت آمالنا. في كل لحظة نتوقع أن نرى مشهدًا أخضرَ تتبدى بريميرو في نهايته. ومع ذلك، عندما التقينا بالفلاح الذي يرتدي ملابسَ راقية من طبقة المزارعين، ووجهنا له السؤال نفسه بالكلمات السابقة ذاتها، شعرنا بالارتباك لتلقينا الإجابة نفسها بالضبط، "ساعتان ونصف أيتها السيدات". ولشعورنا بإحباط عميق، فقد أكملنا طريقنا في صمت حزين. لقد مضى الآن أكثر من ثلاث ساعات منذ أن غادرنا غوسالدا، ومع ذلك يبدو أننا أبعد من أي وقت مضى من بريميرو. إذا لم نكن متعبين، إذا لم نكن جائعين، إذا لم تكن البغال قد بدأت تتعثر في كل خطوة، فإنَّ الأمر سيكون كوميديًا تقريبًا، لكن لأنَّ الأمر بدا سيئًا فقد تابعنا طريقنا بإحساس جنائزي. اتبعنا دائمًا مسار السيل الصغير، وعبرنا المراعي الطويلة التي تنتشر فوقها الأكواخ البنية. شيئًا فشيئًا، وبعد أن عبرنا ميلين أو ثلاثة أخرى من الطريق، مررنا بمجموعة من السكان المحليين يجمعون القش الجديد. هذه المرة رفع جوزيبي صوته، وسأل السؤال النمطي. وأتى الجواب بشكل ساحق."حوالي ثلاث ساعات".بدأت في الاعتقاد بأننا تحت سيطرة بعض اللعنات الرهيبة. وواتتني رؤية أننا سنركض إلى الأبد، مثل مجموعة من اليهود المتجولين، حتى يصبح أربعتنا مسنين، وشعرنا أشيب، وبالين. فجأة التفت كليمينتي بعينين مشرقتين بغبطة مخنوقة، وقال: -"ألا تعتقد السيدة أننا يمكن أن نصل إلى هناك بشكل أسرع إذا عدنا إلى الوراء؟"كانت نكتة صغيرة. لكنها جعلتنا نضحك على مصائبنا. بعد ذلك، طرحنا السؤال نفسه على كل شخص التقينا به - لمجموعة من النساء اللواتي يحملن حزم حطب؛ إلى رجل عجوز يقود خنزيرًا؛ إلى كاهن بدين يركب "بحماسة" على حمار مثل سانشو بانزا؛ وحطاب عائد إلى البيت بفأسه على كتفه، مثل جلاد خارج من إسطبل. كل واحد منهم منحنا إجابة مختلفة بالطبع. أحدهم قال ساعتان، والآخر قال ساعتان ونصف، والثالث قال ثلاث ساعات؛ وما إلى ذلك. ثم مرة واحدة، عندما لم نكن نتوقع ذلك، وصلنا إلى مساحة مفتوحة شاسعة ورأينا قلعة بيترا على قمة لا يمكن الوصول إليها فوق صخور مقسمة أمام أعيننا. بعد بضع لحظات، انفتح الوادي على عمق غير محدود - ورأينا خشب الكستناء، القرى، كروم العنب والجبال الأرجوانية التي تتجمع فيها السحب العاصفة بسرعة.قال كليمنتي، "ها بريميرو!" أشار إلى مدينة بها أكواخ كثيرة في نهاية طريق أبيض طويل، على بعد أميال وأميال.بدت قلعة بيترا مألوفة بالفعل لمعظم قراء كتب غيلبرت وتشرشل - القلعة ملك الكونت ويلسبيرغ، وقد أسسها أجداده في العصور الإقطاعية القديمة، والذين لا زالوا يعيشون في بريميرو. وقد انفصلت حافة الصخرة التي تقف عليها القلعة من أعلى إلى أسفل في وقت ما خلال القرن الماضي؛ ومن ذلك الحين صار الوصول إليها غير ممكن. تمكن المالك الحالي عندما كان شابًا مرة واحدة، مرة واحدة فقط، بمساعدة الحبال، والسلالم، والعمال من بريميرو، من التسلق مع بعض الأصدقاء إلى قمة تلك الأبراج المهجورة؛ لكن ذلك كان منذ عدة سنوات، ومنذ ذلك الحين احتلت البوم والخفافيش المكان دون عائق. تقف القلعة كحارس وحيد عند قمة شلال كول دي ساك العظيم، والمعروف باسم شلال دي كانال، وهو معلم بارز في وادي بريميرو.الانعطاف الأخير من ممر شيريدا يمر خلال طريق صخري ويعتبر عاموديًا تقريبًا مقارنة بالنزول من غيمي على جانب البحيرة وهو طريق مستوٍ ومقبول. الحجارة الرخوة التي تتدحرج تحت القدم، والمنحدرات المفاجئة للصخور الزلقة، تصعب الأمر حتى على المشاة الذين يستخدمون العصي المعدنية. لكن الأسوأ من ذلك هو البغال، التي تنزلق وتناضل، وتتبارى بطريقة محزنة، وحيث يتم جرها من نهايات أذنابها بشكل مخزي.في النهاية وصلنا إلى الطريق المستوي؛ وتعجلنا على طول الطريق المغبر الذي يمر عبر قرية توناديغو المدمرة، دخلنا بريميرو بينما قرعت أجراس الكنيسة في تمام الساعة السابعة مساءً. هنا في نزل "النسر الأسود"، الذي تديره السيدة بونيتي وجدنا استراحة، طعامًا جيدًا، ترحيبًا ودودًا، وغرفًا أفضل؛ وقبل كل شيء فقد كان المدخل يثير التساؤلات. بدا المدخل مروعًا - مجرد قوس مظلم يؤدي إلى إسطبل ماعز، ولكنْ المطبخ والغرف العامة تقعان في الطابق الأول، وغرف الزوار في الطابق الثاني؛ بحيث يمكننا أن نقول إنَّ البيت يبدأ من الطابق الذي يرتفع فوق مستوى الشارع. من المثير للفضول مدى السرعة التي يتعلم المرء أن يكون راضيًا في تلك النزل التيرولية المتواضعة، وأن ينظر إليهم كأصدقاء، وأن يعتبر القوم اللطفاء الذين يستقبلونه كأنداد تقريبًا. وبوضع عطر الجمهورياتية العتيق جانبًا والذي يبدو أنه لا يزال يسبح في الهواء من خلال كل ما كان في الماضي فينيسيا، فإنَّ أصحاب النزل التيروليين، في معظم الأحيان، أناس من العائلات القديمة الذين يملكون الأراضي ويقومون بالمهام المرتبطة بأوطانهم الأصلية منذ العصور الوسطى. هكذا سمعنا عن غدينا من الأمبيزو الذي تولى قيادة مهمة عسكرية في بداية القرن الخامس عشر. والجياكوميليس الذين يعيشون الآن في "نافي دورو" في بريدازو حيث كان يعيش النبلاء قبل بضع مئات من السنين". يعود تاريخ قوم بيزي إلى الفترة التي ترجع إليها أقدم سجلات رأيناها في كابريلي، وقد أخذوا اسمهم من مونتي بيزا، على المنحدرات السفلية التي لا زالوا يحتفظون فيها حتى الآن ببقايا عقاراتهم القديمة. سأتحدث أكثر عن نزل شيرشيناسو من فرونو دي زولدو، والذي ذكر في كتاب السيد غيلبرت عن كادور؛ في وثائق كتبت منذ أكثر من خمسمائة سنة.لا أعرف ما إذا كان قوم البونيتيس من بريميرو من أصل بورجوازي قديم أو نبلاء سابقين؛ لكنهم مهذبون ومضيافون بشكل خاص، بحيث لا يخطئ المرء في الاعتقاد أنهم مهذبون أكثر من البقية.لكنني اعتقد أنَّ الأشخاص المسافرين أو الذين ينوون السفر خلال هذه الوديان يجب أن يكونوا على دراية بالحقائق السابقة. وسيكون من الجيد أن يتذكروا أنهم لا يتعاملون هنا مع أصحاب النزل العاديين؛ ولكن مع أشخاص هم في الغالب لا يعتمدون على النزل كمصدر دخل أساسي، ومستعدين لاستقبال الغرباء بلطف. إذا كان مكان الإقامة بدائيًا، فمن المرجح أنَّ ذلك أفضل ما يمتكلونه؛ ودائمًا يكون رخيصًا للغاية. ربما لا تكون التحضيرات مثالية، لكن هناك نزعة لطيفة حول الترتيبات المحلية التي تعوض عن أي قصور بسيط بطرق أخرى. عمومًا، تقوم الوالدة بطهي الطعام لضيوفها؛ يهتم الأب بإيواء الماشية؛ يخدم الأبناء والبنات على الطاولة. جميعهم مهتمون براحة المرء. وجميعهم حريصون على أظهار الاحترام.إنَّ معاملتهم بتكبر، أو بشبهة، أو اختلاق مشاكل لا لزوم لها، أمر غير عادل وغير حكيم على حد سواء. لقد شاهدت السيدة المسنة بيتسي سابقًا وعينيها مغرورقتان بالدموع تقريبًا لأنَّ رجالًا إنجليز كانوا حريصين دائمًا على إقفال جميع ممتلكاتهم بالقفل والمفتاح في كل مرة يغامرون فيها بالخروج من المكان. الأشخاص نفسهم، عندما هموا بمغادرة المكان، انتقدوا كل سلعة من سلع فاتورتهم المعتدلة، كما لو أنه، وبغضَّ النظر عن قلة النقود التي يجب أن يدفعوها، أحسوا وكان الأمر كان مفروضًا عليهم بطريقة ما. إنَّ النتيجة النهائية لمثل هذا السلوك، والذي هو جزء من شعبنا العزيز، واضحة إلى أقصى حد. النزل القديمة التي تأوي العائلات ستقفل أبوابها قبالتنا في اشمئزاز؛ فئة من المضاربين المبتذلين، ربما السويسريون، سوف يتدخلون ويحتلون الأرض؛ سوف تنبثق الفنادق الأحدث والأذكى، لكن الأقل راحة بكثير مثل الفطر في هذه الوديان الهادئة. سيتم اعتراض جميع الاتصالات المباشرة بين سكان المدينة الأصليين والمسافرين الغرباء؛ ومن ثم ستزول البساطة، الشعر والسحر الوطني لمنطقة الدولميت إلى الأبد. _______________________بتكليف ورعاية من الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، وبدافع من حب المعرفة والسعي لنشرها قامت القرية الإلكترونية بتوفير هذه النسخة من الكتاب وسوف نقوم بنشرها على حلقات تباعاً هنا في جوجل بلس نأمل أن تحوز إعجابكم وأن تكون مساهمة في #نشر_المعرفةصفحتنا الرسمية في فيس بوك :https://www.facebook.com/mohammed.suwaidi.poet/منصتنا في جوجل بلس لمتابعة باقي مشروعاتناhttps://plus.google.com/+HisExcellencyMohammedAhmedAlSuwaidi?hl=ar(جميع الحقوق محفوظة), Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi....
اعرض في فيس بوك , Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi قمم غير موطوءة وأودية غير مطروقةالباب الثامن- في كابريليتأليف:إيمليا إدواردزترجمة: سماح جعفر------ يصعب إرضاء الناس الطيبين في كابريلي في ما يخص مسألة الطقس. ظلت....
اقرأ المزيد ... قمم غير موطوءة وأودية غير مطروقةالباب الثامن- في كابريليتأليف:إيمليا إدواردزترجمة: سماح جعفر------ يصعب إرضاء الناس الطيبين في كابريلي في ما يخص مسألة الطقس. ظلت أجراس الكنيسة ترن طوال الليل، وخرج السكان في صباح اليوم التالي في موكب رسمي في الخامسة صباحًا ليطالبوا بحماية العذراء من العواصف. انسحبت الغيوم وفقًا لذلك، وتبع العاصفة في اليوم التالي صباحٌ استثنائي. لكن في منتصف النهار، تشكل الموكب مرة أخرى، بشكل احتفالي أكثر من ذي قبل - أتى فلاح حافي القدمين طويل القامة في رداء كهنوتي أولًا؛ وهو يحمل صليبًا خشبيًا ضخمًا؛ ثم كاهن بدين يرتدي قبعته ويترنم بالصلوات؛ ثم ولدان صغيران متسخان يرتديان قبعتين حمراوين ويحملان مشاعل مطفأة في أوتاد؛ في النهاية، كان عدد كبير من سكان البلاد يسيرون في مجموعات مكونة من شخصين، الرجال أولًا، وتليهم النساء، ومن ثم الأطفال، كلهم يمسكون قبعاتهم في أيديهم وكلهم يهتفون. التفوا بهذا الترتيب ببطء حول القرية، ابتداء من مقاطعة سان ماركو.التفت وسألت فلاحًا ذا مظهر لائق كان يغسل عربته تحت القنطرة، "ما هو سبب الموكب الآن؟"فأجابني قائلًا، "إنهم يذهبون إلى الكنيسة للصلاة من أجل المطر سيدتي"، وخلع قبعته أثناء مرور الموكب.قلت، "لكنها أمطرت بالأمس، وقد كنتم جميعًا تصلون صباح اليوم من أجل طقس جيد".قال الفلاح برزانة، "لا يا سيدتي؛ لقد كنا نصلي هذا الصباح ضد الرعد والبرق، وليس المطر"."أوه، فهمت، أنتم تريدون المطر، لكنكم تفضلونه دون رعد"."نعم، سيدتي. نريد المطر بشدة. لقد كنا نصلي لتوقف الجفاف طوال الأيام العشر الماضية".قلت، "لكن يبدو لي أنكم كنتم ستستهلكوا وقتًا أقل إذا طلبتم من المادونا أن تجعل الرياح تهب نحو الجنوب الغربي وأن ترسل ثماني وأربعين ساعة من المطر المطرد على الفور، بدلًا من الصلاة ضد الرعد، البرق، والجفاف.نظر الرجل نحوي مذهولًا.قال معتذرًا، "ربما كنت محقة سيدتي"."سوف يحل لنا الكاهن الأمر كله - فهو يعرف أكثر".بدا الفلاح المسكين متواضعًا وجادًا لدرجة أني ابتعدت، وشعرت بالخجل من طيشي.بعد ذلك، صار الطقس غير مستقر لعدة أيام، حيث كان جيدًا في الصباح وعاصفًا في الليل. ولأنَّ الحال استمر بهذا الشكل، فقد جاء الموكب بشكل منتظم مرتين في اليوم، للاحتجاج على العاصفة أو أشعة الشمس، وفقًا لحالة الجو سواء كانت رطبة أو جيدة. في هذه الأثناء، لا بد أن قارعي الأجراس قد واجهوا صعوبة بسبب ذلك - لأنَّ قرع الأجراس الذي كان يسبب لنا الكثير من عدم الارتياح، كان مرضيًا لشعب كابريلي - كانت الأجراس تقرع كل ليلة تقريبًا. اعتقد الفقراء أنَّ هذا الطقس يطرد الأرواح الشريرة للعاصفة؛ في حين ظن البعض الآخر أنها تسبب نوعًا من الحركة الموجية في الهواء، وبذلك تكسر استمرارية السوائل الكهربائية. من كان يتوقع أن تكون هذه الخرافات المتفجرة سارية في أي ركن من أركان أوروبا حتى الآن؟ كان الأمر يشبه الانتقال مرة أخرى إلى العصور الوسطى. أن تكون محاطًا بالطقس السيء في كابريلي لبضعة أيام هو أسوأ مصير قد يصيب المسافر في هذه الأجزاء على الإطلاق. المكان مليء بأماكن تنزه مبهجة، ويمكنك التمتع برؤيتها كلها بين المطر السابق والتالي؛ من الغابات والوديان والمراعي الغنية بالأزهار البرية؛ التلال الجيدة لأولئك الذين يحبون التسلق؛ الأشكال الظلية للطالب؛ سمك السلمون المرقط للصياد؛ ونبات السرخس لعلماء النبات. في وادٍ صغير جميل بين نباتات الشوح والأركان المطحلبة للصخور، التي لا تبعد أكثر من ربع ميل من القرية، ستجد عينات من السراخس الرقيقة، السراخس الكثبانية، السراخس الجرداء، والعديد من أنواع البَرشاوشان الشُعَيْري الزُهري. وبالنسبة لمسألة الرسم، فإنَّ المواضيع تتبدى للمرء في كل منعطف من المسار. ولا أحد، كما هو الحال في الكثير من قرى وأودية أحجار الدلوميت الجيرية، يدفع عقوبة المجاعة في مقابل كل هذه الملذات. الطعام جيد تمامًا، وطهي مدام بيتسي لا يمكن الاعتراض عليه. لحم البقر، المغمس في القرفة، هو موضع ترحيب بعد مدة طويلة ومليئة بتناول لحم العجل. سمك السلمون المرقط من وادي أليغي ممتاز؛ الخبز، الفراولة البرية، وقشدة الجبل الغنية كلها لذيذة جدًا؛ وحتى الخضار جيدٌ جدًا.ثم، إلى جانب المشي والسراخس والرسم، فإنَّ كابريلي - مثل كل مكان إيطالي تقريبًا - لها خصائصها الخاصة؛ عجائبها المحلية؛ جذرها الصغير في تاريخ العصور الوسطى؛ وهذه هي الأشياء لا يمكن رؤيتها إلا إذا تسكع المرء لبضعة أيام، وتحدث إلى الناس، وكون صداقات مع الكاهن، واقترض كل الكتب القديمة في المكان. وبهذه الطريقة، نلقي الضوء على بضع نبذات غريبة من الحقيقة مثيرة للاهتمام أكثر من أن تروى. وهكذا عرفنا أنه كان هناك مناجم كبيرة من الحديد سابقًا في كول دي سانتا لوسيا؛ وأنَّ كلًا من وادي أليغي ومدينة كابريلي كانتا مشهورتين بالحدادين وصانعي الأسلحة المهرة؛ وأنهم كانوا يصدرون السكاكين والسيوف إلى فينيسيا. وأنَّ مقبض الباب البرونزي القديم الرائع الذي كان في شكل حورية البحر، والمطرقة الملتوية المكونة من قطعة واحدة صلبة التي أعجبت بها كثيرًا يوم أمس على باب البيت الحجري المتداعي في الطرف الأبعد للقرية، ربما جاءت من بعض أشجار السندان المدفونة الآن في قاع البحيرة. يقولون إنه كان هناك أربعون منجمًا في الماضي في إقليم بيلونو، لكن لا يوجد الآن سوى أربعة منها.كان الاسم القديم لكابريلي هو مقاطعة غبريال. لم أتمكن من إيجاد أي نقوش أو جرار أو فسيفساء قد عُثِر عليها هنا، كالتي وجدتها في لونجارون وكاستل لافازو؛ لذلك يبدو الاسم اللاتيني القديم هو البقايا الرومانية الوحيدة المتبقية من منتصف القرن الخامس عشر. وحد رجال كابريل وكادور قواهم السياسية، ووضعوا أنفسهم تحت حماية فينيسيا؛ عندها عينتهم الجمهورية حكامًا بلقب القائد العام. كان واحد من هؤلاء القادة هو من نصب عمود القديس مرقس هناك، في أقصى نهاية القرية. في ذلك الوقت كانت كابريلي مركزًا تجاريًا مزدهرًا، والبلدية الرئيسية في هذه الوديان.من بين عجائب المكان الطبيعية، يرشدونك إلى وجود ثقب صغير في واجهة صخرة مجاورة، ويخبرونك أنه فَم الربيع الذي يتم تخصيبه بالهيدروجين الكبريت، والذي كان يجلب الكثير من المكاسب في السابق، وأصبح مهجورًا الآن. سمعنا أيضًا عن الاكتشاف الأخير لأحجار المرمر في مكان يسمى ديجونيرا، وهو بعيدٌ قليلًا عن الوادي، ويقال إنه متساوٍ في الجودة مع أفضل أحجار المرمر في توسكانا.ثم، أيضًا هناك لهجة محلية استثنائية مجلوبة من اللغة الفرنسية في الريف بين فينيسيا والنمسا. تقريبًا كل "كومونه" منفصلة صغيرة في هذه الأجزاء لديها قواعدها اللغوية الخاصة بها؛ ولا شك في أنَّ بروفيسور متحمّس مثل ماكس مييلر، من خلال تحليل مقارن لهذه اللهجات المحلية التي تصل إلى مائة وواحد، سيستخلص كل الخصائص الفيلولوجية المثيرة للاهتمام. ومع ذلك، فإنَّ تاريخ روكا أكثر إثارة للاهتمام من أي حقيقة لها علاقة بـكابريلي - وهي قرية صغيرة تقع على تلة أمام فوهة فال بيتورينا وتواجه الوجه الشمالي المتعرج لمونتي بيزا. هذا المكان الصغير عُرف في العصور الوسطى باسم روكا دي بيتور، أو روكابرونا، إن لم يكن بالمعنى الدقيق لكلمة الجمهورية، فقد كان محكومًا ذاتيًا في جميع الأوقات؛ وقدم ولاءً اسميًا فقط لشماسة كابوديستريا، وتمتع بحصانة خاصة من الضرائب، الرسوم أو الخدمة الشخصية هذا المجتمع الصغير المثير للاهتمام، يتكون من أربعين عائلة، ورجالهم جميعًا تقريبًا من المحاربين، الذين كانو مكلفين في عام 1389 للاعتراف بسلطة فيسكونتي، التي وضعتهم تحت سلطة البيلونيين. مع ذلك، لم تكن روكا لتتنازل عن حرياتها العزيزة، ونصت على أنَّ جميع مواد نظامها الأساسي يجب أن تحترم. إنَّ النسخة الأصلية من هذه الوثيقة الرائعة، التي تم إدراجها في ستة وستين بندًا ومسجلة في بيلونو في عام 1418، أصبحت الآن بحوزة السيدة بيتسي من كابريلي. وعندما حاول فيسكونتي فرض ضريبة على أعمالهم الحديدية، تمرد رجال روكا؛ ولاحقًا في 1659 بعد الميلاد، أصبحوا خاضعين للفينيسين وتمسكوا بامتيازاتهم بشكل مطلق، وأرسلوا سفيرًا في مجلس الشيوخ ليذكروهم بؤلائهم الاستثنائي وكيف أنهم، "بسبب أنَّ بلدتهم تقع على الحدود ومعرّضة لهجمات الأعداء خارج الحدود، فإنَّ شعب روكا قد خضع في جميع الأوقات لاختبار وطنيته بدمه، وحافظ على سلامة تلك الامتيازات التي كانت بالنسبة لهم أغلى من بؤبؤ أعينهم". هذه الدولة الحرة الصغيرة، الأصغر من مارينا أو أندورا، فقدت في النهاية استقلالها عندما تم التنازل عنها للنمساويين مع بقية لومباردو-فينيتيا في عام 1814. وهي الآن تصنف كأبرشية عادية في مقاطعة بيلونو؛ اختفت قلعتها؛ ولم يتبق منها سوى أربعة جدران من البناء الخشن في مرج أخضر عند سفح التل على الجانب القادم من كابريلي، كتذكرة على موقع قصر البلدية السابق. إنه لأمر سيء أن ينتهي الجملون إلى دمار، ويصبح شبيهًا بقشرة كنيسة صغيرة.لدى روكا رسامها الشهير دومينيكو دي بياسيو الذي يعد ضمن امتيازاتها المحلية، والذي من المفترض أن تكون أعماله ذات جدارة؛ بينما تحتفي كابريلي بالأب برنابا من الرهبنة الكَبّوشية، الذي اشتهر ببلاغة عظاته، التي نشرت في بولينو. لم أرَ اللوحات ولم أقرأ العظات بعد، لذلك لا أستطيع التحدث عن عظمة أي منهما.ومع ذلك، فإنَّ اثنين من العجائب الطبيعية الرائعة حقًا في المكان، هما ممر سوتوغودا الضيق وساسو دي رونشي. يتم أخذ كل زائر يأتي إلى كابريلي إلى ممر سوتوغودا الضيق: أعتقد أننا كنا أول مسافرين يتكبدون عناء الصعود لرؤية المكان الثاني. إنَّ ممر سوتوغودا الضيق- وهو شق ضيق عميق بين المنحدرات المتدلية، التي تبعد مسافة أربعة ونصف أو خمسة أميال من كابريلي- هو في الواقع الطرف الأعلى من فال بيتورينا، الذي يتسلل هنا بين نتواءت من مونتي جودا ومونتي فوي. إنه ليس ضيقًا جدًا، أو مظلمًا جدًا، ولا عميقًا مثل بفيفرس أو ترينت؛ لكنه يذكر المرء بكليهما، ولكن وبسبب تدرجه المماثل فإنه أمر جيد للغاية وغريب بطريقته الخاصة. إنَّ ممر سوتوغودا الضيق مجرد صدع في الصخور الناتجة عن بعض الاختلاج الطبيعي ما بعد التاريخ، ويبدو الأمر واضحًا من الوهلة الأولى. حتى إنني كنت أتصور أنني أستطيع رؤية كيف أنه في بعض الأماكن قد يتم تركيب الجروف المتصدعة معًا مرة أخرى، مثل قطع ألغاز الطفل.بالأحرى لا يتعدى طول الممر الضيق الذي يتأرجح جيئة وذهابًا مثل الثعبان النصف ميل متضمنًا الالتواءات. ضمن هذه المسافة القصيرة، يُقَطَعُ السيل الذي يتدفق عبره بواسطة سبعة عشر جسرًا من جذوع الصنوبر الخام. لكن الانعطافات والتعرجات مفاجئة جدًا لدرجة أنك لا تستطيع رؤية أكثر من اثنين من هذه الجسور في الوقت نفسه، وفي بعض الأحيان لا يتمكن المسافر الذي قطع أحد هذه الجسور من رؤية رفاقه في الجسر الذي تركه خلفه. يهدر سيل بقوة كبيرة، ويتردد صداه ويعاد مرة أخرى بطريقة تصم الآذان من خلال المنحدرات في كلا الجانبين. لا يزيد الممر الضيق في العديد من الأماكن عن اثني عشر قدمًا. وبتخمين تقريبي ربما يبلغ الارتفاع حوالي ستمائة أو سبعمائة قدم. وعلى كل حال، فالحجم ليس كبيرًا؛ لكن الضوء والظل يتسللان بشكل رائع في ساعات معينة، حيث يلقيان جانبًا واحدًا من البحر إلى أشعة الشمس اللامعة والأخر في ظلام عميق، مع تأثير لا يمكن الحصول عليه في بفيفرس أو ترينت.رأينا أول مرة ممر سوتوغودا في فترة ما بعد الظهيرة عندما كانت الأضواء تتغير بشكل غريب وجميل، وبينما كانت جميع الأشجار والشجيرات العلوية، وجميع الطحالب الغنية الحمراء والبنية والذهبية على الصخور تتألق بواسطة قطرات المطر. نظرت نحونا امرأة تقف على جسر رقيق مكون من قطعة صنوبر واحدة عبر صدع من الصخور يبلغ ارتفاعه حوالي مائة قدم فوق رؤوسنا وهي تحيك، بينما كنا نتجول بين الجسور والمنحدرات. ابتسمت وتحدثت إلينا. لكن هدير الماء منعنا من سماع ما قالته. رأينا حركة شفتيها فقط. والآن جاء القليل من الماعز الأبيض ودفع رأسه إلى الأمام من وراء تنورتها، ونظروا أيضًا إلى الأسفل نحونا. كانت السماء الزرقاء والشجيرات الخضراء تدوران حولهم، وصنعوا صورة لا يمكن نسيانها قريبًا.يرى معظم المسافرين ممر سوتوغودا من كابريلي؛ ولكنه يبدو أفضل كثيرًا من الجانب المطل على ممر فيدايا، وينبغي، إذا أمكن، أن يقوم المسافر بزيارة سوتوغودا أولًا من هذا الاتجاه. هؤلاء الذين لا يستطيعون تحمل مشقة عبور الممر، بإمكانهم الذهاب إلى سوتوغودا والعودة إلى كابريلي في حوالي ثلاث ساعات بواسطة البغال، أو في أربع ساعات سيرًا على الأقدام.لكن الذهاب إلى ساسو دي رونشي يستغرق نصف يوم. إنه مكان غريب للغاية، وقد يدعي أحد الكُتَّاب أنه قد اكتشفه بشكل ما.تجولت كالمعتاد قبل الفطور في الصباح الأول لوصولنا إلى كابريلي، واتخذت الطريق نحو أليغي، لاحظت مدخنة غريبة من الصخور تقف قبالة السماء، عاليًا فوق الحافة المنحدرة لمونتي ميغون، حوالي ألفي قدم فوق مستوى الوادي. تبدو من الأسفل وكأنها لا تمتلك سماكة تتناسب مع ارتفاعها وعرضها، وبدت مثل سكين ورقي ضخم مثبت بانتصاب على سرير من المروج الخضراء. هناك عدد قليل من الأشجار تقع عند سفح هذا الكائن الغريب. وبتقليصها، خلصت إلى أنها لا تتجاوز الـ 250 قدمًا من القاعدة إلى القمة. كنت قد خرجت في ذلك الصباح لرؤية سيفتا؛ ولكن، بعد إلقاء نظرة طويلة على تلك الملكة من حجر الدلوميت الجيري، جلست هناك على صخرة كبيرة تخترقها أشعة الشمس الحارقة، وبمساعدة المجهر رسمت ساسو دي رونشي. منذ تلك اللحظة، تعذبني الرغبة في رؤيتها عن قرب أكثر. كانت هناك منازل، لذلك كان من العدل أن نخلص إلى أنه يجب أن يكون هناك أيضًا مسار يؤدي إلى المكان. ومما رأيته فلا بد أنَّ هناك اتجاهين على الأقل دون شك. ومع ذلك، لم يكن جوزيبي يعرف أي شيء عنها؛ ولم يسبق لأي شخص من بيزي أن كلف نفسه عناء الذهاب أبعد من روكا، أو لاستي، أو الصليب على حافة الهاوية في منتصف الطريق بين الاثنين، حيث يتم أخذ الغرباء لرؤية المنظر فوق سيفتا.قالت السيدة الشابة بيتسي بازدراء: "لا يوجد شيء هناك، لا شيء سوى أحجار قديمة وزوج من البيوت الفقيرة!" لكن الحجارة القديمة كانت قد فتنت خيالنا. وفي صباح اليوم التالي أرسلنا في طلب كلمينتي والبغال، وبدأنا رحلتنا الاستكشافية.يجب تقديم كلمينتي - كليمنتي والبغال. كليمنتي هو دليلنا في كابريلي. وهو إما ينتمي إلى البغال أو البغال تنتمي إليه؛ ومن المستحيل أن تعرف أي الأمرين أدق. أحد البغلين لونه أسود والآخر أبيض، وكلاهما يدعى نيسول؛ وهذا أمر محير. نيسول الجيد هو بغل إل. - وحش لطيف، ضعيف ولكنه صبور؛ يتوقف ويحدق في المناظر الطبيعية بطريقة تأملية؛ ولكنه عرضة للأفكار الغريبة وغير المريحة أحيانًا. بالأمس اعترض على الجسور، التي كان شكلها غريبًا في سوتوغودا بشكل خاص. واليوم يبدو أنه صار يمقت فجأة كل شيء أسود، وقد ألقى حدوته قبل خروجنا من القرية. نيسول الأسود أكبر وأقوى، وقد قُدِمَ إليَّ. إنه حيوان مكتفٍ ذاتيًا، ويفضل رأيه الخاص في ما يتعلق بالطرق والالتفافات من رأي راكبه. شهيته لا حدود لها، نهم ولا يشبع. فهو لا يسرق الذرة الصغيرة فقط على جانب الطريق والأزهار داخل أسوار الحديقة، ولكنه يأكل التوت السمّي وعظام الدجاج واللحاء وقشور البيض والبطاطس. حتى إنه كان ليأكل موسوعة بريتانيكا إذا وقعت بين يديه. إل وبغلها هما أفضل الأصدقاء في العالم، فهي تطعمه دائمًا السكر، ويتبعها كالكلب. بينما أنا وبغلي، على العكس، لم نصل أبدًا إلى شروط الحميمية. ربما يعرف أني أثقل وزنًا، ويقاومني وفقًا لذلك؛ ربما هو لا يحب مجتمع السيدات، ويفضل حمل حمولة نصف طن من القش والفحم، وهذا هو الشيء الذي تم تربيته للقيام به.في كل المناسبات يرفض نيسول الأسود أن يجعل نفسه مقبولًا، لكنَّ البغلين يقومان بعملهما على نحو رائع، ويتسلقان المرتفعات مثل قطط في بعض الأحيان.كليمنتي من سكان كابريلي، ويقيم مع أمه المسنة في منزل حجري كبير في وسط القرية. إنه صغير قصير، نشط، قوي وذو عينين سوداوين؛ وعصبي قليلًا، جاهز، مرح، دؤوب، ولديه الكثير من التعابير والإيماءات؛ بوجهه النزيه الذي يشبه كلب البلدغ، وعينيه الضاحكتين دائمًا. دائمًا يطوي سيقان بنطاله حول كاحليه؛ وهناك حفنة من ريش الديك في قبعته؛ وزجاجة معلقة فوق كتفه. من المستحيل أن تنظر إليه دون أن تتذكر المهرج في مسرحية الكريسماس. هذا هو كليمنتي؛ وكذلك التناظرات الجغرافية لجوزيبي، التي وصفتها منذ فترة طويلة. مع هذين الرجلين وهذين البغلين، ظللنا نسافر طوال فترة بقائنا بين جبال أحجار الدولميت الجيري.تركنا صباح يوليو المشرق ذاك في ساسو دي رونشي، وبدأنا طريقنا أولًا في اتجاه روكا. ولكن الطريق مع ذلك تحول نحو أنقاض القصر البلدي القديم وتحرك إلى اليمين، واصطدم في الحال بالغابة التي تزين على هذا الجانب المنحدرات السفلية لجبل مونتي ميغون. وهكذا، في الظل البديل والشمس المشرقة، تهب الرياح وتتصاعد بقدر ما تتقاطع النظرة مع الحافة الدائرية للهاوية المفاجئة التي تواجه الجنوب. يمتد الجرف هنا نحو الوادي، ويبلغ امتداده ألف قدم أو أكثر؛ وقد أخبرنا كليمنتي كيف تم وضع الصليب هناك، ولكن السبب لم يكن تحديد الوجهة "للرجال الأجانب"، ولكن لإحياء ذكرى موت راعي الماعز الفقير الصغير الذي يبلغ من العمر أحد عشر عامًا فقط، والذي وخلال بحثه عن أحد الماعز سقط وتقطع إلى قطع قبل أن يصل إلى القاع.المنظر من هنا جيد، بالنظر إلى الارتفاع المعتدل الذي نقف عليه. ترتفع سيفتا أمامنا، معروضة بشكل رائع؛ تقع خمسة وديان تحت أقدامنا؛ وتتلألأ أسقف كابريلي وروكا المستوية في أشعة الشمس الصباحية على بعد مئات الأقدام أسفلنا. تلمع الزاوية الخضراء المائلة للبحر من البحيرة إلى ما وراء المنحنى الأخير في وادي أليغي؛ بينما بين هذه النقطة وتلك تمتد أخشاب التنوب، المراعي ومنحدرات الذرة الصغيرة من مونتي بيزي. ومن هنا، يتبدى طريق أفضل يتجه نحو الشمال في اتجاه لاستي، وهي قرية بيضاء صغيرة على حافة جبلية فوق الوادي، تتطلع مباشرة نحو بوخنشتاين. من هنا تظهر القلعة القديمة الرمادية على قاعدتها التي شكلها وادي إيراج ووادي أندروز الأخضر وجبال ممر تري ساسي؛ لكن السمة الرئيسية لرؤية المنظر في هذا الجانب هي "بيلمو" تمامًا كما أنَّ السمة الرئيسية للمنظر على الجانب الآخر هي "سيفتا". من خلال فجوة في الجبال نراها ترتفع بعظمة قبالة الأفق، وتبدو مثل قلعة عملاقة أكثر من أي وقت مضى. لقد أطلقت على سيفتا اسم "ملكة الدولميت". وهكذا، وبطريقة مماثلة، كنت أسمي بيلمو "الملك". فأحدهما مدينة جميلة ومتناظرة؛ والآخرى ضخمة وقوية. من الممكن ربط فكرة الهشاشة مع سيفتا لأنه بإمكاننا أن نتصور كيف أنَّ هذه الشاشة المتعامدة المتقنة مع الآلاف من الأعمدة النحيلة قد تتأرجح بفعل أي اختلاج كبير في الطبيعة؛ لكنْ بيلمو تبدو كما لو كانت متجذرة في قلب "العالم العظيم نفسه"، غير قابلة للتحريك، حتى يوم الاختلاج الأخير. وبالنظر إلى بيلمو بالقرب من لاستي على مونتي ميجون، فإنها تبدو أروع ما رأت عيني.من هذه النقطة تحركنا نحو منحدر مخضر يشبه حديقة إنجليزية، وعبرنا مسارًا آخر، حادًا وصخريًا وزاهيًا، وقد قادنا نحو الأكواخ التي رأيتها سابقًا عبر الوادي.توقفت امرأة كانت تغسل مقلاة نحاسية في الينبوع، وتوقفت اثنتان أخريان تجمعان بذور الكتان الصفراء عند سفح التل، وحدقن فينا بتعجب. صرخ الأطفال ودخلوا منازلهم، كما لو أننا عفاريت.بقينا لبضع لحظات بجانب الينبوع لنملأ قوارير المياه ولندع البغال تشرب."أسبق أن رأيتِ سيدات في هذا المكان؟" ضحك كليمنتي."أبدًا!" قالت إحدى النساء وهي تحرك يدها بشكل قاطع. "أبدًا! فلم سيأتون إلى هنا؟"شرحنا لهم أنَّ هدفنا هو أن نرسم ساسو من هناك. "ساسو!" كررت متشككة؛ "ساسو!"من الواضح أنها ظنتنا مجانين تمامًا.منعطف حاد آخر، والتفافة أخرى، ومن ثم بدت الصخرة الكبيرة التي تشبه السكين الورقية كالشاهد القائم المنعزل فوق رؤوسنا. إنها تبدو أضخم حتى مما تصورت - أكبر وأنحف؛ ولكن عديمة الشكل أكثر وغير مثيرة للاهتمام. من المذهل أنَّ الرياح لم تدمرها فورًا؛ ولكن رغم ذلك فلديها ذاك التأثير من الأسفل.قالت إل بلهجة محبطة، "ألا تعتقدين أننا تكبدنا الكثير من العناء دون فائدة؟" لم أكن لأعترف بهذ الأمر علانية، لكنني كنت أفكر في الأمر نفسه لبضع دقائق. لكنني تقدمت على كل حال والتففت عبر منعظف آخر، ووصلت إلى القمة، لأرى فجأة وبشكل غير متوقع أكثر مشهد رائع واستثنائي - مشهد جبل تملأه الأنقاض.يتغير مظهر ساسو بشكل كامل عند مشاهدته من الأمام. وخلف التلال التي يقف عليها ساسو رأينا مدرجًا ضخمًا دائريًا، مثل فوهة بركان خامد، تتناثر فيه صخور متصدعة وتسقط الرواسب وشظايا الصخور الهائلة إلى أسفل؛ والذي يبدو بحجم برج الساعة في وستمنستر. كل صخرة مكدسة خلف الآخرى في ارتباك غريب؛ وكلها منحنية لحفظ إبرة ضخمة تقف منتصبة في وسط الدائرة، مثل جبل جليدي تحول إلى حجر. ما هي طبيعة هذه الكارثة العظيمة، ومتى حدثت؟ لا يمكن أن يكون انهيارًا جليديًا؛ لأنَّ المنحدرات الجبلية في الأعلى كلها عشبية، وقمة مونتي ميغون هي مساحة من المراعي. لم يكن من الممكن أن يكون انفجارًا لأنَّ هذه القطع هي من حجر الدولميت الجيري النقي، والدولميت ليس حجرًا بركانيًا كما هو معروف لدينا الآن. لم أستطع أن أشكل أي فكرة حتى عن سبب هذا الخراب العظيم، لا أستطيع إلا أن أقول إنه يبدو تمامًا كما لو أنَّ بركانًا قد انفجر تحت قمة الدولوميت وقسمه إلى ألف جزء، مثل لغم. وقفت قمة ساسو دي رونشي كجندي وحيد هنا، وبدا أنَّ طولها يبلغ أكثر من خمسة وعشرين قدمًا فوق مستوى قاعدة العشب. وبرؤيته من هذا المكان يصعب على المرء أن يصدق أنه ساسو دي رونشي نفسه الذي كنا نتطلع عليه من الأسفل. بدا وكأنه مجرد كتلة صخيرة، أو قمة مستدقة، نحيل وغير مكافئ لارتفاعه، ومنحنٍ في الأعلى، كما لو كان على استعداد فقط للالتفاف. قام شخص ما بمقارنة ماترهورن برأس وعنق حصان حرب تربى خلف وادي زيرمات. لذلك يمكن مقارنة ساسو دي رونشي من هذه النقطة برأس وعنق زرافة. بالوقوف على حافته الحادة - كل الهاوية أدناه، كل السماء فوقه، والأفق البعيد للقمم المتعرجة - تجعله بريًا وغريبًا موضوعا أكثر من أي لوحة حاولت أن أرسمها من قبل! وهكذا مر الصباح. ارتحنا في ساسو عند الظهيرة لنأكل غداءنا المكون من الخبز والبيض المسلوق؛ ومن ثم بعد أن أكملنا استراحتنا حزمنا امتعتنا واستعددنا للعودة إلى المنزل. لم يمر وقت طويل قبل أن نتوقف مجددًا - هذه المرة في وسط فسحة جميلة مطلة على المنازل الريفية. كانت الأعشاب محاطة بإطار من العشب المخملي، الأكواخ وشجر الأركس، وتظهر القمم الصخرية لمونتي بينا ولا يفصلها عنا سوى هاوية فال بيتورينا فقط. بدا المشهد كلوحة جاهزة وكان عليّ رسمه على الفور."لا بد أنَّ هناك مشهدًا رائعًا في القمة"، قلت وأنا أقوم بخلط مزيج من الألوان، دون أن أخاطب أي أحد على وجه الخصوص.ومن ثم قال كلمينتي بخفة: "هل تود السيدة أن تصعد أولًا؟""أصعد أولًا"، كررت بشكل غامض، بينما أضيف قطرة تليينية من اللون البني، ليتحول الخليط بأكمله إلى اللون الرمادي اللؤلؤي الرقيق. "ماذا تعني؟""أقصد، هل تود السيدة أن تكون أول من يصعد قمة ساسو بيانكو؟"قالت إل بعدما صارت مهتمة بالمحادثة، "ساسو بيانكو، إين هو ساسو بيانكو؟"أشار كلمينتي إلى لوحتي ومن ثم إلى القمة قبالتنا. فقلت، "ولكن هذا مونتي بيزا!""عذرًا سيدتي، ولكن ساسو بيانكو هو قمة جبل ساسو بيزا. لم يصل أي مسافر إلى هناك أبدًا. إنه لأمر جديد - جديد – جديد!"تسألت بتشكك، "كيف يمكن أن يكون أمرًا جديدًا؟ فهذا ليس جبلًا عاليًا جدًا"."عذرًا مرة أخرى يا سيدتي، إنه ليس أعلى جبل، ولكنه جبلٌ عالٍ بالنسبة للجبال الأخرى. إنه أعلى من جبال فريسكلي، فرينزا وميغون". "إنه أقل علوًا بكثير من جبل سيفتا، وقد تسلق المسافرون جبل سيفتا مرات كثيرة من قبل. إذن لم لم يتسلق أحد ساسو بيانكو حتى الآن؟"أجاب كليمنتي، "لأنَّ ساسو بيانكو صعب للغاية بالنسبة للمسافرين العاديين يا سيدتي، وليس صعبًا بما فيه الكفاية بالنسبة للمحاربين، فالتوكيت، والويتويلس لا يهتمون بمدى صعوبة الجبل وبإمكانهم ابتلاعه في لقمة واحدة بأكمله". بدا هذا منطقيًا. وبدأت أنظر إلى جبلي بمزيد من الاحترام، وبذلت مجهودًا أكبر في الرسم. في الوقت نفسه تجرأت على تذكير كلمينتي بأنني وإل. مجرد "مسافرتين عاديتين"، ولذلك ربما وجدنا ساسو بيانكو شديد الصعوبة بحيث لن نتمكن من ابتلاعه على عدة لقمات حتى. لكنه لم ينظر إلى هذا السؤال لبرهة حتى. إذا اخترنا أن نفعل ذلك، فعلينا فقط أن نقول ذلك، وسوف يتعهد بإيصال السيدات إلى "بوليتو". انتهيت من الرسم بحلول ذلك الوقت، ونزلنا إلى الأسفل، بينما ظللنا نتحدث دائمًا عن ساسو بيانكو. إنَّ كليمنتي متلهف لكي نحقق شرف "الصعود الأول"، ودافع عن الأمر بكل فصاحته. كان جوزيبي حريصًا على ألا نحاول شيئًا يفوق قوتنا؛ وقد طرح سؤالًا هنا وهناك؛ واحتفظ برأيه. وفقًا لكليمنتي، لا شيء يمكن أن يكون أفضل من المشهد أو أسهل من الصعود؛ ولكنه اعترف بعد ذلك بأنه نفسه لم يصعد أعلى من المرتفعات العليا، ولم ير المشهد الذي يثني عليه كثيرًا. لكنه تقدم بعيدًا بما فيه الكفاية لاستكشاف الأرض؛ كان يعلم أنه يمكننا بالتأكيد التقدم حتى آخر مجموعة من الأكواخ؛ وهو متأكد أنَّ المشي إلى القمة لا يمكن أن يكون صعبًا. على العموم، يبدو الأمر مغريًا. ومع ذلك، فقد وضعنا خططنا بالفعل على طول الرحلة التي ستبدأ، إذا سمح الطقس بذلك غدًا. لذا فإنَّ موضوع ساسو بيانكو، بعد أن تمت مناقشته فقد تم رفضه. تم رفضه ولكن لم يتم إلغاؤه. هذه الكلمات "الصعود الأول" هي كلمات "قبلانية"، وهي تطارد الذاكرة بشكل غريب. لقد استثمروا مونتي بيزا باهتمام خاص وغريب؛ بحيث لم يعد مثل الجبال الأخرى، ولكن يبدو وكأنَّ هناك هالة حول قمته. يجب ألا أنسى الفلاح المسن الذي التقينا به على مسافة ليست بعيدة عن الصليب، بينما نزلنا بعد ظهر ذلك اليوم. كان رجلًا عجوزًا، لايزال وسيمًا، يرتدي بذلة جديدة من الصوف ومن الواضح أنها منفذة بشكل جيد. كان يجلس على جانب الطريق. وكانت هناك سلة وعصا طويلة موضوعتان بجانبه. عندما اقتربنا، نهض وانحنى؛ ولأننا كنا نسير على أقدامنا (بينما الرجال والبغال يتابعون عن بعد) توقفنا للتحدث معه. بالطبع، سألنا على الفور أين كنا، وأين نحن ذاهبتان. هذه هي الأسئلة الثابتة. أخبرته أننا كنا في ساسو دي رونشي."ذهبتم إلى ساسو!" كرر، "أه ذهبتم إلى ساسو! هل رأيتم أنقاض القلعة هناك؟"أجبته أننا لم نكن نعرف أنَّ هناك أنقاض قلعة، لذلك لم نكن ننظر إليها على وجه الخصوص.قال، "لو لم تعرفي أين تبحثين عنها فلن تلاحظيها أبدًا. لكنها هناك. لقد رأيتها بنفسي عدة مرات، عندما كنت أصغر سنًا وكنت أستطيع التسلق مثلكٍ"."هل تعرف لمن تعود القلعة؟""نعم، نعم، أعتقد ذلك! لو أحبت السيدات أن يجلسن قليلًا، فسوف أطلعهن على الأمر بأكلمه".بهذا استأنف جلسته على الضفة المعشبة، مسح جبينه بمنديله، وتحدث بينما يتصاعد صوت الهواء الذي اعتادنا على سماعه.أخبرنا أنَّ القلعة بنيت بواسطة فيسكونتي، أحد أمراء عائلة فيسكونتي القساة من ميلانو. لقد بنوها في نهاية القرن الرابع عشر، لحماية "استقلال " روكا، التي كانوا يمارسون السيادة عليها. ولكن عندما انتهى حكم "فيسكونتي"، خشيت بلدية "برافا" أن يحتل نبلاء بيلونو هذه القلعة لدمار الشعب وقاموا بتدميرها، تاركين حجرًا واحدًا يقف على حجر آخر. كان هذا قبل أربعة أو خمسة قرون مضت. ثم قام نبلاء بيلونو ببناء قلعة أندراز أعلى وادي بوخنشتاين، وأصبحوا يرعبون البلاد كلها. هل رأيتن أيتها السيدات قلعة أندراز؟ آه، حسنًا، فهذه القلعة تدمرت أيضًا - فقد دمرها الفرنسيون في عام 1866، وفقًا للمعاهدة الدولية. أما بالنسبة لقلعة أنتيكو في ساسو، فإنها تبدو مثل شجرة قديمة تم قطع جذعها، وبقيت جذورها فقط.لم يبق منه شيء سوى الأسس. كونها مبنية من الصخر، بدت أشبه بالصخرة التي قد تمر عليها مائة مرة دون أن تلاحظها. وقال إنَّ الكثير من الناس الآن لا يعرفون أين يجب عليهم البحث عن تلك الأنقاض. اعتاد الفلاحون في شبابهم على الصعود والحفر هناك بحثًا عن كنز مخفي. لكنهم كانوا يبعدون دائمًا بواسطة الشياطين. كانت الأنقاض مليئة بالشياطين تحت الأرض، في الأبراج المحصنة تحت الأرض، والمداخل التي فقدت الآن. كانوا معتادين على الظهور في شكل ثعابين، وأثاروا عواصف رهيبة من الرياح والرعد لطرد أولئك الذين سعوا لاكتشاف أسرار الأنقاض. هل سبق أن رأيت الشياطين بنفسك؟ لا، لم يستطع أن يقول إنه رآهم؛ لأنه لم يحاول أبدًا إغضاب الشيطان عن طريق الذهاب للبحث عن الكنز؛ لكنه رأى وسمع العاصفة التي كانت تدور هناك حول قمة الجبل مرارًا وتكرارًا، عندما يكون الطقس لطيفًا في الوادي. وكان يعرف رجلًا صعد في منتصف الليل عشية عيد ميلاد القديس جيوفاني، ليحفر في مكان معين حلم بأنَّ فيه ذهبًا مدفونًا؛ عندما حفر حفرة عميقة، خبطت مجرفته في وعاء فخاري، واعتقد أنه وجد ثروته؛ لكن عندما رفع الغطاء عن القدر، خرجت خمسة أفاعٍ سوداء صغيرة، ليست أكبر من حجم الإصبع.وفي تلك اللحظة بعد أن خابت آماله وأصابه الخوف على حد سواء، حمل مجرفته وقطع واحدة من هذه الثعابين الصغيرة إلى نصفين. وفي لحظة واحدة، كانت الحفرة التي حفرها مليئة بالثعابين - كبيرة، سوداء، سامة، متعرجة، ثعابين مهسهسة، الآلاف والآلاف منها، كلها تتدفق نحوه في حشد بشع، حتى إنه اضطر للركض بأقصى سرعة للنجاة بحياته، ونجا من الموت بمعجزة!سألت عندما توقف الرجل العجوز عند الانتهاء من قصة لأخذ نفسٍ عميق، "ولكن ألم يتم العثور على أي شيء في الأنقاض؟"فأجاب، "لا شيء سوى القمامة سيدتي. عدد قليل من العملات الصغيرة - صندوق صدئ أو اثنان - بعض بقايا الدروع - لا شيء أكثر!"كان سيتحدث لمدة ساعة إذا كان بإمكاننا البقاء للاستماع إليه. لكننا كنا على عجل، وتمنينا له يومًا سعيدًا. فقام مرة أخرى، وخلع قبعته، وتمنى لنا بطرافة، "صحة جيدة، رحلة سعيدة، عودة آمنة، وبركة الرب".أمضينا ما تبقى من بعد ظهر ذلك اليوم في تحديد طريقنا على الخريطة؛ تفريغ واختيار المؤن؛ والسعي لحل مشكلة وضع محتويات حقيبة سفر كبيرة في حقيبة سوداء صغيرة، لأنَّ أيام الكاريتات، عربات اللندو، والطرق التي تتحرك فيها عربات النقل قد انتهت. من الآن فصاعدا ستقع طرقنا بين الطرق الجبلية والطرق غير المتكلسة التي تتحرك فيها البغال فقط، ويجب أن نبدأ غدًا في رحلة استكشافية لمدة عشرة أيام على الأقل حيث يمكن لكل منا حمل حقيبة صغيرة واحدة. كان على جوزيبي حمل كراسات الرسم، وكليمنتي سلة المؤن. بهذا الترتيب كان علينا أن نبدأ بجولة طويلة من شونشنيجي وأغواردو، ثم الذهاب إلى بريمايكرو، بانيفيجيو وبريدازو، والعودة إلى المنزل عن طريق كامبيديلو مرورًا بفيدايا. تركنا خادمة إل. لتكون مسؤولة عن الغرف في تلك الأثناء، تحت رعاية بيتسي. _________________________بتكليف ورعاية من الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، وبدافع من حب المعرفة والسعي لنشرها قامت القرية الإلكترونية بتوفير هذه النسخة من الكتاب وسوف نقوم بنشرها على حلقات تباعاً هنا في جوجل بلس نأمل أن تحوز إعجابكم وأن تكون مساهمة في #نشر_المعرفةصفحتنا الرسمية في فيس بوك :https://www.facebook.com/mohammed.suwaidi.poet/منصتنا في جوجل بلس لمتابعة باقي مشروعاتناhttps://plus.google.com/+HisExcellencyMohammedAhmedAlSuwaidi?hl=ar(جميع الحقوق محفوظة), Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi....
اعرض في فيس بوك , Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi قمم غير موطوءة وأودية غير مطروقةالباب السابع- كابريلتأليف:إيمليا إدواردز | ترجمة: أميمة قاسم--آن الأوان- أخيراً- لتوديع كورتينا. لقد كانت بقعة تستحق قضاء الأيام الطويلة....
اقرأ المزيد ... قمم غير موطوءة وأودية غير مطروقةالباب السابع- كابريلتأليف:إيمليا إدواردز | ترجمة: أميمة قاسم--آن الأوان- أخيراً- لتوديع كورتينا. لقد كانت بقعة تستحق قضاء الأيام الطويلة في زيارتها التي تجمع بين الفائدة والبهجة في وقت واحد. كانت المشاوير لا حد لها، ولا للرسم غاية، وكان الطقس رائعاً. ولقد لبثنا بالفعل وقتاً أطول من الفترة التي حددناها مسبقاً ضمن برنامج مقاطعة الأمبيزو. لقد قمنا بكل الطلعات الممكنة في تلك الأنحاء، ومع ذلك لم نستكشف بعد جميع أجزاء مركز الدولمايت الإيطالي البديع الذي يقع وراء حافة تري ساسيه. لقد كان من الواضح أننا لم نستطع تحمل نفقة البقاء على الحدود النمساوية. وفي الوقت ذاته، كانت كورتينا معرضة للتجاوز من قبل المسافرين القادمين من جانب كونيليانو، وذلك فقط بسبب وقوعها على الحدود. وكونه والجبال المحيطة به على ذات الدرجة من الجمال، فلا يسع الزائرين الا اعتبارها ليست سوى البداية لمزيد من الروائع، ويرون أنّ الأمبيزو تال ليس الا بوابة لبلاد العجائب. حتى السيد جلبرت عندما زار كورتينا للمرة الأولى عام 1861، كما يقول هو نفسه، فقد ظل هناك لليلة واحدة فقط، ولم تنقضِ حسرته على تلك الخسارة حتى مكنته جولة تيرولية أخرى من تعويضها. وعن نفسي، عندما أعود بذاكرتي لأعبر ذلك الخضم المتلاطم من القمم والممرات التي تقع بين بوتزون وكورتينا، فإنّي أميل إلى وضع دولمايت الأمبيزو في أعلى مكانة من حيث الموقع والبنية كليهما. لقد كانت جبال بريميرو فائقة الروعة من حيث الشكل العام، وتحمل مارمولاتا قدراً أكبر من الثلج والجليد، بينما كانت سيفيتا هي الأكثر جمالاً، والأكثر رهبةً هي جبال الألب السيسيرية العملاقة المهجورة، بيد أنّها عندما تؤخذ كمجموعة، فلا أعلم شيئاً، سواء في الحجم، أو النوع، أو الصورية، يضاهي تلك الدائرة العظيمة التي لا يتجاوز قطرها إثني عشر ميلاً من بوابة أكيلا نيرا، والتي تتضمن البيلمو، والانتيلاو، والمارمارول، والكرودا مالكورا، والكريستالو وتوفانا. وعلى أية حال، لقد كان ذلك هو الوقت، كما قلت آنفاً، لنمضي قدماً. وإنّ الخبير بالجبال ليشكّ في العثور على عمل أكثر من كاف للموسم بطوله في هذه المنطقة، ولكننا، الذين لم نكن من الخبراء بالجبال بالمعنى الفعلي للمفردة، قد قمنا بواجبنا على أتم وجه مروراً بالمكان، وبالتالي علينا (ونحن نجر أقدامنا جراً) أن ننطلق بحثاً عن غابات بكر، ومراعٍ جديدة. وباختصار ليس ثمة ماهو أجمل من البقاء سوى الرحيل. كابريل هي محطتنا القادمة، ولقد تم الترتيب بحيث علينا أن نجتاز ممر تري ساسيه على الخيول ونرسل متاعنا بالعربة. وقد اقترح غوسيبي الذي يدأب دائماً على الاقتصاد في النفقات استخدام عربة أخرى للسيدات، مضيفاً أنَّ طريق العربات "وعرٌ بعض الشيء" على جانب كابريل. نحن على أية حال، وجدناه أكثر قليلاً مما قد تتحمله عبارة " وعرٌ بعض الشيء" في الجانب المتاخم لكورتينا، وآثرنا السلامة عن الاستمرار في التجربة تأثراً بالذكريات الحيّة لتلك الرحلة المرعبة.وقد كان من الضروري أيضاً اختبار السرج الجانبي الخاص بآل غيدينا. وذلك بركوب الخيول عبر الممر، حيث كان علينا السير حتى كابريل على الأقل. فحيازته مضمونة حتى الآن. وعليَّ أن أعترف بأنّ نوايانا لم تخلُ بعد تلك المسافة، من السوء- رغم غموضها.كان الصبح بديعاً عندما بدأنا الرحلة. وسبقتنا العربة- التي يقودها صديقنا المهذب كالمرة السابقة، ثم تبعناه بعد نصف ساعة. كانت القافلة تتكون من حصانين للركوب (فوكس الكميّت، ومورو الأسود)، وبغل للخادمة، واثنين من أكبر أبناء غيدينا، وغوسيبي وجيوفاني. كانت مشاركة أبناء غيدينا في الرحلة تنحصر في قيادة الجياد إن دعت الحاجة لذلك، وأن يعيداها إلى المنزل في الغد بينما تلقى جيوفاني- نظراً لأنَّ راكب البغل الحالي لم يسبق له اعتلاء أي شيء أنشط من حمير سورينتو- تعليمات صارمة بأن يلزم موقعه بالقرب من رأس ذلك الحيوان ولا يبارحه ولا للحظة واحدة. وفي الحقيقة لا تثريب على حديثي العهد بركوب البغال إن اعتراهم بعض التوتر، لما يتخلل الطريق من منحدرات زلقة، وما يحفه من حواف حادة لا تسر الناظرين، بينما "الحشية" الموعودة بائسة مثلها مثل السرج والمقبض، والتي ثبت أنّها هي الأخرى ليست سوى حزمة من الوسائد والحشايا وجلد الخراف مربوطة على سرج بشري، بدون توفير أدنى أسباب السلامة لراكبها. وبهذا الترتيب انطلقنا أخيراً، عبر مسارنا السابق باتجاه فالزاريغو، وقد حانت منا التفاتات ولمحات صوب الجبال التي نتركها الآن وراء ظهورنا. ووصلنا مرة أخرى إلى الفندق الصغير، واستُقبلِت "السنيورة الشيفة" بالهتاف والتصفيق. مرة أخرى تركنا الغرفة العامة مؤثرين عليها مطبخ السيدة الصغير المبهج، ومرة أخرى جُلب البيض والزبد، ومقلاة النحاس اللامعة، ومغرفة النحاس الطويلة، والمريلة الواسعة. مجدداً تحيط الكاتبة نفسها بهالة من الأبهة. ربما هي السمة الغريبة التي يتسم بها طقس هذا الممر، أو ربما كان هذا نتيجة المبالغة في الاعتداد بالذات، ولكن في هذه المرة والمرة السابقة أيضاً بدا بيض فلازاريغو تحديداً متفوقاً من حيث رقة وغنى النكهة على ما سواه من أنواع البيض التي سعدت الكاتبة بالتعرف عليها من قبل. وضعنا القدر تحت رحمة المطر والضباب على طريق تري ساسيه. وقد شهدنا قبل مغادرنا النُزُل بدء نزول بعض قطرات المطر التي لا تنبيء عن شيء، وفي وقت وصولنا للقمة، كان المارمولاتا يلمع في غموض كما كان في المرة السابقة، تحفه الأبخرة التي تتجمع بسرعة كبيرة. ومن هذا المكان، يبدو كل شيء جديداً. تبدو أمامنا حافة سفح جبل لاغازوي، ثم يظهر فجأة جرف شديد الانحدار يعرف باسم صخرة استريا[Sasso d'Istria ]. فنعبر قريباً منه على كتلة هائلة من الركام الجليدي الصلب، ثم نهبط إلى وادٍ ساحر الجمال يشقه نهير صافٍ " ويصدر خريراً منّغم الخطوات هبوطاً"، تتناثر على امتداده بعض الجسور البدائية الضيقة المصنوعة من ألواح أشجار الصنوبر . وأحياناً عندما لا يكون هنالك جسر تتناثر المياه على الطريق، ويضطر المشاة إلى القفز من صخرة إلى أخرى بحسب قدرتهم. وتغدو أشجار التنوب واللاريس الداكنة أكثر سمكاً وأقرب كلما ازداد عمق الوادي، فتضفي على الفضاء من فوقنا لوناً داكن الخضرة. وتنمو السراخس والطحالب والزهور البرية في مهرجان من الخضرة الوارفة على طول الضفاف المنحدرة، وتفترش كل الأغوار والقيعان. وتبدو القمم الرفيعة الآن لكل ذي نظر، ثم من خلال فرجات الأغصان، كما لو أنّها معلقة عالياً في الهواء الريان، أينما اتجه الطريق المنحدر إلى الأسفل بين الصخور العملاقة المغطاة بالشجيرات والآشنات الملونة. والآن، بينما نمضي في رحلتنا، تزداد حلكة السماء أكثر فأكثر. ثم يبدأ الضباب الخفيف يحفّ المكان، يتحول الضباب إلى مطر، والمطر إلى عاصفة، وتردد الجبال صدى دوي الرعد من بعيد. وفي هذه الأثناء يشتد انحدار الطريق وانزلاقه، وتثبت الخيول حوافرها بصعوبة. ثم ينثني الوادي، ويتسع، وتظهر قلعة اندراز- أطلال خاوية متناثرة تقف على قاعدة من الركام- فجأة للعيان. جروف زلقة تحيط بالأطلال من جانب واحد، ومن الجانب الآخر مراعي الهضبة، ويمتد الوادي الأخضر إلى البعيد، والمنحدر المعشوشب بجانب طريق راكبي الخيول يعجّ بالزنابق البرتقالية البرّية، وورود الكلبية ذات اللون القرمزي التي تبرق مثل الجواهر في أشعة الشمس المشرقة التي تتكسر في هذه اللحظة خلال الغيوم. ولا تستطيع حتى زخات المطر التي ما تزال تنهمر بلا هوادة أن تطمس جمال المنظر الرائع، أو تقنعني باستحالة التوقف هنا وهناك لرسمه. استأنفنا رحلتنا، على أية حال، لفترة أخرى تناهز ثلاثة أرباع الساعة، نتعثر فوق الحجارة الرطبة، فتنطبع الخطوات المنزلقة على الصخر الصلب، حتى قرية اندراز الصغيرة،* نصف متوارية بين الأشجار وحواف الصخور، وتحفها من الأعلى أجزاءُ رائعة من أقواس قزح، تظهر وتبدو في قرب محبب وهي تدنو من أسفل أقدامنا. ينعطف بنا الطريق مرة أخرى فنجد أنفسنا هناك. الرجال مصابون بالبلل، والخيول تعدو، يتصبب الماء أنهاراً من معاطفنا المقاومة للماء، أما مظلاتنا فميازيب متنقلة. نزلنا ونحن على هذه الحال بباب مضيفة فينازر الصغير، و "خمارة الجعة"- مكان صغير جداً، ونظيف ومتواضع، حيث وضعنا ملابسنا الخارجية المبتلة، وجففنا أنفسنا تماماً عند مدفأة المطبخ المشتعلة، طلبنا القهوة الساخنة، وأعددنا العدة لتحقيق أقصى استفادة من وضعنا الحالي ريثما تصفو السماء من جديد. و لم تكن هنالك أي من ألعاب القاعات في المكان حتى تغرينا بالخروج من المطبخ! ليس في المكان سوى أخشاب الصنوبر، جديدة، ولامعة، وزكية، خشب صنوبر بلون القرفة، يلمع كالذهب. الجردان، الأرضية، السقف جميعها سواء. والمكان مربعٌ تامٌ، أيضاً وبكل الصور، يشبه صندوقاً صغيراً جميلاً جديداً من علامة سورينتو أوتونبردج. وربما تديره إلى الأعلى طولياً أو على جانبه، أو رأساً على عقب، وسوى موقع الباب المتغير، فإني أتحدى أكثر المهندسين المعماريين عبقرية أن يجد فرقاً واحداً. ثم إنّ المقاعد، والطاولات، وخزانات الزوايا، وبيت الساعة جميعها صنعت من المادة نفسها: باختصار، كل مافي الغرفة هو خشب الصنوبر، ما عدا الموقد. وثمة أكشاك لبيع الألعاب في بازار سوهو حيث يتسنى للمرء في أي وقت شراء مثل هذا الأثاث الخشبي على هيئة مجسمات مصغرة، وبحفنة من الشلنات.توقف المطر قليلاً فقليلاً، تفرقت السحب، وطلعت الشمس من جديد، أُحضرت الخيول، وعدنا للمرة الثالثة في ذلك اليوم إلى طريقنا نحث الخطى نحو كابريل. والآن، ليس بعيداً تحت هذه البقعة، من وادي كورديفول- بجماله وكثافة أشجاره التي لم نر مثلها من قبل، وهو وادٍ أقل إيطاليّة في سماته عن واد اورونزو. وأكثر سويسريّة من الأمبيزو تال. غنيّ بالحنطة والذرة الصفراء، والقنّب، والكتّان، والمراعي، وتحدّه بعد مسافة بعيدة جبال عظيمة باهتة اللون، عليها من الجليد خطوطٌ وبقع، وتسوق الرياح إلى جوانبه سحب العاصفة الممزقة فتتجمع هناك مثل أمواج بحر هائج.و تلك هي البوي، واحدة منها (والتي عرفنا فيما بعد أنّها حصن هضبة سيلا)، وتلك الأخرى هي جبل بادون، تعد معلومات موثوقة في الوقت الراهن. والمارمولاتا هو الآخر يمكن التعرف على أثره الضعيف بين الوقت والآخر، وحالياً كتلة عملاقة مبهمة يكتنفها الضباب لا يعرف لها شكلاً محددا، وقد أُشير إليها باعتبارها سيفيتا.في هذه الأثناء، يرتفع طريق الخيالة عالياً بمحازاة كتف جبل فريزوليه، يتعرج مع تضاريس الجبل، والآن يشرف على واد ليفينالونغو إلى الشمال الغربي- ثم تظهر للعيان زاوية البحيرة الزرقاء وراء كابريل إلى الجنوب- وينطلق الآن بطول وجه الجرف الذي يكاد يكون رأسياً، ويحيط الآن بحدود غابة الصنوبر، نضرب عبر منحدر من أشد المراعي خضرة، ومع كل منعطف يظهر لنا مشهد أكثر جمالاً مما سبقه. قرىً صغيرة، بعضها على بعد ألف قدم إلى الأسفل، وبعضها على ارتفاع ألف قدم من مستوى طريقنا، متناثرة، ومتباعدة ومتسعة، ولكل منها كنيسة بيضاء صغيرة، وبرج جرس رائع الجمال. في بعض الأحيان واحد، وفي أحيان أخرى نجد واحداً منها يبرز بعد لحظات قليلة في ضوء الشمس البهيّ. ثم تمر الغيوم فيغرق مرة أخرى في الظل. لحظات مرور الضوء والظل الحيّة المتعاقبة هذه يتبعها كدر عاصفة أخرى تتجمع، وتأتي الآن على عجل من صوب الوديان التي تقع خلف مارمولاتا، وأمام كل هذا يعجز القلم عن الوصف. وفي هذه اللحظة، يسود القلق فهل يمكننا الإفلات من طوفان آخر، نسرع تحت نظرات جميع من يقابلنا، كما لو لم تصل قافلة غيرنا إلى هذا الطريق الجبلي من قبل. ونمر الآن خلال قرية كولاز الصغيرة، ونلفت انتباه جميع السكان فيلتصقون بالأبواب والنوافذ، وكاهنان متقدمان في السن جداً يقفان لدى باب الكنيسة، يرفعان قبعتيهما وينحنيان أثناء مرورنا.ثم كما حدث من قبل، بدأ ضباب خفيف في الهطول، وتحول إلى عاصفة هوجاء غزيرة المطر، أكثر غزارة وأطول عمراً. ثم أصبح الطريق هو الآخر زلقاً ووعراً، وصارت الخيول التي بدت عليها علامات الإعياء منذ فترة تتعثر وتتزحلق في كل خطوة. وقد أخاف لمع برق قوي الحصان الأسود، فحرن فجأة، وفي قفزة واحدة رمى بنفسه في الخليج والكاتبة على ظهره. وهنا ترجلنا وتركنا الخيول تهبط على الطريق، وطفقنا نسير وسط المطر، والرياح، والرعد والبرق، في طريق متعرج منحدر في آخره على بعد 300 قدم تبدو السقوف وبرج كنيسة كابريل.يئس آل بيزيه من وصولنا قبل ساعات خلت، ولكن عندما رأوا قافلتنا الصغيرة المنكوبة تسير في الطريق إلى القرية، بائسة، تتصبب منها قطرات المطر، وتجرجر أقدامها، أسرعوا جميعاً للقائنا والترحيب بنا وأولهم السيدة بيزيه التي التقيناها سابقاً، وما زالت السيدة بيزيه بوردة على شعرها، والولدان اللذان نعرف، وجميع الخدمات والمساعدات في المبنى. لحق بنا الرجال والخيول، ولكن العربة كانت أبطأ بكثير في الطريق، فلم تظهر قبل ساعتين من وصولنا، وذلك نسبة لانقلابها تماماً فوق حافة الجرف، فسقطت جميع حقائبنا وفُرشنا في قعر وادٍ زلق وطيني، ولم نستعدها إلا بشق الأنفس. في هذه الأثناء أوقدت المدفأة بسرعة، وأُخذت الملابس المبتلة إلى المطبخ لتجفيفها، وبدأت عملية إعداد العشاء، وصار نصب الرحلة وتعبها طي النسيان. والآن، دار آل بيزيه، وهو منزل حجري كبير قديم مجزأ، ويتكون في الحقيقة من ثلاثة منازل ضمت إلى بعضها البعض. بعض الأرضيات مبنية بالحجر وبعضها من الأخشاب، بينما جميع الغرف على مستوىً واحد إلى حد ما، النوافذ غاية في الصغر، وملأى بالزهور. واللافتة المعدنية القديمة على ما يبدو قديمة قدم عهد آل فاليري- تتأرجح على الزاوية بالخارج، وشرفة من الحديد المطاوع الإيطالي العتيق بارزة فوق مدخل الباب. وقد كسيت القاعة العامة في الطابق الأول بالصنوبر، وتضم سقفاً جميل النقش، بينما جُهزت ردهات الاستقبال كالعادة لتناول الطعام. وقد خصصت لنا مجموعة من الغرف في الطابق الثاني، على أية حال، بوسائل الرفاهية النادرة هنا مثل غرفة الجلوس الوثيرة الخاصة. وقد اعتبرناها مقراً رئيسياً لنا طوال فترة إقامتنا في كابريل. لدينا في غرفة الجلوس أريكة وطاولة مستديرة، وخزانة بجوارير، بل ولدينا مكتبة تضم تأريخ إيطاليا غويتشارديني، والمسرح الفرنسي في ثلاثين مجلداً. وهنا أيضاً كانت كتيبات بول الاسترشادية، وجبال الدولميت لجلبرت أهداها الكتاب إلى السنيورة بيزيه.وعلى الجدران ضمن مجموعة منوعة من المطبوعات والصور الصغيرة المؤطرة، وجدنا لوحات لوجوه بريشة ف. ف. ت. وأخواته، وفي كتاب الزوار خط ج. أ. س، ون.، وو. وغيرهم من الأصدقاء الذي مروا في السنوات السابقة. كان المكان باختصار دافئاً بذكرياته الجميلة. ولا عجب إن بدا أليفاً منذ الوهلة الأولى، وقد كان فعلا أليفاً حتى النهاية. يجد المسافر في كابريل نفسه في إيطاليا من جديد. جئنا على أقدامنا في العاصفة الهوجاء، وعبرنا الحدود، حيث بدا الطريق صغيراً فوق الطريق المتعرج. يصل على قدميه في العاصفة الهوجاء. لم تبعد القرية عن الحدود قيد أنملة، بيد أنَّ المنازل والأشخاص كانوا إيطاليين بالكامل كما لو أنّهم دفنوا أحياء في قلب سلسلة جبال الأبنين، وفي ملتقى أربعة وديان. كانت الجبال الأربعة هي: جبل فريزوليه، وجبل ميجيون، وجبل بيزا، وجبل فيرنازا، والمعروف بين السكان المحليين باسم جبل توس. كانت الوديان الأربعة هي وادي ليفينالونغو، ووادي فيورينتينو، ووادي بيتورينا، ووادي اليغي أو كورديفولي. يسهم كل من الوديان الثلاثة الأولى( بصرف النظر عن الرابع وهو نهر بدون اسم على ما يبدو يجري منحدراً على المضيق الوعر وراء القرية) بسيل مياه فيضان الكورديفول، على مسافة بضع أميال تحته، يتجه صوب الجنوب عبر بحيرة اليغي في طريقه لينضم إلى البياف في وادي ميل. أما القرية فتسودها العتمة، ولا تلفت الانتباه للوهلة الأولى، تتكون من شارع واحد مائل، وقد شيّد جزء منه على أقواس. الكنيسة (لا يُلحظ وجودها لولا زينة الشرفة العلوية، والتي عليها رصيعة ملونة لرأس ابولو البلفيدير، محاطة بباقات من آلات الناي والكمان والدف) تستقر على أرضية مرتفعة بالقرب من السفح المتعرج. وفي الطرف الأقصى لقرية الليغي ينتصب عمود للقديس مرقس، إحياء لذكرى عهد كانت فيه كابريل، مثل كادوري، تتمتع بسيادة الدوق ومجلس العشرة. الأسد الفينسي على القمة أطلال قطعة برونزية من العصور الوسطى- جرده اللصوص من جناحيه قبل بضعة سنوات، وقد ناقشت الكمونة أمر صنع أجنحة بديلة مذّاك. وثمة درع منقوش في واجهة العمود محمل بأسلحة كابريل، وتحته قرص حجري مربع عليه النقش التالي:- SCIPIONI . BENZONO . PATS . VENS . SERI . SENATI .VENE . COMISS . SUPER . FINIBUS . BENEFICENTISS.CAPRILENSES . AERE . PVB . POS . ANNO . MDCIX .[الصولجان، لبان جاوي، ضربات، حجرات ، السيد. مجلس الشيوخ. الموقر. لجنة. الأعلى. الغايات. رحمة. الكابريلينيين. الهواء ب. ف. ب. الموقع. العام 1609] أسد فينيسي في كابريلويدعى الميدان الصغير الذي يقف على شارعه الجانبي هذا الصرح: منطقة القديس مرقس. ويجري الغدير على مسافة قريبة خلفه من أحد الجوانب. وتطلّ عليها مصلحة الجمارك الدولية من الجانب الآخر. وفي هذه المساحة الواسعة يلعب شباب القرية كرة البالو [Pallo]طوال اليوم. وهذه اللعبة لمن يحب البحث، تصبح في الصيف الشغل الشاغل الممتع لنصف شباب الطبقة الوسطى في إيطليا، ولا يبدو أنّ لعبها يخضع لأية قواعد سوى ركل الكرة ببساطة وتمريرها من لاعب إلى آخر، فلا يستخدمون مضرباً من أي نوع، ولا يضعون حدوداً كما لا يركضون خلال اللعبة. واهتمامهم بها على أية حال وحماسهم بلا حد. يبدأون بعد الإفطار مباشرة ويستمرون حتى الغسق، وفي الأوقات الأخرى يدخنون السجائر ويتفرجون. ويفتخر الإيطاليون والنمساويون بأنَّ الصداقة التي تجمعهما هي الأوثق في العالم، خاصة في تلك المواقع الحدودية حيث يتسنى لهم التواصل الدائم، ولكني لاحظت أنّ شباب كابريل، على الرغم من وجود ملعبهم المفضل تحت نافذة الجمارك مباشرة لم يسبق لهم أن دعوا الجنود النمساويين للمشاركة في اللعبة. ويقف الآخرون على مقربة وأيديهم في جيوبهم، أو جلوساً على درجات العمود، يتفرجون على اللاعبين بطريقة حزينة، وينظرون كما لو أنّهم يتحسرون على حياتهم المملة في كابريل. أول منظر تقع عليه عين المرء وهو خارج من الأبواب، بالطبع، هو جبل سيفيتا، وأولى الرحلات سواءً على الأقدام أو بالعربة تكون باتجاه بحيرة الليغي. وبينما يقع كلاهما في الاتجاه نفسه، فإنَّ وأفضل مشهد للجبل يتأتى من الطريق الذي يقود للبحيرة، إن لم يكن من الحدود الفعلية للبحيرة، نجد أن معظم المسافرين المسافرين الذين سلكوا هذا الطريق- على قلتهم- كانوا مسرورين بزيارة البحيرة والجبل في صباح واحد، على اعتقاد أنّهم ظفروا بمشاهدة كل ما يستحق في كابريل.واجهة جبل سيفيتا الكبيرة- جدار رائع شاهق لجرف رأسي، مدرّز من القمة للسفح بآلاف الشقوق الطولية، وترتفع في قوس عملاق يتجه نحو المركز ويقابل الشمال الغربي ناظراً إلى كورديفول باتجاه كابريل، ويملأ نهاية الوادي كواجهة عضو كبير يحشد آخره بممر الكاتدرائية. ويكتسي بضوء الغروب كله بينما يقترب المساء. وفي الصباح، بينما الشمس ما تزال في قعر الشرق، تحفه غلالة ناعمة من الظلال الزرقاء، فيبدو مبهماً وخيالياً كالحلم. وقد كان هكذا عندما رأيته لأول مرة. لقد خرجت للتسكع في القرية قبل الإفطار، وفجأة ارتفع جبل سيفيتا أمامي مثل شبح رائع الجمال، مكسواً برقيق الضباب في تباين مع الضوء في الخلفية. فاعتبرته حينها، لبساطة عرضه وارتفاعه، وانتظام تضاريسه، ووحدة التأثير، أكثر ما رأيت من الجبال هيبة وكمالاً، وما زلت أعتقد ذلك. جبل سيفيتا تقع بحيرة الليغي على بعد ميلين تقريباً إلى الجنوب الجنوبي الشرقي من كابريل، في مدرج أخضر على سفوح جبال سيفيتا، وبيزا وفيرنازا. ويقع الطريق إليه على طول الضفة اليسرى لغدير الكورديفول، والذي يجري هنا في تيار واسع وقوي ويحده من جانب طريق العربات التي تجرها الجياد، قناة مهجورة وعرة وتنمو فيها الطحالب والشجيرات بكثافة. النهر عميق ومظلم وبنيّ اللون، والبحيرة ليست سوى امتداد للنهر، ذات زرقة مخضرة مدهشة- ياقوت تزينه خطوط من الزمرد. ودائما ما يكون النهر سريع الجريان، و تياره لا يقاوم، وفيما عدا الحالات التي تشتد فيها الرياح على الوادي، فإنَّ البحيرة رائقة صافية كالمرآة. والنهر- تراكم لمياه العديد من الروافد، قديم ربما بقدم الجبال، حيث تنبع روافده العديدة، أما البحيرة فحديثة العهد كما لو أنّها تكونت بالأمس فقط. لأنَّ مئات السنوات تبدو مثل البارحة في تأريخ العالم، وحيث بحيرة الليغي الآن تعكس الجبال والسحب، كانت هنالك بساتين تفاح وحقول ذرة، ومزارع، وقرى، فقط منذ مائة أو مائتي سنة.وقد كان انهيارٌ صخريٌ عظيمٌ من جبل بيزا- أو ربما انهياران لاحقان- سبباً في كل هذا الحطام، ومنهما نشأ كل هذا الجمال. هذه النكبات المروعة، كما يعلم جميع المسافرين، شائعة في البلاد الجبلية، ولكن بين وديان الدولميات هذه تبدو الانهيارات الصخرية أكثر تكراراً، وما زالت تتكرر، بدرجة أكبر مما في غيرها. لا يمكنك السير أو القيادة لعشرة أميال في أي اتجاه بدون المرور بمشهد حطام كهذا. والكثير منها وقع في السنة الماضية، أو قبل عشر سنوات، أو خمسين، أو مائة سنة، أو ربما حدثت في عصور ما قبل التأريخ. وقد لا يعلم دليلك عنها شيئاً. فتساله عن أوان وقوعها. فيهز كتفيه ويجيبك "Chi lo sa" أي من يدري! ولكن في كل الأحوال ثمة أكوام من الصخور بأسرارها المدفونة، وكثيراً ما لا يكون هنالك أي فرق في الشكل بين ما تستوعبه ذاكرة الإنسان وما كان سابقاً للخليقة. وعلى أية حال تم توثيق تأريخ بحيرة الليغي بدقة غير عادية. تأريخ الكارثة، ومدى الضرر الناجم عنها مسجلان في كتب الأبرشية وسجلات البلدية، وقد عُززت هذه الوثائق مرة أخرى بمراسيم وأوراق محفوظة لدى بعض الأسر في القرى المحيطة. وبوسع معظم هذه العائلات ومن بينها آل بيزيه سكان كابريل، التحدث عن أجدادهم الذين طمر انهيار عام 1771 العظيم منازلهم وأراضيهم. وقد وقع الأمر هكذا: يقع جبل بيزا - الذي لديَّ الكثير لأقوله عنه- في ما يلي الغرب من البحيرة، وهو أكبر الجبال الأربعة المذكورة آنفا، والمحيطة بالغور الذي بنيت عليه كابريل. وهو ينقسم باتجاه الشمال إلى جروف شديدة الانحدار، تبلغ ذروتها في قمة صخرية بديعة يبلغ ارتفاعها حوالي 8000 قدم فوق مستوى البحر، ولكن على الجانب الأقرب إلى البحيرة تنحدر في تسلسل للغابات والمراعي الغنية والوديان الخلابة. وعند الدوران حول الضفة المقابلة، يرى المرء منحدراً واسعاً صقيلاً من الصخور الرمادية الداكنة مثل بقع جرداء ضخمة، تمتد بطول السطح على هذا الجانب. وهذا هو أصل الانهيار، لقد كانت هذه القمة هي التي انزلقت، ببطء في البداية ثم بسرعة هائلة إلى الوادي في الأسفل. لقد حدثت الكارثة الأولى في شهر يناير من عام 1771. ويقال إنَّ حارق الفحم الذي كان يعمل فوق في الغابات، نزل في وقت قريب من نهاية اليوم، أبيضَ عاجزاً عن التنفس، كان ينادي على المتواجدين بالوادي أن ينجوا بأنفسهم، لأنَّ الجبل كان يتحرك. وكان عداءً سريعاً يخشى الموت خلفه، لقد هرب من قرية إلى أخرى يرفع صوته بالنداء أثناء عدوه. ولكن لم يصدقه أحد. كانت هنالك أربع قرى آنذاك، والآن ترقد البحيرة في مكانها. وفي شك بالخطر نام سكان هذه القرى الأربع ذلك المساء كالمعتاد، وفي سكون الليل انهار جانب الجبل بأكمله في سرعة كبيرة وطمر أهل القرى وهم نيام، لم يفلت منهم أحد. وقد دفنت اثنتنان من القرى، وغرقت الأخريان، لأنَّ مياه نهر كورديفول تراجعت فجأة وانتشرت كما في حالة نهر البياف، وشكلت بحيرة كالتي نراها اليوم. تقع القريتان المطمورتان بجانب بعضهما البعض تحت سفح الجبل في الطرف الجنوبي للحوض، حيث تربض كتل الركام الهائلة الآن مكدسة في فوضى كبيرة. وقد كانت الليغي، القرية الرئيسية في المقاطعة، تقع في مكان ما حول مركز البحيرة، وقد غابت تماماً عن الأنظار. وقفت القرية الرابعة على المنحدر في الطرف الشمالي بالقرب من الجهة المقابلة لموقع تدفق نهر الكوريدفول في البحيرة. وقد مرت أربعة أشهر ثم في الحادي والعشرين من شهر مايو، وقع انهيار آخر. وفي هذه المرة فاضت مياه البحيرة في الوادي بعنف، وقد نجم عن ذلك من الدمار ما فاق في حجمه خسائر الانهيار السابق. وفي القرية الصغيرة التي تدعى الآن الليغي، وقد صارت تدعى كذلك منذ أن انمحت القرية الأولى من الوجود، فإنَّ كامل الجزء الشرقي ومجلس منشديّ الكنيسة الحالية قد جرفا بعيداً، وقد أزيحت آلة الأورغ لمسافة بعيدة فوق الوادي. وفي اللحظة ذاتها- بدت البحيرة كلها ترتفع كموجة واحدة- وقد سقطت إحدى الأشجار عبر نافذة الغرفة التي كان يجلس فيها راعي الأبرشية يتناول وجبة العشاء، وكان الخادم واقفاً بانتظاره عندما قتل في مكانه. وقد أعيد بناء مجلس المنشدين مذاك، وتم إصلاح الأورغ واستبداله، وما زال يؤدي وظيفته حتى الآن. ولم يُقمْ أي نصب أو لوحة تذكارية- على حد علمي، لإحياء ذكرى أولئك الذين قضوا نحبهم في هاتين الكارثتين الفادحتين، ولكن يتم تجهيز تابوت للنعش، وتوقد الشموع، ويقام قداس تذكاري احتفالي من أجل أرواح المفقودين والموتى في الكنيسة في قرية الليغي في اليوم الحادي والعشرين من شهر مايو سنوياً. ولقد قيل لنا إنّه في الشتاء عندما تكون البحيرة متجمدة والثلج رقيقًا، وفي الصيف في الأيام شديدة الهدوء، لا يزال بالإمكان رؤية جدران وأسقف واحدة من القرى الغارقة، مثل الأبراج التقليدية لقرية ليونيس الغارقة تحت سطح المياه. وبحسب إفادة واحد من شباب عائلة بيزيه، فهنالك فرن وبضع درجات حجرية في سلم بادية للعيان، ولنتجاهل القصص الأخرى الأقل مصداقية. في النهاية، وفي ظهيرة كسلى، ومشرقة، حيث لم يكن لدينا أي شيء مهم لنفعله في أي مكان آخر، أخذنا قارباً وخرجنا إلى البحيرة، فقط للتأكد من حقيقة هذه القصص بأعيننا. كان الهواء ساكناً تماماً عندما خرجنا من كابريل، ولكن عندما عثرنا على القارب، وأبحرنا به، هبت نسمة خفيفة، وصارت صفحة المياه كلها تموج. وفي كل لحظة تتجدد فيها النسائم، تزداد حركة المياه قوة. المرأة العجوز النحيلة الهزيلة والفتاة متوردة الخدين التي كانت تجدف انكفأتا على مجدافيهما وسحبتا بكل قوتهما، ولكن لدى عبورهما مصب النهر، أعلنتا عجزهما عن سحبنا حول لسان الشاطيء. فقد كانت المياه هذه المرة هائجة للغاية، وهبطنا بصعوبة في أقرب مكان. صاعدين إلى الأعلى وعلى طول الساحل لمسافة ما، ووصلنا الآن إلى نتوء خليجي نستطيع منه- بغضِّ النظر عن خشونة السطح، تمييز وتحسس جدار طويل وثلاثة أو أربعة ملحقات مربعة- يبدو أنّها أساسات لعدة منازل. " إن كان أملسَ بما يكفي فربما استطعنا متابعته إلى هناك،" قالت السيدة العجوز، مشيرة باتجاه نقطة على مسافة أبعد، " يجب أن تكون للسيدات منازلُ مسقوفة ومداخن سليمة. فهي كلها عميقة هناك،" "هل رأيتهن بنفسك؟" سألتها أنا." رأيتها؟ يا سيدتي، لقد رأيتها بعينيّ هاتين، مئات المرات. يا إلهي! وهناك في الليغي من رأوا أشياء أغرب مما رأيت. هنالك يعيش من رأوا الكنيسة الأبرشية القديمة وبرج جرسها عندما كانت بخير، هناك في وسط البحيرة حيث المياه العميقة. هناك يعيش من (انخفض صوتها إلى همس من وقع الصدمة) سمعوا الأجراس ترن تحت الماء في منتصف الليل من أجل الموتى الذين لم يُدفنوا!" لقد رويت لي قصة هذه البعثة الصغيرة خارج مكانها المرسوم، بهدف جمع كل ما نجحت في جمعه في عدد من الطلعات حول موضوع الانهيار الصخري لعام 1771. وهو بالتأكيد لم يتأتى قبل إقامتنا لأسبوعين أو ثلاثة في كابريل، وغبنا مرة أو مرتين في رحلتين بعيدتين. كان أول أيامنا في منزل بيزيه قد انقضى في التسكع في المنطقة، ورعاية البغال. كما تخلصنا أيضاً من فردين اثنين من عائلة غيدينا، عادا إلى كورتينا على خيولهما، ولكن دون سرجهما إن استطعنا إلى ذلك سبيلاً. كيف لم يتم تناول هذه المسألة الحرجة والمهمة في نهاية الأمر إلا قليلاً؟ ويكفي أنهم تحدثوا كثيراً عن قناعاتهم، رغم أنّهم رجال بسيطون إلا من بضع كلمات محسوبة، وعليه فقد غادروا تاركين الغرض الثمين خلفهم. وقد وعدناهم بالطبع بدفع مبلغ من المال على سبيل الأيجار، وكذلك بإعادة حالما نجحنا في إيجاد آخر، وعدنا بكل شيء ممكن ومستحيل، وحققنا ذلك النجاح الذي لم يكن دائماً ذلك الجزاء الوفاق للفضيلة. " سيغضب بادري منّا جداً،" قال الأخ الأصغر في شيء من الأسى، بينما اضطره حسن السلوك إلى التزام الصمت، واستدار مغادراً الغرفة. لقد خيل لي أنّ هذا الأمر كان محتملاً بشكل كبير، وربما لم يكن والد غيدينا رجلاً لطيفاً للغاية بما يكفي للتعامل معه في ظل هذه الظروف. انصرف الرفاق الفقراء بعيداً بتلكؤ واضح، ولحق بهم جيوفاني والبغل. لقد راقبناهم على طول الطريق، ولم نتنفس الصعداء حتى تجاوزوا مدى البصر.في تلك الظهيرة نفسها، وبالاشتراك في الخدمات الحصرية لأحد المرشدين المحليين وزوج من البغال لفترة طويلة كما كنا نحتاج إليهم أثناء رحلاتنا في هذه الأجزاء، فقد سرنا إلى مضيف سانتا لوشيا، وهو موقع شهير في حي فال فيورينتينو. وقد كان طريقنا إلى هناك هو درب الأمس المتعرج- وهو أخدود رطب موحل في مواجهة جانب الهضبة المنحدر، وهو يتسع بسهولة لسير حبيبين اثنين لا غير. حالما وصلنا إلى القمة غادرنا وادي اندراز إلى اليسار، واستدرنا بمواجهة اليمين، ما زلنا كما كنا بالأمس، نيمم شطر منحدرات جبل فريزوليه الصنوبرية العملاقة، ولكن عند السير في اتجاه الشرق بدلاً عن الواجهة الغربية للجبل. لقد كان الطريق عبارة عن هضبة طوال الوقت. وقد أحضر غوسيبي اثنتين من عصيّ التسلق القوية التي قطعها بنفسه، واستطعنا التقدم بسرعة أكبر بفضل هذه المساعدة الجليلة. ينقسم الطريق إلى نصفين واحد في الظل والآخر مضاء بنور الشمس، فيمنحنا نظرة إلى أعماق الوادي في الأسفل، الآن مشهد "الانزلاق" العظيف* على الكتف القابل لجبل فيرنازا، وهاهي لمحة باتجاه الوراء إلى جبل سيسيتا فوق حشد من قمم الهضاب المتشابكة. وهكذا في ختام رحلة طويلة تربو على الساعة ونصف الساعة وجدنا أنفسنا على ارتفاع 1500 قدم فوق المستوى الذي بدأنا منه، وقريباً من مضيق سانتا لوشيا- هضبة غريبة ذات ظهر كالسرج، مثل أسد رابض، حارساً أميناً على منحنى وادي فيورينتينو. في عنقه عُرْفٌ ذو خط متعرج من المنازل الخشبية سويسرية الطابع، ورأسه متوج بكنيسة صغيرة بديعة. ينظر إلى الأسفل مباشرة باتجاه البيلمو الذي يسد نهاية الوادي في مهابة، كقلعة مذهلة ببرجين توأمين يناطحان الغيوم. وليود المرء أن يعرف صغير الآلهة الذي قام بتكديس هذه الحصون، ولم ربط الأسد هناك، منتظراً للأبد أن يثب عليه عندما يحين وقت خروجه من معقله، وما إذا كان لا يزال مسجوناً في قلب الجبل. ولكن يجب البحث عن إجابات هذه الأسئلة في أرض أحلام الأساطير التي لم تخلق. شققنا طريقنا إلى داخل فناء الكنيسة متبوعين بجميع الأطفال الذين كانوا هناك، وفي الطرف الآخر من ذلك النتوء الصخري الصغير، جلسنا على السور للاستمتاع بالمنظر. وقد بينت لنا لمحة على الخارطة أنَّ الأمبيزو تال يقع بالضبط وراء البيلو، وأننا الآن ننظر إلى الجبل من الجهة المعاكسة بالضبط. وقد كان عند النظر إليه من الجهة الأخرى يشبه العرش، من هنا، كما قلت كان مثل برجين هائلين برتقاليين في تباين مع السماء ذات اللون الأزرق الداكن. وقد استقرت سحابة بيضاء صغيرة بخفة قبالة قمة البرج الأقصى فبدت مثل راية استسلام وسلام ترفرف من الحصون. وبعدها إلى اليسار، قمة انتيلاو المقوسة، كمقدمة سفينة رومانية، تلوح وتخبو، وتبتعد فوق ضفة من القزع المتراكم. أما وادي فيورينتينو فهو أخضر ومشمس، تتناثر فيه القرى البيضاء، واسع مثل جادة طريق رائعة المنظر، حتى سفح البيلمو، بينما يلتقي وادي كودالونيا على الجهة الشمالية بالمنحدرات جبل غوزيلان وقد أظهر خطاً من الطريق المتفرع الذي يهبط من الممر. ويتعين على المسافرين السالكين ذاك الطريق من كورتينا بدلاً عن طريق تري ساسيه أن يتسلقوا طريقاً وعراً ومضجراً، ومن أجل هذا المنظر وحده الذي يمكن الوصول إليه بسهولة على نحو ما من كابريل، يضحي بمشهد وادي كورديفول الاعلى الذي يتسم بالجمال- وربما كان أجمل وديان الدولمايت على الإطلاق. وانطلقنا، مبتعدين عن المشهد على الاقل، في بحث عن منزل راعي ابرشية سانتا لوشيا، وعلى أسوارها الخارجية، كما تقول القصة، كانت هنالك جصيّة لتيتيان- التي نُفذت عرفاناً بالضيافة التي قوبل بها هنا عندما اضطره الطقس في الشتاء بينما كان يسير في طريقه إلى مدينة البندقية.ويخبرنا شاوباخ كيف أنها جسّدت " الموت بمنجله، محاط برموز الغرور الدنيوي": ويضيف أيضاً أنها رممت بصعوبة، بعد ما لحق بها من تدمير بربري على يد كاهن ما من القرن الماضي. حيث أخفق كل من السيد بول والسيد جلبرت، كما حدثانا، وبالكاد تأمل الكاتبة الحالية في النجاح. ولم يكن على الشخص أن يُظهر سوى "درعٍ منقوش "Stemma" على أحد الأبواب الجانبية، وليس ثمة ما ينبيء عن الجصيّة في أي مكان. وسوف لن أنسى بسهولة في تلك النزهة المسائية في طريق العودة إلى كابريل- المنظر الذهبي الرائع للسماء- وعذوبة شذى القش المقصوص لتوه. ولن أنسى أيضاً اثنين من المشاة المتعبين، وجميع الحقائب، واللحى، والبناطيل القصيرة، في الطريق إلى كابريل، ولا الخادمة الصغيرة الخجولة في حذائها ذي المسامير الحديدية، حيية وصامتة، تحرص على ألا تخرج معزاتها عن جانب الطريق، ولا المعزات نفسها، التي كانت حسنة الطباع، وودودة أيضاً.، ولا فوق كل ذلك منظر الورود الملونة التي بدت لنا عندما انثنينا إلى الأسفل مرة أخرى عند الوادي- منظر سيفيتا ذاك، وهو يبدو أكثر من أي وقت مضى مثل آلة أورغ ضخمة، بأنابيبه المليون التي كستها أشعة الشمس لوناً ذهبياً. كانت السماء تضج بالنور فوقنا، وظللت الغابات الهضاب في اتجاه السفح. يرتفع جبل بيزا من بين أبخرة الضباب القرمزي، فتزدهي قمته الصخرية بلونٍ شديد التوهج. استقرت كابريل بارتياح في قاع الغور. وقرية روكا الصغيرة عالياً على هضبة خضراء، تشق ببرج الجرس عنان الأفق، بينما تشمخ في قلب السماء الشرقية من بعيد، اثنتان من القممم الرمادية الرقيقة، مثل راهبتين مقنّعتي الرأس، كما لو كانتا في انتظار ظهور نجمة المساء.ثم انقشع اللون الزهري عن الركام السفليّ، وحام إكليل غيوم متوهج في منتصف الطريق عبر واجهة جبل السيفيتا مثل وشاح كهرماني وذهبي، واستحال مثل الطيف بعدما صار لونه رمادياً. بعد لحيظات قليلة، توقفت آخر زخة. وأصبحت السماء رقيقة، في لون رمادي مخضر، تتخللها خطوط ذهبية. غدت الطيور صامتة في أعشاشها. وبرزت الجنادب في جوقة مزغردة.ويتسارع ماء الغدير- الذي اكتسى بلون الفولاذ الآن، مع خيوط من الفضة- ينشد أغنية جامحة، ويحث الخطى في شوق للبحر. قدم الآن فلاح عجوز نحيل عبر جسر جذوع الصنوبر، ينوء تحت وطأة حمل من القش الذي وارى كامل جسده ما عدا ساقيه، وتتبعه زوجته، وهي سيدة مسنّة رشيقة تضع على رأسها خمس قبعات، واحدة فوق الأخرى، وحزمة من المجارف والمناجل تحت ذراعها. وهكذا لبثنا مسحورين حتى حل الغسق أخيراً، فأعادنا إلى الديار سوقاً. وبعد سويعات قليلة، أظلتنا السحب التي رأيناها تتجمع حول جبل أنتيلاو، وجلبت معها المطر والرعود، حيث صعد قارعو الجرس وقارعو أجراس الكنيسة طوال مدة العاصفة التي استغرقت الليل بطوله. ______________________________________* قلعة وقرية اندراز[ Andraz] معروفتان أيضاً وكثيراً ما يطلق عليهما اسم بوشينشتاين[ Buchenstein]* "انهيار" الجبل في بعض الأحيان (كما في حالة الانزلاق الشهير في البناخت) يتكوّن علمياً من انحدار معبّد بجذوع أشجار الصنوبر التي سقطت تحتها جذوع أشجار من الغابات العليا، وقذفت في الوادي بدون أي جهد أو تكلفة نقل. كان انحدار جبل فيرنازا، على أية حال، عبارة عن إزالة للغابة في مساحة يبلغ عرضها 40 وطولها 800 أو 900 قدماً، دحرجت إلى الأسفل في واجهة أحد جوانب الهضبة ذات البنية الرأسية في الغالب. ______________________________________ ساسو رونش _______________________بتكليف ورعاية من الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، وبدافع من حب المعرفة والسعي لنشرها قامت القرية الإلكترونية بتوفير هذه النسخة من الكتاب وسوف نقوم بنشرها على حلقات تباعاً هنا في جوجل بلس نأمل أن تحوز إعجابكم وأن تكون مساهمة في #نشر_المعرفةصفحتنا الرسمية في فيس بوك :https://www.facebook.com/mohammed.suwaidi.poet/منصتنا في جوجل بلس لمتابعة باقي مشروعاتناhttps://plus.google.com/+HisExcellencyMohammedAhmedAlSuwaidi?hl=ar(جميع الحقوق محفوظة), Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi....
اعرض في فيس بوك , Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi قمم غير موطوءة وأودية غير مطروقةالباب السادس- أورونزو ووادي بوناتأليف:إيمليا إدواردز | ترجمة: أميمة قاسم---- كان منظر كادوري هو ما يراه المرء عندما يلتفت المرء إلى....
اقرأ المزيد ... قمم غير موطوءة وأودية غير مطروقةالباب السادس- أورونزو ووادي بوناتأليف:إيمليا إدواردز | ترجمة: أميمة قاسم---- كان منظر كادوري هو ما يراه المرء عندما يلتفت المرء إلى الوراء عند ثنية الطريق التي تبعد حوالي نصف ميل خارج البلدة وباتجاه كالالزو، ومرة أخرى من بونتي ديلا مولينا على بعد ميل واحد من هناك. وهذا هو أفضل جزء من نوعه في جميع أنحاء هذا الجزء من تيرول. وفي الوقت ذاته، ليس فيه سوى القليل جداً من الروح التيرولية. صورياً، فهو موضوع إيطالي بحت، جليل، متوافق، كلاسيكي، وعلى درجة مناسبة من الرسوخ في تشكيل الجبال لتمنحها المهابة، ولكن بدون تغيرات مفاجئة في التضاريس، أو روعة تكفي لزعزعة سكون المشهد. في المقدمة لدينا وادي مولينا يمتد فوقه جسر عتيق وجميل، في الطرف الأقصى منه كنيسة صغيرة تتشبث بجرف متداعٍ هارٍ. في وسط المسافة، ترى قرية كادوري النائية الصغيرة من وراء صدع يعترض الوادي الضبابي وهي تتلألأ على هضبتها التي تشبه سرجاً غريباً، تحرسها قلعتها الواقعة على أكثر المنحدرات الشاهقة المطلة عليها ارتفاعاً– كما تخشى عليها من تقدم العمر! وبعد كل هذا، تتعالى على نحو رائع في كبد سماء الظهيرة الصافية، وتسد كتلة جبل بيرا الهرمية الجميلة الأفق. عن الضوء والظل، فإنّ اللوحة مثالية في جميع ما يخص عناصر المنظر بأسلوب بديع، فلا شيء يرضى بالتخلي عما فيه من حياة حتى المجموعة التي تظهر في مقدمة الصورة، وهنا تأتي اثنتان من شاحنات البولوك عبر الجسر، بدائيتان فريدتان كما لو انّهما حضرتا إلى هنا مباشرة من القرن الخامس عشر. لقد كانتا موضوعاً فقط، كما لو أنّه لم يزد على الرسم، واضطلع كلود بمهمة التلوين. في دوميجي، حوالي ثلاثة أميال ونصف من كادوري، مررنا بقرية قد دمرت بالكامل تقريباً قبل بضعة أشهر بسبب الحرائق. وأصبحت الآن كتلة سوداء واحدة، وحطاماً غير واضح المعالم، ولكنها لن تظل كذلك وقتاً طويلاً، لأنَّ جميع السكان، رجالاً ونساءً وأطفالاً صغاراً تجمعوا كما يفعل النحل في خلية محترقة، يكنسون عنها الركام، وينقلون أحمال الحجارة، يخلطون الملاط، ويساعدون في إعادة إعمار ما فقدوه من منازل. والآن ارتفعت الأساسات والأسوار الجديدة بالفعل، وبحلول هذا الوقت، تكون دوميجي الثانية قد نهضت بلا شك من تحت رماد الأولى. القرية التالية، لوزو، على بعد ميلين في طريق الوادي، احترقت بالطريقة نفسها قبل سنة أو اثنتين، وهي الآن أكثر- بشكل غير رسمي- أكثر حداثة، وصلابة وراحة. ربما كان التعرض للحريق هو أفضل قدر قد يقع على سكان أيّ من هذه القرى العتيقة المبنية من جذوع الأخشاب، نظراً لأنّ مساكنهم استبدلت آنذاك بمنازل حجرية أرحب. فكما هو الحال، مع التعرض لخطر الحريق والانهيارات الصخرية، فإنَّ "البلدان" التيرولية الأصغر لا تمثل مكاناً آمناً أو ساراً للإقامة، وربما تقف على قدم المساواة من حيث عدم الأمان مع بورتيتشي، وتور ديل غريكو، أو أيٍّ من القرى الفيزوفية الأخرى. أخذ الطريق- الذي كان سيئاً للغاية طوال الرحلة من كادوري- في الانحدار تدريجياً تجاه حوض السيل، وما زال في مدى رؤية لورينزاغو إلى اليمين، وتحت شفا جروف مونت كورنون الخطرة إلى اليسار. لكل من الجبل والقرية أسطورتهما الخاصة. لورينزاغو، معلقة بشكل رائع على واحد من المنحدرات المنخفضة على جبل كريدولا، والتي يعتقد أنّها مكان موقع استشهاد القديس فلوريان، وهو قديس تيرولي ذو شعبية كبيرة، يفترض أنَّ لشفاعته فعالية خاصة في حالات الحريق، بينما يقال إنَّ اسم جبل كورنون مشتق من حدث في تأريخ كادوري، يذكره السيد جلبرت قائلاً:- " على طول المنحدرات التي تقع فوق هذا المضيق، وفي أثناء حرب عام 1509، كانت فرقة من قوات ماكسيمليان تتقدم بحذر، عندما انطلقت نغمات الإنذار من آلة "corno" فجأة من اتجاه جانب الجبل الغائم. لم يك ذاك سوى صوت اعتاد الرعاة سماعه، إذ مازال من العادات المتبعة في ذاك الموسم أن يتم التحذير من الدببة، ولكن أصيب الغزاة بالفزع، إذ افترضوا أنّ تلك إشارة إلى هجوم وشيك من قبل أهل كادوري، وهربوا من حيث أتوا، من أعلى ممر سانتا كروسيه وحتى سيكستين. "-كادوري، ص. 92". ويُطلق البوق الريفي ذاته للغرض نفسه، وقد يُسمع هنا في الأمسيات الخريفية الهادئة حتى اليوم، كل ما أتت الدببة لسرقة البساتين في القرية، ومن الملاحظ أنَّ الدببة تكثر في الأنحاء المتامة لجبل كورنون، وكوميليكو والغايل تال عنها في باقي إقليم الإلب. عبرنا البياف من نقطة غير بعيدة عن قرية لوزو، واستأنفنا المسير على طول الضفة اليسرى للنهر حتى نقطة التقائه مع الانزاي في تري بونتيه الجسر الثلاثي الشهير الذي يتكون من ثلاثة أقواس عريضة، يمتد الواحد منها على مسافة 90 قدماً، وتستند جميعها على دعامة مركزية واحدة. إلى اليسار، على خط متعرج بين المرتفعات المكسوة بالغابات، يقع وادي اورونزو، بينما نجد الوادي العلوي لنهر البياف يقع إلى اليمين، بمياهه الرمادية التي انحسر حجمها إلى نصف ما كانت عليه سابقاً، وتجري بسرعة إلى الأسفل في قناة صخرية مقفرة من منبعها في ذلك الجزء من سلسلة الألب الواقع شمال إيطاليا وجنوب النمسا.والآن بعد تتبعه مذ رأيناه يتسع عبر السهل بالقرب من كونغليانو، إلى ما يقارب- في نظر الكثيرين- الميل من مجراه الطويل، نحن الآن نقترب من الوداع الأخير. لم يكن عندها بعيداً من مقبرته في البحر الادرياتيكي، وهو الآن على البعد ذاته من منبعه في حجر جبل بارالبا.ويتحدث كاتب و باحث قديم في مجال التأريخ، يدعى دوتري جيورجو بيلوني- وهو من بيلونو، و ألّف كتاباً مملاً بأسلوب ممل قبل مائة وستين عاماً- عن البياف ليس فقط كأطول وأهم نهر بل أيضاً باعتباره "أقدم أنهار المحافظة ويسعى لتعريفه على أنّه نهر اناسوم-* الذي ذكره بليني في فصله حول الأراضي الفينسية. ويدفع بالحجة على قدمه، عمق حوضه وارتفاع ضفافه، "وبذلك يمكن الاحتجاج ببساطة بأنَّ نهر البياف ليس نهراً حديثاً، كما في الأمثلة الأخرى يرى المرء أنّه ربما تكوّن نتيجة للزلازل وغيرها من الحوادث." وعندما كتب الدكتور الماهر هذه السطور لم يكن قد زار مشهد الانهيار الصخري على مضيق سيرافالي قط، ولا رأى حوض نهر البياف في كابو دي بونتي. وبالسير في اتجاه الضفة اليمنى للانزاي، ندلف إلى وادي الاورونزو. الطريق السيء الذي بدأ في كادوري وينتهي في جسر تري بونتي، وتنبسط الآن من جديد طريق جديدة وواسعة تحت حوافر الجياد. بحلول هذا الوقت بدأت الشمس في المغيب، وتلقي الأشجار بظلالها الطويلة على المرج المنحدر، وتأتي ذبابة البقر في أسراب مثل الغيوم، ويعبق الجو بروائح المساء وأصواته. لقد كان يوماً طويلاً، وانقضت اثنتا عشرة ساعة تقريباً منذ أن غادرنا كورتينا في الصباح. كم سيطول بنا المسير على الطريق قبل أن نصل إلى اورونزو؟والسائق الذي كان على مستوىً من التهذيب لا يسمح له أبداً بأن يقدم إجابة صريحة على أي شيء، لمس لدى سماع هذا السؤال قبعته بمقبض سوطه، وأجاب بأنّ الأمر: "كما تودّ السيدة." (Come lei piace, Signora.).ولكن كم أمامنا من الكيلومترات؟" يسعل معتذراً. " كيلومترات! مع احترامي، إنها ليست مسألة كيلومترات بأي حال. بجياد مثل هذه، لا معنىً للكيلومترات. جميل! إذن ماذا عن الوقت: متى سنصل إلى أورونزو؟ خلال ساعة؟، ساعة ونصف؟ قبل الغسق؟ يرفع السائق كفيه، وينظر حوله بطريقة تنبي عن عجزه، كما لو أنّه يبحث عن مهرب، يمس قبعته مرة أرى، ويتمتم: " كما تحبين سيدتي". Come lei piace! عبارة تضيق بها جميع أفكاره. ليس له آراء مستقلة. وإنّه ليفضل الموت دون أن يعبر عن نفسه بقرار حول أي شيء. سله ما تريد- اسم قرية، الساعة من اليوم، حالة الطقس، اسمه هو وعمره ومسقط رأسه، وسوف تجد بلا شك الإجابة ذاتها: كما تود السيدة! "Come lei piace."إنّها إجابته الثابتة، وأي جهد لحمله على تغييرها سيكون هباءً منثوراً.وقد تبين أنّ المسافة على أية حال تبلغ اربعة أميال فقط. فبعد ساعة ونصف من مرورنا بجسر تري بونتي الثلاثي، وصلنا إلى ثنية في الطريق، وانظروا! تقع هناك قرية كبيرة، شاسعة تمتد على طول الضفة القريبة من نهر الانزاي، وهنالك كنيسة كبيرة أشبه بالمسجد ذات قبة بيضاء لامعة، وبرج جسر يبدو أقدم منها يشرف على الأسقف البنية في الحد الأقصى للمكان، ووراء كل ذلك مشهد الوادي يشقه سيل عميق وداكن اللون تزينه غابات الصنوبر الكئيبة. وعلى أية حال لم تكن قرية أورينزو، ولا الوادي، ولا السيل ولا غابات الصنوبر هي التي تمنح المنظر بهائه وروعته: بل هي قمم سلسلة الجبال المتراصة فوق بعضها البعض، قمة وراء أخرى باتجاه سماء الأمسية الصافية الشاحبة. ويشم الآن جبل دري زينين الأشد بعداً وغرابة في أقصى الوادي، مسفراً عن ثلاث قمم خنجرية واضحة للعيان. ويعلق الضباب الخفيف-الذي تشرق الشمس من خلاله- على المدى، وتحيط بالجبل حلقات من السحب الأفقية الرقيقة، فتبدو مثل ركام ثلجي يطفو فوق بحر من الضباب الذهبي. وادي أورونزو إنّه واحد من تلك التأثيرات النادرة والباهرة التي قد يسافر المرء طوال الصيف دون أن تتسنى له رؤيتها، والتي عندما تحدث لا تدوم سوى برهة قصيرة. وقبل أن نصل إلى أول كوخ، كان الشعاع الذهبي قد خبا، وتحولت الأبخرة إلى اللون الرمادي الشاحب كالأطياف. تنقسم أورنزو إلى قسمين قرية عليا وأخرى دنيا، وهي تعرف على التوالي بالقرية الكبيرة والقرية الصغيرة. القرية الصغيرة التي يصل إليها المرء أولاً عبر الدخول من جانب الجسر الثلاثي، هي ضاحية حديثة تتبع للقرية الكبيرة. بيوت هذه الضاحية العصرية تتميز بالرحابة والفخامة، تذكر المرء بمنازل أوبير اميرغاو، وبعضها مزين بالجصيات الدينية الخشنة على نحو ما. وللقرية الصغيرة تتبع الكنيسة الكبيرة الجديدة ذات القبة والنُزول- وهو منزل نظيف المظهر يقع على الجانب الأيسر من الطريق على مسافة غير بعيدة، قبالة مساكن الكهنة. وقد وجدنا في طريقنا الصاعد نحو الفندق، حوالي أربع أو خمس عربات تجرها الجياد ممدة أمام المنزل، وهنالك مجموعة من الرجال والنساء تجمعوا حول المدخل، في مواجهة رجال ونساء ينظرون خارجاً من النوافذ العليا، ويكتنف المكان جو احتفالي صاخب على غير العادة. تقف على الباب صاحبة الفندق، وهي سيدة قوية القسمات، ترتدي زياً بلون أسود باهت. تضع يديها على خاصرتها، وتهز رأسها بينما نتقدم صعوداً، ولا تمنح غوسيبي فرصة ليتحدث. ليس بوسعها استضافتنا- ليست هي! إنّها لا تستطيع استضافة ملك إيطاليا حتى، إن قدم هذا المساء. مستحيل. فلديها حفل زفاف من كوميليكو، ودارها ممتلئة عن آخرها. هناك! فندق صغير آخر في الأعلى، في القرية الكبيرة. وسنجد على الأرجح غرفة هناك. وإن لم نفعل؟ حسناً ليس لديها ما تقوله! إنّها تفترض حتمية عودتنا من حيث أتينا. وبدا غوسيبي والسائق عاجزين عن التعبير. إنّهما يغمغمان بشيء ما في صوت خفيض حول "l’atro albergo;" وتلتقط أذني تشديداً خطيراً على كلمة "altro". تهمهم السيدة قائلة: ويراقبنا المسافرون المقيمون لديها (جميعهم يرتدون ملابس العطلة المخنثة الطابع) بنشوة الانتصار، فيدير السائق العربة، ونرحل في غمرة من الأسى. ينتهي الطريق المعبّد فجأة بمنازل المزارعين المبعثرة التي تتسم بها القرية الصغيرة، ويغدو طريق العربات أكثر وعورة ويحفل بالأنقاض والركام. ثم، وفجأة، نجد أنفسنا في خضم متاهة من المنازل الخشبية القديمة المتلاصقة المشبعة بالرطوبة، محطمة، ومتهالكة ومسوّدة بفعل الدخان، وأمامها تصبح أسوأ القرى التي مررنا بها نظيفة وواعدة. وهنا يصرخ الأطفال المتسخون، ويموجون، ويتسولون، وتنحني النساء الشعثاوات من النوافذ العليا، والرجال الكئيبون الذين يكسو الغضب ملامحهم يجلسون على المداخل المتسخة يحدّقون بطريقة متجهمة وشرسة في العربة أثناء مرورها بجانبهم. هذه هي القرية الكبيرة. بعدها بلحظة، سرنا في منعطف حاد، وصعدنا أمام منزل بائس ومهجور، يقف وحده غير بعيد من بقية المنازل، وبجانبه ملعب مسوّر من أحد جوانبه، يلعب فيه نحو ستة أو ثمانية رجال بالكرة، ومجموعة أو اثنتان من المتفرجين. هذا هو فندقنا. نظرنا إلى غوسيبي، ثم إلى المنزل، وإلى بعضنا البعض. وتساءلنا في خوف:" هل من مكان آخر نستطيع تمضية الليلة فيه؟" هزّ غوسيبي رأسه بالنفي. هذا ونُزل القرية الصغيرة هما الوحيدان في المنطقة. فإن لم ننزل هنا، فليس أمامنا سوى العودة إلى تاي كادوري، على مسافة لا تقل عن أربعة عشر - إن لم تكن خمسة عشر- ميلاً إنجليزياً.تخرج في هذا الوقت العصيب امرأة طويلة بدينة، ومبتسمة، تنم قسماتها عن صدق ويعجّ فمها بالأسنان البراقة- شخصية متحمسة وكلها رغبة وتوق للترحيب بنا وحمل أي عدد من الأمتعة والمفارش، مفعمة بحسن النية والذوق الرفيع. قادتنا نحو الأعلى في رحلة على درج غاية في القذارة، إلى الطابق العلوي الذي كان أكثر قذارة، وممتليء بأجولة الدقيق والأجبان، ومعدات الزراعة. ومن ثم صعدنا على سلم من النوع المدرج، والذي كان يؤدي إلى بهو مؤثث بطاولة ومقاعد عادية، وآلة للطباعة على الكتان، وخزانة للكؤوس. ولدى فتح هذه الشقة، ظهرت غرفتان أو ثلاث غرف خاوية ولكنها غاية في الكمال، ولها جدران منخفضة بيضاء، وسقف يعلو حوالي السبعة أقدام من الأرض، وفراش، ومقاعد منسوجة بالأسل وجميعها نظيفة لدرجة الهوس، على العكس تماماً من الجزء الأسفل من المبنى.ليس ثمة ستائر أو سجاد بالطبع. ولكن كل ما هو ضروري لتوفير وسائل الراحة الشخصية متوفر، ولكن اتخذت الزينة فيه طابعاً روحياً. فقد تغطت الجدران بصور مطبوعة للقديسين والشهداء في إطارات صغيرة سوداء، بينما تدلى على رأس كل سرير نقش طباعي ملون للسيدة العذراء يظهر فيه قلب وردي مجسم تخترقه الخناجر، فتضفي عليه صبغة رائعة من عيد الحب.سنقيم هنا، ونستمتع بالهدوء. قدمت لنا عند نزولنا شرائح الكستلاتة والقهوة والبيض والسلاطة، وكانت جميعها في جودة مناسبة. وأثناء إعداد هذه الوجبة، تفرجنا على اللاعبين في ملعب كرات الخشب. وقد نزع سائقنا، الذي كان مع خيوله، معطفه وانضم إلى اللاعبين. أما غوسيبي فكان يدخن سيكاراً، وبدا شارد الذهن. شيئاً فشيئاً أرخى الغسق سدوله، وتفرق اللاعبون، ونحن من يتعين علينا الرحيل مجدداً بحلول الساعة الثامنة والنصف صباحاً، سعدنا بالخلود إلى بعض الراحة، تحت حماية سيدتنا المبجلة. لقد كانت قرية اورونزو العليا، سواء أرأيتها في الأمسيات الرمادية أو الصباحات المشرقة فهي تبدو مكاناً قد يهتم به المرء بزيارته سواء في بلده أو بالخارج من حيث افتقاره للجمال أو السمعة الحسنة. ولم أشاهد أثناء تسكعي في المنطقة في الصباح التالي قبل الإفطار، سوى الأوساخ والفقر في أدنى أشكالها قبولاً. لقد بدا الناس شعثاً، وعلى قسماتهم سيماء اللؤم والسخط، وكانت المنازل شديدة الازدحام، ولم نصف الأراضي التي تحيط بهم مزروعة. وقد عرفت لاحقاً أنَّ تلك الكمونة كانت تعاني من الفقر، والديون، والكثافة السكانية العالية، والسمعة العاطلة للسكان. لقد كان شيئاً لطيفاً في كل الأحوال أن نرحل مرة أخرى في الصباح المشرق المعتدل، وقد اتجهت نواصي خيولنا مرة أخرى صوب الهضاب. وها قد أصبحت اورونزو خلفنا الآن، وأصبح المشهد أكثر اتساعاً بتقدمنا في الطريق ميلاً بعد ميل. وقد كشف لنا كل مضيق على اليمين أو اليسار عن قمم رائعة، ولمحات من آفاق جديدة. وقد حفت أشعة الشمس منحدرات الصنوبر، التي كانت كئيبة الليلة الماضية، وتترقرق مياه السيل في مجراه المفروش بالحصى الأبيض البراق، فتبدو مثل شريط أزرق مفضض الحواف. ويبدو الوادي من هذا المكان أشبه بطريق مسدود. فالطريق يصعد حتى بداية الحاجز الركامي الصخري الكبير في سفح جبل جيرالبا من جانب، وهناك، تنتهي كل المشاهد بغتة. ويضع جبل روزيانا (المعروف لدى السكان المحليين باسم جبل روجيانا) دعامة ضخمة على الجانب الآخر. بينما يرتفع كول اغنيلو، وهو مجموعة عظيمة من القمم التي لا يقل ارتفاعها عن 10 آلاف قدم، كحاجز لا سبيل إلى اجتيازه بين الاثنين. وقبل الوصول إلى هذه النقطة من الارتفاع لا يستطيع المرء أن يدرك انعطاف الوادي بحدة إلى اليسار، بدلاً عن انتهائه إلى طريق مسدود، فيصير إلى مجرد مضيق متعرج خلف الجانب الغربي لجبل روزيانا. والآن وبعد مسافة غير بعيدة، نمر بقرية تافيسياجي المهجورة، وهي تجمع لأكواخ نصف مهدمة في مدخل وادٍ غير ذي زرع يؤدي إلى ممر غير مأهول ولا مطروق خلف كول اغنيلو. ينحدر الطريق الآن فجأة إلى درب كثيف وزكي العبير في غابة صنوبر، تنساب فيه موسيقى الطيور المغردة، تخترقه أشعة الشمس الراعشة من هنا وهناك، وتزيده السناجب البنية الصغيرة حياة على حياة وهي تهرع بين ثمار التنوب المخروطية التي تتدلى من الأشجار. وبين الفينة والأخرى، تظهر قمة عظيمة ذات صدوعٍ، إلى اليسار أعلى قمم الأشجار، فتحجب نصف قرص الشمس المشرقة، ثم تنكشف الغابة فجأة عن سهل عريض، يبدو للوهلة الأولى مثل سلسلة من الجبال الجديدة الهائلة التي لا يمنعنا عن الوصول إلى صخور سفحها سوى حوض نهر الأنزاي.في هذه المرحلة يبدأ السابق في الصعود إلى الأعلى، وفي نصف التفاتة إلى الوراء داخل صندوقه يقول لنا بتهذيب فائق مِن متقنٍ لفن المراسم في قاعة اجتماع حكومي:-"مع احترامي، سيدتي- إل مارمارول".وكوننا قد تعرفنا بشكل رسمي إلى جبل الدولمايت الجديد، فإننا سنُسَر إن تمكنا من مشاهدته على نحو أفضل مما نراه من هذه البقعة. فكل ما تقع عليه أعيننا منه، في الحقيقة، كتلة واسعة تتعالى بشكل غير محدد إلى ما بعد غابة الصنوبر، ويواجهنا منحدر هائل من التراب البني الأحمر المكدّس إلى ارتفاع يقارب الخمسمائة أو سبعمائة قدم قبالة جانب الجبل. منحدر الركام هذا، يتناثر هنا وهناك، مع السقائف الخشبية التي تميز موقع منجم غني بالرصاص والفضة، وهو مهجور الآن، وفتحة صغيرة في مقدمة الجرف إلى الأعلى، لا يتجاوز حجمها على ما يبدو حجم فتحة المفتاح، تشير إلى مدخل البئر الرئيسية. وهكذا واصلنا المسير، تحت ظل الغابة الأخضر طوال الوقت، حتى وصلنا إلى مجموعة صغيرة من الأكواخ تعرف معاً باسم كازا دي سان ماركو، وهو اسم يعود إلى الأيام الخوالي للسيادة الفينسية، وما زال معلماً للحدود بين إيطاليا والنمسا. وهنا، ليس ثمة موظفون في أي مكان، مررنا دون اعتراض تحت الحاجز الملوّن بالأسود والأصفر، ووصلنا في لحظات إلى بوابة الطريق الحكومي الجديد الذي قدم لنا غيدينا الكبير التوجيهات اللازمة للوصول إليه. تم تشييد الطريق الحكومي الجديد بحيث يكون واسعاً ويمر عبر جانب هضبة منحدرة تغطيها غابة من أشجار الصنوبر، وهو يعتبر- لا شك في ذلك- عملًا ممتازًا، ولكن السير في هضبة هولبورن القديمة بكل ما عليها من أحجار سفلتة سيكون أسهل مقارنة به. إذ أنّه في الحقيقة ليس طريقاً بعد، بل درباً وعراً بعرض يصل إلى اثني عشر قدماً، مليئاً بالأحجار والأنقاض، وركام الجذور المتشابكة، وجذوع أشجار الصنوبر التي سقطت مؤخراً تتمدد أفقياً على كلا الجانبين، كمحاربين مجندلين في ميدان القتال. ويبدو أنّ العربات لم تدخل هذا الطريق، بيد أننا ترجلنا على الفور، إلا أنّ قدرة العربة على الصعود إلى الأعلى غير مؤكدة. كادت الخيول أن تصاب بالجنون بسبب أسراب ذبابة البقر. فأرهقت في صعود المنحدر الوعر، وكانت تتوقف بين الحين والآخر لتنثني وترفس بأرجلها في غضب. وتهتز العربة وتتدحرج مثل سفينة في البحر. وفي كل لحظة يزداد الطريق سوءاً، ولفحات الظهيرة تغدو أشد وطئاً. لقد وصلنا الآن إلى مجموعة من العاملين في تشييد الطرق، يبلغ عددها المائتين أو نحوها، نساءً وأطفالاً وكذلك الرجال، يتجمهرون فوق الضفاف مثل النمل، ينظفون ويساوون، ويكسرون الحجر. لقد توقفوا عن عملهم وأخذوا ينظرون إلينا كما لو كنا مخلوقات من عالم آخر. "إنتم أول مسافرين يمرون من هذا الطريق،" قال أحد المتفرجين ونحن نمر بجانبه. " لا بدّ أنكم إنجليزيون!"وصلنا بعد فترة طويلة إلى حيث ينقطع الطريق تماماً، أما مساره المستقبلي فقد تم التعليم عليه بحصص عبر هضبة واسعة تنتهي بمرج منبسط. وتعتبر هذه الهضبة نوعاً من الحقول الطبيعية وسط عالم علوي من غابة الصنوبر المحفوفة بإطار ضيق من الأشجار من جوانبها الثلاث، ولكنها تغوص بعيداً على اليسار في واد مكسو بالأشجار تتواثب فيه مياه غدير صاف وتتلألأ. "ننظر حولنا، فلا نرى مخرجاً، فنرجع أدراجنا، ونتساءل، عما بمقدورنا عمله بالعربة. ومما أثار استغرابنا أنَّ السائق بكل هدوء أمسك بالحصان من رأسه وقاده بشكل مستقيم إلى المنحدر الزلق ليخوض في الغدير. "إنك لا تحاول إدخال العربة في تلك الحفرة!" تعجبت الكاتبة. " مع احترامي سيدتي، ليس من طريق آخر" أجاب السائق بكل احترام. "ولكن ستكسر الخيول أرجلها، وستتحطم العربة إلى قطع صغيرة!""كما تحبين سيدتي" يقول السائق، دون أن يدرك المعنى الحقيقي هذه العبارة. نحن نقف الآن على حافة الموت، الضفة المنهارة تصل إلى عمق يقارب الثلاثين قدماً، والغدير يثور ويصطفق في القاع، والضفة المقابلة تكاد ترتفع فجأة من ورائه." هل بإمكاننا الوصول إلى الضفة الأخرى بأمان؟" سألت." مع احترامي، نعم سيدتي. هذا لأقول، إنّ بإمكاننا إعادتها إلى كورتينا على طول الطريق الممتد خلف اورنزو وبياف دي كادوري. كما ترغب السيدة."والآن لم تعد السيدة تود أن تعيد العربة عبر طريق لا يقل عن خمسة وأربعين ميلاً، وعليه، بعد استشارة سريعة، قررنا أن نخرج الأحصنة، وتسحب العربة بواسطة الرجال. وعليه انصرف غوسيبى لدعم رجال البحرية، ومن ثم بمساعدة ثلاثة أو أربعة من الرجال الأشداء، تم رفع العربة إلى الأعلى، وقيادة الخيول عبر النهر، وشُدّت السروج عليها من جديد، وبعد القليل من الشد والجذب، وصلت العربة إلى الجانب الآخر من هذا الروبيكون سالمة غانمة. وبعد يارادات قليلة، خرجنا إلى سهل آخر من الألب الخضراء- مدرج منحدر أخضر ربما يمتد في مساحة ثمانين فداناً- أما الشرق فليس فيه سوى الغابات. والغرب كله جبال، ومنزل واحيد صغير أبيض يستقر مقابل حافة الغابة على بعد ربع ميل تقريباً. هذا المدرج هو وادي بونا، ذلك المنزل الأبيض الصغير هو كوخ الباستيان، حارس الغابة، وهنالك قمم عظيمة شاحبة تشمخ في روعة مفردة فوق قمم الأشجار خلف المنزل، هي قمم كريستالو. ولكن فوق هذا وذاك، كان المشهد الغربي هو ما أتينا خصيصاً لرؤيته، مدرج كرودا مالكورا الطبيعي. وفي الحقيقة، على الرغم من أننا بالفعل نؤمن بأنّه شيء رائع ومدهش في عالم الدولميت، فلم نر شيئاً بعد يستحق المقارنة به. وينحدر السيف الأخضر بعيداً من تحت أقدامنا، حتى ينزوي في خليج وادٍ تكسوه الأشجار مجهول المسافة والعمق. بينما على مد البصر وراء وفوق هذا الوادي في البعيد، تتكدس قمة وراء قمة وجرف فوق آخر، تحدها قضبان أفقية من الثلج المجروف بواسطة الرياح، وراء جبل فتتكوم هنا طبقة من الجليد اللامع، وينساب هناك جدول من شلال ضبابي، يقطع الأفق بجميع أشكال الحواف الحادة والتحصينات، وتصل إلى ما يبدو كأنه منتصف الطريق بين السماء والأرض، فتدور في حلقة محكمة من الجبال الهائلة. لكن أي جبال؟ أليفة كما أصبحت جبال الدولمايت بالنسبة لنا الآن؟ ليس بوسعنا التعرف على تفصيلة واحدة هنا. أين نحن إذن؟ وماذا سوف نرى إن استطعنا تسلق ذلك الحاجز الضخم؟يستغرق الأمر بضع دقائق من التفكير، والاستعانة بالخريطة للإجابة على هذه الأسئلة. ثم، فجأة أصبح كل شيء واضحاً. نحن خلف الكرودا مالكورا، بالضبط خلف السورابيس، وننظر مباشرة باتجاه البيلمو، الذي حجبته عن أعيننا بعض الجبال المتشابكة.ينبغي أن يظهر انتيلاو في الجانب الأيسر، لكنه الآخر متوارٍ خلف سلسلة مارمارول الطويلة الشاهقة. وعلى مسافة بعيدة إلى اليمين، في الفجوة التي تفصل هذه البانوراما الرائعة من أقرب كتل كريستالو الصخرية، يقع ممر التري كروسيه الذي يؤدي إلى كورتينا. ويظل مدرج كرودا مالكورا هو السمة الأساسية للمشهد ونحن ننظر إليه من الخلف. وهو عند النظر إليه من هذا الجانب يسفر عن جدار عمودي من الجروف وشيكة الانهيار، وأيضاً هو أشد انحداراً و استواءً من أن تتكون فيه تجمعات ثلجية، ما عدا هنا وهناك على حافة ضيقة أو نتوء نادراً ما يتسع لأحد حيوانات الشمواه. ويقذف على جانب الأمبيزو بقطع كبيرة من الصخر، لدرجة أنّه ليس من وجه شبه بين واجهتيه الغربية والشرقية كما لو أنّ كلًا منهما في جبل منفصل. وهذه الهيئة تتكرر في بنية الدولمايت، كما عرفت تدريجياً، وسيفيتا من أهم هذه الحالات. وبالنظر مطولاً إلى ها المشهد الجميل، سعدنا مرة أخرى بالهروب من الشمس التي تغشي الأبصار إلى ظل غابات الصنوبر. وهنا صنعنا خيمة من المفارش والعباءات للاستراحة فيها من حرارة النهار اللاهبة لبضع ساعات، وأيضاً تناولنا غداءنا، وتدارسنا كتبنا وخرائطنا، واستمعنا إلى أزيز النحل بين الزهور البرية، وإلى غناء طيور السمنة المغردة فوق رؤوسنا، نخال أنفسنا في أركاديا، أو غابة الأردن. وفي هذه الأثناء كان حارس الغابة مشغولاً بين أشجار التنوب على جانب الربوة، ومن وقت لآخر نسمع دوي سقوط إحدى الأشجار. يتردد رجل الغابة الذي يعيش في الكوخ الأبيض هناك علينا ليقدم فروض الاحترام للسيدة. كان اسمه باستيان، وقد اكتشفنا أنّه أخ لسانتو سيوربايس. كما أنّه عمل أيضاً كجندي، وهو سعيد بالعمل كمرشد عندما تسنح له الفرصة أحياناً. إنّه يعيش في هذا الركن القصي من العالم طوال السنة. إنه "كئيب جداً" كما يقول خاصة في الشتاء. عندما ينتهي فصل الخريف، يقوم بتوفير مؤونة منزله الصغير كما لو أنّه سيدخل في حصار طويل، فيضع في مستودعه الطحين، والجبن والنقانق، والقهوة وما إلى ذلك. ثم يأتي الثلج، ولا يخرج أيُ ذي روح من تلك الوديان. يصبح كل شيء ناصع البياض وصامتاً كالموت. يساوي ارتفاع الثلج طوله، وفي بعض الأحيان يتجاوزه، ويتعين عليه أن يحفر خندقاً حول المنزل، حتى لا يحتجب الضوء عن النوافذ السفلية. وقد حدث ذات شتاء أن كان سقوط الثلج مفاجئاً وغزيراً، حتى إنّه لم يخلد إلى فراشه دون أن يتساءل ما إذا كان سيدفن حياً في كوخه قبل أن يصبح. وبينما كان يتحدث، أقبلت جماعة من العاملين في تشييد الطرق يسيرون ويصفرون، ويضحكون ويدندنون بمقاطع من الأغنيات. إنهم عائدون إلى العمل، وقد تناولوا طبق منتصف النهار من عصيدة عجينة الذرة، وقد سعدت قلوبهم بالنبيذ الأحمر الخام الذي يبيعه باستيان في الكوخ كل لتر بثلاث قطع نقدية من فئة الكروتزر تقريباً، والذي لم نستسغ شربه عندما تناولنا الغداء. "المكان مفعم بالحياة الآن، في كل الأحوال،" تقول ل. بنبرة تنم عن الارتياح. ينهمك في خدمتهم، ويهز رأسه." نعم سيدتي" يجيب؛" ولكن سرعان ما سينتهي عملهم هنا، وستبدو العزلة أشد من أي وقت مضى".يشبه الرجل سانتو كثيراً، ولكنه لا يملك شيئاً من أسلوب سانتو في الحركة. يبدو أنّ حياة العزلة قد سلبت منه كل ذلك الألق. إنّ أسلوبه حزين وسلبي، وعندما يكون صامتاً، تلون عينيه نظرةُ ضياع من النوع الذي يراه المرء في وجوه السجناء الذين لبثوا في القيد سنين عدداً.في الساعة الثانية، هدمنا الخيام واستعددنا للمسير من جديد. أقبل السائق المهذب، وهو يدرك إمكانية الاستفتاح بصفقة جيدة، ليطلب إجازة، فحلَّ محله الشاب جيوفاني، الذي رحل من كورتينا ليقابلنا مع السروج الموعودة. والآن يظهر صديقنا القديم الكميّت الطويل في المشهد بسرج آل بيزيه الجانبي على ظهره، يتبعه حصان أسود يساويه في الضخامة وعليه سرج آل غيدينا، وبذلك صار جيوفاني وجيوسبي بخدمتنا، فركبنا وسرنا، ولكن ليس بدون أن تخلو أذهاننا من شكوك مبررة بأنّ هذه الخيول الأصيلة لم تحمل على ظهرها سيدةً من قبل. ورغم ضخامتها فهي تتسلق مثل القطط، وتتمسك بمنحدرات غابة التنوب الوعرة الزلقة في جهد رائع، حتى إنّها تصعد وراء كوخ باستيان وتتجه إلى ما بعده، إلى ميزورينا الألبية. وقد وصلنا إلى أعلى مستوى حتى الآن بعد ثلاثة أرباع الساعة من العمل الشاق، وحللنا بهضبة هائلة خضراء يحدها من كل جانب صف من القمم الصخرية. شيمي كادينو أو كاديني سبيتزن من اليمين. أما اليسار فصخور كريستالو الدنيا، التي تعلوها أبراج بيز بوبينا العملاق ولكنها لا ترى من هنا. أما الوادي الشاسع هذا، الشاهق، المنعزل، الذي يكسو سفحه العشب الأشد خضرة، وتعلوه السماء الأشد زرقة، فيموج صعوداً وهبوطاً إلى مسافات تستعصي على القياس. * ربما في حجم ألف رأس من الماشية ترتع في المراعي الخصيبة. ونمر الآن من "ستابيليمنتو" أو فاشيري كما تدعى في فرنسا، وهو مجموعة من المباني الخشبية الواسعة، حيث يعيش الرعاة في الصيف، ويصنعون ويخزنون الجبن الذي يشكل مورداً مهماً للثروة في المقاطعة. وبعد مسافة ليست بالقليلة، عندما طال بنا المسير في طريق لم تبد له نهاية، وصلنا إلى دائرة جوفاء استقرت في وسطها بحيرة ميزورينا- بركة خضراء وصافية، وهادئ، تغذيها كما قيل لنا ثلاثون عيناً، وهي غنية بسمك السلمون المرقط، وثعالب الماء. والمكان هاديء، وجميل ومنعزل إلى حدٍ غير معقول. يضفي الظلام- الذي طفق يرخي سدوله في استعجال- على أطراف البحيرة أهداباً، فتضاعفت صورتها بانعكاسها على صفحة الماء. تقف في الماء ثلاث بقرات ناعسات، في سكون. ولا تعكر صفو كريستال صفحتها موجة واحدة. وليس ثمة صوت واحد يحرّك الهواء. وهناك، حيث المشهد باتجاه الشمال، تبدو قمم الدري زينين في غلالة من الضباب، وهنا حيث ينحدر المرج الأخضر إلى طرف المياه، تبدو الشمس المشرقة وكأنّها في سبات عميق. وفي المشهد كله ما فيه من خيالية تخط الأنفاس، كما لو أنّه كان حلماً أو لوحة. وبعد أن استرحنا هنا لبرهة من الزمن، تبعنا خطواتنا على طول الهضبة كلها، ثم ترجلنا، نضرب بأقدامنا على المنحدر الطويل بصخوره ومستنقعاته، حتى وصلنا إلى درب البغال المؤدي إلى كورتينا عبر ممر تري كروسيه. وصعدنا بسلاسة إلى الأعلى في طريق متعرج، ثم التففنا حول حافة غابة الصنوبر، ونسير الآن على كتف كريستالو الذي يبدو الآن بهيئة جديدة بدلاً عن ظهوره ككتلة واحدة، فهو ينقسم إلى ثلاث قطع هائلة الحجم، كل واحدة منها جبل بذاته. ولمسافة غير قصيرة ظل المشهد الشرقي يسود سلسلة جبال مارمارول وسيركا مالكورا. ثم وعلى درجات، بينما نعالج الطريق انثناء إلى الغرب، بدأ مارمارول يغيب عن الأنظار شيئاً فشيئاً، وبدأت جروف مالكورا تكشف عن نفسها من الجانب. وأخيراً وصلنا إلى قمة الممر بصلبانها الثلاثة، وارتفعت جميع القمم الأليفة على جانب الامبيزو مرة أخرى في مصفوفة رائعة مقابل الشمس الغاربة: إلى اليسار بيلمو وروشيتا، وإلى اليمين زاوية جبل لاغازوي، والقمم الثلاث لجبل توفانا، وعلى امتداد الطريق مباشرة بيك دي ميزودي، وجبل نوفولاو، ووراء صدع ممر تري ساسيه، المنحدر الجليدي النائي لجبل مارمولاتا. بيد أنَّ الطريق من هناك إلى كورتينا لا ينحدر بشدة، وهو طويل ووعر- وعر للغاية لدرجة أننا كنا سعداء بالنزول وإنهاء رحلة العودة إلى الديار على الأقدام. وبينما كنا نهبط، أثارت اهتمامنا كثرة الصلبان المنصوبة على جانبي الطريق، كان بعضها خشبيًا غير متقن الصنع، وبعضها من الحديد الصديء. وهنالك بعض النُصُب التي أقيمت إحياءً لذكرى مسافرين فُقدوا في العواصف الثلجية المفاجئة في وقت الشتاء والربيع.______________________________________* "ينبع نهر البياف في جبال الألب التاوريسية، وفي تلك البلاد يسمى جبلياً في اللغة اليونانية، أي كادوري: حيث أخذ النهر من اليونانية اسم اناكسو Anaxo ويراد به القول بأنّه من الممكن أن ينتقل فيه الملاح وظهره باتجاه التيار نسبة لسرعة جريانه الفائقة." تأريخ جورجو بيلوني، الكتاب الثاني، مدينة البندقية، 1707.* كلمة الألب تستخدم هنا ودائماً بمعناها المحلي، فهي تدل على المرعى الجبلي. وربما دلت أيضاً في الوقت ذاته على الكلمة "Col" التي تعني في هذه الأجزاء "الهضبة"، وهي مشتقة من مفردة” “Collo، بينما ممر الجبل (يدعى في سويسرا Col )، وهنا يدعى Forcella .مكان ميلاد تيتيان______________________________________ _______________________بتكليف ورعاية من الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، وبدافع من حب المعرفة والسعي لنشرها قامت القرية الإلكترونية بتوفير هذه النسخة من الكتاب وسوف نقوم بنشرها على حلقات تباعاً هنا في جوجل بلس نأمل أن تحوز إعجابكم وأن تكون مساهمة في #نشر_المعرفةصفحتنا الرسمية في فيس بوك :https://www.facebook.com/mohammed.suwaidi.poet/منصتنا في جوجل بلس لمتابعة باقي مشروعاتناhttps://plus.google.com/+HisExcellencyMohammedAhmedAlSuwaidi?hl=ar(جميع الحقوق محفوظة), Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi....
اعرض في فيس بوك , Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi قمم غير موطوءة وأودية غير مطروقةالباب الخامس- من كورتينا إلى بياف دي كادوريتأليف:إيمليا إدواردزترجمة: أميمة قاسم----- أشرق صباح السارغو على رنين أجراس الكنيسة بشكل....
اقرأ المزيد ... قمم غير موطوءة وأودية غير مطروقةالباب الخامس- من كورتينا إلى بياف دي كادوريتأليف:إيمليا إدواردزترجمة: أميمة قاسم----- أشرق صباح السارغو على رنين أجراس الكنيسة بشكل استثنائي وإطلاق النار من فوهات البنادق. ابتهاجاً كانت الجماهير تيمم شطر الكنائس من الساعة الخامسة صباحاً وحتى منتصف النهار. وصار الشارع الطويل والساحة بالقرب من مكتب البريد صفاً متراصاً من الأكشاك والحوانيت الصغيرة. توافد الزوار بالمئات على جميع أنحاء البلدة: مئات في الكنائس، وبدا أنَّ جميع المنازل قد تحولت إلى نُزُل واستراحات للزوار. وأصبح الزحام سمة لجميع النوافذ والشرفات والمداخل. وقد انطلق موكب فرقة الألعاب البهلوانية في المدينة في الساعة التاسعة من هذا الصباح المشرق من يوم الأحد، وقد استمر نشاز أبواقهم وطبولهم طوال اليوم، وبمصاحبة أجراس الكنيسة وأصوات الرصاص المتقطعة من بنادق الرماة الحاذقين قرب شاطيء النهر. يا له من حشد متنوع! ويا له من مشهد حافل وبهيج! وامتزاج للأصوات واللغات والموسيقى والأجراس والبارود! هنا تيروليّ نمسوي من توبالش إنيشن، وسيكستن ثال، لا يتحدث سوى الألمانية؛ وتيروليّ إيطالي من جانب لونغاروني، يتحدث الإيطالية فقط، وآخرون من القرى الحدودية يتحدثون اللغتين، أو لهجة مركبة من كلا اللغتين، يكاد فهمها يستحيل على غيرهم. أزياء سكان الجبال أكثر تنوعاً من ألسنتهم. فنساء سان فيتو يرتدين الدروع الصدرية القرمزية والستان الأخضر، المزينة بأطواق عريضة مضفرة بالذهب، ومرصعة باللآليء. وتتجول نساء باستر تال وعلى رؤوسهن ما يشبه العمائم، وهي في ثقلها مثل فرو الدببة الذي يرتديه قاذفو القنابل. أما رجال فليتش فقد كادوا أن يضيعوا داخل أحذيتهم الطويلة الهائلة، المقولبة والمصممة على غرار الموضة الفرنسية من القرن الماضي على ما يبدو. وهنا أيضاً، نساء مسنّات في قبعاتهن المصنوعة منزلياً من جلد القندس، عالية المقدمة كقبعة الخادمة ومزينة بقطعة ذهبية من المطاط، وصيادون أقوياء يرتدون احزمة عريضة من الجلد، وحمالات خضراء، وقبعات ملساء متوجة، وبنادق معلقة على أكتافهم، يبدون تماما مثل كاسبر في أوبرا الصياد " Der Freischüt" وسيدات ليفينالونغو اللائي قابلناهنَّ البارحة على الممر، كن حضوراً أيضاً في أعداد كبيرة، ولكن الأزياء السائدة بالطبع هي أزياء الامبيزي. وهي تتكون من قبعة مخملية سوداء، بها باقة من الريش على الجانب، وتنورة سوداء من القماش وصدرية عليها برواز من الساتان أو المخمل الأسود، وأكمام بيضاء واسعة، ومريلة زرقاء كبيرة تكاد أطرافها الجانبية تلتقي من الخلف، ومنديل ملوّن بعض الشيء على العنق. بسيط ووقور وجذاب، هذا الفستان يناسب الصغار والكبار معاً، والقبعة المستديرة توائم الوجه الجميل في انسجام. ونسبة لعلمنا بأنّ بداية القداس الموسيقي ستكون في الحادية عشرة صباحاً، حرصنا، كما اعتقدنا، على أن نكون في أبواب الكنيسة في وقت مناسب، ولكن ازدحمت عتبات الكنيسة قبل ربع ساعة من الموعد المضروب، وبالكاد وجدنا مكاناً نقف عليه بين الحشود. كان جسد الكنيسة بكامله كسجد واحداً فيه ما فيه من حياة وألوان ورؤوسٍ حاسرة ووجوه تنظر للأعلى. نساءُ ورجالٌ على حد سواء يحملون قبعاتهم في أيديهم. وثلاثة كهنة في ثلاث مذابح مختلفة قاموا بأداء القداس بشكل متزامن. قدم العازف على الأورغ أفضل ما عنده، وساعدته في ذلك فرقة كورتينا للآلات النحاسية بتأثير يكاد يبعث على الجنون. كان أحد عازفي آلة الترومبون، على وجه التحديد رجلًا غاضبًا، ذا وجه أحمر يرتدي قيمصاً ذا أكمام من القطن الصوفي، وينفخ منحنياً كما لو أنّه يعزم على نفخ مافي جوفه في الآلة.وعندما يأخذ عازف الأورغ استراحته، أو يغني قائد الكورس بعض الجمل منفرداً، تحلّ فترة من الهدوء عندئذٍ يأخذ المرء أنفاسه. ولكن ما أقل هذه الاستراحات وأقصرها، وفرقة الآلات النحاسية قد أبلت بلاءً حسناً ذلك الصباح في ما عدا وقت الخطبة بالطبع. ألقى راعي الأبرشية عظته، وكان يرتدي حلة بيضاء موشاة بالذهب. دارت خطبته حول الإيمان، وقام بشرح حديثه بشكل لا يخلو من غرابة مشيراً إلى مسائل ومواضيع متنوعة ومختلفة، ولم يكن الإيمان جزءاً رئيسياً منها بأي حال من الأحوال. ماذا يفعل الجندي، والفنان، والمحامي، والعالم دون إيمان؟ قال متسأئلاً. لنأخذ الجندي على سبيل المثال: ما الذي يلهمه الشجاعة لمواجهة فوهات المدافع؟ الإيمان. خذوا الرسام- وما يلهمه برسم الجصيّات واللوحات في هذه الكنيسة: إنّه الإيمان. فكروا في الصبر والجهد المطلوبين لشق قناة السويس! ماهو دافع هؤلاء العمال لأداء مهمتهم الصعبة؟ الإيمان. انظر مرة أخرى إلى نفق جبل سينيز! فكر في الكيفية التي بدأ فيها هؤلاء المهندسون في الجوانب المقابلة لذلك الجبل، وفي طوله الكامل، بعد سنوات من العمل، التقى الجانبان في نقطة وسطى. إلى أي قوى علينا أن ننسب تلك الإرادة المتوجة بذاك النجاح؟ إلى قوة الإيمان العليا والمحيية.كانت خطبة الرجل الجيدة من هذا النوع. لقد وعظ الشعب بلغة إيطالية، وكان يسكت بعد محاولة للتعبير عما في خلده، وما استقر في دماغه الصلعاء، حاملاً منديلاً قطنياً للجيب أزرق اللون. لقد كان يوماً حاراً، وقد أرهقته البلاغة التي كان يتحراها في حديثه إلى حدٍ بعيد. قمنا بجولة في المعرض بعد خروجنا من الكنيسة. تقام هنا المتاجر المتحركة والأكشاك لبيع جميع السلع تحت الشمس- قبعات، ومظلات، وغلايين، ومناظير، وأوانٍ، ومقالي، وأباريق الشاي، والجلد المدبوغ، والجلد غير المدبوغ، والسلال، والمغارف الخشبية، والأحذية الطويلة والقصيرة. والألحفة، والأطناف المطرزة في المنزل، والكتّان، والمناجل، وآنية الصفيح، والأواني الخشبية، والمسامير، والبراغيّ، وأدوات النجارة، والمُدى، والشوك، والملاعق، والخزف، والألعاب، والصلبان، وكتب الصلوات، والحمالات، والأربطة، وكتب الجيب، وسلاسل الفولاذ، وأزرار الأكمام، والأدوات المكتبية، والدواجن الحية، والفاكهة، والخضر، والمجوهرات الرخيصة، والأشرطة، والمطارف، والبذور، وأقفاص الطيور، ومظلات القطن من جميع الألوان. هنا أيضاً يوجد كشك لبيع الساعات اليدوية حصراً، من ساعات التورنيب الفضية الضخمة إلى ساعات جنيف الصغيرة الحجم، وربما أيضاً القيّمة منها التي قد يصل ثمنها إلى فلوريناً إنجليزياً. وبالقرب من باب الكنيسة يوجد كشك أكبر قليلاً تتكدس فيه الأعمال النحاسية التي تعود للقرون الوسطى، شمعدانات المذابح، والزنجار، والكؤوس وما شابه ذلك. بينما الذي يفصله عنه حانوت واحد فقط مزارع عجوز غامض الهيئة يشرف على برميل كبير مليء بالقش والماء، وحول سطحه تصطف الأحجار المبللة من كل الأحجام في مصفوفة متسقة ومتناسقة. ومن اللافت في هذا الاحتفال غياب عنصر الرقص وأكشاك المرطبات. فالتيروليون المتزنون لا يرقصون كثيراً، عدا في مناسبات الزفاف، أما الوجبات، فتكتظ الفنادق الصغيرة منتصف النهار بالزائرين الذين لم يتزودوا بالطعام في رحلتهم، ويأكلون هناك بشيء من الاحتفالية. وحتى الألعاب البهلوانية، لا يبدو أنّها تجذبهم إلى حد كبير. يتجمع حشد كبير أمام العرض، وغالبا ما يمتليء الميدان بالزوار في الظهيرة، ولكن لا يبدو أنّ الكثيرين يقصدونها. إنّهم سعداء، في أغلب الحال، لسماع الحوار الفكاهي الذي يؤديه بإتقان على الرصيف الخارجي البهلوان وميري اندرو، ويؤثروا يحتفظوا بنقودهم بدلاً عن إنفاقها على مشاهدة العرض.تتسلل الكاتبة الآن إلى الأركان وما وراء الأكشاك في محاولة لإتمام كتابة ملاحظات قليلة حول الأزياء والشخصيات، مدركة من تجاربها السابقة عدم شعبية الرسّام، ولكن كونها سهلة الاكتشاف، مما يجعل الجميع يتحلق حولها يجبرها الاختيار بين أمرين لا ثالث لهما، إما استخدام قلمها بكل سرور علناً، أو ترك الأمر كله. وقد أثبت سكان الامبيزو الطيبون أنّهم اقل حساسية بهذا الصدد عن مزارعي إيطاليا أو سويسرا. فقد كانوا مسرورين لرسمهم، وتحلقوا بالعشرات، يتوسلون لتصويرهم رسماً، وقد كانوا قلقين من حذف أية تفصيلة تخص الأزياء. وقد جاءت معي إلى المنزل امرأة جميلة جدا من ليفينالونغو أملاً في الحصول على فلورين وعدتها به نظير إجراء دراسة ملونة لزيّها. لقد كانت طويلة، وذات بنية جميلة، ولم تستطع تلك السترة الفضفاضة ولا الصدرية الشبحية أن تنتقص من كمال جسدها. وكما وضعتها، وقفت، صامتة، ساكنة، وساهمة لأكثر من نصف ساعة. وقد كان لها وجه لم أر أكثر منه هيبة، ولا عذوبة، وفيه حزن لا قرار له. وعندما سألتها قالت إنّها في الثالثة والعشرين من عمرها، وتعمل كخادمة فلاحة في ليفينالونغو." وهل أنت غير متزوجة؟" سألتها." لا، سيدتي""ولا مخطوبة؟""لا سيدتي"" لابد أنّك المسؤولة عن ذلك،" قلتولكنها هزت رأسها."أه، لا" أجابت وقد تغير لونها قليلاً: " لا يتزوج شبابنا بدون نقود. من كان ليفكر فيّ؟ إنني فقيرة جداً".لربما أردت أن أعرف أكثر عن تأريخها، ولكن كرامتها الفطرية وتحفّظها جعلاني أشعر بضرورة عدم أطرح عليها المزيد من الأسئلة. انتهى الرسم، ألقت عليه لمحة واحدة، وأعادت المبلغ المتفق عليه، واستدارت لتذهب. لقد أظهرت السيدة أريحية كبيرة، فلم تكن تريد أن تتلقى أجراً. بيد أنّ الإلحاح عليها لتأخذ المال جعلها تتمسك بموقفها وتمضي لحال سبيلها، ويبدو أنّ تصرفها ذاك ينبع من حسن تربيتها وليس من زهدها في الأجر، سارت على الطريق المنحدر خلف المنزل، ثم فوق الجبل بمفردها عائدة إلى الديار. في تلك الظهيرة جاء سانتو سيوربايس مرة أخرى، يرافقه رجل شاب طويل ذو شعر أشقر وسحنة داكنة، في حوالي الثامنة والعشرين أو الثلاثين من عمره، قدمه إلينا بصفته "السيد غوسيبي غيدينا" وقال إنّ غوسيبي هذا مزارع، تزوج مؤخراً، وحسناً ما فعل. وهو ابن أخ صاحب فندقنا أكيلا نيرا. وبما أنّه ليس مرشداً محترفاً، فسوف يكون سعيداً بالسفر مع السيدات، ويساعدهن بكل ما أوتي من قوة. وهو لا يدعي معرفة جميع البلاد التي تقع داخل نطاق مشروعنا، ولكنه سوف يستعين بتعليمات سانتو المكتوبة في ما يتعلق بالمسارات، والفنادق، والبغال، والمرشدين وما إلى ذلك، وأنّه، أي سانتو، لا يساوره أدنى شك في أنَّ غوسيبي سيثبت كفاءته في جميع المهام التي يتطلبها العمل بدرجة لا تقل عنه هو نفسه. وقد أسرنا غوسيبي بأخلاقه ومظهره بشكل خاص. لقد أحببنا جاذبيته، وذكاءه الذي كان جلياً في ما طرحه من أسئلة وما قدمه من إجابات، واهتمامه بدراسة خرائطنا وكتبنا الدليلية. وعليه سرعان ما وضعت الخطة التمهيدية. وكان عليه الاطلاع بشكل شامل على جميع المسائل ذات الصلة بالمسار، ويبقي نفسه مستعداً للالتحاق بنا في غضون يوم أو اثنين. وفي هذه الاثناء تم الاتفاق على أنْ ندفع له ذات الأجر الذي كنا سندفعه مقابل خدمات سانتو سيوربايس: وهو تحديداً اثنان ونصف فلورين عبارة عن مستحقاته، وواحد ونصف فلورين لطعامه- ما يعادل في جملته ثمانية فرنكات، أو ستة شلنات وثمانية بنسات. وإن عنَّ لنا السفر عن طريق أي من الوسائل العامة، فعلينا فقط دفع ثمن تذكرته، ولكن يتحمل هو نفقة السكن وجميع النفقات الأخرى في الطريق. وربما يلاحظ هنا، فوراً وعلى الدوام، أنّه قد لا يتسنى لنا اختيار الطريقة الأكثر حظاً. فغوسيبي غيدينا، المخلص، الأمين، المهذّب، النشط، الذكي غير المعتاد على مكتبه الجديد، شرع في أداء واجباته بكل تلقائية، فكان فوق توقعاتنا. كان دائماً مستعداً، مع أنّه لم يك دائماً أمام أنظارنا، وكان يهتم بأموالنا كما لو أنّها ملكه، ويفكر فينا وليس في نفسه أبداً. وكان حريصاً جداً على أن ترى السيدات كل ما تنبغي رؤيته، وعند السفر خلال ضاحية ما جديدة عليه، كان يتكبد المشاق كلها ليضيف إلى كتاب الجيب الخاص به جميع التفاصيل ما أمكنه ذلك، واضعاً في الاعتبار كل بند قد يثير اهتمامنا مما قد يقابلنا في الطريق في رحلة الغد. لقد ظل معنا، كما سيفعل خلال هذه الجولة في منطقة الدولمايت، وقد فارقنا في نهايتها وفي قلوبنا حسرات كلٌ على فراق الآخر. أعداد ممن احتشدوا في المعرض والكنائس طوال هذا اليوم عادوا إلى ديارهم، في الظهيرة أو المساء. وطول النهار كانوا يبدون كنقاط متناثرة على جميع دروب الجبل، وظلت نداءهم الألبيّ القوي يرنّ لساعات بعد أن خلد جميع من في كورتينا إلى النوم، وشقت صمت الليل. في صبيحة اليوم التالي، على أية حال، بدا أنّ عدد زوار المعرض لم يقل عن السابق، وظل قائماً طوال اليوم الثاني بروح لم تعرف الكلل.بدأ الصباح التالي بحفل زفاف. وقد كان ترتيب حفل العرس كما يلي: أتت في البداية فرقة الآلات النحاسية التي لا تعرف الكلل ولا الملل، ويصل عدد عازفيها إلى العشرين ونيف، ثم العروس ووزير الريس، ثم والد ووالدة العروس، ثم العريس يمشي وحده، وأخيراً أقارب وأصدقاء العروسين وقارب عددهم أربعة عشر أو خمسة عشر شخصاً. وبهذا الترتيب ساروا مرتين على امتداد البلدة طولاً. ارتدت العروس فستاناً أسود اللون من قماش الألبكة، والصدرية القماشية السوداء والأكمام البيضاء كما هو معتاد، ثم مريلة رائعة من الحرير الأحمر والأخضر تغلق من الخلف بزوج من المشابك النحاسية الظريفة. ولم ترتد العروس قبعة، ولا أي من النساء اللواتي شهدن العرس، بل وضعن فقط الكثير من الدبابيس الفضية في شعورهن المصففة بعناية. وعند دخول الكنيسة، اتخذ الجميع مقاعدهم في الممر حتى منتصف القاعة، واتجهت الفرقة إلى الشرفة الخاصة بآلة الأورغ. ذهب العريس الآن بنفسه إلى المذبح، وركع. وبعد أن مضى على ركوعه دقائق قليلة، رافقت الأم ابنتها إليه لتقف إلى يساره، وتركتها هناك. وبعد أن ركعا معاً لحوالي خمس دقائق أخرى، دخل الكاهن، يتبعه قارع الجرس، الذي قام بدور الكاتب. أشعل قارع الجرس زوجاً من الشموع الطويلة وقدمها للكاهن، الذي باركهما، وأعطى واحدة للعروس والأخرى للعريس. وهكذا بدأت مراسم الزفاف. تلا الكاهن قداس الزواج بصوت خفيض وبسرعة شديدة، ولم يتوقف الا الآن لطلب الخواتم، التي سلمها إليه قارع الجرس في طبق زجاجي صغير. بارك الكاهن الخواتم، وأعطى في الأول واحداً للعريس ليضعه على إصبع العروس، ثم أعطى الآخر للعروس لتضعه على إصبع العريس. وأثناء كل هذا الوقت لم يفارقا شمعتيهما، بل نقلاها من يد لأخرى كما يتطلب الحال. وفي هذه المرحلة من المراسم أخرج العريس بعض المال وقدمه للعروس. وعندها رُش عليهما الماء المقدس، وكان في هذا ختام طقس الزواج. تلا ذلك القداس الأكبر، كما البارحة، بالفرقة الكاملة ومصاحبة الأورغ، ظل الزوجان الجديدان طوال فترة القداس على ركبتيهما أمام المذبح، يحملان شمعتيهما المتقدتين.وبعد فترة ليست بالقصيرة، عندما انتهى كل شيء، وكان الحضور على وشك الانصراف، نهض العريس بهدوء شديد، وسار في طريقه إلى خارج الكنيسة، تاركاً عروسه ما تزال جاثية. عندها أتت أمها مرة أخرى وقادتها إلى الخارج. أما العريس، فبدون أن يلتفت وراءه ليعرف ما حدث لها، ذهب ليلعب بالكرات الخشبية في الميدان، ومضت العروس إلى المنزل مع والديها، فخلعت زينتها، وعادت بعد فترة قصيرة ترتدي ملابسها العادية. ربما كان هذا تقليداً تيرولياً بالنسبة للأشخاص المتزوجين حديثاً، أن يتجنبوا بعضهما البعض قدر الإمكان. في كل الأحوال، فقد تسكع العريس مع الرجال، وسارت العروس مع أهلها، ولم يُشاهدا معاً بقية ذلك اليوم بطوله. ومن أجمل النزهات التي قمنا بها في ذلك الوقت كانت رحلتنا إلى لاندرو في هوليشتاين تال، حوالي اثني عشر ميلاً من كورتينا على الطريق النمسوي. وفي هذه المرة، قدم لنا صاحب الفندق عربة صغيرة على نوع جيد من النابض، ومقعد من الأمام للسائق، وقد بدا الحصان الكستنائي في طقم رائع، وزيّن رأسه بشرابات حمراء وعقد من الأجراس المجلجلة الصغيرة. وانطلقنا مرة أخرى وجيوفاني على مقعد القيادة، مبكرين هذه المرة في صباح أغر من أيام شهر يوليو، متبعين مسار وادي الامبيزو الأعلى، بمحاذاة جبل التوفانا بطوله، وناظرين إلى قممه الثلاث على التوالي. وقد أمضينا وقتاً طويلا على الجرف، لا يقدّر ارتفاع هذا الجبل وضخامته الا من رأوه من جانبين اثنين على الأقل من جوانب مثلثه العريض: من ممر تري ساسيه على الجهة الجنوبية الغربية، ومن الطريق العالي على الشرق. المشاؤون المهرة قد يستطيعون إكمال الجولة على الجبل بنزول وادي ترافيرنانزا إن توفر لديهم الوقت، وهو الوادي الذي يفصل بين جرف توفانا وجرف جبل لاغازوي. أما القمة الهرمية على جانب ممر تري ساسيه فقد صعدها الصيادون من كورتينا مراراً وتكراراً. وقد كان صعود القمة المركزية من إنجازات د. غرومان في عام 1863. أما الوصول إلى القمة الشمالية فقد كان في عام 1867، إذ صعدها السيد بوني الذي وصف المنظر الذي تطل عليه باتجاه برونيك وقمة فينيديجر العظيمة كواحدة من أجمل القمم في سلسلة الألب الشرقية. أما القمة الأعلى وفقاً لآخر القياسات فتبلغ حوالي 10.724 قدم تقريباً. من كورتينا، يسير الطريق لبعض المسافة في مستوى يقارب الستين قدماً فوق مستوى حوض بويتا، ويمر الآن تحت أحد أعمدة الحلاقة والمخطط باللونين الأبيض والأحمر، والذي يبرز هنا عبر الطريق على زاوية تبلغ 45درجة. وبينا نستعد للرحيل تحت قيادته، تطير بوابة أحد الأكواخ الملاصقة، التي اتخذناها حتى الآن منزلاً مناسب الحجم فجأة فتنفتح على مصراعيها، ويلقي رجل عجوز، واهن، وضئيل الحجم بنفسه إلى وسط الطريق، ويطلب رسوماً تصل إلى 48 عملة فضية من فئة الكروزر. وبما أننا اكتسبنا قدراً من المعرفة بأساليب المنطقة، فسرعان ما عرفنا أنَّ السواري المخططة بالأبيض والأحمر تعني دائماً حاجزًا ضريبيًا. بينما يشير اللونان الأصفر والأسود إلى الخط الحدودي بين النمسا وإيطاليا. ومن هنا يبدأ الطريق صعوداً والجبال تتقارب، قمم جديدة، تكسوها الثلوج من فوق والغابات من تحت، وظهرت في الأفق قمة بوتلشتاين، والتي كانت تتوجها قلعة حصينة شهيرة من العصور الوسطى، تسد الطريق في آخر الوادي. أما القلعة القديمة فقد سويت بالأرض عام 1867، وهنالك حديث حول قلعة حديثة ستقام في مكانها. وفي هذه المكان يبدأ الطريق في الانحراف بشدة إلى اليمين، ويرتفع خلال غابات الصنوبر، وتحت الرصيف الذي كانت تقوم عليه القلعة، تاركاً السيل الهادر بالأسفل، و يتجه شرقاً بزوايا قائمة إلى وادي الأمبيزو، الذي يسمى باللهجة المحلية "تال تيديسكو"، الاسم الذي لا يمكن العثور عليه على أية حال في خرائط ماير ولا آرتاريا. وهنا أيضاً لوح بجانب الطريق يخطرنا بأننا دخلنا ضاحية ويلزبيرغ.أصبح الطريق الآن يمر عبر سلسلة من الساحات المشعوشبة الزكية، عبر غابات الصنوبر المحملة بالكريمسون والثمار المخروطية المخملية، ويزدان بمستنقعات الألب بلونها الرمادي الغريب. وعالم كامل من زهور الجريس البرية، والجنطيان القرمزي، ونور زهرة العاس الذهبية الغامقة، والدفنة الزهرية، وغيرها من الأزهار البرية، وبعضها جديد علينا تماماً، وهنا براعم كثيرة حتى إنَّ المساحة الرفيعة الخضراء على كل من جانبي طريق العربة تبدو كما لو أحاط بها شريط من السجاد الفارسي. وفي هذه الأثناء وعبر ثغرات الغابة، التقطنا لمحات من قمم الدلمايت الرائعة يميناً ويساراً والتي ما تفتأ تبرز بين الفينة والأخرى في المساحة المفتوحة للأرض الخضراء على الحدود التي تصطف عليها البيوت الصغيرة الملحقة بالمزارع، ونرى قمم الكريستالينو التي يبلغ ارتفاعها (9238 قدماً) التي تبرز في تحصينات عملاقة وراء الأرض المنحدرة على الجانب الأيمن من طريقنا. والآن يعبر الطريق حوض سيل وعر، مليء بالأحجار وحاد الانحدار، ويكاد لونه الأبيض يخطف الأبصار في ضوء الشمس. نقف هنا، ونتلمس طريقنا عابرين من صخرة إلى أخرى، بينما يقود جيوفاني الحصان الكميت خلال الدروب الرملية. والآن، وبينا نخرج من غابة الصنوبر، يظهر أمامنا جبل ضخم من جبال الدولمايت، داكن اللون كئيب الطلعة، به لطخات من اللون الأحمر، يبرز فجأة شاهقاً شامخاً إلى يسارنا ، ويبدو أنّه يكاد يسقط على الطريق. ماهو هذا الجبل؟ وقد أخطأ جيوفاني للمرة الأولى. فيخال إليه أنّه لابد جبل كرودا روسا، لكنه ليس متأكداً. وبعثورنا على جبل، على أية حال، يقع في هذا المكان في خارطة ماير، ويدعى جبل كريبا روسا، وفي أرتاريا باسم روثواند، يسعدنا أن نخلص إلى أنّه ذات الجبل في كلا الحالتين، والاختلاف في الاسم فقط. بخلاف جميع جبال الدولمايت الأخرى، التي رأيناها حتى الآن فإنَّ كرودا روسا لم يكن رمادياً وشاحب اللون، ولكنه بنيّ كئيب، وذو مسحة ارجوانية، مثل الجبل المعروف باسم "الدرج الأسود"، بالقرب من إنيسكورثي، في إيرلندا. وبالمضي في اتجاه سكلوديرباخ، وبالنظر إلى الخلف على جبل كرودا روسا، يفترض أنّه كان عامل تهديد على الدوام، بالصعود إلى جرف بعد آخر نحو واحدة من القمم العريضة المقببة، التي تتجمع تحتها قمم صغيرة شديدة الانحدار في لون الدم القاني. ومن هذه الشرائط والبقع الضخمة من ذات المسحة تنساب رواسب قاحلة إلى الأسفل، كما لو أنَّ ذبحاً عظيماً قد تم هناك، في الأيام الغابرة من التأريخ. مرورا بسكلوديرباخ، وهو فندق على جانب الطريق تبدو عليه النظافة، وصلنا إلى موقع درين. فرأينا بحيرة صغيرة لطيفة في لون الزمرد الأخضر، عليها خطوط من الظلال البنفسجية وتصل في طولها إلى ثلاثة أرباع الميل. تقف الجبال العظيمة على مقربة من جميع الاتجاهات، والغابات الغنية في أسفل منحدرات الهضاب إلى حد الماء. القمم المحتشدة، والجليد والثلوج اللانهائية لجبل كريستالو: القمة الحصينة لبيز بوبينا: والأبراج الاستثنائية لدري زينين تنضم واحدة بعد الأخرى إلى روعة المشهد. كما هو الحال بالنسبة لدري زينين فإنها تفوق في وضوحها وغرابتها جميع قمم دولمايت الامبيزو. وتبدوان من خلال الفتحات في الهضبتين المكسوتين بالغابات، تصعدان بحدة من وراء لوحة جبل بيانو التي تفرض نفسها، كما لو أنّها انبثقت من مركز الأرض، مثل زوج من الأنياب. ليس هنالك وصف مجرد بوسعه أن ينقل لأكثر القراء حصافة، أي انطباع سليم عن التضاريس، وملامح الطاقة الكثيفة لارتفاع "الطعنة"، قوة لا تقبل المقاومة. عمودان مقفران معزولان من الكبريت الشاحب، وحجر الجير الذي تتخلله خطوط برتقالية اللون، تهتز جميعها فتصبح شفرات حادة وأسنانًا تشبه أنياب سمك القرش تصعد باتجاه القمة، إنّها تكاد تتحدى قلم الرصاص، وتتحدى قلم الحبر أيضاً. ومع ذلك فإنَّ الرسم التوضيحي المرفق، يعبر بصدق يضاهي حقيقة الشكل الفعلي، ويجوز للكاتبة أن تقسم على رسمها له بعناية فائقة من أفضل موقع على طول حدود البحيرة. الديري زينينأما في لاندرو، وهو فندق نظيف ومريح يقف منفرداً على طرف البحيرة، توقفنا لإطعام الحصان وتناول وجبة الغداء. حيث قُدمَ لنا طبقٌ قوامه سمك السلمون البارد الممتاز من بحيرة ميزورينا، مع الكوستلاتة الساخنة. كان المكان بكل مافيه يبعث على التفاؤل. أما أصحاب الفندق فهم السيد والسيدة، وابنهما وهو ولدٌ لماحٌ في السابعة عشرة من عمره، كان يتحدث لهجة غير مفهومة من اللغة الألمانية، ولكنه كان خدوماً وحاضراً عند الاحتياج إليه بشكل يدعو للسرور. اعتقدنا أنّه ربما كان مكاناً مناسباً للبقاء لأيام قليلة، فسألنا عن الغرف، ولكن كان الفندق مشغولاً عن آخره ومحجوزاً لمجموعة كبيرة طوال فصل الصيف، وهي مجموعة يغلب عليها الإنجليز، وبينهم عضو في نادي الألب الإيطالي. كان يتبع هذا السيد كلب عملاق من نوع سان برنار، وقد دلف بينما كنا على مائدة الغداء، مرتدياً قميصاً قرمزياً رائعاً من القطن، وزوجًا من أحذية الفروسية العالية، وقد كان يتبعه كلبه دائماً، وقد شهد هذا الصباح انهياراً ثلجياً خطيراً لجبل كريستالو.انتهى الغداء، وأمضينا فترة في الخارج نتسكع ونرسم، بجانب مياه دورين الرائعة. نشاهد بحيرة تجري فيها ثلاثة سيول، ولا ينبع منها أي نهر. لم لا تتدفق على شواطئها، وأين تذهب المياه الفائضة؟ هذه أسرار لم يقع أحد بعد على تفسير لها. وهنالك حديث حول صدوع خفية وانبعاثات طبيعية في حوض البحيرة، ولكن لا يبدو أنّها تفسر على الأقل توازن كمية المياه التي تصب في البحيرة والتي تجف منها. وعليه فإنّ امتلاء حوض دورين سي بالمياه على الدوام دون أن يشهد أي نوع من الفيضان يظل لغزاً في انتظار أن يفك طلاسمه العلماء. وربما يجدر بنا أيضاً ذكر أنَّ دري زينين الذي يبلغ ارتفاعه (9.833 قدماً)* من الجبال الثلاثة العظيمة التي ترى من لاندرو، والذي قد تسلقه مؤخراً أعضاء النوادي الألبية النمسوية والألمانية، فكان بيز بوبينا (10.389 قدماً) هو الأول الذي صعده السيد إ. ر. وايتويل، والقمة الأعلى لجبل كريستالو (10.644قدماً)، التي صعدها د. غرومان في سبتمبر عام 1865، من ممر كريستال، بدايةً من جانب التري ساسيه. ومن دورين سي يبدأ الطريق مرة أخرى في الميلان ناحية الشمال، ثم يمضي مستقيماً تقريباً طوال الطريق حتى توبلاخ، على مسافة تقارب عشرة أميال إنجليزية. وبالنظر إلى مشهد هذا الوادي الضيق من لاندرو، يرى المرء جبال باستر تال التي يغطي الجليد قممها التي تسد الأفق.وعندما عدنا إلى كورتينا في وقت الظهيرة الجميل، تركنا العربة في مكان ليس ببعيد من حاجز الضرائب، وسرنا على الأقدام باتجاه الديار عبر الدرب الأدنى الذي يمر بالحقول والمروج وأطلال عجيبة لقصر ذي أبراجٍ، أصبح أحدها الآن جزءاً من كنيسة صغيرة بنيت من أحجار الحصن القديم. بالقرب من كورتيناوفي هذه الأثناء ما زال لدينا الكثير لنشاهده ونقوم به قبل مغادرة كورتينا. فلا بد أن نرى المارمارول، المتواري تماماً وحتى الآن خلف كرودا مالكورا، وبحيرة ميسورينا، الشهيرة بما فيها من ثعالب الماء وسمك السلمون المرقط. لابد أن نزور ممر التري كروسيه، ونصعد إلى وادي اورونزو، وفوق كل شيء يجب أن نزور مسقط رأس تيتيان في بياف دي كادوري. ولا يبدو من السهل بمكان أن نحكم من الخرائط على إمكانية جمع هذه المواقع في رحلة واحدة بالترتيب، وإمضاء ليلة أو اثنتين على الطريق. وحتى يتسنى لنا ذلك فسنتبع وادي الامبيزو إلى بياف دي كادوري، ثم نأخذ طريق وادي بياف حتى نقطة اقترانه مع الانزاي في تري بونتي، ومن ثم الانثناء إلى وادي اورونزو، ومن اورنزو نأخذ طريق العودة إلى كورتينا عبر وادي بونا وممر تري كروسيه. وسوف يأخذنا هذا المسار إن كان عملياً في دائرة مكتملة تمر على كرودا مالكورا، وانتيلاو، ومارمارول، ويمكن على ما يبدو الانتقال في جميع طرقاتها بالعربة. وقد دعمت النصيحة التي قدمها إلينا غودينا الكبير أنَّ هذه الخطة قابلة للتنفيذ طالما كان الوصول إلى المكان المسمى كازا دي سان ماركو في وادي بونا سهلاً عبر أحد الطرق الجديدة في عملية البناء التي تقوم بها الحكومة الإيطالية. أما بخصوص حال هذا الطريق من الاكتمال أو عدمه حتى نقطة كازا دي سان ماركو، فهذا أمر لم يكن متأكداً منه، ولكنه لا يشك في أنَّ العربة قد تصلح للانتقال إلى ما بعد تلك النقطة. وعلى أية حال فإنَّ الطريق الجديد لم يفتتح بعد، ونحن بكل تأكيد نستطيع فقط استخدام الجزء المكتمل منه. ولذلك أرسل مجموعة من الخيول المسرجة عبر مضيق تري كروسي لتقابلنا في كازا دي سان ماركو، وتعود العربة من خلال مسار مخصص للعربات يمر بلاندرو. وبمعاونة هذه الخيول استطعنا صعود ميسورينا الألبية، وعدنا أدراجنا عبر تري كروسيه إلى كورتينا. وكما في المرة التي شهدناها، استطعنا فتح حساب الجيرو الخاص بنا في يومين أو ثلاثة، كنا ننام في حالة واحدة في كلا من بياف دي كادوري و أورونزو، أو في الحالات الأخرى نبدأ مبكراً بما يكفي لقضاء اليوم في بياف والوصول إلى اورونزو في المساء. وبسماعنا الأخبار غير السارة عن النُزُل في بياف، أتى قرارنا في آخر لحظة.وقد كان اليوم الذي بدأنا فيه من هنا، أولى رحلاتنا الطويلة، هو اليوم الذي بدأ فيه غوسيبي العمل معنا كمساعد رحلات. وكنا ننهض باكراً، ونطلب العربة في السابعة صباحاً، وهي عربة من فئة اللانداو، رحيبة، ويسحبها زوج من الخيول الأساسية، التي يقودها مدرس مهيب أشعث الشعر ذو رصانة ولطف. وقد تبين أنّه طيب إلى حد غير متوقع، ومريح وربما اعترف بالفضل لأي من فنادق الدرجة الأولى التي تركناها خلفنا مؤخراً. تجمع آل غيدينا لرؤيتنا نغادر. وبدا الحزن على قسمات خادمة ل. لتركها في الغربة، وهي تراقبنا من الشرفة. وقف مدير مكتب البريد، والصيدلي، والبقال، وراعي الأبرشية معاً في مجموعة صغيرة على ركن الميدان لوداعنا. وأخيراً وضعت الحقائب، والمفارش والمظلات في العربة، وقفز غوسيبي إلى مقعده في الصندوق، وفرقع السائس سوطه، وانطلقنا تحيط بنا التمنيات برحلة طيبة من المودعين " buon viaggios ".وكانت المرحلة الأولى من الطريق (حوالي 12-14 ميلاً) حتى تاي كادوري، تقع على الأرض نفسها التي مررنا بها في يوم وصولنا لكورتينا. على أية حال اتجهنا إلى جانب الطريق تاركين جبل زوكو زكزاك وراءنا في الأسفل، وصعدنا على الطريق الأبيض الطويل المؤدي إلى القرية التي على الهضبة. عند منتصف المسافة بين الواديين تقريباً، توقفنا عند كنيسة صغيرة على جانب الطريق لرؤية صليب عجائبي عثر عليه عام 1540 في أحد الحقول القريبة، حيث ظهر أثناء حرث الأرض. ولم يكن الصليب قديماً جداً قِدَم غزو الغوطيين الغربيين عام 410 بعد الميلاد،(كما يعتقد بعض الأثريين المحليين) ولا الهون في 432 بعد الميلاد. ولكن الصليب بلا شك فيه غرابة، وربما دفن ليجلب الأمن إبان الغزو الألماني تحت قيادة ماكسيميليان في عام 1508 للميلاد. ويفترض أنّه قد اجترح منذ ذلك الوقت عددا كبيرا من المعجزات، من التعرق الدموي، وظل أثناء وباء عام 1630، وبطرق عدة وفر درجة استثنائية من الحماية والتأييد لشعب كادوري. وقد كرّست الكنيسة الصغيرة في الأصل للقديس انطونيو، وهي تدعى الآن كنيسة الصليب المقدس، وتتمتع بصيت ذائع في أرجاء هذا الجزء من تيرول. لقد تم نحت الصليب من الخشب البني القديم، والصورة المقدسة محجوبة إلى حدٍ ما بواسطة خصلة من الشعر الطبيعي، وبشكل لا يخلو من سذاجة.لقد وصلنا إلى بياف دي كادوري حوالي الساعة الحادية عشرة والنصف صباحاً، بما في ذلك الوقت الضائع، ووجدنا الفندق دون الوسط مثل ما يشاع عنه. لقد كان صغيراً جداً، ومتسخاً للغاية، ومزدحماً بالفلاحين الذين انهمكوا في الأكل والشرب والتدخين. صعدنا إلى الدور العلوي بحثاً عن ركن يمكننا ترك لفائفنا فيه، ونحاول تناول غداءنا كل بمفرده. ووجدنا الغرف بحال مزرية، فقررنا أن ننزل بالاستقبال. لم يكن مكاناً مريحاً البتة، مزدحم بجذوع الأخشاب، وهو لا يفضل بقية المنزل بشيء سوى التهوية. تم إخلاء بعض المساحة، على أية حال، تمت استعارة بعض المقاعد من الغرفة المجاورة، وقد تم استخدام الجزء العلوي من منحوتة غائرة كبيرة، أو خزانة ملاءات كمنضدة. وبما أننا طلبنا بعض الطعام ليكون معداً حوالي الساعة الواحدة (الساعة الآن حوالي الحادية عشرة) فقد هرعنا إلى الخارج لمشاهدة منظر المكان. تطوعت أصغر بنات صاحبة الفندق، وهي فتاة تتكلف الرسمية في أسلوبها، في الثانية عشرة من عمرها تقريباً، لتكون مرشدتنا، وعندما لم نقبل بعرضها، آثرت متابعتنا من على البعد في شيء من العناد. الساحة القديمة الغريبة بأروقتها الكئيبة، ومنازلها العتيقة ونوافذها الفينيسية، ومقاهيها، ونوافيرها، وآرائكها، التي تشبه كثيراً ساحات سيرافالي، ولونغاروني، والبلديات التي تشترك معها في الطراز. بمبنى بلديتها الرائع، وبرج الجرس المألوف بالفعل في صفحات مؤلف جلبرت عن "كادوري". وهناك أيضاً الدرجات المزدوجة الجميلة التي تؤدي لى الأعلى حيث المدخل الرئيسي في الطابق الأول، كما في قاعة مدينة هيلبرون- وهي سمة إيطالية دون شك، وهناك حوالي منتصف الطريق يقع برج الجرس، وهو ضخم، ومزدان بجصيّة كان تصميمها في الحقيقة أجمل من رسمها، حيث يقف فيها تيتيان، على ارتفاع يصل إلى 12 قدماً، ملتحياً ومرتدياً عباءته، مقابل خلفية لازوردية، تشبه إلى حدٍ كبير بورتريه عملاق القافلة في معرض. كانت هذه اللوحة هدية إلى كمونة كادوري من الفنان الذي قام بتلوينها- وهي الآن ليست سوى جصيّة جدارية في البلدة. وقبل بضع سنين، كان يقال إنَّ أحد المنازل القديمة في الساحة - تم مسحه الآن بالكامل من على وجه الأرض- يحمل آثاراً مميزة لزينة خارجية بيد سيزاري فيشيلو، ابن عم تيتيان وتلميذه.بالتحول جانباً من الساحة المتلألئة، وبالسير باتجاه انحدار الهضبة إلى يسار مبنى البلدية، وصلنا، على بعد ياردات قليلة فقط، إلى مساحة مفتوحة أخرى، معزولة ومكسوة بالأعشاب، ومحاطة من ثلاث جهات بمنازل متداعية، وآيلة للسقوط، وتفتح على الغابات والجبال من الجهة الرابعة. في وسط هذا الميدان الصغير تقف نافورة حجرية عملاقة، قد أهلكها جريان الماء والزمان معاً، محاطة بتمثال للقديس تيزيانو في عباءته وقبعة كاهن مربعة الشكل. ينساب الماء عبر انبوبين معدنيين في منصة التمثال تحت قدمي القديس تيزيانو، فتصدر خريراً يطرب السامعين، وفي الحوض الحجري القديم، الذي يتوارى جزئياً خلف النافورة، وينحني كما لو أنّه مظلة ملاصقة لمنزل أكبر، يقف كوخ صغير ومتهالك على جانب الجدار الذي يحمل لوحاً منقوشاً عليه السجل التالي:- " في1473ولد بين هذه الجدران الوضيعةتيزيانو فيشيلوعاش حياة نجوميةعاش فيها بالفعل لمائة سنةثم غادرها في البندقيةأغسطس1576 مسكن متوسط الحال، منخفض السقف، شوهته أعمدة المداخن الخارجية والفرن المشيّد خارجه، يدخل إليه الضوء عبر نوافذ صغيرة متناثرة على طراز العصور الوسطى، مشهد يفتقر إلى الجمال وليس فيه ما يلفت الانتباه سوى أنّه المكان الذي شهد ولادة تيتيان!لابد أنّ شكله كان مختلفاً عندما كان صبياً يلعب خارجه هنا على العشب. وربما كان ذا سقف عالٍ ومائل، مثل المنازل التي تبدو في خلفيات لوحاته، ولكن الفترة التي بقي فيها هذا الطوب عليه كانت طويلة بما يكفي لإصابته ببقع الآشنات الصفراء. و أنّ المرء ليود معرفة وجود النافورة والتمثال في عهده من عدمه، وما إذا كانت المياه تتدفق بدرجة الصوت الخفيضة ذاتها، وإذا ما كانت السيدات يأتين لغسل ملاءاتهن وملء جرار الماء النحاسية، كما يفعلن الآن. وقد كانت هذه الهضبة الخضراء دائماً ملاذاً من الرياح الشرقية، وقد شمخ جبل دورانو بقمته الغريبة هناك قبالة الأفق الجنوبي، وانحدرت الغابات باتجاه الوادي في الأسفل، ثم كما هو الحال الآن، حيث تنزل طريق الخيول بعيداً لتلتحم بالطريق المؤدية إلى مدينة البندقية. صعدنا إلى المنزل، وطرقنا الباب. فتحه رجل أحدب الظهر يبدو عليه الإعياء، وألح علينا في الدخول، وقد بدا وحيداً هناك. كان المنزل شديد الظلام، وبدا أقدم من الداخل عنه من الخارج. والغرفة العلوية الطويلة الكئيبة بملحق ذي مدفأة بارزة في الحجرة، هي بلا شك تعود في تأريخها إلى عهد جد تيتيان، وهو المالك الأصلي للمنزل، بينما توجد مقصورة ملحقة غاية في الصغر والظلام، بها نافذة صغيرة في عمق الجدار الضخم، وقد أشير إليها باعتبارها الغرفة التي شهدت ميلاد الفنان العظيم." ولكن ما أدراك أنّه وُلد هنا؟" سألتُ.رفع الرجل الأحدب كفه المضناة في استنكار مجيباً: " إنّهم قالوا ذلك، سيدتي، لقد ظلوا يقولون ذلك لأكثر من اربعمائة عام.""هم؟" كررتُ العبارة في استغراب." آل فيشيلي، يا سيدتي."" لقد كنت أعتقد أنّ عائلة آل فيشيلو قد اندثرت."" عذراً سيدتي، لقد توفي آخر أحفاد إل تيزيانو" قبل وقت قصير، سنوات قليلة قبل مولدي، والفرع الموازي في العائلة آل فيشيلي هم من مواطني كادوري حتى هذا اليوم. وإن كانت السيدة تود التأكد من ذلك، فسترى اسم فيشلو على الحانوت الذي يقع على الجانب الأيمن في طريق العودة إلى الميدان."لقد بحثت عنه، وهناك، بكل تأكيد، فوق نافذة الحانوت الصغير وجدته. لقد فاجأني الأمر بطريقة غريبة، كما لو أنّ الوقت توقف للحظة، وتذكرت كيف رأيت مرة اسم روبنز على واجهة أحد محلات السوق في كلونيا، حيث اعتراني الشعور ذاته تقريباً. غادرت المنزل، وأنا أقل تهكماً عما كنت عليه لحظة دخولي. لم يكن هنالك شك في هوية المبنى، لقد اقتنعت بهوية الغرفة كذلك. لقد عاش تيتيان حتى أصبح – قبل وفاته بوقت طويل- سبباً في شهرة عائلته. لقد أصبح ثرياً، ونبيلاً، وعمت شهرته آرجاء إيطاليا. وبالتالي فقد اكتسبت الغرفة التي شهدت ميلاده، قبل نصف قرن من وفاته، وربما في حياة امه- ذلك النوع من القدسية التي تشيع عادة ما بعد الوفاة. وقد توارث آل فيشيلو القصة جيلاً بعد جيل في خلافة متتابعة، مما يدل على كرم محتده الأكثر موثوقية من معظم التقاليد ذات الطابع المماثل. المنزل الكبير الملحق، والمعروف في كادوري باسم كازا زامبيري، كان هو موقع الزيارة التالية. وقد كان في الأصل جزءاً من ملكية آل فيشيلو، وهو يضم جدارية قديمة، كانت في الخارج، ولكنها أصبحت في الداخل الآن بعد عملية لتوسعة المنزل، ويفترض أنّها من عمل تيتيان في شبابه. وقد عرض علينا الأحدب أن يأخذنا لهذا المنزل، مغلقاً بابه خلفه في حرص، وخرج مرافقاً لنا إلى الساحة الصغيرة. وهنا وجدنا الفتاة الرسمية الصغيرة في انتظارنا ومعها ثلاث أو أربعة رفاق في عمرها، وقد اتخذوا وضعيات حرس عنيد لا يتزعزع. قرع الأحدب جرس آل زامبيري، ولكن لم يجب أحد. فطرق الباب، ولكن تلاشى صدى طرقاته دون جدوى. وفي النهاية حاول فتح الباب، الذي كان مغلقاً بالمزلاج فقط، وفتحه على الفور. " لنصعد إلى الطابق العلوي" قال ودلف مباشرة إلى الداخل. تبعناه، بشيء من التلكؤ. وتحرك الحرس في إثرنا. " من هنا،" قال الأحدب، الذي كان قد وصل إلى منتصف الدرج بالفعل. " ولكن سيدة المنزل، أين هي؟" قلنا في تردد وإلحاح. " أه، chi lo sa?، ربما كانت في الخارج، أو قد نجدها في الأعلى." ومرة أخرى سرنا خلفه. كان منزلاً كبيراً، ويبدو أنّه كان جميلاً في وقت ما. لقد أحيط البهو الرئيسي بأبواب، وجُهزّ بمقاعد عتيقة ذات مساند مرتفعة، وقوالب منحوتة، وصناديق قديمة من خشب الصنوبر بحجم يتسع لإخفاء اثنتين أو ثلاث من لوحات جنيفرا بداخلها. ثم فتح مرشدنا واحداً من الأبواب، وقادنا إلى غرفة خالية يبدو أنّها كانت مرسماً، وكان فخوراً بالمكان كما لو أنّه يملكه.وقال مشيراً إلى جصّية كروكية، تم تنفيذها على جدار الغرفة، وكانت قد أحيطت بإطار باللونين الأسود والذهبي كما هو متعارف عليه. "Ecco il Tiziano!":" هذا هو تيتيان."كانت اللوحة تتألف من ثلاثة أشخاص:- صبي طويل الشعر يجثو على إحدى ركبتيه، والسيدة العذراء جالسة، والمسيح الطفل يقف على حجرها. وقد نحتت هذه الشخوص قبالة خلفية غير محددة إلى حدٍ ما من الأعمدة والستائر. لم يكن رسم هذه المجموعة متقناً على وجه التحديد، التلوين كان رقيقاً وسيئاً، ولكن هنالك شيء من الفخر والعذوبة في حالة وقسمات السيدة العذراء. كانت الستائر والخلفية قد تعرضت للضرر وإعادة الترميم – في وقت أو آخر- وما زالت أسوأ حالاً. وهي لوحة صغيرة يبدو أنَّ الصبي قد قدمها في الأصل على سبيل النذر، وقد تم تلوينها ككل، ولكن يتضح الموقع السابق من خلال طريقة رسم أيدي الشخصيتين الرئيسيتين.ووفقاً لذات التقاليد المحلية المتوارثة والمحترمة، فقد لوّن تيتيان هذه الجصّية في عمر الحادية عشرة. ويشير السيد جلبرت، الذي كتب عن كادوري أكثر مما فعل أيٍ من كتاب سيرة تيتيان الآخرين، إلى أنّ الصبي الراكع هو ليس سوى الفنان الشاب نفسه، وأنّه " أخضع نفسه بهذا السلوك إلى العناية الإلهية" قبل أن يهجر منزله في عام 1486، ليصبح تلميذا لزوكاتي في مدينة البندقية. بينما كان الأحدب يسلينا بتأريخ الجصيّة، وقف الحرس يحدقّ بنا، والفتاة الصغيرة المقيتة كانت تسلّي نفسها بمطالعة ألبوم الصور الفوتوغرافية الملقى على الطاولة. وفي وسط هذا كله، فُتح الباب في نهاية الغرفة ودخلت امرأة. وقد بعث فينا تعاملها مع غزونا بشكل طبيعي شعوراً كبيراً بالراحة، فقد استقبلتنا بود كما لو كنا قد قدمنا أنفسنا بأكثر الطرق طبيعية. وربما أنّها كانت معتادة على رؤية السياح الأجانب وهم يقتحمون غرفة رسمها عن طريق الخطأ، ولكنها بكل تأكيد لم تظهر أي استغراب لرؤية شخوصنا أو حقيبتنا. وأطلعتنا على بعض الخرائط القديمة، ونقوش كادوري، ورأس لتيتيان مطبوع على الحجر، وبعض الكنوز التي لا تقدر بثمن، وعندما نهضنا للمغادرة، طلبت بطاقاتنا التعريفية. قائلة: "إني أقدرها كتذكارات للغرباء الذين شرفوني بالزيارة".عاد الأحدب الآن إلى منزله، وجرجرنا نحن أقدامنا صوب الكاتدرائية، ودائماً كانت الفتاة الصغيرة الجامحة في إثرنا، والتي اضطلعت بأعباء إرشادنا بعد انسحاب الأحدب، سواء أردنا ذلك أم كرهناه، بل قامت بذلك الدور على طريقتها الخاصة تماماً. فأخذت تثرثر وتوميء، ووضعت يديها على حقيبة الرسم، وغاصت في مظلّاتنا، وتعاركت حولنا، وأمامنا ومن خلفنا، ولم تفتأ تصخب بثرثرة سريعة لا تطاق. هل كانت السيدات في طريقهن إلى الكاتدرائية؟ هنا! ليس عليهن سوى أن يتبعنها. فهي تعرف الطريق، لقد كانت تعرفه طوال حياتها. فقد ولدت هنا! انظر، تلك كانت بناية البلدية. هل تود السيدات الذهاب إلى مبنى البلدية؟ الكثير من الغرباء قاموا بزيارتها. هناك كانت توجد دار الدراسة. لقد درست هناك. لقد كانت مولعة بالمدرسة. و سقطت إحدى أسنانها الأسبوع الماضي. كان ذلك مؤلماً للغاية- مؤلماً بشدة. لقد خلعه الطبيب. إنّه يعيش في الساحة هناك، مقابل مكتب البريد تقريباً. كان هذا المنزل الصغير هنا للقس. وكان لديها عماً يعمل قساً، ليس هنا، على أية حال. في دوميجي، أعلى الوادي. ولديها عمة في كورتينا، وإخوة وأخوات، الكثير من الإخوة والأخوات، جميعهم أكبر منها. وقد أنجبت أختها الكبرى طفلاً الأسبوع الماضي-أوه. طفل صغير، ليس أطول من ذلك! هل تود السيدات رؤية الطفل؟ آه، حسناً كانت الكنيسة هنا. يجب أن تدخل السيدات من الباب الجانبي. أما الباب الكبير فهو موصد دائماً، عدا في أعياد القديسين وأيام الآحاد. أما الباب الجانبي فهو مفتوح على الدوام. "من هنا، من هنا، انتبهن لمواطيء أقدامكن فضلاً!" إنها كنيسة كبيرة، في ضخامة كاتدرائية سيرافالي، وهي من الخارج غير مكتملة، بسيطة المنظر، ولكنها من الداخل لا تفتقر للتناسب. وتحفل مقصورة الكنيسة وجناحها بالصور، اثنتين أو ثلاث منها من أعمال تيتيان الأصلية الشهيرة. وليس منها على أية حال، ما يتميز بجمال يكفي للاستدلال على صاحبها من النظرة الأولى، مثل العظيم تيتيان سيرافالي، بيد أنّها تتسم جميعاً بأسلوب المعلم العظيم.وقد صدف، لحسن حظنا، أنَّ القس كان في مجلس الكنيسة. وبسماعه أصوات تتحدث بلسان غريب. خرج رجل نحيل وسيم ونبيل في حوالي السابعة والأربعين إلى الخمسين من العمر، له قسمات واضحة، وعينان براقتان للغاية، وسحنة يغلب عليها النشاط، وشعر أبيض فضي. انضم فوراً إلى النقاش، وعرض علينا كنوز كنيسته في سرور بادٍ. كان اسمه دون انطونيو دا فيا (على الأرجح أنَّ لفظة دون هي تحريف لدومين، وهو كاهن الأبرشية)، ولقد عمل كقس لبلدته الأم خمسة عشر عاماً. أما في ما يخص التعليم والذائقة فهو يتفوق على بقية الكهنة التيروليين. لقد كان له اهتمام خاص بجميع ما يتعلق بتيتيان وآل فيشيلي، وهو يؤمن بأنّ كادوري هي المحور الذي يدور حوله العالم. أما أعمال تيتيان في الكنيسة فهي اثنتان عدداً: - إحداها لوحة كبيرة بالحجم الطبيعية تتضمن أربعة أشخاص بالطول الكامل، والأخرى مستطيلة، وتتخذ من إحدى الشخصيات موضوعاً لها، بنصف الحجم الطبيعي، ونصف الطول. كانت الأولى تجسيداً للسيدة العذارء والطفل جالسٌ مع القديس روكو واقفاً على أحد جانبي المجموعة، والقديس سيباستيانو على الجانب الآخر. يشير القديس روكو كالعادة إلى جرح في فخذه، ويتخذ القديس سيباستيانو الوضعية البيروجينية التقليدية، مع وجه مقلوب، وكفين معقودتين وراء ظهره، وجسده مثقّب بالسهام.لقد شحبت الألوان بدرجة مؤسفة، ولم يكن رسم القديسين متقناً، وكان التصميم رديئاً بشكل عام، والمعالجة تقليدية، وجودة العمل غير كافية، بيد أنّه لا يمكن أن ينظر إليه أحد تلاميذ تيتيان لخمس دقائق ويشك في أصالته. إنّها شخصية السيدة العذراء التي تختم العمل ببصمة يد تيتيان. وهنا الوجه العريض والهاديء نوعاً ما، والسحنة النضرة، والشعر الأحمر الذهبي الذي كان يبتهج بتلوينه طوال حياته. لقد كان هذا هو النوع المفضل لديه من جمال الأنثى- ذلك النوع الذي قام بتطويره إلى أقصى حدود الكمال في "الحب المدنس والمقدس" في المعرض البورغيزي. وحتى الأزياء في عذراء كادوري، على الرغم من فقدان الكريمسون لناره، والأزرق الذي أصبح بارداً ومبهماً، بيد أنّه يستدعي تلك الثنيات الضخمة الوردية الأخرى، شيء غاية في الاستحالة، والأهمية التي تتسم بها الرحلة العليا النموذجية أكثر من أي وقت ليتحقق في محض طيات. لقد نفّذت الصورة الحالية بلا شك عندما كان تيتيان صبياً لم يزل، ولكنها تحمل في الوقت ذاته دليلاً على أنّه قام برسمها بعد رؤيته مدينة البندقية ودراسته لأعمال ممارسي التلوين من الفينيسيين. وبين هذه اللوحة واللوحة الصغرى، يصل إلى برزخ عظيم من الوقت- ربما يصل الفارق الزمني إلى 50 سنة. لقد كانت الأولى عملاً من فترة صباه، والثانية لوحة عمره. لقد لونها، على الأرجح، وقدمها للكنيسة أثناء واحدة من زياراته الصيفية للهضاب التي شهدت مولده. وهي معلقة في كنيسة آل فيشيلي- كنيسة مكرّسة للقديس تيزيانو، راعيه الشخصي، وقد كان يود دفنه هنا. ولكنه توفي على أية حال كما نعرف جميعاً في زمن الطاعون في مدينة البندقية، وقد دفن بالضرورة حيث توفي. أما هذه اللوحة الصغيرة التي أنشأ كادوريني إلى جانبها متجراً غير محدد، فهي تجسد القديس تيزيانو، والقديس آندرو وهما يعبدان المسيح الطفل، والذي ينام في حجر العذراء. يفترض أن يكون القديس تيزيانو في اللوحة هو ابن أخ تيتيان، ماركو فيشيلو، الذي يركع إلى يسار المتفرج، في حلّة أسقفية بادية الثراء، بيضاء وحمراء. كان القديس آندرو ( لوحة شخصية لفرانسسكو أخ تيتيان) وهو يجثم في خشوع إلى اليمين. أما تيتيان نفسه فهو يحمل صولجان الأسقف القديس سيباستيانو، الذي يظهر حاضراً أمام القديس إلى اليمين، بينما الأمّ العذراء وفقاً للاعتقاد الشائع، تجّسد زوجة الفنان.)وقد نفّذت صورة مادونا هنا بشكل غير متقن، ولكن تم تجسيد الطفل بنقش بارع، وتم إبراز جسمه بشكل جميل، ودافيء وثابت. أما أجمل جزء بالصورة فقد كان هو الخاص بالقديس تيزيانو، حيث تجلى في وجهه البني الجميل المرفوع، وملامحه الإيطالية وسحنته الجنوبية المترفة، وتعبيره المحفوف بالتبجيل أسلوب المعلم في أنقى حالاته. الوشي الأبيض والذهبي في ثوب القديس الأسقفي والذهب المخفف لقلنسوته، ذكرني بثرائهم ورسوخ النعمة في معالجة باولو الفيروني. حيث كان رأس تيتيان الذي نفذه بنفسه في الركن الأيسر ربما ذكر لتأريخ اللوحة، وهو يمثل رجلًا ربما كان في الستين من عمره. وكان التنفيذ بشكل عام غير متجانس، إلى حد أنّه يشير إلى احتمال اشتراك أحد الدارسين في تنفيذ اللوحة، وفي هذه الحالة ينسب رسم شخصيات القديس تيزيانو والمسيح الطفل لأنامل المعلم دون تردد. بجانب هاتين اللوحتين، تحتوي كنوز الكنيسة في كادوري على عدة لوحات لإخوة وأبناء إخوة تيتيان، وغيرها الذي يشتمل على العشاء الأخير لسيزار فيشيلو، واستشهاد القديسة كاثرين لأورازو فيشيلو، وتفوقها في الجودة والحجم أيضاً، أربعة أعمال باستخدام الصبغة التي نفذت في الأصل على أبواب آلة الأورغ بيد ماركو فيشيلو ابن الأخ الذي جلس لرسم القديس تيزيانو في قطعة المذبح الموصوفة أعلاه. قال الكاهن إنَّ هذه اللوحات الأربع ظلت تعاني الإهمال والنسيان سنوات طويلة هنا في عليّة تم وضعها فيها عندما أزيلت من مقدمة الأورغ. ولطالما رغب في تأطيرها وتعليقها في الكنيسة، والآن، بعد سنوات من الانتظار، استطاع فقط أن ينفذ تصميمه. فقال مبتسماً: " لا يملك الراعي التيرولي الكثير من المال لإنفاقه على الفنون الجميلة، ولكن هاهو في النهاية، والسيدات كنَّ أول من يراها من الغرباء. فلم يمض بعد على تعليقها أكثر من ثلاثة أو أربعة أيام".قياسات هذه اللوحات الأربع تبلغ ستة عشر قدماً في الارتفاع وثمانية أقدام في العرض، وقد وضعت في إطارات خشبية بسيطة مطلية باللون الأسود والورنيش. أما التكلفة الخارجية لهذه الإطارات فقد يظنها المرء خيالية، ولكنها لم تتجاوز العشرين ليرة إلا بقليل للوحة الواحدة. أو ما يربو على الثلاثة جنيهات إنجليزية بقليل للأربعة لوحات. ولكن تمسك دون أنطونيو بمشروعه "لسنوات عديدة" قبل أن يصبح غنياً بما يكفي لتحقيقه. ربما توصف اللوحات الصبغية – باللوحات الأربع العظيمة، وقد ازدانت كل واحدة منها بشخصية ضخمة. ومنها القديس متى والقديس مرقس اللذيْن يشكلان ثنائياً واحداً، وملاك البشارة ومريم العذراء، يشكلان الثنائي الآخر. مع استثناء العذراء، التي مثلت الشخصية الأصغر بالنسبة للآخرين، فإنَّ هذه الشخصيات بعيدة، ونائية، إنّها أجمل مافي كادوري. ونظراً لضخامة المعالجة وحرية الرسم لم تعرف الكاتبة بماذا تقارنها، إلا لوحات الكارتون الموجودة في جنوب كينسنغتون. كان ملاك البشارة جريئاً وجميلاً ومبهجًا كما لو أنّه هبط لتوه من السماء- متقدماً على ركبة نصف مثنية، وبمسحة رائعة من السلطة والجلال. كان رسم الرأس والتجعيدات الطائرة على الطراز الرفائيلي، وكذلك الرأس الكبير والوجه المرفوع للقديس مرقس على لوحة أخرى، على الرغم من تعرضه للضرر والاندثار. كان الملاك والسيدة العذراء في مواجهة معاً من جانبي جناح الكنيسة كليهما، وينظران باتجاه الغرب بينما يشغل القديس متى والقديس مرقس الموقعين المتناسبين ذاتهما ولكن بالعكس. " ويقول دون أنطونيو: " كان الملاك مفصولاً بمسافة بعيدة عن السيدة العذراء، وهو أمر لم يكن تجنبه ممكناً، فليس هنالك مكان آخر في الكنيسة يسمح بمشاهدتهما على نحو أفضل. وبعد القيام بما يجب ناحية الموهف " حجرة المقدسات" ( التي تضم العديد من اللوحات القديمة العادية، بما في ذلك لوحة بالما فيكيو المشكوك فيها) قادنا دون انطونيو إلى الأعلى عبر درج ضيق من الحجر باتجاه غرفة الملابس، وهناك، كامتياز خاص، منحنا الأذن لرؤية بعض الملابس الأثرية المطرزة ولافتات المواكب التي كانت تستخدم في المناسبات الكبرى في غابر الأزمان. والأكثر عجباً من هذه، على أية حال، وأكثر غرابة هي المنصة التحتية العتيقة المنقوشة والمذّهبة، أو الضريح، المشيد على غرار الطراز القوطي، تعلوه أيقونة للمسيح ذي الملامح البيزنطية الجافة، وأسفلها بابان قابلان للطي، مثل اللوحات الثلاثية. وقد زينت ألواح هذه الأبواب من الخارج بأربع صور صغيرة بالطول الطبيعي للأنجيليين، وبطريقة واضحة وذكية ومتقنة التنفيذ، كانت الرؤوس والمعالجة بشكل عام تستدعي أسلوب ساندرو بوتيشيلي، بينما احتوى الضريح من الداخل على أربعة أدراج مغطاة بشكل مترف، وقد احتلت كلاً منها لوحة صغيرة منقوشة وملونة لأحد القديسين، ساذجة وفق أسلوب العصور الوسطى، مثل لوحة صغيرة لسيمابوي نُفذت على الخشب. وتنتمي هذه المنصة التحتية إلى سابقة لعهد تيتيان بوقت طويل، وقد زينت المذبح المرتفع حتى بداية القرن الحالي. لقد تجاوزنا بالفعل الساعة التي طلبنا فيها الغداء بوقت طويل، وعندما شكرنا دون أنطونيو على لطفه، خرجنا مرة أخرى إلى أشعة الشمس المحرقة. ويا للسعادة فقد اختفى كل أثر للفتاة الصغيرة التي لا تطاق، ولكنها عادت للظهور مرة أخرى حالما وصلنا إلى الفندق، وكانت ما تفتأ تسأل عنا طوال الوقت الذي كنا فيه خارجاً في وجبتنا النهارية المزعجة، ولم ننجح في التخلص منها إلا بمساعدة غوسيبي عندما خرجنا مرة أخرى للرسم، والتسكع في البلدة، وهضبة القلعة لساعتين أخريين قبل استئناف رحلتنا إلى اورونزو. ________________________________________• من القمم الثلاث التي تحمل هذا الاسم، يمكن رؤية اثنتين فقط من لاندرو، ولكنها ترى من الخلف بينما يصعد المرء في وادي اورونزو، حيث تبدو القمم الثلاث للعيان. • * سيكون بالطبع من السهل الإقامة في تاي كادوري حيث المضيفة الجميلة الصغيرة في مثالية، وهي تقع حوالي ميل واحد من بياف دي كادوري. وينوي الأشخاص أن يظلوا لوقت أطول في الحي وسيكون عليهم فعل ذلك، فنحن على أية حال لا نحب فكرة العودة على ذات الطريق، مؤثرين على ذلك الدفع إلى الأمام ومواصلة الطريق حتى أورنزو. • في عام في1473، وبين جنبات هذه الجدران الوضيعة، خرج تيتيان فيشيلو إلى حياة زاخرة بالشهرة والنجومية، حيث غادر بعد مائة عام تقريباً، في يوم 27 أغسطس 1576. • "ليس هنالك ثمة وصف لهذه التصميمات الكبيرة موجود في أيّ من تأريخ كراوي أو كافالكاسيلي للتلوين في إيطاليا، أو في كتاب "كادوري" للسيد جلبرت" على الرغم من أنَّ السيد الأخير بدا وكأنّه قد أحاط بها خبراً بينما كانت مختبئة وراء ظلام العلية." _________________________بتكليف ورعاية من الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، وبدافع من حب المعرفة والسعي لنشرها قامت القرية الإلكترونية بتوفير هذه النسخة من الكتاب وسوف نقوم بنشرها على حلقات تباعاً هنا في جوجل بلس نأمل أن تحوز إعجابكم وأن تكون مساهمة في #نشر_المعرفةصفحتنا الرسمية في فيس بوك :https://www.facebook.com/mohammed.suwaidi.poet/منصتنا في جوجل بلس لمتابعة باقي مشروعاتناhttps://plus.google.com/+HisExcellencyMohammedAhmedAlSuwaidi?hl=ar(جميع الحقوق محفوظة), Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi....
اعرض في فيس بوك , Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi قمم غير موطوءة وأودية غير مطروقةالباب الرابعفي كورتيناتأليف:إيمليا إدواردزترجمة: أميمة قاسم----تقع كورتينا على الضفة الغربية من نهر بويتا، الذي يجري هنا من الشمال....
اقرأ المزيد ... قمم غير موطوءة وأودية غير مطروقةالباب الرابعفي كورتيناتأليف:إيمليا إدواردزترجمة: أميمة قاسم----تقع كورتينا على الضفة الغربية من نهر بويتا، الذي يجري هنا من الشمال إلى الجنوب، حيث ممر تري كروسيه الذي يبدأ من باتجاه نهاية البلدة، وممر تري ساسيه الذي يتمدد أمامه باتجاه الغرب من جهة أخرى. كما تقع كورتينا في سهل واسع نسبياً بين أربعة جبال هائلة، وبالتالي فهي أكثر أماناً من خطر الانهيارات ليس في وادي امبيزو فقط بل في المنطقة المتاخمة كلها. وهي لذات السبب أكثر اعتدالاً في الصيف عن كابريلي، وأغوردو، وبريميرو، وبريدازو: والتي تنحصر بشدة بطوق من المرتفعات المحيطة بها على الرغم من أنّها –جميعاً- تمثل مراكز، و محطات توقف، كما أنّها تمتاز عليها أيضاً من عدة نواح.يتميز مناخ كورتينا بالاعتدال على مدار العام. ويقدر بول ارتفاع القرية ب4048 قدماً فوق سطح البحر. وأكّد لي أحد كهنة الأسقفية- وهو رجل مُسنٌ لمّاح كرّس سنوات طويلة من عمره لجمع أزهار الامبيزو- أنّ درجة الحرارة لم تكن أبداً أقل من 15 درجة*- من الجليد حتى في أكثر فصول الشتاء برداً. واكتسبت التربة لهذا كله مظهراً قاتماً وقاحلاً، وتنبت الذرة )والتي تدعى هنا (grano Turcoغثة وهذيلة: أما الكروم فغير معروفة في هذه الأنحاء. لم تكن الزراعة آنذاك من اختصاصات إقليم امبيزو ثال. فقد كانت المراعي والغابات هي مصادر ثروة كورتينا الأساسية. بيد أنّ الغابات تدهورت في السنوات الأخيرة بسبب الإسراف في قطع الأخشاب من قبل الكمونة أيضاً، كإحدى تبعات ارتفاع قيمة الخشب بشكل مطرد، الشيء الذي يهدد مصالح كورتينا في المستقبل. أما الآن، على أية حال، فإنَّ ملامح الازدهار بادية على جميع النُزل والفنادق والمباني العامة. فالسكان يتمتعون بالتغذية الجيدة والهندام الجميل. كما أنّ مهرجاناتهم ومعارضهم تعتبر الأكثر أهمية في جميع منطقة جنوب شرق تيرول، وكنيستهم الرئيسية هي الأكبر في هذا الجانب من ضاحية القديس أولريتش، ويبلغ ارتفاع برج الجرس القوطي الجديد 250 قدماً، وربما كان مناسباً لتزيين ساحة مدينة مثل بيرغامو، أو بيلونو. بالمدينة حوالي 700 نفس، ولكن الكثافة السكانية لأهالي الكمونة تصل إلى 2500 نسمة. حيث ينخرط السواد الأعظم منها في تجارة الأخشاب، شيوخاً وشباباً، أغنياء وفقراء، رجالاً ونساءً، وأطفالاً. بعضهم يقطع الخشب، وبعضهم ينقله. ويرسله الأغنياء على الشاحنات التي تسحبها الخيول الأصيلة والتي تعمل فوق طاقتها في العادة. ينظّم الفقراء أنفسهم في فرق للعمل من ستة أو ثمانية من الرجال والنساء والصبية معاً، وهكذا- و تحت شمس الصيف المحرقة- يقومون بسحب الأحمال التي تبدو كما لو أنّها أكبر من قدرة فيل. كان الخروج عادةً قبل إفطار الصباح في اليوم التالي لوصولنا كورتينا، أول منظر وقعت عليه عيني كانت امرأة مسنة جداً، ربما في الثمانين من العمر، وصبيًا مريضًا قليلاً في العاشرة من عمره تقريباً، مربوطين إلى مزلجة مكدسة بما يزن طناً على الأقل من الألواح غير المنتظمة. يقام قداس الساعة الثامنة في جميع الكنائس بالتناوب كل صباح على طول العام، وقد صادف تواجدي اليوم في الكنيسة القديمة، وهناك، تبعت مجموعة من الفتيات الفلاحات الثرثارات، تحمل بعضهن أواني الحليب، والأخريات سلال السوق في أيديهن، وقد جذبت انتباهي أزياؤهنَّ الطريفة. اللائي دخلن الكنيسة منهن: خلعن قبعاتهن لدى الباب، مثل الرجال، وظللن حاسرات الرأس خلال القداس. وتتكون الرعية من ثلاث أو أربعة مجموعات من النساء المسنات برؤوس بيضاء نحيلة: وعدد قليل من الفتيات ذوات الرؤوس المربعة والملامح الفتيّة، بدبابيسهن الفضية في شعورهن المتعجّرة والمضفّرة، وقلة من الرجال مسنين، بسحناتهم القاسية والداكنة، وظهورهم المحدودبة حتى ليخال إليك أنهم منحوتون من خشب بني. ثم اندفعنا في صخب وسط ما يقارب الأربعمائة طفل من الجنسين، وجلسنا عىل المقاعد قرب المذبح، حيث يوجد قارع الجرس الذي رنّ في نداءٍ أخير، وجاء يعرج في الممر مرتدياً زوجاً من القباقيب الخشبية الثقيلة، وسروالاً بالياً، فأوقد الشموع على المذبح. ويظهر الآن قس في زي باللونين الأسود والذهبي، يرافقه اثنان من الشمامسة الصغار حمر القلانس، مثل ملائكة جون بيليني، وقد استهل عازف الأورغ (الذي لم تنقصه البراعة بأي حال) بمعزوفة "آه أيها الموت" على وقفات اهتزاز، وقد اتخذ المصلون وضعية الركوع وبدأت الصلاة. في ما يخص الموسيقى، فقد كانت عرضاً من ذلك النوع الذي كلما زاد استمتاع المرء به قل ما يسمعه منه. إنه قداس أوبرالي استعراضي لمؤلف إيطالي حديث، وأورغ قصبي، وجوقة ربما تلقت تدريباً أفضل، في أداء موحد سرعان ما جعل الكاتبة تزحف باتجاه الباب. إنّه لمن المبهج الخروج مرة أخرى في الصباح البهيّ. تشرق الشمس الآن بشهية، والهواء يضوع برائحة القش المقصوص للتو؛ والأطيار كانت تغرد ترنيمة حمدها بطريقة تصبح معها أنغام جوقة كورتينا نشازاً واضحاً. لقد كان واحداً من تلك الصباحات المضمخة بالطراوة الندية، عندما تصبح الأصوات والمناظر البعيدة أقرب بشكل خارق للعادة، وعندما تغدو الأضواء براقة على نحو غريب، والظلال شفافة، والجبال نفسها تبدو أكثر يقظة عن المعتاد. حتى جبل توفانا الذي كانت رؤيته دورى دون تلك العمامة من سحابة العاصفة شيء نادر جداً، هاهو يرتفع عالياً، وسافراً في كبد السماء. تقع مقابر القرية قبالة الكنيسة القديمة تماماً. البوابة موارب، فدخلت وأنا لا أتوقع على وجه التحديد اكتشاف أنَّ "فناء كنيسة" هذه الكمونة الثرية مجرد قفر معشوشب، ولكنه كان كذلك. فهنا خليط من الأكوام الحجرية المبعثرة تسِم قبور الفقراء- وهناك بضعة ألواح من الرخام، والصلبان الحديدية معلقة على الجدار، تحوي سجلاً بأموات الطبقة الاعلى- وتتناثر الأعشاب الخشنة الداكنة والأشواك، والقراص، والحجارة الرخوة، والفخار المكسور، والطمي المفتت. وثمة زوج من النعوش اليدوية، وكومة من الحوامل السوداء، ومجرفة، وبكرة حبل موضوعة غير بعيد لاستخدامها تحت الرواق الحجري في الطرف الأقصى من السياج. ليس ثمة زهرة واحدة هناك، ولا همسة من الشعر أو الرثاء في المكان، لا شيء سوى عدم الاكتراث، والتدنيس، والاستخفاف. وإلى حدٍ ما ذكّرني هذا المنظر غير الجميل بأحد صناديق التبرعات الذي كنت أراه إلى وقت غير بعيد أمام مقبرة صغيرة جداً بالقرب من لوينو، وعليه النقش التالي: Messe Funerale. Nel nome della Beata Maria, carità per noi." أي (القداسات الجنائزية. نلتمس مساعدتكم باسم السيدة مريم المباركة.) لقد أتى هذا النداء كصوت من عالم الموتى، صدمني في ذلك الوقت بشدة، ولكن وجوده هنا يظل أكثر بشاعة، وأكثر انسجاماً مع المكان. وفي طريق العودة، وجدت مظلات وحوانيت من جميع الأشكال تقف على طول شارع القرية، وسياج خشبي واسع مثل السيرك انتصب في الميدان المقابل لفندق النجمة الذهبية. وملصق إعلاني كبير وملون عن مهرجان المراجيح، والبهلوانات، والإهرامات البشرية وما شابهها، ملصق على جزء خال من حائط مجاور، ويتناسب مع حجم وشكل المبنى إلى حد كبير. " ولكن ماهو الساغرو(Sagro)؟" لقد سألت قساً شاباً كان يراقب النجارين وهم يعملون. " أهو معرض؟". " إنّه احتفال للكنيسة. سيدتي، " أجاب بنبرة مؤكدة، ومضى مبتعداً. وسرعان ما عرفت أنَّ الساغرو هو معرض واحتفال ديني في الوقت ذاته، ويقام مرة في العام في كل قرية في ذكرى تكريس الكنيسة، أو عيد القديس الذي تكرّس له الكنيسة. وهنالك الكثير من القرى المتناثرة في البلاد، حتى قيل إنّ الساغرو يقام كل يوم من أيام السنة في مكان ما. والآن وأثناء عودتي بسرعة لتناول الإفطار وجدت آل غيدينا، مرشدنا، ومجموعة من المرشدين والفلاحين يحتشدون أمام بوابة فندق اكيلا نيرا، يحدقون في قمة وعرة تعرف باسم بي دي ميزودي، على الجهة المقابلة للوادي. وتتبادل أياديهم المناظير المقربة وسط تعابير العجب “هاهي" " السيد الشجاع!" " الإنجليزية الشجاعة!"- وغيدينا العجوز، يثبت نظارته علي عكس زاوية الحائط، يشير لي بأن أنظر "إلى هناك في الأعلى" حيث أبناء بلدي. كان هناك سيدان إنجليزيان يقيمان آنذاك مع زوجتيهما في ملحق فندق أكيرا نيرا، ويبدو أنهما في ذلك الصباح قاما بأولى عمليات صعودهما لتلك القمة الوحيدة التي وُفق السيد جلبرت في وصفها بأنّها: " سنٌّ عجيبة من الدولمايت." وقد كانت قمة البيك نفسها لا تبدو أعلى بكثير ولا أوعر، ولكنني علمت بعد ذلك أنّها كانت شديدة الانحدار وبها تصدّع، ولذلك فقد تكبدا مشقة عظيمة في تسلقها. لقد أثبت منظار غيدينا جودته، وقد رأيت بشكل واضح شخوص المتسلقين ومرشديهم واقفين معاً على أعلى القمم، تحت قبة السماء مباشرة. وبما أننا كنا ننوي قضاء بعض الوقت في كورتينا، وبالتالي القيام ببعض الرحلات ما كان ذلك سهلا وفي متناول اليد، قررنا تكريس اليوم الأول هذا للتعرف على "وضع" البلاد. وقد كانت الطريقة الأكثر فعالية لإنجاز هذه المهمة بالطبع هي تسلق بعض المرتفعات، وقد استعنّا ببرنامج النزهات المكتوب الخاص بغيدينا، واتفقنا على قضاء وقت الصبح في التسكع في المدينة، وثم التمشية حتى كريبا دي بيلفدير بعد الغداء- وهو منزل صيفي، أو مقر للصيادين، وقد برز منتصباً على مد البصر في مواجهة أحد الجروف المشرفة على كورتينا، على بعدٍ تقارب الساعة والنصف من السير المعتدل من القرية، وحوالي عشرين دقيقة إلى يسار مفترق الطرق على الشارع المؤدي إلى ممر تري ساسيه. أما البلفدير فيبدو كبقعة بيضاء صغيرة مقابل صخرة في أحد الجروف الحمراء وسط امتدادٍ طويلٍ لغابة من أشجار التنوب، وتُرى من خلال نوافذ الفندق وهي ماثلة أمام عيني المتسلق طوال الطريق. وفي هذه الأثناء- على أية حال- تناولنا إفطارنا، وكتبنا رسائلنا، وطالعنا الرسومات واللوحات الجصّية في المنزلين وحولهما، ورتبنا لتبديل أماكن إقامتنا إلى الغرف الأكثر هدوءاً وتجهيزاً على الجهة المقابلة. وقد تبين لنا أنّ اثنين من ابناء غيدينا الأصغر سناً كانا رسامين؛ والثالث كان ينحت ببراعة على الخشب، والرابع (رجل رزين وعملي متفانٍ في عمله، يهتم بالاسطبل وتجارة الخشب) كان يعزف الترومبون في جوقة القرية. كان المنزلان حافلين بالكثير من الرؤوس والدراسات بألوان الزيت وتصميمات الصور الكبيرة، والرسومات التمهيدية لمواضيع مختلفة. رأس لرجل ذي لحية في واحدة من الغرف العلوية للفندق، وصورتان نصفيتان لوالده ووالدته في غرفة المعيشة، يجوز استخدامها كعينات لمهارة رسم الوجوه لدى الابن، بينما تتناثر بعض الجصيّات الخارجية في الملحق، اثنتان في الكنيسة الجديدة، وشتى أنواع التصميمات المكتملة وغير المكتملة، وبعض التصاميم العسكرية، والدينية، وبعض الوحوش، على جدران السلالم، ومظلات العربات، وواجهات منزل الجيران وهلم جراً، تمثل سمو مواهب وثقافة الأخ الذي يعيش في فيينا. وفي ما يخص زينة الملحق، فهي مفعمة بالقوة، وأضف إلى سلامة الرسم، وبراعة التصميم المنتمي إلى مدرسة ميونخ، رقة ودفء الألوان الإيطالية في الغالب. وتنتشر ثلاث مجموعات كبيرة تمثل النحت والمعمار والتلوين، والعلوم الطبيعية، وثلاث ميداليات تشتمل على صور للوجه لرافائيل وتيتيان، والبرت دورر، لتغطي- في ما عدا النوافذ- جميع المساحات الخالية من الجدران فويق الأرضية. وهنالك تجسيد لشخصية عطارد في المجموعة الأولى، وأورانيا في الأخيرة، وتستحق طريقة المعالجة التصويرية لأشياء جامدة مثل المحرك البخاري، وآلة التصوير، وجهاز التيلغراف اهتماماً خاصاً. ولألبرت دورر، باعتباره ألمانياً حقيقياً، يجود الفنان بالمكان الأوسط بين الميداليات. اما فرسان الكوزاق، والأحصنة البرية فقد كانت مختلفة بيد أنّها نفذت بطريقة لا تقل جودة، وكذلك الرجال المسلحون من القرون الوسطى، الذين يتقاتلون في جميع أنحاء الجدران البيضاء لخارج المبنى واسطبلات الفندق، وحدث ولا حرج عن الشيطان المذهل، وجميع الأنياب والمخالب التي تكشر في وجه العملاء المطمئنين أمام المطبخ في الصيدلية الوحيدة بكورتينا. لقد أرسلنا في طلب الفنان لكنه كان بعيداً في فيينا ولم يكن مرسمه مغلقاً فقط كما قيل لنا بل خالياً أيضاً. كان من الواضح أنّ صعود برج الجرس، وإلقاء نظرة إلى مشهد القرية يعتبر من أول واجبات الزوار، وعليه فقد وجدنا الباب مفتوحًا وقارع الجرس المسنّ بالداخل فصعدنا بمشقة إلى الأعلى، ما يزيد ارتفاعه عن برج بيزا المائل بحوالي مائة قدم. ووقفنا هنا على البهو الخارجي فوق مستوى الأجراس الضخمة، فأصبحت القرية والوادي دوننا. ولم يشتمل المنظر سوى على القليل جداً من المناطق التي لم نرَها بعد، كان المنظر جميلاً على استدارة البرج، وقد ساعدنا ذلك على ترسيخ المعالم الرئيسية في الذاكرة. يفتح الامبيزو تال باتجاه الشمال والجنوب، والممران التوأمان تري كروسيه وتري ساسيه، يقطعانه باتجاه الشرق والغرب. وتعرفنا على شيء من طبوغرافية المنطقة عندما ترسخت في أذهاننا حقيقة أنَّ لاندرو وبرونيك يقعان إلى الشمال، وبيرارولو إلى الجنوب، وأنَّ أورونزو كان يقع في مكان ما على الجانب الآخر من ممر تري كروسيخ، ويلزمه حتى يصل إلى كابريل أن يمر عبر تري ساسيه.وقد كنا نعرف أنّ مارمولاتا وسيفيتا يقعان على جانب كابريل، ومارمارول على جانب نهر اورونزو فقط من خلال خرائطنا. وأنَّ باليمو الذي تركناه خلفنا البارحة، كان يشرف حتى الآن فوق حافة الروشيتا، وقد تميزت قمة تري ساسيه إلى جهة الغرب بمجموعة من الصخور الرائعة، التي تشبه إلى حدٍ كبير أبراج وحصون أطلال قلعة كما تبدو لنا من أول وهلة. " ولكن ماهو ذاك الجبل البعيد باتجاه الجنوب؟" سألنا مشيرين إلى اتجاه بيرارولو. " أيَ جبل سيدتي؟"" ذاك الجبل، الذي يبدو مثل واجهة كاتدرائية ذات برجين."أظلّ قارع الجرس عينيه بيدٍ مرتعشة، وجال ببصره أسفل الوادي." إيه، إنّه جبل على الجانب الإيطالي" (E una montagna della parte d’Italia)." ولكن ما اسمه؟""إيه" كرر عبارته وألحقها بنظرة حيرى، " لا أعرف لم ألحظ وجوده من قبل chi lo sa? "وأصبح الآن جبلاً وحيداً جداً، وواحداً من أكثر الجبال التي شاهدناها أثناء هذه الجولة تفرداً وأشدها روعة. كان يشبه واجهة كاتدرائية نوتردام بالضبط، وبه كتلة صخرية رفيعة واحدة مثل سارية العلم، تتجه إلى الأعلى من أحد ابراجها ذات الفتحات. لقد كانت واضحة من معظم المواقع على الضفة الغربية لنهر بويتا، ولكني اكتشفت أنَّ أفضل منظر يمكن الحصول عليه عبر النظر من الأرض المرتفعة خلف كورتينا، بالسير أعلى الحقول في اتجاه غدير بيغونتينا. ومن هناك قمت بتنفيذ رسمي التمهيدي المرافق، وقد عدنا لهذه النقطة مراراً وتكراراً ليغشانا الانبهار في كل مرة، ربما بسبب الغموض الذي كان يكتنفها، وبتلك التضاريس المهيبة لهذا الجبل المجهول الذي منحناه اسم نوتردام، فهو أكثر ما يليق به من أسماء. جبل مجهول بالقرب من كورتيناولأنّ قارع الجرس لم يكن الوحيد الذي يجهله. فقد سألنا من أردنا، وتلقينا ذات الإجابة الغامضة من الجميع- لقد كان جبلاً على الجانب الإيطالي. لا يعرفون أكثر من ذلك، والبعض، مثل صديقنا في برج الجرس، " لم ينتبه له من قبل" حقاً.ماذا نفعل مع حرارة الظهيرة القائظة، التي زادت من مشقة هذه المهمة، وجعلت السير السريع ضرباً من المستحيلات: مع الزهور البرية الجميلة التي تغوينا عن طريقنا على الدوام، ومع الحديث إلى الفلاحين في الطريق، نتوقف لدراسة المشهد، والرسم التمهيدي، وما إلى ذلك، وبعد كل ذلك لم نصل قط إلى شاليه البلفيدير. لقد اقتربنا منه كثيراً- على أية حال- وحصلنا على منظر يطل على الوادي، مجموعة كريستالو، وسلسلة الكرودا مالكورا. وكذلك أيضاً كرّست الكاتبة ساعة من وقتها لتنفيذ رسم تمهيدي بعناية لجبل انتيلاو، والذي يبدو هنا كأبهى ما يكون، من هضبة معشوشبة بالقرب من مفترق الطرق تحت الكريبا. ولم يكن ثمة موقع أفضل للحصول على مشهد رائع كهذا، على حد ما أعرف، للمنحدر الجليدي العظيم على ظهر القمة مع الركائز المتصدعة التي تتساقط باتجاه بوركو وفودو في المقدمة.أول تسلق لأعلى قمة في هذا الجبل، قام به المتسلق المشهور غرومان في عام 1863، والثاني يُنسب للورد فرانسيس دوغلاس في 1864 صاحب الذكرى المشئومة يرافقه السيد ف. ل. لاتهام، واثنان من المرشدين ماتيو اوسي وسانتو سيوربايس. وقد كان الأخير رجلاً شجاعاً، وقويًا ومؤمنًا، سافر معنا مؤخراً في الخريف إلى سلسلة الألب الإيطالية، وعبر ضاحية زيرمات، وقد اكدّ لي أنّ اللورد فرانسيس كان متسلقاً ممتازاً للجبال، رغم صغر سنه، وقد وصفه بالعبارة "buono, bello, e biondino" أي (طيب، ووسيم ودمث).لقد بدأت رحلة الصعود من ممر يدعى فورسيلا بيكولا، يفصل بين كتلتي مارمارولي وانتيلاو، ويمكن الوصول إليه بسرعة شديدة من سان فيتو. و تعزى صعوبتها- كما يقال- إلى للمنحدر الثلجي الطويل المذكور آنفاً، وهذا الجبل إلى ارتفاع محدد، يعتبر أسهل من أيٍ من جبال الدولميت العظيمة ما عدا مارمولاتا، ولكن تميّز الأخير بالقنة الفعلية، التي يبلغ ارتفاعها "بانحدارها الهائل" ثلاثمائة قدم أو نحوها، وتنثني مثل قرن. وقد اعتبر الوصول إليها مستحيلاً قبل الدكتور غرومان، عندما قام أحد المرشدين من كورتينا باكتشاف ميمون لأحد الصدوع ففتح الطريق أمام خبير تسلق الصخور الألماني وجميع من يأتون بعده. ويستطيع المتسلق الماهر الصعود من سان فيتو والعودة إليها في إحدى عشرة ساعة، عدا أوقات الراحة. كان السكان الريفيون يأخذون طريق العودة إلى منازلهم على مراعي جبل افيراو، بينما كنا نسير مرة أخرى في برودة المساء الباكر- يحمل البعض دلاء الحليب الفارغة، بعد بيع ألبانهم في كورتينا، ويحمل الآخرون مؤونتهم من الخبز والدقيق الذي اشتروه للتو. يتسوّل واحد أو اثنان بعض النقود في شيء من المسكنة " من أجل محبة الله [per l’amor di dio]" ولكن السواد الأعظم منهم يمرون بخطوات حثيثة، وابتسامة راضية، وتحية صباحية أو مسائية مفعمة بالسرور. [Guten Abend, buona sera].أشخاص يتميزون بالتحضر والود بحقٍ كما خبرناهم في فترة وجيزة! أشخاص أسخياء بالأمنيات الطيبة والتحايا الودودة المقتضبة، والتي حتى إن لم يقولوا غيرها بالطبع، فهي تساعد على الحفاظ على الروح الدافئة للنوايا السليمة؛ فإن مروا عبر الغرفة حيث تتناول طعامك، يتمنون لك " شهية طيبة،" وإن كنت خارجاً،" نزهة جميلة"، وإن كنت في طريقك إلى الفراش، " نوماً هانئاً وأحلاماً سعيدة." وإن كنت مسترخياً فيتمنون لك "الهناء"، تعطس، فيقولون "صحةً وسلامة". وكنا جلوساً ذاك المساء على المائدة لتناول وجبة عشاء خفيفة أو ربما كاملة أو الاثنتين معاً. كان نشاز الطبول والآلات النحاسية في الشارع قد أعلن بداية الوجبة. إنهم مجموعة من الأكروباتية الجوالة الذين وصلوا لتوهم، وكانوا يسيرون في شوارع البلدة، يتبعهم الصبية والعاطلون في المنطقة، أكثر من نصف دزينة من الرياضيين في أزيائهم التقليدية من سترات لحمّية اللون وعصابات الرأس، و حولهم مثلهم من النسوة البشعات ذوات العضلات المفتولة، يسرن على الطريق الغبراء في أحذيتهن البيضاء وتنوراتهن القصيرة الزاهية. وبدا أنَّ "المسرح" سيفتتح في الغد، بيد أنَّ مهرجان الساغرو لن ينعقد قبل يوم الأحد.وقد هبت العاصفة– أخيراً- في اليوم الثالث بعد نزولنا بكورتينا، بعد أن استغرقت وقتاً طويلاً في الاستعداد. وقد تنقل بنا الحمّال مستعيناً بثقته في قدراته، وقد نفذت طاقة احتماله بعدما تحملّ منا ومعنا. والآن وعلى أية حال كان الاحتمال القريب بالزحف بين الممرات وفوق الجبال، أو الذهاب في جولة على ظهر بغل لأيام متتالية، والعيش لعدة أسابيع قادمة في فنادق تيرول التي تقل كثيراً في مستوى ما توفره من راحة عن اكيلا نيرا، أمراً أكبر من فلسفة ذاك الرجل العظيم. لقد قال إنّه أدرك عدم وجود طرق معبدة لمرور العربات التي تجرها الجياد في معظم المناطق التي تظهر على خرائطنا، وليس من سكن ملائم كما اعتاد عليه أثناء سفره مع المجموعات التي كانت تثق برأيه"، ولذلك توسّل إلينا لمنحه إجازة ملطفاً طلب الاستقالة، كما طلب مستحقاته لدينا. لقد كان حسّ التشرد لدينا أكبر من طاقته، وقد تخلى عنّا (إن جاز التعبير، والتي ربما اتخذت شكل الفصل في أوجز حالاته( في وقت أضحت فيه حماية رجل محترم وجدير بالثقة شرطاً ضرورياً لرحلتنا. وليس ثمة حاجة لإضافة أنّ طلب الإخطار قبل أسبوعين من وقف الخدمة قد رُفض رسمياً، فحوسب على عمله وأنهيت خدمته. أما ل. التي احتفظت به لعدة أشهر قبل التحاقنا بالبعثة في نابولي، فقد حولّت العلاقة كلها بدرجة من المرح المدمر فقلّصت من وضعه كمرتكب مخالفة إلى مهزلة من المهانة والضعة. وقد بذل جهداً كبيراً لتأكيد عدم اكتراثه عن طريق لعب الكرات الخشبية أمام الفندق، ولكنه ابتعد في الظهيرة كثيرا حتى وصل إلى مشارف لانغاروني شنيل فاغن وهو في غاية الاكتئاب. والآن ما العمل؟ هل بإمكاننا المضي قدماً والاكتفاء بالمرشدين فقط، وبدون حمّال؟ أو ربما ينبغي التخلي عن الجولة وسط قلب البلاد الجامح، كما لو أنها ليست سوى لمحة لأرض الميعاد؟ يجب أن نجد الإجابات الشافية على هذه الأسئلة قبل أن نشرع في رحلة ليوم واحد لما وراء دروب كورتينا. وكمسألة اختيار فنحن دون شك نفضّل عدم وجود صديقنا الناقم. لقد كان الأمر بدونه جميلاً في الحقيقة، إلى حد أنّ ل. قالت إنّها شعرت كما لو أنّ عقداً من الأحجار الثقيلة قد انزاح عن جيدها، ولكن فيما يخص مدى جدوى الأمر، فقد كان تقصيره مزعجاً لحدٍ لا يختلف عليه اثنان. فهل كان على أية حال ليُستبدل بحمّال آخر، ليس من ذلك النوع من الأدوات التي لم تكن معروفة في هذه الأودية البدائية، ولكن بأحد الرجال المسؤولين، مثل سانتو سيوربايس على سبيل المثال، الموصى به مسبقاً، والذي اشتهر بكونه أفضل قائد مرشدين في كورتينا.وقد كانت الخطوة الأولى الضرورية هي الإرسال في طلبه وعرض المشاركة في الرحلة بكاملها عليه. لقد جاء: من شعب الجبال، ذو شعر أسود وعينين مشرقتين، في الأربعين من العمر تقريباً، وصائد شامواه قدير: محارب سابق في الجيش النمسوي، وهو الآن يعمل ضمن حرس الغابات، ومفتش طرق محلي: شخص نشط وشغوف، لونه أحمر مثل التوت، والصدق مكتوب على جبينه، وسلوكه يتسم بالحيوية والشفافية إلى حد أنّه حظى بحبنا من النظرة الأولى. ولكن لسوء الحظ، على أية حال، كان لدى هذا المرشد العظيم التزام يمتد حتى الأسابيع الستة أو الثمانية القادمة، وقد لا يتمكن من التفرغ لنا على الإطلاق. ولم يكن لديه صديق، إذ سألناه عمن يمكن أن يحلّ محله؟ فاحتار، وبدا عليه الشك. وقال إنّ هنالك لاسيديللي، لكنه شيخ كبير السن، وهنالك لاسيديللي الصغير ولكنه صغير جداً. وهنالك أيضاً شخصٌ يدعى آنجلو، ولكنه بعيد عن الديار، وربما لا يعود قبل شهر. ومرة أخرى، معظم الرجال في كورتينا كانوا يجيدون مهارة التسلق بشكل عام، ولكنهم لم يعتادوا على السفر مع السيدات. حسناً ربما أعاد التفكير في ذلك، وأخبر السيدة بذلك. ولكن هل سيخبرنا نحن؟ هذا المساء؟ لقد هز رأسه. سوف يكون مشغولاً هذا المساء ليشرع في رحلة لوادٍ بعيد مع مجموعة من السادة الرجال الذين سيصعدون الجبل غداً. لا، لم يستطع أن يعد برؤيتنا قبل يوم الأحد، لكنه سينتظرنا آنذاك حتى نهاية القداس الكبير. وهذا كل ما استطعنا الحصول عليه منه. لم يكن كافياً وبدأنا نشعر بإرهاصات فشل خططنا.في هذه الأثناء، على كل حال، لم يكن القنوط مجدياً. فكان هنالك الكثير مما يجب عمله في كورتينا، مهما حدث. لقد استطعنا الذهاب إلى بياف دي كادوري، وأورنزو، ولاندرو عبر طرقات صالحة لسير العربات التي تجرها الجياد. لقد استطعنا رؤية السروج المزدوجة الجوانب. وتمكنا أيضاً من التنقل على العربة التي يدعوها صاحب المنزل "كاريتا" حتى وصلنا إلى فالزاريغو، الاستراحة التي تقع في قمة ممر تري ساسيه، ومن ثم حظينا بإطلالة على مارمولاتا. وأثناء لحظة الشك هذه، بعثت إثارةُ مسألة السرج مزدوج الجوانب هذه قبل كل شيء، بعضَ الراحة في النفوس. وبمناسبة قدرتنا على القيام بالرحلة إلى النهاية، فقد كانت هذه السروج أكثر أهمية بالفعل من جيش من الحمّالين، و لم نكن لنستطيع إنجاز أي شيء بدونها في طريق القمم أو الممرات. بتنا نعرف من معلوماتنا السابقة أنّ مدام بيزيه، صاحبة النُزُل في كابريلي، تملك سرجاً كان قد جُلب في الحقيقة من إنجلترا، وعرض عليها لاستخدامها الخاص من قبل ف. ف. ت. وهنالك ملاحظة مقنعة قدمت الكاتبة في صياغتها باللغة الإيطالية أفضل ما لديها، ولذلك أُرسلت مع مبعوث خاص، تلقى تعليمات بإعادة هذا الغرض الثمين محمولاً على كتفيه إن كان ذلك ممكناً. وكان غودينا الكبير يقتني واحداً مثله، ولكن ربما لتكهنه بأنَّ استعارتنا له سيطول أمدها، فقد كان يتلكأ في عرضه علينا. ولم يفعل حتى نجحت الكاتبة في تعقبه يوماً ما إلى داخل الإسطبل، فقُدِر لهذا الكنز الغامض أن يرى النور. وقد ثبت أنّه سرج جيدٌ جداً، ولكنها كان واحداً فقط، وحتى إن استطعنا الحصول على السرج الخاص بمدام بيزيه، فلابد من إيجاد سرج ثالث. إنني أتوقع وصول سرج سيدة ما من فيينا، " غمغم صاحب الدار العجوز، بلهجته العامية متعددة اللغات. " Ein, schöner Sattel" : وهو سرج جميل."متى سيصل؟" سألت في نفاذ صبر" اللعنة! لا أعرف. ربما الليلة- ربما الأسبوع القادم. لقد ظللت أترقب وصوله كل يوم طيلة الشهور الثلاثة الماضية!"تملكني اليأس كليةً.افترَّ ثغر الرجل العجوز عن ابتسامة عريضة، وله وجه مسطح بنّي يبدو كما لو أنّ أحدهم جلس عليه، وربت على كتفي فبدت أظافره مثل مخالب النمر البنغالي. "ويحك، ويحك" واستطرد " إنّك سيدة شجاعة، لا تدعي اليأس يسيطر عليك. سوف نصنع حشية للمهرة وسيكون كل شيء على ما يرام!".كان هذا الوعد بالحشية مبهمًا لكنّه يبعث على الراحة. لم يكن لدي أدنى فكرة عما ستكون عليه هذه الحشية، ولم يقل لي غيدينا سوى ما لم تكن عليه. فهي ليست سرجًا جانبيًا. وهي ليست كرسياً. ولا مقعدًا مسيّجًا مع مسند للقدم مثل سروج الحمير المخصصة للأطفال. وهي تصنع عند الحاجة إليها، وينبغي أن تكون جاهزة عند الطلب. ولم نستطع الحصول على أكثر من هذا، وهاهنا تتوقف هذه القضية وجميع الأحداث الراهنة. أرسلنا في طلب العربة في الصباح لتأخذنا إلى فالزيراغو. ربما كان من الصعب علينا ذكر السبب لكنْ كنا نتوق بشدة لرؤية مارمولاتا، ولم نسترح حتى استطعنا على الأقل أن نلمحه من بعيد. أولاً وقبل كل شيء كان هو الأكثر ارتفاعاً في منطقة الدولمايت، وثانياً كثافة حقول الجليد والثلج التي تغلفه كانت هي الأشد من بين الجبال المحيطة به، وثالثاً، لأنّه كان محاطاً من كل الجوانب بالمرتفعات الجبلية حتى إنّه من الصعب جداً رؤيته.كان الصبح غائماً. وجبل توفانا يعتمر قبعة من السحاب، ورغم أنّ الشمس كانت مشرقة جداً في بعض الأوقات، إلا أنّ هنالك لمحة غامضة حول الركام الذي ما فتأ يتدحرج فغلب علينا التردد إلى ما قبل الساعة الحادية عشرة بقليل. ثم بشرنا غودينا العجوز بخصوص الطقس، فقررنا المجازفة. لن أنسى الفزع الذي انتابني عندما رأيت العربة لأول مرة. لقد كانت عبارة عن حوض من الخشب على أربع عجلات، تبلغ سبع أقدام طولاً وثلاثة ونصف قدم عرضاً، وبها لوح خشب عرضي للجلوس. كان الحصان بلون الكستناء الفاتح الرائع، يرتفع إلى حوالي سبعة عشر شبراً، وله ياقة جلدية كبيرة مثل قبة ذات أبراج فوق العربة على الطراز الاليصاباتي، وصبي جلس على الأعمدة ليقود. ولم يكن بالعربة أية نوابض (يايات لامتصاص الصدمات)، ولا وسائد، ولكن هنالك بعض الحُصُر والسجاد مكومة بوفرة، وهكذا انطلقنا. يقع طريقنا على جسر، ويمر بمفترق الطرق الذي توقفنا عنده للراحة، والرسم قبل يوم أو يومين. ومرة أخرى أصبح المشهد الرائع فوق الوادي منبسطاً كلفيفة من تحت أقدامنا.ومرة أخرى بدت جبال كريستالو، وكرودا مالكورا وسورابيس وانتيلاو ترتفع مع ارتفاعنا، وتوفانا يبدو أقرب وأكثر تهديداً مع كل خطوة في مسيرنا. وها نحن الآن نصعد أعلى فأعلى بين المنحدرات الخضراء الفاتنة بزهورها البرية، وخلال غابات الصنوبر المزهرة مع نوْر الشليك، وتجاوزنا الآن مشهد كورتينا، ومررنا بالقرب من الواجهة الجنوبية الشرقية لجبل توفا- قريباً جداً حتى إننا رأينا بوضوح فم المغارة الشهيرة التي يقال إنّها تمتد لمئات الأقدام في قلب الجبل. وعندما تُرى من تري ساسيه، فإنّ الوصول إليها يبدو مستحيلاً- جحر أرنب في وجه جرف رأسي مثلث، مثل بوابة الهرم الأكبر. وهذه المغارة على أية حال من المواقع السياحية لكورتينا، ويمكن الوصول إليها بدون مشقة عند تراكم الثلج على المنحدرات الواقعة أسفلها.والآن بينما نصعد إلى الأعلى، منعطفين حول آخر أكتاف جبل توفانا، تلوح لنا أولى مرتفعات جبل لاغازوي، وبدأت جماعات الفلاحين تترى أمام أنظارنا، اثنين اثنين أو ثلاثة ثلاثة، وفي بعض الأحيان اثني عشر أو خمسة عشر، بعضهم يحمل أثقالاً من الأطناف المنسوجة منزلياً، وأقمشة الكتان على ظهورهم؛ وبعضهم مثّقل كاهله بالأواني الخشبية؛ والبعض بالدواجن الحية؛ وجميعهم يرتدون ملابس العيد، وقد احتشدوا من أجل مهرجان ساغرو الرائع. لم يفرق بينهم عمر ولا طبقة، شيباً وشباباً، مزارعين، وعمال مزارع، من عرق قصير بدين، نضر المحيا، صادق القسمات، سيقان نسائهم كالأعمدة، ويتراوح متوسط الطول لدى الرجال بين خمسة أقدام وخمس بوصات إلى خمسة أقدام وسبع بوصات. ويرتدي الرجال سراويل قصيرة حد الركبة، ومعاطف هزلية صغيرة من الصوف، غاية في القصر ومنتفخة عند الأطراف، باثنين من الأزرار الكبيرة الموضوعة في منتصف الظهر، كزوج من العيون. يرتدي الشباب منهم البناطيل والسترات المطرزة، وتعتلي قبعاتهم حزماً صغيرة من الريش الملون والزهور الصناعية. أما أزياء الفتيات فهي مبهرجة للغاية، ولا تشبه أي شيء نعرفه. فهنَّ يرتدين قبعات مثل الرجال، مزخرفة على النحو ذاته، وتنانير خضراء أو زرقاء أو بنية غامقة اللون، ذات طيات مغلقة مثل التنانير الاسكتلندية، وتبدأ من بين الكتفين، مثل الكيس؛ وتفتح الصدريات من الأمام ولها أربطة أرجوانية مجدولة من قماش الساتان، والأكمام ضيقة عند الساعد والكوع، ولكنها منتفخة في الأعلى بمساعدة بطانة من الكتان الأبيض، وحول الأعناق قماش قرمزي اللون، ومناديل قطنية صفراء مطبوعة. وتساءلنا " ما هولاء الناس؟"، إذ بدا أمام أعيننا أول ظهور لهم عند ثنية الطريق. وهو الأمر الذي أجاب عليه الصبي السائس ضاحكاً، وهو شاب طيب يدعى جيوفاني، هؤلاء هم مزراعون من بوشنشتاين، ولوفينالونغو وكورفارا." ولكن كورفارا بعيدة جداً عن هذا المكان" قالت ل. متعجبة، وهي أفضل خبرة بالخرائط عني، فضلاً عن درايتها بالمسافات. "إيه! بعضهم يبعد حوالي أربعين، أو خمسين أو ستين ميلاً فوق الجبال- بعضهم يقطع المسافة سيراً على الأقدام جيئة وذهاباً هنا!" (ويلقي بنظرة فاحصة على "الأعمدة" قبل أن يقول: "وماذا تكون الأميال بالنسبة لآنسة مثل تلك!)كنا في هذه الأثناء نعاني عذابات التشرد، لأنّ الطريق (الذي كان يتسع بالكاد لعجلاتنا، وينتهي بجرف هارٍ يشرف على سيل مزبد هادر) وعر وتتناثر علي طوله الحجارة الصغيرة، التي تتعثر عليها العربة وتصّر وتقفز وتتدحرج بطريقة مزعجة حتى إننا كنا مسرورين في النهاية بالنزول منها والسير على الأقدام. أصبح الوادي أكثر ضيقاً، والصخور المحصنة التي رأيناها مذ كنا في كورتينا صارت الآن ترى من علٍ فوق الغابات المنحدرة على الجهة المقابلة من النهر. وقد أخبرنا جيوفاني العالم ببواطن الأمور بأنّها تسمى توريتا، وتعتبر جزءاً من قمة جبل نوفولاو، وأنّ النهر الذي يرتفع في مكان وسط معاقل لاغازوي يعرف باسم كوستيانا. الكثير والكثير من المجموعات التي تسير على الأقدام تمر بنا. وكل ما ابتعدنا ازدادت كثافتهم. هل سينامون جميعاً هذه الليلة؟ ففندقي اكيلا نيرا واستيلا دور وإن كانا بأربعة أضعاف حجمهما الحالي، فلن يتسعا لأكثر من نصفهما، وفوق ذلك هذا طريق واحد من عدد من الطرق. في هذه اللحظة كانوا يدخلون إلى كورتينا من اورونزو، ومن بياف دي كادوري، ومن جميع قرى الامبيزو تال. ويقول السائق إنّ هنالك حوالي الف وخمسمائة زائر في كورتينا اليوم. والآن وفجأة مررنا بمجموعة أفضل هنداماً عن أية مجموعة أخرى رأيناها: شابين طويلين وسيدة يبدو النبل على مظهرهم، يتبعهم رجل ريفي يحمل متاعهم على ظهره. كانت السيدة جميلة وشابة، وتضع وردة على شعرها الأسود ولا ترتدي قبعة. رفع الشابان قبعتيهما بينما كانا يمران، ويتبعهما الرجل الريفيّ بخطى متثاقلة، ينظر وعلى وجهه تعبير بالانتباه لوجودنا، ويمس قبعته. ولكن ماذا يحمل على ظهره؟ ليس متاعهما على أية حال. إنّه سرج جانبي! سرج كبير وجديد مصنوع في لندن، وبه رمانة ثالثة يمكن تثبيتها ورِكاب مبطن بالمخمل يتدلى من الوراء. لقد كان مبعوثنا الخاص- إنّه سرج مدام بيزيه!التفتت السيدة إلى الوراء مبتسمة، لسماعها اللحن الثنائي البهيج القادم من الخلف. اقترب الشابان منا، يبتسمان أيضاً. لقد كانا ابنيْ مدام بيزيه، الملازم سيزاري بيزيه، ضابط غاريبالديّ سابق، والشاب اوغسطينو بيزيه الذي يساعد والدته في إدارة الفندق الصغير في كابريل. السيدة صاحبة الوردة في الشعر هي زوجة أوغسطينو. لقد أتوا عبر المضيق مشياً على الأقدام، يقصدون السارغو في كورتينا مثل الجميع. ونخلص إلى أننا، بالطبع، كنا في طريقنا إلى كابريل، وقد تفاجأوا بشدة لمغادرتنا كورتينا، وعدم انتظار المهرجان، بل الدهشة لم تفارقهم عندما عرفوا أننا قطعنا كل هذه المسافة فقط لإلقاء نظرة سريعة على جبل مارمولاتا ونعود أدراجنا." هل سنحصل على مشهد جميل؟" سألت بشيء من القلق: لأنّ الغيوم كانت تتجمع بكآبة خلال نصف الساعة الأخيرة. فهزوا رؤوسهم. لقد كانت الأبخرة تتكثف بسرعة على الجانب الآخر كما قيل. يجب علينا أن نصعد حالاً إلى القمة، ولا ندع شيئاً يؤخرنا في الدير. كان الجبل جليّاً تماماً قبل نصف ساعة، ولكن سرعان ما أصبح عصياً على الرؤية بكامله.لقد وضعت هذه المقابلة نهاية مفاجأة لمقابلتنا، ومع وعد باللقاء مجدداً في الغد، أُرسلنا بسرعة إلى الدير، وهو كوخ أبيض صغير على جانب الطريق، يبعد حوالي ربع ميل. تركنا عربتنا هنا، واستأذن جيوفاني ليعتني بحصانه، وأسرع وحده إلى القمة. ولم يكن علينا سوى أن نسير مع الطريق، الذي شُقّ حول منحدرات وعرة في أرض بور جرداء تحدها صخور لاغازوي من جهة، وجرف جبل نوفولاو المنخفض على الجهة الأخرى. وتصطف الأعمدة الطويلة على فترات على طول جانب الطريق، مثل أعمدة التيلغراف، كل منها عبارة عن جذع قوي من شجرة التنوب لتحديد مسار الطريق، وهو تدبير احتياطي ضروري في هذا الارتفاع الشاهق (7.073قدم) حيث يسقط الجليد بكثافة لثماني أشهر في السنة. وحتى الآن، في السادس من يوليو، يحتفظ كل شق وتجويف بمافيه من الثلج غير الذائب الذي جرفته الرياح. والآن يبدو للعيان مفترق طرق جانبية على بعد ياردات قليلة- يسبقنا عداء سريع- وجيوفاني، يتعجب بأنفاس مخطوفة ووجه محمر:-“Ecco, Signore! Ecco la croce! Di la vedremo, la Marmolata.”"("انظر، أيها السيد، هناك مفترق الطرق! سنرى مارمولاتا من هناك.")ومن هناك، وبمساعدة الحظ الحسن- النادر- نراه عياناً- كتلة ضخمة تأخذ شكل السقف، منحدرة وزلقاء، بيضاء كالثلج في مواجهة السماء الملبدة. وهو يذكرنا بالجبل الأبيض مونت بلان في اتساعه وامتداد الثلج عليه، كما يرى من هذا الجانب. ويتحسن مستوى رؤيته مع ازدياد المسافة بدلاً عن تناقصه، يبدو أنّ ذلك يُعزى إلى التباين بينه وبين المرتفعات المحيطة. يحتل المساحة المتداخلة واديا اندراز وليفينالونغو، وجبل بادون، وبحر متلاطم من القمم الصغيرة، ومع ذلك يبدو مارمولاتا وكأنّه يستأثر بالمشهد وحده.ولكن لهنيهة قصيرة فقط! حتى بينما كنا نقف هناك، نحدّق فيه في شغف، اصبحت القمة قاتمة، تلاشت الخطوط، وانتشر على حقول الجليد لون رماديّ شاحب، ولم يبق هناك سوى شيء عملاق، مبهم بلا ملامح. لا تكاد العين تميزه من الضباب الذي اكتنفه وأحاط به. ويهتف جيوفاني متعجباً: " يا لشيطان مارمولاتا! لقد وصلت السيدات في الوقت المناسب تماماً- ولكنهن رأينه رائقاً جليّاً"pulito"."وصارت الآن كلمة “pulito” (كلمة إيطالية تعني نظيفاً) بمعنى أو بآخر على طرف لسان جيوفاني طوال الوقت، وسرعان ما اكتشفت بعدها أنّها تستخدم بشكل عرضي لوصف ما هو واضح، أو لامع، أوناجح، أومفهوم، وعشرة معانٍ أخرى في كافة أنحاء هذا الجزء من تيرول. تصبح بغلتك "pulito"، يناسبك حذائك “pulito” ، منظارك الميداني يظهر الأشياء “pulito”. إنك تقومين بالتسلق على نحو رائع، وتتلقين الإطراء على إنجازه “pulito”. كان سائقكم ثملاً الأمسية الماضية، ولكنكم أكّدتم على أنّه "pulito"، "بمعنى السكر" هذا الصباح. باختصار هي كلمة ذات قدرات مطاطية، بيد أنّها ولهذا السبب تثير حيّرة الغرباء بعض الشيء. تنازل المارمولاتا عن سيادة المشهد، نعود أدراجنا، عبر طريق مختصر يمر بكول الكئيب، ونجد بالمناسبة بعض الأنواع الجذابة من شجيرات الدفنة البرية (Daphne Cneorum )، والكثير من زهرة جنتيان الجبل الصغيرة (Gentiana verna )، وعناقيد من زهرة قرمزية وردية صغيرة غاية في الجمال، ولها بتلات كالشمع، صغيرة وقريبة الشبه بنبات الحزاز، ولم نر لها مثيلاً من قبل. وصلنا إلى الدير، ونحن في أشد حالات الجوع هذه المرة، دخلنا ورحبت بنا سيدة أنيقة ومبتسمة ودعتنا إلى دخول المطبخ (نسبة لامتلاء غرفة الطعام الوحيدة بالمزارعين الذين يتناولون طعامهم ويشربون ويدخنون)- لقد كان مطبخاً نموذجياً، كأنّه في لوحة هولندية، أرضيته من القرميد الأحمر المصقول، وناره خشبية متقدة، وصفوف فوق صفوف من الآنية المصنوعة من النحاس والنحاس الأصفر تلمع كالمرايا. لقد ثبت أنّها أكثر ثراءً، على أية حال، فيما يتعلق بأواني الطبخ عنها في المؤن، لأنّها لم تكن تقدم سوى الخبز الجاف والبيض والزبد، والجبن الجبلي الرديء غير المستساغ. وما زال البيض والزبد سبباً في نجاتنا من الموت جوعاً. وتتناول الكاتبة في لحظة إلهام سعيدة الجزء الخاص بالطبخ، وتعرض علينا ابتكار طبق يعرف باسم "البيض بالزبد"، أو بشكل أكثر تهذيباً "الأومليت السريع". وعليه استعارت مريلة طبخ، ولإدهاش صاحبة النُزُل وخادمتها، تم تحضير الخلطة الشهية في دقائق قليلة. ومن تلك اللحظة أصبحت مشهورة في فالزاريغو باسم "السيدة الطاهية" (Signora Cuoca)، وقد حُييت بذلك اللقب في زيارتي التالية للدير، ولابد أنّهم يذكرونني به حتى اليوم. وعندما أصبحنا مستعدين للانطلاق مجدداً، كان الضباب قد ارتفع حتى قمة الممر، وبدت السماء سوداء ومنذرة في كل الاتجاهات. تنبأ بعض المزارعين في الخارج بعاصفة، ونصحونا بالنزول إلى الوادي بأسرع ما يمكن، عليه تحركت العربة بسرعة وفي صخب بينما نزلت أولى القطرات بكثافة في زخات غزيرة تصحبها أصوات الرعد البعيدة. وقد ظلت العاصفة، إن كان ثمة عاصفة، حبيسة في الجزء الآخر من المضيق. وسرعان ما تجاوزناها، قبل أن نصل إلى المكان الذي نتجه منه إلى كريبا دي بيلفدير، حيث كانت الشمس مشرقة في بهاء رائع. ______________________________________*على مقياس ريومور باستثناء المحاولة من ارتفاع كبير، كقمة تري ساسيه، أو كول داليغيه، أو كول فيورينتينو. لا أعرف حتى أي موقع يمكن أن تُرى منه . _______________________بتكليف ورعاية من الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، وبدافع من حب المعرفة والسعي لنشرها قامت القرية الإلكترونية بتوفير هذه النسخة من الكتاب وسوف نقوم بنشرها على حلقات تباعاً هنا في جوجل بلس نأمل أن تحوز إعجابكم وأن تكون مساهمة في #نشر_المعرفةصفحتنا الرسمية في فيس بوك :https://www.facebook.com/mohammed.suwaidi.poet/منصتنا في جوجل بلس لمتابعة باقي مشروعاتناhttps://plus.google.com/+HisExcellencyMohammedAhmedAlSuwaidi?hl=ar(جميع الحقوق محفوظة), Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi....
اعرض في فيس بوك , Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi قمم غير موطوءة وأودية غير مطروقةالباب الثالثمن لانغاروني إلى كورتيناتأليف:إيمليا إدواردزترجمة: أميمة قاسم------بدت لنا لانغاروني في الساعة السادسة في صباح رمادي....
اقرأ المزيد ... قمم غير موطوءة وأودية غير مطروقةالباب الثالثمن لانغاروني إلى كورتيناتأليف:إيمليا إدواردزترجمة: أميمة قاسم------بدت لنا لانغاروني في الساعة السادسة في صباح رمادي ملبد، ولم تبدُ أكثر جاذبية عنها في غسق الليلة السابقة. كان هنالك رعد ومطر غزير في الليل، وقد تناثرت البرك الطينية الصغيرة على الطريق والدروب. وقد استيقظت الكاتبة على أية حال مبكرًا، ومضت تتسكع وحيدة ً في الطرقات المبللة؛ وتختلس النظر إلى الكنائس المبهرجة؛ تطوف بالشهادات المؤطرة والمزججة للميلاد والوفاة والزواج في إدارة المقاطعة: تضع رسماً تمهيدياً لقمة غالينا، قمة بارزة منعزلة على الجهة المقابلة لفم وادي فايونت، في الضفة المقابلة لنهر البياف، تسعى لجمع تلك المعلومات الصغيرة التي قد تصادفها في الطريق. والرسم، حتى في الساعة السادسة من الصباح الباكر، وبدون أن يصبح مركزاً، ويحتشد المتفرجون حوله، لهو بالطبع شيء مستحيل. يتشكل الحشد في هذه الساعة من تلاميذ المدارس بجميع فئاتهم العمرية. جامحون في العادة، وكثيرون في الغالب، مثل حشرات محطة الصليب المقدس[سانتا كروسي]. والآن على كل حال، يمر قس متوسط البدانة يرتدي غفارة قديمة، وهو يلاحق المتهربين ليعيدهم إلى دار مدرسة الأبرشية، ويتسكع هو ليتجاذب أطراف الحديث في حوارات علمانية عابرة. بيك غالينالم يكن لديه الكثير ليقوله، ولكنه باح بالقليل الذي يعرفه عن طيب خاطر وبدون تردد. يبلغ تعداد رعايا الابرشية حوالي ثلاثة آلاف نسمة- شعب تقي من العمال الذين يعتمدون بشكل أساسي على تجارة الأخشاب، التي تمثل العنصر الأساسي في هذه الأنحاء، حيث تقطع هذه الأخشاب، وتباع، وتوسم بعلامات معينة في وادي الامبيزو ثال، وتنقل طفواً عبر نهر البويتا حتى نقطة التقائه مع نهر البياف في بيرارولو. ومن هناك تنقل بالتيارات المزدوجة، فتعبر وادي البياف ووادي دي ميل، ليطلبها مشتروها الكثيرون على طول الضفاف، ويتم الإمساك بها أثناء مرورها بهم. ولذلك كانت تنتصب مناشير الخشب، وورش الأخشاب في جميع القرى على ذلك الطريق، وكان معظم الناس يعملون في النجارة. ثم قال لي مستطرداً إنَّ قنة الجبل في صورتي كانت تسمى بيك غالينا، أو قمة الدجاجة، وإنّ هناك دربًا للمشاة مختصرًا ومطروقًا باتجاه الطريق الذي يربط بين وادي فايونت واوديني، وسكة حديد ترياست، وإنّ " فران تيزيانو ولد على ضفاف نهر البياف الأعلى، في بياف كادوري، وإنّ الدولميت كانت هي الجبال الأكثر ارتفاعاً في العالم (والتي أخشى أنني قد ادعيت التصديق)، وإنّ الكنيسة الكبرى في الميدان كانت هي كنيسة الحمل، وإنّ الكنيسة الصغرى في الخلف قد كرّست للقديس سان ليبراريو، وهي أصغر كنيسة في إيطاليا آنذاك (هذا صحيح بلا شك، بالنظر إلى أنّ باستطاعتك وضعها داخل كنيسة القديس سان لورنس، تحت الجرف، وبعد ذلك كله يتبقى لديك ممرٌ للدوران حولها)، وأخيراً، إنّ قلعة لافازو، التي تُرى من نقطة تبعد حوالي ميل واحد، كانت أروع منظر في الوادي، وأكثره جدارة بالرسم. بعد أن زودني بتلك المعلومات من أساطير وغيرها، رفع قبعته الجوفاء بأسلوب علماني، وودعني متمنياً لي صباحاً طيباً.لقد خرجت بالطبع في بحث عن منظر قلعة لافازو، ولم أجد له مثيلاً في وادي البياف، نجحت في وضع رسم تمهيدي له، قبل أوان العودة لتناول وجبة الإفطار. قلعة لافازوبحلول الساعة التاسعة، كنا قد استأنفنا السفر بمحازاة الممر الضيق الذي سرعان ما قادنا إلى العالم الحقيقي للدولميت. أضحى الصبح الآن أكثر إشراقاً والمطر أكثر غزارة، والقمم الناتئة الداكنة التي تسد الأفق اتشحت برزقة البحر الفائقة العميقة المذهلة التي أحبها تيتيان، واستخدمها كثيراً في خلفيات مناظره الطبيعية. وفي تيرميني، وهي قرية صغيرة تعمل في النجارة، وترتفع في جنباتها أصوات المناشير، تبعد حوالي ميل واحد من قلعة لافازو، يضيق الممر فجأة حتى إنّ أحد الحجارة الرمادية والذهبية يبدو كأنّه يسد نهاية طريق القرية. النساء هنا جميلات ويرتدين قطعاً من القماش يطوينها فوق رؤوسهن كما هو الحال في الهضاب التي تحيط بروما، ويرتدي الرجال قباقيب خشبية كما في لوغانو. يرتعش شلال مائي ضعيف أسفل واجهة الجرف في الجانب المقابل للنهر. متاريس مياه بدائية مثل سلال ضخمة من القش الغليظ معبأة بالحجارة، فهنا تُصد قوة السيل الهادر في مجراه الضيق، وبعضها يقبع في هذا المكان منذ فترة طويلة حتى إنّ الشجيرات الغضة قد وجدت الوقت الكافي لتضرب بجذورها وتزهر فيها. وبجانبها قرية الاوسبيتالي، وقرية صغيرة أخرى بنية الأسقف تتدلى من تلة خضراء مثل قلعة لافازو، وتتناثر بعض آلات نشر الخشب وخنادق المناشير كالعادة على طول حافة المياه، والآن ندخل إلى كمونة بيرارولو، بينما تمطر السماء بشدة، لقد انحدرنا وسط مجلجلين من خلال سلسلة من القرى الصغيرة المبنية على الطراز السويسري، بشرفاتها الخشبية، والسلالم الخارجية، والأسطح البارزة. وفي معظم هذه الأماكن، كانت الساعة بين العاشرة والحادية عشرة صباحاً، كان الناس الطيبون يجلسون في الطرقات يتناولون طعامهم في أطباق من الخشب بطريقة بدائية. وهكذا تقدمنا، وكذلك البياف، تقطعه آلف من التيارات السريعة الصاخبة الدافقة التي تتوجه نحونا بسرعة كبيرة، وتمر بنا، ومن ثم تذهب بعيداً إلى البحر. وأيضاً، جذوع أشجار الصنوبر الذهبية والبنية التي تقترب وهي تتقلب مع التيار. إنّه لمن العجيب مراقبتها في مسارها، حيث يأتي البعض منها فرادى والآخر في مجموعات. بعضها يتخبط على طول الشاطئين بطريقة غبية وحائرة ومتقلبة. والبعض يتقافز بجنون أعلى السطح وأسفله. بينما يستبق البعض الآخر، ويبدو أنّ البعض لحقه التعب، فيستريح تحت ظلال الضفة، ومن ثم ينطلق مرة أخرى مرتفعاً ومهتزاً فيندس مرة أخرى وسط الجذوع. بينما تزحف الأخريات إلى الأسطح الحجرية الصغيرة، وتخلد عندها إلى النوم لايام وأسابيع كاملة، تدفع حزمة أخرى نفسها إلى الأمام مباشرة، بأنفها أولاً، كما لو أنها عرفت أنّها قريبة، وقد صممت على الوصول لنهاية الرحلة بأسرع ما يمكن. ونحن نقترب من بيرارولو، تبدو إلى اليمين، بين الحين والآخر، بعض ملامح القمم والكتل الصخرية وميادين الثلوج بجبل كريدولا (8.474 قدم)، وهي أعلى قمة في سلسلة بريماجيوري، من خلال الفجوات بين الجبال الأقل ارتفاعاً. يسد جبل زوكو نهاية المضيق فجأة. تشير الآن العربات الريفية على الطريق، والنساء العاملات في الحقول، ومجموعة من الأطفال يتزاحمون ويصرخون وسط الشجيرات على جانب الطريق؛ إلى اقترابنا من مكان أكثر ازدحاماً بالسكان من جميع القرى السابقة. ثم تأخذ الطريق منعطفاً مفاجئاً، وهاهي بيرارولو تتجلى للأنظار، بكنيستها الجديدة الجميلة، وجسرها الحجري الحديث، ونافورتها العامة، وورش الأخشاب الفسيحة، والجو العام ينبيء بازدهار راسخ. بيد أنّه وبعد بضع ياردات، نعبر جسراً آخرَ- وادياً جديداً غنياً بالأخشاب والمياه يمتد على الجهة اليسرى، ومنظر مهيب ورائع، يظهر أمامنا فجأة مزداناً بالضباب ومغطىً بالسحاب! وليس مسموحاً للحوذيّ بالتحدث، وهو يقوم بتجهيز قنبلته المخصصة. نعرف على الفور في حضرة من نحن. نعرف على الفور أنِّ تلك الموجة وكتلة الظل التي ترتفع وراء أنظارنا تبدو كما لو أنّها تنظم منحدرات الوادي في ما يشبه الحبل، ليست سوى انتيلاو.يا له من منظر فخم ولكنه عابر! الحوذي، ولمحة لا تخلو من الغيرة على الخريطة المفتوحة، والكتيبات الإرشادية التي احتوت على معلوماته، يلهب بالسياط ظهور جياده، وفي لحظة أخرى يغيب الوادي والجبل في منعطف الطريق، فنسرع نحو أعلى الهضبة التي تقود إلى طريق جبل مونت زيكو المتعرج. وما زلنا نرى أعلى عمالقة الكادوري ارتفاعاً ولكن ليس بما يكفي من الوضوح على أية حال، راينا فم امبيزو ثال الشهير، وبدأنا نشعر أننا لا نحلم على الإطلاق، بل نحن فعلا موجودون وسط الدولميت.والآن، وفي فترة سادها الملل، نسير ونسير، مرة على الأرجل ومرة على متن العربة، على الطريق الجديد الذي شيده الإمبراطور فيرديناند في السنوات الأخيرة. يغصُّ حلق البياف هنا بكتل ضخمة ومستقرة من جذوع أشجار الصنوبر، لا تسمع الرياح في عمق يصل إلى مئات الأقدام. بيرارولو، مركز تجارة الأخشاب هذه كلها، يتضاءل حتى يصبح قرية صغيرة في الوادي. تظهر قمم جديدة على الأفق. وأودية جديدة تلتمع على البعد. ما زال الطريق يتجه نحو الأعلى- والرياح بين المنحدرات المتشعبة من غابات الصنوبر تجعل دائرة جبل زوكو كلها، أخيراً في آخر دفعة، بيد أنّها ليست بالقصيرة، تصل مستوى الهضبة العليا. وهنا في تاي كادوري، وهي قرية صغيرة تتصدر بعض المنحدرات المزروعة، آن لنا أن نخلد إلى راحة منتصف النهار. وهنا أيضاً، ندرك أولى اللمحات لمسقط رأس تيتيان، بيف دي كادوري، وهي قرية صغيرة بيضاء تستقر في إحدى ثنيات الهضاب أسفل حطام إحدى القلاع على هضبة مغطاة بالأشجار، على بعد ميل واحد. والآن أصبحت بياف دي كادوري في مسارنا كنزهة خاصة نخرج فيها بعد مغادرتنا لكورتينا في وادي امبيزو، ولكن شوقنا كان عظيماً. وكانت الشمس مشرقة إلى درجة رائعة، وأول فكرة خطرت لنا هي استغلال هاتين الساعتين في الراحة للسير إلى ومن هناك، ومجرد رؤية (من الخارج فقط حتى) المنزل الذي ولد فيه الفنان العظيم. في البدء كان ضرورياً، على أية حال، أن نتناول غداءنا في تاي، وقد كان، جلوساً إلى مائدة قمار عارية في الغرفة العلوية من فندق صغير نظيف، بجانب النافذة حيث نشرف على منظر رائع لسلسلة جبال بريماجيوري. وفي هذه الأثناء أصبح الطقس المتقلب غائماً مرة أخرى، وبحلول ذلك الوقت كان علينا مواصلة الرحلة، فقد بدأ المطر ينهمر غزيراً حتى إنّه لم يكن هناك بدٌ من تأجيل زيارة بياف دي كادوري إلى وقت لاحق.وبعد تاي كادوري بقليل تبدأ واحدة من أجمل الرحلات في أوربا. حيث يدخل الطريق الامبيزو في ارتفاع لا يقل عن 1250 متراً فوق نهر بويتا المزبد، ووادٍ قريب، مغطىً بالغابات الكثيفة، مثل وادي انزاسكا المهيب، ما يفتح المجال لمشاهد أكثر وعورة بعد؛ حيث تتعالى مرتفعات واسعة، وقرى متناثرة تتشبث بالمنحدرات الخضراء في منتصف الطريق إلى السفح، ومسارات الضوء والظل اللامعة المتحركة فوقها بسرعة. والآن هاهي قمة مضاءة، والآن أخرى. وهنا سقف بنيّ، رطب منذ أن أمطرت السماء آخر مرة، يلتمع مثل الفضة تحت أشعة الشمس، وهنالك منحدر معشوشب مزدان بالكستناء النبيلة التي تتوهج باللونين الأخضر والذهبي الفاتح، بينما هنالك على التلة المقابلة، غابة من أشجار التنوب تكتسب لوناً أزرق قرمزيًا في ظلال العاصفة الغاضبة. وفي فيناس، تبرز الأسقف، والسلالم الخارجية، والشرفات المسيجة جميعها على الطراز السويسري، بينما تذكرنا النقوش مثل " Qui si vende Vino d'Asti, Coloniale, ed altri generi," بأننا على الرغم من ذلك أقرب إلى الحدود النمسوية، فنحن لم نصل بعد إلى إيطاليا. هاهو ذا الوادي يتسع. وما زالت الانتيلاو موشحة بالضباب العالق، مرة أخرى تبدو للناظرين- مجموعة قريبة من الذرى، ثم بيلمو على الجانب المقابل من الوادي، مرتفعاً في ما يشبه التاج العظيم المكلل بالغيوم، ويقترب منه درج عملاق، كل درجة منه عبارة عن جرف مثقل بثليج أبدي ولم تطرقه سوى أقدام صيادي الشامواه، يليه على جانب بيلمو ذاته ولكن أبعد منه قليلاً أعلى الوادي، تبدو الروشيتا، وهي سلسلة من الصخور الوعرة المحيرة مثل صف من حطام الحصون، تكدست عالياً على جدران من المروج وغابات الصنوبر. وبين القرى الجانبية الصغيرة نجد فودو وبروكا، وقد شُقَّ الطريق خلال عدد هائل من المنحدرات من الركام الصخري، مشهد لانهيار سقط من الانتيلاو في عام 1816، وقريتان مغمورتان على الضفة المقابلة من نهر بويت. أكثر مباغتة وأشد قسوة من الحمم المتدفقة من بركان فيزوف، لقد سقطت، غالباً يسقط كل انهيار، في جنح الليل، فيسحق النائمين في اسرتهم، ولا يمهلهم ولا لحظة واحدة للهرب. ترتفع كلٌ من هضبتي الكلس المفتت العظيمتين، على الأقل لمائة قدم، وتربضان كدليلين على القرى الضائعة، ومن الغريب القول إنَّ النهر بدلاً عن كونه ملعوناً ويسير إلى الوراء مثلما هو الحال في سيرافالي، فإنّه يتدفق في طريقه بدون أي عائق ما عدا بضع صخور عملاقة. الطريقة التي عبر بها ذاك الانهيار الهائل بما يكفي من الحجم لعبور النهر ودفن جميع المنازل والكنيسة وبرج الجرس على الجهة المقابلة، لأمرٌ في منتهى الغموض. لقد استفسرت آنذاك وفي وقت لاحق عما إذا كان النهر قد انسد لفترة مؤقتة ثم أعيد فتح مجراه على أيدي بعض المجتمعات الامبيزية الأخرى، ولكن بدا جميع من سألتهم يعتقدون باستحالة القيام بتلك المهمة في أي وقت من الأوقات. لم يكن بوسع أحدهم تقديم أية اجابات. " لقد حدث ذلك يا سينورا، قبل ست وخمسين سنة مضت،" كانت الإجابة المشتركة هي "chi lo sa?" هل كان ذلك وقتاً طويلاً؟ يبدو لي غريباً أنّه وبعد مضي وقت قصير يتجاوز بالكاد نصف قرن من الزمان، يطوي النسيان جميع تفاصيل تلك الكارثة الفظيعة في مكان تقل فيه مثل تلك الحوادث بالضرورة؟والآن، ونحن نسير على الطريق المنحدر، وقد قطعنا على الأقل ثلث دائرة انتيلاو، والتي تصبح أوسع فأوسع، وتتغير هيئتها وخارطتها مع كل انعطافة. الجليد لا يجد مستقراً في هذا الجانب، ما عدا على بعض الركام هنا وهناك. ويتكون الجبل على ما يبدو من عدد لا حصر له من الحواجز الحادة، والمنحدرات الضخمة من ركام الطمي، وسلسلة متنوعة الأشكال من القمم والذرى الشاحبة. والتي نجد بعضها يكاد يتلفح بالبياض الناصع، وبعضها أصفر كبريتي شاحب، مشوب باللون البنفسجي، وبعضها ملطخ بالأحمر الصديء الفاقع، مما يشير إلى وجود الحديد. إحدى الكتل الصخرية القوية المتشققة الحادة كالمشرط، ومقوسة كناب القرش، تبدو مثل سيف معقوف مغموس في الدم لتوه. والآن، وفي سان فيتو، يبدأ الانتيلاو في الاتجاه إلى الوراء من الناحية اليسرى، وعلى طول جانب جبل الكرودا مالكورا، بقمته الأعلى، سورابيس، التي تشمخ في أنفة على خلفية من السحب العاصفة، تدخل المشهد. وبعد ذلك بقليل وصلنا إلى الحدود النمسوية. صارية عارية، باللونين الأسود والأصفر، مثل رجل أحد حراس البابا، تنتصب على جانبي الطريق أمام مكتب جمرك خرِب. وهنا يلعب أربعة عساكر ذوي مظهر رثٍّ بالكرات الخشبية، بينما يسترخي ضابطان على أريكة بجانب الباب، يتنشقان لفافتي تبغ ويتفرجان على اللعب. كان أحدهما طويلاً جداً ومهلهلًا جداً، ومتسخ الملابس، وله زجاجة مثبتة إلى عينه وشارب يقارب طوله ثماني عشرة بوصة، يسير نحو باب العربة. وعندما اطمأن، على كل حال، من أننا لا نحمل شيئاً محظوراً، رفع قبعته في فتور بادٍ وعصي على الوصف، وأشار إلى الحوذيّ بالانصراف. ومن هذه النقطة، صار من الواضح أننا تجاوزنا الحد السياسي غير المرئي، ويلاحظ المرء تغييراً مفاجئاً ليس فقط في الأزياء ولكن في في بنية وسحنات البشر. إنهم الآن أطول، وأفتح بشرةً، وأجود عرقاً. يرتدي يالرجال قبعات غليظة من الجلد العاري. (والنساء لم يعدن يكشفن سيقانهن، ولم تعد شعورهن مغطاة بالمناديل الحمراء والصفراء). يرتدين نوعاً من اللباس البيرني المكون من معطف قصير أسود، وقطعة من القماش الأسود على هيئة الجسد مثل صدار في حجم الجسم تماماً، وبطانة بيضاء وأكمام طويلة تصل إلى المرفقين، ومئزر أزرق كبير، وقبعة مستديرة سميكة، مثل قبعة الرجال. بحلول هذا الوقت خرجت بيلمو من مدى النظر، وأصبحت روشيتا إلى الوراء في الجهة اليسرى، ومرت سورابيس، وما زالت الجبال الجديدة ترتفع أمامنا على مد البصر. إلى اليسار تستمر في الحقيقة سلسلة الروشيتا، قمة بيك دي ميزودي وجرف بيكولونغو، يبرزان مثل صف من الأسنان الحادة. وبمحازاتها ولكن على بعد ميل واحد على الأقل صوب أعلى الوادي، نجد سهل توفانا الكبير يشرئب في شموخ ساخط، تعلوه صخرة رائعة، مثل هرم من الجرانيت الأحمر. أما إلى اليمين فهنالك إفريز خيول جبل كريستالو الفاتن من القمم البرتقالية، يشكل خلفية عظيمة لكورتينا ذات الأسقف المتزاحمة، والأبراج الشاهقة، والمراعي الخضراء. وعليه فقد أصبحنا في النهاية أمام المكان الذي سنقيم فيه طيلة الأسبوع القادم وقد شارفت الرحلة الرائعة على نهايتها. نحن بالفعل على بعد خمسة عشر ميلا إنجليزيا (أي من تاي إلى كورتينا)، وقد رأينا حوالي ستة من أشهر مواقع الدولميات، ثلاثة منها على الضفة اليمنى وثلاثة على الضفة اليسرى لنهر بويتا. ويتجاوز أربعة من الستة هذه ارتفاع 10.500 قدم، بينما انتيلاو، كما أعتقد، يبعد عن اثنين فقط من منافسيه، هما مارمولاتا وسيمون ديلا بالا على وجه التحديد. والأشكال الرائعة والجديدة من هذه الجبال العملاقة، وألوانها الغريبة، وغموض تكوينها، وفرادة مواقعها النسبية، حيث كل منها يكون أقرب إلى جاره، بيد أنّه في حد ذاته يكون مميزاً ومختلفاً، والحقيقة العجيبة أنها جميعها متقاربة جداً في الارتفاع، وفي الأسماء، التي بخلاف اسماء الجبال الأخرى جميعاً ذات صدىً عالٍ، وفخم، مثل أطلال لغات ما قبل التأريخ، جميع هذه المواقع والحقائق في تركيبة مفاجئة تربك المخيلة، وتترك المرء حائراً في البداية أمام تنوعها وسرعة حدوث التأثير بعد الآخر في الذاكرة. وهكذا اتسمت بحس الراحة ذاك، خليط من الدوار والدهشة والإعجاب. الطريق العلوي، كورتيناوالآن أصبح الطريق الذي كان يهبط تدريجياً على طول عدة أميال، يدخل إلى كورتينا على ارتفاع مائة قدم فوق مستوى نهر بويتا. وفي البداية بدا منزل أو اثنان متفرقين، ثم لمحة من الكنيسة القديمة، والدير، والمقبرة، وملعب الرماية، في الغور بجانب النهر، ثم شارع طويل غير منتظم من المزارع، والفنادق، والمتاجر المتواضعة، وبرج الجرس الجديد، فخر القرية، 250 قدماً في ارتفاعه، ومكتب البريد في زاوية الميدان الصغير الذي يحتوي على نافورة عامة، وفي النهاية اشيلا نيرا ، كونه المنزل الأخير في المكان، وهو فندق مبني على الطراز التيروليّ الحقيقي، مثل سفينة نوح الهائلة، بصفوف فوقها صفوف من النوافذ المربعة ذات المصاريع الخضراء الفاقعة، والسقف الضخم بأفاريزه المعلقة، التي تبدو كما لو أنّها على وشك أن تقفز مثل غطاء زجاجة لتسمح للحيوانات الموجودة داخلها بالهرب. هذه إذن هي وجهتنا، وهنا نقترب من آخر النهار، فنسير خلال القرية ونحثُّ الخطى إلى الباب مع سائقنا بحيويته المعتادة، كما لو أنّه لم يخط الشيب فوديه أو لم يقد خمسة وثلاثين ميلاً اليوم، وأربعة وثلاثين ميلاً البارحة، كان نشطاً جداً، وقد خرج لتوه من الإسطبل. آل غديناس، أب وولداه، خرجا ليرحبا بنا، لم يبد عليهما كثير اهتمام، بيد أنّ الكاتبة على كل حال تذكر اسماً كبيراً، هو اسم !!Francis Fox Tuckett فرانسيس فوكس تاكت وهي ذات تاثير مثل التعويذة على الثلاثي المتألق. تنطلق نيتهم الطيبة إلى الأمام في مزيج سخيف بين الألمانية والإيطالية. كيف للسينيورة أن تكون صديقة للسيد "إل تاكت"- السنيورة الكبيرة الشجاعة" والتي عم صيت إنجازاتها في إنحاء هذه الوديان جميعها؟ ألا ينبغي أن يكون المنزل بكامله طوع أمرها؟ هناك! الأشيلا نيرا سوف تبرر التوصية ب"تاكت الشجاع!" وها نحن ننزل هنا. صاحب المنزل العجوز يضع ربطة عنق بُنيَّة كبيرة الحجم، والأيدي تتصافح في كل مكان. تم استدعاء النادلة، وحظينا بتخصيص أفضل الغرف لنا، كان الطباخون (ويبدو أنَّ هنالك الكثيرين منهم في ذلك المطبخ الكبير الكئيب) قد شرعوا في إعداد العشاء، ووضعت لنا طاولة على الرصيف، والذي كما عرفنا لاحقاً أنّه مكان لاستقبال ضيوف الشرف في جميع الفنادق في تيرول الدولميت، وكل ما يملكه الاشيلا نيرا مسخر لما فيه فائدتنا. إنّه نُزلٌ تيرولينيٌ شامل، ونظيف بلا أدنى شك، كما أنّه مجهزّ جيداً، وأوسع كثيراً مما كنا نتوقع العثور عليه في أكثر قرى هذه المنطقة أهمية. تميزت الغرف بالرحابة، بيد أنّ أثاثها لم يكن مكتملاً. فهناك القليل من المفارش المصنوعة من جلود الذئاب والشامواه تتوزع هنا وهناك: ولكن لا يوجد بساط مثل الذي يستخدم لتغطية الأرضية في أي مكان في الفندق. وفي الملحق، المبنى الجديد على الجانب المقال من الطريق، والمزين بطريقة ساحرة بالجداريات الخارجية التي نفذها أحد أفراد آل غدينا الصغار الذي كان فناناً في فيينا- وهنالك غرف أصغر، بأسرة معدنية جيدة، وبعض وسائل الراحة الحديثة. ولكنا لم نك نعلم شيئاً عن هذا الأمر حتى يوم أو يومين عقب ذلك، وسررنا عندئذٍ بالانتقال إلى المنزل الأكثر هدوءاً، بيد أنّ ذلك كلفنا عبور الشارع لتناول الوجبات في كل مرة.فيما يخص الطعام، كانت هنالك عدة قوانين قاسية. عن الطيبات فحدِّث ولا حرج، أما اللحم، والسجق، والبيض، والجبن، والملفوف المخلل فهنالك الكثير منها. الرعاة، والأدلة، والمزارعون-الفلاحون والمسافرون من كل الدرجات يأكلون، ويشربون، ويدخنون طوال اليوم في الغرف العامة، التي يوجد منها على الأقل أربع في الطابق الأرضي من البيت الكبير. كانت مدخنة المطبخ تنفث الدخان، والطباخون يصنعون الطعام، والماء يتدفق من الصنابير " من الصباح حتى المساء النديّ." لقد وصلنا في مساءً مفعم بالندى، وحللنا في جو مشحون بروائح التبغ والثوم- وغضب قرابين اليوم المتراكم.مع الحشد الكبير هذا، على أية حال، هذا الطقس كله، كان يتعين على أغنى وأكثر المسافرين نجاحاً أن يعرض نفس اللحوم والمشروبات مثل أفقرهم. النوع الوحيد من النبيذ الذي يحتفظ به غيدينا في قبوه هو نبيذ فينو باربيرا البيدومنتي الخام العتيق، والذي تكلف الزجاجة منه فرنكين تقريباً، فإن كنت لا تحب ذاك، فعليك شرب البيرة، أو النبيذ الريفي الخفيف الأحمر أو الكحول المعقم المسبب للغثيان والمصنوع من جذر نبات صغير الحجم يشبه إلى حد كبير عشبة لسان الحمل أو نبتة موز الجنة الإنجليزية. وهنالك نوع أقل جودة من كريسشوزر والذي أعتقد أنّه هو الآخر سيئٌ، أو على الأقل كنوع من البراندي، ولكني أشك إن كان بالإمكان العثور على نقطة واحدة منه في الريف كله بدءاً من بيلونو وحتى برونيك.بالنسبة للبقية، يعتبر الفندق لا بأس به، يشعر المرء بالحاجة إلى عشيقة في المكان. فوالد غيدينا، أرمل ثري، وابناؤه الأقوياء الثلاثة جميعهم غير متزوجين، يعيشون في المنزل ويشرفون على إدارة المنزل والإسطبلات ولكن بامتعاض بادٍ كما لو أنّهم مجبرون. وخيولهم بالمناسبة من أجود الخيول لدرجة لا تتناسب مع خشونة العمل الريفي، بينما في المبنى المجاور توجد عربة كبيرة بأربع عجلات، وعربة صغيرة تكفي لشخصين، وثلاث أو أربع عربات متوسطة، وسرج! كيف سنرى هذه الأداة في هذا المكان، وهي في حد ذاتها ليست بالشيء النادر ولا الجميل، كيف أنّها ستحتل المكانة الأولى في عواطفنا ورغباتنا، كيف تنافسنا مع جميع الوافدين على امتلاكها، وكيف تذللنا، واستعرناها، وأخيراً سرقناها.في هذا الأثناء وصلنا متأخرين ومتعبين، وكنا سعداء بالحصول على غرف واسعة في منزل كبير، والتماشي مع الجو العام، وتنشق القديد، وسماع المحتفلين في الدور الأرضي يسهرون لوقت طويل بعد أن خلدنا إلى النوم، وحتى عندما أيقظتنا الصرخة الداوية لحارس القرية في عدة مرات أثناء ساعات الليلة الظلماء تلك. ربما لم يكن بالشيء الذي يتفق على إثارته زمرة النجارين أول شيء في صباح الغد في الشارع وهم يلقون بأكداس الخشب الثقيلة، وهم يسيرون في طوابير بجانب الطريق، ينشرون، ويصخبون بما يكفي لإيقاظ الموتى أيضاً وليس الأحياء فقط. ولهذا، على أي حال، وكما هو الحال في كل الأمور السيئة، هنالك تعويض، وقد كان عزاؤنا عظيماً عندما عرفنا أنَّ عيد الساغرو السنوي، أو احتفال الكنيسة، سوف يقام في غضون أيام قليلة، وأنَ أصدقاءنا الصاخبين في الخارج كانوا قد شرعوا بالفعل في نصب الأكشاك استعداداً للمعرض السنوي الذي يعقد بالتزامن مع العيد. إنّه أهم معرض في جميع هذا الجزء النمسوي بالإضافة إلى تيرول الإيطالية، ويشارك فيه عادةً ما بين ألف ومائتين وألف وخمسمائة من المزارعين من كل هضبة أو وادٍ على دائرة تقارب ثلاثين ميلاً حول كورتينا.______________________________________*الأطوال النسبية لدولمايت امبيزو،ي كأقرب تحديد لها، هي كالآتي: انتيلاو 15.838 قدم، سورابيس 10.798قدم، توفانا، 10724 قدم، كريستالو، 10.644 قدم، بيلمو، 10.377 قدم، ولا روشيتا، 7.793 قدم.______________________________________ جبل انتيلاو _______________________بتكليف ورعاية من الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، وبدافع من حب المعرفة والسعي لنشرها قامت القرية الإلكترونية بتوفير هذه النسخة من الكتاب وسوف نقوم بنشرها على حلقات تباعاً هنا في جوجل بلس نأمل أن تحوز إعجابكم وأن تكون مساهمة في #نشر_المعرفةصفحتنا الرسمية في فيس بوك :https://www.facebook.com/mohammed.suwaidi.poet/منصتنا في جوجل بلس لمتابعة باقي مشروعاتناhttps://plus.google.com/+HisExcellencyMohammedAhmedAlSuwaidi?hl=ar(جميع الحقوق محفوظة), Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi....
اعرض في فيس بوك , Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi قمم غير موطوءة وأودية غير مطروقةالباب الثاني : من البندقية إلى لونغارونيتأليف:إيمليا إدواردز || ترجمة: أميمة قاسم-نهضنا من النوم مع بزوغ الفجر، وتناولنا إفطارنا بعد....
اقرأ المزيد ... قمم غير موطوءة وأودية غير مطروقةالباب الثاني : من البندقية إلى لونغارونيتأليف:إيمليا إدواردز || ترجمة: أميمة قاسم-نهضنا من النوم مع بزوغ الفجر، وتناولنا إفطارنا بعد الساعة الخامسة صباحاً بقليل، وانطلقنا إلى المحطة قبل أن يستيقظ نصف عالم البندقية من نومه. لم تكن هذه سوى محاولة – دون شك- لنكتشف فقط أننا فوتنا قطارنا بحوالي خمس دقائق، ويتعين علينا الانتظار لأربع ساعات موعد القطار التالي. ولم يكن عتاب السائق الذي لم ينم قبل وقت متأخر- وبالتالي كان سبباً في تعاستنا- سيجدي نفعاً بأي حال، بيد أنّه كان سيجلب بعض الراحة للنفوس. قام بتكديس حقائبنا – صامتاً وعبوساً- في إحدى الزوايا، وظل منعزلاً في كآبة، بينما كان البرد والضجر والاستياء باديًا علينا، فجلسنا ونحن نرتعش في ممر مفتوح أمام الرياح قريبًا من مكتب التذاكر، نحسب الساعات المملة، خارج غرف الانتظار التي كانت مغلقة " من قبل المشرف الأعلى" لتفتح قبل نصف ساعة فقط من الوقت الذي نتمكن فيه من استئناف رحلتنا. وبطريقة أو أخرى انقضى الوقت، وعندما حانت الساعة العاشرة وجدنا أنفسنا أخيراً نتحرك ببطء خارج المحطة، وبدا لنا الوقت كما لو أنّ منتصف النهار قد حلّ بالفعل. والآن عبرنا الجسر الهائل والطويل مرة أخرى، ما زال منظر البحيرات الكريستالية الهادئة أمامنا، ولكن تركنا قباب البندقية التي تغدو أصغر فأصغر خلفنا بمسافة بعيدة، والآن نعبر محطة مستري، ونصل مرة أخرى إلى التربة الصلبة، دخلنا في سهل واسع تغطيه الخضرة بالكامل، وتتقاطع فيه حقول الذرة الهندية اليانعة بشبكة من السدود الواسعة المزدحمة بالضفادع. يا لروعة نقيقها! واثناء توجهنا من رافينا إلى غابة صنوبر دانتي المشهورة في اليوم التالي، كادت أصواتها أن تصمّ آذاننا؛ بيد أنّ نقيق ضفادع رافينا تلك على حدته كان كالموسيقى العذبة مقارنة بالصخب الجامح الذي تثيره إخواتها من ضفادع البندقية؛ فهذه قد غطت على صوت القطار المزعج، واضطرتنا لنبدو كمشاركين في عرض صامت حتى فارقنا حيّها. ثم أسرعنا، وقد أصبحت الجبال الزرقاء الرمادية التي ظلت أمامنا طوال الطريق من البندقية أقرب فأقرب وأوضح تضاريسَ. وسرعان ما انجلت لأعيننا واجهة القمم الأقل ارتفاعاً، بعضها قاتم اللون بغاباته، والآخر مزروع من السفح إلى القمة، وتنتشر عليه القرى البيضاء. ثم بين الفينة والآخرى تظهر محطة، منتصف الطريق، مثل التي بين البندقية وتيرول، ومن هناك، ترى في الخلف كونيغليانو، حيث نرى آخر شبح لأبراج الأجراس في مدينة البندقية يتضاءل على المدى من جهة، وأول الأبراج البصلية التيرولية، بشكله الذي يشبه خوذة رجل من العصور الوسطى في كامل أبهته الحربية، تشرف من أعلى قرية صغيرة على جانب الهضبة من جهة أخرى. وقد تركنا الآن السدود والضفادع وراءنا، يتسع الطريق على الجانبين تحيط به أطواق من أشجار السنط الريشي، قمم مسننة بطريقة غريبة جداً، والتي على أية حال ليست دولميتية، تبدأ تنفصل من الخلفية الغائمة للسماء الشمالية. لا لا يمكن أن تكون دولميتية، بيد أنّها تبدو كذلك، فقد قيل لنا إننا لن نرى دولميت حقيقي قبل الغد. ومن الممكن على أية حال كما نعلم رؤية انتيلاو من البندقية في يوم صافٍ قد كما قد يحدث حوالي عشر مرات على مدار فصل الصيف: ولكن هنا، حتى إن كانت السماء صافية، فنحن في موقع قريب من سفح أكثر المرتفعات البعيدة انخفاضاً حيث تستحيل رؤية منظر المرتفعات الأعلى. تريفيزو هي المحطة التالية، وهي مكان رائع على ما يبدو. فهنا، وبحسب إفادة موراي، فهنالك لوحة جميلة للبشارة بريشة تيتيان تستحق المشاهدة في الكاتدرائية، ولكن يا حسرتاه ليس لدينا زمن للزيارة. وهنا أيضاً كما يقول رفيق سفرنا، القس الذي في الزاوية- متملقاً- بفتح فمه للمرة الأولى والأخيرة أثناء الرحلة: " إنّهم يصنعون نبيذاً طيباً" (“Qui si fanno buon vino.”)ترجل بعض مسافري الدرجة الثالثة في تريفيزو، و(بما إننا على بعد ثمانية عشر ميلاً فقط من البندقية، وهو ما يعادل بالضبط منتصف المسافة إلى كونيغليانو) فقد استأنفنا المسير وسط ريف خصب منبسط؛ عابرين حقولاً لا متناهية من الذرة والكتان؛ و مرور بالكروم المشرئبة ترتفع كما في تيرول على تعريشات مائلة منخفضة نصبت قريباً من الأرض؛ وبمروج صيفية غنية حيث يغوص الفلاحون تحت الشمس المحرقة حتى ركبهم بين الزهور البرية، وديوكهم الرومية أقرب إلى الحدس من النظر، القرى والمحطات الصغيرة، وبيوت المزارع المبعثرة، نحث الخطى نحو الهضاب، التي هي وجهة رحلتنا.وبعد كل فترة، أربعة أو خمسة أميال قبل كونغلي، نجد على السهل الخصب دربا واسعاً من الرمل والحصى، ويجري في وسطه نهر البياف، رمادياً، ضحلاً، وعكراً، باتجاه البحر. وقدر لنا أن نرى ونعرف الكثير عن هذا النهر من خلال ما به من الدولميت. وها نحن في كونغليانو، آخر محطة يبلغها القطار، والتي – نسبة لتأخرنا أربع ساعات هذا الصباح- لا نملك الزمن الكافي للتجول فيها. وفي هذا مدعاة للشعور بخيبة الأمل، فلا بد أنّ كونغليانو جديرة بالزيارة دون شك. سمعنا عن القصور القديمة المزدانة بجداريات مدينة بوردينوني ذات الألوان سريعة الشحوب، وعن المسرح الذي بناه سيغوسيني، وعن لوحة مذبحٍ في الكاتدرائية بريشة سيما من كونغليانو، وهي لوحة رائعة لفنان قديم من هذه المدينة، والذي ظهرت أعماله البديعة في بريرا ميلانو، وكان الأسلوب اللامع والواضح، والصريح الذي تميزت به يضعها مكاناً وسطاً بين أعمال جيوفاني بيليني ولوكا سينيوريللي. ولكن إن كنا سنصل إلى لونغاروني- أول محطة لنا هذه الليلة، فيجب أن نواصل المسير؛ وعليه لا يبقى معنا سوى ذكرى محطة صغيرة جميلة، وبلدة مشرقة عصرية الملامح، تبعد حوالي نصف ميل، وحفنة من القصور البيضاء تتناثر على جانبي الهضبة المجاورة، وقلعة عتيقة تشرف من علٍ كما لو أنّها قطعة من خطة حربية. تنطلق الآن صافرات حراس المحطة للمرة الأخيرة في عدة أسابيع، ويتحرك القطار صوب تريستي فيغادر المحطة مطلقاً نفثاته الحرى، ويختفي مع المنعطف، ويتركنا في الرصيف، وأمامنا أمتعتنا المكدسة ومغامراتنا كلها. ننظر في وجوه بعضنا البعض. نشعر للحظة كما مارتن شازلويت من قبل عندما أنزلته الباخرة في عدن ومضت. لا شيء، في الحقيقة، قد يفوق توقعاتنا في عدم التحديد، ولا خططنا في عدم الوضوح. لدينا خرائط ماير، ودليل بول لجبال الألب الشرقية، وكتاب جيلبرت وتشرشل، وكل ضروب الوسائل والأجهزة، ولكن لم تكن لدينا أدنى فكرة حول المكان الذي سنذهب إليه، أو ما سنفعله عندما نصل إلى هناك. بيد أنّه ليس هنالك ما يكفي من الوقت لإهداره في التردد، وفي دقائق معدودة عدنا إلى الطريق مرة أخرى. وهنالك ثلاث أو أربع سيارات صفراء متسخة تنتظر بالخارج، وهي تقصد بيلونو ولانغاروني حتماً، كما أنّ هنالك عربة يجرها حصانان رماديان قويان، والتي وافقت عقب بعض المفاوضات على العمل مقابل 100 ليرة*. وعلى السائق أن يقلنا نظير هذا المبلغ في رحلة تشمل مدينة لانغاروني اليوم، وكورتينا غداً، والتي تقع في وادي أمبيزو، وهي مسافة تقارب 70 ميلاً إنجليزياً. عليه تم شحن الحقائب، بعضها بالداخل والجزء الآخر بالخارج، ودون أن ندخل المدينة على الإطلاق، قدنا الآن عبر ضاحية متربة، وخرجنا مرة أخرى إلى السهل المنبسط. ولم يكن من السهل إيجاد طريق أكثر انبساطاً واستقامة عبر الريف. وقد حفه من كلا الجانبين صف من أشجار الحور الرفيعة، وحقول الذرة الهندية اللامتناهية، فمضت السيارة في ذلك الطريق أميالًا وأميالًا، حتى تلاشت في نقطة على الأفق، مثل الشكل التخطيطي الشهير الذي صور جادة طريق بأسلوب المنظور. وقد كان من السمات الغريبة لهذه النقطة أنّها تتراجع باستمرار أمام أعيننا، وبالتالي يتعين علينا دائماً التقدم إلى الأمام، كما لو أننا في كابوس مرعب، ولم نقترب أبداً. ولحسن الحظ لم نتعرض لأية حادثة في الطريق بالمناسبة. لقد مررنا بإحدى تلك المركبات الفرنسية الصفراء الثقيلة التي كانت تقف من قبل في محطة كونيغليانو. نشاهد الآن بعض النسوة السمراوات وسط حقل الذرة الهندية، ثم لم نر بعد ذلك، وعلى مدى أميال طويلة، أيًّا من البيوت أو البشر. ويبدو لي أنّ تلك الساعات ربما انقضت إذ أنني نهضت فجأة، على الشمس المحرقة التي ألهبت جسدي والغبار الذي غص به حلقي، لأجد الجميع نائمين، حتى السائق، وقد أصبحت الهضاب الشاهقة البعيدة الآن أمامنا على مسافة قريبة. وأرى بلدة صغيرة لا تبعد أكثر من ربع ميل أمامنا، بلدة صغيرة تلمع في ضوء الشمس مقابل الغابات الداكنة في الخلفية، وأطلال قلعة على ارتفاع قريب. عرفت في الحال أنّها سينيدا دون شك- سينيدا التي أحبها تيتيان- وتلك الغابات والهضاب وأطلال القلعة هي ذاتها التي استخدمها في منظر الخلفية للوحة الشهيد القديس بطرس. ويقال إنّه يملك أرضاً هنا، وفي مانزا، التي تبعد أربعة أميال بنى له قصراً صيفياً. والآن، تحركنا غريزة غامضة ما، استيقظ السائق في الوقت المناسب ليضرب بسوطه فتشرع أحصنته في العدو، فتصدر عنها جلبة عظيمة، إذ أنّ الحوذيين الأجانب يحبون الصخب، خلال طريقهم الأوحد الذي يشق البلدة. ولكن سدىً، لأنَّ سينيدا- الساكنة، المنعزلة، المشمسة، بمصاريعها الموصدة كلها، وليس سوى كلب هزيل أو اثنين يتسكعان بلا هدف في الفضاء الواسع أمام الكنيسة، التي يبدو أنّها مستغرقة في النوم كما بلدة مسحورة في إحدى القصص الخيالية. ليس ثمة ستارة تتكشف، ولا وجه يرمقنا بالنظرات بينما نمرّ صاخبين. غراب العقعق في قفصه الخوصيّ أمام متجر الحلاق ناعس في غصنه، وبالكاد يستطيع رفع جفنه، لكنْ الجلبة التي نثيرها بحركتنا، كافية لإيقاظ فتية الكهف السبعة من سباتهم. وحالما اجتزنا المنازل، عدنا، بطبيعة الحال، إلى سرعتنا الأولى، فأصبحت الهضاب الحميمة تقترب أكثر فأكثر، كاشفة عن تفاصيل بكر في كل خطوة. والآن ومع آخر المنحدرات الخضر، والقمم القرمزية القريبة من مسارنا، يبدأ الطريق في الارتفاع: وادٍ زلق وضيق، وهو على ما يبدو مجرد شق في الجبال مثل مضيق فيفرز، ينفتح فجأة أمامنا، وتشرئب من وسط الكروم المتشابكة، وأشجار التوت الأحمر، والكستناء، والأسقف البنية، أبراج أجراس سيرافالي فنراها، على الرغم من أنّها تبدو على الخارطة بخط أصغر من سينيدا، والتي هي مقر الأسقف، أو كانت، مقراً له، وهي مكان أكثر أهمية بعد، يمتد على عدة هكتارات، وينتهي إلى ممر ضيق يجري خلاله نهر ميسكيو باتجاه السهل. وإن تحرينا الدقة فربما لم تعد هناك سينيدا، ولا سيرافالي، فقد تم توحيد البلدتين مؤخراً من قبل الحكومة الإيطالية تحت اسم فيتوريا [Vittoria]، ولكن تفصل بينهما مسافة ميل كامل، ولا يبدو أنّ هنالك من يتقبل الوضع الجديد بطيب خاطر. ويضرب سائسنا بسوطه مرة أخرى، ليحث خيوله على الإسراع، وعليه، وبما يليق من البهاء، ندلف الآن في عربتنا الصاخبة إلى البلدة فنراها غريبة، وخلابة، ومتداعية، ومنسية، بمنازلها الحجرية المتاخمة للغدير، والكاتدرائية التي تبدو كما لو أنّها هُجرت قبل أن يكتمل بناؤها لثلاثمائة عام. والأروقة الكئيبة مظللة الدروب على جانبي الشارع الرئيسي، كما في ستراسبورغ وبيرن. وسرعان ما عبرنا الجسر ووصلنا إلى الميدان، لنقف أمام واحدٍ من النزلين اللذيْن كانا يتنافسان على استضافة السياح القليلين، ولا تزهو سيرافالي بالميدان والكاتدرائية فقط، بل باثنين من الفنادق، واثنين من المقاهي الصغيرة القديمة، ومكتب للبريد، وحتى مكتب صغير لليانصيب، على نافذته عبارة بالطلاء الأحمر "Qui si giuocono per Venezia"، أي " هنا يتم السحب على بطاقات مدينة البندقية".والسكان هنا يقظون ونشطون أيضاً. فهم يلعبون الطاولة أمام المقاهي بملابسهم العادية. ويلعبون ال ويلعبون على طاولات أمام المقاهي. ويلعبون “المرُّة" [ المترجمة: هي لعبة تخمين إغريقية قديمة باستخدام الاصابع]-في ظل البوابات والأروقة. ويملأون جرار الماء، يغسلون نبتات الخس، ويتداولون الأخبار حول النافورة؛ بل يشجعون الدراما أيضاً، فربما تراهم بالقرب من مسرح العرائس المتنقل (" تحت رعاية فخامة ملك إيطاليا ورؤوساء أوروبا جميعهم") على جانب ربوة مقفرة تكاد تكون في مواجهة الكنيسة. فلا يريد أحد أن تنتهي المسألة بشكل عادي، ولا حتى الرجلين العاطلين، والصبية الذين بدأوا يتوافدون من أماكن غير معروفة، فاغري الأفواه، باتجاه العربة، يحدقون في ركابها كما لو أنهم أعضاء في حديقة حيوان متنقلة. ولكن كان لسيرافالي شيء أفضل من العرائس والسكان العاطلين لتعرضه علينا. فهناك الكاتدرائية التي تحتضن لوحة كبيرة الحجم بديعة للسيدة العذراء والطفل، بريشة تيتيان، والتي نفذها بناءً على تكليف بين عامي 1542 1547- وهي لوحة كبيرة تنتمي إلى ما يمكن تسميته بالتكليف الثاني في أكثر فترات المعلم ازدهاراً، وقد قصدها ووصفها رحالة وناقد مشهور بقوله :" إنّها وحدها جديرة بالعودة من أجلها إلى سيرافالي، حتى ولو من البندقية." ومع احترامي للمعاملة التي يحظى بها هذا العمل الجميل، يقول السيد جيلبرت، الذي لم يترك كتابه المثير للإعجاب عن تيتيان وكادوري شيئاً لأي كاتب آخر لإضافته في هذا الموضوع: " إنّها واحد من أعظم عينات المعلم، وفي حالة جيدة جداً. وهي تجسّد العذراء والمسيح في مجدهما تحفهما الملائكة، التي تتماهى في الضباب الذي يكسو الجزء العلوي من اللوحة. عماد السحب الثقيلة الضخمة، وفصل هذه الرؤية المقدسة عن الأرض: وفي الأسفل، يقف على الجانبين شخصا القديس آندرو والقديس بطرس في فخامة وعظمة، يسند الأول الصليب العملاق، ويحمل الأخير مفاتيحه الضخمة عالياً، كما لو أنّه يعارض الشك في إيمانه. وبين هذين الشخصين الجليلين، وتحت خط الأفق المنخفض، تظهر بحيرة قاتمة، وسط هضاب أكثر حلكة، وحيث يرمز الشراع البعيد إلى الصياد وزورقه. وجميع عناصر العمل من موضوع وخطوط وألوان على مستوىً رفيع ويليق بالفنان". كادوري. ص 43. والآن، والوقت ينسرب من بين أيدينا، ينقضي النهار، وما زال أمامنا من الرحلة ثلاثة أرباعها، فيلزمنا الإسراع، وإلا فلن نصل إلى لونغاروني قبل حلول الظلام. وعليه، وبما أننا شبعنا من النظرات التي يحدجنا بها السكان فقط- بل صاحب المنزل وزوجته أيضاً، وجميع من لهم صلة بالنزل، وأيضاً لاعبو الطاولة الذين تخلوا عن اللعب للمشاركة في العرض المسلي- فقد احتشدنا جميعاً مرة أخرى و اتجهنا صوب المدخل الصخري للمضيق، والآن ينغلق على- ويبتلع على ما يبدو- الصف الطويل من المنازل الحجرية القديمة التي تزحف باتجاه الوادي. بعضها، تداعى وتهالك حيث هو، يجسد الطراز القوطي الفينيسي في النوافذ القوسية المدببة، والأعمدة الرقيقة الملفوفة. فبلا شك قد كانت ملكاً لأشخاص أغنياء في وقت اعتاد فيه تيتيان على شد الرحال من مانزا لزيارة ابنته المتزوجة التي كانت تعيش في سيرافالي.وحيث تنتهي البيوت، تقترب المنحدرات الشخصية من بعضها حتى لا يبقى مجال سوى للطريق والغدير. ثم يتسع المضيف مرة أخرى، عبر المنحدرات التي تكسوها الغابات، وحقول الكستناء المعلقة، وبيوت المزارع، والشاليهات التي تطفو عالياً فوق الهضبة المعشوشبة، فتبدأ ملامحها في الاقتراب من سويسرا وليس إيطاليا: الجبال والغابات التي تسد الأفق، وعلى بعد ميلين تقريبا من سيرافالي يتوسع النهر في بحيرة صغيرة خضراء شفافة، هادئة كسماء مسائية صافية، ومزدانة بطوق واسع من نباتات الكتان الصغيرة. وينعكس طيف مرأى زورق شراعي صغير واحد فيبدو كما لو أنّه مقلوب على صفحة مرآة، يطفو في دعة وسط البحيرة. والصياد الذي فيه بدا نائماً. لا موجة واحدة ولا نسمة تعكر صفو اللوحة المرسومة على الماء. كل هضبة وكل شجرة هناك، معكوسة، وكل قشة مزدوجة. البركة الساحرة، المهملة في الخرائط بشكل عام، هي لاغو دي سيرافالي. تنحدر الغابات إلى الحافة على جانب واحد، والطريق، يحد بقايا انهيار ارضي، وتحف الرياح بالآخر. لدى رأس البحيرة منزلان صغيران باللون الأبيض، وبهما مصراعان من الحصير الأخضر، وشرفتان مفتوحتان على الطراز الإيطالي، وكنيسة مصغرة على تلة مخضّرة، وبرج مراقبة من العصور الوسطى، ملتصق بنتوء صخرة فوقه، لتكتمل تفاصيل صورة من الصفاء والكمال الذي لم يكن حتى لخراط في قمة براعته أن يقترب من تجسيده. يتزايد اتساع المضيق حتى يصبح وادياً، وقد كان منظر شلال بيرغ كبيراً جداً، حتى يُعتقد أنّه هو السبب في تحويل مجرى نهر بياف (الذي كان يتدفق حتى ذلك الوقت قرب سيرافالي)، وجعله يغير مجراه ليمر بوادي ميل بدلاً عن سيرافالي.حلت هذه الكارثة قبل سنوات طويلة، وربما في عهود ما قبل التأريخ، ولكن ما زال الفاصل العظيم، ستمائة قدم في الارتفاع من هذا الجانب، يبدو كما لو أنّه قام قبل أقل من مائة سنة. وقد نمت بضع شجيرات فقط في ركام البقايا الحجرية الواسعة هذا، والتي يرتفع الطريق وسطها وفوقها ممتداً، وحيث تجمعت بعض الطحالب في شقوق هذه الكتل العملاقة التي تتكدس مثل أبراج منهارة على جانب الطريق. الطريق فوقها وعبرها ممتدٌ، فكلها خاوية، مخيفة ومهجورة. وبينما نرقى إلى الأعلى، أشار السائق إلى أشجار غابة الزان البعيدة على حافة التلة الشاهقة إلى اليمين بأنّها غابة المجلس، وهو اسم يعود في تاريخه إلى الحكم الفينيسي القديم، حينما كانت هذه الغابات تزود الدولة بالأخشاب. ومن هنا جاء الخشب الذي شيدت به سفينة "البوسينتور" ومن يدري، ربما سفن انطونيو التجارية، وبوارج الحرب التي قادها داندلو الشيخ الضرير لمواجهة الأتراك. والآن، ونحن على بعد أربعة أميال من سيرافالي، ولم نصل بعد إلى قمة الشلال العظيم، مررنا ببحيرة أخرى، صغيرة خضراء وصافية، في حجم السابقة تقريباً- هي لاغو مورتو، وهي تقع في الأسفل في تجويف تحت الطريق، وقريباً من واجهة صخرية بيضاء مصقولة ولامعة تحت أشعة الشمس، حيث نصف جانب الجبل يبدو متصدعاً كما لو أنّ زلزالاً ضربه، فإن لم يكن الأمر كذلك لما بقي الركام مكدساً حيث هو وعلى هيئته، تاركاً تلك الفجوة التي نامت فيها البحيرة، وإنَّ المرء ليفترض أنّ هذه هي النقطة التي حدث فيها الانهيار الصخري وسدَّ على نهر بياف الطريق إلى وادي سيرافالي. وبحسب إحدى الأساطير المحلية، لا يستطيع أي قارب أن يعيش على هذه المياه الساكنة، ولا يعود منها سابح ولا غاطس إلى الشاطيء مرة أخرى. حيث يتم سحب كلٍ منهما بطريقة رهيبة جداً وتبتلعه المياه " أعمق مما يعنيه الانهيار." لقد قيل، على أية حال، كان الحاكم النمسوي للبندقية اللومباردية، قلقاً من وضع حد لهذه الخراقة، فاشترى قاربًا من جهة الصليب المقدس، و في حضور جمع حبيس الأنفاس من جميع القرى المجاورة، وحمل زوجة مدير مصلحة بريد فدالتو على القارب وجدف بنفسه حتى أوصلها منتصراً إلى الساحل المقابل. إنّ مزارعك التيروليّ، على أي حال لا يتخلى عن أخطائه العتيقة بسهولة، ولاغو مورتو، كما قيل لي، ما زالت تتمتع بسمعتها الشريرة إلى اليوم على الرغم من رد الاعتبار العلني ذاك.وقد كانت بوسكو ديل كونسيليو إلى الجهة اليمنى دائماً على طول الطريق، وكول فيسينتينو بثلجها المتراكم المبعثر كالأبراج إلى اليسار، وقد فزنا بقمة الهضبة، ورأينا بحيرة الصليب المقدس، والتي تشبه إلى حد مثير للدهشة بحيرة البانو، تقع قرب أقدامنا. الجبال الهائلة، والقمم القرمزية والرمادية التي في الأعلى جميعها، جميع حقول الذرة الخضراء، والمنحدرات التي تغطت بالغابات المنحدرة إلى أسفل. وتحفها بعش من النضار. وتشرف قرية وكنيسة الصليب المقدس على سهل معشوشب صغير يكاد يكون معلقاً على الماء. القرى وأبراج الأجراس تبرق بعيداً على الشاطيء وعلى حافة الهضبة، بينما هناك، من خلال فجوة في الجبال في الطرف الأقصى من البحيرة، فوجئنا بروح غريبة لقمم رائعة شاحبة اللون، ارتفعت في السماء فوق الأفق الشمالي. بحيرة الصليب المقدس "إيكّو" يقول السائس، مشيرا إليها بسوطه، وبنصف التفاتة لرؤية أثر كلماته يقول " Ecco I nostril dolomiti!" كان هذا التصريح مباغتاً بشدة للوهلة الأولى بدا كما لو أنّه يخطف الأنفاس. فقد قيل لنا بشكل مؤكد عن عدم إمكانية رؤية أي نوع من الدولميت قبل اليوم الثاني من الرحلة، وبالتالي لم نكن نبحث عنه ولا نتوقع رؤيته- بيد أنه يوجد هنا، وعلى خلاف العادة، وبصورة جليّة جداً!يشعر المرء على التو بأنها ليست كمثل غيرها من الجبال، ولكنها تماماً كما يتوقع المرء أن تكون. "Che Dolomiti sono? Com si chiamano?" )ماهو الدولميت؟ ماهي أسماؤه؟) كانت هذه هي الأسئلة المحيرة التي طُرحت عقب ذلك. ولكن لم يكن على سائسنا أن يقول شيئاً سوى الحقيقة الجيولوجية المحضة. إنّه دولميت. والدولميت على الجانب الإيطالي من الحدود. ولا يعرف شيئاً أكثر من ذلك. عليه فبوسعنا فقط الرجوع إلى خرائطنا، وخمنوا ماذا؟ بمقارنة المسافات والمواقع، تنتمي هذه الكتل الصخرية المثيرة للحيرة على الأرجح إلى سلسلة جبل سفورنيوي. ولبثنا حوالي نصف ساعة في بحيرة الصليب المقدس أمام باب فندق صغير، كتبت في مقابله عبارة بحروف واضحة: " "Qui si vende buon vino a chi vuole" [هنا يباع النبيذ الفاخر لمن يريد].فتركنا السائق والعربة لتقصي حقيقة هذه الأسطورة، فطلبنا القهوة وشربناها في الهواء الطلق. أُخذت الأحصنة لإطعامها خارجاً. عانى الكاتب من محنة عظيمة بسبب الذباب، يخطط رسماً تحت ظروف صعبة إلى حد يصعب معه التعبير، حيث يحيط به جميع سكان المكان الآن، ومن بينهم ثلاث أو أربع شابات يرتدين مناديل مخنثة باللونين الأحمر والأصفر على رؤوسهنَّ مثل العمامة. لم يكن الحياء من شيم هؤلاء الفتيات أبداً؛ فهن يتزاحمن، ويدفعن، ويثرثرن، ويقهقهن. لقد دعتني إحداهن لرسم صورة شخصية لها، بينما تود الأخرى أن تعرف ما إذا كنت متزوجة، وتكتشف الثالثة أنني أشبه واحدة تدعى ماريا روزا، والتي يبدو أنّ جميعهن يعرفنها، ومن ثم تعرضت كل ملامح وجهي للمناقشة بشكل منفصل، ولم يخل الأمر في أغلب الأحوال من استخفاف. في هذه اللحظة الحاسمة، قام ل. في لحظة إلهام سعيدة، بعرض المطبوعات الملونة في كتاب جلبرت وتشرشل، وبالتالي حول مجرى اهتمامهم الشيء لصالحي. في هذه الأثناء استقرت الحشرات الطائرة علي في أسراب كالسحاب، تحلق في سمائي، وتغرق نفسها في زجاجات المياه، وتترك أرجلها في نباتات الفوّة البنية، على الرغم من كل المعوقات، إلا أنني أكملت رسمي، وعندما أعيدت الخيول للعربة كنت جاهزة لاستئناف الرحلة. الطريق الآن يسير بمحازاة بحيرة الصليب المقدس، وعلى رأسها يمتد سهل أخضر مرصع بأشجار الحور الفاتحة الريشية المصفرة- ومن الواضح أنّها كانت في وقت ما جزءاً من حوض البحيرة، الذي انحسرت عنه المياه قبل فترة طويلة. ومن هذه النقطة نبدأ السير مع خط الوادي، مروراً بقرية كادولا الجديدة الأنيقة، وفي كابو دي بونتي حيث مفترق وادي سيرافالي ووادي ميل في زوايا قائمة، ونصل مرة أخرى إلى نهر بياف، والآن ينتقل جيئة وذهاباً بين التلال الصخرية، مثل روني في لوك، وابيض حليبي من منبعه الجليدي في الدولميت العلوي. الجسر القديم في كابو دي بونتي- الجسر الذي يعود إلى العهد الفينيسي- اختفى الآن، وذهبت معه الأعمدة المزينة بأسد القديس مرقس الذي ذكره بول، وأشار إليه السيد جلبرت في كتابه "كادوري". وربما لا يزال بالإمكان اقتفاء آثار أجزاء الأرصفة العتيقة، ولكن هنالك جسر حديدي جديد وخفيف جداً يمتد الآن فوق النهر بارتفاع يتجاوز الخمسين ياردة. وفي كابو دي بونتي، لا يخطيء الملاحظ العادي غير الخبير، أنّ نهر بياف كان في وقت ما على الأقل (عندما قاد الانهيار الصخري العظيم المياه بعيداً عن سيرافالي) قد شكّل بحيرة أخرى، وهي الحوض الطبيعي الكبير الذي ما زال هناك، يشقه النهر في مجرىً فرعي ضحل. ويدخل النهر الطريق الآن وادياً آخراً مستقيماً وضيقاً- وادي نهر بياف- يسده الدولميت الخشن في نقطة متقدمة منه، على هيئة أسنان وإبر حادة. اقترب النهار من ختامه عندما وصلنا إلى هذه المنطقة. وتُقاد الأبقار بعد الحلب إلى المرعى مرة أخرى، يسير العمال بخطىً متثاقلة صوب الديار، وزمرة من بنات الريف بمناديلهن الحمر على رؤوسهن، يخضن حتى الركاب في مرج من الزهور البرية على جانب الطريق، فيبدين مثل مجموعة من الدمى المتحركة. ثم يتدلى قرص الشمس، وإذا بالسماء والجبال يصطبغن باللون الرمادي؛ وقبيل الغسق تماماً حللنا بلونغاروني. وهي قرية واسعة مترامية الأطراف بها كنيسة مبهرجة من عصر النهضة، وقليل من المتاجر القديمة، ونُزل كبير مهجور ذي درج وأرضية من الحجر- مالك بائس- وخادمة غرف حافية مذعورة تبدو كما لو أنّها صيدت تواً من الجبال- غرفه أشبه بالحظائر، وأرضياته بلا بُسط، ونوافذه بلا ستائر، وهكذا لم تكن انطباعاتنا الأولى عن لانغاروني مريحة أبداً. ولم يكن لمعرفتنا الأكثر حميمية القدرة على تغيير هذه الانطباعات بأي صورة كانت. لقد تناولنا طعامنا في الصحراء في غرفة معيشة في مفرش للطاولة، كانت الغرفة مضاءة بشمعة واحدة من الشحم. وقد كان الطعام عادياً، ومطهواً بطريقة عادية. أما النبيذ فكان أسوأ ما تذوقنا في إيطاليا.في هذه الأثناء استقرت نظرة من الرضا الكالح والمشؤوم على قسمات الرجل العظيم الذي اقتلعناه بلا حرمة من المكان الذي يزدهي بالإقامة فيه. " لقد أخبرتك بذلك" مكتوبة على كل خط في وجهه، وفي كل شعرة من شاربه. على الأقل لقد سُمح له بالمغادرة هذه الليلة، وأُخطِر بموعد إحضاره للعربة، ليس بوسعه البقاء صامتاً أكثر. " لن نجد فنادق أفضل من هذا في المكان الذي سنسافر إليه، إلى اللقاء سيداتي". يقول هذا في نبرة انتصار لا تخلو من تجهم، ثم يغادر بعد هذه العبارة المرة. كانت غرفتي تلك الليلة تبلغ حوالي 35 قدماً طولاً و 25 قدماً عرضاً، وتنعشها خمس نوافذ وأربعة أبواب. كانت النوافذ تطل على عدة جهات، الشارع، والفناء الخالفي، والاسطبلات. بينما تقود الأبواب إلى أجنحة لا نهائية من الغرف الموصدة الخالية، وجميع أنواع الطرقات المتداخلة. لم أر في حياتي مكان نوم أشد منه إثارة للذعر والخواطر الانتحارية وأكثر منه ترديداً للصدى!________________________________________* حوالي أربعة جنيهات إنجليزية________________________________________ بتكليف ورعاية من الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، وبدافع من حب المعرفة والسعي لنشرها قامت القرية الإلكترونية بتوفير هذه النسخة من الكتاب وسوف نقوم بنشرها على حلقات تباعاً هنا في جوجل بلس نأمل أن تحوز إعجابكم وأن تكون مساهمة في #نشر_المعرفةصفحتنا الرسمية في فيس بوك :https://www.facebook.com/mohammed.suwaidi.poet/منصتنا في جوجل بلس لمتابعة باقي مشروعاتناhttps://plus.google.com/+HisExcellencyMohammedAhmedAlSuwaidi?hl=ar(جميع الحقوق محفوظة), Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi....
اعرض في فيس بوك , Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi قمم غير موطوءة وأودية غير مطروقةالباب الأول : من جبل جينيروسو إلى مدينة البندقيةتأليف:إيمليا إدواردز | ترجمة: أميمة قاسم--- خريف في شمال إيطاليا، شتاء في روما، ذروة....
اقرأ المزيد ... قمم غير موطوءة وأودية غير مطروقةالباب الأول : من جبل جينيروسو إلى مدينة البندقيةتأليف:إيمليا إدواردز | ترجمة: أميمة قاسم--- خريف في شمال إيطاليا، شتاء في روما، ذروة المدّ في سورينتو أعادت الصيف من جديد، مرة أخرى، صيفٌ إيطالي سخيٌ، بثروته من الفواكه، والأزهار، حره القائظ، وسطوعه الذي يغشي العيون. منذ زمن سحيق انطلق المد البربري باتجاه الشمال، وتوغل في سويسرا. حتى من بقوا لفترة أطول ابتهجوا عندما أداروا وجوههم ناحية الهضاب؛ وهكذا تصادف أن وجدت الكاتبة وصديقها الذي انضم إليها مؤخراً في نابولي، نفسيهما حوالي منتصف شهر يونيو من عام 1872، يتنفسان نسائم مونتي جينيروسو الأقل حرارة.وثمة نُزُل هنا، مزدحم حد الفيضان، وتكثر بين ضيوفه أعداد الأصدقاء الرومان منذ الموسم السابق. هنا أيضاً الكثير من المدرجات الخضراء، والغابات الظليلة، والمروج المزدانة بأنواع الزهور البرية التي لم يسبق لأيٍّ منا رؤية مثلها في أي مكان آخر. البحيرات التي يتصاعد منها البخار والتي قد فررنا منها للتو- كومو، لوغانو، وماجوري- ما تزال في مكانها، مثل ملاءات تلمع على بعد ثلاثة آلاف قدم تحتنا.يمتد سهل اللومباردي على أحد الجانبين يتلظى طوال اليوم في السحب المشتعلة إلى حد الأفق. مناطق الثلج الواسعة تربط سويسرا وتيرول من الجهة الأخرى، تتوهج مع طلوع فجر كل يوم، وتمسي قرمزية عندما تغيب الشمس خلفها في بهاء كل ليلة.وبدوام حضور هذا المشهد البديع أمام أعيننا، بتعاقب أضوائه وظلاله، وتأثيره السحري على إكليل السحاب والزخات- نختطف الآن لمحة مباغتة لفيستراهورن ومنطقة بيرن- الآن رؤيا شبحية لجبل روزا، أو ماترهورن، أو حتى ( في صباحٍ صافٍ من القمة التي تقع خلف الفندق) لأورتلر سبيتز على حدود تيرول القصيّة- بدأنا نفكر ونتحدث أقل عن جولتنا المقترحة في إنجادين؛ للنظر أكثر بشيء غير قليل من الحنين تجاه الأفق الشمالي الشرقي؛ وأن نحلم بشسوع هذه الجبال التقية إلى ما وراء فيرونا التي نعرف عنها- إلى حد ما- كما يفعل الدولمن.الدولمن! لقد انقضت خمس عشرة سنة منذ أن رأيت رسوماتهم بيد الفنان العظيم الذي لم يمض طويل وقت على وفاته، وما اتسمت به من خطوط غريبة، والألوان الغريبة ما زالت تسكنني مذاك. لقد كنت أخالها مثل أي صيف أتى؛ ندمت عليها كل خريف؛ احتفيت بالأمل الواهِي فيها كل ربيع. رسم مدينة البندقية في جندول قبل سنة من وقت كتابتي، اعتدت دائماً النظر إلى القمم الزرقاء الخافتة وراء مورانو.باختصار، لقد كان شوقاً قديماً: والآن عالياً على جانب الجبل، مع زيرمات وإنجادين قريبة في متناول الخطى، وقمم الألب الكثيرة تمتد حتى منتصف الأفق، تعود فيّ بتلك القوة التي تجعل كل ما ينبغي أن نراه في هذه الجبال والطرق يبدو مقهوراً ومرفوضاً.لحسن الحظ، قرأ صديقي (الذي سوف أدعوه ل. لدواعي الخصوصية) وحلم بالدولمن، وقد كان تواقاً لمعرفة الكثير عنهم مثلي؛ ولذلك سرعان ما بلغنا تلك المرحلة من تأريخ كل بعثة عندما تذوب الاحتمالات الواسعة في المؤكد المخطط له، ودراسة الخرائط والمسارات تضحي هي الشغل الشاغل الممتع يوماً بعد يوم.كان يتعين علينا بالطبع اجتياز بعض العقبات؛ ليس فقط تلك الصعوبات المتعلقة بالسكن والمرور التي تجعل ضاحية الدولمن أصعب في الوصول إليها عن كثير من المناطق النائية، ولكن الصعوبات الخاصة التي تنشأ من محيطنا الراهن. كانت صوفيا على سبيل المثال (خادمة ل.)، وهي- كونها رقيقة- كانت أقل منا قدرة على تحمل العمل في الجبل. وكانت هنالك عقبة المرافق الكبرى- وهو سيد ذو ذوق عالٍ وغالٍ، والذي كان يبغض ما يفهم بشكل عام على أنّه "تصعيب للأمور"، مزدرياً البساطة البدائية، وقال بالضبط إنَّ على مخدميه أن يقصروا إلى حدٍ صارم حبهم للمناظر الطبيعية الرائعة على المناطق التي تتوفر على طرق القطارات والفنادق من الدرجة الأولى.حتى إنَّ الحصول على دعم هذا الرجل الشهير لمشروعنا الجديد أصبح- بجلاء- أمراً ميؤوساً منه، عليه ناقشنا الأمر سراً "بأنفاس متسارعة"، وافترضت الإجراءات في الحال تلك الروح المبهجة للمؤامرة. لقد كان القس جون آر متواطئاً من البداية، وهو الذي كان يمثل لبضعة أسابيع دور قسيس إنجليزي في ستريزا. لقد قام بالسير عبر مسار الدولمن خاصتنا قبل سنوات قليلة، وعليه قدم لنا ذلك النوع من النصائح العملية الأكثر قيمة في حال السفر وأجلّ قائدة.ولهذا ولأجل عدم اكتراثه الشجاع للغيظ الشديد من المرافق؛ والطريقة المفعمة بالطاقة التي قبل فيها بمواعيدنا في المنازل الصيفية، وشهد اجتماعاتنا المختلسة خلف الأبواب الموصدة عندما كان الخدم يتناولون وجباتهم، (وبتجاهل نبيل للمظاهر لا نستطيع أبداً أن نوفيه حقه من العرفان)؛ أقدم له هنا امتناننا القلبي المخلص.أخيراً وبعد أن تم التخطيط لكل شيء، أصبح من الضروري إعلان تغيير مسارنا. وتم استدعاء الرجل العظيم بمقتضى ذلك؛ الكاتب، لم يكن مشهوراً بالشجاعة الأخلاقية، فتراجع على نحو مخزٍ؛ وانبرى ل. المقدام للمهمة الخطرة. ولم تتسرب أية تفاصيل من تلك المقابلة الهائلة. ويكفي أنّ ل خرج منها رابط الجأش لكنه منتصر؛ وهكذا هو الرجل العظيم، أعظم شيءٍ عند الهزيمة، ومنذ ذلك الحين فصاعداً ضبط نفسه على هدوء لطيف كما الشهداء، بينا يفوق اعتزازه بنفسه الوصف.والآن، هنالك ثلاثة طرق يمكن عبرها الدخول إلى منطقة الدولمن. بالاسم: بوتزن، برونيكن، أو البندقية؛ وكان البدء بالبندقية يتاسب مع خطتنا البعدية. عليه وفي يوم الخميس السابع عشر من يونيو، ودعنا أصدقاءنا على جبل جينيروسو وانطلقنا في جمال الصبح الباكر ونسائمه المنعشة. كان يوماً موعوداً بالنسبة لبداية رحلة كهذه.أرعدت السماء بشدة في الليلة السابقة، وما زالت آخر الأكوام تتدحرج في حاجز طويل الأمواج عند التقاء الأرض بالسماء. فالتمعت سهول اللومباردي شاسعة ونائية؛ تألقت ميلانو، قطعة من الرخام في وسط المدى، وعلى نقطة هي أبعد ما يكون، كمسلة من الثلج الناصع، باهتة اللون، وعند النظر إليها والجو صحو نجد جبل فيزو وقد انتصب على بعد مائة وعشرين ميلاً.الطريق يأخذ في الانحدار بسرعة شديدة، وتسد الغابات الكثيفة مد البصر، وفي أقل من ساعتين من الزمان كنا مرة أخرى نهبط إلى ميندريزو، وهي بلدة صغيرة نظيفة بها فندق ممتاز، حيث ينطلق المسافرون إلى الجبل، أما القادمون إلى السهول فقد خلدوا للراحة. نترك هنا أمتعتنا الثقيلة، محتفظين بحقائب صغيرة فقط لاستخدامها أثناء الجولة. وننضم هنا أيضاً إلى إحدى العربات لتأخذنا إلى كومو حيث وصلنا قبل أن ينتصف النهار، وبعد رحلة مثيرة للملل والغبار لأكثر من ساعتين أو نحو ذلك. ولقد كنا ننوي أن نبلغ في تلك الظهيرة بيلاجيو، وفي الصباح نأخذ الباخرة إلىليكو، حيث نأمل أن نلحق بقطار الساعة 9:25 الذي يصل إلى مدينة البندقية في الرابعة والنصف. وبما أننا كنا على تلك الدرجة من التعب فقد تلقينا خبر تأخر وقت مغادرة الباخرة إلى الثالثة بمزيد من السرور. بالإضافة إلى أنه بمقدرونا الخلود إلى الراحة لساعتين في فندق فولتا- ليس فقط الأفضل في كومو بل واحد من أفضل الفنادق في إيطاليا. وهنا استرحنا وتناولنا غداءنا، وعلى الرغم من حرارة الظهيرة الشديدة في الخارج اتفقنا على أن نبتعد وصولاً لتلك المنمنمة الرخامية الصغيرة الرائعة، الكاتدرائية. ونظل هناك حتى آخر لحظة، متفحصين النحت الغائر الشبيه بالحجر الكريم للجهة، الوحوش الغريبة من عصور مجهولة، والتي ترتكز عليها أحواض الماء المقدس بالقرب من المدخل، والتصميم القوطي الرقيق لصحن الكنيسة والممرات، وركضنا عائدين في الوقت تماماً لنرى أمتعنا وهي تنقل على العجلات الى الرصيف البحري، ووجدنا أنَّ الباخرة لا تكتظ فقط بالركاب، ولكن سطحها مكدس إلى علو كبير ببالات الحرير الخام، والسلال الفارغة، والبضائع من كل صنف. كنا الانجليزيين الوحيدين على متن السفينة، كما كنا الانجليزيين الوحيدين في الشوارع، وفي الفندق، وفي بلدة كومو بكاملها على ما يبدو. وقد كانت إحدى رفيقاتنا الركاب من الطبقة البرجوازية- رئيسة شجاعة في إحدى المستشفيات، ذات كفين بنيتين مملوءتين، ويلفهما قفاز شبكي ويعجّان بالخواتم؛ وعمداء الأسر يعتمرون قبعات القش؛ والسيدات الشابات ذوات العينين السوداوين، والأوشحة المخنثة، وأحذية أطفالية ملونة من جلد الغزال، ومجموعة صغيرة من القسس. وربما كان هذا هو يوم السوق في كومو؛ لأنّ مقدمة سطح السفينة اكتظت بالريفيين الثرثارين، وبشكل خاص النساء في قباقيبهن الخشبية، وبعضهن ارتدين فوق شعورهن المضفرة غطاء للرأس على شكل مروحة من دبابيس الفضة، التي كانت إحدى سمات إقليم تشينو، على الحدود السويسرية في الجوار، ويشيع لبسه في منطقة البحيرات.وهكذا انطلق الزورق خارج الميناء الصغير وعلى طول البحيرة الزجاجية، يُنزل عدداً من الركاب في كل محطة، وتحتسي الممرضات جعة الشيافينّا المثلجة؛ بينما يتحدث القسس إلى بعضهم في جمع صغير، في بهجة. كانوا ثلاثة أحدهم يميل إلى الحمرة، وبه مرح، ومهلهل الثياب إلى حدٍ ما. أما الثاني فكان محدودب جداً، وأدرد الفم ومتواضع، ورثّ المظهر إلى حدٍ ملحوظ؛ بينما كان الثالث يرتدي ملابس واسعة ولامعة، وسترة قصيرة من قماش الساتان الأسود، ويعامل نفسه كسيد، ورجل الأناقة والمعرفة والخبرة، وكان يبدو عليه التحرر بعلبة نشوقه الفضية، وكان عليه أن يفتح فمه فقط ليثير ضحكة غامضة. وأنزلنا الاثنين أولاً في مجموعة قرى صغيرة على الطريق الموازي للمياه، ونزل الأخير على الشاطيء في كادينابيا، في قارب أنيق بمجدافين. تمر في الأثناء مسرعة مناظر رائعة متجددة للهضاب كثيفة الأشجار، والكروم، والقرى، والحدائق المدرجة، والقصور اللامعة مغروسة في حقول البرتقال. سرعان ما انتهت الرحلة الجميلة، وما زالت الشمس في أوج السماء عندما وصلنا بيلاجيو؛ وهي منتجع للراحة الشهية، إن كان ذلك لساعات قليلة فقط.وعلى أية حال، في الصباح التالي، الساعة السابعة والربع، ركبنا مرة أخرى وانطلقنا ولكن ببطء شديد هذه المرة صوب ليكو، حيث وصلنا بالضبط مع صافرة انطلاق قطار الساعة 9:25. والآن، وبما أنّ هنالك رحلتين فقط في اليوم من هذا المكان، والقطار التالي لن يتحرك قبل سبع ساعات، لنصل إلى البندقية حوالي الساعة الحادية عشرة ليلاً، فقد بدا وضعناً خطيراً. قدنا السيارة إلى الفندق، الذي بدا أفضل ما يكون؛ ومالكة الفندق، التي كانت سيدة لمّاحة ومفعمة بالحيوية، اقترحت علينا أن نركب عربة تأخذنا إلى بيرغامو عبر الريف حتى نستطيع اللحاق بالقطار السريع القادم من ميلانو في الساعة 11:13 دقيقة. وقد كانت العربة واقفة بالفعل في الفناء؛ واثنان من الخيول جاهزان في الإسطبل، وأيضاً كان حفيدها على استعداد للقيادة، أخف عربة، وأفضل جياد، و السوط الأكثر حنكةً في ليكو!إنّها سيدة صغيرة لا نظير لها في النشاط. لقد منحتنا الوقت للتشاور؛ وساعدتنا على وضع الأحصنة بأيديها، وشجعتنا على الذهاب بحماسة كأنما ازدهار فندقها يتوقف على التخلص من نزلائها بأسرع ما يمكن. وهكذا انطلقنا نعد الأميال والدقائق على طول الرحلة، فندخل منتصرين إلى محطة بيرغامو قبل وصول القطار السريع بخمس وعشرين دقيقة.ثم وصل ذلك القطار المشهور، حافلاً للغاية بالجمال والغنى في رومانسية عتيقة، حتى إنّ أسماء المحطات وحدها على طول الخط تجعل من قراءة كلمة برادشو كصفحة من الشعر-بريشيا، فيرونا، فيسينزا، بادوا، البندقية. أما المسافر الذي سبق له المرور بجميع هذه الأمكنة في رحلاته، وتربطه الإلفة بكل من الأماكن الرائعة التي تسرع إلى الوراء، فأنا لا أعرف متعة أعظم من المرور بها هكذا في عرض خاطف، بينما تطوى المسافة بين ميلانو إلى البندقية في نهار صيفي مشرق.. يا لها من روائع تترى الواحدة بعد الأخرى! سلسلة من الذكريات يجر بعضها بعضاً! يا لها من حلم جميل طويل بالمدن العتيقة ذات المتاريس المتشعبة؛ وأديرة بيضاء تطفو على الهضاب المزروعة بأشجار السرو؛ والقرى التي تشبه عناقيد الكرم، لكل منها برج رشيق للجرس؛ وقلاع مبنية بالحجر، وأطلال بلدات من العصور الوسطى؛ أنهار برّاقة، وغابات زيتون، وكروم مترامية مد البصر؛ ووراء كل هذا خلفية من البال الزرقاء تتفاوت خطوطها، وتتغير في ألوانها، مثل السحب التي تبحر فوقها ويطير من فوقها القطار!كنا قد وصلنا البندقية بحلول الساعة الخامسة. ولم أظن عندما اتجهت جنوباً في الخريف الماضي أنني سأجد نفسي سرعان ما سأمخر عباب أمواهه الحميمة مرة أخرى. وإني أكاد لا أصدق أنّ القناة الكبرى كانت هنا، وهناك جسر ريالتو، وتلك القباب البيضاء التي بدأت تظهر الآن على الأفق، هي قباب القديسة مريم سيدة السلام. ويبدو الأمر كله مثل الأحلام. بيد أنّه، على نحوٍ ما، لم يكن كالأحلام بقدر ماهو كحقيقة متغيرة. لقد كانت هي مدينة البندقية، ولكنها ليست تماما كما كانت. لقد كانت البندقية أكثر خنوثة، وامتلاءً وصخباً؛ خالية من الإنجليز، والأمريكان، والسياح، تعجّ بالإيطاليين الذين يتدفقون في كل نوع وضرب من أزياء الصيف؛ تزدحم بالفنانين من جميع الجنسيات يرسمون في القوارب، أو تحفهم الحشود المحدقة في الزوايا والأورقة الظليلة؛ البندقية التي أضحت مياهها الوامضة الآن تمزقها آلاف الزوارق السريعة، بمظلاتها المخططة الأنيقة المختلفة ألوانها؛ حيث اختفت تماماً تلك الزوارق المعقودة – مثل نعوش الموتى- معبأة بالغموض والشعر. البندقية التي احتشد جانب كل قناة فيها بالصبية الصغار الذين يتعلمون الغوص، والسباحين من كل الأعمار؛ حيث العشرات من البواخر( مقارنة مع قوارب قرش الهنغرفورد التي تبدو مثل القصور العائمة) التي كانت تسرع في الاتجاهين كل ربع ساعة بين شط شيافوني وأماكن السباحة على ليدو، البندقية التي بزغت فيها فجأة بين كل منزل وآخر في كل ميادينها؛ المقاهي التي تعزف فيها الفرق النحاسية، وينادى فيها على حلوى الكراميل والمشروبات المثلجة التي تحتسى منذ السابعة صباحاً إلى ساعات متأخرة بعد منتصف الليل؛ إنّها البندقية- باختصار- تلك التي كانت تتشمس في اغتباط موسم السباحة، عندما يحتشد أهالي سائر إيطاليا الواقعة شمال نهر التيبر، ونسبة كبيرة من الغرباء القادمين من فيينا، وسان بترسبرغ، وشواطيء البلطيق، ليتنشقوا نسمات البحر الإدرياتيكي العليلة.مكثنا ثلاثة أيام في دانيلي بما في ذلك يوم الأحد، وفي اعتبارنا أننا كنا نتجه إلى منطقة حيث الطرق كانت قليلة، والقرى متباعدة، والنُزُل نادراً ما تشتمل على الضروريات العامة، فقصدنا أحد المتاجر العامرة للتزود بما يعيننا على مشاق الرحلة.. وكنا قد أمضينا يومي السبت والاثنين في متاهات الخردوات. واشترينا هنا سلتين مناسبتين من الخوص، وما يكفي لتعبئتهما بالشاي، والسكر، وبسكويت ريدنغ المعلب، وألواح الشوكولاتة، وخلاصة لحم تحمل العلامة التجارية ليبيج، وقارورتين من الكونياك، وأربع من المارسالا، وفلفلًا، وملحًا، وآروروت، وقارورة معدنية لأرواح النبيذ ونبيذ إتنا. وهكذا، استطعنا الاعتماد في كل الأحوال على مواردنا الخاصة، وكنا نعتقد أنّه بإمكاننا الحصول على الخبز والحليب والبيض في أي مكان. وقد ثبت لنا بمرور الوقت أننا قد بالغنا في تقدير ثراء البلاد عندما بنينا تلك الأمال البسيطة حتى، لأننا لم نستطع في أحيان كثيرة أن نحصل على الحليب(نسبة لتحول الأبقار إلى المراعي العليا)، كما أننا لم نستطع في إحدى القرى التي يبلغ عدد سكانها على الأقل ثلاث أو أربع مئات من الأنفس الحصول على قطعة خبز واحدة. وهنالك نقطة أخرى كانت بالنسبة لنا بمثابة "الاختبار" الأشد، وهي مسألة السروج الجانبية، والتي كان السيد ر. على جبل جينيروسو قد أشار علينا بشرائها، وأخذها معاً، إذ كان يشك أننا لا نستطيع الحصول عليها بين كورتينا وبوتزن. وهنالك صديق آخر طمأننا على أية حال بوجودها في كابريلي، و كان هنالك واحدٌ أمَّلنا أننا ربما نجد اثنين أو أكثر، ولكننا على أية حال لم نكن نريد زيادة الأشياء وتحمل عبء ثلاثة من السروج الجانبية (آخر اثنين في المقاطعة بأكملها) قسراً طوال الرحلة؛ ولكن كان هذا نصراً جريئاً لا ينبغي تكراره. وينبغي علينا في المرة القادمة أن نوفر لأنفسنا السروج الجانبية إما من بادوا، أو فيسينزا من جهة، أو من بوتزن من الجهة الأخرى. بحلول مساء الاثنين الأول من شهر يوليو، اكتملت تجهيزاتنا؛ وحزمنا سلال مؤونتنا، ووضعنا فيها مخزوننا من مواد الكتابة والرسم، وكان كل شيء على أتم الاستعداد لبداية باكرة في الصباح التالي._______________بتكليف ورعاية من الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي، وبدافع من حب المعرفة والسعي لنشرها قامت القرية الإلكترونية بتوفير هذه النسخة من الكتاب وسوف نقوم بنشرها على حلقات تباعاً هنا في جوجل بلس نأمل أن تحوز إعجابكم وأن تكون مساهمة في #نشر_المعرفةصفحتنا الرسمية في فيس بوك :https://www.facebook.com/mohammed.suwaidi.poet/منصتنا في جوجل بلس لمتابعة باقي مشروعاتناhttps://plus.google.com/+HisExcellencyMohammedAhmedAlSuwaidi?hl=ar(جميع الحقوق محفوظة), Electronic Village, His excellency mohammed ahmed khalifa al suwaidi, Arabic Poetry, Arabic Knowledge, arabic articles, astrology, science museum, art museum,goethe museum, alwaraq, arab poet, arabic poems, Arabic Books,Arabic Quiz, القرية الإلكترونية , محمد أحمد خليفة السويدي , محمد أحمد السويدي , محمد السويدي , محمد سويدي , mohammed al suwaidi, mohammed al sowaidi,mohammed suwaidi, mohammed sowaidi, mohammad alsuwaidi, mohammad alsowaidi, mohammed ahmed alsuwaidi, محمد السويدي , محمد أحمد السويدي , muhammed alsuwaidi,muhammed suwaidi....
اعرض في فيس بوك